التفاعل
385
الجوائز
23
- تاريخ التسجيل
- 15 أكتوبر 2015
- المشاركات
- 323
- آخر نشاط
الحمد لله على إحسانه العميم، وصلى الله سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث بالدين القويم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أكمل تسليم .وبعد سبب تأخر الإنسان عن الفضيلة لا تخلو من أوجه:
إما أن تكون نقصاً في أصل خلقته وعجزاً مركباً في جبلته يتقاعد به عن تحصيل القوة وجمع الآلة التي يتوصل بها إلى السعادة كمن تضعف نحيزته، أو لا يفضل عن طلب معايشه الضرورية في وقته، أو لا يجد هادياً يرشده، فمن كان كذلك فمعذور لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وأما أنه غير عاجز عن ذلك لكن لم يساعده على بلوغه عمره فذلك قد وقع أجره على الله لما قال الله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله). وأما أن يتفق له مُرَبٍ ومعلم مُضلٌ فيضله عن الطريق، وهذا إن لم يتمكن من الاهتداء بمن يرشده ويسدده يكون معذوراً، والإثم فيما يرتكبه لمن قد أضله لا له كما قال الله تعالى في المضلين: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألاَ ساءَ ما يزرون). وإن تمكن بعد ممن يهديه فلم يهتد به يكون هو ومضله مشتركين في الإثم كما قال الله تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم). وأما أن يكون ضلاله من جهة نفسه لا من جهة شيء مما تقدم، وذلك هو المتوعَّد بالعذاب، فمن أزاح الله علته بالفهم والكفاية والعلم الناصح فرغب عن الاهتداء وترك طريقة الرشاد، يكون كمن وصفه الله تعالى بقوله: (واتلُ عليهم نبأَ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) وبقوله: (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذَّب وأبى) وأكثر منه عقوبة من استفاد العام وعرف الحق وسلك من طريق الخير مراحل ثم ارتد عنها راجعاً، كمن وصفه الله بقوله: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى سوَّلَ لهم وأملى لهم) وبقوله: (ومن يرتد منكم عن دينه... الآية).
الباب التاسع والعشرون
في أحوال الناس ومنازلهم وفي تعاطي الأفعال المحمودة والمذمومة وطرقها الناس في إقامة العبادات وتحري الخيرات على أربعة أضرب: الأول من له العلم بما يجب أن يفعل وله مع ذلك قوة العزيمة على العمل به وهم الموصوفون بقوله عزَّ وجل في غير موضع: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب). والثاني من عدمهما جميعاً وهم الموصوفون بقول الله تعالى: (إن شرَّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) وقوله: (إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا). الثالث. من له العلم وليس له قوة العزيمة على فعله، فهو في مرتبة الجاهل بل هو شرٌّ منه، كما روي أن حكيماً سئل: متى يكون العلم شرّاً من الجهل فقال: أن لا يعمل به. وروي عن أمير المؤمنين عليّ كرَّم الله وجهه أنه قال: من كانت ضلالته بعد التصديق بالحق فهو بعيد من المغفرة. الرابع من ليس له العلم لكن له قوة العزيمة، فهذا متى انقاد لأهل العلم وعمل بقولهم أنجح في فعله وصار من الموصوفين بقوله تعالى: (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً).
والأفعال الجميلة والقبيحة يتقوى الإنسان فيها بتكريرها مراراً كثيرة وزماناً طويلاً وقتاً بعد وقت في أوقات متفاوتة، فإن من فعل ذلك في شيءٍ اعتاده، وإذا اعتاده تخلق به، فالحذق في الصناعة كالكتابة مثلاً يكون باعتياده فعل من هو حاذق في الكتابة. والأفعال التي يتعاطاها المتخلق بها تصير خلقاً. فحق الإنسان أن يتدرب بفعل الخير، فإن من تعوَّد فعلاً صار له ملكة، كالصبي قد يلعب بتعاطي صناعة فيؤدي لعبه بها إلى أن يتعلمها.
فصل
العبادات تكون محمودة إذا تعاطاها الإنسان طوعاً واختياراً لا اتفاقاً واضطراراً ودائماً في زمان دون زمان، لأجل أن ذاتها حسنة لا لأجل غيرها، فمن أقامها على هذا الوجه فهو الموصوف بقوله تعالى: (واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً). وقال النبي ﷺ: " أخلص يكفك القليل من العمل ولا يرضى تعالى إلا الإخلاص " كما قال الله تعالى: (ألاَ لله الدين الخالص). فإن من فعل خيراً نحو أن يصلي لأنه اتفق اجتماعه مع المصلين فساعدهم أو أكره أن يصلي أو صلاَّها في شهر رمضان مثلاً دون سائر الأوقات أو لأجل أن ينال بها جاهاً أو مالاً، فليس ذلك مما يستحق بها محمدة. وكذا من ترك قبيحاً أما اتفاقاً أو اضطراراً أو خوفاً أو في أي زمان دون زمان أو لأن ينال بذلك أمراً دنيوياً فليس بمحمود، ولهذا قال الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوه مَنّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون). تنبيهاً على أن من لم يُنفق ماله هكذا ويعلوه خوفٌ من الفقر وحزن على الإنفاق فلا يحصل له بذلك فضيلة ثم قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاءَ الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب... الآية).
والى غد ان شاء الله
إما أن تكون نقصاً في أصل خلقته وعجزاً مركباً في جبلته يتقاعد به عن تحصيل القوة وجمع الآلة التي يتوصل بها إلى السعادة كمن تضعف نحيزته، أو لا يفضل عن طلب معايشه الضرورية في وقته، أو لا يجد هادياً يرشده، فمن كان كذلك فمعذور لقوله تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) وأما أنه غير عاجز عن ذلك لكن لم يساعده على بلوغه عمره فذلك قد وقع أجره على الله لما قال الله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله). وأما أن يتفق له مُرَبٍ ومعلم مُضلٌ فيضله عن الطريق، وهذا إن لم يتمكن من الاهتداء بمن يرشده ويسدده يكون معذوراً، والإثم فيما يرتكبه لمن قد أضله لا له كما قال الله تعالى في المضلين: (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألاَ ساءَ ما يزرون). وإن تمكن بعد ممن يهديه فلم يهتد به يكون هو ومضله مشتركين في الإثم كما قال الله تعالى: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم). وأما أن يكون ضلاله من جهة نفسه لا من جهة شيء مما تقدم، وذلك هو المتوعَّد بالعذاب، فمن أزاح الله علته بالفهم والكفاية والعلم الناصح فرغب عن الاهتداء وترك طريقة الرشاد، يكون كمن وصفه الله تعالى بقوله: (واتلُ عليهم نبأَ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين) وبقوله: (ولقد أريناه آياتنا كلها فكذَّب وأبى) وأكثر منه عقوبة من استفاد العام وعرف الحق وسلك من طريق الخير مراحل ثم ارتد عنها راجعاً، كمن وصفه الله بقوله: (إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى سوَّلَ لهم وأملى لهم) وبقوله: (ومن يرتد منكم عن دينه... الآية).
الباب التاسع والعشرون
في أحوال الناس ومنازلهم وفي تعاطي الأفعال المحمودة والمذمومة وطرقها الناس في إقامة العبادات وتحري الخيرات على أربعة أضرب: الأول من له العلم بما يجب أن يفعل وله مع ذلك قوة العزيمة على العمل به وهم الموصوفون بقوله عزَّ وجل في غير موضع: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب). والثاني من عدمهما جميعاً وهم الموصوفون بقول الله تعالى: (إن شرَّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) وقوله: (إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا). الثالث. من له العلم وليس له قوة العزيمة على فعله، فهو في مرتبة الجاهل بل هو شرٌّ منه، كما روي أن حكيماً سئل: متى يكون العلم شرّاً من الجهل فقال: أن لا يعمل به. وروي عن أمير المؤمنين عليّ كرَّم الله وجهه أنه قال: من كانت ضلالته بعد التصديق بالحق فهو بعيد من المغفرة. الرابع من ليس له العلم لكن له قوة العزيمة، فهذا متى انقاد لأهل العلم وعمل بقولهم أنجح في فعله وصار من الموصوفين بقوله تعالى: (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً).
والأفعال الجميلة والقبيحة يتقوى الإنسان فيها بتكريرها مراراً كثيرة وزماناً طويلاً وقتاً بعد وقت في أوقات متفاوتة، فإن من فعل ذلك في شيءٍ اعتاده، وإذا اعتاده تخلق به، فالحذق في الصناعة كالكتابة مثلاً يكون باعتياده فعل من هو حاذق في الكتابة. والأفعال التي يتعاطاها المتخلق بها تصير خلقاً. فحق الإنسان أن يتدرب بفعل الخير، فإن من تعوَّد فعلاً صار له ملكة، كالصبي قد يلعب بتعاطي صناعة فيؤدي لعبه بها إلى أن يتعلمها.
فصل
العبادات تكون محمودة إذا تعاطاها الإنسان طوعاً واختياراً لا اتفاقاً واضطراراً ودائماً في زمان دون زمان، لأجل أن ذاتها حسنة لا لأجل غيرها، فمن أقامها على هذا الوجه فهو الموصوف بقوله تعالى: (واخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجراً عظيماً). وقال النبي ﷺ: " أخلص يكفك القليل من العمل ولا يرضى تعالى إلا الإخلاص " كما قال الله تعالى: (ألاَ لله الدين الخالص). فإن من فعل خيراً نحو أن يصلي لأنه اتفق اجتماعه مع المصلين فساعدهم أو أكره أن يصلي أو صلاَّها في شهر رمضان مثلاً دون سائر الأوقات أو لأجل أن ينال بها جاهاً أو مالاً، فليس ذلك مما يستحق بها محمدة. وكذا من ترك قبيحاً أما اتفاقاً أو اضطراراً أو خوفاً أو في أي زمان دون زمان أو لأن ينال بذلك أمراً دنيوياً فليس بمحمود، ولهذا قال الله تعالى: (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوه مَنّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون). تنبيهاً على أن من لم يُنفق ماله هكذا ويعلوه خوفٌ من الفقر وحزن على الإنفاق فلا يحصل له بذلك فضيلة ثم قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاءَ الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب... الآية).
والى غد ان شاء الله