بعض الأسباب التي تصيّر الصغائر كبائر

نضال ابن فوزي

:: عضو منتسِب ::
بسم الله الرحمن الرحيم

بَيَانُ مَا تَعْظُمُ بِهِ الصَّغَائِرُ مِنَ الذُّنُوبِ :

اعْلَمْ أَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكْبُرُ بِأَسْبَابٍ ؛

مِنْهَا
الْإِصْرَارُ وَالْمُوَاظَبَةُ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ : لَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ ، فَكَبِيرَةٌ وَاحِدَةٌ تَنْصَرِمُ وَلَا يَتْبَعُهَا مِثْلُهَا يَكُونُ الْعَفْوُ عَنْهَا أَرْجَى مِنْ صَغِيرَةٍ يُوَاظِبُ عَلَيْهَا الْعَبْدُ ، وَمِثَالُ ذَلِكَ قَطَرَاتٌ مِنَ الْمَاءِ تَقَعُ عَلَى الْحَجْرِ عَلَى تَوَالٍ فَتُؤَثِّرُ فِيهِ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً لَمْ يُؤَثِّرْ ،
وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " خَيْرُ الْأَعْمَالِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ " .

وَمِنْهَا
أَنْ يَسْتَصْغِرَ الذَّنْبَ ؛ فَإِنَّ الذَّنْبَ كُلَّمَا اسْتَعْظَمَهُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ صَغُرَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكُلَّمَا اسْتَصْغَرَهُ كَبُرَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ اسْتِعْظَامَهُ يَصْدُرُ عَنْ نُفُورِ الْقَلْبِ عَنْهُ ، وَذَلِكَ النُّفُورُ يَمْنَعُ مِنْ شِدَّةِ تَأَثُّرِهِ بِهِ ، وَاسْتِصْغَارُهُ يَصْدُرُ عَنِ الْإِلْفِ بِهِ ، وَذَلِكَ يُوجِبُ شِدَّةَ الْأَثَرِ فِي الْقَلْبِ ، وَالْقَلْبُ هُوَ الْمَطْلُوبُ تَنْوِيرُهُ بِالطَّاعَاتِ ، وَالْمَحْذُورُ تَسْوِيدُهُ بِالسَّيِّئَاتِ ،
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذَنْبَهُ كَجَبَلٍ فَوْقَهُ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ ، وَالْمُنَافِقَ يَرَى ذَنْبَهُ كَذُبَابٍ مَرَّ عَلَى أَنْفِهِ فَأَطَارَهُ .


وَكَذَلِكَ يَعْظُمُ مِنَ الْعَالِمِ مَا لَا يَعْظُمُ مِنَ الْجَاهِلِ ، وَيُتَجَاوَزُ عَنِ الْعَامِّيِّ فِي أُمُورٍ لَا يُتَجَاوَزُ فِي أَمْثَالِهَا عَنِ الْعَارِفِ ؛ لِأَنَّ الذَّنْبَ وَالْمُخَالَفَةَ يَكْبُرُ بِقَدْرِ مَعْرِفَةِ الْمُخَالِفِ .

وَمِنْهَا السُّرُورُ بِالصَّغِيرَةِ وَالْفَرَحُ بِهَا ، فَكُلَّمَا غَلَبَتْ حَلَاوَةُ الصَّغِيرَةِ عِنْدَ الْعَبْدِ كَبُرَتْ وَعَظُمَ أَثَرُهَا فِي تَسْوِيدِ قَلْبِهِ ، كَمَنْ يَقُولُ : أَمَا رَأَيْتَنِي كَيْفَ مَزَّقْتُ عِرْضَهُ ، وَكَيْفَ فَضَحْتُهُ حَتَّى خَجَّلْتُهُ ، وَكَيْفَ رَوَّجْتُ عَلَيْهِ الزَّائِفَ وَكَيْفَ خَدَعْتُهُ ؟
فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا تَكْبُرُ بِهِ الصَّغَائِرُ ، فَإِنَّ الذُّنُوبَ مُهْلِكَاتٌ .

وَمِنْهَا أَنْ يَتَهَاوَنَ بِسِتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحِلْمِهِ عَنْهُ وَإِمْهَالِهِ إِيَّاهُ ، وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ إِنَّمَا يُمْهِلُ مَقْتًا لِيَزْدَادَ بِالْإِمْهَالِ إِثْمًا ، فَيَظُنَّ أَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنَ الْمَعَاصِي عِنَايَةٌ مِنَ اللَّهِ بِهِ ، وَذَلِكَ لِأَمْنِهِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَجَهْلِهِ بِمَكَامِنِ الْغُرُورِ بِاللَّهِ .

وَمِنْهَا أَنْ يَأْتِيَ الذَّنْبَ وَيُظْهِرَهُ بِأَنْ يَذْكُرَهُ بَعْدَ إِتْيَانِهِ أَوْ يَأْتِيَهُ فِي مَشْهَدِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ جِنَايَةٌ مِنْهُ عَلَى سِتْرِ اللَّهِ الَّذِي سَدَلَهُ عَلَيْهِ وَتَحْرِيكٌ لِرَغْبَةِ الشَّرِّ فِيمَنْ أَسْمَعَهُ ذَنْبَهُ أَوْ أَشْهَدَهُ فِعْلَهُ ، فَهُمَا جِنَايَتَانِ انْضَمَّتَا إِلَى جِنَايَةٍ فَتَغَلَّظَتْ بِهِمَا ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَرْغِيبُ الْغَيْرِ فِيهِ صَارَتْ جِنَايَةً رَابِعَةً وَتَفَاحَشَ الْأَمْرُ .

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُذْنِبُ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ ، فَإِذَا فَعَلَهُ بِحَيْثُ يُرَى ذَلِكَ مِنْهُ كَبُرَ ذَنْبُهُ ، وَفِي الْخَبَرِ : " مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، لَا يُنْقِصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا" وَكَمَا يَتَضَاعَفُ وِزْرُ الْعَالِمِ عَلَى الذَّنْبِ فَكَذَلِكَ يَتَضَاعَفُ ثَوَابُهُ عَلَى الْحَسَنَاتِ إِذَا اتُّبِعُوا . فَحَرَكَاتُ الْمُقْتَدَى بِفِعَالِهِمْ فِي طَوْرَيِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ تَتَضَاعَفُ آثَارُهَا إِمَّا بِالرِّبْحِ وَإِمَّا بِالْخُسْرَانِ .




_____________________________
من كتاب "موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" وهو كتاب نفيس جدا في تزكية النفوس، من أراد المطالعة عليه، فليضغط على عنوانه لتحميله
 
بارك الله فيك
 
توقيع Soumia hadj mohammed
جزاكم الله عنا خير الجزاء
 
توقيع طموحة
jjjjjjjjj.jpg
 
موضوع قيم بوركت
 
بارك الله فيك و جزاك كل خير
 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom