- إنضم
- 13 سبتمبر 2012
- المشاركات
- 1,524
- نقاط التفاعل
- 2,230
- النقاط
- 71
قلمي سلاحي، تم حظره "حظر دائم". السبب: مخالفة القوانين
دأبت منذ استلمت رئاسة تلك المؤسسة الجزائرية،خلفا للدبلوماسي الجزائري الكبير رئيس المجلس الدستوري الأسبق، وأحد المراجع العربية والدولية الكبرى في القانون الدستوري،على الاعتذار عن تلبية دعوات بعض السفارات،لحضور أعيادها واحتفالاتها المختلفة على مدار العام، وخاصة سفارات دول الاستعمار القديم والجديد، تجنبا للدخول في مناقشات أو مجادلات، قد تسبب الحرج لبعض الأطراف الرسمية عندنا...فكنت أكتفي بإرسال أحد نوابي لتمثيل المؤسسة، وتقديم التهاني والتبريكات..
إلا أن إلحاح أحد الزملاء،على اصطحابي لحضور احتفال بإقامة سفارة إحدى هذه الدول، ممن كان لها باع طويل في صناعة مآسي العرب والمسلمين، على امتداد عقود طويلة من القهر والإبادة، جعلني استجيب للدعوة صاغرا، محاولا التقيد قدر المستطاع، بشروط البروتوكول وتقاليد الدبلوماسية..
حينما دخلت إلى موقع الاحتفال، وأنا ارتدي قشابية نايلية، مع سبق الإصرار والترصد، وجدت أن معظم رؤساء الأحزاب والمنظمات والجمعيات وممثلي الصحافة الوطنية، كانوا حاضرين،إلى جانب السفراء والقناصلة المعتمدين في الجزائر، فسلمت وجلست....
تداول الحاضرون على منصة التهاني، فلم أجد جزائريا واحدا قد تكلم العربية،أو حتى بالشاوية أو القبائلية أو العامية،فقد كانت كل تدخلات الضيوف الجزائريين، تتم باللغة الفرنسية،على عكس باقي الجنسيات،مع العلم أن اللغة الرسمية لسفارة الدولة المضيفة ، ليست هي الفرنسية، فأحسست بالعرق البارد يتصبب من جبيني،وخامرني شعور قاتل بالخجل من هذه الاهانة التي تتعرض لها سمعة الجزائر وشخصيتها وهويتها، في كل مرة،دون رقيب أو حسيب، سواء في المنابر الخارجية المفتوحة، أو في مثل هذه المنابر الداخلية المغلقة.
وحينما حان دوري في الحديث، نصحني أحد القيادات الحزبية الجزائرية المعروفة،بعدم التحدث بالعربية،لأن سعادة السفير،والضيوف من السفراء، وحتى رجال الإعلام الحاضرين، لا يجيدون العربية بشكل كامل....
التفت إلى الرجل، وقد بلغ بي الغضب مبلغا كبيرا، وشعرت أن الدماء تغلي في عروقي، قائلا:ألا تخجلون من أنفسكم،وأنتم تخاطبون سفير دولة أجنية،بغير لغتكم الوطنية؟؟
ألا تشعرون بالعاروالفضيحة، وأنتم تحتقرون هويتكم، وتتنكرون لثوابتكم وشخصيتكم الوطنية ؟؟
فان كنت تعتقد أني جئت هنا، لاستجداء عطف هذا السفير أورضاه،فأنت مخطىء ،فأنا رجل تربيت في حضن امرأة جزائرية ماجدة،تكسرت أضلاعها،تحت أحذية الاستعمار القذر الذي تتكلمون اليوم لغته بلا حياء، وتشققت نصف جمجمتها، تحت ضربات بنادقه الحاقدة.. ، وترعرعت في أكناف تاجر قماش بسيط، من أعماق الأوراس الشامخ، لم يعرف للجزائر يوما لغة أخرى، غير الأمازيغية أوالعربية..
تعسا لكم أيها الإمعات....يا من أحنيتم الرؤوس من أجل دولارات هذا الاستعمار الجديد،، وهبطتم بسمعة بلدكم العظيم إلى الحضيض....وجعلتم من تضحيات الشرفاء، من بسطاء وفقراء الجزائر،سلما ترتقون منه في جنح الظلام، إلى مراكز النفوذ والقرار..
أنا ابن هذه المدرسة الجزائرية التي تخجلون من انتساب أبنائكم لها، ومنتوجها الخالص، من الابتدائية إلى الدكتوراه..
إن أمثالي من أبناء الأسر الجزائرية البسيطة،لم يعودوا أقلية في جزائر الألفية الثالثة، فنحن الآن نمثل أغلبية هذا الشعب، ولكم أن تختاروا بين الجزائر، وبين فرنسااا..مثلما خير ابن باديس أشباهكم، قبل ثمانين عاما،..
فإما أن تكفوا عن تشويه صورة بلادكم، وتمريغ سمعتها في التراب، وإما أن تبحثوا لكم عن وطن آخر...
أوسعت الرجل تأنيبا وتقريعا، وأسمعته من اللوم والعتاب، مالم يخطر له على بال،أو يتوقعه من رجل هادئ مثلي ....ثم تناولت الكلمة، صادحا باللغة العربية، فقدمت بها ما أمكنني من عبارات التهنئة والأماني لصاحب الدعوة.....ونزلت من المنصة على عجل..
فلم يلبث السفير أن تقدم مني، شاكرا ممتنا شاكرا تلبيتي للدعوة ،معبرا عن إعجابه بالكلمة القصيرة التي ألقيتها...منوها بالجهود التي تبذلها الأكاديمية، في سبيل التأسيس لمجتمع مدني حقيقي في الجزائر..ولكن الذي لم أكن أتوقعه، أن السفير كان يكلمني بعربية فصيحة لا غبار عليهااا..
فنظرت إلى تلك الشخصية الحزبية البارزة التي لا تغادر صورته نشرات الثامنة، ولسان حالي يقول: فلتتعلموا احترام بلدكم العظيم،أيها المتخلفون..وتأخذوا العبر والدروس والعظات، من مثل هذه المواقف والمناسبات.....فهذا سفير أوروبي يكلمكم بلغة بلادكم، وأنتم تخاطبونه باللغة الفرنسية...فأي تخلف وأي مذلة وأي عار أكبر من هذاااا؟؟؟
وقبل أن أغادر الحفل، سألني السفير :هل كانت دراستك في العراق أم في مصر أم في سوريا ؟ فقلت له:بل في الجزائر يا سعادة السفير...وفي مدارس وجامعة ولاية باتنة، عاصمة الشاوية وقلعة الثورة والثوار...
فقال مستدركا بكثير من اللباقة والدبلوماسية:أرجو أن تتفهم أبعاد سؤالي..فأنت الوحيد هنا، من تكلم العربية بطلاقة وإتقان،لذلك توقعت أن تكون دراستك في إحدى هذه البلدان العربية..
فقلت معقبا:هكذا تتكلم الأجيال الجديدة في الجزائر، يا سعادة السفير..فاعمل على تغيير القائمة البروتوكولية للشخصيات الجزائرية التي تدعونها لاحتفالاتكم ومناسباتكم، وسوف تكتشفون الجزائر الحقيقية....لأن هذه الجزائر الحقيقية، ليست فقط هي حيدرة أو الأبيار.............ولكنها كل الجزائر...
هنيئا للجزائر لأمثالك يا قرة العين ...