التفاعل
4.2K
الجوائز
293
- تاريخ التسجيل
- 19 سبتمبر 2021
- المشاركات
- 1,162
- آخر نشاط
- الوظيفة
- طبيبة
- الجنس
- أنثى
- الأوسمة
- 10
ما أسوء أن تقطف زهرة ذابلة،
أو أن تنزع ثمرة قبل تمام نضجها.
ما أصعب أن تنتظر غائبًا لن يأتي،
أو أن تؤمّل نفسك بعودة أحدهم،
وتجد نفسك قد سجنت بين جدران الانتظار.
القسم: مصلحة الولادة
الساعة: السابعة صباحًا
مرّت المناوبة هذه المرة هادئة.
لا ولادات كثيرة، ولا حالات مستعجلة.
يقولون إن من اعتاد القلق ظنّ أن الطمأنينة فخّ.
وهذا الهدوء الغريب يشبه ذلك الذي يسبق العاصفة الهوجاء بقليل.
اكتفينا ببعض الفحوصات للنساء الحوامل برفقة الأطباء المقيمين هناك.
والجميع سعداء بهدوء المناوبة الاستثنائية.
أنهينا الفحوصات مبكرًا، وقاعة الانتظار فارغة.
عندما لمحنا الساعة، كانت تشير إلى الحادية عشر ليلًا.
ما أسكنها من ليلة!
بعد ذلك كان عليّ القيام بقياس ضغط النساء في قسم الحمل الأكثر خطورة، برفقة صديقتيّ الطبيبتين الداخليتين.
فنحن من المساعدة نحيا بروح واحدة.
"الصداقة لم تكن يومًا لقبًا نتزيّن به،
ولا حُليًّا نضعه على الأعناق.
الصداقة ميثاق قلبي غليظ، وقد جاء في الأثر: "من ساعد فقد آخى"".
تعاونّا فأنهينا عملنا سريعًا، ثم خرجنا إلى المخبر لإحضار بعض التحاليل.
ثم كان علينا الخلود إلى النوم.
فليلة هادئة كهذه لا بد لها أن تُختم بنوم هادئ، فربما لن تتكرر.
تسامرنا قليلًا، تبادلنا أطراف الحديث بعيدًا عن جوّ المشفى.
لا تتعجّبوا
الطبيبات كسائر نساء الدنيا: يُتابعن الموضة، يطبخن، يمرحن ويضحكن، يتسوّقن أحيانًا، ويتداولن أخبار السياسة والمجتمع.
ومن حسن حظنا تلك الليلة أن صادفنا غرفة فارغة في جناح "النساء ما بعد الولادة".
على الرغم من أن الراحة استغرقت ساعات قليلة، إلا أنها كانت كافية بالنسبة لنا، نحن الذين اتخذنا الإرهاق منهاج حياة.
بعد ذلك أتممنا بعض الفحوصات والقياسات الروتينية التي تلي المناوبة، وسلّمت دفتري إلى الطبيبة المسؤولة لتتمم جمال الليلة.
لكن ما قطع هذا الهدوء فجأة كان صوت صراخ قادم من غرفة الولادة.
صحيح أننا اعتدنا على مثل هذه الأصوات، ولكن هذه المرة كانت أقوى وأقسى.
وكعادتِي، أحب أن أعيش داخل حجرة الولادة اللحظات الأولى والبدايات السعيدة.
أحب فكرة أن تنتهي المعاناة بأشياء نحبها،
أن نصِل إلى غايتنا بعد عناء طويل،
أن نشعر أن ما تعبنا وصبرنا لأجله هو الآن بين أيدينا.
إلا أن هذا كله لم يحدث هذه المرة.
ولدت النهاية قبل البداية.
وكان الفصل الحزين من الرواية، والمشهد القاسي من القصة.
وُئِدت الفرحة في مهدها،
غابت أهازيج السعادة،
ولا وجود لبكاء الطفل الأول ليعلن بداية جديدة.
مات الجنين داخل رحم أمه.
ما أصعب أن تنتظر غائبًا ولا يأتي،
أو أن تمد يدك إلى السراب.
ما أقسى أن نتبادل التعازي في غرفة التبريكات:
"إنا لله وإنا إليه راجعون، عوضك الله خيرًا".
أحيانًا يكون المشهد أعنف من أن يُوصف بالكلمات،
خاصّة وأنك في الأشهر الأخيرة من الحمل،
خاصّة وأنك جهّزت ملابس الأمير الصغير ومهدَه،
وخاصة وأنك تنتظرين ذلك الحُضن الدافئ كل يوم.
بعض المشاهد لا تكتمل مع الأسف،
بعض السمفونيات تكون ناقصة،
بعض الأحلام كُتب لها أن تنتهي قبل أن تبدأ،
وبعض الآلام لا يداويها إلا صبر جميل.
وُلِد الطّفل الميّت، ونُقل على جناح السرعة إلى مصلحة حفظ الجثث،
لم تكن هناك فرصة لإلقاء النظرة الأخيرة.
ثم نُقلت الأم الثكلى إلى جناح ما بعد الولادة، وحيدة، مبتورة، حزينة.
تبِعتُها لأواسيها في مصابها، علّني أخفّف عنها والحزن قد تملّك قلبي المنهك.
"صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنّة".
ما أدهشني حقّا أنّني وجدت أمّا في تمام الرضا، وغاية التسليم.
"أنا لم أفقد ولدي، هو فقط سبقني إلى الجنّة، هناك حيث لا فقد ولا وجع ".
أحيانًا تأتي المواساة على هيئة جرح، على شكل وجع، في صورة دمعة، أو درس لا يُنسى.
أنهينا المناوبة الأليمة، وخرجنا من المصلحة بخطًى متثاقلة.
لا من إرهاق العمل، بل من وجع القلب.
أو أن تنزع ثمرة قبل تمام نضجها.
ما أصعب أن تنتظر غائبًا لن يأتي،
أو أن تؤمّل نفسك بعودة أحدهم،
وتجد نفسك قد سجنت بين جدران الانتظار.
القسم: مصلحة الولادة
الساعة: السابعة صباحًا
مرّت المناوبة هذه المرة هادئة.
لا ولادات كثيرة، ولا حالات مستعجلة.
يقولون إن من اعتاد القلق ظنّ أن الطمأنينة فخّ.
وهذا الهدوء الغريب يشبه ذلك الذي يسبق العاصفة الهوجاء بقليل.
اكتفينا ببعض الفحوصات للنساء الحوامل برفقة الأطباء المقيمين هناك.
والجميع سعداء بهدوء المناوبة الاستثنائية.
أنهينا الفحوصات مبكرًا، وقاعة الانتظار فارغة.
عندما لمحنا الساعة، كانت تشير إلى الحادية عشر ليلًا.
ما أسكنها من ليلة!
بعد ذلك كان عليّ القيام بقياس ضغط النساء في قسم الحمل الأكثر خطورة، برفقة صديقتيّ الطبيبتين الداخليتين.
فنحن من المساعدة نحيا بروح واحدة.
"الصداقة لم تكن يومًا لقبًا نتزيّن به،
ولا حُليًّا نضعه على الأعناق.
الصداقة ميثاق قلبي غليظ، وقد جاء في الأثر: "من ساعد فقد آخى"".
تعاونّا فأنهينا عملنا سريعًا، ثم خرجنا إلى المخبر لإحضار بعض التحاليل.
ثم كان علينا الخلود إلى النوم.
فليلة هادئة كهذه لا بد لها أن تُختم بنوم هادئ، فربما لن تتكرر.
تسامرنا قليلًا، تبادلنا أطراف الحديث بعيدًا عن جوّ المشفى.
لا تتعجّبوا
الطبيبات كسائر نساء الدنيا: يُتابعن الموضة، يطبخن، يمرحن ويضحكن، يتسوّقن أحيانًا، ويتداولن أخبار السياسة والمجتمع.
ومن حسن حظنا تلك الليلة أن صادفنا غرفة فارغة في جناح "النساء ما بعد الولادة".
على الرغم من أن الراحة استغرقت ساعات قليلة، إلا أنها كانت كافية بالنسبة لنا، نحن الذين اتخذنا الإرهاق منهاج حياة.
بعد ذلك أتممنا بعض الفحوصات والقياسات الروتينية التي تلي المناوبة، وسلّمت دفتري إلى الطبيبة المسؤولة لتتمم جمال الليلة.
لكن ما قطع هذا الهدوء فجأة كان صوت صراخ قادم من غرفة الولادة.
صحيح أننا اعتدنا على مثل هذه الأصوات، ولكن هذه المرة كانت أقوى وأقسى.
وكعادتِي، أحب أن أعيش داخل حجرة الولادة اللحظات الأولى والبدايات السعيدة.
أحب فكرة أن تنتهي المعاناة بأشياء نحبها،
أن نصِل إلى غايتنا بعد عناء طويل،
أن نشعر أن ما تعبنا وصبرنا لأجله هو الآن بين أيدينا.
إلا أن هذا كله لم يحدث هذه المرة.
ولدت النهاية قبل البداية.
وكان الفصل الحزين من الرواية، والمشهد القاسي من القصة.
وُئِدت الفرحة في مهدها،
غابت أهازيج السعادة،
ولا وجود لبكاء الطفل الأول ليعلن بداية جديدة.
مات الجنين داخل رحم أمه.
ما أصعب أن تنتظر غائبًا ولا يأتي،
أو أن تمد يدك إلى السراب.
ما أقسى أن نتبادل التعازي في غرفة التبريكات:
"إنا لله وإنا إليه راجعون، عوضك الله خيرًا".
أحيانًا يكون المشهد أعنف من أن يُوصف بالكلمات،
خاصّة وأنك في الأشهر الأخيرة من الحمل،
خاصّة وأنك جهّزت ملابس الأمير الصغير ومهدَه،
وخاصة وأنك تنتظرين ذلك الحُضن الدافئ كل يوم.
بعض المشاهد لا تكتمل مع الأسف،
بعض السمفونيات تكون ناقصة،
بعض الأحلام كُتب لها أن تنتهي قبل أن تبدأ،
وبعض الآلام لا يداويها إلا صبر جميل.
وُلِد الطّفل الميّت، ونُقل على جناح السرعة إلى مصلحة حفظ الجثث،
لم تكن هناك فرصة لإلقاء النظرة الأخيرة.
ثم نُقلت الأم الثكلى إلى جناح ما بعد الولادة، وحيدة، مبتورة، حزينة.
تبِعتُها لأواسيها في مصابها، علّني أخفّف عنها والحزن قد تملّك قلبي المنهك.
"صبرا آل ياسر، فإن موعدكم الجنّة".
ما أدهشني حقّا أنّني وجدت أمّا في تمام الرضا، وغاية التسليم.
"أنا لم أفقد ولدي، هو فقط سبقني إلى الجنّة، هناك حيث لا فقد ولا وجع ".
أحيانًا تأتي المواساة على هيئة جرح، على شكل وجع، في صورة دمعة، أو درس لا يُنسى.
أنهينا المناوبة الأليمة، وخرجنا من المصلحة بخطًى متثاقلة.
لا من إرهاق العمل، بل من وجع القلب.