ابن الرومي

المهندس جورج رباحية

:: عضو منتسِب ::
إنضم
2 أكتوبر 2013
المشاركات
20
نقاط التفاعل
35
النقاط
3
ابن الرومي
835 ـ 896 م
المهندس جورج فارس رباحية
هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج ، وقيل جورجيس ( جورجيوس ) المعروف بابن الرومي نسبة لأبيه . وُلِدَ في بغداد في المكان المعروف بالعقيقة ودرب الختلية في دار بإزاء قصر عيسى بن جعفر يوم الأربعاء بتاريخ 21 حزيران عام 835 م من أم فارسية وأب رومي ( فهو رومي من ناحية ابيه وفارسي من ناحية أمه ) ومن خلال شعره نلاحظ أنه كان يوناني الأصل إذ يقول :
ونحن بنو اليونانِ قومٌ لنا حِجىً ***** ومجدٌ وعيدانٌ صِلابُ المعاجمِ (1)
وقد ينسب نفسه أحياناً إلى الروم فيقول :
مولاهم وغذّيُّ نعمتهم ***** والرُّوم ــ حين تنصني ــ أصلي
ويفتخر بأخواله الفرس وينسب نفسه أحياناً ‘لى ملوك بني ساسان فيقول :
كيف أُغضي على الدَّنيّة والفُرْ ***** سُ خُؤولي والرُّومُ أعمامي (2) وقيل ( الروم هم أعمامي )
أغفلَ مؤرّخو العرب ابن الرومي ، فلم يتركوا لنا عن سيرته سوى أشتات زهيدة متفرّقة ، إلاّ أن الشاعر قد خصّ نفسه بقسمٍ من شِعره ، سجّل فيه كثيرا من وقائع حياته . فعوّضنا بذلك عن إغفال المؤرخين .
وقد وصفه عباس محمود العقاد في کتابه : ( فکان صغير الرأس مستدير أعلاه وأبيض الوجه يخالط لونه شحوب في بعض الأحيان وتغير ، وکان نحيلا بين العصبية في نحو له ، أقرب إلی الطول أو طويلاً غير مفرط ، کث اللحية أصلع بادر إليه و الشيب في شبابه ، أدرکته الشيخوخة الباکرة ،فاعتل جسمه وضعف نظره وسمعه ولم يکن قط قوي البنية في شبابه و لا في شيخوخته واختلاج في مشيته ويلوح للناظر کأنَّه يدور علی نفسه لاختلال أعصابه و اضطراب أعضائه ، وکان في شبابه معتدل القسمات لا يأخذ الناظر بعيب بارز ولا حسنة بارزة في صحة وجهه ، أمَّا في الشيخوخة فقد تبدلت ملامحه وتقوس ظهره و لحق به ما لابُدَّ أن يلحق من تغيير السقام و الهموم )
التحق ابن الرومي بكتاتيب عصره وبحلقات التدريس في المساجد ، فحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم ومن مختارات الشعر والخطب وتعلّم اصول الحساب واستفاد من النحويين والفقهاء واطلع على كتب المنطقيين والفلاسفة والمنجمين . وتتلمذ شاعرنا علی يد بن محمد بن حبيب الراوية صديق والده ، و قد کان يرجع إليه دائماً في تفسير ما غلق عليه من غرائب اللغة العربية وتتلمذ أيضا على يد أبي العباس ثعلب . والحق أن الوارثة عند ابن الرومي ليست کل شيء في شعره إذ ينبغي أن نضيف إليها الثقافة اليونانية الإسلامية مکتسبة لعلها أهم من يونانيته الأصيلة ، وله أيضاً ثقافة إسلامية و عربية .
, وقال عنه ابو العلاء المعري في رسالة الغفران : أمَّا ابن الرومي فهو أحد من يقال أن أدبه کان أکثر من عقله ، ومن خصائصه الَّتي انتسب بها ، أغراضه الشعرية المتنوعة من وصف و هجاء و رثاء و مدح و غزل و فخر و عتاب .
يعتبر ابن الرومي من شعراء العصر العباسي ( 750 ـ 1258 ) م حيث عاصر طيلة حياته تسعة خلفاء هم : ( المعتصم ـ الواثق ـ المتوكل ـ المنتصر ـ المستعين ـ المعتز ـ المهتدي ـ المعتمد ـ المعتضد )
مات ابن الرومي مسموماً يوم الأربعاء في 14 حزيران سنة 896 م ، وذلك أن وزير المعتضد القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب أوعز إلى ابن فراس أن يدُسّ السم في خُشكنانجة ( نوع من الحلوى ) ، خوفاً من هجائه ، فلما أكلها أحسّ بالسم فقام مسرعاً ، فقال له القاسم : إلى أين ؟ فأجابه إلى حيث أرسلتني ، فقال له سلّم على والدي عبيد الله ، فأجابه ما طريقي على النار ، وخرج من مجلسه وأتى منزله وأقام أياماً ومات .
ترك ابن الرومي ديواناً ضخماَ ، تناول فيه الحياة بكل ما فيها من ملذات ، وآلام ، وأفراح وأحزان ، والموت والشقاء والسعادة ، يتناول الناس ، وطرق الماش والعادات والملابس والطبيعة ،والنساء والغناء والمعازف والخمرة ، بالإضافة إلى الأغراض التقليدية التي عرفت في الشعر العربي من مدح وهجاء ، وغزل ووصف ، وفخر ورثاء ، وغير ذلك من الفنون التي اتسعت لها قريحته الفذّة .
شاعرنا في سطور :
1 ـ في حياته الشخصية : كان متعشّقاً للحياة كثير الطمع فيها ، ولم تكن حياته سوى سلسلة من الخيبة والمصائب ، وركبه غرور جامح ورافقه الفقر في معظم أيامه وتوالت عليه المحن ، وكان يبلغ من العدم ما يستدعي الشفقة حيث كان اول أمره يملك دورا وضيعة وأثاثاً فأتى الحريق على بعض ملكه وغُصِبَ البعض الآخر وبقي ما بين لجاجة شهواته وحرمانه يشكو ويتضوّر هَمّاً وألماً . وبقي هو ما بين لجاجة شهواته وحرمانه يتضوّر هماّ وألماً . ومما زاد في تأثره وانفعاله ، ظلم الناس له ، وتخلّي الأصدقاء عنه ، فتشاءم من كل شيء ، وصار ضيٌق الصدر سريع الانفعال ، كل هذا انعكس على شعره ، اذ يمدح اليوم ويهجو ممدوحه غداً .

2 ـ في حياته العائلية : نُكِبَ ابن الرومي في أسرته ، فمات والده وهو حَدَث ، ولم يبق له غير أخ اكبر منه كان له معيناً على ملمّات الحياة وحُرِمَ منه وهو في الثلاثين من عمره ، ثم توفّي أبناؤه الثلاثة ، وتوفّيت زوجته . ولم تكن تلك الضربات المتتالية إلاّ لتزيده جزعاً وتشاؤماً واختلال اعصاب .
3 ـ في حياته الاجتماعية : لم يكن حظه في الحياة الاجتماعية اسعد من حياته الشخصية والعائلية فقد عاصر 9 من الخلفاء العباسيين ، لم يترك في مدحهم شيئاً يُذكَر ، لأنه لم ينل حظوَتهم ، وكان جلّ من اتصل بهم من رجال الدولة ، اعاجم ، من أمثال الوزير اسماعيل بن بلبل ، وآل الطاهر ، وآل وهب ، وآل المنجّم فلم ينل منهم ما يملأ رغبته في الإسراف والبذخ ، وقد سخر منه الناس لغرابة أطواره وعبثوا به وآلموه ، فنقم عليهم ، فجرّد لسانه اللاذع لهجوهم . لقد ثقلت عليه وطأة الآلام إلاّ انها لم تنهه عن عن الإيغال في معاقرة اللذات ، فشحب وجهه وتجعّد ، وتقوّص ظهره ، وضعف سمعه وبصره وخارت قواه ، فراح يبكي شبابه بمرارة .
برزت شخصية ابن الرومي في جميع أبواب الشعر التي طرقها :
1 ـ في المدح : كان مدحه على غرار شعراء المديح من تملّق وسؤال ينقلب إلى الإلحاف أحيانا وتذلّل بين أيدي العظماء والوجهاء ولم يكن ينال دائماً مراده فيعيد الكرّة متظلّماً مذكّراً بالوعود ويثور أحياناً أخرى ناقماً مهدّداً لإرغام الممدوح على العطاء فيقول :
إذا ما مدحتُ المرءَ يوما ولم يُثْب **** مديحي ، وحقّ الشعر في الحكمِ واجبُ
كفاني هجائـــــيه قيامي بمدحـــه **** خطيباً ، وقولُ الناس لي : " أنت كاذبُ "
امتاز مدحه على الإجمال في الإطالة ونرى فيه نغمة من العتاب ويُلْبِسُ كلامه عزوبة ورِفقاً مُظهِرا نفسه في صورة المحب المخلص .
2 ـ في الهجاء : لا يختلف هجاء ابن الرومي عن مدحه في عرض صورة خالصة لنفسه ، فهجاؤه نقمة محروم ، وأنّة جريح ،ولسعة مهتاج ، ونزقة مُتَطّير . كان يريد أن يحيا حياةً تليق برتبة الشاعر السامية في نظره ، وبالمنزلة التي كان يرى نفسه أهلاً لها ،إلاّ انه لم يظفر بشيء ، فسخط على المجتمع وهجا ، فتضاعف ألمه وتشاؤمه وغدا سريه التهيّج والغضب على معاشريه ، سهل الاندفاع إلى الشتم والذم ينال بلسانه كل ما يكرهه من غناء قبيح ، او صوم في رمضان ، أو ما إلى ذلك . لقد تناول في هجائه : التهكّم والصور المضحكة اللاذعة والقبح والفحش . ان ضيق خلقه وفحشه كان برهاناً على اختلال في توازن أعصابه ، واضطراب جنسي في بنيته .
3 ـ في الرثاء : إن شخصية ابن الرومي برزت أيضا في رثائه على قلّته ، ورثاؤه قسمان :
ــ قسم خصّ به ذويه : أولاه الثلاثة وزوجته وأمه وأخاه . فكان عبارة عن تلوّع عميق وزفرات تتصاعد من قلب جريح يعطي القارئ التأثر المؤلم والشفقة الحقيقية .
ــ قسم خصّ به أشخاص مختلفين . كان يعبّر فيه عن عاطفة عميقة في نفسه كما نرى في رثائه لأبي الحسن يحيى بن عمر الطائي الذي قتله العباسيون ، وكما رثى عبد الله بن اسحق . فنرى أنه ضمّن القسم الأكبر من رثائه اعتبارات في الحياة والموت ، وتصوّر الدهر والدنيا والدي جميع الخلق ، والدَين خاليين من الشفقة ، يربيان أولادهما حتى يأكلاهم :
إن ربّيا قتلا أو سمنا أكلا **** فما دمٌ طمعاً فيه بمحقونِ
( محقون ) : حقن الدم صانه ولم يُرقه
4 ـ في الغَزَل : تتجلى شخصية ابن الرومي في غزله ، من حيث شهوته الجنسية المستكلبة ومجون شنيع ، فلا يرى في الحياة غير متعة الحواس ، وبالرغم من حياته الشهوانية فغزله حافل بتقليد الأقدمين فهو يتغزّل بالغلمان والغُلاميات ويكثر من التصوير الحسي ، ولم يخلُ غزله من شعر وجداني رقيق .
5 ـ في وصف الطبيعة : ينقسم وصفه للطبيعة في نوعين :
ـــ في الطبيعة الخارجية : لقد بلغ في قصائده الابداع في وصف الطبيعة . إن حبه للطبيعة على الإجمال هو شعور عميق ودقيق ، فأغلب أوصاف ابن الرومي للطبيعة غزلاً بها ، لا يفرّق الشاعر بين جمالها والجمال الإنساني ومن ثم ذلك الخَلق الدائم المتواصل ، الذي يجعل الشاعر منه نموذجاً رفيعاً للوصف الحي ، كما يجعله من أجمل الشعر الغنائي العاطفي .
ـــ في الطبيعة الداخلية أو التحليل النفسي : انتقل ابن الرومي من الطبيعة الخارجية إلى نوع جديد من الوصف : وصف النفوس وتقصّي بواطن الأمور وبرهن عن بصيرة نافذة وَلَوْعٍ بالاستقصاء والتحليل والانحدار إلى أغوار القلوب البعيدة فجاءت بعض أوصافه النفسية نموذجاً رفيعاً للشِعر الإنساني . ونشهد له بمقدرة فريدة على دقة التصوير الفني لا سيما في وصف المآكل ورسم جميل لمشاهدتها كما أبدع في شعره صور السخرية وكان اشهرها وصف البخيل حيث قال :
يُقَتِّرُ عيسى على نفْسهِ **** وليسَ بباقٍ ولا خالدِ
فلو يســــتطيعُ لتقتيرهِ **** تنفَّسَ بمِنـــخَرٍ واحدِ
6 ـ في فلسفته : ليس ابن الرومي فيلسوفاً ذا مذهب خاص ، إنما هو رجل تأمّل وتحليل على طائفة جمّة من الآراء تُبَوّئه في عالم الأفكار مقاماً مرموقاً :
ـــ فلسفته في الحياة : إن آراءه في الحياة ، هي آراء المُغرَم بها الذي تغلّب في الحِس على العقل والإرادة فاندفع بالإقبال عليها على علاّتها واستيعاب جميع ما فيها من ملذّات بنهم وشدّة وغدا حبه للحياة شيئاً يشبه العبادة .
ـــ فلسفته في الأدب : لقد أتى ابن الرومي بآراء جديدة في الدب وهو في نظره فنٌّ رفيع ، جدير بأن يخدم وينقطع له أهله ويكرّمه العظماء ، بدل أن يكون هو خادم أهوائهم ، وأن يرعى له الناس حرمة وأجنّة وحقاً سامياً .
ـــ فلسفته في الدِّين : لم ينكر ابن الرومي الدين فكانت عاطفته الدينية خاضعة لفلسفته في الحياة فكان ابن الرومي إلى ذلك شيعيّاً يوالي العلويين ويتشيّع لهم عن عقيدة وهوىً . ويجنح أحياناً إلى مذهب الجبرية القائلين بالقَدَر المحتوم ، وكان يقول ايضاً بالطبيعتين أي ان في الإنسان طبيعة شر وطبيعة خير ، أما طبيعة الشر ففي الجسم لأنه أرضي ، وأما طبيعة الخير ففي النفس لأنها سماوية ( تسمو سموّ النار ) .
كان ابن الرومي يهتم بشعره بإبراز الاحساس في أدق تفاصيله وابتكار الصور والمعاني الجديدة واستقصائها إلى ابعد غاياتها وغلب على اسلوبه طابع الارتجال . لقد سلك ابن الرومي في حياته طرقاً جديدة في الشعر العربي لم تكن معهودة من قبله ، فامتاز بعبقرية خاصة ، هيّأت له اسباب الانفراد عن سائر الشعراء ، وساهمت البيئة والأحوال التي احاطت بحياته ، في توسيع نطاق تلك العبقرية ، وقد فسّر بعض النقّاد هذه العبقرية بإرجاعها إلى أصل الشاعر اليوناني حيث لها الأثر في استيعاب الحضارة العباسية المختلطة وفيها للثقافة اليونانية نصيب وافر .
استخدم ابن الرومي في شعره الفاظ غاية في الغرابة ، والتزام ما لا يلزم من قوافٍ عصيّة ، فلغته كانت سهلة ، دقيقة ، بريئة من الالتزام وبعيدة عن الجزالة والترفّع ، وكان يمتاز باستقامة المعاني وبهاء الوصف وبراعة التشخيص . كل هذه الصفات أعطت شعره من الروعة أسمى مكان .وامتاز عن غيره من الشعراء بطول قصائده التي تتجاوز أحيانا 300 بيتاً شعرياً .
ننتقل الآن إلى مقتطفات من شعره :
1 ـ خاطب القاسم بن عبيد الله مُعَدّدا مقدراته (القصيدة 212 بيتا ً من بحر الخفيف) قال فيها :
إن أكن غيرَ مُحْسِنٍ كلَّ ما تطْــــ ***** ـــلبُ إني لمُحْســِنٌ أجزاءَ
فمتى ما أردتَ صــاحِبَ فحصٍ ***** كنتُ ممّن يُشارِكُ الحكماءَ
ومتى ما أردتَ قـارِضَ شـــعرٍ ***** كنتُ مِمَّن يُساجِلُ الشعراءَ
ومتى خطــــبتَ منّي خطيبــــاً ***** جلَّ خطبي ففاقَ بي الخطباءَ
ومتى حاولَ الرســــائلَ رُسْلي ***** بلَّغِتْـــني بلاغــــتي البُلغـــاءَ
2 ـ وقال يصف سيفاً ويُشَبِّه به لسانه : ( من بحر الطويل ) :
صقيلٌ صقال الطّبع لم يُكْسَ غيرُهُ ***** صقالاً ، ولم يَعْهدهُ مُذْ قُدَّ مِدْوَسُ
ولو شئت ما طلتُ القوافي جريها ***** مدى ما تمــــادى شأوُها المتنفّسُ
ولكنّني أُعطي الكــــــلامَ حقوقَـهُ ***** وفاءً ، وحقُّ الشـعرِ عندك يُبْخَسُ
فَذاك وإنّي أســـتقي من قـريحتي ***** وأقدحُ إذ غيري من النـاس يقبِسُ
3 ـ وقال في الغَزَل في قصيدة نواهد ( من بحر الوافر ) :
صُدورٌ فوقهنَّ حِقاق عاجٍ ***** وحَليّ زانهُ حُسْــــنُ اتســــاقِ
يقولُ النــاظرون إذا رأوهُ ***** أهذا الحليّ مِن هذي الحِقاقِ ؟
وما تِلكَ الحِقاقُ سوى ثديٍّ ***** قُدِرن من الحِقاقِ على وِفاقِ
نواهــدُ لا يٌعَـــدُّ لهنَّ عيبٌ ***** سوى منعِ المُحِبِّ من العِناقِ
( حقاق ) : جمع حق وهو الوعاء . ( الاتساق ) : الانتظام .
4 ـ وقال يرثي خاله : ( من بحر الطويل )
حليفُ سُــــهادٍ ليــــلُهُ كنــــهارهِ **** يبيتُ شِــعارُ الهَمِّ دونَ شِـــعارِه
أصابتْهُ من رَيْبِ الزمانِ مصيبةٌ **** كَؤودٌ لها ما بعدها من حـــذارهِ
رَزيَّةُ خــــالٍ كان للدهرِ جُنَّـــــةً **** إذا الدهرُ أنحى مُرْهفات شِفارِهِ
ألا مات من مـــات الوفاء بموته **** فأعوزَ من يوفي بذمّـــــة جارهِ
ألا مات من مات السـماح بموته **** وكلُّ عطـــــاءٍ نقــــدُهُ كضِمارهِ
فتىً كان يهدي الجودُ قصدَ سبيلهِ **** وحاشـــــاه من أسرارهِ وبِدارهِ
فتى كان لا يطوي على الغدر كَشْحَه **** ولا تسأمُ الأيامُ يومَ فخــارهِ
فتى كان للعذراء في ظلِ خدرها **** وكالأسد الرئبال في ظــل دارهَ
خبا قمرُ الدنيـــا لحين اتســـــاقه **** فيا أسـفاُ هلاّ لحين ســـــــِرارهِ
علاه كسوفُ البدرِ عند تمــــامهِ **** مُلِّحَ به حتى هوى في مَـــغارِهِ
عليكَ ســـــلام الله حيّاً وميـــــتاُ **** تباشرتِ الموتى بقرب جـواره
أبىَ ليَ أن أسلاكَ ما دمتُ باقياً **** حُلولك من قلبي مـكينَ قــــراره
5 ـ وقال يصف باقة نرجس : ( من بحر مجزوء الكامل )
أبصرت باقةَ نرجسٍ **** في كف من أهواه غضَّهْ
فكأنّها قصبُ الزُّمـرْ **** رُد أنبتتْ ذهبــــاً وفضّــَهْ
6 ـ وقال يرثي امرأته : ( بحر الطويل )
أعينَيَّ جودا بالدمــــوع لفقدها **** فما بعدها ذخر من الدمعِ مذخورُ
نصيبكما منها الذي فات فأبكيا **** فأمّا نصيب القـــلب منها فموفورً
7 ـ وقال في عمرو النصراني يصف طول انفه : ( من بحر البسيط )
يا عمرو فخراً فقد أُعْطيتَ منزلةً **** ليست لِقِسٍّ ولا كانت لشمّاسِ
للناسِ فيل إمامُ الناسِ مالكُهُ **** وأنت يا عمرو فيل اللهِ لا للناسِ
عليك خُرطوم صدقٍ لا فُجعتَ به **** فإنه آلةٌ للجود والبـــاسِ ؟
لو شِئتَ كسباً به صادفتَ مُكْتَسَباً **** أو انتصاراً مضى كلسيف والفاسِ
من ذا يقومُ لخرطــــومٍ حُبيتَ به **** إذا ضربتَ به قِرْناً على الراسِ؟
أو من يراهُ فلا يُعطيك خِــلْعَتَهُ ؟ **** لا تُكذَبنَّ فما بالصّدق من ناسِ
واشك لخرطومك المُجدي فأنت به **** من قبل شعري وقبلي طاعمٌ كاسِ
لأنت أشهرُ قبل الشـــــعر من عَلمٍ **** عليع نارٌ ومن مــــــــرآةٍ بُرجَاسِ
حملتَ أنفـــــاً يراه الناسُ كلُّـــــهُم **** من رأسِ ميل عياناً لا بمقيـــــاسِ
8 ـ وقال يذمّ جمع المال : ( من بحر الكامل )
المالُ يُكسِبُ ربَّهُ ــ ما لم يَفِضْ **** في الراغبينَ إليه ــ سوءَ ثناءِ
كالمــــاءِ تأسِـــــنُ بِئْرُهُ إلاّ إذا **** خبطَ السُّـــقاةُ جِمامَــــهُ بدِلاءِ
والنائلُ المُعْطَى بغيــــرِ وسيلةٍ **** كالمــــاءِ مُغْتَرِفاً بغيرِ رشاءِ
أسن الماء ) : تغيّر وفسد . (جمام الماء ) : كثرته . ( الرشاء ) : الحبْل . )
9 ـ وقال في الخمر : ( من بحر الطويل )
وعاتقةٍ زُفَّت لنا من قُرى كُوثَى **** تُلَقَّــــبُ أمَّ الدهـــــر او بنتَــــهُ الكـــبرى
رأت نــــارَ إبراهيمَ أيام أوقِدَتْ **** وحازت من الأوصافِ أوصافَها الحُسنى
حكت نورها في بَرْدها وسَلامها **** وباتت بطيـــــبٍ لا يُـــوازَى ولا يُحـكى
عَمَرنا بها الأيام في ظلِّ ماجـــدٍ **** له الرّتبــــة العليــــاءُ ، والمثــلُ الأعلى
10 ـ من قصيدة ظبية قال في البنان المخضب : ( من بحر الخفيف )
وقفتْ وقفـــــــةً ببابِ الطّــــــاقِ **** ظبية من مخدّرات العــراقِ
بنتُ ســــبع وأربــــع وثـــــلاث **** أسَرتْ قلب صبِّها المشــتاقِ
قلتُ : من أنت ياغزال ؟ فقالت : **** أنا من لطف صنعة الخلاّقِ
لا تَرُمْ وصلنــــــا فهذا بنـــان **** قد صبغنـــــاه من دم العُشّــاقِ
(لا تَرُمْ ) : لا تطلب . ( بنان ) : إصبع
1/9/2016 المهندس جورج فارس رباحية
المفــــــــــردات :
(1) ـ أُغضي على الأمر : سكت وصبر .
(2) ـ الحِجى : العقل . المعاجم : جمع معجم وهو موضع اختبار الصلابة في العود . كنى بقوله : ( عيدان صلاب المعاجم ) عن شدّة قومه وصلابتهم .
المصـــادر والمـــــــراجع :
ـــ تاريخ الأدب العربي : حنا الفاخوري ـ الطبع الثانية 1953
ـــ ديوان ابن الرومي الجزء الأول : أحمد حسن بَسَج ـ الطبعة 3 ـ بيروت 2002
ـــ ديوان ابن الرومي الجزء الثاني : أحمد حسن بَسَج ـ الطبعة 3 ـ بيروت 2002
ـــ الشعراء المحدثون في العصر العباسي : د. العربي حسن درويش ـ القاهرة 1989
ـــ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973
ـــ مواقع على الإنترنت :
 

المرفقات

  • إبن الرومي.jpg
    إبن الرومي.jpg
    565 KB · المشاهدات: 0
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top