ما الفرق بين عامي 1911 و2011

الدكتور سمير

:: عضو مُشارك ::
إنضم
18 ديسمبر 2011
المشاركات
159
نقاط التفاعل
25
النقاط
7
يقال أن التاريخ يعيد نفسه ، ليس بتكرار نفس الأشخاص و الحوادث لكن لما تجتمع نفس الأسباب تكون نفس النتائج مع العبرة من ذلك سواءا بالأحسن أو بالأسوء ، مقال رائع للكاتب الفلسطيني الدكتور أحمد رفيق عوض يعرض فيه رأيه بما حدث عام 1911 و يحاول إسقاط ذلك على 2011 الذي شكل علامة فارقة في التاريخ العربي و لاحظوا جيدا أن الكاتب يتوقع قيام حرب عالمية قادمة على شاكلة حربي القرن العشرين العالميتين و هو أمر غير مستبعد نظرا للأزمات و الصراعات التي يعيشها العالم الآن و التي لن تحسمها سوى القوة

على طريقة الفنان المرحوم نهاد قلعي الذي كان يقول 'حتى نعرف ما الذي يجري في ايطاليا، علينا ان نعرف ما الذي يجري في البرازيل'، أجدني مدفوعاً إلى المقارنة- التي تكاد أن تكون كربونية- بين ما كان يجري في العام 1911 وبين ما يجري في العام 2011، فما جرى قبل مئة عام تقريباً يجري الان بطريقة تكاد تكون متطابقة، فالثورة التي تعب المنظرون في تسميتها في الماضي، تشبه الثورات التي يحتار الجميع في تسميتها، وقوى الغرب التي كانت تدفع وتراقب وتفرق ومن ثم تستفيد، ما تزال هي هي، لم تغادر مناطقها ولا مصالحها ولا حتى اساليبها، الجمهور هو هو، يندفع بلا هوادة، يقدس ويأيقن ويهتاج ويحمل الشعارات كيفما شاء أو لم يشأ.
ما أقصده هنا بالغرب هو ذلك الغرب الرأسمالي الاستعماري المتفوق بالمجالات الخمسة؛ التكنولوجيا والسلاح والمال والموارد والقرار، الذي لا يمكن حتى اللحظة اللحاق به او الانتصار عليه، والذي ما تزال الرأسمالية فيه تتصاعد وتتوحش وتتغول وتراجع ذاتها كلما أخطأت أو تبطش بالآخرين كلما شعرت بالخسارة أو الهزيمة، والتي اذا توسعت اهلكت البلاد والعباد، والتي اذا انكمشت دمرت كل شيء.
في العام 1911، كان هذا الغرب في اقصى حالات توسعه وتنافسه وتوحشه، فكان لا بد من الحرب لتغيير المعادلات العالمية، أيامها، كانت القوميات والايديولوجيات التي تدعي امتلاك العالم والسيطرة عليه والتحكم به ايديولوجيا مسيطرة، كان العالم الغربي آنئذ يستعد لتفكيك الامبراطورية العثمانية واقتسام ممتلكاتها، وبادر الغرب الى دعم شعوب البلقان في حركاتهم الانفصالية عن العثمانيين، ولم يكتفوا بذلك فقط، بل شجعوا ثورات اخرى في قلب الامبراطورية المريضة، فمنذ القرن الثامن عشر الميلادي عمدت بريطانيا وفرنسا الى تشجيع الثورات في اعالي سورية ولبنان وفلسطين والعراق، إلى درجة ان هاتين الدولتين الاستعماريتين احبطتا محاولة محمد علي باشا في اسقاط الباب العالي، حتى لا يرث تلك الامبراطورية. ولم تكتف بريطانيا وفرنسا بذلك، بل وصلتا الى النخب العربية والتركية، فاستقطبت اعداداً كبيرة منهم، من خلال التعليم والتدريب المهني والعسكري، وملأت عقول تلك النخب بأفكار الليبرالية والتحديث والديمقراطية والقومية، اما النخب التركية - التي قيل عن ارتباطها ومرجعياتها الشيء الكثير- فقد سارعت إلى تشكيل وتأليف الأحزاب القومية التركية التي جعلت من الذئب الأغبر والعرق الطولوني شعاراً لها، فيما سارعت النخب العربية إلى تأليف احزاب قومية مدنية وعسكرية وشبه عسكرية داعية الى الانفصال عن الامبراطورية العثمانية تحت مسميات وذرائع كثيرة، المثير في الامر ان الدول الاستعمارية الراعية للنخبتين لم تعمل على تقريبها أو البحث عن نقاط التقاء بينهما، بل عمقت الفجوة ووسعت شقة الخلاف إلى درجة أن وقعت الوقيعة ودبت البغضاء بينهما وربما حتى هذا اليوم.
قامت الثورة العربية أو ما يسمى النهضة العربية في الماضي على جذر القومية التي يجب ان تفارق القوميات الأخرى، واهمها القومية التركية الطورانية، واتخذت هذه المطالبة شكل المناداة بانهاء الاحتلال والظلم والطغيان والحرية والديمقراطية وحق الانتخاب وتداول السلطة وتقاسم الثروة وما الى ذلك كله، وقد ترافق ذلك مع صعود القوميين الاتراك سدة الحكم، فاذاقوا العرب الظلم والهوان واضاعوا ليبيا في معاهدة مخزية، وكان ذلك- بالصدفة المحضة - عام 1911، اي ان المطالبة بالحرية والديمقراطية وانهاء الظلم كان له ما يبرره على السطح، اما ما كان يجري تحت السطح فقد كان شيئاً آخر، وفيما انشغل المثقفون العرب في الكتابة والتحريض والتوعية حول اهمية العنصر العربي واحقيته في بلاده وتطوير ثرواته، تم تفكيك الامبراطورية العثمانية بحرب عالمية استعرت اربع سنوات، ودخلت منطقتنا العربية مرحلة فراغ كبير، ملأها الاستعمار البريطاني والفرنسي، وكان ان ضاعت فلسطين في ما ضاع، كان لا بد من انهيار امبراطورية أو اكثر حتى تضيع فلسطين، وباسم القومية العربية تم تكوين اقطار عربية لم تستطيع ان تبلور هذه القومية في انساق فكرية واقتصادية وامنية، تكفل الامن والرخاء والازدهار، او تكفل الحريات والديمقراطيات، وكان ان تحجر هذا المشروع القومي وفشل فشلا ذريعا في كل شيء تقريبا، واهم أوجه ذلك الفشل هو ضياع فلسطين بالكامل، فضلاً عن توزع تلك الاقطار في احلاف امنية خارجية جعلتها في صراعات دائمة، بعضها حدودي وبعضها ايديولوجي وبعضها عشائري. لم تكن الدولة القطرية التي ادعت القومية أكثر تقدماً أو أكثر امناً من تلك الدول التي لم تصل بعد الى رحلة الدولة بمعناها الكلاسيكي.
تدهور المشروع القومي وسقوطه في الاقلوية وحكم الطغم اوصله الى النتيجة الطبيعية وهي تحول الجامعة العربية الى ان تكون احدى اذرع التنافس الدولي او السياسات الدولية، بحيث لم تلعب الدور المنوط بها الا وهي حماية اعضائها، ولم يكن من المستغرب أيضاً ان يتحول الفكر القومي- بما يحمل من بعض السياقات الفكرية المرتبكة - الى شيء يثير السخرية، ولم يكن من المستغرب مثلا ان ما نشهده في مظاهرات الثورات العربية الآن خلوها من البعد القومي، كما ان ما سمعناه من تصريحات حتى اللحظة من رموز تلك الحركات يخلو الى حد كبير من الشعارات القومية الكبيرة، بل نقول اننا سمعنا اموراً تمس ذلك بشكل مباشر.
هذا ما كان في العام 1911 وما قبله وما بعده، تنافرت القوميتان العربية والتركية، فسقطت الامبراطورية وتفككت وسقط العالم العربي تحت الاحتلال، ثم استقل ضمن كيانات قطرية ادعت ما ادعت، فقامت اسرائيل وسيطرت على الجميع، اما الغرب فقد ضمن الثروات وضمن الموانئ والخلجان والممرات.
اما في العام 2011، فقد عاد الغرب مرة اخرى مستغلاً ازمة المشروع القطري العربي الذي ادعى طيلة خمسين سنة اكاذيب واضاليل لم تغن ولم تسمن من جوع، جاء الغرب هذه المرة بعد ان استهلك بضاعته ايضا طيلة خمسين سنة من الاكاذيب والحيل في اقامة التحالفات وغسيل الادمغة والسياسات الاقتصادية المهلكة للحرث وللنسل، جاء بعد خمسين عاماً من مناهج تدريس عقيمة وسياسات تنموية مسيطر عليها وطغم ضعيفة متهافتة وصراعات مغذاة على كل الاصعدة، جاء ليعيد ترتيب المنطقة من منطلق ديني او مستغلا الفروق الدينية والمذهبية، واذا كان عام 1911 قد ادى الى اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي فكك الغرب فيها قلب المشرق العربي، فإن العام 2011 قد يحمل مخططا لتفكيك قلب هذا المشرق مرة أخرى، حتى يعود كالزجاج لا يعرف أبداً. هذه المرة، يدعم الغرب فكرة الانقسام الديني والعرقي والمذهبي، لأن بعض نجاح قد تحقق هنا او هناك، ولان القوى الدينية المختلفة ابدت استعدادا للتعاون - المشروط او المضطر او الواقعي او ما شئت من اسماء - ولأن المنطقة - كما في العام 1911- تعيش ظروفاً تجعل الجحيم ارحم منها - ولهذا تبدو دعوات التدخل الاجنبي غير مستغربة عند كثير من المفكرين والمنظرين، باعتبار ان ظلم ذوي القربى اشد مضاضة وهذا ما حصل بالضبط في العام 1911- هذه المرة، الظروف اكثر سهولة ونضجاً من العام 1911، فالشعوب العربية تئن تحت وطأة الاحتقار والفقر والهزيمة والتهميش، وأنظمتها هشة وفاقدة للشرعية - او ان شرعيتها تأتي فقط من الخارج المستعد تماماً للتخلي عنها - اضف الى ذلك تلك الفسيفساء العرقية والاثنية سهلة الاشتعال، اذن، ما المانع من أن تلتقي المصالح، مصالح بعض الطوائف او الحركات او التيارات او الاحزاب ومصالح الغرب الاستعماري، خاصة اذا كان هناك استدعاء أو تلويح بالمساعدة او انجاح للمسعى الثوري الحقيقي او المدعى او المفترض.
هذه المرة، يدخل الغرب من بوابة الاسلام المتعدد الاحتمالات والاجتهادات والرؤى والسلوك السياسي، وهناك في عالمنا العربي، اسلام سياسي اكثر من اصابع اليدين مجتمعة، فلماذا لا يستفيد الغرب المستعمر من ذلك كله، ليهيج الكل على الكل، ثم يهرع الجميع ليبكي على كتفه، ولماذا لا يهيج الغرب هذا التنوع العجيب والغريب والفريد من أجل القول ان ليس هناك شعب عربي واحد، وانما هناك طوائف دينية في الشرق العربي والاسلامي، وان من حق الطوائف ان تعيش وان تحيا، وكما قال رئيس الولايات المتحدة السابق ان ليس هناك من شرعيات في الشرق الأوسط، فماذا عن اسرائيل يا فخامة الرئيس؟ تبدو اسرائيل في خضم ذلك كله هي الشرعية الوحيدة حسب مخطط 2011 للتقسيم.
اخيراً ارغب جداً في القول ان الاسلام السياسي على تعدده وغناه وتنوعه مدعو اليوم ان يحفظ الأمة انساناً ومكاناً، وأن لا يعيد تجربة عام 1911 الى الظهور مرة أخرى، اذ اننا اليوم ندفع ثمن ذلك العام، تقسيماً وهزيمة وعاراً ايضاً.

الدكتور أحمد رفيق عوض
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top