حادثة شق الصدر (من أروع ما قرأت)

دعاء الجنات

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
30 نوفمبر 2014
المشاركات
3,109
نقاط التفاعل
7,433
النقاط
941
الجنس
أنثى
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، بما أننا مسلمين ومع تطور الحياة والوسائل التكنولوجية فنحن مطالبون بقراءة السيرة النبوية على صاحبها افضل الصلاة والسلام على الاقل تختار كتاب واحد لأنها الأن تعددت الكتب التي كتبت على السيرة العطرة.
-
حادثة شق الصدر: من الأمور التي نعرفها منذ الصغر ، حادثة شق الصدر التي قام بها جبريل عليه السلام لسيد الخلائق لما كان صغيرا ، ما هو الغرض منها؟؟؟ الكل عبر في كتابه كتاب السير النبوية عن الغرض من هذه الحادثة اخترت لكم اليوم ، الغرض من حادثة شق الصدر من كتاب فقه السيرة لمحمد الغزالي ص62 ،صدقوني فهي أروع ما قرت.....

(((((إن بشرا ممتازا كمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا تدعه العناية غرض للوساوس الصغيرة التي تناوش غيره من سائر الناس ، فإن كانت للشر ""موجات"" تملأ الآفاق ، وكانت هناك قلوب تسرع إلى إلتقاطها والتأثر بها فقلوب النبيين -بتولي الله لها- لا تستقبل هذه التيارات الخبيثة ولا تهتز لها ، وبذلك يكون جهد المرسلين في "متابعة الترقي " لا في "مقاومة التدني " وفي تطهير العامة من المنكر لا في التطهر منه ، فقد عافاهم الله من لوثانه ))))
ماشاء الله ولا إله إلا الله.
 
بارك الله فيك على المبادرة بدعوتنا الى موضوعك
قرأت الموضوع و لي عودة بمزيد من الاثراء بحول الله
و الله اعجبتني فكرة دعوة الاعضاء للمشاركة ربي يجازيك أختي
 
اللهم صل عليه وسلم عليه تسليما
سبحان الله
هذا أروع تفسير قرأته عن حادثة شق الصدر
عكس ما قرأنا في أيام الدراسة أن تلك الحادثة وقعت لتطهر قلبه وقلبه في الأصل طهور من الوساوس
لك ألف شكر على دعوتنا وعلى تذكيرنا بحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
وإلى الملتقى
سلام
 
السلام عليكم
بارك الله. فيك على دعوتنا وتذكرنا بالموضوع الرائع
موضوع في القيمة و فيه عبرة وموعطة
 
بارك الله فيك و جزاك خيرا على الموضوع و لا ادري ان كان الاخ @ابو ليث يوافق على المعنى و الهدف من حادثة الشق ام لا لاأن الأراء تختلف
بين العلماء باختلاف اجتهاداتهم
أجمل شيئ هي الدعوة لمناقشة الموضوع و قد سعيت سابقا لهذا لكني لم اقم بالاشارة و لذلك لم القى اقبال
جعلها الله في ميزان حسناتك
 
إليكم هذه الاتحافة لبعض من تكلم في السيرة والتي لم تترك لي مجال للكلام.
حادثة شقّ الصّدر الأولى.

- ولا بدّ أن نعلم أوّلا أنّ حادثة شقّ الصّدر هي أيضا من الإرهاصات التي تقدّمت نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل ضمن خوارق العادات التي حدثت له صلّى الله عليه وسلّم بمرأى من الغلمان.


- وإنّ العلماء قد اختلفوا في عدد مرّات شقّ صدره صلّى الله عليه وسلّم:


فأكثر ما قيل: إنّ ذلك خمس مرّات.


وأقلّ ما قيل: مرّة واحدة.


والصّواب – إن شاء الله –: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شُقّ صدره مرّتين اثنتين، ولا دليل على أخرى، فالأولى كانت في صغره، والثّانية كانت ليلة الإسراء كما في الصّحيحين عن أنس رضي الله عنه، وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله.


تقول حليمة كما في (1/301) من " السّيرة النبويّة " لابن هشام:


" فرجعنا به، فوالله إنّه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بَهْمٍ[1] لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتدّ، فقال لي ولأبيه:


ذَاكَ أَخِي القُرَشِيّ ! قَدْ أَخَذَهُ رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ[2] ".


قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوَه، فوجدناه قائماً منتقعا وجهُه، فالتزمتُه والتزمه أبوه، فقلنا له:


- ما لك يا بُنَيَّ ؟!


- قال: جَاءَنِي رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي، فَالْتَمَسِا شَيْئًا لاَ أَدْرِي مَا هُوَ ؟


قالت: فرجعنا إلى خبائنا، وقال لي أبوه:


- يا حليمة ! لقد خشِيتُ أن يكون هذا الغلام قد أصِيب، فألحِقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به.


فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت:


- ما أقدمك به يا ظئرُ ؟ [والظّئر: هي المرضعة المستأجرة]، وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك ؟!


- فقلت: فقد بلغ الله بابنِي، وقضيت الّذي عليّ، وتخوّفت الأحداثَ عليه، فأدّيته إليكِ كما تحبّين.


- قالت: ما هذا شأنك ! فاصدُقيني خبرَك.


فلم تدعْنِي حتّى أخبرتها [3]".


كان عمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينها ثلاث سنوات كما في " سيرة ابن إسحاق "، ولكن ..


كيف بقِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقد كان أخوه من الرّضاعة معه ؟


فاعلم أنّ الله إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه.


فما هو إلاّ أن استيقظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخوه من الرّضاعة فخرجا من الخباء خلف أغنامهما، لم يتذكّر أحدٌ منهما أنّهما من غير زاد، وتفصيل ذلك في الرّواية الآتي ذكرها:


روى الإمام أحمد[4] عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:


(( كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ:


- يَا أَخِي ! اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا.


فَانْطَلَقَ أَخِي، وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ رَجُلاَنِ أَبْيَضَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- أَهُوَ هُوَ ؟


- قَالَ: نَعَمْ !


فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي، فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ.


فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي وقَلْبِي.


ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي، قَالَتْ:


- أُعِيذُكَ بِاللَّهِ ! فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي، حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي ".


وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ:" هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ".


ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ! فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ.


قَالَ أَنَسٌ:" وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ".


* ورواية أنس هذه تبيّن بيانا شافيا أنّ هذه الحادثة كانت حِسًّا، وتمّت بما هو فوق طاقة البشر، وإلاّ لو كانت مناما - كما هو موقف ضِعاف الإيمان - لما رأى أنسٌ أثر المِخْيط، ولما رأى الغلمان الملكين، ولا خافت عليه حليمة السّعدية لأجل رؤيا رآها.


* العبر من هذه الحادثة:


- كما سبق، فهي من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ومن الإرهاصات والمقدّمات لبعثته.


- فيه إعداد للعصمة من الشرّ ومن عبادة غير الله:


فلا يحلّ في قلبه شيء إلاّ التّوحيد، وقد دلّت أحداث صباه على تحقّق ذلك، فلم يركب الآثام، ولم يعبد الأصنام من صغره.


فقد كان هناك طائفةً من العرب بقيت على ملّة إبراهيم، وعُرِفوا بالحنفاء، ومن أشهرهم زيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد رضي الله عنه أحدِ العشرة المبشّرين بالجنّة.


إنّه زيد الّذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - فيما رواه أحمد والطبراني عن سعيد زيد -: (( إِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً )).


ومنهم قُسّ بن ساعدة الإيادي الذي كان يصعد على ظهر الكعبة ويدعو النّاس إلى التّوحيد.


ولكنّ هؤلاء جميعهم عبدوا في صغرهم ومرحلة شبابهم الأصنام. أمّا سيّد الأنام، محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ما سجد لصنم قط، وما عبد صنما قط.


روى الإمام أحمد عَنْ الزّبير بن العوّام قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: (( أَيْ خَدِيجَةُ ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ أَبَدًا ! )).


- وإنّ الله كان يربّيه على مكارم الأخلاق، فقد روى البخاري ومسلم عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي ! لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ ! قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلّى الله عليه وسلّم.


بل عُرِف صلّى الله عليه وسلّم بين النّاس بالصّادق الأمين.


- أراد الله الكمال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:


فإنّ الإسلام لمّا كان هو الدّين الكامل الشّامل، المهيمن على ما قبله أراد الله أن يكون مبلّغه كاملا.


نقول ذلك؛ لأنّه لم يحدُث لنبيّ ما حدث له من نزع حظّ الشّيطان من قلبه. بل إنّ الله خصّه بأن أسلم له قرينه من الشّياطين، فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


(( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ )) قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ )).


وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَأَسْلَم ))، روي بضمّ الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان.


فأمّا على رواية الضمّ، فمعناه: أسلمُ أنا من شرّه وفتنته، واختاره الخطّابي وابن تيمية رحمهما الله كما في "مجموع الفتاوى" (17/523).


وأمّا على رواية الفتح، فمعناه: إنّ القرين أسلم – من الإسلام –، ورجّحه القاضي عياض رحمه الله، وقال النّوويّ: وهذا هو الظّاهر.


وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم مبيّنا أثر إسلامه: (( فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ )).


ثمّ إن الإسلام يستلزم الاستسلام ولا عكس.


- والحاصل: هو وجوب الإيمان بعصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تبليغ الشّريعة، قال القاضي عياض رحمه الله:" واعلم أنّ الأمّة مجتمعة على عصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الشّيطان في جسمه وخاطره ولسانه "اهـ.


والله الموفّق لا ربّ سواه.


[1] البهم: الصّغار من الغنم.


[2] يسوطانه: يضربان بعضه ببعض، ويُحرّكانه.


[3] إلى هنا فالرّواية صحيحة، أمّا أنّ آمنة أمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت لها:" والله ما للشّيطان عليه من سبيل ! وإنّ لبُنَيَّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره ؟ قالت: بلى. قالت: رأيت حين حملْتُ به أنّه خرج منّي نورٌ أضاء قصورَ بُصرى من أرض الشّام ثمّ حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخفّ ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنّه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السّماء ! دعيه عنك وانطلقي راشدة " فهذه الزّيادة عدا إخبارها بالرّؤيا ضعيفة.


[4] وفي بعض ألفاظه ضعف لا يشهد له شيءٌ لذلك حذفناه.
 
فيما يخص كتب السيرة النبوية فهي كثيرة و من أروع و أصح ما ألف فيها كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد و كذلك السيرة النبوية لإبن كثير إقتباسا من كتابة البداية و النهاية ومن قبلها كتاب السيرة النبوية لإبن هشام الذي يعد مرجعا أصيلا في هذا الباب، وكل هذه الكتب حققت و نقحت فمن وجدها كذلك فلا يبغي عنها بدلا.
 
إليكم هذه الاتحافة لبعض من تكلم في السيرة والتي لم تترك لي مجال للكلام.
حادثة شقّ الصّدر الأولى.

- ولا بدّ أن نعلم أوّلا أنّ حادثة شقّ الصّدر هي أيضا من الإرهاصات التي تقدّمت نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل ضمن خوارق العادات التي حدثت له صلّى الله عليه وسلّم بمرأى من الغلمان.


- وإنّ العلماء قد اختلفوا في عدد مرّات شقّ صدره صلّى الله عليه وسلّم:


فأكثر ما قيل: إنّ ذلك خمس مرّات.


وأقلّ ما قيل: مرّة واحدة.


والصّواب – إن شاء الله –: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شُقّ صدره مرّتين اثنتين، ولا دليل على أخرى، فالأولى كانت في صغره، والثّانية كانت ليلة الإسراء كما في الصّحيحين عن أنس رضي الله عنه، وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله.


تقول حليمة كما في (1/301) من " السّيرة النبويّة " لابن هشام:


" فرجعنا به، فوالله إنّه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بَهْمٍ[1] لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتدّ، فقال لي ولأبيه:


ذَاكَ أَخِي القُرَشِيّ ! قَدْ أَخَذَهُ رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ[2] ".


قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوَه، فوجدناه قائماً منتقعا وجهُه، فالتزمتُه والتزمه أبوه، فقلنا له:


- ما لك يا بُنَيَّ ؟!


- قال: جَاءَنِي رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي، فَالْتَمَسِا شَيْئًا لاَ أَدْرِي مَا هُوَ ؟


قالت: فرجعنا إلى خبائنا، وقال لي أبوه:


- يا حليمة ! لقد خشِيتُ أن يكون هذا الغلام قد أصِيب، فألحِقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به.


فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت:


- ما أقدمك به يا ظئرُ ؟ [والظّئر: هي المرضعة المستأجرة]، وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك ؟!


- فقلت: فقد بلغ الله بابنِي، وقضيت الّذي عليّ، وتخوّفت الأحداثَ عليه، فأدّيته إليكِ كما تحبّين.


- قالت: ما هذا شأنك ! فاصدُقيني خبرَك.


فلم تدعْنِي حتّى أخبرتها [3]".


كان عمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينها ثلاث سنوات كما في " سيرة ابن إسحاق "، ولكن ..


كيف بقِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقد كان أخوه من الرّضاعة معه ؟


فاعلم أنّ الله إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه.


فما هو إلاّ أن استيقظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخوه من الرّضاعة فخرجا من الخباء خلف أغنامهما، لم يتذكّر أحدٌ منهما أنّهما من غير زاد، وتفصيل ذلك في الرّواية الآتي ذكرها:


روى الإمام أحمد[4] عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:


(( كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ:


- يَا أَخِي ! اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا.


فَانْطَلَقَ أَخِي، وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ رَجُلاَنِ أَبْيَضَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- أَهُوَ هُوَ ؟


- قَالَ: نَعَمْ !


فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي، فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ.


فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي وقَلْبِي.


ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي، قَالَتْ:


- أُعِيذُكَ بِاللَّهِ ! فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي، حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي ".


وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ:" هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ".


ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ! فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ.


قَالَ أَنَسٌ:" وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ".


* ورواية أنس هذه تبيّن بيانا شافيا أنّ هذه الحادثة كانت حِسًّا، وتمّت بما هو فوق طاقة البشر، وإلاّ لو كانت مناما - كما هو موقف ضِعاف الإيمان - لما رأى أنسٌ أثر المِخْيط، ولما رأى الغلمان الملكين، ولا خافت عليه حليمة السّعدية لأجل رؤيا رآها.


* العبر من هذه الحادثة:


- كما سبق، فهي من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ومن الإرهاصات والمقدّمات لبعثته.


- فيه إعداد للعصمة من الشرّ ومن عبادة غير الله:


فلا يحلّ في قلبه شيء إلاّ التّوحيد، وقد دلّت أحداث صباه على تحقّق ذلك، فلم يركب الآثام، ولم يعبد الأصنام من صغره.


فقد كان هناك طائفةً من العرب بقيت على ملّة إبراهيم، وعُرِفوا بالحنفاء، ومن أشهرهم زيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد رضي الله عنه أحدِ العشرة المبشّرين بالجنّة.


إنّه زيد الّذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - فيما رواه أحمد والطبراني عن سعيد زيد -: (( إِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً )).


ومنهم قُسّ بن ساعدة الإيادي الذي كان يصعد على ظهر الكعبة ويدعو النّاس إلى التّوحيد.


ولكنّ هؤلاء جميعهم عبدوا في صغرهم ومرحلة شبابهم الأصنام. أمّا سيّد الأنام، محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ما سجد لصنم قط، وما عبد صنما قط.


روى الإمام أحمد عَنْ الزّبير بن العوّام قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: (( أَيْ خَدِيجَةُ ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ أَبَدًا ! )).


- وإنّ الله كان يربّيه على مكارم الأخلاق، فقد روى البخاري ومسلم عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي ! لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ ! قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلّى الله عليه وسلّم.


بل عُرِف صلّى الله عليه وسلّم بين النّاس بالصّادق الأمين.


- أراد الله الكمال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:


فإنّ الإسلام لمّا كان هو الدّين الكامل الشّامل، المهيمن على ما قبله أراد الله أن يكون مبلّغه كاملا.


نقول ذلك؛ لأنّه لم يحدُث لنبيّ ما حدث له من نزع حظّ الشّيطان من قلبه. بل إنّ الله خصّه بأن أسلم له قرينه من الشّياطين، فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


(( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ )) قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ )).


وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَأَسْلَم ))، روي بضمّ الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان.


فأمّا على رواية الضمّ، فمعناه: أسلمُ أنا من شرّه وفتنته، واختاره الخطّابي وابن تيمية رحمهما الله كما في "مجموع الفتاوى" (17/523).


وأمّا على رواية الفتح، فمعناه: إنّ القرين أسلم – من الإسلام –، ورجّحه القاضي عياض رحمه الله، وقال النّوويّ: وهذا هو الظّاهر.


وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم مبيّنا أثر إسلامه: (( فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ )).


ثمّ إن الإسلام يستلزم الاستسلام ولا عكس.


- والحاصل: هو وجوب الإيمان بعصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تبليغ الشّريعة، قال القاضي عياض رحمه الله:" واعلم أنّ الأمّة مجتمعة على عصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الشّيطان في جسمه وخاطره ولسانه "اهـ.


والله الموفّق لا ربّ سواه.


[1] البهم: الصّغار من الغنم.


[2] يسوطانه: يضربان بعضه ببعض، ويُحرّكانه.


[3] إلى هنا فالرّواية صحيحة، أمّا أنّ آمنة أمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت لها:" والله ما للشّيطان عليه من سبيل ! وإنّ لبُنَيَّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره ؟ قالت: بلى. قالت: رأيت حين حملْتُ به أنّه خرج منّي نورٌ أضاء قصورَ بُصرى من أرض الشّام ثمّ حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخفّ ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنّه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السّماء ! دعيه عنك وانطلقي راشدة " فهذه الزّيادة عدا إخبارها بالرّؤيا ضعيفة.


[4] وفي بعض ألفاظه ضعف لا يشهد له شيءٌ لذلك حذفناه.
جزاكم الله خيرا على هذا الاثراء للموضوع
و هل نحن ادينا قرين من الجن و هل يعيش معنا
لو تكرمتم و شرحتم لنا ذلك
 
بارك الله فيكم جميعا على جميل الرد.

إليكم هذه الاتحافة لبعض من تكلم في السيرة والتي لم تترك لي مجال للكلام.
حادثة شقّ الصّدر الأولى.

- ولا بدّ أن نعلم أوّلا أنّ حادثة شقّ الصّدر هي أيضا من الإرهاصات التي تقدّمت نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ويدخل ضمن خوارق العادات التي حدثت له صلّى الله عليه وسلّم بمرأى من الغلمان.


- وإنّ العلماء قد اختلفوا في عدد مرّات شقّ صدره صلّى الله عليه وسلّم:


فأكثر ما قيل: إنّ ذلك خمس مرّات.


وأقلّ ما قيل: مرّة واحدة.


والصّواب – إن شاء الله –: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شُقّ صدره مرّتين اثنتين، ولا دليل على أخرى، فالأولى كانت في صغره، والثّانية كانت ليلة الإسراء كما في الصّحيحين عن أنس رضي الله عنه، وسيأتي تفصيله في موضعه إن شاء الله.


تقول حليمة كما في (1/301) من " السّيرة النبويّة " لابن هشام:


" فرجعنا به، فوالله إنّه بعد مقدمنا بشهر مع أخيه لفي بَهْمٍ[1] لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتدّ، فقال لي ولأبيه:


ذَاكَ أَخِي القُرَشِيّ ! قَدْ أَخَذَهُ رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَاهُ، فَشَقَّا بَطْنَهُ، فَهُمَا يَسُوطَانِهِ[2] ".


قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوَه، فوجدناه قائماً منتقعا وجهُه، فالتزمتُه والتزمه أبوه، فقلنا له:


- ما لك يا بُنَيَّ ؟!


- قال: جَاءَنِي رَجُلاَنِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ، فَأَضْجَعَانِي وَشَقَّا بَطْنِي، فَالْتَمَسِا شَيْئًا لاَ أَدْرِي مَا هُوَ ؟


قالت: فرجعنا إلى خبائنا، وقال لي أبوه:


- يا حليمة ! لقد خشِيتُ أن يكون هذا الغلام قد أصِيب، فألحِقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به.


فاحتملناه، فقدمنا به على أمّه، فقالت:


- ما أقدمك به يا ظئرُ ؟ [والظّئر: هي المرضعة المستأجرة]، وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك ؟!


- فقلت: فقد بلغ الله بابنِي، وقضيت الّذي عليّ، وتخوّفت الأحداثَ عليه، فأدّيته إليكِ كما تحبّين.


- قالت: ما هذا شأنك ! فاصدُقيني خبرَك.


فلم تدعْنِي حتّى أخبرتها [3]".


كان عمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حينها ثلاث سنوات كما في " سيرة ابن إسحاق "، ولكن ..


كيف بقِي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحده، وقد كان أخوه من الرّضاعة معه ؟


فاعلم أنّ الله إذا أراد شيئا هيّأ له أسبابه.


فما هو إلاّ أن استيقظ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخوه من الرّضاعة فخرجا من الخباء خلف أغنامهما، لم يتذكّر أحدٌ منهما أنّهما من غير زاد، وتفصيل ذلك في الرّواية الآتي ذكرها:


روى الإمام أحمد[4] عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ أَوَّلُ شَأْنِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:


(( كَانَتْ حَاضِنَتِي مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَابْنٌ لَهَا فِي بَهْمٍ لَنَا، وَلَمْ نَأْخُذْ مَعَنَا زَادًا، فَقُلْتُ:


- يَا أَخِي ! اذْهَبْ فَأْتِنَا بِزَادٍ مِنْ عِنْدِ أُمِّنَا.


فَانْطَلَقَ أَخِي، وَمَكَثْتُ عِنْدَ الْبَهْمِ، فَأَقْبَلَ رَجُلاَنِ أَبْيَضَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- أَهُوَ هُوَ ؟


- قَالَ: نَعَمْ !


فَأَقْبَلَا يَبْتَدِرَانِي، فَأَخَذَانِي، فَبَطَحَانِي إِلَى الْقَفَا، فَشَقَّا بَطْنِي، ثُمَّ اسْتَخْرَجَا قَلْبِي، فَشَقَّاهُ، فَأَخْرَجَا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ:


- ائْتِنِي بِمَاءِ ثَلْجٍ.


فَغَسَلَا بِهِ جَوْفِي وقَلْبِي.


ثُمَّ انْطَلَقَا وَتَرَكَانِي، وَفَرِقْتُ فَرَقًا شَدِيدًا، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُمِّي، فَأَخْبَرْتُهَا بِالَّذِي لَقِيتُهُ، فَأَشْفَقَتْ عَلَيَّ أَنْ يَكُونَ أُلْبِسَ بِي، قَالَتْ:


- أُعِيذُكَ بِاللَّهِ ! فَرَحَلَتْ بَعِيرًا لَهَا، فَجَعَلَتْنِي عَلَى الرَّحْلِ، وَرَكِبَتْ خَلْفِي، حَتَّى بَلَغْنَا إِلَى أُمِّي ".


وفي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


أَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السّلام وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ:" هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ".


ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ ! فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ.


قَالَ أَنَسٌ:" وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ".


* ورواية أنس هذه تبيّن بيانا شافيا أنّ هذه الحادثة كانت حِسًّا، وتمّت بما هو فوق طاقة البشر، وإلاّ لو كانت مناما - كما هو موقف ضِعاف الإيمان - لما رأى أنسٌ أثر المِخْيط، ولما رأى الغلمان الملكين، ولا خافت عليه حليمة السّعدية لأجل رؤيا رآها.


* العبر من هذه الحادثة:


- كما سبق، فهي من دلائل نبوّته صلّى الله عليه وسلّم، ومن الإرهاصات والمقدّمات لبعثته.


- فيه إعداد للعصمة من الشرّ ومن عبادة غير الله:


فلا يحلّ في قلبه شيء إلاّ التّوحيد، وقد دلّت أحداث صباه على تحقّق ذلك، فلم يركب الآثام، ولم يعبد الأصنام من صغره.


فقد كان هناك طائفةً من العرب بقيت على ملّة إبراهيم، وعُرِفوا بالحنفاء، ومن أشهرهم زيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد رضي الله عنه أحدِ العشرة المبشّرين بالجنّة.


إنّه زيد الّذي قال فيه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم - فيما رواه أحمد والطبراني عن سعيد زيد -: (( إِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً )).


ومنهم قُسّ بن ساعدة الإيادي الذي كان يصعد على ظهر الكعبة ويدعو النّاس إلى التّوحيد.


ولكنّ هؤلاء جميعهم عبدوا في صغرهم ومرحلة شبابهم الأصنام. أمّا سيّد الأنام، محمّد عليه الصّلاة والسّلام، ما سجد لصنم قط، وما عبد صنما قط.


روى الإمام أحمد عَنْ الزّبير بن العوّام قَالَ: حَدَّثَنِي جَارٌ لِخَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَهُوَ يَقُولُ لِخَدِيجَةَ: (( أَيْ خَدِيجَةُ ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ! وَاللَّهِ لَا أَعْبُدُ أَبَدًا ! )).


- وإنّ الله كان يربّيه على مكارم الأخلاق، فقد روى البخاري ومسلم عن جَابِر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:


أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمْ الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي ! لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَى مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ ! قَالَ: فَحَلَّهُ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا صلّى الله عليه وسلّم.


بل عُرِف صلّى الله عليه وسلّم بين النّاس بالصّادق الأمين.


- أراد الله الكمال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم:


فإنّ الإسلام لمّا كان هو الدّين الكامل الشّامل، المهيمن على ما قبله أراد الله أن يكون مبلّغه كاملا.


نقول ذلك؛ لأنّه لم يحدُث لنبيّ ما حدث له من نزع حظّ الشّيطان من قلبه. بل إنّ الله خصّه بأن أسلم له قرينه من الشّياطين، فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:


(( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ )) قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: (( وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ )).


وقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَأَسْلَم ))، روي بضمّ الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان.


فأمّا على رواية الضمّ، فمعناه: أسلمُ أنا من شرّه وفتنته، واختاره الخطّابي وابن تيمية رحمهما الله كما في "مجموع الفتاوى" (17/523).


وأمّا على رواية الفتح، فمعناه: إنّ القرين أسلم – من الإسلام –، ورجّحه القاضي عياض رحمه الله، وقال النّوويّ: وهذا هو الظّاهر.


وذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم مبيّنا أثر إسلامه: (( فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ )).


ثمّ إن الإسلام يستلزم الاستسلام ولا عكس.


- والحاصل: هو وجوب الإيمان بعصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في تبليغ الشّريعة، قال القاضي عياض رحمه الله:" واعلم أنّ الأمّة مجتمعة على عصمة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الشّيطان في جسمه وخاطره ولسانه "اهـ.


والله الموفّق لا ربّ سواه.


[1] البهم: الصّغار من الغنم.


[2] يسوطانه: يضربان بعضه ببعض، ويُحرّكانه.


[3] إلى هنا فالرّواية صحيحة، أمّا أنّ آمنة أمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت لها:" والله ما للشّيطان عليه من سبيل ! وإنّ لبُنَيَّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره ؟ قالت: بلى. قالت: رأيت حين حملْتُ به أنّه خرج منّي نورٌ أضاء قصورَ بُصرى من أرض الشّام ثمّ حملت به فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخفّ ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنّه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السّماء ! دعيه عنك وانطلقي راشدة " فهذه الزّيادة عدا إخبارها بالرّؤيا ضعيفة.


[4] وفي بعض ألفاظه ضعف لا يشهد له شيءٌ لذلك حذفناه.

فيما يخص كتب السيرة النبوية فهي كثيرة و من أروع و أصح ما ألف فيها كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد و كذلك السيرة النبوية لإبن كثير إقتباسا من كتابة البداية و النهاية ومن قبلها كتاب السيرة النبوية لإبن هشام الذي يعد مرجعا أصيلا في هذا الباب، وكل هذه الكتب حققت و نقحت فمن وجدها كذلك فلا يبغي عنها بدلا.
بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك.. اتمنى ان ينشط هذا القسم والاقسام الاسلامية اكثر بمناقشة السيرة فليست السيرة ان تقرأ الكتب كلها هناك من يعجز ويمل حبذا لو كل مرة تكلمنا عن قصة في السيرة او حادثة او غزوة ونتناقش مع الجميع وسأبدأ في هذه الخطوة ان شاء الله
 
بارك الله فيكم جميعا على جميل الرد.



بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك.. اتمنى ان ينشط هذا القسم والاقسام الاسلامية اكثر بمناقشة السيرة فليست السيرة ان تقرأ الكتب كلها هناك من يعجز ويمل حبذا لو كل مرة تكلمنا عن قصة في السيرة او حادثة او غزوة ونتناقش مع الجميع وسأبدأ في هذه الخطوة ان شاء الله
بارك الله فيكي و أنا معك فيما قلت فالقراءة دون الشرح مع التوسع و التبسيط لا تؤدي الغرض المطلوب
 
وأنا معك بعون الله تعالى وسوف يكون النقاش واسع
 
لمن أراد أن يتوسع في شيئ من محاسنه و شمائله و حسن معاملته عليه الصلاة و السلام، فعليكم بهذه السلسلة الطيبة الجامعة النافعة، تجدون فيها الخير العميم و الوصف المستقيم لخير خلق الله أجمعين، محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم، و إليكم رابطها.
https://www.4algeria.com/forum/t/423276/
الروابط المباشرة لسلسلة قطوف من الشمائل المحمدية (موضوع جامع لحلقات السلسلة).
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top