وجوب التحذير من اهل البدع (مختارات من أقوال العلماء)

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
<b>
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة قديما وحديثا ،والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد وآله وصحبه الذين ساروا في نصرة دينه سيرا حثيثا ،وعلى اتباعهم الذين ورثوا العلم، والعلماء ورثة الأنبياء ،أكرم بهم وارثا وموروثا.


أما بعد:


عن العرباض ابن سارية - رضي الله تعالى عنه - قال : وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ! أوصنا ، قال : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) .في هذا الحديث - كما سمعتم - الأمر بشيء زائد عن الكتاب والسنة ، وذلك باتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعد النبي الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ وما ذاك إلا لأن الخلفاء الراشدين تلقوا العلم والكتاب والسنة من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة دون واسطةٍ ما ، وفهموا هذه السنة والقرآن الكريم كما علمهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ولذلك فينبغي على كل طالب للعلم ألا ينسى هذا الأمر النبوي الكريم في اتباع الخلفاء الراشدين ، ويُلحق بهم من كان من أهل العلم من الصحابة الآخرين .



فإذا الأمر كذلك ؛ فعلينا أن تكون دعوتنا وأن يكون علمنا مستنبطًا من الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح ، من أجل ذلك يقول ابن قيم الجوزية - رحمه الله - : ( العلم : قال الله ، قال رسوله ، قال الصحابة ليس بالتمويه . ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيهِ . كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرًا من التعطيل والتشبيه ) .





من أقوال الأئمة في وجوب بغض أهل البدع ومقتهم :
للشيخ خالد بن ضحوي الظفيري


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداه .
أما بعد :
فهذه بعض الآثار السلفية والأقوال الأثرية، التي تبين وجوب بغض أهل البدع ومقتهم في الله ، أضعها بين يدي طالب الحق وسالك المحجة ليعمل بها ، ويسير على درب سلفه ، وهذه الآثار تفرح أقواماً تبعوا السلف الصالح ، وتغضب آخرين كرهوا طريقة السلف واتهموهم بالخارجية ، نسأل الله العافية .



عن ابن عباس - رضي الله عنه- قال : (( ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله - عز وجل - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) [رواه الآجري في الشريعة ص:213].



وعن ابن عون - رحمه الله- قال : ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد - يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)) . [رواه الآجري في الشريعة ص:219].



قال شعبة - رحمه الله- : " كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي " [أخرجه نصر بن إبراهيم المقدسي في مختصر الحجة على تارك المحجة ص: 460 ] .



وقال القرطبي - رحمه الله - : ((استدل مالك - رحمه الله - من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك : لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله - تعالى - : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) )) [التفسير 17/308].



وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي : " وكان الشافعي - رضي الله عنه - شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم" مناقب الشافعي (1/469) .



وقال الإمام أحمد - رحمه الله - : " إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه"، (طبقات الحنابلة (1/196) ) فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع .



وقال ابن المبارك - رحمه الله - : (( اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي)) [ رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140].



وقال الفضيل بن عياض : " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه" ( انظر شرح السنة للبربهاري (ص: 138-139)، والإبانة لابن بطة (2/460)



وقال عبد الله بن داود سنديلة : " من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة".(انظر سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم (10/392).



وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري - رحمه الله - : " ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا"



ومما ذكره في هذا الشرح :" ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك".



" ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه (أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة " [الشرح والإبانة (ص 282)]



وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني - رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث : " واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله - عز وجل - بمجانبتهم ومهاجرتهم." عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص: 123)



وقال أيضاً : "ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله - عز وجل - قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}" ( عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص: 114-115)



وقال الإمام البغوي - رحمه الله - : (( وفيه دليل (أي حديث كعب بن مالك) على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول - صلى الله عليه وسلم - خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.)) شرح السنة (1/226-227).



وقال القرطبي - رحمه الله - نقلاً عن ابن خويز منداد : ((من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أو كافراً، قال : وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم والبيع، ومجالسة الكفار وأهل البدع، وألا تُعتقدمودتهم، ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم)) . [التفسير 7/13].



وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين : (( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم)) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (3 / 111).



وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله - تعالى - في كتابه((كشف الشبهتين)) (ص: 37-48): (( واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلكوحذّروا منه لأمرين :
الأول:غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر.
والأمر الثاني:أنّ البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع. ))
ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر والتحذير والمباينة .
ثمّ قال : (( ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم)).



وقال الشيخ حمود التويجري - رحمه الله تعالى - في كتابه((القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ)) (ص: 31 -33): ((وقد كان السلف الصالح يحذرون من أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم)) .
وقال الشيخ حمود التويجري معلقا علىما قاله أبو داود السجستاني - رحمه الله -: " قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به،قال ابن مسعود: المرء بخدنه" طبقات الحنابلة (1/160)، ومناقب أحمد لابن الجوزي (ص: 250).



وقال الشيخ حمود التويجري : " وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به." القول البليغ (ص: 230-231).



وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - : " والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم، وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران أهل البدع واجب لقوله - تعالى -: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك)). [شرح لمعة الاعتقاد ص:110].




ومن الشعر قول الإمام القحطاني - رحمه الله - في نونيته (ص:53):



يا أشعريّة يا أسافلة الورى... يا عمي يا صمّ بلا آذان
إنّي لأبغضكم وأبغض حزبكم... بغضاً أقلّ قليله أضغاني
لو كنت أعمى المقلتين لسرّني... كيلا يرى إنسانكم إنساني



منقول من





</b>
 
رد: وجوب التحذير من اهل البدع (مختارات من أقوال العلماء)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ابتع هداه . أما بعد :
فهذه بعض الآثار السلفية والأقوال الأثرية، التي تبين وجوب بغض أهل البدع ومقتهم في الله، أضعها بين يدي طالب الحق وسالك المحجة ليعمل بها، ويسير على درب سلفه، وهذه الآثار تفرح أقواماً تبعوا السلف الصالح، وتغضب آخرين كرهوا طريقة السلف واتهموهم بالخارجية، نسأل الله العافية.
عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: ((ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) [رواه الآجري في الشريعة ص:213].


وعن ابن عون –رحمه الله- قال: ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)). [رواه الآجري في الشريعة ص:219]. قال شعبة –رحمه الله-: "كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهى عن مجالستهم أشد النهي" [أخرجه نصر بن إبراهيم المقدسي في مختصر الحجة على تارك المحجة ص:460].

وقال القرطبي –رحمه الله-: ((استدل مالك –رحمه الله- من هذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم، قال أشهب عن مالك: لا تجالس القدرية وعادهم في الله لقوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله))) [التفسير 17/308].

وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي: " وكان الشافعي - رضي الله عنه - شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم " مناقب الشافعي ( 1/469 ) .

وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:" إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه "، (طبقات الحنابلة ( 1/196 )) فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع.

وقال ابن المبارك –رحمه الله-: ((اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي)) [رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140].

وقال الفضيل بن عياض : وقال: " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه " (انظر شرح السنة للبربهاري ( ص : 138-139 ) ، والإبانة لابن بطة (2/460 ).)

وقال عبد الله بن داود سنديلة: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة.(انظر سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم ( 10/392 )

و قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -: " ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم - إلى وقتنا هذا … " ومما ذكره في هذا الشرح: " ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة " [الشرح والإبانة ( ص 282 )]

و قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: " واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم." عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123 )

وقال أيضاً: " ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} "(عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 114-115 )

وقال الإمام البغوي رحمه الله : ((وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول صلى الله عليه وسلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم.)) شرح السنة (1/226-227).

وقال القرطبي –رحمه الله- نقلاً عن ابن خويز منداد: ((من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمناً كان أو كافراً، قال: وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ودخول كنائسهم والبيع ، ومجالسة الكفار وأهل البدع، وألا تُعتقد مودتهم، ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم)). [التفسير 7/13].

وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين : (( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم )) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 111 ).

وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله تعالى - في كتابه ((كشف الشبهتين )) ( ص : 37-48 ): ((واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين: الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر. والأمر الثاني: أنّ البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع .)) ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر والتحذير والمباينة. ثمّ قال: ((ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم)).

وقال الشيخ حمود التويجري - رحمه الله تعالى - في كتابه (( القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ )) ( ص : 31 -33 ): ((وقد كان السلف الصالح يحذرون من أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم)).

وقال الشيخ حمود التويجري معلقا على ما قاله أبو داود السجستاني – رحمه الله -: " قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه" طبقات الحنابلة ( 1/160 ) ، ومناقب أحمد لابن الجوزي ( ص : 250 ). وقال الشيخ حمود التويجري: " وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به." القول البليغ ( ص : 230-231 ) .

وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله-: "والمراد بهجران أهل البدع الابتعاد عنهم وترك محبتهم، وموالاتهم والسلام عليهم وزيارتهم وعيادتهم ونحو ذلك، وهجران أهل البدع واجب لقوله تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) ولأن النبي –صلى الله عليه وسلم- هجر كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك)). [شرح لمعة الاعتقاد ص:110].

ومن الشعر قول الإمام القحطاني –رحمه الله- في نونيته (ص:53):

يا أشعريّة يا أسافلة الورى ... يا عمي يا صمّ بلا آذان إنّي لأبغضكم وأبغض حزبكم ... بغضاً أقلّ قليله أضغاني لو كنت أعمى المقلتين لسرّني ... كيلا يرى إنسانكم إنساني

جمعها/أبو عبدالله المدني


منقول / وكل الشكر للأخ أبو عبدالله على هذا الجمع .

السلام عليكم.

 
رد: وجوب التحذير من اهل البدع (مختارات من أقوال العلماء)


إجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء




لقد اهتم السلف الصالح بهذا الأصل العظيم وهو هجر أهل البدع أعظم اهتمام، وأولـوه بالغ العناية، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع، وإخزائهم، وإذلالهم، وقد سبق نقل شيء من ذلك.


ولكني بحول الله وقوتـه سأورد في هذا الفصل عدداً من أقوال أهل العلـم، وأئمة السلف ممن نقل الإجماع على مباينة أهل البدع وهجرهم، فما علينا إلا أن نتبع ولا نبتدع فقد كفينا.

والإجماع - أخي في الله - حجة شرعيّة قاطعة تحرم مخالفته، قال تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنّم وساءت مصيراً } .

فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف

وقال آخر:

وخير أمور الدين ما كان سنّة وشر الأمــور المحدثات البدائع.


(1) قول عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.

(ت: 157 هـ )



قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله – في كتابٍ له ([184]):

" اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون؛ فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون ويقولون مالا يعلمون في سرد ما ينكرون وتسديد ما يفترون، والله محيـط بما يعملون فكونوا لهم حذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون، واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين، ولعراه ناقضين موهنين بتوقير لهم أو تعظيم أشد من أن تأخذوا عنهم الدين وتكونوا بهم مقتدين ولهم مصدّقين موادعين مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون على استهواء من يستهون، وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون، ودينهم الذي يدينون، وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون ".

قلت:

فهذه نصيحة إمام عالم مشفق على المسلمين، عرف أهل البدع وخَبَرَهم، وتنبه لطرائقهم وإفسادهم.

فأخبر بأنهم كلهم أصحاب إفك وإثم وعدم تقوى، وأنهم أهل تحريف وقول على الله بلا علم.

ثم وضّـح كيفية التعامل معهم وذلك بالحذر والتحذير والمجانبة والهجر، وأوضح أن العلماء الأولين، وكذلك من تبعهم من المتأخرين على ذلك كانوا سائرين.

وبيّن أنّ توقير أهل البدع أو تعظيمهم بأخذ العلم والدين عنهم هدمٌ لعرى الدين وإعانة على نقضه.

قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: " من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله - عز وجل - على محمد - صلى الله عليه و سلم -، ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطـع رحمهـا، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع"([185])

وقال الشاطبي - رحمه الله -:

" فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:

إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنّتهم.

والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء.

وعلى كل حـال فتحيا البـدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه."([186])

فاعمل - أخي في الله - بنصيحة هذا الإمام الخبير النحرير، تأمن الهلاك واتباع الأهواء.




(2) قول عبد الرحمن بن أبي الزناد.

( ت: 174 هـ )



قال ابن بطة رحمه الله: حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال:

" أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيـب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم، ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير، ويخبرونا أنهم على ضـلال، وتحريـف لكتاب الله وسنـن رسوله – صلى الله عليه و سلم -، وما توفي رسول الله – صلى الله عليه و سلم - حتى كره المسائل، والتنقيب عن الأمور، وزجر عن ذلك، وحذره المسلمين في غير موضع حتى كان من قول النبي – صلى الله عليه و سلم - في كراهيـة ذلك أن قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " "([187]).

قلت:

فانظر أخي في الله كيف نقل هذا الإمام هجر المبتدعة وعيبهم أشد العيب والنهي عن لقائهم ومجالستهم والتحذير من مقاربتهم، عمن أدركه من أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس.

لا سيما وقد أدرك عدداً من كبار التابعين، ومن دونهم من الأئمة، كسهيل بن أبي صالح، وشرحبيل بن سعد، وصالح مولى التوأمة، وأبيه أبي الزناد عبد الله بن ذكـوان، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومـي، وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد المجيد بن سهيـل، وعمر بن عبد العزيز، ومعاذ بن معاذ، وموسى بن عقبة، وهشـام بن عروة، وغيرهم([188]) – رحم الله الجميع -.






(3) قول الفضيل بن عياض.

(ت: 187 هـ )



قال – رحمه الله -:

" إن لله – عز وجل - ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة؛ فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مـع صاحب بدعة، وأدركت خيار الناس كلهم أصحـاب سنـة وهم ينهون عن أصحاب البدعة"([189])

قلت:

والفضيل بن عياض - رحمه الله - له كلام كثير نفيس في ذم أهل البدع والتحذير منهم، فمن ذلك:

قوله: " من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة "

وقال: " لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة"

وقال: " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه "

وقال: " آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد " ([190]).



(4) قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام.

( ت: 224 هـ )



قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( الإيمان )) ([191]):

(( باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل، وما نهوا عنه من مجالِسهم.

وذكر فيه بعض الآثار منها :

قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن مهدي بن ميمون، عن الوليد بن مسلم قال: (( دخل فلان - قد سماه إسماعيل ولكن تركت اسمه أنا - على جندب بن عبد الله البجلي فسأله عن آية من القرآن؟ فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت، قال: أو قال: أن تجالسني أو نحو هذا القول)) .

قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً له شيئاً:

(( لا تجالس فلاناً (وسماه أيضاً) فقال: إنه كان يرى هذا الرأي )) .

والحديث في مجانبة الأهواء كثير، ولكنّا إنما قصدنا في كتابنا لهؤلاء خاصةً.

وعلى مثل هذا القول كان سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، ومن بعدهم من أرباب العلم وأهل السنة الذين كانوا مصابيح الأرض وأئمة العلم في دهرهم، من أهل العراق والحجاز والشام وغيرها، زارين([192]) على أهل البدع كلها، ويرون الإيمان : قولاً وعملاً )) .



(5) قول الإمام أحمد بن حنبل.

( ت: 241 هـ )



قال ابن بطة – رحمه الله تعالى -:

" حدثني أبو صالح محمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو الحسن على بن عيسى بن الوليد العكبري، قال: حدثني أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال: كتب رجل إلى أبي عبد الله – رحمه الله – كتاباً يستأذن فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع، وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله:

" بسم الله الرحمن الرحيم.

أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحـذور، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم، أنهم يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ، وإنما الأمور بالتسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون.

فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم.

فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمـه لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة، فيحمل نفسه على المحال فيه، وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل، ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد مـن ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه فهو يريد أن يزين بالحق والباطل، وإن وضح له الحق في غيره.

ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك "([193]).

وقال الإمام أحمد -أيضاً- :

(( عليكم بالسنَّة والحديث وما ينفعكم الله به وإياكم والخوض والجدال والمراء؛ فإنّه لا يفلح من أحب الكلام وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة؛ لأن الكلام لا يدعو إلى خير، ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام، وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة )) ([194]).

وقال -رحمه الله- :

(( تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، عليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم؛ فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض في أهل البدع والجلوس معهم، وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات مع أهل الضلالة؛ فإنَّه سلامة له منه )) ([195]).

وقال ابن أبي يعلى -رحمه الله-: ((لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة))([196]).

قلت:

فبـين – رحمه الله – أن مذهـب أهل العلم ممن سمع عنهم أو أدركهم: هو هجران أهل البدع، وبين ما تؤدي إليه مخالطة أهل البدع من نتائج وخيمة، ولو كانت مخالطتهم للرد عليهم، فإنّ المرء لا يَأمَن على نفسه الفتنة.

ومخالطتهم هلاك بيّن وسمّ قاتل، قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان أقسام الناس من حيث المخالطة([197]):

" القسم الرابع: من مخالطته الهلاك كله، ومخالطته بمنـزلة أكل السّم، فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثّرهم الله: وهم أهل البدع والضلالة الصّادون عن سنّة رسول الله - صلى الله عليه و سلم - الداعون إلى خلافها الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فيجعلون السنّة بدعة والبدعة سنّة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً … فالحزم كل الحزم التماس مرضات الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بأعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضهم فإنّه عين كمالك ".

وفي قول الإمام أحمد – رحمه الله - أبلغ ردّ على من خالط أهل البدع بحجة إصلاحهم والإنكار عليهم، ويوضح ذلك - أيضاً – الإمام ابن بطة حيث قال بعد أن نقل بسنده حديـث النبي – صلى الله عليه و سلم -: " من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع؛ فإن الرجل يأتيه وهـو يحسب أنه مؤمن فما يـزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات"([198]).

قال – رحمه الله -:

" هذا قول الرسول – صلى الله عليه و سلم - وهو الصادق المصدوق، فالله، الله معشر المسلمين لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه، على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب.

ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم. "([199])

وقال الإمام اللالكائي – رحمه الله – مبيناً خطر مناظـرة أهل البدع وما تؤدي إليه:

" فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ، كمداً ودرداً، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً.

حتى جاء المغرورون، ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا لهم إلى هلاك الإسـلام دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة، حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج، فصاروا أقراناً وأخداناً، وعلى المداهنة خلاناً وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعواناً، يكفرونهم في وجوههم عياناً، ويلعنونهم جهاراً وشتان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين"([200]).

وقال الشيـخ العلامة عبيد الله بن عبد السلام المباركفوري عن قول النبي – صلى الله عليه و سلم -: " وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"([201])، قال:

" وفي هذا التشبيه فوائد منها: التحذير من مقاربـة تلك الأهواء ومقاربة أصحابها، وبيان ذلك أن داء الكَلَب فيه ما يشبه العدوى، فإن أصل الكَلَب واقع في الكَلْب، ثم إذا عضّ ذلك الكلب أحداً صار مثله ولم يقدر على الانفصال منه في الغالب إلا بالهلكة، فكذلك المبتدع إذا أورد على أحد رأيه وإشكاله فقلّما يَسلَم من غائلته، بل إما أن يقع معه في مذهبه ويصير من شيعته، وإما أن يثبت في قلبه شكاً يطمع في الانفصال عنه فلا يقدر، هذا بخلاف المعاصي، فإن صاحبها لا يضارّه ولا يداخله فيها غالباً إلا مع طول الصحبة والأُنس به، والاعتياد لحضور معصيته، وقد أتى في الآثار ما يدل على هذا المعنى، فإن السلـف الصالح نهوا عن مجالستهم، ومكالمتهم، وكلام مكالمهم، وأغلظوا في ذلك "([202]).

وسيـأتي تقرير ذلك – أيضاً – في كلام الآجري – رحمه الله – وغيره.

أما الكتابة من العلماء أو طلاب العلم المتمكنين في الرد على أهل البدع، وبيان ضلالهم وزيف مذهبهم عند الحاجة إلى ذلك فهو من الأمور الواجبة بل من الجهاد في سبيل الله تعالى .

قال ابن تيمية - رحمه الله - :

" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.

فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ".([203])

وقال أيضاً :

(( الرادّ على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنّة أفضل الجهاد )) ([204]) .

وقال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-: ((وأنت إذا تأملت تأويلات القرامطة والملاحدة والفلاسفة والرافضة والقدرية والجهمية، ومن سلك سبيل هؤلاء من المقلدين لهم في الحكم والدليل، ترى الإخبار بمضمونها عن الله ورسوله لا يقصر عن الإخبار عنه بالأحاديث الموضوعة المصنوعة، التي هي مما عملته أيدي الوضاعين وصاغته ألسنة الكذابين، فهؤلاء اختلقوا عليه ألفاظاً وضعوها، وهؤلاء اختلقوا في كلامه معاني ابتدعوها، فيا محنة الكتاب والسنة بين الفريقين، وما نازلة نزلت بالإسلام إلا من الطائفتين فهما عدوان للإسلام كائدان، وعن الصراط المستقيم ناكبان وعن قصد السبيل جائران -إلى أن قال- فكشف عورات هؤلاء، وبيان فضائحهم، وفساد قواعدهم، من أفضل الجهاد في سبيل الله وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لحسان بن ثابت : ((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن رسوله))، وقال: ((أهجهم أو هاجهم، وجبريل معك))، وقال: ((اللهم أيده بروح القدس ما دام ينافح عن رسولك))، وقال عن هجائه لهم: ((والذي نفسي بيده لهو أشد فيهم من النبل))...)) إلخ([205]).

وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في بيان أنواع الأقلام :

(( القلم الثاني عشر : القلم الجامع، وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنّة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم، وتهافتهم، وخروجهم عن الحق، ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم.

وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمـن خرج عن سبيله بأنواع الجدال.

وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل.

فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن)) ([206]).

وقال واصفاً أهل السنّة :

(( فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، ومن ضال جاهل لا يعلم طريق رشده قد هدوه، ومن مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه جهاداً في الله، وابتغاء مرضاته ... )) ([207]).

وقال في نونيته([208]) :

(( هذا ونصر الدين فرض لازم لا للكفاية بل على الأعيان

بيد وإما باللسان فـــإن عجـز ت فبالتوجه والدعا بجنــان))

أما ما نقل عن الإمام أحمد من نهــي عن وضع الكتب فهو كثير، ويوجه ذلك ابن القيم - رحمه الله - فيقول:

(( وإنما كره أحمد ذلك ومنع منه؛ لما فيه من الاشتغال به والإعراض عن القرآن والسنّة والذب عنهما.

أما كتب إبطال الآراء والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس بها، وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة، بحسب اقتضاء الحال )) ([209]).

وكتب السلف في الرد على أهل الباطل والبدع كثيرة جداً، من ذلك ما كتبه الإمام أحمد نفسه في رده على الجهمية والزنادقة، وقد ذكرنا بعضاً منها في الفصل الأول .

فالرد على أهل البدع والمخالفين من أصول الإسلام ، فقد رد الله في كتابه على اليهود والنصارى والمشركين والصابئين وفرعون وهامان وغيرهم، وكذلك رسوله - صلى الله عليه و سلم - .

وهذه الكتب التي تظهر الحق وتبطل الباطل، اغضت مضاجع أهل الأهواء والبدع، فصرفوا عنها الشباب، وحذروا منها مريديهم؛ لأنها تكشف زيفهم، وتبين ضلالهم.

فالواجب على المسلم أن يحترم دينه وعقله، ولا يضعه تحت أقدام هؤلاء الحزبيين السياسيين، يروحون به ويغدون حيث شاؤوا.

وليطلب الحق، وليدرس الأمور، فأهل السنّة أنصح الناس للناس.

والله أعلم .



(6) قول الإمام إسماعيل بن يحيى المزني.

( ت:264هـ )



قال - رحمه الله تعالى - في رسالته شرح السنَّة:

" والإمساك عن تكفير أهل القبلة، والبراءة منهم فيما أحدثوا، ما لم يبتدعوا ضلالاً؛ فمن ابتدع منهم ضلالاً، كان على أهل القبلة خارجاً، ومن الدين مارقاً، ويتقرب إلى الله - عز وجل - بالبراءة منه، ويهجر ويحتقر، وتجتنب غدّته، فهي أعدى من غدة الجرب.

ثمّ قال:

هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأوّلون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوةً ورضىً، وجانبوا التّكلف فيما كفوا، فسددوا بعون الله ووفقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصّروا، ولم يجاوزوه تزيّداُ فيعتدوا.

فنحــن بالله واثقــون، وعليه متوكلــون، وإليه في اتبـاع آثارهم راغبـون ([210])".



(7،8) قول أبي زرعة وأبي حاتم الرازيــين.

( ت:264 هـ ) ( ت:277 هـ )



قال اللالكـائي – رحمه الله – في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة([211]):

" أخبرنا محمد بن المظفر المقري، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حبش المقري قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال:

" سألت أبي وأبا زرعة، عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك؟

فقالا: أدركنـا العلماء في جميع الأمصار – حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً – فكان من مذهبهم:

ثم ذكرا عدداً من عقائد أهل السنة، ثم قال أبو محمد:

" وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً.

قال أبو محمد: وبه أقول أنا.

وقال أبو علي بن حبيش المقري: وبه أقول.

قـال شيخنا (ابن المظفر): وبه أقول.

وقال شيخنا –يعني المصنف – وبه نقول. "

قلت: وبه يقول كل صاحب سنة، حيث إنه إجماع السلف الصالح ومأخوذ من الكتاب والسنّة، ومن لم يقل به ويعتقده فقد ضل السبيل وماذا بعد الحق إلا الضلال.








(9) قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري.

( ت:360 هـ )



قال – رحمه الله تعالى -:

" ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا، وهو كتـاب الشريعة، أن يهجـر جميع أهل الأهواء من الخوارج، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب، وكل من نسبه أئمـة المسلمين أنه مبتـدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس، ولا يصلى خلفه، ولا يزوج، ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه، ولا يعامله، ولا يناظره، ولا يجادله، بل يُذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك.

فإن قال: فلم لا أناظره، وأجادله، وأرد عليه قوله؟

قيل له: لا يُؤمَن عليك أن تناظره، وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك، ويخدعك بباطله الذي زيّن له الشيطان فتهلك أنت، إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته، وإثبات الحجة عليه، بحضرة سلطان أو ما أشبهه، لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا.

وهذا الذي ذكرته لك، فقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله – صلى الله عليه و سلم - "([212]).

قلت:

أشار - رحمه الله - أن كل من تمسك بما عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي دونه في كتابه؛ أن يهجر أهل الأهواء والبدع، الذي هو أصل من أصول السنة، فما من كتاب من كتب السلف التي دونوها لبيان أصول السنّة إلا وذكر هذا الأصل العظيم الذي يؤدي إلى الوقاية من خطر البدعة وأهلها.

ثم بيّن - رحمه الله - أن لهجر أهل البدع صوراً كثيرة، فمن ذلك ترك الكلام معهم والسلام عليهم والجلوس إليهم ومناظرتهم ومجادلتهم، بل لا يُصلى خلفهم ولا يتزوج منهم ولا يزوّجون، بل ويعاملهم بالشدّة والذل لهم.

أما عن الدخول والمناظرة معهم للرد عليهم فليس لأحد ذلك؛ لأنّه لا يأمن أحد من أن يقع في نفسه من شبههم شيء فيهلك، ولا تجوز مناظرتهم إلا لإقامة الحجة عليهم أمام سلطـــان أو غــير ذلــك، كمــا فعل الإمـام عبد العزيز الكناني وابن تيمية وغيرهما من السلف.

ثم ختم كلامه -رحمه الله- بنقل الإجماع على ما سبق أن قرره من الهجر وغيره.

وقد سبق نقل أقوال بعض السلف في النهي عن مناظرة أهل البدع، وما تؤدي إليه من المخاطر، وهذا بخلاف الرد عليهم وبيان ضلالهم فإنه واجب كم مر بيانه.

ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في حكم مناظرة أهل البدع، فيقول: ((وقد ينهون (أي السلف) عن المجادلة والمناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المُضلّ، كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار، فإن ذلك يضرّه ويضر المسلمين بلا منفعة.

وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معانداً يَظهر له الحق فلا يقبله - وهو السوفسطائي- فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية وجحدها الخصم كان سوفسطائيا، ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك، بل إن كان فاسد العقل داووه، وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق - ولا مضرّة فيه- تركوه، وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة: إما بتعزير وإما بالقتل، وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.

والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة لمن لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.

وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطل))([213]).



(10) قـول الإمام ابن بـطــــــــــــة.

( ت: 387 هـ )



قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -:

" ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه - صلى الله عليه و سلم - إلى وقتنا هذا … "

ومما ذكره في هذا الشرح:

" ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك.

ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة " ([214]).

قلت:

رحم الله الإمام ابن بطة، فعن علم تكلم، وبحكمة نطق، فبعد أن بين أن هجر أهل الأهواء والبدع ومقتهم من أصول السنة، نبّه على أن من ناصر أهل البدع ووالاهم وذب عنهم، وصاحبهم، وإن كان يظهر السلفيّة، فإنه يلحق بهم، ويأخذ حكمهم، ويعامل معاملتهم في الهجر وغيره.

وقـد بـين ذلك ووضـحه عـدد من الأئمـة – أيضاً -، ومستندهم في ذلك ما جاء في حديث عائشة ـ رضي الله عنها –قالت: قـال رسول - صلى الله عليه و سلم-:" الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف "([215]).

قال ابن مسعود – رضي الله عنه -:

" إنما يماشي الرجل، ويصاحب من يحبه ومن هو مثله "([216]).

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-:

" من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومجلسه"([217]).

وعن معاذ بن معاذ قال: قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا جليسه([218]).

وقال قتادة: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم([219]).

وعن عقبة بن علقمة قال:

" كنت عند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قال: يقول أرطأة: هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة قال: فقدمت على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته فقال: صدق أرطأة والقول ما قال، هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشد بذكرهم "([220]).

وقال الأوزاعي - رحمه الله -:

" من ستر علينا بدعته لم تَخْفَ علينا أُلفته "([221])

وقال محمد بن عبيد الغلابي:

" يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة " ([222])

وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:

" إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه "([223]).

وقال أبو داود السجستاني – رحمه الله -:

" قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: المرء بخدنه"([224]).

قال الشيخ حمود التويجري عن هذه الرواية وتطبيقها على أهل البدع كجماعة التبليغ:

" وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات، وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم؛ فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات، فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به."([225])

وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -:

" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكـر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق".

قال ابن بطة – معلقاً على قول الفضيل -:

" صدق الفضيل - رحمه الله – فإنا نرى ذلك عياناً " ([226]).

ولما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع – يعني ابن صبيح – وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟

قالوا: ما مذهبه إلا السنة.

قال: من بطانته؟.

قالوا: أهل القدر.

قال: هو قدري. " ([227]).

وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - في شرح السنة ([228]):

" وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى. "

وقال العلامـة شيث بن إبراهيم القفطـي المعروف بابـن الحاج – رحمـه الله- ( ت: 598 هـ ):

" فبين سبحانه بقوله{ وقد نزل عليكم في الكتاب} ما كان أمرهم به من قوله في السورة المكيّة{ فلا تقعد بعد الذكرى مع القـوم الظالمين} ثم بيّن في هذه السورة المدنيّة أن مجالسة من هذه صفته لحوقٌ به في اعتقاده، وقد ذهب قوم من أئمة هذه الأمة إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم.

قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم.

قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم " ([229]).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله – فيمن يوالي الاتحادية وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع:

" ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هـو، أو من قال إنه صنف هذا الكتاب([230])، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل، أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله. " ([231])

وقد سئـل سماحـة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في شرحه لكتاب (( فضل الإسلام ))، ما نصّه: الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟

فأجاب – عفا الله عنه -: " نعم ما فيه شكٌّ، من أثنى عليهم ومـدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافيـة".


بل كان السلف الصالح -رضي الله عنهم ورحمهم- إذا رأوا الشاب في أول أمره مع أهل السنة رجوه، وإن رأوه مع أهل البدع في ممشاه ومجلسه وصحبته أيسوا من خيره ولم يرجوه.

قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه([232]).

وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، فإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه.

ويقول: إن الشاب لينشؤ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب([233]).



(11) قول الإمام ابن أبي زمنين.

( ت: 399 هـ )



قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن أبي زمنين –رحمه الله-:

" ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم. " ([234]).

قلت: لقد مضى أهل السنة من الأولين ومن بعدهم من المتأخرين على طريقة واحدة في التعامل مع أهل البدع، وذلك بعيبهم والتحذير منهم وهجرهم والنهي عن مجالستهم؛ خوفاً على من خالطهم أو جالسهم من فتنتهم.

وكانوا يرون أن ذكر عيوبهم ومساوئهم ليس من باب الغيبة المحرمة، وقد استثنى أهل العلم ستاً من الحالات التي تجوز فيها الغيبة كما قال الناظـم:

القـدح ليس بغيبـة في ستــــة متظلـم ومعـرف ومـحذّر

ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومـن طلب الإعانة في إزالة منكر

وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:

(( لا غيبة لأصحاب البدع )) ([235]).

بل قد نقل شيخ الإسلام ابن تيميـة - رحمه الله - الاتفـاق على وجوب التحذير من أهل البدع، وأن ذلك من الغيبة الجائزة، قال - رحمه الله -:

" وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع.

وذكر منها:

ومنها : أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهـــم ودنيـاهم … وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يخلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد: سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يُتهم في الحديث ولا يحفظ فقالوا بَيّن أمره، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا، وفلان كذا فقال إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.

ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنّة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.

فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين.

ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً".([236])









(12) قول أبي منصور معمر بن أحمد.

( ت: 418 هـ )



قـال أبو القاسم الأصبهاني – رحمه الله – في كتابه " الحجة في بيان المحجة "([237]):

أخبرنـا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة([238])، أنا أبو منصور معمر بن أحمد([239]) قال:

" ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء، أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر، وأهل المعرفة والتصوف من السلـف المتقدمين والبقية من المتأخرين.

فأقول - وبالله التوفيق -: "

فذكر من جملة ذلك:

" ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة وهي مأخوذة عن رسول الله -صلى الله عليه و سلم - بأمر الله تبارك وتعالى."

إلى أن قال:

"فأخذ رسول الله -صلى الله عليه و سلم - السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله - صلى الله عليه و سلم - بالإقتداء بهم([240])، ثمّ أشار الصحابة إلى التابعين بعدهم مثل:

سعيد بن المسيّـب، وعلقمة بن وقاص، والأسود، والقاسم، وسالم، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وقتادة، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين.

ثمّ من بعدهم مثل: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وسليمان التيمي، وابن عون.

ثمّ سفيان الثـوري، ومالك بن أنس، والزهري، والأوزاعي، وشعبة.

ثمّ يحيى بن سعيد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة.

ثمّ مثل: أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وعبد الرحمن بن مهـدي، ووكيع بن الجراح، وابن نمير، وأبي نعيم، والحسن بن الربيع.

ثمّ من بعدهم مثل: أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وأبي مسعود الرازي، وأبي حاتم الرازي.

ونظرائهم مثل من كان من أهل الشام، والحجاز، ومصر، وخراسان، وأصبهان، والمدينة، مثل: محمد بن عاصم، وأسيد بن عاصم، وعبد الله بن محمد بن النعمان، ومحمد بن النعمان، والنعمان بن عبد السلام رحمـــة الله عليــهم أجمعين.

ثمّ من لقيناهم وكتبنا عنهم العلم والحديث والسنة مثل: أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبي القاسم الطبراني، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر أبي الشيخ ومن كان في عصرهم من أهل الحديث.

ثمّ بقية الوقت أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ رحمــه الله.

فكل هؤلاء سرج الدين وأئمة السنة وأولوا الأمر من العلماء فقد اجتمعوا على جملة هذا الفصل من السنة، وجعلوها في كتب السنة ويشهد لهذا الفصل المجموع من السنة،كتب الأئمة فأول ذلك: كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وكتاب السنة لأبي مسعود، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وكتاب السنة لعبد الله بن محمد بن النعمان، وكتاب السنة لأبي عبد الله محمد بن يوسف البنا الصوفي رحمهم الله أجمعين.

ثمّ كتب السنن للآخرين مثل أبي أحمد العسال، وأبي إسحاق إبراهيم ابن حمزة، والطبراني، وأبي الشيخ وغيرهم ممن ألفوا كتب السنة فاجتمع هؤلاء كلهم على إثبات هذا الفصل من السنة وهجران أهل البدعة والضلالة والإنكار على أصحاب الكـلام والقياس والجدال وأن السنة هي إتباع الأثر والحديث والسلامة والتسليم … إلخ "

قلت:

فأبان رحمه الله أن أهل السنة متفقون ومجمعون على ترك الجدال والخصومات وهجـران أهل البدع والضلال، بل قد نقل الإجماع على ترك النظر في كتب أهل البدع.








(13) قول الإمام أبي عثمان الصابوني.

(ت: 449 هـ )



قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث:

" واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم."([241])

وقال أيضاً: " ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره} "([242])

قلت:

أين دعاة التمييع من الحزبيين ومَن انخدع بهم ممن يدعي السلفيّة من منهج السلف في معاملة أهل البدع.

فهذا الإمام الصابوني - رحمه الله - قد نقل الاتفاق على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم والتباعد منهم وبغضهم وغير ذلك من أنواع الهجر والقهر والإذلال، والتقرب إلى الله - عز وجل - بهذا التعامل.

فهل كان السلف الصالح يوادعون أهل البدع ويلينون جانبهم لهم كلا، ثم كلا.

بل قد وصل الأمر ببعض المنتسبين إلى السنّة إلى تقديس أئمة البدع والضلال والموالاة والمعادات من أجلهم، مما يدل دلالة واضحة على بُعْدِهم عن السنّة وأهلها.

قال عبد الله بن داود سنديلة: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة([243]).

قال رجل لأيوب بن أبي تميمة السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة. قال: فرأيته يشير بيده ويقول: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة.([244])

وعن ابن سيرين أنّه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه.([245])

وقال معمر: كان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، قال: وقال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد، ولا تسمع من كلامه شيئاً([246]).

وقال يحيى بن أبي كثير: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر.([247])



(14) قول القاضي أبي يعلى.

( ت: 458هـ )



قال -رحمه الله تعالى- في كتابه الأمر بالعروف والنهي عن المنكر([248])، بعد أن تكلم عن هجر أهل المعاصي والبدع:

((ولأنّه إجماع الصحابة، روى أبو بكر الخلال بإسناده عن عطاء أن رجلاً باع ذهباً أو ورقاً بأكثر من وزنها، فقال أبـو الدرداء: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال الرجل: ما أرى به بأساً فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا ساكنتك بأرض أنت ساكنها أبداً.

وروى بإسناده عن سعيد بن جبير: أن قريباً لعبدالله بن المغفل خذف فنهاه وقال: إنّ رسول الله نهى عن الخذف؛ لأنّها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً ولكنها تكسر السنّ وتفقأ العين، قال: فعاد، فقال: أحدّثك عن رسول الله ثم تخذف لا أكلمك أبداً ... ثم ذكر عدداً من الآثار عن الصحابة في ذلك ثم قال:

ولأنه إجماع التابعين، فروى أبو بكر بإسناده عن أيوب قال: قال لي سعيد بن جبير: أراك مع طلق -يعني ابن حبيب؟ قال: قلت بلى. قال: لا تجالسه فإنه مرجئ.

وبإسناده عن محل الضبي قال: تكلم رجل عند إبراهيم في الإرجاء، فقال له إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا)).



(15) قول الإمام ابن عبد البر.

( ت: 463 هـ )



قال – رحمه الله -:

" أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه، فإن كان كذلك فقد رخّص له مجانبته، ورُبّ صرمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطة مؤذية." ([249])

قلت:

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الوعيد والنهي عن هجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، كما في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه و سلم - قال: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " ([250]).

وهذا الهجر المذكور في الحديث هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلّق له بالدين.

أما هجر أهل البدع فهو غير داخل في هذا الحديث، وذلك للنصوص الواردة في هجر أهل البدع والمعاصي وللإجماع على هجر أهل البدع على التأبيد.

قال الإمام البغوي - رحمه الله -:

" والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة، دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا "([251])

وقال العظيم آبادي صاحب عون المعبود:

" وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع واجبة على مر الأوقات ما لم يظهر منه التوبة والرجوع"([252])

وسيـأتي بيـان ذلك مـن كـلام أبـي العبـاس القـرطـبي صـاحـب المفهم -رحمه الله -.












(16) قول أبي المظفر السّمعاني.

( ت: 489 هـ )



قال في كتابه " الانتصار لأهل الحديث "([253]):

" واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح، وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدع بأبلغ النهي، ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل، وإنما كانوا إذا سمعوا بواحد من أهل البدعة أظهروا التّبري منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته والكلام معه وربما نهوا عن النظر إليه.

وقد قالوا: إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر.

ولقد ظهرت هذه الأهـواء الأربع التي هي رأس الأهواء، أعني: القدر، والإرجاء، ورأي الحرورية، والرافضة في آخر زمن الصحابة.

فكان إذا بلغهم أمرهم أمروا بما ذكرنا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه جادلهم بدلائل العقل، أو أمر بذلك، وقد كانوا إلى عهد رسول الله – صلى الله عليه و سلم - أقرب.

وقد شاهدوا الوحي والتنـزيل وعدّلهم الله في القرآن وشهد لهم بالصدق وشهد لهم النبي – صلى الله عليه و سلم - بالخيريّة في الدين.

وكانت طاعتهم أجل، وقلوبهم أسلم، وصدورهم أطهر، وعلمهم أوفر، وكانوا من الهوى والبدع أبعد.

ولو كان طريق الرد على المبتدعة هو الكلام ودلائل العقل والجدال معهم لاشتغلوا به، وأمروا بذلك وندبوا إليه، وإنما ظهرت المجادلات في الدين والخصومات بعد مضي قرن التابعين ومن يليهم حين ظهر الكذب وفشت شهادات الزور وشاع الجهل واندرس أمر السنة بعض الاندراس، وأتى على الناس زمان حذّر منه النبي – صلى الله عليه و سلم - والصحابة من بعده."

ثم ذكر عدداً من الآثار عن السلف في معاملة أهل البدع وهجرهم والتبري منهم، إلى أن قال: " فهذا الذي نقلناه طريقة السلف وما كانوا عليه. ".

(17) قول الإمام البغــــــــــــوي.

( ت: 516 هـ )



قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي – رحمه الله -:

" وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول صلى الله عليه و سلم خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم. " ([254])


















(18) قول موفق الدين ابن قدامة.

( ت: 620 هـ )



قال العلامة ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([255]):

" وذكر الشيخ موفق الدين – رحمه الله – في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم. "

إلى أن قال:

" وإذا كان أصحاب النبي ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والأعصار متفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة وترك علم الكلام، وتبديع أهله، وهجرانهم، والخبر بـزندقتهم وبـدعتهم، فيجب القول ببطلانه وأن لا يلتفت إليه ملتفت ولا يغتر به أحد. "








(19) قول أبي العباس القرطبي.

( ت: 656 هـ )



قال أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي – بعد أن ذكر تحريم الهجر فوق ثلاث -:

" وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضـب لأمر جائز لا تعلق له بالدين.

فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك، ولا يختلف في هذا. "([256])










(20) قول شيخ الإسلام ابن تيمية.

( ت: 728 هـ )



قال رحمه الله:

" صح عنه أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه -y - لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم، وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم باعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء.

وكذلك أمر عمر رضي الله عنه المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته.

فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مسراً لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً وعملاً

وأما من أظهر لنا خيراً فإنّا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنـزلة المنافقين الذين كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.

ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت، وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع. " ([257])

وقال - رحمه الله -:

" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.

فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً ".([258])

وقال - أيضاً -:

" ومن كان مبتدعاً ظاهر البدعة، وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينـزجر من يتشبـه بطريقته، ويدعو إليه، وقد أمر بمثـل هذا مالك بن أنس، وأحمـد بن حنبل، وغيرهمـا من الأئمة، والله أعلم. " ([259])

وقـال - بعد أن ذكر أنّ المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة -:

" ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روي ذلك عن الحسن البصري وغيره؛ لأنّه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يذم عليه لينـزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته، ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغترّ به الناس، وربما حمل بعضهم أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضاً هو جرأةً وفجوراً ومعاصي، فإذا ذكر بما فيه انكفّ وانكفّ غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته، قال الحسن البصري: أترغبون عن ذكر الفاجر؟! أذكروه بما فيه كي يحذره الناس، وقد روي مرفوعاً، و (( الفجور )) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله.

ولهذا كان مستحقاً للهجر إذا أعلن بدعة أو معصية أو فجوراً أو مخالطة لمن هذا حاله بحيث لا يبالي بطعن الناس فإن هجره نوع تعزير له، فإذا أعلن السيئات أعلن هجره، وإذا أسر أُسر هجره، إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات، وهجرة السيئات هجرة ما نهى الله عنه، كما قال تعالى:

{ والرجز فاهجر}

وقال تعالى:

{ وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم } )
) ([260]).

وقال -رحمه الله-: ((والكلام الذي ذمّوه (أي السلف) نوعان: أحدهما أن يكون في نفسه باطلاً وكذباً، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب، فإن أصدق الكلام كلام الله.

والثاني: أن يكون فيه مفسدة، مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن مجالسة أهل البدع، ومناظرتهم، ومخاطبتهم، والأمر بهجرانهم. وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم، فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته، فإنه يجب منعه من ذلك، فإذا هُجر وعُزِّر، كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بصبيغ بن عسل التميمي، وكما كان المسلمون يفعلونه، أو قُتل كما قَتل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهما، كان ذلك هو المصلحة، بخلاف ما إذا تُرك داعياً، وهو لا يقبل الحق: إما لهواه، وإما لفساد إدراكه، فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين))([261]).





(21) قول شيخ الإسلام ابن القيم.

( ت: 751 هـ)



قال شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن القيم -رحمه الله- مبيناً تاريخ نشأة الفرق:

(( لما أظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي، وتفرقوا في الباطل فرقاً وأحزاباً، لا يجمعهم جامع، ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم، فإنِّهم فقدوا نور النبوّة، ورجعوا إلى مجرد العقول ...، فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه...، فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النّور، لم تطفئه عواصف الأهواء، ولم تلتبس به ظلم الآراء، وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النّور الذي اقتبسوه منهم، وأن لا يخرجوا عن طريقهم، فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج والقدريّة والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمَّة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكليَّة، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين، ولها على العقول والآراء مقدّمين، ولم يدّع أحدٌ منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنّما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم، ورأوا أنَّهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم، فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرّأوا منهم، وحذّروا من سبيلهم أشدّ التحذير، ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنّة، وهو أكثر من أن يذكر ها هنا ... )) ([262]).

وقال: ((فكل بدعة مضلّة في الدين أساسها القول على الله بلا علم.

ولهذا اشتدّ نكير السلف والأئمة لها، وصاجوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذّروا فتنتهم أشدّ التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان؛ إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد))([263]).





(22) قول العلامة محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي.

( ت: 763 هـ)



قال ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([264]):

" قال القاضي: وروى الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة. فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً … وبإسناده عن مجاهد قلت لابن عباس: إن أتيتك برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.

وقـال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس طلق بن حبيب فإنه مرجئٌ.

وقال إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.

وقال محمد بن كعب القرظي: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم.

وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: من كان قدرياً فليقم.

وعن طاووس، وأيوب، وسليمان التيمي، وأبي السوار، ويونس بن عبيد معنى ذلك.

قال القاضي: هو إجماع الصحابة والتابعين ".



(23) قول العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي.

( ت: 790 هـ )



قال -رحمه الله تعالى- في بيان الأوجه على أن ذم البدع عامٌ لا يخص محدثة دون غيرها:

(( والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك، وتقبيحها والهروب عنها، وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنويّة، فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل )) ([265]).







(24) قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.

( ت: 1206 هـ )



قال – رحمه الله تعالى – في رسالته إلى أهل القصيم:

" أُشهد الله ومن حضر من الملائكة وأُشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. "

ثم ذكر مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة ومن ذلك:

(( وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقـد أنّ كل محدثة في الدين بدعة.))([266])










(25) قول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ

( ت: 1293 هـ )



قال رحمه الله تعالى – ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين :

(( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم، وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم )) ([267])


(26،27،28) قول الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سليمان بن سحمان النجدي.

( ت: 1329-1339-1349 هـ )



قالوا -رحمهم الله تعالى- في جواب لهم: ((وأما ما ذكرته من استدلال المخالف بقوله -صلّى الله عليه وسلّم- :((من صلى صلاتنا)) وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فإن هذا فرضه ومحلّه في أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام، كالخوارج ونحوهم، فهؤلاء لا يكفرون؛ لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته، مناقض لأصله، والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً، لكنهم يُبَدّعون ويضللون، ويجب هجرهم، وتضليلهم، والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف))([268]).

وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله تعالى - في كتابه ((كشف الشبهتين ))([269]):

(( واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين:

الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر.

والأمر الثاني: أنّ البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع )).

ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر والتحذير والمباينة.

ثمّ قال:

(( ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع، ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم)).






(29) قول الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

(ت:1367هـ)



قال - رحمه الله تعالى- بعد نقله لكلام لشيخ الإسلام في الهجر ومراعاة المصلحة فيه:

((فانظر: أيها المنصف بعين الإنصاف، واحذر التعصب والاعتساف إلى ما قاله شيخ الإسلام: من أن في هجرهم عزّاً للدين، وهذا إذا كانوا مسلمين، ولكنهم أصحاب معاص واقتراف لبعض الأوزار، فيجب هجرهم واعتزالهم حتى يقلعوا، أما المشرك والمبتدع: فلا نزاع في هجرهما ولا خلاف فيه، إلا عند من قلّ حظّه ونصيبه من العلم الموروث عن صفوة الرسل - صلوات الله وسلامه عليه- ))([270]).



(30) قول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري.

( ت: 1413 هـ )



قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ )) ([271]):

(( وقد كان السلف الصالح يحذرون من أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم.

ثم نقل قول الإمام الصابوني الذي ذكرناه عنه سابقاً وذكر بعض الآثار منها:

عن الأوزاعي أنه قال:

(( كانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم ))

إلى أن قال:

(( وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف في التحذير من أهل البدع والأمر بمجانبتهم ومجانبة من يميل إليهم كثير جداً )).

قلت:

انظر أخي في الله هل ترى في أقوال هؤلاء الأئمة أثرًا للمنهج المبتدع المحدث وهو ما يسمى ( بمنهج الموازنات )([272])؟ وهل ألزموا الناس بذكر حسنات أهـل البدع؟

ما ذكروا – رحمهم الله – إلا المعاداة والإذلال والإخزاء والإبعاد والهجران، بل لم يزل أهل السنة يعيبون أهل البدع كما سبق عن الإمام ابن أبي زمنين.

فإن المبتدع إذا ذكرتَ محاسنه، فقد زخرفتَ وبهرجتَ مذهبَه، بل ودعوتَ إلى مذهبِه.

فاقتفِ آثار السلف الصالح، إذ منهجهم أسلم وأعلم وأحكم.


جواب لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله –

يبيّن فيه أنواع الهجر وضوابطه

فقد سئل - رحمه الله -:

" عمن يجب أو يجوز بغضه أو هجره، أوكلاهما لله – تعالى –؟ وماذا يشترط على الذي يبغضه أو يهجره لله – تعالى – من الشروط؟ وهل يدخل ترك السلام في الهجران أم لا؟ وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الردّ عليه أم لا؟ وهل يستمر البغض والهجران لله – عز وجل - حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهجـره عليها؟

أم يكون لذلك مدة معلومة؟ فإن كان لها مدة معلومة، فمـا حدّها؟ أفتونا مأجورين."

فأجاب – رحمه الله -:

" الهجر الشرعي نوعان:

أحدهما
: بمعنى الترك للمنكرات.

والثاني: بمعنى العقوبة عليها.

فالأول: هو المذكور في قوله – تعالى -:{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ([273])، وقوله – تعالى: { وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بهـا فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}([274]).

فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة، مثل قوم يشربون الخمر، يجلس عندهم.وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم،وأمثال ذلك. بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم، أو حضر بغير اختياره.ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله، وفي الحديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر "([275]). وهـذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قـال صلى الله عليه وسلم: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه "([276]).

ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان. فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى:{ والرجز فاهجر }([277]).

النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها. كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون: الثلاثة الذين خلفوا، حتى أنزل الله توبتهم، حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير، وإن كان منافقاً فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير.

والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.

وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون. فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعيـة أظهر المنكرات، فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم، فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثير منهم. ولهذا جاء في الحديث: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه "([278]).

فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها؛ بخلاف الباطنة؛ لأن عقوبتها على صاحبها خاصة.

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله([279])، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً. وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.

والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ([280])؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه و سلم - يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم، ولما كان أولئك كانوا سادة مطاعون([281]) في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينيّة في تأليف قلوبهم ([282])، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين([283])، وتطهيرهم من ذنوبهم، وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهـادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحـوال والمصالح.

وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن([284]) التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم([285]) بخراسان، والتشيع بالكوفة، وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم([286])، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه([287]).

وإذا عرف هذا: فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسـوله، فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله، وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صواباً، فمن هجر لهوى نفسـه، أو هجـر هجـراً غـير مـأمور بـه: كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه، ظانة أنها تفعله طاعة لله([288]).

والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث، كما جاء في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه و سلم - أنه قال: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "([289])، فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث، كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث، وفي الصحيحين عنه – صلى الله عليه و سلم- أنّه قال:" تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجـلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا"([290])، فهذا الهجر لحق الإنسان حرام، وإنما رخّص في بعضه، كما رخّص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت، وكما رخّص في الثلاث.

فينبغـي أن يفـرق بـين الهجـر لـحق الله، وبــين الهجـر لحق نفســه فـ (الأول ) مأمور به، و ( الثاني ) منهي عنه، لأن المؤمنين إخوة، وقد قال النبي – صلى الله عليه و سلم - في الحديث الصحيح: " لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبـاد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم"([291])، وقال – صلى الله عليه و سلم - في الحديث الذي في السنن: "ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة، والصيام، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا: بلى يا رسول الله !، قال: إصلاح ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين "([292]). وقال في الحديث الصحيح: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "([293]).

وهذا لأن الهجر من " باب العقوبات الشرعية " فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله([294])، والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانيّة، قال تعالى:{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة} ([295])فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم.

فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه.

وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصيـة وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا([296])، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيـت المال ما يكفيه لحاجته.

هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقاً للثواب فقط، وأهل السنة يقولون: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته، كما استفاضت بذلك السنة عن النبي – صلى الله عليه و سلم -.

والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين."([297])
الشيخ خالد بن ضحوى الظفيرى حفظة الله تعالى
 
رد: وجوب التحذير من اهل البدع (مختارات من أقوال العلماء)

للرفع.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top