وبالفعل صار المعتمد وزوجته اعتماد مثلاً سائرًا عبر التاريخ، ولكن مثلاً في السفاهة والبذخ والإسراف، والانغماس في الشهوات والملذات، والأفعال الغريبة والفاشلة، ودفع كلاهما ثمن ذلك غاليًا جدًا بعد أن سقطت إشبيلية في يد المرابطين، وقضيا آخر سنوات عمرهما في بيت وضيع ضيق بعد أن ضاع ملكهما وعزهما، وكان عاقبة أمرهما خسرًا.. وما زالت الإنجازات تتوالي.
واليوم - ورغم مرور مئات السنين علي تلك الحادثة الغريبة - ما زالت إنجازات العرب في ميدان السفه والتفاهة والبذخ والإسراف تتوالي، وما زال العرب يسطرون كل يوم أمجادًا جديدة تضاف لسجل أمجادهم في فترة الاستيلاء الاستهلاكي علي العقلية العربية الكليلة والأسيرة، بل قل المفتونة بكل عجيب وغريب، وموسوعة الأرقام القياسية المسماة "بموسوعة جينيس" تحفل بالعديد من الأسماء العربية في مجالات قل وندر أن تجد أحدها فيها من غير العرب.
ففي حين تتقدم الولايات المتحدة الأمريكية قائمة الأرقام القياسية ب4412 رقمًا قياسيًا، تليها انجلترا ب2268 رقمًا، ثم ألمانيا ب530 رقمًا قياسيًا، نجد أن العرب لهم حضور لافت بالإمارات علي رأس القائمة العربية ب 53 رقمًا، وتليها مصر ب28 رقمًا، ثم السعودية ب 17 رقمًا، ثم قطر ب 11 رقمًا، ثم لبنان ب 10 أرقام.
ولكن الأرقام العربية كلها أرقام قياسية استهلاكية فارغة؛ فأغلي سيارة، وأغلي رقم سيارة للإمارات، وأكبر عدد حوادث سيارات لمصر، وأكبر صحن فتة، وطبق حمص، وطبق فلافل للبنان، وأطول علم مصنوع من قماش مغربي، وأكبر طبق كبسه سعودي، وأضخم قالب حلوي، وأكبر رغيف مسخن فلسطيني، وأكبر مطعم سوري، وأكبر صحن فته لحم بالخضار أردني، وأكبر لوحة مذهبة من قطر، وأكبر قبعة تخرج من البحرين، وأكثر المغنيين بيعًا للشرائط من الجزائر، وأكبر علبة محارم من الأردن، وأكبر طبق كنافة من نابلس، وأكبر خاتم ذهبي من السعودية، وأرقام أخري حجبناها لتفاهتها الشديدة.
وقد يقول قائل إن هناك العشرات بل المئات من الأرقام الغريبة والتافهة عند أمريكا وانجلترا وغيرها من الدول الغربية، فلم اللوم للعرب وحدهم ؟
هذا الكلام قد يكون صحيحًا إذا كان للعرب بجوار إنجازاتهم القياسية في كل ما هو سفيه وتافه، أرقام أخري في مجالات الزراعة، والصناعة، والتقدم العلمي والتقني، مثلما هو الحال عند الدول الغربية التي يوجد فيها النوعان النافع والفارغ، ولكن للآسف أرقام العرب كلها في النوع الثاني فقط، وأرقام أخري لم تذكر!
غير أن للعرب أرقامًا أخري لم تذكرها موسوعة الأرقام القياسية، ولم يذكرها العرب أنفسهم؛ لأنها أرقام في الألم والذل والمهانة والعار، أرقام في قلة الحيلة، وتفرق الصف، واضطراب الأحوال. وهي نتيجة طبيعية لانشغال العرب بتحصيل الأرقام القياسية في المجال الأول.
فأقدم بلد محتل علي وجه الأرض بلد عربي هو فلسطين، وأقدم أسير في السجون هو الأسير الفلسطيني أثال البرغوثي 32 سنة اعتقال في السجون الإسرائيلية، وأكبر عدد من قتلي الحروب في العراق قرابة المليون، وأقدم رئيس في العالم القذافى الملقب بشيخ مشايخ، وعمد وخفراء أفريقيا، وأكبر عدد من المعتقلين السياسيين في العالم في بلد عربي كبير، وأكثر البلاد انقلابًا في العصر الحديث موريتانيا، وأفقر بلد في العالم الصومال، وكذلك أكثر بقاع العالم اضطرابًا وخطرًا، وأكثر المناطق التي يوجد فيها جنود أجانب المنطقة العربية، وأكبر القواعد الأمريكية العسكرية في العالم في قطر ثم الكويت، وأكثر المشاكل الحدودية في العالم في المنطقة العربية - تقريبا كل الدول العربية دون استثناء، وأغلي مدينة سكانية في العالم دبي، والمدينة الثامنة علي مستوي العالم في الخطايا المنامة، أما أعلي نسبة فساد حكومي ففي العراق، وأكبر بلد فيه أيتام وأرامل وبطالة في العراق أيضًا، وأكبر عدد لاجئين فبالقطع في فلسطين قرابة السبع ملايين لاجئ.
لماذا يتفوق العرب في السفه ؟
عندما أعلنت لبنان عن مشروعها لتحطيم الرقم القياسي لطبق الحمص المتبل كانت تريد بذلك أن تحقق لنفسها نصرًا معنويًا يكشف عن طبيعة التدهور الذي وصل إليه العقل العربي، الذي كان في يوم من الأيام معدنًا لخير الناس وقادة الأمم. ويكشف لنا عن أثر الاحتلال في الترويج للنمط الاستهلاكي للشعوب العربية التي لا يري فيها إلا سوقًا لتصريف منتجاته البائرة علي أرفرف المتاجر الأمريكية والأوروبية، تمامًا مثل منتجات السلاح الذي تكتظ به المخازن الأجنبية في انتظار العرب المغفلين لشرائه بالمليارات، في حين تذهب أحدث الأسلحة وأكثرها تطورًا للصهاينة.
السر وراء تفوق العرب في السفاهة يرجع إلي العقلية العربية التي جري تشكيلها في فترة ما بعد الاحتلال العسكري لبلاد الإسلام والعرب، بواسطة الغزو الثقافي والفكري؛ فهي تري الآن أن قمة إنجازاتها أن تضارع الكيان الصهيوني في صنع طبق الحمص المتبل،
العرب الآن يتفوقون في السفاهة؛ لأنها بمنتهي البساطة لا يملكون غيرها، بعد أن قطع عليهم أعداء الأمة كل أسباب التقدم والرقي، وكرسوا أسباب الفساد والاستبداد فيها، بدعم بعض الأنظمة الاستبدادية، والترويج للديمقراطية الجديدة، وكل فنون اللذة واللهو والعبث بالعقول.
العرب يتفوقون في السفاهة الآن؛ لأنهم يرون أن الوطنية الحقة في تشجيع منتخبات الكرة، والتناحر والتدابر من أجلها، والولاء والبراء عليها، وقطع العلاقات، والتشاتم بسببها، ويرون أن البطولة والشجاعة والرجولة في المسارح، وعلي شاشات التلفاز والسينما؛ حيث تعبث الأفكار الوهمية بخيال الشباب، وتؤجج نار الشهوات والملذات عندهم.
العرب الآن يرون أن التصويت علي مسابقات ستار أكاديمي أهم بكثير من التصويت علي الانتخابات الرئيسية والبرلمانية، والتي تحدد سير الأمم والبلاد؛ مما فتح المجال لوصول المنحرفين والمفسدين وأيضًا الجواسيس الذين يعملون لصالح أمريكا؛ للوصول إلي أماكن حساسة وخطيرة، وما أمثال ما وقع في الكويت والبحرين ببعيد.
العرب الآن يرون أن علاقة العروبة أقوي وأعلي من علاقة الإسلام؛ فهم لا يهتمون إلا قليلاً بما يجري لإخوانهم المسلمين في شتى بقاع العالم؛ ففي حين تضطهد الصين المسلمين بأقسى المثلات، تفتح البلاد العربية أبوابها علي مصراعيها للشركات الصينية لتنهب خيرات المسلمين بالمليارات. ومع ذلك الصين الآن تبني السدود علي نهر النيل بالتعاون مع إسرائيل لتعطيش مصر والسودان. العرب الآن يفتحون وسائل الأعلام عندهم والصحف والجرائد لطابور طويل من العملاء والمندسين والتغريبيين باسم التنوير والليبيرية والتحررية؛ ليصبوا جم سمومهم عبر مداد الأقلام ضد الإسلام وعلمائه ودعاته.
العرب الآن بأمثال هذه الأرقام القياسية في حالة أزمة حقيقية قبالة عدو لدود يمضي قدمًا في مخططاته الرامية لتهويد المقدسات، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى؛ ففي حين نجد أن روحًا دينية عميقة تتجذر في المجتمع الصهيوني، وتدفعه نحو مزيد من الالتزام والتدين، نجد أن العرب الآن يسيرون بعيدًا عن أسباب القوة والتمكين؛ مما يجعل الوعي العربي حيال الأزمة المحيطة بالمنطقة غائبًا تماما عن تلمس سبيل النجاة، وكيفية المواجهة، وبالتالي يبحث عن إنجازاته في طبق حمص متبل!
ويعلق علي ذلك "دان إشتيفان" البروفيسور الإسرائيلي في العلوم السياسية بجامعة حيفا يسخر من العرب في محاضرة له بالجامعة في 21 أكتوبر 2009 فيقول:" العرب هم الأكثر فشلاً في التاريخ الإنساني، وعندما ترسل إسرائيل قمرًا صناعيًا للفضاء، يصنع العرب نوعًا جديدًا من سلطة الحمص". وطبعًا هذا الحاقد الصهيوني يقصد عرب اليوم وليس عرب الأمس.
وأخيرًا نقول لمن يتهمنا بالتحامل والعصبية والشعوبية، وإلي آخر هذه الاتهامات المعروفة، ويقول لم تنكر علي العرب وحدهم صنع طبق حمص متبل عملاق، ولم تنكر أو تهاجم الصهاينة وقد صنعوا من قبل مثل ما صنعه العرب ؟ يكفي أن أقول لهم إن صانعي الطبق الإسرائيلي هم من عرب 48 من قرية أبي غوش الفلسطينية المحتلة