سلسلة خطب ومواعظ من حجة الوداع 5 ( تحريم الدماء والأموال والأعراض )

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
5 - تحريم الدماء والأموال والأعراض



لقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر وكان أعظمَ ما أكد عليه تحريمُ دماء المسلمين وأموالِهم وأعراضهم، وقد جاء في هذا عدّة أحاديث عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
منها حديثُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال: ((يا أيها الناس، أيُّ يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: فأيُّ بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: فأيُّ شهر هذا؟ قالوا: شهرٌ حرام. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، فأعادها مراراً ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته ـ، فليبلغ الشاهدُ الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). رواه البخاري.
وحديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه قال: ((خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: ((أتدرون أيَّ يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يومُ النحر؟ قلنا: بلى. قال: أيُّ شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى. قال: أيُّ بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى. قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهدُ الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). متفق عليه.
وحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى: ((أيُّ يوم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أيَّ بلد هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: بلد حرام، أفتدرون أيَّ شهر هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهر حرام، قال: فإن الله حرّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا)). رواه البخاري.
وحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال له في حجة الوداع: ((استنصت الناس))، فقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)). والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
وقد دلت هذه الخطبة العظيمة، والكلمات القويمة، على عظم حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعصمتِها، وأنه لا يحل الاعتداءُ عليها بأيِّ نوع من الاعتداء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: ((والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله))، وقال: ((إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه))، وقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وقال: ((إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر. فقد باء بها أحدهما)). وهذه الأحاديث كلها في الصحاح)) (1). اهـ كلامه رحمه الله.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم حرمة هذه الثلاث، الدماءِ والأموال والأعراض تأكيداً بالغاً، وغلظ شأنها تغليظاً عظيماً، وجَعل حرمتها كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، وكرر ذلك على أسماعهم اهتماماً بالمقام وتعظيماً للأمر، وأمر شاهدَهم أن يبلغ غائبهم بذلك، وقد استدعى عليه الصلاة والسلام اهتمامهم، وشدَّ أذهانهم بسؤالهم عن اليوم الذي هم فيه، وعن الشهر وعن البلد، وذَكَّرهم بحرمتها، وحُرمتُها معلومةٌ عندهم متقررةٌ في نفوسهم، وهو عليه الصلاة والسلام إنما ذكر ذلك توطئة لبيان حرمة دم المسلم وماله وعرضه.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: ((وإنما شبه حرمة الدم والعرض والمال بحرمة اليوم والشهر والبلد لأن المخاطبين بذلك كانوا لا يرون تلك الأشياء، ولا يرون هتك حرمتها، ويعيبون على من فعل ذلك أشدَّ العيب، وإنما قدم السؤال عنها تذكاراً لحرمتها، وتقريراً لما ثبت في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره على سبيل التأكيد)) (2). اهـ.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر تحذيراً آخر في هذه الخطبة يتعلق بالدماء وحرمتها فقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)).
وهذا تحذير بالغ، ((فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفاراً، وسمى هذا الفعل كفراً)) (3) ، وليس هذا بالكفر الناقل من ملة الإسلام، بل هو كفر دون كفر، وهو يدل على أن هذا العمل من شعب الكفر الذميمة وخصاله المشينة، وقد جاء الإسلام بالتحذير منها والنهي عنها، تحقيقاً للوئام، وجمعاً للقلوب، وحفظاً للدماء أن تزهق بغير حق وأن تراق بلا موجب، وفي معنى هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).
فالواجب على كل مسلم أن يكون على حذر شديد من الوقوع في هذا الإثم المبين والذنب الوخيم ألا وهو الاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم.
وقد كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إليَّ بالعلم كلِّه. فكتب إليه: ((إنَّ العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلق الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل)) (4).
فيا لها من نصيحة ما أبلغها، وعلمٍ نافع ما أجمعه، وبالله وحده التوفيق.

***

----------
(1) مجموع الفتاوى (3/283).
(2) فتح الباري (3/576).
(3) مجموع الفتاوى لابن تيمية (7/355).
(4) سير أعلام النبلاء (3/222).
 
إن حرمة الدم لشيء عظيم استهان بها كثير من الناس
فمنهم حمل الوزر بسبب لسانه
فدماء برأنا الله منها فلماذا لا نبريء ألسنتنا منها
نسأل الله العفو و العافية

بارك الله فيكم أخي اياليث
 
أي نعم، ومرات عدة بل في أكثر المرات تكون النميمة و البهتان بسبب الغي و الجهل هو الحامل على سفك الدماء المحرمة و إنتهاك الأعراض المصونة.
 
facebook_islamic_quotes_to_share__129_.png
 

وحديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال له في حجة الوداع: ((استنصت الناس))، فقال: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)).

صلى الله عليه و سلم
و أسفاه لقد رجعوا بعده كفارا يضربوابعضهم رقاب بعض
جاء في شرح النووي على مسلم[ ص: 242 ]
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) قيل في معناه سبعة أقوال : أحدها : أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق ، والثاني : المراد كفر النعمة وحق الإسلام ، والثالث : أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه ، والرابع : أنه فعل كفعل الكفار ، والخامس : المراد حقيقة الكفر ومعناه لا تكفروا بل دوموا مسلمين ، والسادس : حكاه الخطابي وغيره أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح ، يقال تكفر الرجل بسلاحه إذا لبسه . قال الأزهري في كتابه " تهذيب اللغة " يقال للابس السلاح كافر ، والسابع : قاله الخطابي معناه لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا .

وأظهر الأقوال الرابع وهو اختيار القاضي عياض - رحمه الله - . ثم إن الرواية ( يضرب ) برفع الباء هكذا هو الصواب ، وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون ، وبه يصح المقصود هنا . ونقل القاضي عياض - رحمه الله - أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء قال القاضي : وهو إحالة للمعنى ، والصواب الضم . قلت : وكذا قال أبو البقاء العكبري أنه يجوز جزم الباء على تقدير شرط مضمر أي إن ترجعوا يضرب . والله أعلم .

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ترجعوا بعدي كفارا ) فقال القاضي قال الصبري : معناه بعد فراقي من موقفي هذا ، وكان هذا يوم النحر بمنى في حجة الوداع ، أو يكون بعدي أي خلافي أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به ، أو يكون تحقق - صلى الله عليه وسلم - أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد مماته .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( استنصت الناس ) معناه مرهم بالإنصات ليسمعوا هذه الأمور المهمة والقواعد التي سأقررها لكم وأحملكموها .

وقوله ( في حجة الوداع ) سميت بذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ودع الناس فيها وعلمهم في خطبته فيها أمر دينهم ، وأوصاهم بتبليغ الشرع فيها إلى من غاب عنها ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ليبلغ الشاهد منكم الغائب والمعروف في الرواية حجة الوداع بفتح الحاء . وقال الهروي وغيره من أهل اللغة : المسموع من العرب في واحدة الحجج حجة بكسر الحاء ، قالوا : والقياس فتحها لكونها اسما [ ص: 243 ] للمرة الواحدة وليست عبارة عن الهيئة حتى تكسر . قالوا : فيجوز الكسر بالسماع والفتح بالقياس .
 
كتب رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن اكتب إليَّ بالعلم كلِّه. فكتب إليه: ((إنَّ العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلق الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم، فافعل)) (4).
 
جزااك الله خيراخى الكريم
 
الحمد الله على نعمة الاسلام
بارك الله فيك أخي الفاضل على الموضوع القيم
جعله في ميزان حسناتك​
 
حقا، الحمد لله لعى نعمة الاسلام و على نعمة الهداية إلى سواء السبيل.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top