مرض العجب

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,786
نقاط التفاعل
12,805
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



إن مقام الذل بين يدي الله عز وجل يقتضي منا - أيها الأخوة - ألاَّ نرى أعمالنا في سعينا إلى الله، بل يستصغر الإنسان نفسه، ويحتقر الإنسان عمله، ويطلب الأجر من ربه سبحانه وتعالى، ومتى ما طالع الإنسان نفسه بالخير فإنه حطها عن مقامات عظيمة من مقامات العبودية لله رب العالمين.

هذا المرض هو مرض العُجب، العجب، أو الغرور، أو الكبر، مرض أسبابه واحدة، ومظاهره تتقارب، وينبغي للمسلم أن يعالج نفسه من هذا المرض.


تعريف المرض:

قالوا عن العجب: هو السرور أو الفرح بالنفس، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، فيُسر الإنسان ويفرح بنفسه، وتعجبه أفعالها، وتغره أقوالها، ويُنظر نظر المُثني على نفسه، وأخطأ بهذا خطأ عظيماً؛ لأنه ينبغي له أن يزدري ويهضم نفسه، والذي يُثني عليها هو الله عز وجل إن كانت أهلاً للثناء، وهذا العجب يُقارب الغرور والكبر، وفرّق بعض أهل العلم بينهم: فقالوا: إن فرح وسُرّ بعمل نفسه فهو المعجب، فإن احتقر الناس واحتقر أعمالهم فهو المغرور، فإن ترفّع عليهم واعتدى عليهم بعد ذلك بحجة أنه وأنه فهذا هو المتكبر.

مظاهر المرض:

وحتى تكتشف هذا المرض بجلاء فإن له مظاهر ظاهرة تظهر على الإنسان في أقواله وأفعاله، من ذلك: طلب التزكية وحب الثناء، فيُحب أن يُمدح ويُثنى عليه، وهو يسعى أيضاً لهذا، فتجد في كلامه وأفعاله ما يدل على عجبه بنفسه - نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة، ومظهر آخر أشد يظهر عند احتقاره للآخرين، واستصغاره لأعمالهم، ولا يراها شيئاً ويرى عمله هو كل شيء، وهذه مصيبة المعجب بنفسه، قيل لابن المبارك رحمه الله تعالى- وهو إمام من أئمة الزهاد العباد العلماء المجاهدين - قيل له: يا ابن المبارك، ما هو العجب ؟ قال: " العجب أن ترى أن فيك شيئاً ليس عند الناس " هذا هو العجب؛ أن ترى أن عندك من الذكاء ما ليس عند أحد، أو عندك من القوة أو عندك من المهارة ما ليس عند أحد، أو ترى إذا تقدمتَ إماماً أن عندك من حسن القراءة ما ليس عند أحد، أو إذا تقدتَ خطيباً أن عندك من العلم والفصاحة والتأثير ما ليس عند أحد، أو إذا تصدقتَ أنك فعلت ما لم يفعله أحد! هذا هو العجب، ويظهر في مظهر أشد عند عدم قبول النصيحة، فإذا بهذا الرجل لا يقبل نصيحة أحد، ولا يستنصح أحداً أصلاً؛ لأنه رأى نفسه فوق كل أحد، فلم يعد يفطن لعيوب نفسه لا يراها هو، ولا يريد أن يدله عليها غيره، وهذه مصيبة.


ذم هذا المرض:

أيها الأخوة الكرام، إن الإعجاب بالنفس مذموم، كما أن الغرور والكبر مذموم، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32]، فانتبه أن تزكي نفسك بالكلام، زكها بهضمها، زكها بالمحافظة والمواظبة على الأخلاق الفاضلة، لا تزكها بالكلام، ألم تسمع قول الله سبحانه: ﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188]، هذا الذي يفرح بما أتى من عمل، ويُعجب به، بل ويحب أن يُحمد على شيء لم يفعله بل ليس فيه، هذا الذي يعذبه الله سبحانه.


أيها الأخوة، إن مقام العبد مقام الذل بين يدي الله عز وجل، وكل شيء كَسَرَ معنى الذل فقد خرج به العبد عن مقام العبودية، أما مقام التكبر والكبرياء، فإن الكبرياء مقام وصفة لله سبحانه وتعالى لا ينازعه فيها أحد، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي، والعز إزاري، فمن نازعني في شيء منهما عذّبته ) فاتق الله سبحانه، اتق الله أن تنازع الله ما هو من خصائصه، فليس لك في هذا المقام شيء، فاحترم نفسك، واستصغرها في جنب الله سبحانه وتعالى، حتى تسير لك إلى الله عز وجل بخضوع وخشوع وإخبات وتبتل.


وهنا قد تضطرب علينا بعض الأمور؛ فالإنسان يحب أن يكون نعله حسناً، وثوبه حسناً، وشكله حسناً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر لم يدخل الجنة ) والجمع بين هذا وهذا - أخي في الله - أن تفهم معنى الكبر، فالله جميل يحب الجمال، وكونك تتجمل ليس هذا من الكبر، لكن ما هو الكبر ؟ قال عليه الصلاة والسلام: (الكبر بطر الحق وغمط الناس ) كما رواه الإمام مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، الكبر هو الذي يؤدي بك أن ترد شيئاً من الحق، ولا تقبله، فهذا دليل أن فيك الكبر، أو أن تحتقر الناس وتزدريهم، فهذا دليل على أن فيك الكبر، فمتى ما اعتديت على الحق، فرددت بعضاً منه، أو اعتديت على الناس، فاحتقرت أحداً منهم فإن هذا علامة وجود الكبر الذي لا يدخل صاحبه به الجنة ـ والعياذ بالله!


أسباب المرض:

أيها الإخوة الكرام، ما السبب الذي ولد في أنفسنا هذا العجب؟ حتى أصبحنا نغتر بأنفسنا، ونرى أنها شيء عظيم، وأنها في مقامات لم يبلغها أحد! وأننا أحسن من فلان وفلان من الناس؟.


إن من الأسباب: كثرة مدح الناس وثنائهم، فولد هذا أن أحدنا بدأ يفرح بنفسه، وأن فيها من الصفات ما استوجب به ثناء الناس ونسي أو تناسى أن الثناء الذي كان يطلبه هو ثناء الله، ومدح الله، فمال وركن إلى ثناء الناس، فأعجبته نفسه، وبحث عن ثنائهم، ونسي طلب الثناء من عند الله عز وجل. هذا المقام خطير يفسد النفس وإن لم تنتبه له فإن نفسك ستُصاب بهذا المرض وسيستشري فيها بل قد يقتلها ـ والعياذ بالله ـ ويوبقها، يقول أبو بكر رضي الله تعالى عنه: " إن رجلاً ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأثنى عليه رجل آخر خيراً ـ بدأ يقول هذا كذا وكذا وكذا يثني عليه ـ فقال عليه الصلاة والسلام: ( ويحك قطعت عنق صاحبك ) قالها مراراً، ثم قال: ( إن كان أحدكم لا محالة مادحاً ـ يعني لابد يمدح ـ فليقل: أحسب كذا وكذا، والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً )، رواه ابن ماجه. إذاً نمتنع من هذا، هذا مرض حقيقةً، المدح، وطلب المدح، وكونك تمدح غيرك أنت الآن تصيبه بهذا المرض، كونك تثني عليه، أنت الآن تصيبه بهذا المرض، والظاهر في هذا الحديث حتى لو كان غائباً؛ لأنه قد يبلغه فيُسر، فاتق الله عز وجل لا تمدح وإن كنت مادحاً أحداً فقل: الله حسيبه، ولا أزكيه على الله عز وجل.إذاً هذا المدح هو الذي يورث في نفس العبد العجب، ناهيك عن اهتمام الناس بك واحترامهم وإجلالهم وخدمتهم لك، كل هذا يؤدي إلى أن تعجب أكثر بنفسك، نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة.


من أسباب العجب: الوقوف عند النعمة، ونسيان المنعم سبحانه، فينظر للنعمة وينسى أن الله هو الذي أعطاه إياها، فينظر لماله فيُعجب، ينظر لذكائه فيُعجب، ينظر لجاهه فيُعجب، ينظر لعلمه، ينظر لفصاحته، فيُعجب بنفسه، وينسى أن الله هو الذي أعطاه هذه النعمة، فيقول كما قال ذاك المغرور الذي خسف الله به وبداره وبماله الأرض: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾ [القصص: 78]، قارون عليه من الله ما يستحق، أُعجب بنفسه، نسي أنه من فضل الله سبحانه.


أخي في الله، ما أنت وما نفسك ؟ ﴿ وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، ما أنت؟ والله ما أنت بشيء، ﴿ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ﴾ [النحل: 53]، فلا تنظر لنفسك في مقام المدح لها، بل انظر لله الذي أعطاك هذه النعم وأولاك، واثنِ على الله، وازدرِ نفسك، فإنها مقام كل نقيصة.


إن من أسباب العجب: أن يتصدر أحدنا قبل أن يتفقه وتنضج تربيته، فيصبح هو المصدر، وهو المقدم، مع أنه ما زال صغيراً في العلم والفقه وما زال غير ناضج في التربية، فيغتر بنفسه، ويُعجب بها، وهذه وصية الفاروق عمر رضي الله عنه، كان يقول: " تفقهوا قبل أن تُسودوا " يعني: تفقه في الدين وربِ نفسك وزكها قبل أن تصبح سيداً، وتترأس الناس؛ لأنك عند ذلك ستغتر بنفسك وتُعجب بها، ولن ترجع إلى العلم والتزكية بعد ذلك.


آثار المرض:

هذا المرض ينبغي لنا أن ننتبه له؛ لأنه يستشري شيئاً فشيئاً ويزداد في النفس، حتى ـ والعياذ بالله ـ يوقعها في آثار خطيرة جداً؛ فالعجب يورث الإنسان الغرور والكبر، فإذا اغتر بدأ يحتقر الناس، وإذا تكبر بدأ يترفع ويعتدي على الناس، وهذا يورثه بعد ذلك كراهية الناس، وأن تبقى فيه عيوبه؛ لأنه لم يرها ولم يريه غيره إياها، فيبقى - والعياذ بالله - في دائرة من العيوب والمهالك، وهو يظن أنه قد بلغ القنطرة! جاء في الآثار: ( إن المؤمن يرى ذنوبه كجبل يوشك أن يقع عليه، وإن المغرور أو المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه، فقال به هكذا فذبّه عنه ) المؤمن يخاف من ذنوبه، يراها كالجبل أينما يتجه يخاف أن يسقط عليه، أما المغرور فهذا الذي ما يرى أنه فعل ذنباً، ولماذا يستغفر؟!، ولماذا يتوب؟! بل هو الذي يزكي نفسه على كثرة ذنوبه ومعاصيه، نسأل الله السلامة.


ثم إن هذا يؤدي - أيها الإخوة - إلى شيء أخطر، أن يُحرم هذا الإنسان، وأن يُحرم من معه من توفيق الله سبحانه وتعالى وتسديده، فيكله الله إلى نفسه، فيكله الله عز وجل إلى عورة وإلى سوءة، فيفشل، إن الله عز وجل عند المنكسرة قلوبهم، إن الله عز وجل عند المستكينين اللاجئين إليه سبحانه، الطالبين العون منه، أما المغرور المتكبر المتجبر في نفسه، فإن الله يخذله، ويتركه هو لنفسه.


أخي في الله، اسمع ماذا يقول الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حقاً عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، أي كانوا في مسكنة وتواضع وهضم للنفس، فكانوا أهلاً لأن يوفقهم الله وينصرهم، فإن أردت نصر الله، فلا تغتر بنفسك.


علاج المرض:

أخيراً - أيها الكرام - كيف نعالج أنفسنا من هذا المرض الخطير؟ كيف نداوي الإعجاب حتى لا يستشري في النفس فيمرضها ثم يوبقها والعياذ بالله؟.


إن من أهم العلاجات لهذا المرض: أن تتذكر حقيقة نفسك، وأن تتذكر عظيم نعمة ربك، دائماً دائماً تذكر أنك أنت الذليل، وأن نعمة الله عز وجل هي النعمة العظيمة، حتى تفرد الله سبحانه وتعالى، فتتعبد لله بمقام الذل، وتفرد الله عز وجل بمقام العزة والكبرياء، متى ما رفعت نفسك ونسيت نعمة ربك وقعت في المشاركة، ووقعت -والعياذ بالله!- في ترك العبادة الحقيقية، لا، أنت مقامك أن تذل نفسك أكثر لله، وأن تعظم الله سبحانه وتعالى أكثر بالنظر إلى نعمه، هذا رجل من السلف أراد أن يعلم إنساناً من هو؟ فسمعه يقول بإعجاب: أما تعرف من أنا؟ فقال: " نعم، أعرف من أنت، لقد كنت نطفة قذرة، ثم ستصبح جيفة مذرة، وأنت في هذا تحمل العذرة "، هذا أنت، أولك نطفة، وآخرك جيفة، وحتى بين ذاك فأنت إنسان تحمل في بطنك العذرة، من أنت؟ اقرأ القرآن، كم مرة ذكر الله الإنسان وأنه خلقه من سلالة من ماء مهين، أو خلقه من طين، يوطأ بالأقدام، حتى يعرف الإنسان نفسه، أنت ما خُلقت من نور، ولم تُخلق من نار، خلقك الله عز وجل من طين، وجعل سلالة آدم من ماء مهين، فاعرف مقامك حتى لا تغتر بنفسك.

إن من العلاج - أيها الإخوة - مصاحبة المتواضعين من أهل العلم والدعاة وأهل الخير، والقراءة في كتب السلف - رحمهم الله تعالى - حتى نعرف حقيقة غابت عنا، كم أزروا بأنفسهم، أنبياء لله عز وجل: ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، نبي من أنبياء الله يقول: ﴿ لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [ الأنبياء: 87]، ومحمد صلى الله عليه وسلم ماذا يقول ؟ يقول: ( يا حي يا قيوم، لا تكلني لنفسي طرفة عين ) هكذا كانوا رحمهم الله تعالى، فلما نلتجئ نحن إلى نفوسنا ونعتمد عليها ؟ ونثني عليها ؟ لا، لنقرأ في أخبار هؤلاء حتى نفهم كيف كانوا رحمهم الله تعالى، تقول عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها:" يا رسول الله، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ أهو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ويخاف من الله ؟ " قال: (لا، يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، و يخاف أن لا يتقبل منه)، سبحان الله! هؤلاء هم الصالحون، يصوم، يصلي، يتصدق، ومع ذلك خائف من الله عز وجل ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، يعني يفعل الخير وهو خائف من الله سبحانه وتعالى، فاقرأ في أخبار هؤلاء، وصاحب أمثال هؤلاء، وانظر إلى سوء عاقبة المتكبرين، وسوء ختام المتغطرسين، حتى تعرف أن هذا السبيل إنما هو سبيل الهلاك.

ثالثاً - أيها الإخوة - أحياناً ينبغي للإنسان أن يتأخر قليلاً من الصدارة حتى يعالج نفسه، ويربيها، ثم يعود مرة أخرى، فالتراجع قليلاً والانسحاب قليلاً مطلوب إذا كان لا يضر بأمر الخير والدعوة إلى الله، ويساعد الإنسان في علاج نفسه، إذا لم تستطع ذلك فاحرص أحياناً على بعض الأعمال التي تكسر نفسك، كأن تخدم الناس، كأن تكنس في البيت أو تكنس الشارع، كأن تساعد بعض الضعفاء والمستضعفين، تكسر نفسك حتى لا تغتر بها، وهكذا كان فعل سلفنا الصالح رحمهم الله؛ هذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يمر على جارية وقد منّ الله عليه بالخلافة، فأصبح خليفة المسلمين، فقالت هذه الجارية: لا يحلب لنا الشاة، وقد ولاه الله خلافة المسلمين، فقال: "والله لا أترك أعملاً كنت أعمله لوجه الله بعد أن أعطاني الله الخلافة"، وذهب يحلب لهذه الجارية شاتها، وعمر رضي الله تعالى عنه يرى امرأة تعصد فأخذ المسوط ويقول: هاته يا أمة الله، ليس هكذا يُعصد، انظري، ثم يريها طريقة العصد الصحيحة، عمر يومها خليفة رضي الله تعالى عنه، وأبو هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو أمير من أمراء المسلمين، يحمل القربة أو الحطب على رأسه، ويمر بالسوق، وهو حامل لهذا الحطب رضي الله تعالى عنه، فيقال له في ذاك، فيقول: "نفسي أعجبتني، فأردت أن أذلها لله " رضي الله تعالى عنهم جميعاً، فربِ نفسك على هذه المقامات، كل ما أخذتك نفسك بالعجب، فأرجعها لمقام الذل بين يدي الله عز وجل.


أيها الإخوة ، إن من العجب أن يقول الإنسان: أنه ليس مريضاً بهذا المرض، هذا من العجب، إذا كان هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم لم يزكوا أنفسهم، فكيف بنا نحن الضعفاء المساكين؟ لذلك فمن أعظم العلاج أن نلجأ إلى الله عز وجل.

من أعظم العلاج أن نلجأ إلى الله عز وجل، وأن نكثر من الدعاء، ندعو الله سبحانه وتعالى أن يطهر قلوبنا من هذه الأمراض، ومن هذه الأوساخ، يقول صلى الله عليه وسلم: ( إنه لن ينجو أحد منكم بعمله ) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ( ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ) إذاً نحن لن ننجو إلا إذا تقلبنا في فضل الله، ومنّ الله علينا برحمته، فلا تعجب بنفسك وعملك، وأكثر من الدعاء، اسأل الله أن يلطف، ويمنّ عليك برحمته، ويتفضل عليك بكرمه، حتى تنجو من عذاب الجحيم، وحتى تسعد بجنات النعيم.


اللهم آتِ نفوسنا تقواها، اللهم وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال لا يصرفعنا سيئها إلا أنت، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
رد: مرض العجب

جزاااك الله خيييرا


وجعله في ميزان حسناتك
 
رد: مرض العجب

جزاك الله خيرا وبارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top