حياة البرزخ نعيم القبر وعذابه وتلاقي الأرواح بعد الممات بحث شامل بإذن الله

أبو ياسر المهاجر

:: عضو مُشارك ::
إنضم
19 ماي 2010
المشاركات
408
نقاط التفاعل
140
النقاط
9
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فهذا بحث في الروح وحياة البرزخ ونعيم القبر وعذابه وتنقل الروح وحياة الأطفال في البرزخ وما يقبل من الأعمال للموتى وما يسبب عذاب القبر والكثير من الأمورمع مجموعة أحاديث صحيحة أضفتها في نهاية البحث

ملاحظة: جميع الأحاديث الواردة في الموضوع صحيحة والله أعلم



مفهوم الروح وإستعمالاتها في القرآن الكريم

مفهوم الروح في اللغة
أصل الروح من روح: الراء والواو والحاء أصل كبير مطرد، يدل على سَعَةٍ وفسحةٍ
واطراد، وأصل ذلك كله الرّيح،وأصل الياء في الريح الواو، وإنما قلبت ياءً لكسرة ما قبلها،
فالرّوح: روح الإنسان.
وفي العيْن: "الروح: النفس التي يحيا بها البدن، يُقال: خرجت روحُهُ أي نفسه، ويقال : َ خرَجَ،
فيُذكَّر، والجميع أرواح.
أما مفهوم الروح في الاصطلاح
من المعاني التي جاءت في تعريف الروح الإنساني بأنها: اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان،
الراكبة على الروح الحيواني، نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراك كنهه، وتلك الروح
قد تكون مجردة، وقد تكون منطبقة في البدن
استعمالات الروح في القرآن الكريم
تعدّدت استعمالات الروح في القرآن على أوجه، منها:
الأول: الْوحي، جاء في قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا، وقوله
تعالى: " يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
"وسمي الوحي روحًا لأنّ الناس يحيون به، أي يحيون من موت الكفر كما تحيا الأبدان
بالأرواح.
الثاني: "جبريل عليه السلام ، كما في قوله تعالى:نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ , عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
وهو روح القدس الذي جاء ذكره في قوله سبحانه: " قُلْ نَزَّلَه رُوحُ الْقُدُس.
الثالث: "المسيح ابن مريم عليه السلام ، وجاء في قوله عزوجل : " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا.
( الرابع:"القرآن الكريم ، جاء في قوله عز شأنه:" وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا
ويعني الوحي بأمرنا: القرآن، لأنه يهتدي به ففيه حياة من موت الكفر.
الخامس:قال المفسّرون في تفسير قوله تعالى: " أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِھِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَھُمْ بِرُوحٍ مِنْه .): قوّاهم بنصر منه، وقيل: "بِرُوحٍ مِنْه " يعني: بالإيمان،وقيل: برحمة منه ومهما تعددت معاني الروح، فإنها تحمل إلينا معنىً رائعًا، متكاملا، وإشاراتٍ حية، فجبريل عليه السلام هو الوحي الذي ينزل إلى أنبياء الله تعالى ورسله، ومن يشاءُ من عباده وخلقه بأمره سبحانه وتعالى، فنفخ الروح في أحشاء السيدة مريم عليها السلام، ثم كلمها ليبشرها بالنبي الذي تلده، وبث فيها معاني القوة وأمرها بالثبات وعدم الخوف، لأن هذا أمر الله تعالى ومشيئته، قال . تعالى: " قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ھُوَ عَلَيَّ ھَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَه آَيَة لِلنَّاسِ وَرَحْمَة مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا"( 4
وفي الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، َقال: بَيَْنا أََنا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَرْثٍ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ عََلى عَسِيب، إِذْ مَرَّ الْيَهُودُ، َفَقالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض: سَُلوهُ عَنْ الرُّوح، َفَقالَ: مَا رابَكمْ إَِليْهِ ،وََقالَ بَعْضُهُمْ: َلا يَسَْتقِْبُلكمْ بشيْءٍ تَكْرَهُونَهُ،َفَقاُلوا، سَُلوهُ، فَسَأَُلوهُ عَنْ الرُّوح، َفأَمْسَك النَّبِيُّ َفَلمْ يَرُدَّ عََليْ ِ همْ َ شيْئًا، َفعَلِمت أَنَّهُ يُوحَى إَِليْهِ، فَُقمت مََقامِي، َفَلمَّا َنزَلَ الْوَحْيُ َقال: " وَيَسْألونك عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْ رِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا .
وأما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها في القرآن الكريم إلا بالنفس، قال تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ وقال تعالى: " وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ وقال تعالى: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى : وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ، وقال، وقال تعالى: " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ. وقال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَة الْمَوْت.. إذًا فالروح هي النفس، والنفس هي الروح، والروح والنفس اسمان لشيء واحد، وهما الّلذان يحيا بهما الإنسان، فإذا دنا أجله أمر الله سبحانه وتعالى بقبض روحه، فتخرج الروح إما إلى نعيم مقيم، أو عذاب أليم حسب ما اكتسبت يدا صاحبهما.

الموت في المنام
الحديث الأول
إذا آوى الرجل إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك اختم بخير ويقول الشيطان اختم بشر فإن ذكر الله ثم نام بات الملك يكلؤه وإذا استيقظ قال الملك افتح بخير وقال الشيطان افتح بشر فإن قال الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي { يمسك السموات والأرض أن تزولا } إلى آخر الآية الحمد لله الذي { يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه } فإن وقع عن سريره فمات دخل الجنة
حديث صحيح
قال الحافظ ابن رجب: "أعظم الشدائد التي تنزل بالعبد في الدنيا الموت، وما بعده أشد منه، إن لم يكن مصير العبد إلى خير، فالواجب على المؤمن الاستعداد للموت وما بعده في حال الصحة بالتقوى، والأعمال الصالحة، قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
فمن ذكر الله في حال صحته ورخائه، واستعد للقائه عزّ وجل بالطاعات، ثبته عند الموت وهون عليه ما بعده،وذكره الله عند هذه الشدائد، ولطف به، وأعانه وتولاه، وثبته على التوحيد، فلقيه وهو عنه راض، ومن نسي الله في حال صحته ورخائه، ولم يستعد حينئذ للقائه،لمستعد له، أحسن الظن بربه، وجاءته البشرى من الله، فأحب لقاء الله أحب الله لقاءه، والفاجر بعكس ذلك، وحينئذ يفرح المؤمن ويستبشر بما قدمه، مما هو قادم عليه، ويندم المفرط ويقول : يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ للهَّ.
كيف تكون تلك اللحظات، وكيفية وقوعها على المؤمن والكافر، وقد بين لنا الرسولَ وذلك في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنهما، حيث قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، قال : فرفع رأسه ، وقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة ، وكفن من كفن الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها ، فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، وتخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك وجدت على ظهر الأرض ، فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الريح الطيبة ! فيقولون : فلان بن فلان ! بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت ، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبد فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح ، فيقول له : أبشر بالذي يسرك ، فهذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة ! رب أقم الساعة ! حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يأتيه ملك الموت ، فيجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط الله وغضبه ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها ، ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فيجعلونها في تلك المسوح ، قال : ويخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ! فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ ، قال : فيقول الله تبارك وتعالى : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى ، وأعيدوا إلى الأرض ، فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى ، قال : فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ، ثم تعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فينادي مناد من السماء إن كذب فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، قال : ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، قال : فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب ، لا تقم الساعة ، رب ، لا تقم الساعة .

إسناده صحيح
فهذا حديث عظيم بيَّن لنا فيه المصطفى كيف تخرج روح المؤمن وروح الكافر، وما تلقيانه من حُسن معاملة واستقبال، أو شدّة وغلق الأبواب، كلٌّ حسب ما قدّمت يداه في الحياة الدنيا، والرسول بيّن لنا ذلك لنسلك طريق التقوى والإيمان والصلاح، ونبتعد عن طريق الغيِّ والفساد.

يتبع بإذن الله..
 
شدة الموت وسكرته
وروى الصعدي في النوافح العطرة بسند مرسل
أدنى جبذات الموت بمنزلة مائة ضربة سيف
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
إن من نعم الله علي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي ، وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته : دخل علي عبد الرحمن ، وبيده السواك ، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيته ينظر إليه ، وعرفت أنه يحب السواك ، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فتناولته ، فاشتد عليه ، وقلت : الينه لك ؟ فأشار برأسه : ( أن نعم ) . فلينته ، فأمره ، وبين يديه ركوة أو علبة - يشك عمر - فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ، يقول : ( لا إله الإ الله ، إن للموت سكرات ) . ثم نصب يده ، فجعل يقول : ( اللهم في الرفيق الأعلى ) . حتى قبض ومالت يده .

حُسْن الظن بالله تعالى
عندما تحين لحظة الكرب الشديد، وتشتد سكرات الموت على العبد، ويوقن بلا أدْنى شك أنها آخر أنفاسه، وينقطع الأمل بالعودة إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، فإن العبد الكافر الذي أعرض عن ذكر الله تعالى، وغفل عن كل معاني الإيمان، وكان همه الوحيد كثرة الأموال والأولاد ،والغوص في الملذات والشهوات، ناسيا ما كتبه الله على عباده بنهاية آجالهم بالموت،هذا ومن كان على شاكلته يصدق فيهم قول الحق جل وعلا: "ذَرْھُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْھِھِم الأمل فسوف يعلمون "
وقوله عزّ وجل:" ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
في ε وهؤلاء الغافلون الراكضون خلف شهوات المال والجاه والدنيا، يصف حالهم الرسولَ في هذا الحديث عَنْ أَِبي سَعِيدٍ الْخدْريِّ رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرز بين يديه غرزا ثم غرز إلى جنبه آخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا الإنسان وهذا أجله وهذا أمله يتعاطى الأمل يختلجه الأجل دون ذلك
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، َقالَ:
خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط خطا في الوسط خارجا منه ، وخط خططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : ( هذا الإنسان ، وهذا أجله محيط به - أو : قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) رواه البخاري

والعبد المؤمن الذي تعلقت روحه ببارئها في حياته بالطاعة والعبادة، مأمورٌ بأن يبقى على طريق الهداية، فإذا دنى أجله واحتضر عليه أن يُحسن الظن بالله تعالى، التزامًا منه بأمره
فعَنْ جَاِبر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، َقالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ َقبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثٍ يَُقو لُ:"َلا يَمُوتَن أَحَدُ كمْ، إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ ِباللَّهِ فسوء الظَّنَّ بالله من أكبر الكبائر. أما سوء الظن بالله، فهو من أكبر الكبائر الاعتقادية بعد الكفر، لأنه يؤدي إليه: والله تعالى عند ظن عبده به، لكن كما قال تعالى (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
يجب على العبد إحسان الظن بربه، يجب عليه أن يخاف عقابه، ويخشى عذابه، فطريق السلامة بين طريقين مخوفين مهلكين، طريق الأمن وطريق اليأس، وطريق الرجاء وطريق الخوف، وهو العدل بينهما، فمتى فقدت الرجاء، وقعت في طرق الخوف، ومتى فقدت الخوف، وقعت في الرجاء ، فطريق الاستقامة طريق الأمن بينهما، فإن ملت عنه يمنة أو يسرة هلكت، فيجب أن تنظر إليهما جميعا، وتركب منهما طريقًا ممتد بينهما دقيقًا وتسُلكهُ، نسأل الله السلامة، واعلم أن النفس إذا كانت ذات َ شرَهٍ وشهوة غالبة، فارت بدخان شهواتها كدخان الحريق، فأظلمت الصدر، فلم يبق له ضوء بمنزلة قمر ينكسف ، فصار الصدر مظلما، وجاءت النفس بهواجسها، وتخليطها، واضطربت فظن العبد أن الله لا يعطف عليه، ولا يرحمه ولا يكفيه أمر رزقه، ونحو ذلك، وهذا من سوء الظن بالله وصل إلى حد اليأس من الرحمة، ووقع في القنوط، وهو كفر.( ومن يقدم حسن الظن بالله طوال حياته فهو يخشى عليه أن يكون ممن تنطبق عليهم هذه الآية قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.
و معنى حسن الظن بالله تعالى: أن يظنّ أنه يرحمه ويعفو عنه، ففي حالة الصحة يكون خائفًا،راجيًا ويكونان سواء، وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت، َ غلَّب الرجاء،أو محضه، لأن مقصود الخوف الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك، أو معظمه في هذا الحال، واستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى والإذعان له"(
وإذا أحسن العبد الظن بالله تعالى فإنه من دلالات إيمانه وحبه للقاء الله تعالى، وإذا أحب العبد لقاء الله تعالى أحب الله سبحانه لقاءه، وإذا َ كرِهَ العبد لقاء الله تعالى َ كرِهَ الله سبحانه لقاءه.وهو عدم حسن الظن بالله ، وإذا أساء العبد الظن بالله تعالى فإنه يقع فيما نهى عنه رسول تعالى، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله سبحانه لقاءَه، لما كان منه من المعاصي والآثام والبعد عن الطريق المستقيم، ومن عدله سبحانه أن يحب لقاء من أحبه وأطاعه وكان دومًا عابدًا ذاكرًا له، محسن الظنّ به، ومشتاقًا للقائِهِ عزَّ وجلَّ.َقالَ:" مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لَِقاءَه، عَنْ عُبَادََة بْن الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه . قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت ، قال : ليس ذاك ، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته ، فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه ، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.

الموت على الروح أم على الجسد
اختلف العلماء رحمهم الله في وقوع الموت على الروح أو على الجسد؟، وهذا الاختلاف راجع إلى عدم وجود نصّ صريح يحدّد وقوع الموت على الروح أم على الجسد.
وظواهر وعمومات القرآن الكريم، لا تقطع بأن الموت يكون على الروح فقط، أم على الجسد فقط؟، أم عليهما؟، ومن هنا نشب الخلاف بين العلماء، قال الله تعالى : " وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
وقال تعالى:) " قَالُوا رَ بَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَھَل إلى خروج من سبيل ).
وقوله تعالى : " ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
قال ابن القيم: "إن الروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق متغيرة الأحكام:
أحدها: تعلقها به في بطن الأم جنينًا.
الثاني: تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض.
الثالث: تعلقها به في حال النوم، فلها به تعلق من وجه، ومفارقة من وجه.
الرابع: تعلقها به في البرزخ، فإنها وإن فارقته، وتجردت عنه، فإنها لم تفارقهُ فراقًا كليًا، بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة.
الخامس: تعلقها به يوم بعث الأجساد، وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن.
كل شيء يفنى ولا يبقى إلا الله وقال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: " وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
و كما قال الله تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْھَا فَانٍ ، وَيَبْقَى وَجْه رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ، فإن الضمير عليها، للأرض وقد جرى َ قال القرطبي: "قوله تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْھا فان َ ذِكرها في أول السورة، في قوله تعالى: " وَالْأَرْضَ وَضَعَھَا لِلْأَنَام، وقد يقال هو أكرم من عليها، يعنون الأرض، وإن لم يجر لها ذكر، وقال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية، ، قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فنزلت: " كُلُّ شَيْءٍ ھَالِكٌ إِلَّا وَجْھَه .( قاله مقاتل فأيقنت الملائكة بالهلاك.
ووجه النعمة في فناء الخلق، التسوية بينهم في الموت، ومع الموت تستوي الأقدام، وقيل: وجه النعمة، أن الموت سبب النقل إلى دار الجزاء والثواب.
قال ابن القيم: " اختلف الناس في هذا، فقالت طائفة: تموت الروح وتذوق الموت، لأنها نفس، وكل نفس ذائقة الموت، قالوا: وقد دلت الأدلة على أنه لا يبقى إلا الله وحده.
قال تعالى: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) فالملائكة تموت، فالنفوس البشرية أوْلى بالموت، قالوا: وقد قال تعالى عن أهل النار أنهم: " قَالوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ . فالموتة الأولى هذه المشهودة، وهي للبدن والأخرى للروح.
وقال آخرون، منهم ابن أبي العز الحنفي والألوسي وابن القيم: لا تموت الأرواح، فإنها خلقت للبقاء، وإنما تموت الأبدان، قالوا: وقد دلت على هذا الأحاديث الدالة على نعيم الأرواح، وعذابها، بعد المفارقة إلى أن يرجعها الله في أجسادها، ولو ماتت الأرواح، لانقطع عنها النعيم والعذاب، هذا مع القطع بأن أرواحهم قد فارقت أجسادهم، وقد ذاقت الموت. والصواب أن يقال: موت النفوس هو مفارقتها لأجسادها، وخروجها منها، فإن أريد بموتها هذا القدر، فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدمًا محضًا، فهي لا تموت بهذا الاعتبار، بل هي باقية بعد خلقها في نعيم أو عذاب، كما صرح به النص، أنها كذلك حتى يردها الله في جسدها


يتبع بإذن الله..
 
عرض الروح على الله تعالى بعد قبضها

العبد المؤمن في حياته الدنيا، تصعد روحه في أكثر من خمس مرات فيما يؤديه من فروض الصلوات، فروحه متعلقة ببارئها سبحانه وتعالى، ودائمًا تشتاق لِلِقائه، ولعلها بذلك تأخذ مكانًا لها في السماوات العُلى وتصبح مألوفة لأهل السماوات، لدوام صلاتها وعبادتها وطاعتها لله عز وجل، وهذا يعني أن أعمالها تعرض على الله تعالى، والملائكة تكتب هذه الأعمال في صحائف الحسنات، لذلك لا غرابة أن ُترى هذه الروح بعد قبضها محمولة بموكب ملائكيّ جميل، يُصعد بها نحو السماء وتفّتح لها الأبواب ويرحب بها إلى أن تعرض خاشعة متذللة بين يدي الله تعالى، وذلك تصديقًا لقوله سبحانه وتعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.
أما العبد الكافر الذي تعلقت روحه بالأرض وما فيها من شهوات، ولم تصعد روحه في عبادةٍ لله تعالى نحو السماء، وحرص دومًا على الكرسي أو العلو في البنيان ليأخذ مكانًا أكبر في هذه الأرض، فإنه بعد قبض روحه أيضًا سيبقى في هذه الأرض عذابًا له لا تكريمًا، وهذا بما كسبت ،وقال تعالى فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
ويقول سبحانه : " َ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ و"قال ابن عباس رضي الله عنهما: قوله تعالى: " لَا تُفَتَّحُ لَھُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ: لا يصعد لهم قول ولا عمل"، وقال مجاهدٌ: "لا يصعد لهم كلام ولا عمل". وقال سعيد بن جبير: "لا يرتفع لهم عمل ولا دعاء"،وقال ابن جريج: "لا تفتح لأرواحهم ولا لأعمالهم". قال أبو جعفر الطبري: إنما اخترنا في تأويل ذلك ما اخترنا من القول: -بعدم فتح أبواب السماء لأرواح وأعمال الكفار والعصاة - لعموم خبر الله جل ثناؤه، أن أبواب السماء لا تفتح لهم، ولم يخص الخبر بأنه يفتح لهم في شيء، فذلك على ما عَمَّهُ خبر الله تعالى ذكره بأنها لا تفتح لهم.
وفي هذا لحديث مصداق لذالك
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، قال : فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، وفي يده عود ينكت به ، قال : فرفع رأسه ، وقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، فإن الرجل المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه ، وكأن وجوههم الشمس معهم حنوط من حنوط الجنة ، وكفن من كفن الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيء ملك الموت ، حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج نفسه فتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء ، فيأخذها ، فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذها ، فيجعلها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، وتخرج منها كأطيب نفحة ريح مسك وجدت على ظهر الأرض ، فلا يمرون بملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الريح الطيبة ! فيقولون : فلان بن فلان ! بأحسن أسمائه الذي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيفتح له ، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها ، حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة ، فيقول الله عز وجل : اكتبوا عبدي في عليين في السماء السابعة ، وأعيدوه إلى الأرض ، فإني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ، فتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان : وما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام ، فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله عز وجل فآمنت به وصدقت ، قال : فينادي مناد من السماء أن صدق عبد فافرشوه من الجنة ، وألبسوه من الجنة ، وافتحوا له بابا من الجنة ، فيأتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، ويأتيه رجل حسن الوجه طيب الريح ، فيقول له : أبشر بالذي يسرك ، فهذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ، فيقول : رب أقم الساعة ! رب أقم الساعة ! حتى أرجع إلى أهلي ومالي ، وأما العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الآخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يأتيه ملك الموت ، فيجلس عند رأسه ، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ، اخرجي إلى سخط الله وغضبه ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها ، ومعها العصب والعروق كما ينتزع السفود من الصوف المبلول ، فيأخذها ، فيجعلونها في تلك المسوح ، قال : ويخرج منها أنتن من جيفة وجدت على وجه الأرض ، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذه الروح الخبيثة ! فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتح له فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ?لا تفتح لهم أبواب السماء? إلى آخر الآية ، قال : فيقول الله تبارك وتعالى : اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السابعة السفلى ، وأعيدوا إلى الأرض ، فإنا منها خلقناهم ، وفيها نعيدهم ، ومنها نخرجهم تارة أخرى ، قال : فتطرح روحه طرحا ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ?ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء? الآية ، ثم تعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان ، فيجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه هاه لا أدري ! فينادي مناد من السماء إن كذب فافرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا من النار ، فيأتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، قال : ويأتيه رجل قبيح الوجه منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوءك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، قال : فيقول : من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر ، فيقول : أنا عملك الخبيث ، فيقول : رب ، لا تقم الساعة ، رب ، لا تقم الساعة
إسناده صحيح
و"الجزاء من جنس العمل، فالمؤمن كان له في الدنيا علاقة بالسماء، فكان يصعد له عملٌ صالح في كل يوم، وإن الكافر مقطوع العلاقة عن السماء، فلا يصعد له عمل صالح، فإذا انتهت حياتهما، وقبضت أرواحهما، فإن روح المؤمن تصعد بها الملائكة إلى السماء، فتستفتح الملائكة أبواب السماء فيفتح لها، ويرحب بها حتى تصل بها الملائكة إلى السماء السابعة، ثم يكلم الله الملائكة، ويأمرهم بأن يعيدوا روح المؤمن إلى الأرض، ويكتبوا كتابه في عليين، وإن روح الكافر إذا قبضتها الملائكة، تصعد بها إلى السماء فيستفتح لها أبواب السماء، فلا يفتح لها، وتهان وتزدرى، ويأمر الله الملائكة أن تكتب كتابه في الأرض السُّفلى، فتطرح روحه من السماء طرحًا"(
عودة الروح إلى الجسد
عودة الروح إلى جسد الميت، مسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها، من حيث أصلها وحقيقة عودة الروح إلى الجسد، ومن حيث كيفية عودتها إلى الجسد، يقول ابن القيم: "فقد كفانا أمر هذه المسألة، وأغنانا عن أقوال الناس، حيث صرّح بإعادة الروح إليه. فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال ( رسول الله إن العبد المؤمن–إلى قوله-فتعاد روحه في ": جسده..."، وقال: "وإن العبد الكافر –إلى قوله- فتعاد روحه في جسده...

يتبع بإذن الله..
 
مستقر الأرواح
لا شك أن كثيرًا من بني آدم يتساءلون: أين تذهب الأرواح بعد الموت؟، هل تصعد إلى لسماء؟، أم تنزل إلى باطن الأرض؟، أم تذهب أرواح المؤمنين إلى الجنة وأرواح الكافرين إلى النار؟.
مستقر أرواح المؤمنين والكافرين في حياة البرزخ
ويقول عز شأنه : وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. في مستقر الأرواح يقول سبحانه وتعالى : وهو الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ .
اختلف أهل التفسير في تأويل "المستقر والمستودع" إلى أقوال كثيرة نقلها الطبري في تفسيره عن ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رضي الله عنهم أجمعين، حيث قالوا: "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمنكم مستقر في الرحم، ومنكم مستودع في القبر، حتى يبعثه الله للنشور يوم القيامة وفي قول آخر ذكره ابن كثير عن ابن عباس وابن مسعود وأبي عبد الرحمن السلمي ومجاهد وعطاء وإبراهيم النخعي وقتادة –رحمهم الله ورضي عنهم- وغيرهم.فمستقر في الدنيا ومسترد حيث يموت.
وقال سعيد بن جبير:"فمستقر في الأرحام، وعلى وجه الأرض، وحيث يموت"، وقال الحسن البصري: "المستقر الذي مات فاستقر به عمله ويقول ابن عطية: الذي يقتضيه النظر، أن ابن آدم هو مستودع في ظهر أبيه، وليس بمستقر فيه استقرارًا مطلقًا، لأنه ينتقل لا محالة، ثم ينتقل إلى الرحم، ثم ينتقل إلى القبر، ثم ينتقل إلى الحشر، ثم ينتقل إلى الجنة أو النار، فيستقر في أحدهما استقرارًا مطلقًا وليس فيها مستودع لأنه لا نقلة له بعد، وهو في كل رتبة بين هذين الظرفين مستقر بالإضافة إلى التي قبلها، مستودع بالإضافة إلى التي بعدها,ويعلق ابن عاشور على كلام ابن عطية بقوله: "الأظهر أن لا يقيد الاستيداع بالقبور، بل هو استيداع من وقت الإنشاء، لأن المقصود التذكير بالحياة الثانية، ولأن الأظهر أن الواو ليست للتقسيم بل الأحسن أن تكون للجمع، أي: أنشأكم فشأنكم استقرار واستيداع، فأنتم في حال استقراركم في الأرض ودائع فيها، مرجعكم إلى خالقكم كما ترجع الوديعة إلى مودعها، وإيثار .( التعبير بهذيْن المصدرين ما كان لإرادة توفير هذه الجملة أنه قال: "إن الميت تحضره الملائكة، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي فإذا كان الرجل الصالح، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وابشري بروْح وريْحان، ورب غير غضبان"، قال: "فلا يزال يقال ذلك، حتى تخرج ثم يُعْرَجُ بها إلى السماء، فيُستفتح لها، فيقال: من هذا؟ فيُقال: فلان، فيقولون: مرحبًا بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب، أدخلي حميدة، وابشري بروْح وريْحان، وربّ غير غضبان"، قال:فلا يزال يقال لها حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عزّ وجل، وإذا كان الرجل نسيه الله في هذه الشدائد، بمعنى أنه أعرض عنه فأهمله،فإذا نزل الموت بالمؤمن
وعن عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا َقالَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:" إِنَّ أَحَدَ ُ كمْ إِ َذا مَات عُرضَ
عََليْهِ مَقْعَدُهُ ِبالْغدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ َفمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّار َفمِن . أَهْلِ النَّار فَيُقَالُ هََذا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعََثكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
واستدل علماؤنا رحمهم الله بهذا الحديث على أن الأرواح تكون على أفنية القبور.قال ابن عبد البر: "والمعنى عندي أنها قد تكون على أفنية قبورها، لا أنها لا تفارق الأفنية، بل هي كما قال مالك:إنه بلغه أن الأرواح تسرح حيث شاءت، لا يمنع كونها على الأفنية لأنها تسرح ثم تأوي إلى القبر.
قسّمت الأرواح عقب خروجها من البدن إلى ثلاثة: مقربين، وأخبر أنها في جنة النعيم، وأصحاب يمين، وحكم لها بالسلام، وهو يتضمن سلامتها من العذاب، ومكذبة ضالة، وأخبر أن لها نزلا من حميم وتصلية جحيم، وقال تعالى: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي ) قال جماعة من الصحابة والتابعين: انه يقال لها عند خروجها من الدنيا على لسان ملك بشارة لها ويؤيده قوله تعالى في مؤمن يس: " قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّة قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُون.
وقيل الأحاديث مخصوصة بالشهداء.
فَيُقَالُ: وعرض المقعد لا يدل على أن الأرواح ليست في القبر ولا على فنائه، بل على أَن لها اتصالا به يصح أن يعرض مقعدها، فإن للروح شأنا آخر، فتكون في الرفيق الأعلى وهي متصلة بالبدن حيث شاءت، بحيث إذا سلم على صاحبه رد عليه السلام وهي في مكانها في عليين مع أرواح الأنبياء، وفي الحديث: إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه أسماء الخلائق فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه هذا فلان بن فلان قد صلى عليك
حديث صحيح
ومعلومٌ قطعًا أن روح الرسول صلى الله عليه وسلم بأن روحه في عليين مع أرواح الأنبياء وهو الرفيق الأعلى، فثبت بهذا أنه لا منافاة بين كون الروح في عليين أو الجنة أو السماء، وأن لها بالبدن اتصالا بحيث تدرك قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي،
الحديث: عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله (قال إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة). فالروح لها الروح لها إتصال بالبدن وتسمع وتصلي وتقرأ، وإنما يُستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشاهد به هذا،وأمور البرزخ والآخرة على غير المألوف في الدنيا،إلى أن قال- : وللروح من سرعة الحركة- والانتقال الذي كلمح البصر، ما يقتضي خروجها من القبر إلى السماء في أدنى الخطة، وشاهد ذلك روح النائم فقد ثبت أنها تصعد حتى تخترق من السمع الطباق.وتسجد بين يدي العرش، ثم ترد إلى جسده في أيسر الزمان. واستدل شيخ الإسلام ابن تيمية بحديث:" إنما نسمة المؤمن.."، بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وإن كانت درجاتهم متفاضلة وقيل" طائفة مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها أي عن يمين آدم وشماله، وهذا ما دل عليه الكتاب والسنة، قال تعالى:"وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُھُورِھِمْ ذُرِّيَّتَھُمْ "وقال تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُم "( فصحَّ أن الله تعالى خلق الأرواح جملة، ولذلك اخبر النبي الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وأخذ الله عهدها وشهادتها بالربوية وهي مخلوقة مصورة عاقلة، قبل أن تؤمر الملائكة بالسجود لآدم، وقبل أن يدخلها في الأجساد، وصح أن الأرواح أجسام، حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر، وأنها عارفة مميزة، فيبلوها الله في الدنيا كما يشاء، ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله . ليلة أسري به إلى سماء الدنيا.

بيان ابن القيم بنفيس عباراته لمستقر الأرواح :
قال ابن القيم رحمه الله : الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظمَ تفاوت .
فمنها أرواح : في أعلى عليين في الملا الأعلى ، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، وهم متفاوتون في منازلهم كما رآهم النبي ليلة الإسراء .
ومنها : أرواح في حواصل طير خضر ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، وهي أرواح بعض الشهداء ، لا جميعهم بل من الشهداء من تحبس روحه عن دخول الجنة ، لدين عليه أو غيره .
ومنهم : من يكون محبوساً على باب الجنة .
ومنهم : من يكون محبوساً في قبره .
ومنهم : من يكون مقره باب الجنة .
ومنهم : من يكون محبوساً في الأرض لم تعل روحهُ إلى الملأ الأعلى ، فإنها كانت روحاً سفلية أرضية ، فإن الأنفس الأرضية ، لا تجامع الأنفس السماوية ،كما لا تجامعها في الدنيا ، والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفةَ ربها ، ومحبتَه ، وذكرَه ، والأنسَ به ، والتقربَ إليه ، بل هي أرضية سفلية ، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك ، كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله ، وذكره ، والقرب إليه ، والأنس به ، تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها ، فالمرء مع من احب في البرزخ ، ويوم القيامة والله تعالى يزوج النفوس بعضَها ببعضٍ في البرزخ ، ويوم المعاد ، ويجعل روحه - يعنى المؤمن - مع النَسْم الطيب - أي الأرواحِ الطيبةِ المشاكلة - فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها ، وأخواتها ، وأصحاب عملها ، فتكون معهم هناك .
ومنها : أرواح تكون في تنور الزناة ، والزواني .
ومنها : أرواح في نهر الدم تسبح فيه ، وتلقم الحجارة .
فليس للأرواح سعيدِها ، وشقِيها مستقر واحد ، بل روح في أعلى عليين ، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض ، وأنت إذا تأملت السنن والآثار في هذا الباب ، وكان لك بها فضل اعتناء ، عرفت حجة ذلك ، ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة في هذا الباب تعارضاً ، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضاً ، لكن الشأن في فهمها ، ومعرفة النفس ، وأحكامها ، وأن لها شاناً غير شأن البدن ، وأنها مع كونها في الجنة ، فهي في السماء ، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه ، وهي أسرع شيء حركة ، وانتقالاً ، وصعوداً ، وهبوطاً ، وأنها تنقسم إلى :-
مرسلةٍ ومحبوسةٍ ، وعلويةٍ ، وسفليةٍ ، ولها بعد المفارقة صحةٌ ، ومرضٌ ، ولذةٌ ، ونعيمٌ ، وألمٌ ، أعظم مما كان لها حالَ اتصالها بالبدن بكثير ، فهنالك الحبسَ ، والألمَ ، والعذابَ ، والمرضَ ، والحسرةَ ، وهنالك اللذةَ ، والراحةَ ، والنعيمَ ، والإطلاقَ ، وما أشبَه حالِها في هذا البدن ، بحال ولد في بطن أمه ، وحالها بعد المفارقة ، بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار ، فلهذه الأنفسِ أربع دور ، كل دار أعظم من التي قبلها :
الدار الأولى : في بطن الأم ، وذلك الحصر ، والضيق ، والغم ، والظلمات الثلاث .
والدار الثانية : هي الدار التي نشأت فيها ، والفتها واكتسبت فيها الخير والشر ، وأسباب السعادة ، والشقاوة .
والدار الثالثة : دار البرزخ ، وهي أوسع من هذه الدار ، وأعظم ، بل نسبتها إليه ، كنسبة هذه الدار إلى الأولى .
والدار الرابعة : دار القرار ، وهي الجنة ، أو النار فلا دار بعدها.


يليه ارواح الأطفال في البرزخ

يتبع بإذن الله..
 
أرواح الأطفال في حياة البرزخ


وأما أرواح أطفال المؤمنين، فالجمهور على أنهم في الجنة، أرواح ذراري المسلمين في أجواف طير خضر، تسرح في الجنة يكفلهم أبوهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عَنْ سَمُرََة بْن جُنْدب رضي الله عنه، َقال: كَانَ صلى الله عليه وسلم إِ َذا صَلَّى صَلَاًة أَقْبَلَ عََليَْنا ِبوَجْههِ، َفَقالَ:" مَنْ رَأَى مِنْ ُ كمْ اللَّيَْلة رُؤْيَا "، َقا لَ: َفإِن رَأَى النَّبِيّ أَحَدٌ َقصَّهَا، فَيَقُولُ:"مَا شَاءَ اللَّهُ "، َفسَأََلَنا يَوْمًا َفَقالَ:" هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْ ُ كمْ رُؤْيَا؟"، ُقلَْنا: َلا،َقا لَ:"َلكِنِّي رَأَيْت اللَّيَْلة رَجَُليْنِ أََتيَانِي، َفأَ خَذا ِبيَدِي، َفأَخْرَجَانِي إَِلى الْأَرض الْمُقَدَّسَةِ َفإَِذ ا رَجُل جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ ِبيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ-، َقالَ: بَعْضُ أَصْحَاِبَنا عَنْ مُوسَى:إِنَّهُ يُدْخِلُ ذَلِكَ الْكلوبَ فِي شِدْقِهِ، حَتَّى يَبُْلغ قَفَاهُ ُثمَّ يَفْعَلُ ِبشِدْقِهِ الْآخرِ مِثْلَ َذلِكَ، وَيَلَْتئِمُ شِدْقُهُ هَذا، فَيَعُودُ َفيَصْنَعُ مِثْلَهُ-، ُقلْت: مَاهَذا؟، َقاَلا: انْطلِقْ، َفانْطَلقَْنا، حَتَّى أََتيَْنا عََلى رَجُل مُضْطجِعٍ عََلى َقَفاهُ،وَرَجُلٌ قَائِمٌ عََلى رَأْسِهِ ِبفِهْر ،أَوْ صَخْرَةٍ َفيَشْدَخ بهِ رَأْسَهُ، َفإَِذا ضَرَبَهُ َتدَهْدهَ الْحَجَ رُ،َفانْطَلق إَِليْهِ لِيَأْ ُ خَذهُ َفَلا يَرجعُ إَِلى هََذا، حَتَّى يَلَْتئِمَ رَأْسُهُ وَعَادَ رَأْسُهُ َ كمَا هُوَ فَعَادَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، ُقلْت: مَنْ هََذا؟، َقاَلا انْطلِقْ: َفانْطَلقَْنا إَِلى َثقْبٍ مِثْل التَّنُّور ،أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسَْفُلهُ وَاسِعٌ يََتوَقَّدُ َتحَْتهُ َنارًا، َفإِ َذا اقَْترَبَ ارَْتَفعُوا حَتَّى كَادَ أَنْ يَخْرُجُوا، َفإِذا َ خمَدَتْ رَجَعُوا فِيهَا، وَفِيهَا ِ رجَال وَنِسَاء عُرَاةٌ ،فَُقلْت: مَنْ هََذا؟، َقاَلا: انْطلِقْ، َفانْطَلقَْنا حَتَّى أََتيَْنا عََلى َنهَرٍ مِنْ دم، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ عََلى وَسَطِ النَّهَر،ِ َقالَ وَعََلى شَطِّ النَّهَر رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ،َفأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَر، َفإَِذا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُ لُ بِحَجَ ٍ ر فِي فِيهِ،فَرَدَّهُ حَيْث كَانَ َفجَعَلَ ُ كلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ ِبحَجَر َفيَرْجِعُ َ كمَا كَانَ فَُقلْت مَاهَذا َقاَلا انْطلِقْ َفانْطَلقَْنا حَتَّى انَْتهَيَْنا إَِلى رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ فِيهَا َ شجَرَةٌ عَظِيمَةٌ وَفِي أَصْلِهَا شَيْخ ٌ وَصِبْيَان وَإِ َذا رَجُلٌ قَرِيبٌ مِنْ الشَّجَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ نَارٌ يُوقِدُهَا َفصَعِدَا ِبي فِي الشَّجَرَةِ وَأَدْخَلانِي دَارًا َلمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ وَنِسَاءٌ وَصِبْيَانٌ ُثمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا َفصَعِدَا ِبي الشَّجَرَ َة َفأَدخَلانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ ُقلْت َ طوَّفُْتمَانِي اللَّيَْلة َفأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْت َقاَلا َنعَمْ أَمَّا الَّذِي رَأَيَْتهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ َف َ كذَّابٌ يُحَدِّ ث ِبالْكذْبَةِ فَُتحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى َتبُْلغ الْآَفاق ،فَيُصْنَعُ ِبهِ إَِلى يَوِْم الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيَْتهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الُْقرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ ِباللَّيْل وََلمْ يَعْمَلْ فِيهِ ِبالنَّهَار يُفْعَلُ ِبهِ إَِلى يَوِْم الْقِيَامَةِ وَالَّذِي رَأَيَْتهُ فِي الثَّقْب َفهُمْ الزُّنَاُة وَالَّذِي رَأَيَْتهُ فِي النَّهر آكُِلو االرِّبَا وَالشَّيْخ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عََليْهِ السََّلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ َفأَوْلَادُ النَّاس وَالَّذِي يُوقِدُ النَّارَ مَالِكٌ خَازِنُ النَّار وَالدَّارُ الْأُوَلى الَّتِي دَخلْت دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ وَأََنا جِبْرِيلُ وَهََذا مِيكائِيلُ َفارَْفعْ رَأْسَكَ َفرََفعْت رَأْسِي َفإَِذا َفوْقِي مِثْلُ السَّحَاب، َقاَلا: ذَاكَ مَنْزُلكَ، ُقلْت:دَعَانِي أَدْ ُخلْ مَنْزلِي، َقاَلا: إِنَّهُ بَقِيَ َلكَ عُمُرٌ َلمْ َتسَْتكْمِلْهُ َفَلوْ اسَْتكْمَلْت أََتيت مَنْزَِلكَ.
":ε وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراري المؤمنين يكفلهم إبراهيم في الجنة قال الإمام النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين، على أن من مات من أطفال المسلمين، فهو من أهل الجنة.
وقال ابن تيمية بأن:" وإذا دخل أطفال المؤمنين الجنة، فأرواحهم وأرواح غيرهم من المؤمنين في الجنة، وإن كانت درجاتهم متفاضلة، الصغار يتفاضلون بتفاضل آبائهم، وتفاضل ليس هو كغيره، والأطفال الصغار أعمالهم –إذا كانت لهم أعمال-، فإن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم يثابون على ما يفعلونه من الحسنات، وإن كان القلم مرفوعًا عنهم في السيئات، كما ثبت في الحديث الصحيح أن إمرأة رفعت إليه صلى الله عليه وسلم امرأة صبيًا، فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم، ولكِ أجر"(
ولم أجد دليلا على قوله بتفاضل درجات الأطفال في الجنة تَبَعًا لتفاضل آبائهم فيها أرواح أطفال الكافرين في الجنة، وهو ما عليه جمهور العلماء.واستدلوا بالأحاديث الصحيحة الصريحة بأن أرواح أطفال الكافرين في الجنة، فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وَالشَّيخ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عََليْهِ السََّلام وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهُ َفأَوَْلادُ النَّاس .،و"هذا يقتضي عمومه جميع الناس (.
ونهاية القول في مستقر الأرواح، بأن "الأرواح متفاوتة في مستقرها في البرزخ أعظم تفاوت :فمنها أرواح في أعلى عليين في الملأ الأعلى، وهي أرواح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم،. ليلة الإسراء وهم متفاوتون في منازلهم، كما رآهم النبي .
ومنھا أرواح في حواصل طير خطر تسرح في الجنة حيث شاءت، وھي أرواح بعض الشھداء لا جميعھم، بل من الشھداء من تحبس روحه عند دخول الجنة لديْن أو غيره، كما في ، المسند عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن جَحْش رضي الله عنه: أَنَّ رَجًُلا جَاءَ إَِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم َفَقالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاَذا لِي إِنْ ُقتِلْت فِي سَبِيل اللَّهِ؟، َقالَ:" الْجَنَّة"، َفَلمَّا وَلَّى، َقالَ:" إِلَّا الدَّيْنُ سَارَّنِي ِبهِ جِبْرِيلُ عََليْهِ السََّلام آنًِفا (
ومنهم من يكون محبوسًا على باب الجنة، كما في الحديث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه ،بأنه قال:" إِنَّ صَاحِبَ ُ كمْ مُحْتَبَسٌ عََلى بَا ب الْجَنَّةِ، فِي دَيْن عََليْهِ
تمايز الأرواح
تمايز الأرواح يعني أّنها تأخذ من أبدانها صورة تتميّز بها عن غيرها، والأرواح تتأثر وتنتقل عن أبدانها، كما تتأثر الأبدان وتنتقل عنها، فتكتسب الأبدان الطِّيبَ والخبث من طيب النفوس وخبثها، وتكتسب النفوس الطِّيبَ والخبث من طيب الأبدان وخبثها، فأشدٌّ الأشياء ارتباطًا وتناسبًا وتفاعلا وتأثُّرًا من أحدهما بالآخر الروح والبدن، ولهذا يٌقال لها عند المفارقة: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، واخرجي أيتها النفس الخبيث كانت في الجسد الخبيث(.
وأصل هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ َفمَا تَعَارف مِنْهَا ائَْتَلف، وَمَا َتَنا كر مِنْهَا اخَْتَلف"
قال الخطابي:" يحتمل أن يكون إشارة إلى أن التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت" وقال ابن الجوزي"ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح، فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك، ليسعى في إزالته حتى يتخلص من الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه. والأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحًا، لكنها تتمايز بأمور مختلفة تتنوع بها، فتتشاكل أشخاص النوع الواحد، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة،ولذلك نشاهد أشخاص كل نوع تألف نوعها، وتنفر من مخالفها، ثم إنا نجد بعض أشخاص النوع. الواحد يتآلف وبعضها يتنافر، وذلك بحسب الأمور التي يحصل الاتفاق والانفراد بسببها"والله سبحانه وتعالى أخبر عن أرواح قوم فرعون أنها تعرض على النار غدوًا وعشيًا قبل يوم القيامة، وأخبر جل شأنه عن الشهداء بأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأن أرواحهم في طير يوم خضر تعلق من ثمر الجنة وأخبر الرسول أن الروح تنعم وتعذب في البرزخ إلى يوم خضر تعلق من ثمر الجنة، القيامة، وإذا كان هذا شأن الأرواح فتميزها بعد المفارقة، يكون أظهر من تميز الأبدان والاشتباه بينها أبعد من اشتباه الأبدان، فإن الأبدان تشتبه كثيرًا فقل ما تشتبه، يوضّح هذا أَّنا لم نشاهد أبدان الأنبياء والصحابة والأئمة، وهم يتميزون في علمنا أظهر تميز، وليس ذلك التميز راجعًا إلى مجرد أبدانهم، وإن ذكر لنا من صفات أبدانهم ما يختص به أحدهم من الآخر، بل التميز الذي عندنا بما علمناه وعرفناه من صفات أرواحهم وما قام بها، وتميز الروح عن الروح بصفاتها أعظم من تميز البدن عن البدن بصفاته.
ويقول ابن القيم: ألا ترى أن بدن المؤمن والكافر قد يشتبهان كثيرًا، وبين روحيهما أعظم التباين والتميز، وأنت ترى أخويْن شقيقيْن مشتبهين في الخلقة غاية الاشتباه وبين روحيهما غاية التباين، فإذا تجردت هاتان الروحان كان تميزهما في غاية الظهور، وقلّ أن ترى شكلا.


يليه تلاقي أرواح الأموات وتزاورهم

يتبع بإذن الله..
 
تلاقي أرواح الأموات وتزاورهم

الناس في حياتهم الدنيا يتلاقون ويتزاورون،فهل هذا أيضا يكون حالهم في حياة البرزخ، قيل: إن الأرواح قسمان: الأرواح المعذبة، وهي في شغلٍ بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي.
والأرواح المنعمة المرسلة غير المحبوسة، تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها، وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى، قال الله تعالى:"وَمَنْ يُطِعِ للهَّ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ للهَّ عَلَيْھِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّھَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا "وهذه المعية ثابتة في الدنيا،
وفي البرزخ وفي دار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور الثلاثة عن الساعة، فقال: متى وفي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه:" أن رجلا سأل النبي الساعة؟، قال: وماذا أعددت لها؟، قال: لا شيء، إلا أني أُحب الله ورسوله، فقال أنت مع من
أحببت .
قال ابن تيمية: أما أرواح الموتى فتجتمع: الأعلى ينزل إلى الأدنى، والأدنى لا يصعد إلى
الأعلى، والروح تشرف على القبر وتعاد إلى اللحد أحيانًا .
عن ابن عباس أنه ةقال في تفسير { الله يتوفى الأنفس حين موتها } قال تلتقي أرواح الأحياء والأموات [ في المنام ] فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها
حديث صحيح


عن خزيمة بن ثابت قال رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الروح ليلقى الروح فأقنع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه هكذا فوضع جبهته على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم [ وفي رواية ] وقال فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اجلس واسجد واصنع كما رأيت
حديث صحيح
هل يقع العذاب على الروح أم على البدن أم على كليْهما؟
اختلف العلماء في وقوع النعيم أو العذاب في حياة البرزخ على الروح أم على البدن؟،
أم أنهما يقعان عليهما معا؟، وذهبوا في هذه المسألة إلى أقوال ثلاثة:
القول الأول: وذهب أصحابه إلى القول: بأن" العذاب والنعيم يقعان على النفس والبدن جميعا،تنعم الّنفس وتعّذب منفردة عن البدن، وتنعّم وتعّذب مّتصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما تكون على الروح منفردة عن البدن، وهذا باتفاق أهل السنة والجماعة.
القول الثاني: وهو قول أهل الكلام من المعتزلة، والأشعرية وذهبوا إلى: إن هذا يكون على البدن فقط كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن، وهؤلاء ينكرون أن يكون للنفس وجود بعد الموت، ولا ثواب ولا عقاب، ويزعمون أنه لم يدل على ذلك القرآن والحديث.
القول الثالث: وهو قول ابن حزم الظاهري، حيث قال:" إن الإنسان يعذب قبل يوم القيامة وينعم،يعني النفس دون الجسد .ويردّ ابن تيمية على من أنكر النعيم والعذاب في حياة البرزخ، وعدم وقوعه على الروح والبدن أو على أحدهما، مدّعين أن القرآن لم يدل على ذلك، بقوله:"إن هذا غلط، بل القرآن قد بين في غير موضع بقاء النفس بعد فراق البدن، وبيّن النعيم والعذاب في البرزخ. من أحاديث في ومن الأدلة التي تبين وقوع النعيم أو العذاب على الروح و البدن، ما ورد عنه الصحيحين وغير الصحيحين، أخبرنا فيها عن عذاب القبر، ومن هذه الأحاديث: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال :َ
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال : ( يعذبان ، وما يعذبان في كبير ، وإنه لكبير ، كان أحدهما لا يستتر من البول ، وكان الآخر يمشي بالنميمة ) . ثم دعا بجريدة فكسرها بكسرتين أو ثنتين ، فجعل كسرة في قبر هذا ، وكسرة في قبر هذا ، فقال : ( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) .
وعّقب الحافظ ابن حجر على ترجمة البخاري للباب" ما جاء في عذاب القبر"،بقوله:" لم يتعرض المصنف في الترجمة لكون عذاب القبر يقع على الروح فقط، أو عليها وعلى الجسد، وفيه خلاف شهير عند المتكلمين، وكأنه تركه لأن الأدلة التي يرضاها ليست قاطعة في أحد الأمرين، فلم يتقلد الحكم في ذلك واكتفى بإثبات وجوده . وخلاصة القول في مسألة وقوع النعيم أو العذاب على الروح أم على البدن، ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة كما ذكره ابن القيم:" إن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وأنها تتصل بالبدن أحيانًا، ويحصل له معها النعيم أو العذاب، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد، وقاموا من قبورهم لرب العالمين.
ما قيمة النعيم أو العذاب في حياة البرزخ؟
الإنسان بفطرته يحب الثواب إذا عمل عم ً لا يرى فيه الخير لنفسه أو للآخرين، ويخشى من العقاب والعذاب في حال تقصيره في واجباته، أو فعل ما حُذِّر من ارتكابه. وإذا كان هذا حال العباد فيما بينهم، فإن الأمر بين العبد وربه أعظم وأجل، وما ينتظره الإنسان
من الثواب أو العقاب أعظم بكثير مما يجده في حياته الدنيا، بل لا وجه للمقارنة بين ثواب وعقاب الدنيا والآخرة. إن اعتقاد المسلم وإيمانه بحياة البرزخ، له أكبر الأثر في سلوكه، وفي انضباط أفعاله ومعاملاته، إذ أن هذا الاعتقاد يولد عنده الخوف والخشية من هذا الموقف، ويجعله يعمل لهذه الحياة في الأحاديث التي رواها لنا الصّحابة رضوان الله عليهم ، البرزخية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فيعمل جاهدًا على أن تكون هذه الحياة البرزخية بالنسبة له روضة من رياض الجنة، فيدفعه ذلك لفعل الخيرات، والتزين بالأعمال الصالحة، والإحسان للآخرين، وأن يكون مسلمًا صالحًا في نفسه، ومصلحًا لغيره حتى يفوز بنعيم القبر، ويتمتع بحياة البرزخ. وخوفه من أن يكون قبره، وحياة البرزخ حفرة من حفر النار، يجعله من الذين يقفون عند حدود الله تعالى، ولا يتجرأ على حرمات الله تعالى، ولا يقدم على معصية الله عز وجل، ولا يقع في شيء يغضب الجبار في علاه، من ظلم، أو بطش، أو غش، أو شهادةِ زور، أو أكل حقوق الناس
وأموالهم بالباطل، أو إفساد في الأرض، أو غير ذلك، فيؤدي الاعتقاد بوجود حياة البرزخ، إلى أن يستقيم كل فرد مسلم ومسلمة على شرع الله، وعمل الصالحات، وترك المنكرات، فيعم الخير، ويسود الأمن والأمان، على مستوى الأفراد، ويتعدى ذلك إلى الجماعات والدول، والأمم، وبصلاح الفرد، تصلح الأمم.وهذه هي الثمرة، من اعتقاد المسلم بوجود البرزخ، وهذا هو الأثر المرجوّ على مستوى الفرد والجماعات والأمم . فحياة البرزخ لها أثر كبير في تهذيب النفوس وإصلاحها، وتحفيز للنفس كي تعمل بجد واجتهاد نحو الطاعات والعبادات، وصون الحرمات، وأداء الحقوق، والابتعاد عن المعاصي والرذائل، خاصة أن فطرة الإنسان ترنو إلى الترف وملذات الحياة الدنيا الزائلة.
والنعيم أو العذاب في حياة البرزخ عدالة من الله سبحانه وتعالى بين عباده، "وهذا الشرع الحنيف قائم على القسط، والأصل فيه العدل، ومن مقتضى العدل، ومن لوازم القسط، ومن ضروريات الإنصاف أ ّ لا يُترك هذا الإنسان بعد هذه الحياة الدنيا، وبعد موته هكذا، بدون حساب ولا عقاب، فلا يُثاب المحسن، ولا يعاقب المسيء، وأن تكون هذه الحياة هي نهاية المطاف، وآخر أمر هذا الإنسان على الرغم من وجود الصالح والطالح في هذه الحياة الدنيا، ويوجد المحسن والمسيء ، ويوجد الظالم والمظلوم، ولذلك يخوّف الله سبحانه وتعالى عباده، ويلفت أنظارهم إلى الحقيقة ، قال تعالى: " أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ إن مقتضى العدل، وانطلاقًا من الشرع الحنيف، لا بدَّ أن يكون هناك موقف يقفه الإنسان، ليحاسب على عمله، ويجازى على فعله، بعد انتهاء حياته الدنيا، وانتقاله إلى حياة أخرى التي هي بداية الحياة الأبدية، ألا إنها حياة البرزخ، لينعم أو ليعذب، حتى تتحقق العدالة الإلهية، ويوّفى الجميع وتطمئن قلوبهم، أن لهذا الكون إلهًا عاد ً لا، لا يظلم مثقال ذرة، قال تعالى: " وَأَنَّ للهَّ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد .
والعقول السليمة، والفطرة المستقيمة ترى أن حياة الإنسان بعد موته لحسابه ومجازاته، ومنها حياة البرزخ، من أهم ضرورات الحياة الطبيعية، الحياة المستقرة الآمنة، التي تتمتع بالأمن والأمان، إذ لابد أن يكون هناك وقفة مع هذا الإنسان بعد الحياة الدنيا، لكي يجازى كل إنسان على عمله وفعله، وما كسبت يداه، وينعَّم المحسن، ويعذب المذنب، لأن العقول السليمة، والفطرة القويمة، في هذه الحياة الدنيا، تقول للمحسن في عمله وأفعاله وسلوكياته أحسنت، وتجازيه على إحسانه، وتقول للمسيء أسأت وتعاقبه على إساءته، وذلك في أدنى فعل من أفعاله، أو في قول من أقواله، فهو محاسب عليه، مجزيٌ به، فكان من باب أولى أن يحاسب هذا الإنسان بعد موته على حياته، وأعماله كلها، وبداية حسابه في البرزخ، استعدادًا للحياة الأخروية الأبدية، ومن هنا كانت حياة البرزخ ضرورة عقلية، فضلا عن كونها ضرورة شرعية.فقيمة حياة البرزخ تلمس بأثرها على حياة الفرد في الدنيا، باستقامته، وإذا كان هذا حال مجموع أفراد الأمة، فإن المجتمع يسوده الأمن والأمان، والتقى والإيمان، وتتلاشى مظاهر الانحلال والفساد، وفي حياة البرزخ نعيم إلى أن يشاء الله تعالى.
بداية النعيم أو العذاب في حياة البرزخ
إذا اعتقد المسلم بالنعيم أو العذاب في حياة البرزخ، فإن ذلك تظهر آثاره على أفعاله وأقواله، وكل حركاته وسكناته، وتصبح أفعاله وسلوكياته وأقواله التي ترضي الله تعالى بمثابة السير نحو النعيم البرزخي، ولعل هذا النعيم يبدأ من نزع الروح، وخروجها من جسد المؤمن، كخروج قطرة الماء من فِيّ السِّقاة، بعد بشارتها برضى الله تعالى عنها من ملائكة وجوههم كالشمس، ويحملون البشارات تلو البشارات للعبد المؤمن، كما رأينا ذلك في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إذا وضعت الجنازة ، فاحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ، وإن كانت غير صالحة قالت لأهلها : يا ويلها ، أين يذهبون بها ، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ، ولو سمع الإنسان لصعق . رواه البخاري
وعن عبد الرحمن بن مِهْران أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه قال حين حَضَر ه أن أبا هريرة قال حين حضره الموت لا تضربوا علي فسطاطا ولا تتبعوني بمجمر وأسرعوا بي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال قدموني قدموني وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال يا ويله أين تذهبون بي . سنده صحيح

يتبع بإذن الله..
 
الميت يسأل، وينعّم أو يعّذب ولو لم يُدفن
سؤال الميت حق، سواء دفن الميت أو لم يدفن، ثم ينعم أو يعذب سواء دفن في القبر أو لم يدفن، وسواء كان مجتمع الجسد عند موته أو مقطع الأوصال والأعضاء، كمن مات حرقًا أو هدمًا أو غرقًا في بحر وتحللت أعضاؤه في قيعان البحار وأكلتها الحيتان، ولعلنا في هذه الأيام نرى هذا واضحًا وواقعًا، فنرى أناسًا من خلق الله تعالى يموتون ولا يبقى لهم أثرًا، سوى فتاتٍ من لحوم أجسادهم بفعل انفجارات القنابل والصواريخ، بل ومنهم من تفقد آثاره تمامًا، وهناكَ من يمو ُ ت بغرق السفن بأنواعها، أو سقوط للطائرات في البحار، أو احتراقها وسقوطها في الجبال النائية، مما يستحيل في أغَلب الأحيان جمع الجثث أو بقائها متماسكة بسبب الحرق أو الغرق، هذا بالإضافة إلى أكل دوّاب الأرض لها من سبا ٍ ع وطيور وهوام، وكذلك حيتان البحر وأسماكه، وما فيه من خلائق، لأبدان الأموات التي يشاء الله لها أن تموت وتقع بجوارها. ومهما يحصل لأبدان الموتى من تفتت وتحلل وتباعد، فإن هذا لا ينفي السؤال عنها بعد موتها، وكذلك لن يؤخر أو يعفيها من نعيم القبر أو عذابه لأي من البشر، وهذا من عظيم قدرة الله تعالى وعدله.
يقول ابن القيم: إمكان عودة الروح إلى من مات بأي كيفية كانت أمر غير ممتنع، فترد الروح إلى المصلوب والغريق، والمُحْرَق، ونحن لا نشعر بها لأن ذلك الرد نوع آخر غير المعهود فهذا المغمى عليه والمسكوت والمبهوت أحياء وأرواحهم معهم ولا تشعر بحياتهم.
ومن تفرقت أجزاؤه، لا يمتنع على من هو على كل شيء قدير، أن يجعل للروح اتصالا بتلك الأجزاء، على تباعد ما بينها أو قربها، ويكون في تلك الأجزاء شعور بنوع من الألم والّلّذة.إذا كانت هذه الأجسام فيها الإحساس والشعور، فالأجسام التي كانت فيها الروح والحياة أوْلى بذلك.
وقد أشهد الله سبحانه عباده في هذه الدار إعادة حياة كاملة إلى بدن قد فارقته الروح فتكلم ومشى
وأكل وشرب وتزوج وولد له، كقول تعالى:" أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وكأصحاب الكهف، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الطيور الأربعة، فإذا أعاد الحياة التامة إلى هذه الأجسام بعدما بردت بالموت، فكيف يمتنع على قدرته الباهرة أن يعيد إليها بعد موتها حياة ما، غير مستقرة يقضي بها ما أمره فيها، ويستنطقها بها ويعذبها أو ينعمها بأعمالها؟، وهل إنكار ذلك إلا مجرد تكذيب وعناد وجحود؟"فلو أُحْرق الإنسان الميت وسحق وذري في الهواء، فإنه يُسأل وينعم أو يعذب، بأن يجمع الله تعالى تلك الذرات بعد تفرقها ويجعل للروح اتصالا بها، لتدرك السؤال وتحس العذاب أو النعيم، والله على كل شيء قدير.وأَصْلُ هذا كله في الحديث الذي يرويه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، عن الرجل الذي حضره الموت، وطلب من أهله بأن يحرقوا جسده ثم ينثروا ذرات جسده في يوم ريح في البحر،ففعلوا ما طلبه منهم، فإذا أراد الإنسان أن يفكر بعقله دون اعتقاده وإيمانه، فإنه سيتساءل: كيف ستجمع هذه الذرات التي نثرت في الرياح فوق البحر؟، وكيف سيُسأل هذا الميت؟، وكيف سيَُنعَّم أو يُعَّذب؟.
والإنسان المؤمن الذي لا يَنْفَكُّ تفكيره بمصيره بعد موته، فإنه يؤمن إيمانا قاطعًا، لا ريب فيه قِيْدَ أَنْمَُلةٍ، أنَّ قدرة الله سبحانه وتعالى لا تعجز إطلاقًا عن جمع ذرات الميت التي تناثرت في يوم ريح فوق البحر، بل إن أمره سبحانه وتعالى أن يقول للشيء كن فيكون.
وفي الحديث عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:"... إن رجلا حضره الموت فلما أيس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا جزلا ، ثم أوقدوا فيه نارا ، حتى إذا أكلت لحمي ، وخلصت إلى عظمي فامتحشت فخذوها فاطحنوها ، ثم انظروا يوما راحا ، فاذروها في اليم ، ففعلوا ما أمرهم ، فجمعه الله ، وقال له : لم فعلت ذلك ؟ قال : من خشيتك ، فغفر له "، قال عقبة بن عمرو وأنا سمعته يقول ذاك، وكان نباشا ولم يفت عذاب البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال، حتى لو علق الميّت على رؤوس الأشجار في مهاب الريح، لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه، ولو دُفن
الرجال الصالح في أتون من النار لأصاب جسده وروحه من نعيم البرزخ نصيبهما وحظهما، فيجعل الله النار بردا وسلاما، والهواء على ذلك نارا وسمومًا، فعناصر العالم ومواده فتعاد لربها وفاطرها، وخالقها يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي عليه منها شيء أراده، بل هي طوع
مشيئته مذللة منقادة لقدرته، ومن أنكر هذا فقد جحد رب العالمين، وكفر به وأنكر ربوبيته وكثيرًا ما نرى بين الناس من يفقد أحد أعضاء جسده، كبتر يد كاملة أو بعضها، أو ِ رجْلهِ أو بعضها، ومنهم من يفقد عينًا أو أُذنًا أو أنفًا أو جزءً من أحشائه أو غير ذلك، فتدفن في مكان،
وبعد زمن يُدفن صاحبها في مكان آخر أو عندها، فإن الروح تبقى متصلة بكل أطراف بدنها، وجميعها يحسّ بالنعيم أو العذاب في حياة البرزخ، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير. وكذلك قصة الصحابي المشهور الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي والد جابر بن عبد الله الصحابي المشهور معدود في أهل العقبة وبدر وكان من النقباء واستشهد بأحد وكان قد حفر السيل عن قبره وكان معه عمرو بن الجموح وكانا في قبر واحد مما يلي السيل فحفر عنهما فوجدا لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس وكان أحدهما وضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان بين الوقتين ست وأربعون سنة.
وكذلك إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنه إبراهيم عليه السلام بأن له مرضعًا في الجنة، وهو مدفون ببقيع الغرقد في المدينة، وأخبر عن إظلال الملائكة عبد الله بن عمرو بن حرام، وإن كان أصحابه لا يقفون على شيء من ذلك معاينة. وفي كل ذلك وفيما رُوي من أمثاله، دلالة على ما قصدناه من جواز حدوث هذه الأحوال على من فارق الدنيا وإن كنا لا نشاهدها ولا نقف عليها، ووجب اعتقادها عند ورود الخبر الصحيح
وقد قال الله جل ثناؤه فيمن حكم عليه بالعذاب :" وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ(50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
،وقال سبحانه وتعالى :" وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
وقال سبحانه وتعالى في آل فرعون: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْھَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ .فحكم عليهم بضرب الملائكة وجوهَهم وأدبارَهم، حين تتوفاهم وإن كنا لا نشاهده، وبما تقول لهم الملائكة عند الموت وهم باسطو أيديهم وإن كنا لا نسمعه، وعلى آل فرعون بعرضهم على النار غدوًا وعشيًا ما دامت الدنيا وإن كنا لا نقف عليه . فالأحوال على الموتى في حياة البرزخ تختلف من ميّت لآخر:
أولا: فمن الشهداء من يسرح في الجنة حيث شاء، ومنهم من يكون على بارق نهر في الجنة
يخرج له رزقه بكرة وعشيا، ومنهم من تظله الملائكة.
ثانيا: والرضّع لهم من يرضعهم في الجنة.
ثالثا: وأهل الكفر والمعاصي لهم أحوال في حياة البرزخ لا تسرُّهم لما يلاقونه من ضَرب وعرض لهم على النار غدوًا وعشيًا.
وكل هذه الأحوال بقدرة الله تعالى واقعة وحادثة بلا شك، وإن كان الأحياء من بني آدم لا يشعرون بها، ومهما عظمت هذه الأحوال فإن الإيمان بها قاطع بلا أدْنى ريب


يليه القبر وما أدراك مالقبر

يتبع بإذن الله..
 
القبر
لمّا َقَتلَ هابيل قابيل تركه بالعراء، ولا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين، فاقتتلا، فقتل أحدهما صاحبه، فحفر له ثم حثا عليه، فلما رآه قال:" يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ ھَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَة أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ .،وقيل: إنه مكث يحمل أخاه في جراب على

،عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين فرآهما يبحثان فقال: أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ ھَذَا الْغُرَابِ . َفدََفنَ أخاه.، ومن هنا عُرف الدفن في القبر.
القبر في اللغة وفي الاستعمال القرآني
القبر: أصلها قبر، والقبر مدفن الإنسان، وجمعه قبور، والْمَقبُر المصدر، والمقبرَ ة: موضع القبور.
وورد في القرآن الكريم التصريح بذكر القبر مفردًا، كقوله تعالى : " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ
َّ وذكر جمعًا كما في قوله تعالى: " وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ
إنّ للقبر وقعًا خاصًا في نفوس البشر، كيف لا، والإنسان يعلم أنه سيودع وحيدًا في قبره بلا مؤنس أو حبيب، ويزيد من هوله ظلمته وسواده مكانه في باطن الأرض، وتحت ُترابها.عن عبد الله بن بَحير، أنه سمع هانِئًامَوَْلى عثمان، قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وَقَّف على َقبْرٍ بكى حتى يَبُلَّ لحيته فقيل له تذْكَرُ الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي مِنْ هذا، فقال إن رسول الله قال:" إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بَعْدَه أيْسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدّ منه . وقال: وقال رسول الله ما رأيت منظرًا قَطُّ، إلا القبر أفظع منه.
مايقوله القبر للإنسان
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
إما إنكم لو أكثرتم ذكر هاذم اللذات ، لشغلكم عما أرى؛ الموت ، فأكثروا ذكر هاذم اللذات الموت فإنه لم يأت على القبر يوم إلا تكلم فيه ، فيقول : أنا بيت الغربة ، وأنا بيت الوحدة ، وأنا بيت التراب ، وأنا بيت الدود ، فإذا دفن العبد المؤمن ، قال له القبر : مرحبا وأهلا أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم وصرت إلي ، فسترى صنيعي بك ، فيتسع له مد بصره ، ويفتح له باب إلى الجنة ، وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر : لا مرحبا ولا أهلا ، أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم وصرت إلي فسترى صنيعي بك ، فيلتئم عليه حتى يلتقي عليه ، وتختلف أضلاعه ، ويقيض له سبعون تنينا ، لو أن واحدا منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئا ما بقيت الدنيا ، فينهشنه ويخدشنه ، حتى يفضي به إلى الحساب ، إنما القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار
سنده حسن

أكثر الناس بطبيعتهم يخشون الوحدة، والأماكن المظلمة، لما فيها من وحشة وّتخيٌّلات لأَشياء لا تكون موجودة أصلا في ذلك المكان، فإذا كان هذا حالهم في حياتهم الدنيا، ولوقت محدود، فكيف يكون حالهم في حفرةٍ صغيرةٍ، ومغلقة تحت الأرض، ولا يمكن لأحد أن يخرج منها، أو يطلبالمساعدة من أحد، ولا يُنقذه في ذلك الوقت إلا عمله الصالح.
ضمة القبر
من أهوال القبر وفظاعته ضمة القبر وضغطته، وتكون أيضًا بقدوم الملكين "منكر ونكير،وسؤالهما.
ضمة القبر أو ضغطة القبر هي التقاء جانبيه على جسد الميت.وضمة القبر لا ينجو منها أحدًا كبيرًا كان أو صغيرًا، صالحًا أو طالحًا، وقد جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك.ويضيَّق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه وإن كان منافقا قال : سمعت وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يقولون فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض : التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف فيها أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا، حتى يبعثه الله من مضجعه وعنه رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله يومًا إلى سعد بن معاذ حين ذلك ، ُتوُفِّيَ ووُضِعَ في قبره، وسوِّيَ عليه، سَبَّحَ رسول الله ، قال: فلمّا صلى عليه رسول الله َفسَبَّحْنا طويلا، ثم َ كبَّرَ فكبّرْنا، فقيل: يا رسول الله، لِمَ سبَّحْت ، ثم َ كبْرت؟ قال: "لقد تضايَق على هذا العبد الصالح قبرُهُ، حتى فرَّجَهُ اللهُ عزو جل عَنْهُ, وعن ابن عمر رضي الله عنه، عن قال: "هذا الذي تحرّك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألْفًا من الملائكة ، لقد ضُمَّ ضَّمَّةً ثم ُفرِّج عنه.
"في الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البلايا، حتى في أول منازل الآخرة، وهو القبر وعذابه وأهواله، لما اقتضته الحكمة الإلهية من التطهيرات، ورفع الدرجات، ألا ترى أن البلاء يخمد النفس، ويذلها ويدهشها عن طلب حظوظها، ولو لم يكن في البلاء إلا وجود الذلة لكفى، إذ مع الذلة تكون النصرة.
قال أبو القاسم السعدي"لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح، غير أن الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر، وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الإفساح له.ولعل "سبب هذا الضغط، أنه ما من أحد إلا وقد أَلمَّ بذنب ما، فتدركه هذه الضغطة جزاء لها، ثم تدركه الرحمة.
وأما ضمة القبر للصغير فواقعة له، وذلك لما يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه قال : "مات صبي " فقال رسول الله، لو أفلت أحد من ضمة القبر، أفلت هذا الصبي"وفي رواية لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا هذا الصبي (.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:-
إذا قبر الميت ؛ أتاه ملكان أسودان أزرقان ، يقال لأحدهما : المنكر ، وللآخر : النكير ، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ ! فيقول : هو عبد الله ورسوله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول هذا ، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين ، ثم ينور له فيه ، ثم يقال له : نم ، فيقول : أرجع إلى أهلي فأخبرهم ! فيقولان : نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ، وإن كان منافقا ؛ قال : سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله ، لا أدري ! فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك ، فيقال للأرض : التئمي عليه ، فتلتئم عليه الأرض ، فتختلف أضلاعه ، فلا يزال فيها معذبا ، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك
حديث صحيح
فتنة القبر
قيل في قوله "تفتنون في قبوركم": أراد فتنة الملكين منكر ونكير . بسؤلهما للميت.
أنه كان يستعيذ من فتنة القبر وعذاب القبر، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي . وروي عنه كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل...-إلى قوله- ومن فتنة القبر،وعذاب القبر .
.،قال ابن حجر: "قوله: "ومن فتنة القبر": هي سؤال الملكين.وسبب تسمية الملكين بفتاني القبر –منكر ونكير-:" لأن في سؤالهما انتهارًا، وفي خلقهما صعوبة، أَلا ترى أنهما سميا منكرًا ونكيرا؟، فإنما سميا بذلك لأن خلقهما لا يشبه خلق الآدميين،ولا خلق الملائكة، ولا خلق الطير، ولا خلق البهائم، ولا خلق الهوام، بل هما خلق بديع وليس في خلقتهما أُنْس للناظرين إليهما، جعلها الله تكرمة للمؤمن يثبته وينصره، وهتكًا لستر المنافق في البرزخ من قبل أن يبعث حتى يحل عليه العذاب.
وفتنة القبر خاص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار ، على بغلة له ، ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه . وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ( قال : كذا كان يقول الجريري ) فقال " من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ " فقال رجل : أنا . قال " فمتى مات هؤلاء ؟ " قال : ماتوا في الإشراك . فقال " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها . فلولا أن لا تدافنوا ، لدعوت لله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال " تعوذوا بالله من عذاب النار " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار . فقال " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . قال " تعوذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن " قالوا : نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن . قال " تعوذوا بالله من فتنة الدجال " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال .
صحيح مسلم
قلت : يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة قال : { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }
حديث صحيح
هل يفتن غير المكلفين
إن غير المكلف مثل الطفل، والمجنون ونحوهما، غير مكلفين شرعًا، لا بصلاة ولا حج، ولا يقع عليه عذاب في الدنيا من قصاص وحدود. وغير المكلفين مرفوعٌ عنهم القلم، ويمنع قتلهم في الجهاد، ويندد من تعرض لتعذيبهم أو قتلهم.
وأما بخصوص فتنة القبر لغير المكلفين فقد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: "أنهم يمتحنون، وهو قول أكثر أهل السنة، ذكره أبو الحسن بن عبدوس عنهم ومن أدلتهم ما يرويه يحيى بن سعيد أنه قال: سمعت سعيد بن المسيِّب يقول: صليت وراء أبي هريرة على صبيّ لم يعمل خطيئة قط فسمعته يقول: اللهم أعذه من عذاب القبر"وهذا يدل على أنه يفتن، وأيضًا فهذا مبنيٌ على أن أطفال الكفار الذين لم يكلفوا في الدنيا، يكلفون في الآخرة، فإذا امتحنوا في الآخرة لم يمتنع امتحانهم في القبور.

يتبع بإذن الله..
 
قال القرطبي: "حكم الصِّغار كالبالغين، يكمل العقل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه. ولم يعرض أصحاب هذا القول ما يثبت صحة ما ذهبوا إليه بتكليف الصغار بعد الموت.
أما القول الثاني: "أنهم لا يمتحنون في قبورهم، ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى وقال : "لأن المحنة إنما تكون لمن يكلف في الدنيا.

وقال أصحاب هذا القول: "السؤال إنما يكون لمن عقل الرسول والمرسل، والطفل لا تمييز له بوجه ما، فكيف يقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ ولو رد إليه عقله في القبر فإنه لا يسأل عما لهم يتمكن من معرفته والعلم به، ولا فائدة في هذا السؤال، وهذا بخلاف امتحانهم في الآخرة، فإن الله سبحانه يرسل إليهم رسولا ويأمرهم بطاعة أمره وعقولهم معهم، فمن أطاعه منهم نجا، ومن عصاه أدخله النار، فذلك امتحان بأمر يأمرهم به يفعلونه ذلك الوقت لا أنه سؤال عن أمر مضى لهم في الدنيا من طاعة أو عصيان، كسؤال الملكين في القبر.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فليس المراد بعذاب القبر فيه عقوبة الطفل على ترك طاعة أو فعل معصية قطعًا، فإن الله لا يعذب أحدًا بلا ذنب عمله، بل عذاب القبر قد يراد به إن الألم الذي لم يحصل للميت بسبب غيره وإن لم يكن عقوبة على عمل عمله، ومنه قوله الميت ليعذب ببكاء أهله عليه, أي يتألم بذلك ويتوجع منه لا أنه يعاقب بذنب الحيّ: " وَلَا تَزِرُ وزارة وِزْرَ أُخْرَى، وفي القبر من الآلام والهموم والحسرات ما قد يسري أثره إلى الطفل فيتألم به، فيشرع للمصلي عليه أن يسأل الله تعالى أن يقيه ذلك العذاب.
وورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
قلت : يا رسول الله ! ذراري المؤمنين ؟ ! قال : من آبائهم ، قلت : يا رسول الله ! بلا عمل ؟ ! قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، فقلت : وذراري المشركين ؟ ! قال : من آبائهم ، قلت : يا رسول الله ! بلا عمل ؟ ! قال : الله أعلم بما كانوا عاملين
حديث صحيح
فغير المكلفين لا يمتحنون في قبورهم في حياة البرزخ، لا يكون حالهم كالبالغين والعاقلين المميزين، وما يلاقونه في قبورهم ليس من قبيل العذاب، وإنما أمورٌ تصيب كل من يدخل حياة البرزخ من المؤمنين، يخففها الله تعالى عليهم، والله أعلم.
المطلب السادس: من يؤمَّن من فتنة القبر
ورد في الأخبار الصحاح، أن بعض الموتى لا تنالهم فتنة القبر، ولا يأتيهم الفّتانان، وذلك على ثلاثة أوجه، مضاف إلى عمل، ومضاف إلى حال بلاءٍ نزل بالموت، كالجهاد والرِّباط في سبيل الله، ومضاف إلى زمان,و الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك وردت في الشهيد والمرابط. وهناك غيرهم لايفتنون في قبورهم
أو ً لا: الشَّهيد
ففي الحديث الذي يرويه راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي أن رجلا قال : يارسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة.
يشير هذا الحديث: "إنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق، كان إذا التقى الزحفان، وبرقت السيوف فروا،لأنه من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك، ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسًا وهيجان حمية الله، والتعصب له لإعلاء كلمته، فهذا قد أظهر ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يُعاد عليه السؤال في القبر.
ويضيف القرطبي شخصا آخر لا يفتن في قبره وهو"الصِّدّيق"، فيقول: "إذا كان الشهيد لا يفتن فالصدِّيق أجل خطرًا وأعظمُ أجرًا، فهو أحرى أن لا يفتن، لأنه المقدم ذكره في التنزيل ، وقدمه على الشهداء في قوله تعالى: "فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِي ن أَنْعَمَ للهَّ عَلَيْھِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّھَدَاءِ جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهيد أنه لا يُفتن، فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد؟ والله أعلم فتأمله.
المرابط في سبيل الله
وممن يؤمن من فتنة القبر المرابط في سبيل الله تعالى، فعن سلمان ) رضي الله عنه ،قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يوم وليلة، خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه الذي كان يعمله، وأجرى عليه رزقه، وأمن الفّتان.
ورويَ عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، أنه كان يحدّث عن رسول الله أنه قال : "كل
ميت يختم على عمله، إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، وسمعت رسول الله يقول: "المجاهد من جاهد نفسه" ويأمن من فتنة القبر"،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال: "من مات مرابطًا في سبيل الله، أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأُجري عليه رزقه، وأمن من الفّتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع.
وأمان الشهيد والمرابط في سبيل الله من فتنةِ القبر، مكرمة منه سبحانه وتعالى لهم بعد قبض أرواحهم، لما يلاقونه من فتنة السيوف في ساحات الجهاد، والرباط في الثغور دفاعًا عن حياض الإسلام وديار المسلمين، ورد كيد الأعداء وجهادهم، وهذه بشرى من الحبيب لكل مجاهدٍ ، ومرابطٍ في سبيل الله في ديار الإسلام والمسلمين.
تمثيل غروب الشمس للميت
ثبت في الأحاديث النبوية أن غروب الشمس يُمَثَّلُ للميت، فعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل الميِّت القبر مُثَِّلتِ الشمس عند غروبها، فيجلس يمسح عينيه، ويقول دعوني أُصلي"مثِّلت الشمس: أي شبهت، وهذا في حق المؤمنين، ولعله عند نزول الملكين، ويمكن كونه بعد السؤال تنبيها على رفاهيته.
وعلى كلا التفسيريْن اللذين قدمهما السيوطي، فإن في تمثيل الشمس للمؤمن في حياة البرزخ تكريمًا له، وبشارة خير لما بعدها،وقد يكون هذا في حق المؤمن الذي اعتاد على أداء الصلاة كلما استيقظ من نومه،واستهل يومه بعبادة الله تعالى وذكره في الدنيا، وعند رد روحه للسؤال ظن أنه استيقظ من نومه وقام إلى صلاته، وجد منكر ونكير أمامه لسؤاله.

يتبع بإذن الله..
 
التعبد في البرزخ
المؤمن الذي اعتاد على عبادة الله تعالى في جميع أوقاته في حياته الدنيا، يبقى على الطريق ذاتِها بعد انتقاله إلى الحياة البرزخية.
وثبت في الأحاديث الشريفة من رؤيته صلى الله عليه وسلم لبعض الأنبياء وهم يصّلون في قبورهم، واختلفت تأويلات العلماء في ماهية هذه الصلاة، هل هي صلاة كالتي نعرفها، تؤدى بالروح والجسد، أم هي صلاة بمعنى الدعاء والذكر.
وأصل هذه المسألة في الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: قال صلى الله عليه وسلم لقد رأيَْتني في الحِجْر، وقريش تسألني عن مَسْراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أُثِْبتْها، فكربت كربة ما كربت مثله قط"، قال: "فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أَنبأتهم به، وقد رأيُْتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائمٌ يصلي، فإذا رجل ضربٌ جعد، كأنه من رجال َ شُنوءَة، وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائم يصلي أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم عليه السلام قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم –يعني نفسه.فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد هذا مالِكٌ صاحب النار، فسّلم عليه فالتفتُّ إليه، فبدأني بالسَّلام.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله قال مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره.
قال ابن حجر: "يجوز أن يكون لروحه –سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام- اتصال بجسده في الأرض، فلذلك يتمكن من الصلاة وروحه مستقرة في السماء.
وقال القاضي عياض: "وقد تكون الصلاة هنا بمعنى الدعاء والذكر، وهي من أعمال الآخرة، الأنبياء، ويحتمل أن ويؤكد أحد التأويلات فيه، وأنها الصلاة المعهودة، ما ذكر من أنه أَمَّ لا " : بدليل قوله رآه، فتكون صلاته حقيقية كصلاة عيسى لم يمت وأنه يكون موسى ممن تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا موسى آخذ بساق العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور، لكن يرد هذا التأويل يصلي في قبره، عند الكثيب الأحمر والقبر لا يكون إلا لميت، فإن قيل: فكيف رأى قوله في قبره يصلي، وكيف صلى بالأنبياء في حديث الإسراء ببيت المقدس على ما جاء في موسى
الحديث، وقد جاء في الحديث نفسه أنه وجدهم على مراتبهم في السلام عليه، ورحبوا به، قيل :في قبره وعند الكثيب الأحمر، كانت قبل صعوده إلى السماء وفي يحتمل أن رؤيته لموسى قد سبقه إلى السماء، ويحتمل أنه رأى الأنبياء، وصلى طريقه إلى بيت المقدس، ثم وجد موسى بهم على تلك الحال لأول ما رآهم ثم سألوه ورحبوا به، أو يكون اجتماعه بهم، وصلاته ورؤيته بعد انصرافه ورجوعه عند سدرة المنتهى موسى رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى ، ولعلهذا الحديث يدل بظاهره على أنه كان في قبره حيًا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين، وإذا كان هذا في الشهداء، كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإن قيل: كيف يصّلون بعد الموت وليست تلك الحال تكليفًا؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف، وإنما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم في الدنيا حُبِّب إليهم عبادة الله، والصلاة، بحيث كانوا يلازمون ذلك،ثم توفوا وهم على ذلك، فشرفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون،وما عرفوا به،فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة،لا تكليفية .
يتضح من ظاهر الأحاديث السابقة أن التعبد في حياة البرزخ أمر خاص بالأنبياء، ولم أجد دليلا صحيحا فيه إشارة إلى تعبد غير الأنبياء في قبورهم.
وعبادة الأنبياء في حياة البرزخ قد تكون ذكرا ودعاء، وقد تكون الصلاة التي أخبرنا عنها في السنة حقيقية ولزمن محدود،ولا يمنع دوام ذلك إلى الآن، لقدرته سبحانه وتعالى، وإكراما منه عزّ وجل لأنبيائه، ولعلها أرواحهم قائمة تصلي دون أرواحهم، والله أعلم.
عرض مقعد الميت عليه
إذا دُفِن العبد، وتمَّ سؤاله يعرض عليه مقعده، فإن كان من أهل الجنة عرض عليه مقعده من الجنة، وإن كان من أهل النار عرض عليه مقعده من النار.
ومما استدل به العلماء في ذلك قوله تعالى:" النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.أي أنَّ آل فرعون "يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، وينال أجسامهم في قبورها من حرِّها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم، و"هذا العرض في البرزخ.
فأخبر تعالى أن الكافرين يعرضون على النار، كما أن أهل السّعادة يعرضون على الجنان بالخبر الصحيح، وهل كل مؤمن يعرض على الجنان؟ فقيل: ذلك مخصوص بالمؤمن الكامل الإيمان، ومن أراد الله إنجاءه من النار، وأما من أنفذ الله عليه وعيده من المخلطين، الذين خلطوا عم ً لا صالحًا وآخر سيئًا فله مقعدان يراها جميعًا كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو في وقت واحد قبيحًا وحسنًا، وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيفما كان، والله أعلم"، وقيل:" إن هذا العرض إنما هو على الروح وحدها، ويجوز أن يكون مع جزء من البدن، ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد فيرد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان، ويقال له : انظر إلى معقدك من النار قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة
وكيفما كان فإن العذاب محسوس، والألم موجود، والأمر شديد، وقد ضرب بعض العلماء لتعذيب الروح مثلا في النائم، فإن روحه تعذب أو تنعم والجسد لا يحس بشيء من ذلك قال: وأما ما جاء في السنة المطهرة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله إِنَّ أَحَدَ كمْ إَِذا مَات عُرضَ عََليْهِ مَقْعَدُهُ ِبالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، َفمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ،وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّار، َفمِنْ أَهْلِ النَّار،ِ فَيُقَالُ: هََذا مَقْعَدُكَ، حَتَّى يَبْعََثكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
ويحتمل أن يراد بالغداة والعشي غداة واحدة، وعشية واحدة، يكون العرض فيها، ولا يصل إلى مقعده إلى يوم البعث، ويحتمل أن يريد كل غداة وعشي، وذلك لا يكون إلا بأن يكون الإحياء بجزء منه، فإنا نشاهد الميت ميتا بالغداة والعشي وذلك يمنع إحياء جميعه، وإعادة جسمه، ولا يمتنع أن تعاد الحياة في جزء أو أجزاء، وتصح مخاطبته والعرض عليه"
وفي حكمة عرض المقعد على الكافر يقول القرطبي: "هذا ضرب من العذاب كبير، وعندنا المثال في الدنيا، وذلك كمن عرض عليه القتل أو غيره من آلات العذاب، أو من يهدد به من غير أن يرى الآلة فعرض مقعد الميت عليه نعمةٌ وبشرى للعبد المؤمن وأنْسٌ له في وحشة الوحدة في قبره، وزيادة له في الشوق للقاء ربه سبحانه، والجلوس على مقعده في الجنة، وأما الكافر فعرض مقعده عليه من النار عذاب له في قبره، وزيادة في تهديده ووعيده إلى يوم يبعث ويرد إلى جهنم حيث مقعده من العذاب –أعاذنا الله تعالى من سوء العاقبة.
بلاء جسد الميت.
إذا مات الإنسان فإن جسده يبلى ويأكله التراب إلا عَجْبُ الذنب، وهذا يكون في حق وليس من الإنسان عامة الناس، لما يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ابن آدم يأكله التراب ، إلا شيء لا يبلى، إلا عظمًا واحدًا وهو عَجْبُ الذنب ، ومنه يركب الخلق يوم القيامة.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه،قال: قال عَجْبُ الذنب منه خلق وفيه يركب.قال ابن حجر: "هذا عام يخص منه الأنبياء، لأن الأرض لا تأكل أجسادهم.
وقال القرطبي: "الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والشهداء، وأنهم أحياء، قال الله تعالى
: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )ولذلك لا يغسلون ولا يصلى عليهم، ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة فكل شهيد حيْ يُرْزَقُ عِنْدَ رَبِّھِ شهداء أحد وغيرهم.
قال البيهقي: "والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بعدما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند رَبّهم، كالشهداء ، وقد رأى نبينا جماعة منهم ليلة المعراج، وأُمِرنا بالصلاة والسلام عليه، وأخبر وخبره صدق، أن صلاتنا معروضة عليه، وأن سلامنا يبلغه، وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.

يتبع بإذن الله..
 
عن أَوْس بن أَوْس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟، أي يقولون: قد بليت، قال: إن الله عزَّ وجل قد حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام.
للمناوي قول لطيف في هذه المسألة، حيث قال: "لأنها تتشرف بوقع أقدامهم عليها، وتفتخر بضمهم إليها، فكيف تأكل منهم؟، ولأنهم تناولوا ما تناولوا منها بحق وعدل، وس ّ خرها لهم لإقامة العدل عليها، فلم يكن لها عليهم سلطان ومثلهم الشهداء، وقد وجد حمزة صحيحًا لم يتغير ، حين حَفر معاوية بن أبي سفيان قبره، وأصاب الفأس إصبعه فدميت.
لا تأكل الأرض أجساد الأنبياء بالاتفاق، لصحة الأحاديث الواردة في هذا الباب، أما غير الأنبياء من الشهداء والصالحين، فقد يكون لعدم بلاء أجسادهم كرامة من الله سبحانه وتعالى. وقد يحفظ الله تعالى أجساد من عصوه لحكمة أرادها، كما حدث بجسد فرعون ليكون عبرة لمن خلفه، قال تعالى: "فَالْيَوْم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَة .

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة وفي رواية : صلى الصبح فلما انصرف قال : أهاهنا من آل فلان أحد . فسكت القوم ، وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا فقال ذلك مرارا ثلاثا لا يجيبه أحد ، فقال رجل : هو ذا ، قال فقام رجل يجر إزاره من مؤخرة الناس فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك في المرتين الأولين أن تكون أجبتني . أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير ، إن فلانا - لرجل منهم - مأسور بدينه عن الجنة ، فإن شئتم فافدوه ، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله ، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه ، حتى ما أحد يطلبه بشيء.

وهذا الحديث أبلغ حديث في هذا الباب

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
يغفر للشهيد كل ذنب ، إلا الدّين
رواه مسلم
و"سبب التشديد في الدَّيْن أنه من العذاب في الحياة البرزخية
أما العذاب في الحياة البرزخية فثابتٌ بنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة، قال النووي :"مذهب أهل السنة، إثبات عذاب القبر، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة، قال الله تعالى :"النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْھَا غُدُوًّ ا وَعَشِيا... ، وتظاهرت به الأحاديث الصحيحة، عن النبي
من رواية جماعة من الصحابة، في مواطن كثيرة، ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى، الحياة في جزء من الجسد ويعذبه، وإذا لم يمنعه العقل، وورد الشرع به وجب قبوُله واعتقاده، وقد ذكر من يعذبُ فيه، وسماع الموتى مسلم هنا أحاديث كثيرة، في إثبات عذاب القبر، وسماع النبي صلى الله عليه وسلم لأهل القليب يوم بدر، وسؤال الملكين الميت، وإقعادهما إياه، قرع نعال دافنيهم، وكلامه وجوابه لهما، والفسح له في قبره، وعرض معقده عليه بالغداة والعشي، والمقصود أن مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر، كما ذكرت خلافًا للخوارج ، ومعظم المعتزلة، وبعضُ الصحابة على الأئمة الراشدين،أو كان بعدهم على التابعين بإحسان،والأئمة في كل زمان،وكبار فرق الخوارج ستة:الأزارقة والنجدات والعجاردة والثعالبة و الاباضية والصفرية،والباقون فروعهم ويجمعهم القول:بالتبرىء من عثمان وعلي رضي الله عنهما،ويقدمون ذلك على طاعة،ولا يصححون المناكحات،إلا على ذلك،ويكفرون أصحاب الكبائر،ويرون الخروج على الإمام إذا خالف السنة حقا واجبا.
المرجئة نفوا ذلك، ثم المعذب عند أهل السنة الجسد بعينه، أو بعضه، بعد إعادة الروح إليه، أو إلى جزء منه، وخالف فيه محمد بن جرير، وعبد الله بن َ كرَّام، وطائفة، فقالوا: لا يشترط إعادة الروح.
وردّ على هذا القول بأنه: فاسد، لأن الألم والإحساس، إنما يكون في الحي، وقيل: لا يمنع من ذلك، كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما نشاهد في العادة، أو أكلته السباع، أو حيتان البحر، أو نحو ذلك، فكما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه وتعالى قادر على ذلك، فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه، أو أجزاء، وإن أكلته السباع والحيتان، فإن قيل: فنحن نشاهد الميت على حاله في قبره، فيكف يسأل، ويعقد، ويضرب بمطارق من حديد، ولا يظهر له أثر. فالجواب: إن ذلك غير ممتنع، بل له نظير ذلك في العادة، وهو النائم، فإنه يجد لذة وآلاما، لا نحسن نحن شيئًا منها، وكذا يجد اليقظانُ لذًة وألمًا، لما يسمعه أو يفكر فيه، ولا يشاهد ذلك فيخبره بالوحي الكريم، ولا يدركه الحاضرون، جالسوه منه، وكذا كان جبرائيل يأتي النبي وكل هذا ظاهر جلي.
"ومما ينبغي أن يعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه قبر أو لم يقبر، فلو أكلته السباع أو أحرق حتى صار رمادًا ونسف في الهواء أو صلب أو غرق في البحر وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى القبور.
المرجئة:الإرجاء على معنيين:أحدهما بمعنى التأخير كما في قوله تعالى:"قالوا أرجه وأخاه" -الشعراء أي أمهله وأخره والثاني إعطاء الرجاء أما إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح لأنهم كانوا يؤخرون العمل عن النية والعقد،وأما بالمعنى الثاني فظاهر فإنهم كانوا يقولون:لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة،وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة فلا يقضى عليه بحكم ما في الدنيا من كونه من أهل الجنة أو النار من أهل النار،فعلى هذا المرجئة والوعيدية.
عذاب القبر هو عذاب البرزخ، أضيف إلى القبر، لأنه الغالب، وإلا فكل ميت، وإذا أراد الله تعالى تعذيبه، ناله ما أراد به، وعذاب القبر محله الروح والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة، وكذا القول في النعيم، وجاءت آيات القرآن الكريم صريحة بذكر العذاب في حياة البرزخ، وكذلك الأحاديث النبوية الصحيحة، وفيما يلي بيان ذلك.
أَو ً لا: ما جاء في كتاب الله تعالى من آياتٍ تدل على عذاب القبر
وتأويل سوء العذاب: "هو الغرق في اليم، ثم النقلة منه إلى الجحيم، فإن أرواحهم تعرض على النار صباحًا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم
وأجسادهم في النار، ولهذا قال:"وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب، أي أشد ألمًا . وأعظمه نكالا.
و قوله سبحانه وتعالى:"وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَھُمْ لَايَعْلَمُون، قال قتادة: كان ابن عباس يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله:"وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِك .
الآية من قوله الله عز وجل: " وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَھْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُھُمْ نَحْنُ نَعْلَمُھُمْ سَنُعَذِّبُھُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم .
قال قتادة: "قال الله تعالى: " سَنُعَذِّبُھُمْ مَرَّتَيْنِ "، قال: "عذابًا في الدنيا وعذابا في القبر. وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ، القبور، وهي قوله تعالى: " النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْھَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا .
قال الطبري:" يقول تعالى ذكره مبيِّنا عن سوء العذاب الذي حلّ بهؤلاء الأشقياء من قوم فرعون ، إنهم لما هلكوا وأغرقهم فالنار يعرضونَ عَلَيْھَا ، ذلك الذي حاق بهم من سوء عذاب الله" ،كما جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كلّ يوم غُدُوًّا وَعَشِيًّا "، إلى أن تقوم الساعة. قال: من أيام الدنيا، وقيل وقال مجاهد في قوله تعالى:"النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. وْيومَ ليس في القيامة غدو ولا عشي، ولكن مقدار ذلك، ودل على أن هذا قبل يوم القيامة بقوله:" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ " فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر
قوله تعالى الآتي ذكره فيه تصريح من النبي بأن بعض الأموات ينالهم العذاب ،وآخرون يثبتهم الله تعالى عند السؤال،فلا ينالهم شيء من عذابه، قال تعالى :" يُثَبِّتُ اللهَّ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرة) في قبورهم.

يتبع بإذن الله..
 
عن البراء بن عازب، رضي الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أُقعد المؤمن في قبره، أُتِيَ ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوُله: " يُثَبِّتُ للهَّ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ "نزلت في عذاب القبر".
الآية من قوله تعالى: " وَمِنْ وَرَا ئِھِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يعني أمامهم، وقال مجاهد: البرزخ الحاجز، ما بين الدنيا والآخرة، والبرزخ المقابر، لا هم في الدنيا، ولا هم في الآخرة، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون، ومنْ وَرَائِھِ "قالوا في معنى " وَهم في الآخرة، فهم مقيمون إلى يوم يبعثون( وفي قوله تعالى: " وَمِنْ وَرَ ائِھِمْ بَرْزَخٌ " تهديد لهؤلاء المحتضرين من الظلمة، بعذاب البرزخ"في الآيات دليل واضح، وإثباتٌ لعذاب القبر بصحيح السنة النبوية، ومنها تأويل للصحابة
وأما الأدلة من السنة النبوية على عذاب القبر فهذا الحديث الشامل في صحيح مسلم رغم كثرة الأحاديث الصحيحة
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار ، على بغلة له ، ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه . وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ( قال : كذا كان يقول الجريري ) فقال " من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ " فقال رجل : أنا . قال " فمتى مات هؤلاء ؟ " قال : ماتوا في الإشراك . فقال " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها . فلولا أن لا تدافنوا ، لدعوت لله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال " تعوذوا بالله من عذاب النار " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار . فقال " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . قال " تعوذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن " قالوا : نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن . قال " تعوذوا بالله من فتنة الدجال " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال
رواه مسلم
وهذا حديث صحيح رواه الهيثمي في مجمع الزوائد
بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لأبي طلحة يبرز لحاجته قال وبلال يمشي وراءه يكرم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه فمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقام حتى تم إليه بلال فقال ويحك يا بلال هل تسمع ما أسمع قال ما أسمع شيئا قال صاحب القبر يعذب فسأل عنه فوجد يهوديا.
وقال القرطبي: "اعلم أن عذاب القبر ليس مختصًا بالكافرين ولا موقوفًا على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، وكل على حال من عمله وما استوجبه من خطيئة وزلة. وهذه الروايات بمجموعها تفيد ثبوت عذاب القبر ونعيمه، لذلك يجب على كل مؤمن أن يعتقد اعتقادًا جازمًا، وبلا أدْنى شك بحقيقة النعيم والعذاب في الحياة البرزخية، وسنذكر لاحقًا أدلة أخرى في أسباب النجاة من عذاب القبر والفوز بنعيمه، وأسباب عذاب القبر والوقوع بها.
أما حال الأرواح الأخرى غير السماوية التي يكون مآلها للأرض
ومنهم من يكون محبوسًا في الأرض، لم َتعْل روحه إلى الملأ الأعلى، فإنها كانت روحًا سفلية أرضية، فإن الأنفس الأرضية لا تجتمع مع الأنفس السماوية، كما لا تجتمع معها في الدنيا،والنفس التي لم تكتسب في الدنيا معرفة ربها، ومحبته وذكره والأُنس به، والتقَّرب إليه، بل هي أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك، كما أن النفس العلوية التي كانت في الدنيا عاكفة على محبة الله وذكره، والقرب إليه والأُنْس به، تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها، فالمرء مع من أحب في البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يزوج النفوس بعضها ببعض في البرزخ، ويوم المعاد، ويجعل روح المؤمن مع النسم الطيب، أي الأرواح الطيبة المشاكلة، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها وأخواتها وأصحاب عملها فتكون معهم هناك،ومنها أرواح تكون في تنور الزناة والزواني، وأرواح في نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة وجمعا بين النصوص الواردة في مستقر الأرواح فإنه:" لا تعارض بين السنن والآثار الصحيحة في هذا الباب، فإنها كلها حق يصدق بعضها بعضًا، لكن الشأن في فهمها، ومعرفة النفس وأحكامها، وأن لها شأنًا غير شأن البدن، وأنها مع كونها في الجنة فهي في السماء، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهي أسرع شيء حركة وانتقالا، وصعودًا وهبوطًا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة ومرض، ولذة ونعيم، وألم أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسر ة، وهناك اللذة والراحة والنعيم والإطلاق، وما أشبه حالها في هذا البدن بحال ولد في بطن أمه، وحالها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار.
فلهذه الأنفس أربع دور كل دار أعظم من التي قبلها:
الدار الأولى: في بطن الأم، وذلك الحصر والضيق والغم، والظلمات الثلاث
والدار الثانية: هي الدار التي نشأت فيها، وألفتها، واكتسبت فيها الخير والشر وأسباب السعادة والشقاوة.
والدار الثالثة: دار البرزخ، وهي أوسع من هذه الدار وأعظم، بل نسبتها إليه كنسبة هذه الدار
الأولى.
والدار الرابعة: دار القرار، وهي الجنة أو النار، فلا دار بعدها.
أسباب العذاب في الحياة البرزخية
إنّ من عدله سبحانه وتعالى أن يجازي بالأجر والثواب أهل الإيمان وا لطاعة ، وأن يعاقب أهل المعاصي بما اجترحوا من السيئات والآثام. ولعل بداية هذا الثواب ما يلاقيه المؤمن عند قبض روحه، بالبشرى برؤية الملائكة البيضاء، وحسن معاملتهم معه، وخروج روحه بيسر وسهولة، وحسن استقباله من ملائكة السماوات، وغير ذلك مما يلاقيه من النعيم في حياة البرزخ، وأما الكافرين والعُصا ة، فإنهم سينالون الجزاء والعقاب والعذاب بما اقترفته أيديهم، وأنكرته عقولهم وقلوبهم سيصيبهم عند قبض أرواحهم، وفي قبورهم، وقد بينت لنا السنة الشريفة بعض الأسباب التي تؤدي إلى عذاب القبر، فمنهم من يعذب على جهله بالله سبحانه، وإضاعته لأمره، وارتكابه لمعاصيه، فلا يعذب الله روحًا عرفته، وأحبته وامتثلت أمره، واجتنبت نهيه، ولا جسدًا كانت فيه أبدا، فإن عذاب القبر، وعذاب الآخرة أثرُ غضب الله وسَخَطهِ على عبده، فمن أغضب الله وأسخطه في هذه الدار، ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ، بقدر غضب الله وسخطه عليه، َفمُسَْتقِلٌ ومُستكثرٌ، ومصدقٌ ومكذبٌ، وهذه بعض الأسباب المؤدية لعذاب القبر..

يتبع بإذن الله..
 
و قد ذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم بنصوص صريحة عن بعض الأعمال والأسباب المقتضية لعذاب القبر منها:

أولا: الكفر ومعصية الله تعالى
ودليله حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الذي يقول فيه صلى ىالله عليه وسلم
وإن الكافر فذكر موته قال : وتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان : من ربك ؟ فيقول : هاه هاه هاه ، لا أدري ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه ، لا أدري : فيقولان : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هاه ، هاه لا أدري ، فينادي مناد من السماء : أن كذب ، فأفرشوه من النار ، وألبسوه من النار ، وافتحوا له بابا إلى النار . قال : فيأتيه من حرها وسمومها قال : ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه . زاد في حديث جرير قال : ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا . قال : فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين ، فيصير ترابا . قال : ثم تعاد فيه الروح
حديث صحيح
ثانيًا: عدم التنزه من البول، والّنميمة

عن إبن بن عباس رضي الله عنهما قال
مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة ، أو مكة ، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يعذبان وما يعذبان في كبير . ثم قال : بلى ، كان أحدهما لا يستتر من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة . ثم دعا بجريدة ، فكسرها كسرتين ، فوضع على كل قبر منهما كسرة ، فقيل له : يا رسول الله ، لم فعلت هذا ؟ قال : لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا . أو : إلى أن ييبسا .


عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي يده كهيئة الدرقة قال فوضعها ثم جلس فبال إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بعض القوم انظروا إليه يبول كما تبول المرأة قال فسمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ويحك أما علمت ما أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم شيء من البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم فعذب في قبره
حديث صحيح

ثالثًا: الغيبة


مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فيعذب في البول وأما الآخر فيعذب في الغيبة
حديث صحيح
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث أنه قال:
بينما النبي يمشي بيني و بين رجل آخر ، إذ أتى على قبرين فقال : إن صاحبي هذين القبرين يعذبان ، فائتياني بجريدة قال أبو بكرة : فاستبقت أنا و صاحبي ، فأتيته بجريدة ، فشقها نصفين ، فوضع في هذا القبر واحدة ، و في ذا القبر واحدة ، قال : لعله يخفف عنهما مادامتا رطبتين ، إنهما يعذبان بغير كبير ، و الغيبة و البول

رابعًا: البكاء والّنوح على الميت
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن كذبا علي ليس ككذب على أحد ، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من نيح عليه يعذب بما نيح عليه .
رواه البخاري
وهنا لابد من التذكير بما بقول الجمهور: "إن هذا محمول على من أوصى بالبكاء، والنوح، أو من لم يوص بتركهما، فمن أوصى بهما، أو أهمل الوصية بتركهما، يعذب بهما،
لتفريطه بإهمال الوصية بتركهما، فأما من وصى بتركهما فلا يعذب بهما، إذ لا صنع له فيهما ولا تفريط منه.

خامسًا: الغلول
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، فلم نغنم ذهبا ولا فضة ، إلا الأموال والثياب والمتاع ، فأهدى رجل من بني الضبيب ، يقال له رفاعة بن زيد ، لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، يقال له مدعم ، فوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى ، حتى إذا كان بوادي القرى ، بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سهم عائر فقتله ، فقال الناس : هنيئا له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلا ، والذي نفسي بيده ، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم ، لم تصبها المقاسم ، لتشتعل عليه نارا ) . فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشراك أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( شراك من نار ، أو : شراكان من نار).
رواه البخاري

سادسًا: الدَّيْن
أورد البيهقي بابًا في كتاب إثبات عذاب القبر بعنوان: "باب ما يخاف من عذاب القبر في الدّيْن، ولعله أراد أن حبس نفس المؤمن من دخول الجنة، وحرمانها من نعيمها بسبب الدّيْن هو من قبيل العذاب لها
عن أبي هريرة رضي الله عنه
لا تزال نفس ابن آدم معلقة بدينه, حتى يقضي عنه دينه
حديث صحيح
حقوق الناس، وحقوق الناس لا تكفرها التوبة فقط، ولا الأعمال الصالحة كالحج والجهاد، ولا بد لها من رد الحقوق إلى أصحابها، أو يعفو صاحب
الحق ويسامح بحقه، وهكذا فهي أخطر على الإنسان من حقوق الله تعالى، فإن الله سبحانه يغفر لمن تاب توبة صادقة، أما الناس فإنهم يتشددون في حقوقهم، وعندها يأخذون من حسنات الذي عليه الحق، فإن فنيت حسناته تحمَّل من سيئاتهم بما يساوي ذلك الحق.

سابعًا: الصلاة بغير طهور، وعدم نصرة المظلوم
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مات رجل، فلما أدخل قبره أتته الملائكة، فقالوا" إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله، قال: فذكر صلاته وصيامه وجهاده،قال: فخففوا عنه حتى انتهى إلى عشرة، ثم سألهم حتى خففوا عنه، حتى أتى إلى واحدة، فقالوا: إنا جالدوك جلدة واحد ة لا بد منها، فجلدوه جلدة اضطرم قبره نهارا، وغشي عليه، فلما أفاق، قال: فيم جلدوني هذه الجلد ة؟،.( قالوا: إنك بلت يوما ثم صليت، ولم تتوضأ، وسمعت رجلا يستغيث مظلوما فلم تغثه.
صححه الألباني في الترغيب والترهيب
ثامنًا: من يعمل بخلاف ما يعلم من القرآن، والكّذاب، والزاني، وآكل الرّبا
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة ، اقبل علينا بوجهه ، فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا . قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول : ما شاء الله . فسألنا يوما فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا . قلنا : لا ، قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي ، فأخرجاني إلى الأرض المقدسة ، فإذا رجل جالس ، ورجل قائم ، بيده كلوب من حديد قال بعض أصحابنا عن موسى : إنه يدخل ذلك الكلوب في شدقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم شدقه هذا ، فيعود فيصنع مثله . قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ، ورجل قائم على رأسه بفهر ، أو صخرة ، فيشدخ بها رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر ، فانطلق إليه ليأخذه ، فلا يرجع إلى هذا ، حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما هو ، فعاد إليه فضربه ، قلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور ، أعلاه ضيق وأسفله واسع ، يتوقد تحته نارا ، فإذا اقترب ارتفعوا ، حتى كادوا أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة ، فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم ، وعلى وسط النهر - قال يزيد ووهب ابن جرير ، عن جرير بن حازم - وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه ، فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر ، فيرجع كما كان ، فقلت : من هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى انتهيا إلى روضة خضراء ، فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجرة ، بين يديه نار يوقدها ، فصعدا بي في الشجرة ، وأدخلاني دارا ، لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ ، وشباب ونساء وصبيان ، ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني دارا ، هي أحسن وأفضل ، فيها شيوخ وشباب ، قلت : طوفتماني الليلة ، فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم ، أما الذي رايته يشق شدقه فكذاب ، يحدث بالكذبة ، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق ، فيصنع به إلى يوم القيامة ، والذي رأيته يشدخ رأسه ، فرجل علمه الله القرآن ، فنام عنه بالليل ، ولم يعمل فيه بالنهار ، يفعل به إلى يوم القيامة ، والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر آكلوا الربا ، والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام ، والصبيان حوله فأولاد الناس ، والذي يوقد النار مالك خازن النار ، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين ، وأما هذه الدار فدار الشهداء ، وأنا جبريل ، وهذا مكيائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا فوقي مثل السحاب ، قالا : ذاك منزلك ، قلت : دعاني أدخل منزلي ، قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله ، فلو استكملت أتيت منزلك .
يشير هذا الحديث وقوع عذاب القبر على الكّذاب، ومن يعمل بخلاف ما يعلم بالقرآن،ووقوعه على الزناة وآكلي الربا، قوله في الحديث:" فيصنع به إلى يوم القيامة"، وقوله:" يفعل به إلى يوم القيامة"، فهؤلاء ينالهم العذاب بعد موتهم في قبورهم إلى يوم القيامة، ولا يحتمل النص غير هذا التأويل، والله أعلم. وقال ابن القيم: "هذا نص في عذاب البرزخ، فإن رؤيا الأنبياء وحي مطابق لما في نفس . الأمر وكل عمل أو قول في هذه الدنيا يكون في معصية لله سبحانه وتعالى يستحق عليها صاحبها عذاب جهنم، سيناله عذاب القبر، و"عذاب القبر من معاصي القلب، والعين والأذن والفم.واللسان، والفرج والبطن، واليد والرجل والبدن كله، وكل ما يمكن أن يصدر عن هذه الأعضاء من أفعال أو أقوال فيها معصية لله تعالى،ينال صاحبها العذاب في قبره.

يتبع بإذن الله..
 
ثامنا : مخافة الباطن الظاهر
الحديث الأول :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ، ( يُجْمَعُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكًا مِنَ الْمَلائِكَةِ ، فَيَقُولُ : اكْتُبْ عَمَلَهُ ، وَأَجَلَهُ ، وَرِزْقَهُ ، وَاكْتُبْهُ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا ) ، ثُمَّ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ غَيْرُ ذِرَاعٍ ، ثُمَّ يُدْرِكُهُ الشَّقَاءُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، فَيَمُوتُ فَيَدْخُلُ النَّارَ ) ، ثُمَّ قَالَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ عَبْدِ اللَّهِ بِيَدِهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ غَيْرُ ذِرَاعٍ ، ثُمَّ تُدْرِكُهُ السَّعَادَةُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَمُوتُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ ) .
رواه البخاري

الحديث الثاني :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ  ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ ، فَاقْتَتَلُوا ، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ لا يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلا فَاذَّةً ، إِلا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ ، فَقَالَ : مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلانٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ) ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَنَا صَاحِبُهُ ، قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ ، كُلَّمَا وَقَفَ ، وَقَفَ مَعَهُ ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ ، قَالَ فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا ، فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالارْضِ ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ، قَالَ : ( وَمَا ذَاكَ ) قَالَ : الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ) .
رواه البخاري
الحديث الثالث:
أن عمر سأل عن هذه الآية : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم } قال : قرأ القعنبي الآية ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار
صححه الألباني
وهذا شرح لهذه الأحاديث مع تبيين كيف تفهم
أنه من تمام عدل الله تعالى أن لا يظلم أحداً فيستحيل فى حقه تعالى ان يعمل المرء طيلة حياته في الخير وبنية صالحة و قلب سليم و على كتاب وسنة وهدي كما و بينما هو على ذلك الحال الطيب الصالح و ليس بينه وبين باب الجنة إلا اليسير يختم الله عليه بالشقاء محبطاً عمله ونيته السليمة ، و لم يقل من أهل القبلة بذلك أحدٌ لأنه لا يشبه ذلك عدل الله , فبان أن المراد بالختم بالشقاوة على من كان في قلبه مرض ونفاق وبغض لهذا الدين وظاهره لا يعبر عن ما باطنه فإذا دنا أجله و قرب رحيله من الدنيا ختم الله على عمله بالسوء وفضحه بين خلقه وكشف عوره ، وهذا تمام عدل الله تعالى ، وكما علمه وقدرته على الماكرين.
قال النووي رحمه الله : ففيه التحذير من الإغترار بالاعمال ، وأنه ينبغي للعبد أن لا يتكل عليها ، ولا يركن اليها ، مخافة من انقلاب الحال للقدر السابق ، وكذا ينبغي للعاصى أن لا يقنط ، ولغيره ، أن لا يقنطه من رحمه الله تعالى .
تاسعا: الحيف في الوصية وعدم العدل فيها
الحديث الأول:
إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته ، فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله ، فيدخل الجنة . قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم : { تلك حدود الله فلا تعتدوها }
حديث صحيح
الحديث الثاني
إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة قال ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم { تلك حدود الله } إلى قوله { فله عذاب مهين }
حديث صحيح

يتبع بإذن الله..
 
ما ينجّي من فتنةِ القبر "البرزخ" وعذابه


الذي ينجي العبد من عذاب القبر أن يكون مستعدًا للموت، مشمّرا له، مجتهدًا بالطاعات حتى إذا فاجأه الموت استبشر برحمة الله تعالى عليه، وغفران الله تعالى سبحانه لذنوبه، ف لا يندم، ولا يخاف من انتهاء أجله، ومن الاستعداد للموت الإسراع في التوبة، وقضاء الحقوق، والإكثار من الأعمال الصالحة، فإن الإيمان والصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد وبر الوالدين، وصلة الأرحام وذكر الله عزَّ وجل، وغيرها من صالح الأعمال تحفظ العبد المؤمن، وبها يجعل الله له من كل ضيق فرجًا ومن كل همٍّ مخرجا. أما الأسباب المنجية،ويمكن إجمالها في تجنب تلك الأسباب التي تقتضي عذاب القبر، ومن أنفعها أن يجلس الرجل عندما يريد النوم لله ساعة، يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه
في يومه، ثم يجدد له توبة نصوحًا بينه وبين الله فينام على تلك التوبة، ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ، ويفعل هذا كل ليلة، فإن مات من ليلته مات على توبة، وإن استيقظ، استيقظ مستقب ً لا للعمل مسرورًا بتأخير أجله حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته، وليس للعبد أنفع من هذه عند النَّوْمَة ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله، واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله .( النوم حتى يغلبه النوم، فمن أراد الله به خيرًا وفقه لذلك، ولا قوة إلا بالله تبين أسباب النجاة من عذاب القبر منها: ، وورد في السنة النبوية أحاديث عن رسول الله
أولا: الرباط في سبيل الله تعالى
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه
رِبَاط يَوٍْم وََليَْلةٍ، خَيْرٌ مِنْ صِيَاِم شهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَات جَرَى عََليْهِ عَمَُلهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَُلهُ، وَأُجْريَ عََليْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ"(
والفتان عذاب القبر
حديث صحيح
ثانيًا: الموت بمرض البطن
عن عبد الله بن يسار أن رجلان من الصحابة بعد أن علما أن رجلا توفِّي،مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته، فقال أحدهما للآخر: أََلمْ يقلْ مَنْ يَقُْتلْهُ بَطْنُهُ، َفَلنْ يُعَذَّبَ فِي َقبْرِهِ"، َفَقالَ الْآخَرُ: بََلى(.
حديث صحيح

ثالثًا: الأعمال الصالحة
عن أبي هريرة قال إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا عنه مدبرين فإذا كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه وكان الصيام عن يساره وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل فيؤتى من عند يمينه فتقول الزكاة ما قبلي مدخل فيؤتى عن يساره فيقول الصيام ما قبلي مدخل فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب فيقال له أخبرنا عما نسألك فيقول دعوني حتى أصلي فيقال له إنك ستفعل فأخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألوني فيقال أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وما تشهد به عليه فيقول أمحمد فيقال له نعم فيقول أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له انظر إلى ما أعد الله له لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب إلى النار فيقال له انظر ما صرف الله عنك لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يجعل نسمة في النسم الطيب وهي طير خضر تعلق شجر الجنة ويعاد الجسد إلى ما بدئ منه من التراب وذلك قول الله عز وجل { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة } عن الحكم بن ثوبان ثم يقال له نم فينام نومة العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه قال أبو هريرة وإن كان كافرا فيؤتى من قبل رأسه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن يمينه فلا يوجد شيء ثم يؤتى عن شماله فلا يوجد شيء ثم يؤتى من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس فزعا مرعوبا فيقال له أخبرنا عم نسألك عنه فيقول وعم تسألون قالوا إنا نسألك عن هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد به عليه فيقول أي رجل فيقال هذا الرجل الذي كان فيكم فلا يهتدي لاسمه فيقال له محمد صلى الله عليه وسلم فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون قولا فقلت كما قالوا فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له ذلك مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه وهي المعيشة الضنك قال الله تعالى ذكره { معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى .
حديث صحيح
وكذالك من الأعمال الصالحة التي تشفع للعبد
عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال :
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ونحن في صفة بالمدينة فقام علينا وقال إني رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه ورأيت رجلا قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله عز وجل فطرد الشيطان عنه ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم ورأيت رجلا من أمتي يلتهب وفي رواية يلهث عطشا كلما دنا من حوض منع وطرد فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه ورأيت رجلا من أمتي ورأيت النبيين جلوسا حلقا حلقا كلما دنا إلى حلقة طرد فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده وأقعده إلى جنبي ورأيت رجلا من أمتي بين يديه وتحته ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن يساره ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وهو متحير فيها فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور ورأيت رجلا من أمتي يتقي بيده وهج النار وشررها فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه ورأيت رجلا من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه فجاءته صلته لرحمه فقالت يا معشر المسلمين إنه كان وصولا لرحمه فكلموه فكلمه المؤمنين وصافحوه وصافحهم ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الزبانية فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة ورأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه وبينه وبين الله عز وجل حجاب فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل ورأيت رجلا من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من الله عز وجل فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه ورأيت رجلا من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه ورأيت رجلا من أمتي قائما على شفير جهنم فجاءه رجاءه من الله عز وجا فاستنقذه من ذلك ومضى ورأيت رجلا من أمتي قد أهوي في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله عز وجل فاستنقذته من ذلك ورأيت رجلا من أمتي قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله عز وجل فسكن رعدته ومضى ورأيت رجلا من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانا ويتعلق أحيانا فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه وأنقذته ورأيت رجلا من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة

رابعًا: القتل في سبيل الله تعالى "الشهادة"
عن المقدام بن مَعْد يكرب رضي الله عنه، قال:
للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه.
حديث صحيح
وعن عبادة بن الصامت رضي اله عنه أنه قال :
إن للشهيد عند الله سبع خصال أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويحلى حلة الإيمان ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه.
حديث صحيح

خامسًا: قراءة سورة الملك
عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: يؤتى الرجل في قبره ، فتؤتى رجلاه ، فتقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل ؛ كان يقرأ [ علي ] سورة الملك } . ثم يؤتى من قبل صدره ، أو قال بطنه فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل ، كان أوعى في سورة { الملك } . ثم يؤتى من قبل رأسه ، فيقول : ليس لكم على ما قبلي سبيل ، كان يقرأ بي سورة { الملك } ، فهي المانعة ، تمنع عذاب القبر ، وهي في التوراة سورة { الملك } ، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب .
حديث صحيح
سادسًا: الموت يوم الجمعة
ثبت عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله تعالى فتنة القبر
حديث صحيح
سابعًا: الاستعاذة بالله تعالى من فتنة القبر وعذاب القبر
لما كانت فتنة القبر وعذاب القبر من الأهوال العظيمة، والشدائد القاسية، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من عذاب القبر، وفتنته في صلاته، وفي غير صلاته، وكان كثير الاستعاذة منهما، وكان يأمر أصحابه بذلك، رجاءً لله سبحانه بأن يعيذهم من عذاب القبر، وأن يثبتهم عند فتنته، ووردت أحاديث متعددة فيها استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع . يقول : اللهم ! إني أعوذ بك من عذاب جهنم . ومن عذاب القبر . ومن فتنة المحيا والممات . ومن شر فتنة المسيح الدجال.
حديث صحيح
وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كان يقول " اللهم ! إني أعوذ بك من العجز والكسل ، والجبن والبخل ، والهرم وعذاب القبر . اللهم ! آت نفسي تقواها . وزكها أنت خير من زكاها . أنت وليها ومولاها . اللهم ! إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ".

يتبع بإذن الله..
 
دوام عذاب القبر وانقطاعه
دوام عذاب القبر وانقطاعه متعلق بإيمان العبد أو كفره، فهناك من المؤمنين من أعاذهم الله تعالى من عذاب القبر كالمرابط والشهيد، وهناك من المؤمنين من أصاب في حياته بعض الذنوبٌ والمعاصي،وهؤلاء وجب بحقهم عذاب القبر، فهل هذا العذاب دائم؟، أم أنه سينقطع بعد نيل جزائه وعقابه؟ وكيف سيكون حال الكافرين بدوام العذاب عليهم إلى يوم القيامة؟.

"إن عذاب القبر، نوعان: نوعٌ دائم: سوى ما ورد في بعض الأحاديث، أنه يخفف عنهم ما بين النفختين )، فإذا قاموا من قبورهم قالوا: يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، ويدل على دوامه، قوله تعالى: “النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْھَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا” ويدل عليه أيضًا حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت الليلة رَجَُليْن أتياني، قالا: الذي رأيْتَهُ يُشَقُّ شِدُْقه ، فكذاب " :.( يكذب بالكذبة، تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيُصنَعُ به إلى يوم القيامة ”. وفي حديث ابن عباس في قصة الجريدتين: "لعله يخفف عنهما ما لم َتيَبَّّسا، فجعل التخفيف مقيدًا برطوبتهما فقط.
وفي الصحيح، في قصة الذي لبس بردين، عن محمد بن زياد قال: سمعت أبَا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النبي أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم : بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجّل جمّته، إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة"(.
و"النوع الثاني: إلى مدة ثم ينقطع، وهو عذاب بعض العصاة، الذين خفت جرائمهم، فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه، كما يعذب في النار، مدة ثم يزول عنه العذاب، وقد ينقطع عنه العذاب، بدعاء أو صدقة أو استغفار، أو ثواب، أو حج أو قراءة تصل إليه من بعض أقاربه، أو . غيرهم، وهذا كما يشفع الشافع في المعذب في الدنيا، فَيُخَلَّصُ من العذاب بشفاعته" قال المناوي: "إن عذاب القبر غير منقطع، وفي كثير من الأخبار والآثار، ما يدل على انقطاعه، .( والظاهر اختلافه باختلاف الأشخاص" وقد يكون الردّ على من قال: بأن المسلم الذي ارتكب جرمًا أو ذنبًا صغيرًا، سينال من عذاب القبر، ثم ينقطع عنه، وما يلقاه المسلم من شدّة الموت وسكراته، وما يلاقيه من ضمّة القبر وضغطته، تكفير لذنوبه وخطاياه، وأما ما يلاقيه الكافر من سكرات الموت وضمّة القبر ، فهو شدّة وعذاب لا ينقطع عنه إلى يوم القيامة، والله أعلم.

علاقة الأموات بالأحياء
سماع الميت

ورد في الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن الأموات يسمعون كلام الأحياء، وهذا في الظاهر قد يتوهم منه معارضة الآية القرآنية: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ" وقوله تعالى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ
وقد حصل خلاف في هذه المسألة بين العلماء، وكان موضع استدراك لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وفيما يلي عرض لروايات هذا الباب، وبعدها اذكر أقوال العلماء ومذاهبهم فيها إن شاء الله.
أو ً لا: الحديث الذي فيه استدراك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
أن ابن عمر رضي الله عنهما أخبره قال : اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على أهل القليب ، فقال : وجدتم ما وعد ربكم حقا . فقيل له : تدعو أمواتا ؟ فقال : وما أنتم بأسمع منهم ، ولكن لا يجيبون.
رواه البخاري
َفُذكِرَ ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: إنما قال إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق، وقد قال الله تعالى:" إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى" وفي الصحيحين: "ذكر عن عائشة رضي الله عنها أن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم :إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه"، فقالت: وهل إنما قال رسول الله إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن، وذلك مثل قوله: إن رسول الله قام على القليب يوم بدر فيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم ما قال: "إنهم ليسمعون ما أقول"، وإنما قال: "إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق"، ثم قرأت:" إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى" وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، يقول حين تبؤوا مقاعدهم من النار.
"ووجه استشكال عائشة رضي الله عنها أن إثبات سماع الميت يعارض ظاهر القرآن الذي ينفي السماع عن الموتى الذين هم سكان القبور، فاستدلت بالقرآن على خطأ في السمع في نظرها كما في رواية مسلم في مسألة البكاء على الميت: "رحم الله أّبا عبد الرحمن سمع شيئًا فلم يحفظه ( وفي حديث آخر قالت: "يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أما أنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ"( وفي رواية أخرى عند مسلم: "لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: "إنكم لتحدثونني عن غير كاذبين ولا مُكذبين، ولكن السمع يخطئ.
ثانيًا: ذكر رواية من وافق ابن عمر في روايته
الرواية الأولى: رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كنا مع عمر...فساق الحديث إلى قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس يقول: "هذا مصرع فلان غدا إن شاء الله "، قال: فقال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطئوا الحدود التي حدّ رسول صلى الله عليه وسلم قال: فجُعلوا في بئر بعضهم على بعض، فانطلق رسول الله حتى انتهى إليهم، فقال: "يا فلان ابن فلان، ويا فلان بن فلان هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقا؟ فإني وجدت ما وعدني الله حقًا "، قال عمر: يارسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟، قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، غير أنهم لا يستطيعون أن يردّوا عَلَيَّ شيئًا"(
الرواية الثانية: رواية أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه
أخرج البخاري ومسلم عن أبي طلحة رضي الله عنه قال:...فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر صلى الله عليه وسلم براحلته ف ُ شدَّ عليها رحلها، ثم مشى وتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته،حتى قام على شفة الرّكي)، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإّنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله ما ُتكلم من أجساد لا أرواح لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"(
حديث صحيح
الرواية الثالثة:عن أنس بن مالك رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين رجلا فألقوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث قال: وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال قال فلما ظهر على أهل بدر أقام ثلاث ليال حتى إذا كان اليوم الثالث أمر براحلته فشدت برحلها ثم مشى واتبعه أصحابه قال: فما نراه ينطلق إلا ليقضي حاجته قال: حتى قام على شقة الطوى قال: فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ قال عمر : يا نبي الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها. قال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم. قال قتادة: أحياهم الله له حتى سمعوا كلامه توبيخا وتصغيرا
حديث صحيح

ولعل ما يسند الكلام عن سماعهم ويقويه هذا الحديث
إن الميت إذا وضع في قبره ، إنه ليسمع خفق نعالهم إذا انصرفوا . وفي رواية : إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه
رواه مسلم
فمن سمع قرع نعالهم فهو لسواه أسمع
ووجه دلالة هذه الأحاديث: "أن النبي أثبت فيها أن الميت يسمع قرع النعال، فسماعه لكلام الأحياء من جنس هذا بل أولى، وقد ذهب إلى موجب هذه الأحاديث جمهور من علماء الأمة، وقالوا: إذا جاز أن يسمع وقت الدّفن جاز أن يسمع بعده لدلالة هذه الأحاديث وغيرها"وذهب بعض أهل العلم إلى نفى سماع الميت مطلقًا، وأثبته بعضهم عند الدفن فقط، وفي رأي آخر، أن الذي يسمع هو روح الميت دون جسده، وفيما يلي بيان هذه الأقوال وأدلتهم ورد العلماء عليها.

أولا: نفي السماع مطلقًا
ذهب إلى هذا القول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث نفت السماع مطلقًا، ونسبت ما قاله ابن عمر رضي الله عنه إلى الوهم والخطأ، وأن الصواب: "إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول حق, واحتجت بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى.
وقد وافق عائشة رضي الله عنه على نفي سماع الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء، ورجحه القاضي أبو يعلى في كتاب الجامع الكبير له "وهو ما ذهب إليه علماء الحنفية، واحتجوا بما احتجت به عائشة رضي الله عنها وقد أعلّ بعض علماء الحنفية الحديث من جهة المعنى لمخالفته في الظاهر للآية، بناء على أصلهم في رد خبر الواحد المخالف لعموم القرآن تقديمًا منهم للترجيح على مسلك الجمع والتوفيق، كما هو مشهور ومعروف عنهم.
ووجه احتجاج أصحاب هذا القول بالآية: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى. "أن نفي إسماع الصم مع نفي إسماع الموتى يدل أن المراد عدم أهلية كل منهما للسماع، وأن قلوب هؤلاء لما كانت ميتة . صماء كان إسماعها ممتنعا بمنزلة خطاب الميت والأصم.
وبعبارة أخرى:" إّنه تعالى شبّه الكفار بالموتى للإفادة بعدم سماعهم وهو فرع عدم سماع الموتى "وتوجيه ذلك أن الموتى لما كانوا لا يسمعون حقيقة، وكان ذلك معروفًا عند
المخاطبين، شبه الله تعالى بهم الكفار الأحياء في عدم السماع، ولذلك قال الله تعالى بهم الكفار،الأحياء في عدم السماع، لذلك قال في تمام الآية:" قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ فقد شبههم بالصم وهم الذين لا يسمعون، وهذا يقتضي أن الأموات لا يسمعون مطلقًا مثل الصم.
قولهم: إن السماع مؤول بالعلم،أجاب عنه الإمام الطبري بقوله: "إن قلنا معنى ذلك، أنهم يعلمون خفق نعالهم،لم يخل عليهم بذلك من أن يكون حدث لهم عن سماع منهم خفق نعالهم أو عن خبر أخبروا به في قبورهم، وأيّ ذلك كان فإنه محقق قولنا في أن الله تعالى ذكره، يُسمع من يشاء .( من الأموات ما يشاء من كلام الأحياء، ويُعرِّف من شاء ما شاء من أخبارهم وبنحو ذلك أجاب غيره بالقول: إن ما روته عائشة لا ينافي ما رواه ابن عمر وغيره، فإن علم إنهم ليعلمون الآن أن ما كنت أقول لهم حق، تؤيد رواية " : الأموات لا يمنع سماعهم قوله من روى: "إنهم ليسمعون"، لأن الموت لا ينافي العلم كما ينافي السمع والبصر، فلو كان مانعًا من البعض كان مانعًا من الجميع، بمعنى أنه إذا جاز أن يكونوا عالمين جاز أن يكونوا سامعين.
ومما سبق يتبين أن حديث ابن عمر رضي الله عنه: "إنهم ليسمعون ما أقول" ليس خبرًا واحدًا، إذ أن خبر القليب جاء من رواية خمسة من الصحابة، وحديث قرع النعال جاء من رواية أربعة من الصحابة، وهذه الرواية لا ُتخالف الآية، كما قال العلماء –والله أعلم.

يتبع بإذن الله..
 
سماع الموتى للأحياء
ويجاب على استدلالهم بقوله تعالى: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى. إن هذه الآية ونحوها من الآيات ما أنتم بأسمع، لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من السمع في أذن السامع لا يُنافي قوله .( ، فالله تعالى هو الذي يسمعهم بأن يبلغهم صوت نبيه أو صوت غيره(.
فالمعنى: إنك لا تسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، ولكن الله هو الذي يسمعهم إذا شاء وهو القادر على ذلك دون سواه لأنه هو خالق السمع" ووجه آخر: هو أنك لا ُتسمع الموتى إسماعا ينتفعون به لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، فلا ينفعهم سماع الدعوة إلى الإيمان والعمل، فكذلك هؤلاء الكفار المعاندون لا يسمعون دعاءك إلى .( الحق إسماعًا ينتفعون به لما ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم.
ومن القرائن على هذا الوجه، قوله تعالى بعد الآية المحتج بها:" وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ. فهذا دليل على أن المراد بالموت في الآية موت الكفر والشقاء، لا موت مفارقة الروح للبدن.
وإذا نظرنا في آيات القرآن الكريم نجد أن مفهوم الميت أطلق على الكافر"، كقوله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. قال الطبري:" الهدى الذي هداه الله به ونور له، هذا مثل ضربه الله لهذا المؤمن الذي يبصر دينه، وهذا الكافر الأعمى فجعل المؤمن حيا وجعل الكافر ميًتا ميت القلب" قال: هديناه إلى الإسلام، كمن مثله في الظلمات أعمى القلب وهو في الظلمات، أهذا وهذا سواء؟، ومثل قوله تعالى:" وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ. يعني: المؤمنين والكفار ويوضح ما تقدم أن قوله تعالى: " إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، وما في معناها: "إنما جاء تسلية له صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحزنه عدم إيمانهم، كما في قوله تعالى:" فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَك ، فالمراد به قوله تعالى: " وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْھِم، وأما قوله تعالى:"وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور . فالمراد به الموتى،فهو كالآية السابقة(.

فالموتى هم الكفار الأحياء الذين لا يستجيبون لأمر الله تعالى، وشبّه شدّة إعراضهم وعدم استجابتهم بما هو مستبعد حدوثه عند البشر، وهو علمهم بعدم سماع الأموات ، والذي جاء
لقتلى بدر، وبيّن لهم صريحا في الأحاديث، باستغراب وتعجب الصحابة من مخاطبة الرسول أنهم أكثر سمعا من الأحياء.

ثانيًا: إثبات السماع للأرواح فقط
وهو ما ذهب إليه الإمام ابن حزم، الذي قال: "إن الأرواح لا ترجع إلى الأجساد إلى يوم القيامة،عندما خاطب الموتى يوم بدر إنما خاطبهم قبل أن تكون لهم قبور، وإن الخطاب وإنه والسماع لأرواحهم فقط، وأما الجسد فلا حس له، وقد قال تعالى:" وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور ، فنفى السمع عمن في القبور، وهي الأجساد بلا شك، ولا يشك مسلم في أن الذي نفى الله )" في السمع، ولم يأت قط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى عنه السمع هو غير الذي أثبت له رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر صحيح أن أرواح الموتى ترد إلى أجسادهم عند المسألة، ولو صح ذلك لقلنا به، وإنما تفرد بهذه الزيادة من رد الأرواح في القبور إلى الأجساد المنهال بن عمرو وحده وليس بالقوي، ثم قال: "وهذا الذي قلنا به هو الذي صح أيضًا عن الصحابة، ثم ذكر أثر ابن عمر عندما عزّى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بابنها عبد الله بن الزبير، الذي قتله الحجاج بن يوسف
الثقفي، حيث قال لها ابن عمر: "إن هذه الجثث ليست بشيء وإن الأرواح عند الله،قال ابن حزم: لو كانت الروح ترد إلى الجسد لكانت حياة ثالثة وهو خطأ، لأن الآيات تمنع من ذلك، يعني قوله تعالى:" رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ وردّ على كلام ابن حزم: بأن الحياة المثبتة للميت في عالم البرزخ ليست كحياتنا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا، ليسأل ويمتحن في قبره، وقد دلّ عليه النص الصحيح فتعاد روحه في جسده، وهذه الجملة جزء من حديث البراء بن عازب الصريح وهو قوله
، فالروح لها تعلق بالبدن في الحياة البرزخية، وإذا كان النائم روحه في جسده وهو حي وحياته غير حياة المستيقظ، فإن النوم شقيق الموت، فهكذا الميت إذا أعيدت روحه إلى جسد ه، كانت له حال متوسطة بين الحي والميت الذي لم ترد روحه إلى بدنه، كحال النائم المتوسطة بين .( الحي الميت والأحاديث الصحيحة المتواترة تدل على عودة الروح إلى البدن وقت السؤال، وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس وهم الكرامية، وأنكره الجمهور، وقابلهم آخرون فقالوا: السؤال للروح بلا بدن، وهذا ما قاله ابن حزم، وكلاهما غلط، والأحاديث .( الصحيحة ترده، ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص.
"والحامل للقائلين بأن السؤال يقع على الروح فقط، أن الميت قد يشاهد في قبره حال المسألة لا أثر فيه من إقعاد ولا غيره ولا ضيق في قبره ولا سعة، وكذلك غير المقبور كالمصلوب، وجوابهم: أن ذلك غير ممتنع في القدرة بل له نظير في العادة وهو النائم، فإنه يجد لذة وألمًا لما لا يدركه جليسه، بل اليقظان قد يدرك ألمًا أو لذة لما يسمعه أو يفكر فيه، ولا يدرك ذلك جليسه وإنما أتى الغلط من قياس الغائب على الشاهد، وأحوال ما بعد الموت على ما قبله، والظاهر أن الله تعالى صرف أبصار العباد وأسماعهم عن مشاهدة ذلك وستره عنهم إبقاء عليهم لئلا يحجموا .( عن أن يتدافنوا، وليست للجوارح الدنيوية قدرة على إدراك أمور الملكوت إلا من شاء الله
ثالثًا: أن السماع خاص بأهل القليب بعد إحياء الله تعالى لهم وهو ما قاله قتادة : "من أن الله تعالى قد أحيا أهل القليب خزيا لهم ليسمعوا التوبيخ .( دون غيره والتصغير والحسرة، وأنّ ذلك كان معجزة مختصة بالنبي قال ابن حجر: "ولذلك قال السهيلي ما محصله: إن في نفس الخبر ما يدل على خرق لقول أصحابه له: أتخاطب أقوامًا قد جيفوا؟، فأجابهم، وإذا جاز أن يكونوا ،ρ العادة بذلك للنبي .( في تلك الحالة عالمين، جاز أن يكونوا سامعين فهذا والله أعلم: أنه لم يتقدم ، وأما قول السّهيلي بأنه خرق للعادة وخاص بالنبي للصحابة علم بسماع الميت كغيره من الأمور التي يستغربونها، ويسألون عنها ثم يبيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما يوحى إليه.
قال الذهبي:"ما روت عائشة لا ينافي ما روي ابن عمر وغيره، فإن علمهم لا يمنع من سماعهم وأما أن لا تسمع الموتى، فحق، لأن الله أحياهم ذلك الوقت، كما يحيي الميت لسؤال ، قوله منكر ونكير وأما من قال:إنّ الميت في قبره لا يسمع ما دام ميتا، كما قالت عائشة، واستدلت به من القرآن، وأمّا إذا أحياه الله فإنه يسمع، كما قال قتادة: أحياهم الله له، فهذا قول تابعي وفهم له، وليس بحجة في المسألة ما أنتم بأسمع لما أقول منهم : ونقل الإمام النووي عن المازري أنه قال في قوله قال بعضهم الميت يسمع عم ً لا بظاهر هذا الحديث، ثم أنكره المازري وادعى أن هذا خاص في هؤلاء، ورد عليه القاضي عياض بقوله: يُحمل سماعهم على ما يُحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها، وذلك بإحيائهم أو إحياء جزء منهم يعقلون به، ويسمعون في الوقت الذي يريد الله تعالى، هذا كلام القاضي عياض، وهو الظاهر الذي تقتضيه أحاديث السلام على القبور، والله أعلم.
رابعًا: إثبات السماع للموتى في الجملة متى شاء الله تعالى
وهو قول جمعٌ من جمهور العلماء منهم ابن رجب وابن تيمية وابن القيم والطبري وابن قتيبة وغيرهم. قال ابن رجب: "وذهب طوائف من أهل العلم وهم الأكثرون إلى سماع الموتى، وهو اختيار الطبري وغيره، وذكره ابن قتيبة وغيره من العلماء فتعاد روحه في جسده وذهب إلى القول بموجب حديث البراء بن عازب رضي الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع أهل السنة والحديث من سائر الطوائف .
وبعد مناقشة الأقوال السابقة يترجح لي قول الجمهور، المستند إلى الأحاديث الصحيحة والصريحة في سماع الأموات، وبينوا عدم صواب استدراك عائشة رضي الله عنها في حديث القليب، واجتهادها باستدلال الآيات، ولها اجتهادها وقد تصيب وقد تخطئ رضي الله عنها. وقد أُجيب عن استشكال عائشة رضي الله عنها بما يدفع توهم وجود تعارض بين الآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب.

يتبع بإذن الله..
 
قال الطبري: "وليس في قوله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ"
ولا في قوله تعالى:"إِنَّ للهَّ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ .ليس فيهما حجة لمن احتج به في دفع ما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من قوله لأصحابه، إذ قالوا له في خطابه أهل القليب بما خاطبهم به: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم" ولا ما ثبت عنه من قوله لأصحابه مخبرهم عن الميت في قبره: " إنه ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين"، إذ كان قوله: " وَمَا أَنْتَ بِمسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ " وقوله: " وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور محتملا من التأويل أوجها سوى التأويل الذي تأوله الموجّه تأويله إلا أنه لا يسمع من كلام الأحياء شيئًا، فمن ذلك أن يكون معناه: فإنك لا تسمع الموتى. بطاقتك وقدرتك، إذا كان خالق السمع غيرك، ولكن الله تعالى ذكره هو الذي يسمعهم إذا شاء إذ كان هو القادر على ذلك دون سواه من جميع الأشياء، وذلك نظير قوله تعالى:" وَمَا أَنْتَ بِھَادِي الْعُمْي عن ضلَالَتِھِم، وذلك بين أنه كذلك " إنه جل ثناؤه أثبت لنفسه في قوله تعالى: " إِنَّ للهَّ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبورِ ، ثم نفى عن محمد صلى الله عليه وسلم القدرة على إسماع من يشاء من خلقه بقوله: " إِنَّ للهَّ يُسْمِعُ من يشاء ولكن الله القدرة على ما أثبته وأوجبه لنفسه من ذلك، فقال له: " وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ في الْقُبُورِ "هو مسمعهم دونك، وبيده الإفهام والإرشاد والتوفيق، وإنما أنت نذير فبّلغ ما أرسلت به، هذا أحد أوجهه.

والثاني: أن يكون معناه: فإنك لا تسمع الموتى إسماعًا ينتفعون به، لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار الأعمال إلى دار الجزاء فلا ينفعهم دعاؤك إياهم إلى الإيمان بالله والعمل بطاعته، فكذلك هؤلاء الذين كتب ربك عليهم أنهم لا يؤمنون لا تسمعهم دعاءك إلى الحق إسماعًا ينتفعون به، لأن الله تعالى ذكره قد ختم عليهم ألا يؤمنوا، كما ختم على أهل القبور من أهل الكفر أنهم لا ينفعهم بعد خروجهم عن دار الدنيا إلى مساكنهم من القبور إيمان ولا عمل، لأن الآخرة ليست بدار امتحان وإنما هي دارمجازاة.
قال الإسماعيلي:كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية، والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى ردّ رواية الثقة إلا بنص مثله يد ل على نسخه،أو تخصيصه أو استحالته، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن،لأن قوله تعالى : " إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى لا ينافي قوله " إنهم الآن يسمعون"، لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع، فالله تعالى هو الذي أسمعهم أبلغهم صوت نبيه قال ابن قتيبة: "قالوا: حديث يكذبه الكتاب والنظر...فذكر حديث القليب وغيره، ثم قال : وأما قوله تعالى : إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى .و قوله تعالى : : " وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ "فليس من هذا في شيء، لأنه أراد بالموتى هنا الجهال، وهم أيضًا أهل القبور، يريد: إنك لا تقدم على إفهام من جعله الله تعالى جاه ً لا، ولا تقدر على إسماع من جعله الله تعالى أصم عن الهدى، وفي صدر هذه الآيات دليل على ما نقول، لأنه قال: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ. يريد بالأعمى الكافر، وبالبصير المؤمن، ثم قال: " إِنَّ للهَّ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ .." يعني أنك لا تسمع الجهلاء الذين كأنهم موتى في القبور، ومثل ذلك كثير في القرآن وقال ابن تيمية –تعقيبا على كلام عائشة رضي الله عنها ومن سلك مسلكها-: والنص الصحيح مقدّم على تأويل من تأوّله من الصحابه وغيرهم، وليس في القرآن ما ينفي ذلك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن قوله: إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى.. إنما أراد به السماع المعتاد الذي ينفع صاحبه فإن هذا مثلٌ ضُرب للكفار، والكفار تسمع الصوت لكن لا تسمع سماع قبول بفقه واتباع كما قال تعالى:" وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ فهكذا الموتى الذين ضُرب لهم المثل لا يجب أن يُنفى عنهم جميع أنواع السماع المعتاد، كما لم ينف ذلك عن الكفار بل قد انتفى عنهم السماع المعتاد الذي ينتفعون به، وأما سماع آخر فلا ينفى عنهم، وقد ثبت في الصحيحين .( وغيرهما أن الميت يسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين، فهذا موافق لهذا، فكيف يُدفع هذا؟.
ومما تقدم يتبين لنا عدم وجود تعارض بين الآيات المذكورة،وبين الأحاديث الصحيحة الثابتة في سماع الموتى متى شاء الله تعالى، وقول من قال: إنّ السماع مختص بوقت الدفن، يرده أن قتلى بدر خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث ليال، ففي الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه وكان ممن شهد غزوة بدر: "...فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الرّكي فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم...إلى قوله: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم". فالنص صريح أن مخاطبتهم كانت بعد ثلاث ليال، إضافة إلى أن مشروعية السلام على الأموات في كل وقت كما تقدم عند الإمام النووي ترشح كون السماع عند الدفن وبعده.
و"روى ابن اسحق في مغازيه بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها، مثل حديث أبي طلحة رضي الله عنه، وفيه: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"، قال ابن حجر: فإن كان محفوظ ًا فكأنها رجعت عن الإنكار، لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة –والله أعلم.
ومن هنا فإنه قد تبيّن لنا أن ابن عمر الذي استدركت عليه عائشة لم ينفرد برواية السماع، بل وافقه عمر والده وأبو طلحة وابن مسعود رضي الله عنهم جميعا وهم ممن شهدوا بدرًا.
سماع أصوات المعذبين في حياة البرزخ
ثبت لنا في المبحث السابق سماع الأموات كلام الأحياء، وثبت أيضًا أن النبي سمع أصوات المعذبين من الأموات، ولحكمة أرادها الله تعالى لم يسمع غيره من الناس أصوات
المعذبين في حياة البرزخ.

الأول: سماع الرسول صلى الله عليه وسلم لأصوات المعذبين
مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان من كبير . ثم قال : بلى ، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة ، وأما أحدهما فكان لا يستتر من بوله . قال : ثم أخذ عودا رطبا ، فكسره باثنتين ، ثم غرز كل واحد منهما على قبره ، ثم قال : لعله يخفف عنهما ما لم يبسا .
رواه البخاري
الحديث الثاني
بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار ، على بغلة له ، ونحن معه ، إذ حادت به فكادت تلقيه . وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ( قال : كذا كان يقول الجريري ) فقال " من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ " فقال رجل : أنا . قال " فمتى مات هؤلاء ؟ " قال : ماتوا في الإشراك . فقال " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها . فلولا أن لا تدافنوا ، لدعوت لله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه " ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال " تعوذوا بالله من عذاب النار " قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار . فقال " تعوذوا بالله من عذاب القبر " قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . قال " تعوذوا بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن " قالوا : نعوذ بالله من الفتن ، ما ظهر منها وما بطن . قال " تعوذوا بالله من فتنة الدجال " قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال
رواه مسلم

الحديث الثالث
خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس ، فسمع صوتا ، فقال : يهود تعذب في قبورها
رواه البخاري

فسماع أصوات المعذبين في قبورهم، كشفه الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليطلعه على حال من دخل حياة البرزخ من هؤلاء العصاةِ و المشركين، ليبيّن للمؤمنين حالَ من كفر بالله تعالى، أو عصاه سبحانه، وذلك زيادة في وعظهم، وليقيم عليهم الحّجة بمعرفتهم أسباب العذاب في البرزخ فلا يقترفوها.

الثاني سماع غير النبي صلى الله عليه وسلم لأهل القبور
روى إبن العربي في عارضة الأحوذي بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما أنه قال :
ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر.
وقد روى بعض الناس قصص عن سماعهم لأصوات من القبور ولكن العبرة فيما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
زيارة الأموات ومشروعيتها
لا تنقطع علاقة الأموات بالأحياء بانتقالهم إلى الحياة البرزخية في الإسلام، بل جاءت الأحاديث النبوية ِبصِيَغ الاستحباب، وبعضها جاء ِبصِيَغ الأمر بزيارتها، لما لها من الآثار
الطيبة على نفوس زوّارها، بتذكر الموت والآخرة، وأخذ العظة والعبرة ممن سبقوهم الى الحياة البرزخية.
زيارة الأموات
رجح الجمهور سماع الأموات كلام الأحياء متى شاء الله ذلك لمن أراد من خلقه، فإذا تأكد لنا سماعهم فهل يعرفون من يزورهم؟، وهل يشعرون بزيارة الأحياء لهم؟
قال ابن تيمية:"الميت قد يعرف من يزوره، ولهذا كانت السنة أن يقال: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" .
و"ثبت عنه أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سّلموا على أهل القبور، أن يسّلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين... وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي له ويستبشر به"(
واستدل ابن القيم بحديث قتلى بدر عندما ألقوا في القليب، ووقوف الرسول عليهم وندائه لهم بأسمائهم. قال العظيم آبادي:" وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله حيٌّ بعد وفاته، وأن الأنبياء لا يَبْلون، مع أنَّ مطلق الإدراك والعلم والسماع ثابت لسائر الموتى".
ومن الأحاديث التي استدل بها من قال بمعرفة الأموات بمن يزورهم من الأحياء، ما يُروى عن عنده " : ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يزور قبر أخيه، ويجلس إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم". في سند الحديث شخص مجهول .
وفي خبر آخر يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يمر على قبر رجل مسلم يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام". دلالة هذه الروايات لا يُسلّمُ بها لضعفها، فمعرفة الأموات لمن يزورهم من الأحياء لم يرو فيها دليل صحيح يُثبُتها –والله أعلم-.

يتبع بإذن الله..
 
مشروعية زيارة القبور للعبرة والحث عليها

مشروعية زيارة الأموات
إن زيارة الموتى، والذهاب إلى المقابر، فيها قرع للنفوس، وعظة واعتبار بوقوع الموت على خلق الله تعالى، و في زيارتها تذكير بأهوال القيامة، فيرق القلب، وتدمع العين، وتتدارك النفس ما فات، وتزهد في الدنيا، وترغب في الآخرة، فض ً لا عن أن الموتى ينتفعون بالدعاء والاستغفار لهم، والسلام والترحم عليهم من الزائرين، وسؤال العافية لهم.

ووردت أحاديث عدّة في استحباب زيارة القبور، بل والأمر بها، ومن هذه الأحاديث:
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكر الآخرة
حديث صحيح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة
حديث صحيح
تبين لنا هذه الأحاديث حكم متعدَّدَة من زيارة القبور منها: تذكر الآخرة، وفيها عبرة للأحياء، كما أنها تدفع من يزورها لفعل الخيرات، واجتناب المنكرات، وقبل كل ما ذكر تطبيق لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا الحديث أكبر دليل على جواز زيارة النساء للقبور على الراجح من أقوال أهل العلم رحمهم الله جميعا
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : اتقي الله واصبري ، قالت : إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ، ولم تعرفه ، فقيل لها : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت ، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : يا رسول الله ! إني لم أعرفك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصبر عند أول الصدمة
سنده صحيح
وكذالك ماصح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :- ن عائشة زارت قبر أخيها عبد الرحمن
قال الألباني: "والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور لوجوه:-
الأول: عموم قوله فزوروا القبور"، فيدخل فيه النساء، وبيانه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن زيارة القبور في أول الأمر فإن مما لا شك فيه أن النهي كان شام ً لا للرجال والنساء معا، فلما قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور" والخطاب في الجملة الثانية كان لزامًا أنه أراد الجنسين "فزوروها".
الثاني: مشاركتهن في العلة مع الرجال التي من أجلها شرعت زيارة القبور: "فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة.
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لهنّ زيارة القبور في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، الأول ما رواه ابن أبي مليكة، أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر، فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟، قالت: نعم، ثم أمرنا بزيارتها، وفي رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور.
والآخر ما يرويه محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني وعن أمي، قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته، قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: بلى، قال: قلت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب، فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي، واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت،
فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال:" مالك يا عائش حشيا رابية؟"، قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير، قالت : قلت يا( رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال:" فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟" قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال:" أظننت أن يحيف الله ورسوله؟"، قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، قال:" نعم، قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك،ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم"، قالت: قلت: كيف أقول لهم يارسول الله؟ قال:" قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين .( منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" قال الألباني: لكن لا يجوز لهن الإكثار من زيارة القبور والتردد عليها، لأن ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ، كما هو مشاهد اليوم في بعض البلاد الإسلامية، وهذا هو المراد بقوله لعن الله زوّارات القبور"
وعقب الشوكاني على أقوال من جمعوا بين أحاديث اللعن لمكثرات زيارة القبور،واستحباب زيارتهن لها، بقوله:"هذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر"(
و ذكر وجهًا آخر لزيارة الموتى وهو لما "فيها أداء لحقهم، فمن له حق على إنسان يبره بزيارته، ومنه زيارة النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه, فينبغي ذلك رحمة للميت، ورّقة وتأنيسًا، والآثار في انتفاع الموتى بزيارة الأحياء، وإدراكهم لها لا تحصى.
فزيارة القبور مستحبة بل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بزيارتها، لأنها تذكر بالآخرة، وترقق القلوب، وتدمع العيون، وفيها يعتبر الحيّ من حال الميت، ويتعظ منه، هذا في حق الرجال والنساء، إذا التزمن شرع الله تعالى بالحجاب وسائر الآداب، وعدم الإكثار من الزيارات للقبور، وعلى أن يكون ذلك بإذن الزوج إذا أحبت زيارتها.
النهْي عن سَبِّ الموتى
لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون المسلم لعانًا أو طعانا للأحياء، مع قدرتهم في رد ما أُسيء لهم به، أو الدفاع عن أنفسهم، أو الإفصاح عن حقيقة أمرهم وصدقهم، وبيان كذب وافتراء غيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن بالّلعّان، ولا بالطعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء".
إذا كان هذا بحقِّ الأحياء، فكيف يكون الحال في حق الأموات، وهم الذي أفضوا إلى ما عملوا، وليس لهم من الأمر شيء،بل كل ما يرقبونه من أقاربهم وإخوانهم المؤمنين الدعاء والاستغفار لهم.
ولن يكون حالهم أحسن حالا من الأحياء عند سبّهم أو شتمهم، أو ذكرهم بكلام يسوؤهم، وهو ما نهانا عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها: "لا تسبّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدّموا"(. حديث صحيح
وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبّوا الأموات فتؤذوا الأحياء" حديث صحيح
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "لا تذكروا أمواتكم إلا بخير"(. حديث صحيح
فذكر الأموات أو سبهم بما يسوؤهم لا يجوز ومنهيٌّ عنه، أما الكافر والمنافق وأصحاب البدع فلا بأس من ذكر معاصيهم وتعريف الناس بها، حتى لا يقع بها أحد من المؤمنين من بعدهم.

ما ينفع الموتى في حياة البرزخ
إنّ من رحمة الله تعالى على عباده بعد موتهم أنْ فتح لهم أبوابًا –يأتيهم منها الأجر والثواب.
"اتفق أهل السنة أنّ الأموات ينتفعون من سعي الأحياء بأمرين:
أحدهما: ما تسبّب إليه الميّت في حياته.
والثاني: دعاء المسلمين واستغفارهم له، والصدقة والحج، وخالف في وصول ثواب الحج محمد بن الحسن، واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن والذِّكْر:
( فذهب أبو حنفية وأحمد وجمهور السلف إلى وصولها، والمشهور من مذهب الشافعي..( ومالك إلى عدم وصولها "وذهبت المعتزلة إلى أنه لا يصل شيء إلى الميت واستدلوا بقوله تعالى: " وَأَنْ لَيس للإنسانإلا مَا سَعَى وردّ عليهم الشوكاني قائلا: وقد ثبت أنّ ولد الإنسان من سعيه".

يتبع بإذن الله..
 
ما ينفع الموتى في حياتهم ومماتهم
هناك أعمال إذا أدّاها المؤمن بنية العبادة لله تعالى والتقرب منه، فإنه يؤجر ويثاب عليها في حياته، ويكتب الله تعالى له الأجر والثواب بعد مماته، ما دامت هذه الأعمال فيها الخير للعباد،جاء عنه ما يدل على انتفاع المؤمن بما تسبب به في حياته من أعمال قام بها، ومنها:

أولا: الصدقة الجارية، والعِلم النافع، والولد الصالح
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".( ولعل استثناء هذه الثلاث من عمله يدل على أنها منه، فإنه هو الذي تسبب إليها.ومعنى الحديث:" أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء
الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف.
ثانيًا: السُّنَّة الحَسنة، والدعوة إلى هدى، والرباط في سبيل الله
" في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سن في الإسلام سنة حسنة، َفعُمِل بها بعده، ُ كتِبَ له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سُّنة سيئة، َفعُمِل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن سنة حسنة، فله أجرها ما عُمل بها في حياته ومماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطًا في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط في سبيل الله حتى يبعث يوم القيامة.
وسبب ذكر الرباط في سبيل الله تعالى مع السُّنَّةِ الحسنة التي يُكتب أجرها وثوابها في الحياة وبعد الممات، "أن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والولد الصالح الذي يدعو لأبويه، ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد، والرباط يضاعف أجره إلى يوم القيامة، لأنه لا معنى كل ميت يُختم على عمله، إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم للنماء إلا المضاعفة، لقوله القيامة، ويُؤَمَّن من فتان القبر,والمضاعفة غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه، بل هي فضل دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة، وهذا لأن أعمال البرّ كلها لا يتم ّ كن منها إلا بالسّلامة من العدوّ، والتحرّز منه بحراسة بيضة الدين، وإقامة شعائر الإسلام، وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه، هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من مات مرابطًا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، الله وأجرى عليه رزقه، وأَمِن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع، وفي هذا الحديث َقيْد ثان وهو الموت حالة الرباط،والله أعلم"(.
هذا مما ينتفع به الميت في حياة البرزخ بما تسبب إليه في حياته، فالولد الصالح، والصدقة الجارية، والعِلْم النافع، وسنة الخير والدعوة إلى الهدى، والرباط في سبيل الله، يُثاب عليها العبد في حياته، وله أجر من انتفع بها من المسلمين قو ً لا كانت أو عم ً لا أو أي شيء ينتفع به الناس، يكتب له الأجر والثواب إلى يوم الحساب.
وقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم لا تقتل نفس ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها ، لأنه أول من سن القتل
رواه البخاري
فإذا كان هذا في العذاب والعقاب، ففي الفضل والثواب أوْلى وأحْرى.
ما يصل الموتى من غيرهم في حياة البرزخ
وهناك عبادات تصل إلى الموتى وينتفعون بثوابها، من غير تَسَبُّّ ٍ ب فيها، بل يأتيهم من أهلهم
وإخوانهم المسلمين الأحياء، ومن هذه العبادات:
أولا: الدعاء والاستغفار
" جرت عادة جمهور هذه الأمة، والسّواد الأعظم من سلفها وخلفها على الترضّي عن الصحابة، والترحم على من بعدهم، والدعاء لهم بمغفرة الله وعفوه، كما أرشدنا إلى ذلك بقوله
سبحانه: وَالَّذِ ينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِھِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ في قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا "(. قال البيضاوي: قوله تعالى: وَالَّذِ ينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِھِمْ
. هم الذين هاجروا حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان، وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة،.( ولذلك قيل: إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين"(
وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل ليرفع الدرجة " للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا ربّ أّنى لي هذه، فيقول: باستغفار ولدك لك"(
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أن الموتى ينتفعون بثواب الصدقة، وأنها تصل إليهم إذا أدّاها الأحياء بنيّة إهداء ثواِبها للأموات.

عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكّلمت تصدّقت، فهل لها أجر إن تصدّقت عنها؟ قال: "نعم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رج ً لا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن أبي مات وترك مالا، ولم يوص، فهل يُكَفَّرُ عنه أن أتصدق عنه؟، قال: "نعم.
وجميع هذه الأحاديث صحيحة ومثلها كثير
سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته : من علم علما ، أو كرى نهرا ، أو حفر بئرا ، أو غرس نخلا ، أو بنى مسجدا ، أو ورث مصحفا ، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته
حديث صحيح
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
من قرأ ( يس ) ابتغاء وجه الله، غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فاقرؤوها عند موتاكم
رواه السيوطي في الجامع الصغير بسند صحيح
تجدر الإشارة إلى أن ضعف دليل من قال بانتفاع الأموات بإهداء ثواب قراءة القرآن لأرواحهم، أو بسماعهم قراءة القرآن لم يسّلم لضعفه، وبذلك يسقط استدلالهم به، ولا يثبت لنا وصول أجر قراءة القرآن للأموات. وهو فتوى اللجنة الدائمة.
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، هل يصل ثواب قراءة القرآن وأنواع القربات إلى الميت؟، سواء من أولاده أو من غيرهم؟.
أجيب بأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما نعلم أنه قرأ القرآن ووهب ثوابه للأموات من أقربائه أو من غيرهم، ولو كان ثوابه يصل إليهم لحرص عليه، وبينه لأمته لينفعوا
به موتاهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بالمؤمنين رؤوف رحيم، وقد سار الخلفاء الراشدون من بعده وسائر أصحابه على هديه في ذلك، رضي الله عنهم، ولا نعلم أن أحدًا منهم أهدى ثواب القرآن لغيره، والخير كل الخير في اتباع هديه عليه الصلاة والسلام، وهدي خلفائه الراشدين وسائر الصحابة رضي الله عنهم، والشر في اتباع البدع ومحدثات الأمور؛ لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله:" إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وقوله عليه الصلاة والسلام:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردّ ، وعلى هذا لا تجوز قراءة القرآن للميت، ولا يصل ثواب هذه القراءة له، بل ذلك بدعة
ومن باب أولى على من يصرّ على فعل هذا الأمر مع عدم ثبوته، عليه أن يعمل بالصحيح الثابت عنه وهو الدعاء والصدقة، فاستوهاب المصاحف وإهداؤها للمؤمنين يوصل الأجر والثواب للأموات بكل حرف يتلونه منها.

يتبع بإذن الله..
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top