مسائل فقهية [ متجدد]

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,786
نقاط التفاعل
12,805
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} أما بعد:

فهذا موضوع يخص المسائل الفقهية في جميع أبوابها وسأحاول الإختصار وأجتنب الإطالة مع عدم التطرق للمسائل الخلافية إلا إذا اقتضت الحاجة ذلك
ومن يرد أن يدلي بدلوه في الموضوع فله ذلك من باب التعاون على البر التقوى
وهذا ليس كلامي زإنما هو كلام العلماء والأئمة الكبار
وإذا كان هناك نقاش في مسألة من المسائل فلنخصص لها مكان آخر نناقش فيه المسائل في الإطار الأخوي
 



وسأبدأ بما بدأ به العلماء وهو: كتاب الطهارة

أحكام المياه
معنى الطهارة:
لُغةً: النظافة والنَّزاهة من الأدناس.
واصطلاحًا:ارتفاع الحَدَث، وزوال النَّجَس.
والحَدَث: وصْفٌ معنوي يقوم بالبدن إذا وُجِد سببٌ يمنع من العبادة، وهو قسمان: حدَث أصغْر يُوجِب الوضوء، وحَدَث أكبر يُوجِب الغُسْل، ويُرفَع الحَدَثُ بالوضوء والغسل، أو ما يقوم مقامهما، وهو التيمُّم.
النجس: فهو مستقذَرٌ يمنع من صحَّة العبادة، وزوال النَّجَس يكون بتنقيته عمَّا أصابه.
أحكام الطهارة، فنبدأ أولاً بأحكام المياه.
أحكام المياه:
الأصل أنَّ الماءطاهر مطهِّر، فهو طاهرٌ في نفسه، ومطهِّر لغيرِه؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَنْزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]، ولقوله - تعالى -: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ [المائدة: 6].
تصحُّ الطهارةُ بما نزل من السماء مِن مطر وثَلْج وبَرَد؛ وذلك لما ثبَت في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كبَّرَ في الصلاة سَكَت هُنيَّةً قبل أن يقرأَ، فقلت: يا رسولَ الله، بأبي أنتَ وأمِّي، أرأيتَ سكوتَك بيْن التكبير والقِراءة، ما تقول؟ قال: [أقول: اللهمَّ باعِدْ بيْني وبيْن خَطاياي كما باعدْتَ بين المشرِق والمغرِب، اللهمَّ نقِّني مِن خطاياي كما يُنقَّى الثوبُ الأبيضُ مِن الدَّنَس، اللهمَّ اغْسِلْني مِن خطاياي بالثَّلْجِ والماءِ والبَرَد]الدَّنَس: الوَسَخ والقَذَر.
وتصحُّ الطهارةُ بمياه البحار والأنهار والآبار، وكلِّ ما نبَع من الأرض؛ فعن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: سألَ رجلٌ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله، إنا نرْكَبُ البحْر، ونحمل معنَا القليلَ مِن الماء، فإنْ توضأْنا به عَطِشْنا، أنتوضَّأ بماءِ البحر؟ فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه]
ولا تصحُّ الطهارةُ بالماء الذي غيَّر أحدَ أوصاف الماء: الطعم، أو اللَّوْن، أو الرائحة
مسائل متعلقة بالمياه:
1-الماء المُستعْمَل:
وهو المنفصِل عن أعضاءِ المتوضِّئ والمغتسِل: حُكمُه حُكمُ الأصل؛ أي: إنَّه طاهرٌ مُطهِّر، وسواء في ذلك وَجَد ماءً آخَرَ أو لو يَجِد؛ وذلك لما يأتي:
أولاً:عن الرُّبيِّع بنتِ مُعوِّذ - رضي الله عنها -: "أنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم –[ مسَح رأسَه مِن فضْل ماءٍ كان بيده]

2- الماء الذي خالطَه طاهر:
حُكْمه: أنَّه باقٍ على أصلهطاهر مطهِّر، حتى لو تغيَّر بأنْ ظهَر فيه لونُ هذا الطاهر، أو طعمه، أو رِيحه، بشَرْط ألاَّ يكون التغيُّر فاحشًا يُخرِجه عن إطلاقِ اسم الماء عليه، فإنْ أخرجَه عن إطلاق اسم الماء عليه، فالماء طاهرٌ فقط، لكنَّه غير مُطهِّر، فلا تصحُّ الطهارةُ به - كما سبق.
فعن أمِّ هانئٍ - رضي الله عنها - قالتْ: "اغتَسَل النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وميمونةُ مِن إناء واحِدٍ مِن قصعة فيها أثَر العَجين".
3-الماء الذي خالطته نجاسة، حُكمه كما يلي:
أ-إذا تغيَّر بهذه النجاسةِ أحدُ أوصاف الماء، وهي: طعمه، أو لونه، أو ريحه، فإنَّ الماء يصير نَجِسًا، والدليلُ على ذلك: الإجماع.

قال ابن المنذر - رحمه الله تعالى -: "أجْمعوا على أنَّ الماء القليلَ أو الكثير إذا وقعَتْ فيه نجاسةٌ، فغيَّرت للماء طعمًا أو لونًا أو رِيحًا: أنَّه نجِسٌ ما دام كذلك".

ب-إذا لم يتغيَّرْ أحدُ أوصافه السابقة، فالماء على أصله: طاهِر مطهِّر سواء في ذلك قليلُ الماء وكثيرُه.

والدليلُ على ذلك: ما رواه أصحابُ السُّنن عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ - رضي الله عنه - قال: قيل: يا رسولَ الله، أنتوضَّأ مِن بِئر بُضاعَة - وهي بِئرٌ يُلقَى فيها الحِيَضُ ولحومُ الكلاب والنَّتَن - فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[الماءُ طَهورٌ لا يُنجِّسُه شيءٌ]
.



ثانيًا:وأمَّا ما دون القُلَّتين، فلم ينصَّ الحديثُ على أنه يحمِل الخبَث، لكن يُفهَم منه أنه مَظِنَّةُ حمْل الخبَث، وليس فيه أنه يحْمِل الخبَث نصًّا، ولا أنَّ ما يحمله مِن الخَبَث يُخرِجه عن الطهوريَّة إلا إذا تغيَّر أحدُ أوصافه.
-4ما يقع في الماء:
مِن وَرَق الأشجار والطُّحْلُب، أو ما تحمله الرِّيحُ فتُسقطه في الماء، أو تَجذِبه السيولُ مِن العيدان والتِّبْن ونحوه، فيتغيَّر الماء به، كلُّ ذلك لا يُخرِجه عن طهوريته، بمعنى أنَّه باقٍ على أصله: (طاهر مطهِّر)؛ لعمومِ قوله - تعالى -: ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ [المائدة: 6]، وهذا واجدٌ للماء، فلا يجوز العدولُ عنه إلى غيره.
-5إذا وقَع ترابٌ في الماء فغيَّره:
لا يَمنع طهوريةَ الماء؛ لأنَّ الترابَ يُوافِق الماءَ في صِفتيه: الطهارة والطهورية، ولأنَّ صاحبَه واجدٌ للماءِ - كما تقدَّم.
-6الماء الآجن:
وهو الذي تَغيَّر بطول مكْثِه في المكان، حُكمه: أنَّه باقٍ على إطلاقه، فعلَى هذا لو وُضِع ماءٌ في خزَّان مُدَّةً طويلة فتغيَّر، جاز الوضوءُ به.
-7 قال ابنُ قدامة - رحمه الله تعالى -:
"وإذا كان على العضوِ طاهرٌ كالزعفران والعجين، فتغيَّر به الماءُ وقتَ غسْله لم يَمنعْ حصولَ الطهارة به".
قلت:وعلى هذا لو اغْتَسل بالصابون، ثم أراقَ الماءَ على جسدِه وعليه الصابون ونحوه، فالغُسل صحيح، وقد تقدَّم أثر ابن مسعود: "إذا غسَل الجُنُبُ رأسَه بالخَطْمي أجْزأه".
-9 يجوز الوضوء بالماء المشمَّس والماء الساخِن:
وليس هناك دليلٌ يمنع مِن استعمالهما، وعلى ذلك فلا بأسَ باستخدام السخَّانات الشمسيَّة.
وعن أيوب قال: سألتُ نافعًا عن الماء الساخِن؟ فقال: "كان ابنُ عمر يَغتسِل بالحميم.
10-يجوز الوضوء بماء زمزم:
فعن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دعَا بسَجْلٍ مِن ماء زمزم، فشَرِب منه وتوضَّأ"
1-1إذا شكَّ في نجاسة ماء:
إذا شكَّ في نجاسة ماء كان أصله طاهرًا، أو شكَّ في طهارته وكان أصلُه نجسًا، حَكَم باليقين في كِلتا المسألتين، وهو الأصلُ الذي كان عليه، فما كان أصلُه الطهارةَ فهو طاهِر، وما كان أصلُه النجاسةَ فهو نجِس، وكذلك لو شَكَّ في الأرض: هل هي نَجِسةٌ أم طاهِرة؟ فالأصْل أنها طاهرة.
12-إذا اشتبه عليه ماءٌ طَهورٌ بماء نَجِس:
أو اشتبه عليه ثوبٌ طاهِر بثياب نجسة، فالصحيحُ أنَّه يتحرَّى بقدْر ما يستطيع، ويستعمل ما يغلب على ظنِّه طهارتُه، وفي المسألة نِزاع، والصحيح ما ذكرتُه "راجع الشرح الممتع".
13-إذا أُزيلتِ النجاسةُ عن الماء:
بأن تَغيَّرت بنفسِها، أو بإضافةِ ماءٍ طهور إليه، أو نحو ذلك، بحَيْثُ لم يظهرْ أثرٌ للنجاسة من طعم أو لون أو رائحة، فالماءُ في هذه الحالة يَصير طاهرًا مطهِّرًا
 
حكم الأسآر
معنى السؤر:
الأَسْآر جمْعُ سُؤْر، والسُّؤر: فَضْلَة الشُّرب؛ أي: ما يتبقَّى في الإناء بعدَ شُرْبه.
حُكمه:
1-سُؤر الآدمي:
الآدمي طاهِرٌ في نفسه، وسؤره وعَرَقه طاهران، سواء كان مسلِمًا أو كافرًا، وسواء كان رَجُلاً أو امرأة، وسواء كانتِ المرأة حائضًا أو غير حائض، اعتبارًا بأصل الخِلْقة، وتكريمِ الله للإنسان.
والدليل على طهارةِ المسلِم: ما ثبَت في الصحيحين عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: لَقِيني رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنا جُنُب، فمشيتُ معه وهو آخذٌ بيدي، فانسللتُ منه فانطلقتُ فاغتسلت، ثم رجَعْتُ إليه فجلستُ معه، فقال: ((أين كُنتَ يا أبا هُرَيرَة؟))قلتُ: لقِيتَني وأنا جُنُب فكرهتُ أن أُجالِسَكَ، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (([إنَّ المؤمِنَ لا يَنجُسُ].
والدليل على طهارة الكافر: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - توضَّأ مِن مَزَادة مشرِكة، وربَط ثمامةَ بن أُثَال وهو مشرِك بسارية مِن سواري المسجد، وأكَل مِن الشاة التي أَهْدتْها إليه يهوديةٌ مِن خَيْبر
وأما قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 28]، فالمقصود النجاسةُ المعنوية، وهي نجاسةُ الاعتقاد.
وأمَّا الدليل على طهارة سؤر الحائض: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّق العَرْقَ وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيضع فاه على موضع فيَّ".
والعرق: هو العَظم الذي أخذ منه مُعظم اللحم، وبقي منه القليل.
2 -سؤر الحيوان مأكول اللحم:
الحيوان المأكول اللحم طاهر، وعرقه وسؤره طاهران.
والدليل على ذلك: (البراءة الأصلية)؛ إذ الأصل الطهارة، لذا فقد نقل ابن قدامة عن ابن المنذر - رحمه الله - قال: "وأجمع أهل العلم على أن سؤر ما أكل لحمه طاهر، ويجوز شربه والوضوء به".
3-سؤر الهرة:
وهي طاهرة، وعرقها وسؤرها طاهر.
والدليل على ذلك: عن كبشةَ بنتِ كعب بن مالك - وكانتْ تحت أبي قتادة - أنَّ أبا قتادة - رضي الله عنه - دخَل عليها فسكبتْ له وَضُوءًا، قالت: فجاءتْ هِرَّة فأصغَى لها الإناء حتى شرِبت، قالت كبشة: فرآني أنظرُ إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم، فقال: إنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:[إنَّها ليستْ بِنَجَس؛ إنّها من الطوَّافين عليكم والطوَّافات]
4-سُؤر البِغال والحَمير:
قال ابنُ قُدامَة - رحمه الله -: "والصحيح عندي طهارة البَغْل والحمار؛ لأنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يركبها وتركب في زمنه وفي عصْر الصحابة، فلو كان نجسًا لبيَّن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك؛ ولأنَّهما لا يمكن التحرُّز منهما لمقتنيهما، فأشبها السِّنَّور]، ومعنى السِّنَّور:الهرَّة.
5-سؤر السِّباع وجوارح الطَّيْر والحشرات، ونحو ذلك:
اختلَف أهلُ العِلم في سؤر السِّباع، فذَهَب بعضُهم إلى طهارتها اعتبارًا بالأصل؛ لما ورد في الحديث: "أنَّه سُئِل أنتوضَّأ بما أفضلتِ الحُمُر؟ قال: نعَم، وبما أفضلتِ السباعُ كلُّها"، لكنَّه حديثٌ ضعيف، وقد أورد النوويُّ أثرًا عن عمر، وهو أثرٌ مرسَل، لكن قال النووي في "المجموع" (1/ 174): إلا أنَّ هذا المرسل له شواهدُ تُقوِّيه.
وذهَب آخرون إلى نجاسةِ سؤرها مستدلِّين بما ثبَت في الحديث: أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُئِل عن الماءِ في الفلاة مِنَ الأرض وما يَنوبُه مِن السِّباع والدواب؟ فقال[إذا كانَ الماءُ قُلَّتَيْن لم يحملِ الخَبَث]
قالوا: "وظاهِرُ هذا يدلُّ على نجاسةِ سُؤر السِّباع؛ إذ لولا ذلك لم يكن لهذا الشَّرْطِ فائدة، ولكان التقييدُ به ضائعًا".
قلت: وفي الاستدلالِ بذلك نظَر؛ فقد قال الخطَّابي - رحمه الله -: "وقد يحتمل أن يكونَ ذلك مِن أجْلِ أنَّ السباع إذا وردتِ المياه خاضتْها وبالتْ فيها، وتلك عادتُها وطِباعها، وقلَّما تخلو أعضاؤُها من لوث أبوالها ورجِيعها، وقدْ ينتابها في جُملة السباع: الكلاب، وأسآرُها نجِسة ببيان السُّنَّة".
قال ابن قدامة - رحمه الله -: "ورخَّص في سُؤر ذلك: الحسنُ وعطاء، والزهري ويحيى الأنصاري، وبُكير بن الأشجِّ وربيعة، وأبو الزناد ومالك والشافعي، وابنُ المنذر".
6-سؤر الكلب والخِنْزير:
وحُكمه: النَّجاسة؛ أمَّا سؤر الكلْب؛ فلقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم[طُهورُ إناء أحدِكم إذا وَلَغ فيه الكلبُ، فليغسله سبعَ مرَّات، أُولاهُنَّ بالتراب]، وهو دليلٌ على نجاسته.
وأمَّا الخِنزير؛ فلقوله - تعالى -: ﴿ أَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145].
أي:نَجِس، فما تولَّد منه يكون نَجِسًا، وهذا مذهبُ الشافعي وأبي حنيفة وأحمد، وذهب مالكٌ والأوزاعي وداود إلى طهارةِ سُؤرهما، والقولُ الأوَّل أرْجَحُ، والله أعلم.
 
أحكام النجاسات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وجوبُ إزالة النَّجاسة:
قال - تعالى -: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم [أكْثَرُ عذابِ القبْر مِن البَوْل]
وعن أبي سعيدٍ الخُدري في قصَّة خَلْعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنعْلِه في الصلاة، قال: [إنَّ جبريلَ أتاني فأخْبَرني أنَّ فيهما قَذَرًا]،
المسألة الثانية: أنواع النجاسات.
أولاً الميتة:وهي كل ما مات دون تَذْكية، والدليل على نجاسةِ الميتة ما ثبَتَ في الصحيحَيْن عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ فماتتْ، فمرَّ بها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: (هلاَّ أخذتُم إهابَها فدَبَغْتموه فانتفعتُم به؟)، فقالوا: إنَّها ميتة، فقال: [إنَّما حُرِّم أكْلُها]

وعنه أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: [أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقَدْ طَهُر]، فدلَّ ذلك على أنَّ الأصلَ في الميتة النجاسَة، وأنَّ تطهيرَ جِلْدها يكون بالدِّباغ.
الإهاب: الجِلْد قَبْلَ الدبغ.
ويُلحَق بحُكم الميتة ما يأتي:
إذا قُطِع منَ البهمية شيءٌ قبلَ ذَبْحها فهو ميتة؛ فعَن أبي واقدٍ اللَّيثي - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: [ما قُطِع مِن البهيمة وهي حيَّة، فهو مَيْتَة]

فعلى هذا ما يُقْطَع مِن سَنمَةِ الجمل، أو أَلْيَةِ الضأن، أو ما يَفْعَله بعضُ مَن يتولَّوْن الذبحَ في المذابح العامَّة مِن قطْع أُذن، أو بتْر قدَم ونحوه - يدخُل في حُكْم الميتة، فلا يَحِلُّ أكْلُه، وهو نَجِس.

الحيوان غير المأكول اللحم:حُكْمُه حُكْمُ الميتة، حتى لو ذُكِّي بالذَّبْح؛ إذ مِن شروط صِحَّة التذكية: حِلُّ المُذكَّى؛ ففي الصحيحين عن سَلَمةَ بنِ الأكوع - رضي الله عنه - قال: لَمَّا أمْسَى اليومُ الذي فُتِحَتْ عليهم فيه خيبرُ، أوقَدوا نيرانًا كثيرة، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[ما هذه النار، على أيِّ شيءٍ تُوقِدون؟قالوا: على لحْم، قال،على أيِّ لحْم؟،قالوا: على لحْمِ الحُمُر الإنسيَّة، فقال،أهْريقوها واكْسِروها، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أو نُهريقها ونَغْسِلها؟ فقال:أو ذاك]

فهذا الحديثُ يُستَدلُّ به على نجاسةِ لحم الحيوان الذي لا يُؤكَل وإنْ ذُكِّي؛ لأنَّ الأمر بكَسْرِ الآنية أولاً، ثم الغَسْل ثانيًا يدلاَّنِ على النجاسة، وفي بعضِ الرِّواياتِ التصريحُ بنجاستها، وذلك قوله:إنَّها رِجْس]
ويُستثنَى مِن ذلك أمور:
1-ميتة السَّمك والجراد:
فإنَّهُما طاهرتانِ؛ لحِلِّهما، وممَّا يدلُّ على حِلِّ ميتة البحْر قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه: هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه]

وعلى هذا فيُباح ميتةُ البحر على أيِّ حالةٍ وُجِد؛ طافيًا كان أو غيرَ طافٍ، وسواء كان بفِعْل آدمي، أو قذَف به البحرُ، أو نحو ذلك.

وأمَّا الدليل على حِلِّ الجراد، فعَن ابنِ أبي أوْفَى - رضي الله عنه - قال: "غزَوْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سبع غزوات أو سِتًّا نأكُل معه الجراد".
2- عَظْم الميتة وشَعرها وقَرْنها وظُفُرها، ونحو ذلك عدَا الجِلد:
طاهرٌ؛ وهذا ما رجَّحه شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "الفتاوى"، قال[وهذا قولُ جمهور السَّلَف]، قال الزُّهري - رحمه الله - في عِظام الموتَى - نحو الفيل وغيره -: أدركتُ ناسًا من سَلَف العلماء يَمتشِطون بها ويَدَّهِنون.

3- وأما جِلْد الميتة:
فإنَّه نَجِس، لكنَّه يَطهُر بالدباغ، فعنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ فماتتْ، فمرَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((هلاَّ أخَذْتُم إهابَها فدَبَغْتُموه فانْتَفعتُم به؟الحديث، وعنه أيضًا قال - صلَّى الله عليه وسلَّم[أيُّما إِهابٍ دُبِغ فقَدْ طَهُر]
-4وأمَّا لَبَن الميتة وإنفحتها:
فقد قال ابنُ تيمية - رحمه الله -: "والأظهر أنَّ إنفحةَ الميتة ولَبَنَها طاهر؛ وذلك لأنَّ الصحابة لَمَّا فتحوا بلادَ العراق أكَلوا جُبْنَ المجوس، وكان هذا ظاهِرًا شائعًا بينهم".
والإنفحة: شيءٌ أصْفَر يخرُج مِن بطن الحيوان، يُعصَر في صوفةٍ مُبْتلَّة في اللَّبَن فيغلظ.

5-ميتة ما لا نَفْسَ له سائِلة:
والمراد الذي لا يَسيلُ له دمٌ إذا مات أو جُرِح؛ كالذُّباب، والجَراد، والعقرب، فهذه لا تنجُس بموتها، واستدلَّ العلماءُ على ذلك بما ثبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[إذا وقَعَ الذُّبابُ في شرابِ أحدِكم فلْيغْمِسْه كُلَّه، ثم ليطرحْه، فإنَّ في أحدِ جَناحَيْه داءً، وفي الآخَرِ دواءً] فلم يأمرْ بإراقةِ الشراب، ومعلومٌ أنَّه لو كان يُنجِّسه لأَمَر بإراقته، والله أعلم.

ثانيًا - أي: مِن النجاسات - لحم الخِنزير:
قال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145]

والضمير في قوله: ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ يَرجِع إلى أقربِ مذكور، وهولحْم الخِنْزير

ثالثًا: بول الآدمِي وغائِطُه:
قال صِدِّيق حسَن خان - رحمه الله -: بل نجاستُهما مِن بابِ الضرورة الدِّينيَّة، كما لا يخفَى عَلى مَن له اشتغالٌ بالأدلَّة الشرعيَّة.

أمَّا الغائط، فعَن أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:[ إذا وَطِئ أحدُكم بنعلِه الأذى، فإنَّ الترابَ له طَهورٌ] وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا تبرَّزَ لحاجتِه أتيتُه بماءٍ فيَغسِل به".

وأمَّا البول، فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: مَرَّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحائطٍ مِن حيطان المدينةِ، فسمع صوتَ إنسانَيْن يُعذَّبان في قُبورهما، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبير))، ثم قال: ((بلى؛ كان أحدُهما لا يَسْتَتِرُ مِن بولِه....] وفي روايةٍ لا يَسْتَنْزِه مِن بوْلِه: والمقصودُ عدمُ التحفُّظ.
حُكْم بول الصبي:
عن أمِّ قيْس - رضي الله عنها -: "أَنَّها أتَتْ بابنٍ لها صغيرٍ لم يأكُلِ الطعامَ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأجْلَسَه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حِجْرِه، فبال على ثوبِه، فدعا بماءٍ فنَضَحَه ولم يَغْسِلْه".

وعن أبي السَّمْح - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم[يُغْسَل مِن بولِ الجارية، ويُرَشُّ مِن بولِ الغُلام]
وهذه الأحاديث يُستفادُ مِنها أحكام:
-نجاسة بوْل الصبي.
-يُخفَّف في تطهيرِ بوْل الغلام الذَّكَر بالرشِّ، وأمَّا بول البِنت فيَجِبُ فيه الغَسْل.
-يُشترَط في ذلك أن يكونَ الغلامُ لم يأكُلِ الطعام، والمرادُ: لم يَحْصُلْ له الاغتذاءُ بغير اللَّبن على سبيلِ الاستقلالِ، بمعنى: أنَّه صار يشتهي الطعام؛ بحيث إذا مُنِع منه بَكَى
 
جزاك الله كل خير على هذه المسائل الفقهية
اسأل الله ان يجعلها في ميزان حسناتك
 
جزاك الله كل خير على هذه المسائل الفقهية
اسأل الله ان يجعلها في ميزان حسناتك
اللهم أمين
أسأل الله أن يعلمنا ماينفعنا وينفعنا بما علمنا
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top