حقيقة التوّكل على الله عزَّ وجلّ

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,409
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
حقيقة التوّكل على الله عزَّ وجلّ


إن التوكل على الله وحده وتفويض الأمور كلها إليه والاعتماد عليه في جلب النعماء ودفع الضر والبلاء مقامٌ عظيمٌ من مقامات الدين الجليلة وفريضةٌ عظيمة يجب إخلاصها لله وحده ، وهو من أجمع أنواع العبادة وأهمها لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة والطاعات الكثيرة ، فإنه إذا اعتمد القلب على الله في جميع الأمور الدينية والدنيوية دون من سواه صح إخلاصه وقويَت معاملته مع الله وزاد يقينه وثقته بربه تبارك وتعالى .

وقد أمر الله سبحانه بالتوكل عليه في مواطن كثيرة من القرآن الكريم وجعل التوكل عليه شرطاً في الإيمان فقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [المائدة:23] ، وقال تعالى : {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ } [يونس:84] . فجعل دليل صحة الإيمان والإسلام التوكل على الله ، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى ، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل . فإذا كان التوكل ضعيفاً كان دليلاً على ضعف الإيمان ولابد ، فالتوكل أصل لجميع مقامات الدين ومنزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس ، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل .

وحقيقة التوكل هو عمل القلب وعبوديته اعتماداً على الله وثقةً به والتجاءً إليه وتفويضاً إليه ورضا بما يقضيه له ؛ لعلمه بكفايته سبحانه وحسن اختياره لعبده إذا فوَّض إليه أموره ، مع قيامه بالأسباب المأمور بها واجتهاده في تحصيلها . هذه هي حقيقة التوكل : اعتمادٌ على الله وحده لا شريك له مع فعل الأسباب المأمور بها والقيام بها دون تعدٍّ إلى فعل سببٍ غير مأمور أو سلوك طريق غير مشروع .

والناس منقسمون في هذا الأمر الجليل إلى طرفين ووسط ؛ فأحد الطرفين عطَّل الأسباب محافظةً على التوكل ، والطرف الثاني عطَّل التوكل محافظةً على الأسباب ، والوسط علِم أن حقيقة التوكل لا تتم إلا بالقيام بالأسباب فتوكل على الله في نفس السبب .

وقد جُمع بين هذين الأصلين في نصوص كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم : ((احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ)) [1] ؛ ففي قوله (( احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ )) أمرٌ بكل سببٍ ديني ودنيوي ، بل أمرٌ بالجدِّ والاجتهاد فيه والحرص عليه نيةً وهمةً وفعلاً وتدبيرا ، وفي قوله (( وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ )) إيمان بالقضاء والقدر وأمرٌ بالتوكل على الله الذي الاعتماد التام على حوله وقوته في جلب المصالح ودفع المضار مع الثقة التامة به في نجاح ذلك ؛ فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم يلزمه أن يتوكل على الله في أمر دينه ودنياه وأن يقوم بكل سببٍ نافع بحسب قدرته وعلمه ومعرفته .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ ؟ قَالَ : ((اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ )) [2]. فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى الجمع بين الأمرين : فعل السبب ، والاعتماد على الله.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا )) [3] فذكَر الأمرين معاً ؛ فإنَّ غدوَّ الطير وهو ذهابها في الصباح الباكر هو سعيٌ في طلب الرزق وتحصيله .

وروى ابن أبي الدنيا عن معاوية ابن قرة قال : لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ناساً من أهل اليمن فقال من أنتم ؟ قالوا نحن المتوكِّلون ، قال : " بل أنتم المتواكلون ؛ إنما المتوكل الذي يلقي حبَّه في الأرض ويتوكل على الله عز وجل " .

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول قوله تعالى {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة:197] قال : ((كَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزَوَّدُونَ وَيَقُولُونَ : نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } )) [4].

وبهذا يُعلم أن التوكل لابد فيه من الجمع بين الأمرين : فعل السبب والاعتماد على المسبِّب وهو الله ، أما من عطَّل السبب وزعم أنه متوكل فهو في الحقيقة متواكل مغرور مخدوع ، وفعله هذا ما هو إلا عجزٌ وتفريطٌ وتضييع .

فلو قال قائل مثلاً إن قُدِّر لي أدركت العلم اجتهدتُ أو لم أجتهد ، أو قال : إن قُدِّر لي أولاد حصلوا تزوجتُ أو لم أتزوج ، وهكذا من رجا حصول ثمرٍ أو زرع بغير حرث وسقيٍ وعمل متكلاً على القدر ، وهكذا أيضاً من يترك أهله وولده بلا نفقة ولا غذاء ولا سعي في ذلك متكلاً على القدر ؛ فكل هذا تضييع وإفراط وإهمال وتواكل .

أما من يقوم بالسبب ناظراً إليه معتمداً عليه غافلاً عن المسبب معرضاً عنه فهذا توكله عجز وخذلان ، ونهايته ضياع وحرمان ، ولذا قال بعض العلماء : " الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل ، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع ، وإنما التوكل والرجاء معنًى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع " .

إن التوكل مصاحبٌ للمؤمن الصادق في أموره كلها الدينية والدنيوية ؛ فهو مصاحب له في صلاته وصيامه وحجِّه وبرِّه وغير ذلك من أمور دينه ، ومصاحب له في جلبه للرزق وطلبه للمباح وغير ذلك من أمور دنياه ، فالتوكل على الله نوعان :

1. توكلٌ عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية أو دفع مكروهاته ومصائبه .

2. وتوكلٌ عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان واليقين والصلاة والصيام والحج والجهاد والدعوة وغير ذلك .

فهذه صفة المؤمنين الصادقين ، والله تعالى يقول : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [الأنفال:2] .

********

________________

[1] رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[2] رواه الترمذي (2517) ، وحسنه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (2044).
[3] رواه الترمذي (2344) ، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (1911) .
[4] رواه البخاري (1523) .


المصدر موقع الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله
 
التوكل على الله طريقك إلى السعادة



التوكل
: هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة والاعتقاد بأنه لا يعطى ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه سبحانه وتعالى.

وقيل: هو انطراح القلب بين يدى الرب كانطراح الميت بين يدي المغسل يقلبه كيف يشاء.



قال سعيد بن جبير: " التوكل جماع الإيمان " قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 22] فهو حال المؤمن في جميع الأحوال والأحيان.



• ففي مقام العبادة: قال تعالى: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123].



• وفي مقام الدعوة: قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129].



• وفي مقام الرزق قال الله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].



• وفي مقام الحكم والقضاء قال الله: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [الشورى: 10].



• وفي مقام الجهاد: ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 159].



• وفي مقام الهجرة والسفر: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 41، 42]



• وفي مقام العهود والمواثيق: ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [يوسف: 66].



• وفي كل ما يقوله الإنسان ويفعله ويعزم عليه يتوكل فيه عليه: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159] وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]



الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل:

بل هو من تمامه وكماله لكن الحذر من ركون القلب إلى الأسباب فهذا الذي ينافى التوكل لذا قيل: السعى في الأسباب بالجوارح طاعة لله والتوكل بالقلب على الله إيمان بالله".



قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60].



وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]وقال تعالى لمريم عليها السلام: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]. وهي الضعيفة الواضعة النفساء والنخلة لا تُهز وإن هُزّت لا يسقط ثمرها لكن أراد الله تعالى أن يعلمنا أن الأخذ بالسبب ولو كان ضعيفاً دون أن يُتَعَلَقَ به صاحبه تكون وراءه النتيجة المثمرة.

توكل على الرحمن في كل حاجة
space.gif

ولا تؤثرنّ العجز يوماً على الطلبْ
space.gif

ألم تر أن الله قال لمريمٍ
space.gif

إليك فهزي الجزع يسَّاقطُ الرطب
space.gif

ولو شاء أن تجنيه من غير هزها
space.gif

جنته ولكن كل شيء له سبب
space.gif


والله تعالى قال لنبيه: ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 63]، ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67] إلا أنه حين هجرته أخذ دليلاً لتعمية الأثر وخرج في وقت يغفل فيه الناس ومن طريق غير متوقع كل هذا أخذاً بالأسباب.



في فضل التوكل وضرورته:

قال عليه الصلاة والسلام: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً" [تغدوا أول النهار جياعاً وترجع آخر النهار شباعاً [رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع].

ولما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل قال: "بل أعقلها وتوكل ". [رواه الترمذي وحسنه الألباني].

قال بعض السلف: َتوكل تُسق إليك الأرزاق بلا تعب ولا تكلف.

وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: " يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل الطير " [رواه مسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم: " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما ُيدركه الموت " [رواه أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر والطبراني فى الأوسط وغيرهما وحسنه الألباني].



أقوال السلف في التوكل:

• قال عامر بن قيس: ثلاث آيات من كتاب الله اكتفيت بهن جميع الخلائق:

الأولى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ [يونس: 107]

الثانية: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]

الثالثة: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6].



• قال علىّ بن بكار: شكا رجل إلى إبراهيم بن آدهم كثرة عياله فقال له: يا أخي انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله فحوّله إلى منزلي ".



• وقال رجل لمعروف الكرخي: أوصني فقال: " توكل على الله حتى يكون أنيسك وجليسك وموضع شكواك واعلم أن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك ولا يعطونك ولا يمنعونك ".



• وعن أبى قدامة الرملي قال: قرأ رجل هذه الآية: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً ﴾ [الفرقان: 58] فأقبل علىّ سليمان الخواص وقال يا أبا قدامة ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره ثم قال: انظر كيف قال الله: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ فأعلمك أنه لا يموت وأن جميع الخلق يموتون ثم أمرك بعبادته فقال: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾ ثم أخبرك بأنه خبير بصير ثم قال: يا أبا قدامة: لو عامل أحد الله بحسن التوكل وصدق النية له بطاعته لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم فكيف يحتاج أحد إلى أحد والموئل والملجأ إلى الغنى الحميد".



• قصة وعبرة:

أحمد بن طولون أحد ولاة مصر: كان من أشد الظلمة حتى قيل: إنه قتل ثمانية عشر ألف إنسان صبراً - أي يقطع عنه الطعام والشراب حتى يموت - وهذا أشد أنواع القتل، فذهب أبو الحسن الزاهد امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" فدخل عليه وأخذ ينصحه في الله وقال له: إنك ظلمت الرعية وفعلت كذا وكذا وخوفه بالله فغضب ابن طولون غضباً شديداً - وأمر بأسد يجوّع ثم يطلق على أبى الحسن.



يا له من موقف رهيب.. لكن نفس أبى الحسن الممتلئة بالإيمان والثقة بالله جعلت موقفه عجيباً عندما أطلقوا الأسد عليه جعل يزأر ويتقدم ويتأخر وأبو الحسن جالس لا يتحرك ولا يبالى والناس ينظرون إلى الموقف بين باك وخائف ومشفق على هذا العالم الورعِ.. ولكن ما الذي حدث؟



تقدم الأسد وتأخر وزأر ثم سكت ثم طأطأ رأسه فاقترب من أبى الحسن فشمّه.. ثم انصرف عنه هادئاً ولم يمسسه بسوء.. وهنا تعجب الناس وكبّروا وهللوا.



ولكن في القصة ما هو أعجب: لما يئس ابن طولون وأخذته الدهشة استدعى أبا الحسن وقال له: فيما كنت تفكر والأسد عندك وأنت لا تلتفت إليه؟

قال: كنت أفكر في لعاب الأسد إن مسنى أهو طاهر أم نجس؟

قال: ألم تخف من الأسد؟ قال: لا. إن الله قد كفاني ذلك.



أليس الله قد قال: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [الزمر: 36] أليس الله قد قال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].



ثمرات التوكل على الله تعالى:

1- سعة الرزق:

قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ". [رواه أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم وصححه الألباني ].



• تأمل: " لو أنكم تتوكلون على الله" هل نحن متوكلون على الله؟ أم على البنوك والوظيفة والراتب والتجارة وشركات التأمين والرصيد. فضعف التوكل على الله - إلا من رحم الله - وهذا حالنا لا يخفى عليكم).



• وللشافعي رحمه الله:

توكلت في رزقي على الله خالقي
space.gif

وأيقنت أن الله لا شك رازقي
space.gif

وما يك من رزقي فليس يفوتني
space.gif

ولو كان في قاع البحار العوامق
space.gif

سيأتي به الله العظيم بفضله
space.gif

ولو لم يكن منى اللسان بناطق
space.gif

ففي أي شيء تذهب النفس حسرة
space.gif

وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
space.gif


• عزم حاتم الأصم على الحج عاماً: فأخبر أبناءَه فبكوا وقالوا: إلى من تكلنا؟ وكانت له ابنة مباركة قد رزقها الله تعالى نعمة الإيمان والتوكل واليقين فقالت: دعوه يذهب فليس برازق فخرج فباتوا جياعاً فجعلوا يوبخون تلك البنت فقالت: اللهم لا تُخجلنى بينهم فمر بهم أمير البلد فقال لبعض أصحابه: اطلب لي ماء. فناوله أهل حاتم كوزاً جديداً وماءاً بارداً فشرب وقال: دار من هذه؟ فقالوا: دار حاتم الأصم فرمى فيها صرة من ذهب وقال: من أحبني فليصنع مثل ما صنعت فرمى العسكر ما معهم من المال في هذه الدار. فجعلت البنت تبكى فقالت أمها: ما يبكيك وقد وسع الله علينا فقالت: لأن مخلوقاً نظر إلينا فاغتنينا فكيف لو نظر الخالق إلينا.



• وقيل له يوماً: كيف بنيت أمرك هذا من التوكل؟ فقال: علمت أن رزقي لا يأكله غيرى فلست أهتم به. وعلمت أن عملي لا يعمله غيرى فأنا مشغول به وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره وعلمت أنى بعين الله في كل حال فأنا أراقبه.



• وقيل له مرة: من أين تأكل؟ فقال: ﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7].

• وقال رحمه الله: ليس التوكل الكسب ولا ترك الكسب؛ التوكل الشيء في القلوب.



2- سبيل إلى قضاء الدين:

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ .

في البخاري: أن رجلاً من بنى إسرائيل سأل بعض بنى إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: ائتنى بالشهداء أشهدهم فقال: كفى بالله شهيداً فقال: فائتني بالكفيل. قال: كفي بالله كفيلاً قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضي حاجته ثم التمس مركباً يركبها يقدُم عليها للأجل الذي أجله فلم يجد مركباً فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه ثم زج (أصلحه) موضعها وقال: اللهم إنك تعلم أنى تسلفت فلاناً ألف دينار فسألنى كفيلاً فقلت: كفي بالله كفيلاً. وسألني شهيداً فقلت: كفي بالله شهيداً فَرضِي بك وإني جهدت أن أجد مركباً أبعث إليه الذي له فلم أجد وإني أستودعكها فرمى بها إلى البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف. فخرج الرجل الذي كان أسلف لعله يجد مركباً قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطباً فلما نشرها وجد المال والصحيفة ثم لما قدم الذي كان أسلفه فآتى أليه بالألف دينار وقال: والله ما زلت جاهداً في طلب مركب لآتيك فما وجدت مركباً قبل الذي أتيت فيه. فقال: أكنت بعثت إلىّ شيئاً، قال أخبرك أنى لم أجد مركباً قبل الذي جئت فيه قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بماله راشداً ".



3- التوكل على الرحمن يقي من الشيطان:

قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 99].



وقال عليه الصلاة والسلام: " من قال - يعنى إذا خرج من بيته - بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: كفيت ووقيت وهُديت وتنحى عنه الشيطان. فيقول لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدِى وكُفِى وَوُقِى " [رواه الترمذى وصححه الألبانى].



4- يُذهب التشاؤم:

والتشاؤم: التطير بالمكروه من قول أو فعل أو مرئي. فبعض الناس إذا خرج لعمله عاد فيُسأل فيقول: رأيت فلاناً فتشاءمت فرجعت أو سمعت كذا فتشاءمت فرجعت. وإذا حدث له شيء يكرهه يقول: "أنا اصطبحت بوش مين النهارده" فحذّر النبي من ذلك وقال: "الطيرة شرك ولكن الله يذهبها بالتوكل" [رواه الترمذي وصححه الألباني].



5- التوكل الحق طريق إلى دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب:

في صحيح مسلم عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفاً بغير حساب قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون ".



6- التوكل على الله سبيل العزة:

قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ عزيز: لا يَزلّ من استجار به ولا يضيع من لاذ بجنابه والتجأ إليه. حكيم: يضع الأشياء في مواضعها..



7- إن الله يحب المتوكلين:

وإذا أحب الله عبداً لا يعذبه في النار أبداً - وإذا أحب الله عبداً ألقي محبته في قلوب العباد - وإذا أحب الله عبداً استجاب دعاءه وأعطاه سؤله.



8- التوكل على الله عنوان الإيمان وأمارة الإسلام:

فالمؤمن الصادق في إيمانه هو الذي يتوكل على الله أبداً. أما المنافق لا يتوكل على الله بل يتوكل على نفسه وعلى غيره من المخلوقات.



قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23] وقال موسى لقومه يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ﴾ [الأنفال: 2].



9- التوكل على الله يزيل الهموم ويفرج الأحزان والغموم:

يحكى أحد الدعاة أن رجلاً فُصِل من وظيفته تنكدت عليه معيشته وصار في حزن وهم قال الشيخ: وشاء الله أن يقابلني فسألني عن فلان الذي يتوسط له في إرجاعه إلى وظيفته قلت: لا أعرف الذي تريد. ولكن أعرف من يحل لك مشكلتك ويكفيك همك. فقال هذا الرجل في لهفة وشوق: أيؤثر على فلان رئيس الإدارة؟ قلت: نعم يؤثر عليه. قال: تعرفه؟ قلت: نعم أعرفه. قال: تستطيع أن تكلمه؟ قلت: نعم أكلمه وتستطيع أن تكلمه أنت كذلك قال: من هو؟ قلت الله عز وجل. قم في السحر واشكِ له ما عندك. قال: فتأثرت وقمت من الليل وصليت ودعوت الله ولُذْت به وكأنى أراه ثم أصبحت وذهبت تلقائياً إلى رئيس الإدارة وإذا به يقوم من مقعده ويرحب بي ويسأل عن أحوالي ولم تكن بيني وبينه علاقة. فقلت له: والله موضوعي كذا وكذا. ففعل لي ما طلبت. وكانت مشكلتي لم تحل منذ ثلاثة أشهر. فقمت وأنا لا أصدق نفسي. وقلت: من تعلق بالمخلوق جفاه ومن توكل على الخالق كفاه.



وصدق من قال: "من اعتمد على ماله قل ومن اعتمد على عقله ضل ومن اعتمد على جاهه ذل ومن اعتمد على الله لا قل ولا ضل ولا ذل".



1605965631586.png



أرجوا منك قبول اضافتي للموضوع
 
جزاك الله خيرا اخي إلياس على هذه إلافادة
بارك الله فيك
 
نسأل الله أن يجعلنا ممن توكل عليه حق التوكل
 
اللهم آمين يا رب العالمين اجمعين
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top