تفسير ابن كثير. متجدد

بارك الله فيك
 
توقيع Soumia hadj mohammed
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [الزخرف : 61]
وقوله : ( وإنه لعلم للساعة ) : تقدم تفسير ابن إسحاق : أن المراد من ذلك : ما بعث به عيسى ، عليه السلام ، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، وغير ذلك من الأسقام . وفي هذا نظر .
وأبعد منه ما حكاه قتادة ، عن الحسن البصري وسعيد بن جبير : أي الضمير في ( وإنه ) ، عائد على القرآن ، بل الصحيح أنه عائد على عيسى [ عليه السلام ] ، فإن السياق في ذكره ، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة ، كما قال تبارك وتعالى :
( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ) أي : قبل موت عيسى ، عليه الصلاة والسلام ، ثم ( ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ) [ النساء : 159 ] ، ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى :
" وإنه لعلم للساعة " أي : أمارة ودليل على وقوع الساعة ، قال مجاهد :
( وإنه لعلم للساعة ) أي : آية للساعة خروج عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة .
وهكذا روي عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ] ، وابن عباس ، وأبي العالية ، وأبي مالك ، وعكرمة ، والحسن وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى [ ابن مريم ] ، عليه السلام قبل يوم القيامة إماما عادلا وحكما مقسطا .

وقوله : ( فلا تمترن بها ) أي : لا تشكوا فيها ، إنها واقعة وكائنة لا محالة.
( واتبعون ) أي : فيما أخبركم به.
( هذا صراط مستقيم ).

( وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [الزخرف : 62]
(ولا يصدنكم الشيطان ) أي : عن اتباع الحق.
( إنه لكم عدو مبين ) .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) [الزخرف : 63]
( ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ) أي : بالنبوة.
( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه )

قال ابن جرير :
يعني من الأمور الدينية لا الدنيوية . وهذا الذي قاله حسن جيد ، ثم رد قول من زعم أن " بعض " هاهنا بمعنى " كل " ، واستشهد بقول لبيد الشاعر :

تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يعتلق بعض النفوس حمامها

وأولوه على أنه أراد جميع النفوس .
قال ابن جرير : وإنما أراد نفسه فقط ، وعبر بالبعض عنها . وهذا الذي قاله محتمل .

وقوله : ( فاتقوا الله ) أي : [ فيما ] أمركم به.
( وأطيعون ) ، فيما جئتكم به.

( إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [الزخرف : 64]
( إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) أي : أنا وأنتم عبيد له ، فقراء إليه ، مشتركون في عبادته وحده لا شريك له.
( هذا صراط مستقيم ) أي : هذا الذي جئتكم به هو الصراط المستقيم ، وهو عبادة الرب ، عز وجل ، وحده .

( فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ ۖ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) [الزخرف : 65]
وقوله : ( فاختلف الأحزاب من بينهم ) أي : اختلفت الفرق وصاروا شيعا فيه ، منهم من يقر بأنه عبد الله ورسوله - وهو الحق - ومنهم من يدعي أنه ولد الله ، ومنهم من يقول : إنه الله - تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا - ولهذا قال :
( فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم ).
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : 67]
وقوله : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) أي : كل صداقة وصحابة لغير الله فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة إلا ما كان لله ، عز وجل ، فإنه دائم بدوامه . وهذا كما قال إبراهيم ، عليه السلام ، لقومه :
( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ) [ العنكبوت : 25 ] .

وقال عبد الرزاق :
أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، رضي الله عنه : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) قال : خليلان مؤمنان ، وخليلان كافران ، فتوفي أحد المؤمنين وبشر بالجنة فذكر خليله ، فقال : اللهم ، إن فلانا خليلي كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، وينبئني أني ملاقيك ، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وترضى عنه كما رضيت عني .
فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا وبكيت قليلا .
قال : ثم يموت الآخر ، فتجتمع أرواحهما ، فيقال :
ليثن أحدكما على صاحبه ، فيقول كل واحد منهما لصاحبه :
نعم الأخ ، ونعم الصاحب ، ونعم الخليل .
وإذا مات أحد الكافرين ، وبشر بالنار ذكر خليله فيقول :
اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني ، وتسخط عليه كما سخطت علي .
قال : فيموت الكافر الآخر ، فيجمع بين أرواحهما فيقال :
ليثن كل واحد منكما على صاحبه .
فيقول كل واحد منهما لصاحبه :
بئس الأخ ، وبئس الصاحب ، وبئس الخليل .
رواه ابن أبي حاتم .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : صارت كل خلة عداوة يوم القيامة إلا المتقين .

وروى الحافظ ابن عساكر - في ترجمة هشام بن أحمد - عن هشام بن عبد الله بن كثير :
حدثنا أبو جعفر محمد بن الخضر بالرقة ، عن معافى : حدثنا حكيم بن نافع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" لو أن رجلين تحابا في الله ، أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ، لجمع الله بينهما يوم القيامة ، يقول : هذا الذي أحببته في " .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) [الزخرف : 68]
أي بشرهم.

( الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ) [الزخرف : 69]
فقال : ( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ) أي : آمنت قلوبهم وبواطنهم ، وانقادت لشرع الله جوارحهم وظواهرهم .

قال المعتمر بن سليمان ، عن أبيه : إذا كان يوم القيامة فإن الناس حين يبعثون لا يبقى أحد منهم إلا فزع ، فينادي مناد : ( ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ) فيرجوها الناس كلهم ، قال : فيتبعها :
( الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ).
قال : فييأس الناس منها غير المؤمنين .

( ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) [الزخرف : 70]
( ادخلوا الجنة ) أي : يقال لهم : ادخلوا الجنة.
( أنتم وأزواجكم ) أي : نظراؤكم.
( تحبرون ) أي : تنعمون وتسعدون ، وقد تقدم تفسيرها في سورة الروم .
 
بارك الله فيك
 
توقيع ام أمينة
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الزخرف : 71]
( يطاف عليهم بصحاف من ذهب ) أي زبادي آنية الطعام.
( وأكواب ) وهي : آنية الشراب ، أي : من ذهب لا خراطيم لها ولا عرى ، " وفيها ما تشهي الأنفس " - وقرأ بعضهم : ( تشتهيه الأنفس ) ( وتلذ الأعين ) أي طيب الطعم والريح وحسن المنظر .

قال عبد الرزاق :
أخبرنا معمر ، أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد ، عن عكرمة - مولى ابن عباس - أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
" إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل الجنة بعده أحد ، يفسح له في بصره مسيرة مائة عام في قصور من ذهب ، وخيام من لؤلؤ ، ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدى عليه ويراح بسبعين ألف صحفة من ذهب ، ليس فيها صحفة إلا فيها لون ليس في الأخرى ، مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها ، لو نزل به جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطي ، لا ينقص ذلك مما أوتي شيئا " .

وقال ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا عمرو بن سواد السرحي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن ابن لهيعة ، عن عقيل بن خالد ، عن الحسن ، عن أبي هريرة :
أن أبا أمامة - رضي الله عنه - حدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثهم - وذكر الجنة - فقال :
" والذي نفس محمد بيده ، ليأخذن أحدكم اللقمة فيجعلها في فيه ، ثم يخطر على باله طعام آخر ، فيتحول الطعام الذي في فيه على الذي اشتهى " ثم قرأ : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون ) .

وقال الإمام أحمد :
حدثنا حسن - هو ابن موسى - حدثنا سكين بن عبد العزيز ، حدثنا الأشعث الضرير ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" إن أدنى أهل الجنة منزلة إن له لسبع درجات ، وهو على السادسة وفوقه السابعة ، وإن له ثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح كل يوم بثلاثمائة صحفة - ولا أعلمه إلا قال : من ذهب - في كل صحفة لون ليس في الأخرى ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، ومن الأشربة ثلاثمائة إناء ، في كل إناء لون ليس في الآخر ، وإنه ليلذ أوله كما يلذ آخره ، وإنه يقول : يا رب ، لو أذنت لي لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم ، لم ينقص مما عندي شيء ، وإن له من الحور العين لاثنين وسبعين زوجة ، سوى أزواجه من الدنيا ، وإن الواحدة منهن ليأخذ مقعدها قدر ميل من الأرض " .

( وأنتم فيها ) أي : في الجنة.
( خالدون ) أي : لا تخرجون منها ولا تبغون عنها حولا .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف : 72]
ثم قيل لهم على وجه التفضل والامتنان : (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) أي : أعمالكم الصالحة كانت سببا لشمول رحمة الله إياكم ، فإنه لا يدخل أحدا عمله الجنة ، ولكن بفضل من الله ورحمته . وإنما الدرجات تفاوتها بحسب عمل الصالحات .

قال ابن أبي حاتم :
حدثنا الفضل بن شاذان المقرئ ، حدثنا يوسف بن يعقوب - يعني الصفار - حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" كل أهل النار يرى منزله من الجنة حسرة ، فيقول :
( لو أن الله هداني لكنت من المتقين ) [ الزم.
وكل أهل الجنة يرى منزله من النار فيقول :
( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) [ الأعراف : 43 ] ، ليكون له شكرا " .
قال : وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فالكافر يرث المؤمن منزله من النار ، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة "
وذلك قوله تعالى : ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) .

( لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ) [الزخرف : 73]
وقوله : ( لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون ) أي : من جميع الأنواع.
( منها تأكلون ) أي : مهما اخترتم وأردتم .
ولما ذكر [ الله تعالى ] الطعام والشراب ، ذكر بعده الفاكهة لتتم [ هذه ] النعمة والغبطة .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [الزخرف : 74]
لما ذكر تعالى حال السعداء ثنى بذكر الأشقياء فقال: "إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون".

( لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف : 75]
أي ساعة واحدة "وهم فيه مبلسون" أي آيسون من كل خير.

( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف : 76]
أي بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم فكذبوا وعصوا فجوزوا بذلك جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد.
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@@

( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) [الزخرف : 77]
( ونادوا يامالك ) وهو : خازن النار .

قال البخاري :
حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن عطاء ، عن صفوان بن يعلى ، عن أبيه قال :
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ على المنبر :
( ونادوا يامالك ليقض علينا ربك ) أي : ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه ، فإنهم كما قال تعالى :
( لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) [ فاطر : 36 ] .
وقال : ( ويتجنبها الأشقى . الذي يصلى النار الكبرى . ثم لا يموت فيها ولا يحيى ) [ الأعلى : 11 - 13 ].
فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك:
( قال إنكم ماكثون )
قال ابن عباس : مكث ألف سنة ، ثم قال : إنكم ماكثون .
رواه ابن أبي حاتم .

أي : لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها .

ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتهم للحق ومعاندتهم له فقال :

( لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف : 78]
( لقد جئناكم بالحق ) أي : بيناه لكم ووضحناه وفسرناه.
( ولكن أكثركم للحق كارهون ) أي : ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه ، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه ، وتصد عن الحق وتأباه ، وتبغض أهله ، فعودوا على أنفسكم بالملامة ، واندموا حيث لا تنفعكم الندامة .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) [الزخرف : 79]
ثم قال تعالى : ( أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ) قال مجاهد : أرادوا كيد شر فكدناهم .

وهذا الذي قاله مجاهد كما قال تعالى : ( ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون ) [ النمل : 50 ] ، وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه ، فكادهم الله ، ورد وبال ذلك عليهم ; ولهذا قال :

( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : 80]
( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم ) أي : سرهم وعلانيتهم.
( بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) أي : نحن نعلم ما هم عليه ، والملائكة أيضا يكتبون أعمالهم ، صغيرها وكبيرها .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) [الزخرف : 81]
يقول تعالى : ( قل ) يا محمد : ( إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : لو فرض هذا لعبدته على ذلك لأني عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما يأمرني به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه تعالى ، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا ، كما قال تعالى :
( لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار ) [ الزمر : 4 ] .

[ و ] قال بعض المفسرين في قوله : ( فأنا أول العابدين ) أي : الآنفين . ومنهم سفيان الثوري ، والبخاري حكاه فقال : ويقال : ( أول العابدين ) الجاحدين ، من عبد يعبد .

وذكر ابن جرير لهذا القول من الشواهد ما رواه عن يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، حدثني ابن أبي ذئب ، عن أبي قسيط ، عن بعجة بن زيد الجهني:
أن امرأة منهم دخلت على زوجها - وهو رجل منهم أيضا - فولدت له في ستة أشهر ، فذكر ذلك زوجها لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأمر بها أن ترجم ، فدخل عليه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقال : إن الله يقول في كتابه : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 15 ] ، وقال ( وفصاله في عامين ) [ لقمان : 14 ] ، قال : فوالله ما عبد عثمان - رضي الله عنه - أن بعث إليها ترد -
قال يونس : قال ابن وهب : عبد : استنكف .

[ و ] قال الشاعر :

متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله ويعبد عليه لا محالة ظالما

وهذا القول فيه نظر ; لأنه كيف يلتئم مع الشرط فيكون تقديره : إن كان هذا فأنا ممتنع منه ؟
هذا فيه نظر ، فليتأمل .
اللهم إلا أن يقال : " إن " ليست شرطا ، وإنما هي نافية كما قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله :
( قل إن كان للرحمن ولد ) ، يقول : لم يكن للرحمن ولد فأنا أول الشاهدين .

وقال قتادة : هي كلمة من كلام العرب : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : إن ذلك لم يكن فلا ينبغي .

وقال أبو صخر : ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي : فأنا أول من عبده بأن لا ولد له ، وأول من وحده .
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .

وقال مجاهد : ( فأنا أول العابدين ) أي : أول من عبده ووحده وكذبكم .

وقال البخاري : ( فأنا أول العابدين ) الآنفين .
وهما لغتان ، رجل عابد وعبد .

والأول أقرب على أنه شرط وجزاء ، ولكن هو ممتنع .

وقال السدي [ في قوله ] ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) يقول : لو كان له ولد كنت أول من عبده ، بأن له ولدا ، لكن لا ولد له .
وهو اختيار ابن جرير ، ورد قول من زعم أن " إن " نافية .

( سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [الزخرف : 82]
ولهذا قال : ( سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون ) أي : تعالى وتقدس وتنزه خالق الأشياء عن أن يكون له ولد ، فإنه فرد أحد صمد ، لا نظير له ولا كفء له ، فلا ولد له .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [الشورى : 8]
وقوله : ( ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ) أي : إما على الهداية أو على الضلالة ، ولكنه تعالى فاوت بينهم ، فهدى من يشاء إلى الحق ، وأضل من يشاء عنه ، وله الحكمة والحجة البالغة ; ولهذا قال :
( ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير )

وقال : ابن جرير :
حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي سويد ، حدثه عن ابن حجيرة : أنه بلغه أن موسى ، عليه السلام ، قال :
يا رب خلقك الذين خلقتهم ، جعلت منهم فريقا في الجنة وفريقا في النار ، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة ؟ !
فقال : يا موسى ، ارفع ذرعك .
فرفع ، قال : قد رفعت .
قال : ارفع .
فرفع ، فلم يترك شيئا ، قال : يا رب قد رفعت.
قال : ارفع .
قال : قد رفعت ، إلا ما لا خير فيه .
قال : كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة ، إلا ما لا خير فيه .

( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۖ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [الشورى : 9]
يقول تعالى منكرا على المشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله ، ومخبرا أنه هو الولي الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده ، فإنه القادر على إحياء الموتى وهو على كل شيء قدير .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى : 10]
ثم قال : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) أي : مهما اختلفتم فيه من الأمور وهذا عام في جميع الأشياء.
( فحكمه إلى الله ) أي : هو الحاكم فيه بكتابه ، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - كقوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ النساء : 59 ] . .

( ذلكم الله ربي ) أي : الحاكم في كل شيء.
( عليه توكلت وإليه أنيب ) أي : أرجع في جميع الأمور .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى : 15]
شتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات ، كل منها منفصلة عن التي قبلها ، [ لها ] حكم برأسه - قالوا :
ولا نظير لها سوى آية الكرسي ، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه .

1 - قوله ( فلذلك فادع ) أي : فللذي أوحينا إليك من الدين الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك أصحاب الشرائع الكبار المتبعة كأولي العزم وغيرهم ، فادع الناس إليه .

2 - وقوله : ( واستقم كما أمرت ) أي : واستقم أنت ومن اتبعك على عبادة الله ، كما أمركم الله عز وجل .

3 - وقوله : ( ولا تتبع أهواءهم ) يعني : المشركين فيما اختلقوه ، وكذبوه وافتروه من عبادة الأوثان .

4 - وقوله : ( وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب ) أي : صدقت بجميع الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء لا نفرق بين أحد منهم .

5 - وقوله : ( وأمرت لأعدل بينكم ) أي : في الحكم كما أمرني الله .

6 - وقوله : ( الله ربنا وربكم ) أي : هو المعبود ، لا إله غيره ، فنحن نقر بذلك اختيارا ، وأنتم وإن لم تفعلوه اختيارا ، فله يسجد من في العالمين طوعا واختيارا .

7 - وقوله : ( لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ) أي : نحن برآء منكم ، كما قال تعالى : ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ) [ يونس : 41 ] .

8 - وقوله : ( لا حجة بيننا وبينكم ) قال مجاهد : أي لا خصومة .
قال السدي : وذلك قبل نزول آية السيف . وهذا متجه لأن هذه الآية مكية ، وآية السيف بعد الهجرة .

9 - وقوله : ( الله يجمع بيننا ) أي : يوم القيامة ، كقوله : ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) [ سبأ : 26 ] .

10 - وقوله : ( وإليه المصير ) أي : المرجع والمآب يوم الحساب .
 
تفسير ابن كثير
@@@@@@@

( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) [الشورى : 16]
يقول تعالى - متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به - : ( والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له ) أي : يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله ، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى.
( حجتهم داحضة عند ربهم ) أي : باطلة عند الله.
( وعليهم غضب ) أي : منه.
( ولهم عذاب شديد ) أي : يوم القيامة .

قال ابن عباس ، ومجاهد : جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله ؛ ليصدوهم عن الهدى ، وطمعوا أن تعود الجاهلية .

وقال قتادة : هم اليهود والنصارى ، قالوا لهم : ديننا خير من دينكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم ، وأولى بالله منكم . وقد كذبوا في ذلك .
 
العودة
Top Bottom