أرجوك .. كن صديقي

ديف 31

:: عضو منتسِب ::
إنضم
20 سبتمبر 2013
المشاركات
10
نقاط التفاعل
3
النقاط
3
أرجوك .. كن صديقي


كمال شاب غامض جدا تصرفاته الغريبة دائما تثير شك من حوله , ترك قريته البعيدة لكثرة مشاكله مع أهلها وكراهيتهم الشديدة له , رحل منتقلا إلى إحدى كبريات المدن ليبدأ حياته من جديد ينظمها يغيرها يكسر روتينها الممل المعتاد الذي عاشه في قريته المليئة بمشاكل وفوضى , ويتعرف على أناس جدد , أصدقاء , زملاء عمل , عازم أن يغير عالمه بأكمله .

مرت أيام أسابيع وشهور يعيش وحيدا منعزلا في تلك المدينة التي بدت كقبرا صغير ضيق رغم جغرافيتها الشاسعة , فلم يعرف فيها إنس كما تخيل ولاحتى بهيمة كأنما قدر له العيش هكذا منقطعا تعيسا فلا زملاء العمل أداروا له بالا ولا القاطنين في الشارع معه رأوه .

ذات يوم جميل إذ الشمس تسطع في سماءها صافيه , شاءت الصدف أن يلتقي بشخص طيب ذو خلق يقدر الجميع يعز من يرافقه ويجله , فترة قصيرة أنقضت على صداقتهم و(كمال) يعيش أسعد أيامه ولياليه أحسنها أزكاها بفضل رفيقه الذي طالما تمناه معتبرا أياه أجمل حدث في حياته وأروع شخصا في وجوده , يشتري له الهدايا حال توفر المال لديه , يعطيه مايريد قبل أن يطلب , يقدمه حتى على نفسه , بل وصلت به تلك المحبة إلى أعلى درجاتها إذ أنه لايملك مشاعره المضطربة حينما يحدث صديقه تجده يجهش بالبكاء فرحا مختنقا بتلك العبرة في عينيه كما الطفل يصيح حال جره من بين أحضان أمه .

أثارت تصرفات (كمال) تلك الشك والرهبة في نفس الصديق فلم يرى قبلا أحد أصدقاءه أو أفراد عائلته يعاملونه بهكذا طريقة التي وصلت إلى حد القداسة , لكنه لم يشأ أن يثير ذلك الموضوع و(كمال) , تارك الأيام وحدها تجيب عن سؤاله وتحل لغزه , ففنهاية سيتضح له سبب غرابة الأطوار تلك .

في ليلة حالكة مظلمة على غير عادتها ألقت الشرطة القبض على صديق (كمال) متهمة أياه بالسرقة والسطو في جريمة لم يرتكبها بل ألبست إليه بلحظة ظلم كثيرة ماتحدث , عاش الصديق أيام قاسية مؤلمة تحقيق وضرب عنف وتشهير , تمنى خلالها الموت على ذاك حاول وحاول أن يبرأ نفسه لكن لا فائدة , لم يعلم (كمال) بما حدث لصديقه معاتبا أياه بين ذاته حزين إذ مرت أيام لم يسمع منه شيء.

طالت المدة كثيرا (كمال) لم يعد يحتمل فراق صديقه كل هذا الوقت , باحثا سائلا عنه في كل مكان حتى صعقه أحدهم وأخبره بما جرى , بسرعة دون أن يفكر ركض إلى قسم الشرطة الذي يحتجز فيه رفيقه أومن أعتبره نورا أضاء حياته السوداء التعيسة , دخل مخبرا الشرطة بأنه الذي قام بالسطو والسرقة ولادخل لصديقه بذلك متعهدا لهم بأن يعيد ماسرق ويعتذر عمن تسبب في ترويعهم وأخافتهم حتى قام بالتوقيع على ورقة الشرطة التي تدينه وقر فيها بجريمته .

برأ الصديق بعد أن حكم على ( كمال) بالسجن لثلاث سنين ليس لجريمة أرتكبها فعلا بل لينقذ رفيقا له يعزه ويبجله , ذاك التصرف البطولي الجريء من (كمال) كان كالقشة التي قصمت ظهر البعير محدثة موجة من الدهشة والغرابة في نفس صديقه فلا قانون كتب ولا مبدأ أقر ولا دستورا وضع يجعل الأنسان يدخل السجن ويضيع سنين عمره كي يبرأ أحد , مفكرا متحيرا ذهب الصديق إلى (كمال) في المكان الذي كاد أن يقضي فيه بضعا من مستقبله وأيامه وسنينه دخل غرف الزيارة ألتقى به قال
الصديق: أنا أشكرك على مافعلت , لكن سؤالا يجول في خلدي , لما فعلت ذلك ؟
كمال: ألا تكفي صداقتنا
الصديق: بلى , لكن لاتصل إلى هذا الحد
كمال: كيف تقول ذلك , أنت رفيقي , وكنت كالنجمة التي أنارت سمائي
الصديق: أنا لم أقل لك أن تأتي إلي وتسجن مكاني أو أن تسلم نفسك للشرطة بدلا مني ؟
كمال: هذا مايفعله الرفاق , يشعرون دائما بأحاسيس أصدقاءهم , يحملون بعضهم أكتاف بعض , أليس كذلك ؟

تركه صديقه بعد أن قضي وقت الزيارة عاد لمنزله مشتت الذهن مختلط الأحاسيس متعجبا من تصرفات (كمال) يفكر ويفكر واقف جالس سؤالا واحد يشغله : لما يتصرف (كمال) هكذا؟ أخذت الشكوك والهواجس تكبر لديه شيئا فشيئا بعد كثر تفكير أستنتج أحد الأمرين أما أن يكون كمال مريضا نفسي أو شاذ جنسي ؟ لحظتها وبعد أقتناع تحول كل مافي قلب الصديق إلى كره وبغض فلم يزره في السجن يوم , يسبه يلعنه يستهزء به يطلق نكات عليه .

كمال الذي لايدري مابخاطر صديقه عليه وكيف أصبح يكن له كل الضغينة , دقائقه وساعاته لاتكاد تمر وهو يعيش بحسرته وألمه ينتظر صديقه الذي لم يأت وأنقطع عنه فجأة دون سابق أنذار, يسرح بعيدا بخياله بين جدار تلك الزنزانة يصرخ داخل عقله الصغير : لما صديقي ماعدا يزورني ؟ هل حدث له مكروه ؟ أم أنتقل إلى مكان آخر ؟ سأنتظره علني أسمع منه خبرا؟

خرج (كمال) من السجن بعد أن قضى سنون ثلاث كأنها قرون ماكادت أن تنقضي , مبتهجا سعيد يهرول بأقدامه سيرا متجها إلى منزل صديقه المكان الذي مافارق عقله قط , أشواق فراق وأسئلة جرعت لياليه في السجن جننته أوهام وأنهكته أصابته بأرق شديد في نومه , يريد صديقه ليخبره بذلك , بينما هو منشغلا بفكره قبل مشيه وكيف سيقابل صديقه ليعاتبه على هجره ويخبره بمدى أشتياقه إليه , يطير فرحا في كل خطوة تقربه من ذاك المنزل , وإذ بشخص كدر جاء إليه مسلما وقال : متى خرجت من السجن أيها المريض الشاذ ؟ لخبط ذاك السؤال كل ماخطط له كمال متعجب سأله: من أخبرك بهذا ؟ قال له: صديقك , دائما ماكان يقول أنك مريض وشاذ ؟ أدهش كمال مما سمع كبركان أنفجر قبل لحظته , فكر قليلا بصمت: يبدو هذا حديث أناس يحقدون يحسدون يشغلون أنفسهم بغيرهم يحشرون أنوفهم بما لايخصهم , أكمل خطواته غير مهتم بما سمع إلى أن وصل أخيرا منزل صديقه وماكاد يصل .

طرق الباب والقلب شوق ومحبة , أنتظر وأنتظر إلى أن فتح رفيقه الباب , أحتضنه (كمال) غير قادر أن يحكم مشاعره يبتسم ويسلم يسأل ويقبل , أبتعد عنه الصديق بقوة قال والغضب يعتريه : فك عني , ماذا تريد؟
غرابة حلت (كمال) بدت جلية في ملامحه , أجابة : جئت لرؤيتك ياصديق , أشتقت إليك كثيرا , حسبت مكروها أصابك لأنك مازرتني في السجن ؟
بضجرا رد صديقه : أمجنون أنت لتأتي منزلي , ألم تفكر ماسيقول الناس عني وأنا واقف معك هنا , هيا , هيا أدخل إلى منزلي كي لايراك أحد وتسبب لي الحرج ؟

دخلوا المنزل (كمال) يعيش تلك الدوامة التي مانفك يخرج منها , بل أنها زادت سرعة ودوران أكثر هذه المرة
سأله : مابك ياصديقي , لما تعاملني بهذه الطريقة ؟
صديقه: دخلت السجن بسببي أنا أشكرك على ذلك , لكني لاأريد رؤيتك بعد الآن , تلك الأيام التي عشناها معا وضعت حدا لها , أرجو أن تنسى ماجرى بيننا وكلا يذهب في طريقه , أتمنى ألا تقترب من منزلي , فما جمعنا قد أنتهى
قال كمال غير مستوعب ماسمع : لما , أفعلت شيئا أغضبك , أو جرحك , أأخطأت في حقك بشيء ؟ ألاتريد أن تراني هكذا دون سبب , ثم علاما أخبرت الناس بأني مريض وشاذ ؟
صديقه : يارجل , أنت فعلا مريض وشاذ , تصرفاتك الغريبة كلامك الفارغ عن الصداقة والمحبة , بكاءك هداياك هرائك بما تفسره ؟
كمال: قلت لك من قبل أنك صديقي المقرب , يجب أن أعاملك بأفضل طريقة , ماطلبت منك شيئا صعبا حين أردتك أن تصبح رفيق لي ؟
صديقه: أخرس أرجوك , أنت وكلامك السخيف هذا عن الصحبة , كأنك تعرفها حقا , إذ كنت كما تدعيه أخبرني , كيف لم يزرك أحدا قط في شقتك وسجنك ووظيفتك ومكانك ؟ لما ليس لديك اصدقاء أو حتى عائلة , فمذ عرفتك لم أرك إلا وحيدا , هيا قل لي فلا أدري ربما تكون طبيعي كالباق , مابك شيء كمرض أو شذوذ ؟

مرغما (كمال) طأطأ رأسه كأن شفرة حادة مزقته علوا حتى أخمص قدميه حينما سمع , أنفجر بكاء كبرميل أغلق أحكامه بعدما ملء بارود منتظرا أحد يشعل نار صغيرة بجانبه , أجاب بعد برهة منكسرا خجلا بصوت ماكاد يخرج : لأنني لقيط , لست مريض أوشاذ , لست ألا شخص لقيط

كان وقع ذاك الكلام على صديقه كمن تفنن في تعذيب شخص بكل الأساليب القذرة فكتشف نهاية الأمر أنه يعذب أبن من صلبه , تلبسه حرج شديد مما قال وأتهم , تمنى تلك اللحظة أن تنشق الأرض غاضبة لتبتلعه , إذ لم يقدر أن ينطق بحرف كيف ذلك وقد قال ماقال عن (كمال) الذي ظلت دموعه تتساقط منه كقطرات مطرا نزلت بعد جفاف يخبر قصته التي تلبدت بداخله متشعبت بجذورها الممتدة من صغره إلى حينه : وقتئذ كنت أعيش في القرية إذ بأهلها يكرهوني كما ماكره أحدا قبلي ولا حتى بعدي , نبذوني , عاقبوني , بغضوني , عايروني , آذوني , لذنبا لاناقة لي فيه ولاجمل , خطيئة أقترفتها والدتي , والدتي , نعم والدتي التي مارأيتها يوما , فقط , أنجبتني من علاقة محرمة ونطفة نجسة كانت تعرف ذلك فرمتني وهربت , جعلت الحياة بقسوتها تتولاني بلارحمة أو ذرة شفقة فالناس تهين بي وتشمت دونما أحترام لمشاعري التي ماتت وقتئذ خرجت إلى الدنيا في يوم نحس ذاك الذي ولدتني فيه أمي وليتها لم تفعل , خرجت من قرية الشؤم تلك لعن الله كهلها وفتاها جئت إلى هذه المدينة علني أقدر محو ذاك العار الذي لازمني طوال سنيني وأبدأ حياة نظيفة جديدة أرسم فيها لوحة بيضاء بلا ألوان أخرى , تمنيت أناس طيبون لطيفون أو عسى رفيق يؤنس وحدتي يكلمني أكلمه كبقية الناس , وجدتك بسيط على خلق ذو صفات لم أعشها عند أحد أحببتك صديق ورفيقا وأخ , كما تمنيت يوما أن يكون لدي , كنت مستعدا لأضحي بحياتي من أجلك , حسبتك تختلف عن الباقين , خدعت نفسي , إذ بان لي عكس ذلك , أتضح بأنك كالجميع بل أكثر سوء منهم .

متألم (كمال) بين دموعه , أحاسيسه , حياته المحطمة , كل ماضاع وتبخر من دنياه بمرآى عينيه التي مارحمتها دموع قط , مجروح قال لصديقه الذي مافكر أوتخيل أوحتى حلم مرة أن يكون بهكذا موقف : لكني لن أسامحك , لن أسامح أحد , لن أسامح والدتي التي فعلت بي كل هذا , لن أسامحكم جميعا , لقد أكتفيت منكم ومن عالمكم .

بحالته تلك خرج (كمال) من منزل صديقه بكاء تسابقه أنفاس مرهقة متعبة , باغض من نفسه أو عليها لايدري ماشعوره تلك اللحظة .

ماعرف صديقه أي لعنة حلت به ساعتها مشاعرا متناقضة حرج خجل شعورا بذنب لايقتفر , أين من يحل معادلته المعقدة , كيف يكفر الخطأ , معجزة هي تلك التي يريدها , بحث هنا هناك عن (كمال) بحث وبحث في كل مكان وأرضا وشبرا وتحت كل حجر وخلف كل شجرة , لكن أين وكيف ؟ دون منفعة , مارآه إنس ولم يسمعه به جان , أختفى بهدوء وسط العتمة كما ولد , دون علم من أحد ودون وداع
عاش الصديق بعدها طوال سنين عمره متقوقعا بمنزله لايغادره مطلقا , وحيد دونا عن رفاق , لايريد بشرا ولا حتى حجر , كأنه يعاقب ذاته اللئيمة على خبثها وقسوتها وفعلتها مع كمال
 
رد: أرجوك .. كن صديقي



فعلا قسوة الحياة :(
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top