[مِن القلب] مِن سُبل المُحافظة علىٰ الصّداقة وذِكرُ موقف رائق فِي ذلك

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,409
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر

[مِن القلب]

مِن سُبل المُحافظة علىٰ الصّداقة وذِكرُ موقف رائق فِي ذلك

والحمدُ للهِ، وصلّىٰ اللهُ وسلّم وبارك علىٰ رسُول الله، أمّا بعدُ:
فإنّ بعض النّاس لا يعرِفُ للصّداقةِ المؤدية للمحبّة فِي الله وزنًا فإنّ مِن أشدِّ السكاكِين القاطعة للصداقة الكلماتُ الجارحة كما أنّهُ مِن أشدِّ الوسائِل الّتِي تُعضِدُها الكلماتُ الطّيِّبة اللّطِيفة و الكف عمّا يزعزعُ ذلِك.
وقد يعتبِرُ المُتكلم أنّ ما فِي القلب لابدُ أن يكُون علىٰ اللِّسان وهذا ليس علىٰ إطلاقهِ فقد يكُون هذا حُمقًا مِن المُخاطِب ولا يعيشُ معهُ صاحبًا ولا صديقًا ولا حبيبًا بِسببِ فهمهِ الخاطىء!
ذلِك؛ لأنّ هناك عدّة أشياء لابُدّ مِن إدراكِها ومِن أهمِّها التغافل عن الزّلات والإعتذار للصحابِ عند العثرات وتناسِي سفاسفِ الأمور العارضات إذ أنّهُ ليس ثمت شخصٌ لا يخطىء!!
ويُروى عن سفيان والحسن وغيرهما قولهم: لا يزال التّغافل مِن فعل الكِرام
وقال الشّاعِر:
ليس الغبيُّ بسيدٍ في قومهِ *** ولكن سيد قومهِ المُتغـــابِي

ومِن المواقِف الجميلة المذكُورة فِي ذلك ذلكُم الموقف الّذي ذكره الإشبيلي فِي كتابهِ الماتع الذخائِر والأعلاق عن إبراهِيم بن المهدي أنّهُ كان فِي مجلِس الرّشِيد فجاء رسُولٌ مِن عند عبدِ الله بن صالح يقصِدُ هارون ومعهُ كتاب وشيء قد علاه مندِيل فأخذ هارُون يقرأُ الكِتاب ويدعُوا لهُ ويقُول أبرّه الله ووصلهُ فتعجبتُ وقلتُ يا أمير المؤمِنين من هذا الّذي بالغت فِي شُكره وأطنبت فِي ذكره فقال عبد الله بن صالح ثمّ رفعتُ المندِيل فإذا هِي أطباقٌ بعضُها فوق بعض فيها فستقٌ وبندق وغير ذلك مِن الفواكِه فقال ابنُ المهدي ما أرىٰ مِن الأمر ما يستحقُ ذلِك الشُّكِر إلّا أن يكُون فِي الكِتابِ ما خفِي علينا فدفع إليّ الكتاب فإذا فِيه: [قد دخلتُ يا أمير المؤمنين بستانًا لي قد عمّرتهُ وقد أيعنت فواكههُ وأخذتُ مِن كُلِّ ذلك شيئًا وصيّرتهُ في أطباقِ قضبان ثمّ وجهتُ بهِ إلىٰ أميرِ المؤمنِين ليصِل إليّ من بركة دعائهِ كما وصل إليّ مِن نوافِل برّه] فقال ابنُ مهدي ولا فِي الكِتاب ما يستحقُ هذا الثناء فقال هارون جهلت والله يا إبراهيم وقصر بك الصبا أما تراه وصف الأطباق بالقضبان ولم يصفها بالخيزران إذ هو اسمٌ لأمي وكانت تُدعىٰ بِه فانظُر إلىٰ حُسنِ أدبِهِ وبرِّه وتحفُّظهِ مِن ذلِك وسِتره.

ويُستفادُ مِن هذه القِصّة عدّةُ أشياء:
أولًا: فِطنة أمِيرِ المؤمِنين هارون -رحمهُ الله- وشدةُ ذكائهِ وسُرعة بدِيهتهِ.
ثانيًا: خفاءُ ذلِك عن إبراهِيم بن المهدي مع ما عُرِف عنهُ من الأدبِ والبلاغةِ والفصاحةِ.
ثالثًا: شدّةُ أدبِ عبد الله بن صالح (وغالبُ الظّن أنّهُ شيخُ المِصريين أبُو صالحٍ الجُهنيُّ) مع أمِير المؤمنِين وشدّة انتقاءه لألفاظِه.
قال الإشبيليُّ: ومِن تمامِ حُسن الأدب ترك التعريضِ للصاحبِ بما يكره عند المُخاطبة ومقابلتهُ بما يستثقلُ عند المُكاتبة وإن قال حقًا وقصد صدقًا فإنّ ذلك أبقىٰ للوداد.
رابعًا:أنّ حُسن العِبارات وطيب الكلمات والكّف عن العِبارات الجارحات مِمّا يزيدُ المُحبّة ولِذلك كانت تحيةُ الإسلام تحية أهل الجنة تلك الجملة الّتِي تحملُ الدعاء للآخرين بالخير والرحمة والمغفرة والبركة مما يزيد المحبّة بين المُسلمِين فقد ثبت فِي صحيح مُسلم من حديث أبِي هُريرة رضِي الله عنهُ أنّ النّبِي -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم-قال: أوَلا أدُلُّكُمْ علىٰ شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوه تَحابَبْتُمْ أفشوا السّلام بينكُم.
فخلاصةُ المكتُوب الاتعاظ بالمذكُور مِن هذا الموقف المشهُور وبيان أنّهُ ليس مِن الصّداقةِ المؤدِّية للمحبةِ فِي الله جرح الآخرين ومُضايقة الأصدقاء المُقربين فهذا بُعدٌ عنِ الوداد وسعيٌ لقطعِ علاقةِ الأصحاب والحمدُ للهِ ربِّ العالمِين.

كتبهُ/ أبُو مُحمّد الطّرابُلُسِيُّ
يوم: ٢٦/ربِيع الآخر/١٤٤١ه‍ـ

المصدر منتديات الابانة السلفية
 
الصداقة في وقت الحالي أصبحت مصالح و ليست كما كانت من قبل بسبب مشاغل الدنيا
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز اخي الطيب
دمت متألقا بموضوعاتك القيمة و الهادفة جعلها الله في ميزان حسناتك يارب العالمين
 
الله المستعان
وفيك بارك الله اخي إلياس
جزاك الله خيرا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top