الفرق بين "سبع سَنابِل وسبع سُنبلات"

طموح الامل

:: عضو مُشارك ::
إنضم
15 ماي 2013
المشاركات
187
نقاط التفاعل
195
النقاط
9
بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين "سبع سَنابِل وسبع سُنبلات"

---------------------------------------------

قال الله عز وجل :{ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ }(البقرة:261) ، فأتى بتمييز العدد ( سبع ) على ( سَنَابِلَ ) ، وهو جمع كثرة ، وكان من حقه أن يؤتى به على ( سُنْبُلاتٍ ) ؛ ليطابق العدد معدوده ، كما في قوله تعالى :{ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } (يوسف:43‏) .


والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لم عدل عن ( سُنْبُلاتٍ ) في آية يوسف إلى ( سَنَابِلَ ) في آية البقرة ؟
والجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه :

الوجــــــه الأول :
أن المقام في آية البقرة مقام تكثير وتضعيف ، فناسب ذلك جمع الكثرة . أما آية يوسف فلا مقتضًى فيها للتكثير والتضعيف ، فأتى بجمع القلَّة ؛ ليطابق اللفظ المعنى .

وهذا الوجه نقله الزركشي في البرهان عن بعضهم . وبنحو هذا الجواب أجاب البقاعي في نظم الدرِّ عند تفسير قوله تعالى :{ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ } ، فقال :« ولما كان تأويل المنام : الجدب والقحط والشدة ، أضاف العدد إلى جمع القلة ، بخلاف ما كان في سياق المضاعفة في قوله:{ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ } ، فقال :{ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ }»


الوجــــــه الثاني :
قيل : إن جمع السلامة ، بالواو والنون ، أو بالألف والتاء ، لا يميَّز به من ( ثلاثة ) إلى ( عشرة ) ؛ إلا في موضعين :
أحدهما : ألا يكون لذلك المفرد جمع سواه ؛ كقوله تعالى:{ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }(الطلاق:12) ، فجاء بجمع ( سماء ) على ( سموات ) ؛ لأنه ليس لها سوى هذا الجمع .
وكذلك :{ سَبْعَ بَقَرَاتٍ }(يوسف:43) ، :{ تِسْعَ آيَاتٍ }(الإسراء:101) ، :{ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ }(البقرة:157) ؛ لأن ( بقرة ) ، و( آية ) ، و( صلاة ) ليس لها سوى هذا الجمع ، ولم تجمع على غيره .

والثاني : أن يكون مجاورًا لما أهمل فيه هذا الجمع ، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع ، فيعدل إليه لمجاورة غيره ؛ فقوله تعالى :{ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ }(يوسف:46) ، لمَّا عُطِفَ على :{ سَبْعَ بَقَرَاتٍ }(يوسف:46) وجاوره ، حَسُن فيه الجمع بالألف والتاء .

ولو كان لم يُعْطَفْ ولم يجاور ، لكان :{ وسَبْعُ سَنَابِلَ } كما في آية البقرة ؛ ولذلك إذا عرِّيَ الجمع عن المجاور ، جاء على صيغة جمع التكسير في الأكثر والأوْلى ، وإن كان يجمع جمع سلامة ،
ومثال ذلك قوله تعالى :{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ }(الحاقة:7) ، وقوله :{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ }(المؤمنون:17) .
لم يقل ( سبع ليلات ) ، ولا ( سبع طريقات ) ، وإن كان ذلك جائزًا في جمع : ( ليلة ) ، و( طريقة ) .


ويتحصَّل من ذلك : أن قوله تعالى :{ سَبْعَ سَنَابِلَ } جاء على ما تقرر في العربية ، من كونه جمعًا متناهيًا ، وأن قوله :{ وَسَبْعُ سُنْبُلاتٍ } ؛ إنما جاز لأجل مشاكلة:{ سَبْعَ بَقَرَاتٍ }قبله ومجاورته له .

وهذا حاصل جواب أبي حيان في البحر المحيط ، وهو الصواب ، إن شاء الله ؛ لأن الجواب الأول ، لو صح حمل آية البقرة وآية يوسف عليه ، فإنه لا يصح حمل غيرهما من الآيات عليه ؛ كقوله تعالى :{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ }(الحاقة:7) ، وقوله :{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ }(المؤمنون:17) .. والله تعالى أعلم !

الوجــــــه الثالث :
أن ( جمع القلة ) نوعان : جمع تكسير ، وجمع سالم :
أما جمع التكسير فذكر اللغويون له أربعة أوزان (فِعْلَة ، أفْعَال ، أفعُل ، أفْعِلَة ) .
وأما الجمع السالم فما كان بالألف والتاء ، والواو والنون ، أو الياء والنون .
ويشترط في دلالة هذه الجموع على القلة أن تأتي بصيغة التنكير ، ما لم يقترن بها ما يبيِّن أن المراد بها الكثرة ؛ كأن تستعمل في السياق معرَّفة بالألف واللام غير العهدية ، أو معرَّفة بالإضافة ، فحينئذ تدل على الكثرة ؛ كما تدل عليه جموع الكثرة .
مثال الجمع السالم الذي يدل على القلة قولك : مسلمون ومسلمات . فإذا قلت : المسلمون والمسلمات ، دل كل منهما على الكثرة . وهذا ما أشار إليه ابن جني ، واحتج له بقوله تعالى:{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ}(الأحزاب:35) ، فالغرض في جميع ذلك الكثرة ، لا القلة .

ومثال جمع التكسير الذي يدل على القلة قولك : أصحاب ، وأبرار . فإذا أردت الكثرة قلت : الأصحاب ، والأبرار ؛ كما قال تعالى :{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ }(الانفط:ار13) .

والأبرار جمع ( بَرٍّ ) ، أو ( بارٍّ ) ؛ كـ( رب وأرباب ) ، و( صاحب وأصحاب ) ،
وهم هنا : الأنبياء الصالحون ، وقيل : هم : الطائعون لله . وقيل : هم الذين بروا الآباء والأبناء . وعلى الأقوال كلها هم كثرة لا قلة ، خلافًا لمن زعم غير ذلك .

وقد نصَّ أبو حيان في البحر المحيط على أنه لا فرق في الدَّلالة بين ( النبيين ) في قوله تعالى:{وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ }(البقرة:61) ، وهو جمع سالم ،
وبين ( الأنبياء ) في قوله تعالى:{ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ }(آل عمران:112) وهو جمع تكسير ؛ لأنَّ الجمعين – كما قال - إذا دخلت عليهما الألف واللام تساويا ، بخلاف حالهما ، إذا كانا نكرتين ؛ لأن جمع السَّلامة ؛ إذ ذاك ظاهر في القلَّة ،وجمع التْكسير على أفعلاء ظاهر في الكثرة .

والله تعالى أعلم !
 
رد: الفرق بين "سبع سَنابِل وسبع سُنبلات"

وفيك بارك الرحمن
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top