على رأي المثل ! هذه العادات والتقاليد

Autumn leaves

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
19 جوان 2011
المشاركات
1,528
نقاط التفاعل
4,161
النقاط
676
محل الإقامة
yemen
الجنس
أنثى
كثيرا ما أفكر في هذه العبارة ( على رأي المثل ) وأسأل نفسي عن مدى صحة التزامنا برأي المثل !
كنت أجلس مع امرأة متعلمة كثيرة القراءة والاطلاع ، كثيرا ما تفاجئني بسلوكيات لا تتناسب مطلقا مع سلوك امرأة واعية مطلعة ،
سألتها كونك متعلمة وتعرفين ما يجوز وما لا يجوز ، تميزين الصحيح من الخطأ ، و بدأت أعدد لها كثيرا من المخالفات منها عدم طاعة الزوج في بعض الأمور كعدم الانصياع لرغبته في بقائها في المنزل أو عدم ذهابها إلى أماكن محددة ، تقديم المعروف للغريب و الإساءة للقريب بناء على رأي المثل القائل
(
الأقارب عقارب )!.. وما إلى ذلك ..
قالت لي : هذه العادات والتقاليد ، جداتي تربين على ذلك ، وإذا فعلت ما تقولين فسيقول الناس هذه متشددة ونيتها سيئة ، ألم تسمعي بالمثل الذي يقول
(
إذا ذهبت إلى أرض العميان ، أعمي عينك )!
أدهشني ردها ، الحقيقة انصدمت ، وبقيت صامتة ..
قلت في نفسي إذا كان الجميع أعمى لم لا أكون المبصرة التي يقع عليها الاصلاح ومساعدة الآخرين ؟ أي لم ينبغي أن أكون عمياء مثلهم ؟
عدت للمنزل وفكرت كثيرا في تصرفات كثيرة يتم تقيمها استنادا إلى الأمثلة الشعبية الدارجة ،
بعضها صائب وبعضها خاطئ و غير منطقي ، وهذا ما يجعلنا نهتم بكلمة عيب أكثر من اهتمامنا بكلمة حرام
نراقب ردود أفعال الناس ولا نراقب سلوكياتنا التي يراقبها الله عزوجل ،،
يقول المثل ويقول المثل ... وكأن تلك الأمثال أصبحت لها حرمة النصوص الشرعية !
فنجد البعض يخالف الدين لأجل العادات والتقاليد ، وما تناقله الأجداد ..
لا أقول أن ننسلخ من ثقافتنا وعاداتنا ، ولكن أٌقصد السير بعينين مغمضتين ،
نتبع الأثر دون تدبر وتفكر في مدى صحته وسلامته وتوافقه مع المعتقدات الدينية والأخلاقية ..
***
لعل ذلك سائد في مجتمعنا فقط ,,
ولكن أود معرفة أرائكم بهذا الخصوص من حيث ..
- مدى سيطرة الأمثلة الشعبية على سلوكياتنا و ردود أفعالنا وتعاملنا مع المواقف التي تواجهنا يوميا .
- أضرار الالتزام بالأمثلة الشعبية وأحكامها وتقديمها على بعض الأحكام الشرعية .
- كيف يمكن أن نربي جيلا يتخلص إلى حد ما من سيطرة بعض الأمثلة وأقصد التي لا تتناسب مع الدين والمنطق .

تنويه : قد أتأخر في المتابعة بسبب تردي خدمة الانترنت في المنطقة .. التمسوا لي العذر..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيك وجزاك كل خير وجعل كل حرف خطته يمناك في موازين حسناتك
بارك الله لك في دينك وعرضك ومالك ودنياك ورزقك بما تحبين فيما يحب ويرضى لك
لي عودة باذن الله
 
السلام عليكم اختي
في الحقيقة موضوع شيق و أسئلتك فيه في محلها لا أظن انسانا بكامل وعيه و مستواه الثقافي و قناعاته الاسلامية يتبنى مثل او حكمة قيلت في زمن ما دون ان يدرسها يحللها او عالاقل يضعها موضع تجربة و هذا هو منبع الحكمة او المثل محال ان مثل او حكمة ما صارت متداولة بين الناس فقط لانها على القافية او لان احدهم وضعها في قصيدة ما لكنها صارت متداولة لانها كانت واقعا حاصلا جربه اناس كثر او لنقل نسبة ليست بالهينة من الناس فصارو يتداولنوها لانها عبرت فعلا عما احسو به و جربوه في موقف ما اي انها لم تكن وحيا او كلاما قاله الاجداد تبعه بعما الابناء على الاقل في جيلنا الحالي حيث آخر ما يهم الابناء هو رأي الآباء فما بالك بالاجداد اظن فكرتي وصلتك
اما عن كون الحكمة او المثل تستحق ان نعمل بها دون تفكير فكما سبق و قلت هي ليست وحيا. فهي تفتقر للدقة في وصف الموقف المحدد الذي حصلت فيه كما انها كلام جد موجز لا تعطي مجالا للاستثناءات ليست لها قواعد ولا فقه ولا اصول ولا مصدر من قالها و لِما قالها و لمن قالها فمرات تصيب و مرات تخطئ . فلا ارى ان نقول انها دوما مخطئة او مصيبة لكن نخضعها للتجربة ومن خلال هذه التجربة تضعين لها قواعد
فمثلا الاقارب عقارب: نعم هناك من الاقارب من يبغضك و لا يرضى لك خيرا فهذه الحكمة تنبهك من لسعته لانه قريب منك يعرف داخليتك فسيلسعك في اضعف نقطة عندك هو يعلمها نتيجة هته القرابة.
اما بعض الاقارب فأخوتهم لك بادية و خيرهم لك يسبق غيرهم فهنا لا تنطبق هذه الحكمة.
موضوع شيق اختي آسفة على الاطالة
سلام
 
السلام عليكم اختي
في الحقيقة موضوع شيق و أسئلتك فيه في محلها لا أظن انسانا بكامل وعيه و مستواه الثقافي و قناعاته الاسلامية يتبنى مثل او حكمة قيلت في زمن ما دون ان يدرسها يحللها او عالاقل يضعها موضع تجربة و هذا هو منبع الحكمة او المثل محال ان مثل او حكمة ما صارت متداولة بين الناس فقط لانها على القافية او لان احدهم وضعها في قصيدة ما لكنها صارت متداولة لانها كانت واقعا حاصلا جربه اناس كثر او لنقل نسبة ليست بالهينة من الناس فصارو يتداولنوها لانها عبرت فعلا عما احسو به و جربوه في موقف ما اي انها لم تكن وحيا او كلاما قاله الاجداد تبعه بعما الابناء على الاقل في جيلنا الحالي حيث آخر ما يهم الابناء هو رأي الآباء فما بالك بالاجداد اظن فكرتي وصلتك
اما عن كون الحكمة او المثل تستحق ان نعمل بها دون تفكير فكما سبق و قلت هي ليست وحيا. فهي تفتقر للدقة في وصف الموقف المحدد الذي حصلت فيه كما انها كلام جد موجز لا تعطي مجالا للاستثناءات ليست لها قواعد ولا فقه ولا اصول ولا مصدر من قالها و لِما قالها و لمن قالها فمرات تصيب و مرات تخطئ . فلا ارى ان نقول انها دوما مخطئة او مصيبة لكن نخضعها للتجربة ومن خلال هذه التجربة تضعين لها قواعد
فمثلا الاقارب عقارب: نعم هناك من الاقارب من يبغضك و لا يرضى لك خيرا فهذه الحكمة تنبهك من لسعته لانه قريب منك يعرف داخليتك فسيلسعك في اضعف نقطة عندك هو يعلمها نتيجة هته القرابة.
اما بعض الاقارب فأخوتهم لك بادية و خيرهم لك يسبق غيرهم فهنا لا تنطبق هذه الحكمة.
موضوع شيق اختي آسفة على الاطالة
سلام

أهلا بك أخت خديجة ،،
رد أكثر من رائع ،،
نعم فهمت مقصدك ،،
أوافقك أن المثل ليس خاطئا بصفة مطلقة خصوصا وأن من قاله بالتأكيد له تجاربه وظروفه والتي قد تتغير من زمان لزمان أخر أو من حال إلى حال
وهذا مربط الفرس ،، الذي أقصده هو تماما ما أشرتي إليه ..
لا يصح أن نسير خلفها مغمضين العينين بل يجب التمحيص و التأكد من مدى صحته ..

رد مميز بالفعل وبه الكثير من التفصيلات الهامة ..

وفقك الله
 
- مدى سيطرة الأمثلة الشعبية على سلوكياتنا و ردود أفعالنا وتعاملنا مع المواقف التي تواجهنا يوميا .
في الحقيقة وفي كثير من الاحيان أننا نتخير من الأمثلة ما يليق بنا أو ما يخدم موقفنا ولا نسقط المثل غالبا الا بعد اختيار قرارنا والمناسب من الافعال والاقوال لنا فنقوم باختيار المثل الملائم كنوع من الاحساس براحة البال والاطمئنان لاعتمادنا على مثل يعتبر خلاصة وزبدة تجارب من سبقونا بالحدث كما كان رد زميلتك باختيارها المثل المناسب ربما أقول اننا نحن من نتحكم في الامثلة بالاصطياد وليس العكس ربما.


- أضرار الالتزام بالأمثلة الشعبية وأحكامها وتقديمها على بعض الأحكام الشرعية .
طبيعة البشر دوما يبحث عن المخرج والمنفذ فان لم يجد ما يوافق رغبته في الشرع تمسك بالمثل ولو كان مخالفا ولو ابتكر مثلا من عنده فالمخالف مخالف في كل الأحوال ويبحث عن المبررات في كل مكان وهو ملتزم بالمبرر حتى يحقق غايته.
والبعض فعلا يجعل الأمثة مقدمة على الشرع ومقدسة لكثرة الاعتماد عليها حتى أنه يسقط حكما شرعيا بدعوى أن المثل قاله فلان او ورثه عن أجداده انه تقديس بجهل احيانا يكون متعمد خاصة في المواريث يعتمد البعض عما تركه الناس من أمثلة مخالفة فأورثوها الاجيال التي عاصرتهم.


- كيف يمكن أن نربي جيلا يتخلص إلى حد ما من سيطرة بعض الأمثلة وأقصد التي لا تتناسب مع الدين والمنطق

بالتفقه في الدين حتى نكون على بينة وبصيرة والنطق بأحكامه والاقتداء بسيرة خير البشر وأحكمهم وأصدقهم قولا وفعلا عليه الصلاة والسلام وأما الأمثلة ما وافقت الشرع نقربها وما خالفته نبعدها ونمحيها. ومع الاجيال الحالية التي تجعل من الاغاني قدوة في الكلام والفعل الله يلطف ما أخذوا لا بالشرع ولا بالمثل فقد أخذوا بكلام الماجنين والفساق نسأل الله العافية والسلامة ولا يوجد ألطف وأنظف وأحسن من القرآن والسنة وسيرة الخلفاء الراشدين والتابعين المحسنين.

مشكورة على الطرح القيم.
 
أهلا وسهلا بك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله اوقاتكم وملاها يمنا وبركة
هلا والف مرحبا بك غاليتي
ترحب بك الجنة ان شاء الله يارب
عدنا والعود احمد باذن الله

اجابة على اسئلتك :

- مدى سيطرة الأمثلة الشعبية على سلوكياتنا و ردود أفعالنا وتعاملنا مع المواقف التي تواجهنا يوميا .

في الحقيقة هي تقريبا تسيطر كليا على كل جانب من حياتنا للاسف الشديد هدانا الله وكل امة محمد صلى الله عليه وسلم
وعن نفسي لا مكان لشيء اسمه عادات وتقاليد في قاموس حياتي وتصرفاتي كما اني اكره بشدة مايسمى عادات وتقاليد واجن كليا ادا تم تقديمها على الدين وابدا لا اهتم بالعادات والتقاليد ربما الا مالا يتناقض والدين وهدا يكون نادرا والحمد لله الذي من علي بفضله


- أضرار الالتزام بالأمثلة الشعبية وأحكامها وتقديمها على بعض الأحكام الشرعية .

يكفي ان تري حال المجمتع اليوم لتعرفي اضرار الالتزام بالامثلة الشعبية واحكامها وتقديمها على الاحكام الشرعية
مثلا في موضوع الستر والحجاب اول شيء يقال ليس من عادات اجدادنا لبس اللباس الفاضح وغيره من كلام تافه كهدا
الامر الذي يغضبني حقا اننا نضع كلام الناس في عين الاعتبار اكثر من كلام رب الناس هدانا الله وكل امه محمد صلى الله عليه وسلم


- كيف يمكن أن نربي جيلا يتخلص إلى حد ما من سيطرة بعض الأمثلة وأقصد التي لا تتناسب مع الدين والمنطق .

قبل كل شيء يجب ان يكون الوالدين اولا هارفين باسس الدين الكريم وبان يقوما بتعليم وتنشئة ابنائهم على اسسه ودلك من خلال تعاملهم مع ابنائهم بهم وليس الكلام فقط
فالاطفال يعتبرون الاولياء قدوتهم واول قدوة وهم لا يستمعون لكلامهم بل يقلدون اوليائهم فعليا



مقولة "التقاليد الإسلامية"

من الأغاليطِ التي ينبغي أن تصحَّحَ في عقولِنا وضمائرنا؛ مقولة: "التقاليد الإسلامية" و"العادات الإسلامية"، فهل حقًّا يوجدُ في المنهاجيةِ الإسلامية شيءٌ يُسمَّى: "التقاليد والعادات الإسلامية"؟



للإجابةِ عن هذا السؤال ينبغي النظر في حقيقتين: حقيقة الإسلام، وحقيقة النَّفسِ البشرية؛ لأنَّنا حينها فقط نستطيعُ الحكم على قيمةِ هذين الشعارين:

1- الإسلامُ منهج حياةٍ شامل ومتكامل للحياةِ الإنسانية على هذه الأرض، وهذا القولُ يعني أنه يشملُ الفكرَ والعقيدة، والقيمَ والأخلاق، والقوانينَ والتشريعات، والعَلاقاتِ والارتباطات الاجتماعية والإنسانية عامَّة؛ لأنَّه تنزيلٌ من عليمٍ خبير، ولأنَّه يتعاملُ مع الإنسانيةِ بأبعادِها كلِّها، دون أخذها أجزاء وتفاريق، وهو منهجٌ أنزله الله - تعالى - للإنسانِ، حتى يتمكَّنَ من تفعيلِ طاقاتِ فطرته المكنونة، والدفع بها للتفاعلِ الإيجابي مع مختلفِ مكونات الوجود حولها: (الله، الكون، المخلوقات الأخرى الغيبية والمشهودة، الأحداث الواقعية، ...)، وحتى يستطيع القيامَ بحقوقِ الله عليه المختصرة في قولِنا: "العبودية الخالصة للهِ وحده"، والْمُشار إليها بقولِ الله - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : 56]؛ أي: إنَّ الخلاصةَ العامة للمنهجيةِ الإسلامية في بُعدها العميق ودلالتها الكلية - تتمثَّلُ في إخراجِ الإنسان من الحركةِ في واقعِه النفسي والاجتماعي والإنساني بدافعِ الهوى المجرد إلى التفاعُلِ معها؛ أي: مع هذه المجالات؛ بدافعِ الأمرِ الإلهي الصرْف، ليكون الإنسانُ بذلك عبدًا لله اختيارًا، كما هو له عبدٌ اضطرارًا، كما وضَّحَ ذلك العلماءُ في مصنفاتِهم؛ انظر مثلاً:

• الموافَقات في أصولِ الشَّريعة؛ للإمام الشاطبي.

• مدارج السَّالكين؛ للإمامِ ابن القيم.

• إحياء علوم الدين؛ للإمامِ الغزالي.

وغيرهم...



إذن، الخلاصةُ العامة لهذا القول هي:

أنَّ الإسلامَ يريدُ من الإنسان أن يدخلَ في تعاليمِه كافة؛ فكرًا، وشعورًا، وسلوكًا، وعلاقات، ومن ثَمَّ حدَّدَ المنهجُ الإسلامي حقوقَه على الإنسانِ في أمرين: افعل ولا تفعل، فكلُّ شيءٍ كبيرًا كان أم صغيرًا داخلٌ في أحدِ هذين المطلَبَيْن، وقد قرَّرَ لبيانِهما خمسةَ قوانين تشملُ كلَّ أعمالِ الإنسان: (الحرام بجانبِه الكراهة، يقابلهما: الحلالُ بجانبِه الندب، تتوسطهما الإباحة)، فكلُّ فعلٍ من أفعالِ الإنسان لا بدَّ وأن ينضوي تحت حكمٍ من هذه الأحكامِ الخمسة، وهذا القولُ يدفعك للعجبِ ممن يقول: "رأي الإسلامِ في كذا هو..."، بل يجبُ القول: "حكمُ الإسلامِ في كذا هو..."؛ لأنَّ الله - تعالى - يحكمُ ويقضي الأمرَ فلا رادَّ لأمرِه، ولا معقِّبَ على حكمِه، أمَّا الرأي فهو متغيرٌ بتغيرِ الزَّمانِ والمكان، وجَلَّ ربنا عن هذا الظَّنِّ وهذه العقيدةِ الفاسدة.



2- هذا المطلبُ من المنهجِ الإسلامي للإنسانِ إنَّما ينبثقُ عن حقيقةٍ كبرى من حقائقِ النَّفسِ البشرية، تلك هي حقيقةُ أنَّ النَّفسَ البشرية في فطرتِها الأولى وحدةٌ كلية لا تقبلُ الانفصامَ والتجزؤ، فهي من ثَمَّ أثناء حركتها في الواقع النفسي والاجتماعي إنما تتحرك بشموليتها الفطرية؛ عقلاً وشعورًا، روحًا وجسمًا...، والنتيجة الحتمية أنَّ كلَّ فعلٍ من أفعالِ هذه النفس، إنَّما يستندُ على عقيدةٍ معينة ونية محدَّدة، تسعى النَّفسُ لتحقيقِها في الواقع، فمهما تمكنت عقيدةٌ ما سعت النَّفسُ بالضرورةِ إلى تفعيلِها واقعًا، وليس يُعقل وجودُ فعلٍ من الإنسان بلا نيةٍ مسبقة، وبدون هدفٍ مقصود، والأمر فيه تفصيلٌ وشعب كثيرة ليس هنا محله، وإذًا نقول:

كلُّ عملٍ من أعمالِ الإنسان إنما يصدرُ عن نيةٍ محددة، وهدفٍ مقصود، ونختصره بالقول: الإنسانُ كائنٌ هادف قاصد؛ أي: له في كلِّ شيء يصدر عنه هدفٌ معين وقصد محدَّد، وهذا ما نبَّه إليه رسولُنا العظيم - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقولِه في الحديث الصحيحِ الذي رواه الشيخان وغيرُهما: ((إنَّما الأعمالُ بالنيات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى))، ولذلك تجد الإمامَ البخاري - رضي الله عنه - يفتتحُ صحيحَه الكبير بهذا الحديثِ ليلحق به أبوابًا شتَّى تتناولُ العقيدةَ والأخلاق والشريعة والمعاملات والمصير، فكأنَّه ينبِّهُ بعملِه هذا إلى أنَّ كلَّ شيء إنَّما ينبني على النِّية، ولذلك قال العلماء: "نيةُ المرءِ خيرٌ من عملِه، والله - تعالى - إنما يجزي العبدَ على قدرِ نيتِه وإخلاصها وصلاحها".



إذا تبينتْ لنا تَيْنك الحقيقتان؛ حقيقةُ الإسلامِ وأنه منهجٌ شامل للحركةِ الإنسانية في الواقع؛ فكرًا وشعورًا وعلاقاتٍ، ومطالبته الإنسانَ التحرُّكَ في واقعِه النفسي والاجتماعي بدافع الأمر الإلهي له، لا بدافعِ الهوى النَّفسي حتى يحصلَ الإنسانُ على جزائه من الله؛ لأنَّ الله لا يعطي جزاءه للإنسانِ، إلا إذا كان مستجيبًا لتعاليم شريعته، وتبينت حقيقة النفس البشرية، وأنَّها كلٌّ لا يتجزَّأ، وأن أعمالَها في الواقعِ المشهود إنَّما هي في الحقيقةِ صورة عاكسة لما في الباطنِ، وما يعتمل في العقلِ والضمير، إذا تبينَّا هذا، علمنا أنَّ قولَهم: "التقاليد والعادات الإسلامية" سخفٌ من القولِ، وخطلٌ في الرأي، وضلالٌ عن الحقِّ، وجهالةٌ بحقيقةِ الإسلام وطبيعة النَّفسِ البشرية، فالإسلامُ لا يعتبر شيئًا من أعمالِ الإنسان - مهما كانت صغيرة أم كبيرة - إلا بالنيةِ المجرَّدةِ لله - تعالى - كما هو واضح في جملةٍ من الآيات والأحاديث، ولهذا حرَّم الرِّياءَ والعُجب والغرور والسُّمعة، وعندما تفعل شيئًا ما - كيفما كان هذا الشيء - ليس استجابةً لتعاليمِ الشريعة، وابتغاءً لرحمةِ الله ورضاه، فمعناه أنَّ عملَك هذا ذهب سُدًى وأتيته عبثًا، ولذلك قال العلماء: "العاداتُ تنقلب بالنيةِ عبادات، فما زال عبادُ الله الصَّالحون يجاهدون لتكونَ كلُّ أفعالِهم - حتى الاعتيادية منها - خالصةً لله؛ مثل الأكل والشرب، والنوم والزواج، وابتغاء الرزق وغير ذلك...".



نعم لمقولةِ: التَّقاليد مجالٌ واحد؛ هو مجالُ الإرثِ الاجتماعي لهذا الشَّعبِ أو ذاك؛ فمثلاً يمكننا القول بأن: "تقاليد الأمة المغربية"، أو "الأمة المصرية"، أو "الأمة السورية" في رمضان أو عيدِ الأضحى أو يوم الجمعة؛ من حيث اللباس والطعام - هي كذا وكذا، وهذا حقٌّ لا يُرد؛ لأنَّ هذه التقاليدَ والعادات مواضعات انبثقت في أعماقِ التَّاريخِ لهذا الشعب أو ذاك، بصرف النَّظرِ عن قيمتِها في ميزانِ الشَّريعة، والإسلامُ - وهو المنهج الذي نزل للإنسانِ ليكون إنسانًا كريمًا فاضلاً - ليس يردُّ شيئًا من هذه المواضعات التي اتفق عليها هذا الشَّعبُ أو ذاك، ما لم تناقض قاعدةٌ من قواعدِه الكلية، أو مقصدٌ من مقاصدِه العامَّة.



ونقول أيضًا:

الإسلامُ يتعاملُ مع الإنسانِ بقانونٍ واحد؛ وهو قانون الجزاءِ والثَّواب؛ إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر؛ أي: بالحسناتِ والسيئات، مهما فعلت فعلاً صالحًا والنية خالصة، فقد حدَّدَ الإسلامُ لك ثوابًا معينًا، ومهما أتيتَ فعلاً سيئًا ولو بحسن نية، فقد أوجب عليك عقابًا معينًا، ولا نتحدَّثُ هنا عن المغفرةِ والعفو والتوبة.



ومن هنا كانت التقاليدُ والعادات للشعوبِ لا قيمةَ لها في ميزانِ الإسلام، إلا بالمقدارِ الذي تحقق أهدافه ومقاصده في حياةِ الإنسان وحياة المجتمع.



إذًا من خلالِ ما سبق ينبغي القول: عادات وتقاليد "الأمَّة" أو "الشعب الفلاني" هي كذا وكذا، ولا يحسن القول: "التقاليد الإسلامية" أو "العادات الإسلامية"، بدعوى أنَّ الأمَّةَ المسلمة هي التي أنشأتها؛ لأنَّا نقول: الإسلام حاكمٌ لا محكوم، وإنشاء مجتمع مسلم لعادةٍ ما أو تقليد ما توافقوا عليه لا يعني مطلقًا أنَّه بالضرورةِ متوافق مع المنهاجيةِ الإسلامية.



فتنبه يا أخي ويا أختي، ولا يغرنَّك أنَّ هذا القول أو ذاك قال به فلانٌ العالم، أو فلانٌ المفكِّر، أو فلانٌ الداعية؛ لأنَّ هذه الأيام صار كثيرٌ من "العلماء والمفكِّرين والدُّعاة" يتميعون في الكلماتِ، دونما ضوابط واضحة، وقد أعطاك الله - تعالى - شيئين ليعصمَك بهما من الخطأ والزَّللِ، وأحدهما مستندٌ إلى الآخر: الوحي (القرآن والسنة)، والعقل، وهما في الحقيقةِ نورٌ على نور.



رابط الموضوع: مقولة "التقاليد الإسلامية"


 
بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
الخطبة : 0588 - الأعراف والتقاليد.

الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الرؤيا من مبشرات النبوة و لكن لا يؤخذ منها حكم شرعي :
يها الأخوة الكرام، في سلسلة خطب محورها نفي ما ليس من الدين، ذكرت في خطبة سابقة أن الرؤيا من مبشرات النبوة، وأنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ولكن لا يمكن أن يُؤخذ من الرؤيا حكم شرعي، ولا يُصحح في الرؤيا حديث، ولا يقيَّم فيها إنسان؛ لأن الله عز وجل يقول:

﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

[ سورة المائدة: 3]

فلو أن إنساناً ادعى أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يخالف الأمر التكليفي تُرد الرؤيا ويثبت الشرع.
في خطبة ثانية تحدثت عن الإلهام، وكيف أنه حق من الله تعالى، وكيف أن الله سبحانه يقول:

﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾

[ سورة الأنفال: 29]

ومع ذلك لا يمكن أن نأخذ بالإلهام إذا خرم قاعدة شرعية، أو ناقض نصاً ثابتاً؛ لأن هذا الدين دين قويم، وهذا الدين تضبطه أصول لا يمكن أن نحيد عنها قيد أنملة.
أو عرفاً خاصاً، أي ما استقر في النفس من جهة العقول، وتلقته الطباع بالقبول.


الأعراف و التقاليد :
واليوم موضوع الخطبة عن الأعراف والتقاليد، لها في الإسلام شأن، ولكن لها شروطاً قاسية جداً، فالعرف أيها الأخوة ما اعتاده الناس، وما ألفوه، وما تواضعوا عليه في شؤون حياتهم حتى أنسوا به، واطمأنوا إليه، وأصبح الأمر معروفاً، سواء كان عرفاً قولياً، أو عرفاً عملياً، عرفاً عاماً،
أيها الأخوة الكرام، من الأعراف القولية أنك إذا قلت: أكلت لحماً ليس معنى ذلك أنك أكلت سمكاً، فالسمك شيء، واللحم شيء آخر، مع أن السمك لحم، إلا أن العرف لو أن إنساناً حلف يمين طلاق، أو حلف يميناً منعقدة ألاّ يأكل لحماً، له أن يأكل سمكاً، فالعرف هنا قولي. وهناك من الأعراف القولية أن الولد يعني الذكر دون الأنثى، مع أن الولد في اللغة يعني الذكر والأنثى، هذه أعراف قولية.
ومن الأعراف العملية بيع المعاطاة، أن تشرب كأس عصير لا تحتاج إلى إيجاب، ولا إلى قبول، ولا إلى شاهدين، تدفع الثمن، وتشرب الكأس، وانتهى الأمر، هذا عرف.
أيها الأخوة الكرام، العرف العام يطبق في كل البلاد، والعرف الخاص في بيئة محددة، وقد فرّق العلماء بين الإجماع وبين العرف، فالإجماع ما اتفق فيه مجتهدو الأمة، أما العرف فما اعتاده الناس عفو الخاطر من دون اجتماع، من دون اجتهاد، من دون إقرار، من دون موافقة.

علاقة الإسلام بالأعراف والتقاليد :
ما علاقة الإسلام بالأعراف والتقاليد ؟.. الإسلام أقرَّ من الأعراف ما كان صالحاً، وتلاءم مع مقاصده ومبادئه، ورفض من الأعراف ما ليس كذلك، أو أدخل على بعض الأعراف تصحيحات وتعديلات، فالأصل هو الشرع، فما وافق الشرع قبلناه، وما حاد عنه قليلاً صححناه، وما ناقضه رفضناه، ولو كان عرفاً يسري في الأمة جميعها، والإسلام غطى الثوابت في الإنسان، وغطى المتغيرات، فالثوابت غطاها الإسلام بنصوص قطعية في دلالتها، وأما المتغيرات فقد تركها الإسلام للأعراف والتقاليد.. هذه نقطة دقيقة جداً، ترك الإسلام أشياء كثيرة، لم يحددها تحديداً جاداً، ولا صارماً، تركها للعرف الصالح يحكم فيها، ويعين حدودها وتفاصيلها، مثلاً قال تعالى:

﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾

[سورة البقرة: 233]

كم المبلغ ؟ الأعراف تحدد هذا المبلغ، القرآن الكريم ترك تحديد النفقة للأعراف السارية في مجتمع ما. وقال تعالى:

﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة البقرة: 241]

ما المعروف ؟ ما تعارف الناس عليه، المبلغ المعقول، المألوف بين الناس، القرآن الكريم لم يحدد تحديداً جاداً ولا صارماً، بل ترك تقييم بعض الأشياء للأعراف والتقاليد، فالعرف هو المحكم في تحديد نفقة المرأة، ومتعة المطلقة، فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِي اللَّه عَنْهم قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا، وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا))

[متفق عليه عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ]

كيف نحكم أن المجلس قد انتهى وتفرق ؟ الآن صار عقد جديد الأعراف تحدد مفهوم التفرق، ,عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ))

[مسلم عن جابر ]

ما هو الإحياء؟ أن تقيم سوراً لها فقط؟ أن تحفر بئراً؟ أن تزرعها؟ أن تشيد بناءً عليها؟ العرف وحده هو الذي يحدد معنى الإحياء في الأرض.
لو أن إنساناً رأى حاجة أيها الأخوة على قارعة الطريق، وجاء من أخذها هل تُقطع يده؟.. نقول: هذه الحاجة ليست في حِرز.. من يحدد معنى الحرز؟.. على الطريق، على الدرج، ضمن البناء، من يحدد معنى الحر؟ العرف هو الذي يحدد معنى الحرز.. ما معنى القبض؟ كيف تقبض البيت؟ هل تأخذ مفتاحه فقط هذا هو القبض أم حينما يُقرّ لك صاحبه في السجل القانوني أنه أصبح ملكك ؟ الأعراف وحدها قبل مئة عام يكفي أن تأخذ مفتاح البيت فقد قبضته، وتملكته، أما الآن فالعرف أنه لابد من تسجيله في السجلات الرسمية، هذا هو القبض، من يحدد معنى القبض؟ العرف.

الشريعة مصلحة كلها و رحمة كلها و عدل كلها :
أيها الأخوة الكرام، يقول ابن مسعود رضي الله عنه:" ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن".
وقد قال بعض العلماء: إن العادة محكمة في أمور كثيرة، وقد قال بعض العلماء: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، حينما تشتري بيتاً، هل بإمكانك أن تنتزع النوافذ منه؟ العرف يقتضي أن النوافذ مع البيت، لكن المكيف لك أن تأخذه، من يحدد هذه الخلافيات؟ الأعراف والتقاليد، المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.. والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص.. والممتنع عادة كالممتنع حقيقةً.. هذا كله عن علاقة الأعراف والتقاليد بهذا الفرع العظيم.
وقد قال بعض العلماء: والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار،
رعاية الأعراف والتقاليد نوع من أنواع رعاية مصالح المسلمين، لأن أحد العلماء يقول: الشريعة مصلحة كلها، رحمة كلها، عدل كلها، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة، وخرجت من العدل إلى الجور، وخرجت من الرحمة إلى خلافها، فليست من الشريعة ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل.
من مصالح الناس أن يقرّوا على ما ألفوه وتعارفوا عليه، وقد جاء الدين بالتيسير، ورفع الحرج والعنت عن الأمة، قال تعالى:

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
[سورة البقرة: 185]

وقال تعالى:

﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾
[سورة الحج: 78]

وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ:

((قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ))

الاعتداد بالأعراف ما لم تصادم نصاً في شرع الله :
أيها الأخوة الكرام، كل هذا الكلام مقدمة، أما القصد من هذه الخطبة، فهذه الفِقرة:
العرف شأنه شأن الرؤيا، وشأنه شأن الإلهام، يُعتبر ويعتد به إن لم يخالف نصاً ثابتاً، أو إجماعاً يقينياً، وكذلك إن لم يكن من ورائه ضرر خالص أو راجح، أما العرف المصادم للنصوص الذي يحل حراماً، أو يبطل واجباً، أو يقرُّ بدعة في دين الله، أو يشيع فساداً أو ضرراً في دنيا الناس فلا اعتبار له إطلاقاً، ولا يجوز أن يُراعى فيه تقنين أو فتوى أو قضاء.
من الأعراف أن يدخل العريس على النساء الكاسيات العاريات يوم عرسه، ويجلس على كرسي لينظر إلى كل هؤلاء النساء وهن شبه عرايا، هذا من الأعراف، فهل نأخذ بهذا العرف؟ هذا العرف نركله بقدمنا ؛ لأنه صادم نصاً صريحاً. الأعراف يُعتدُّ بها ما لم تصادم نصاً في شرع الله..
أيها الأخوة الكرام، أن تصور الحفلة حفلة العرس، بأجهزة الفيديو، وأن تُعرض في بيوت الناس جميعاً، يعرف كل رجل من فلانة، وما شكلها، وما لونها، وما طولها، هذا من أشدّ المحرمات، هذا عرف الآن، ولكن هذا العرف يجب أن نركله بقدمنا لأنه خالف نصاً شرعياً.
أكل الربا أصبح من الأعراف والتقاليد، تقديم بعض المشروبات التي لا ترضي الله في بعض الحفلات، الرقص في الأفراح، ترك الصلاة في بعض المناسبات، هذا كله مما ألفه الناس، نحن مقياسنا الشرع، فأي عرس، أو أي تقليد، أو أي شيء ألفه الناس إذا خالف نصاً شرعياً، أو أمراً إلهياً، أو نهياً، أو سنة، لا نعبأ به ولا نعتدُّ به، بل نركله بأقدامنا، ومن أوضح الأشياء هذه الأزياء التي تلبسها النساء، والتي تبدي كل المفاتن، والتي نهى الله عن إبدائها، هذا من الأعراف، هل نعتدُّ بهذا ؟.. إطلاقاً..

تقيد العرف بمنهج الله و بالصالح العام :
قال بعض العلماء: إن حجية العرف في الإسلام قوله تعالى:
﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
[سورة الأعراف:199]
العرف هنا مقيد بمنهج الله، العرف هنا مقيد بالصالح العام، والصالح العام له ضوابط كثيرة، وما أشدّ الضوابط الشرعية في المصلحة العامة. يقول بعض العلماء: كل ما ورد به الشرع مطلقاً، ولا ضابط له فيه، ولا في اللغة يُرجع فيه إلى العرف.
فكل مصلحة وكل حرفة لها أعراف، بعض المصالح الجهد ستون والمال أربعون، بعض المصالح الجهد ثمانون والمال عشرون، بعض المصالح الجهد خمسون والمال خمسون، المضاربة وردت في الإسلام، أما تحديد النسب فلم يرد، إلام نرجع؟ إلى الأعراف، هناك أعراف خاصة في كل حرفة، في كل مهنة، في كل سلك، وهناك أعراف عامة، قد تشتري حاجة، يضمن لك الصانع حسن أدائها سنة بكاملها، هذا من العرف، قد تتزوج امرأةً، تقسم مهرها إلى قسمين، تدفع نصفه معجلاً، والنصف الآخر مؤجلاً.. هذا من العرف الذي أقره الإسلام، فالأعراف والتقاليد والعادات التي ألفها الناس يؤخذ بها، وتُرعى ما لم تصادم نصاً شرعياً، ما لم تخرم قاعدةً شرعية، ما لم تُبطل أمراً إلهياً، ما لم تعطل واجباً دينياً، الأصل هو الشرع، قال تعالى:
﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
[سورة المائدة: 3]
فالمؤمن يتحرك وفق منهج الله، فما وافق منهج الله من الأعراف والتقاليد على العين والرأس، الأصل في الأشياء الإباحة وما خالف أي نصٍ شرعي لا يُعبأ به، ولا يُعتدُّ به، ولو تكلم الناس ما تكلموا، من أرضى الناس جميعاً فهو منافق.. ورضى الناس غاية لا تُدرك، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، وفي بعض التفاسير لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا لم تستح فاصنع ما تشاء" أي إن لم تستح من الله في هذا الفعل فاصنع ما تشاء ولا تعبأ بقول الناس.

الحفاظ على الدين من أي شيء يشوهه :
في بعض المجتمعات الجاهلية يقوم العرف مقام الدين، ولئن يُقطع الإنسان إِرباً إرباً، أهون عليه من أن يخالف عرفاً اجتماعياً يصادم أصل الدين، لذلك هذه الخطب، هذه السلسلة من الخطب.. ما الذي يدخل على الدين ما ليس منه ؟.. الرؤيا، الإلهامات، الأعراف والتقاليد، هذا كله من شأنه أن يدخل على الدين ما ليس منه، أن يحرِّف مسيرة الدين.
أيها الأخوة الكرام، لا ننجح، ولا نفلح إلا إذا حافظنا على ديننا حين جاء به النبي عليه الصلاة والسلام دون أن نزيد عليه، ودون أن ننقص منه.
أيها الأخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
* * *

المصدر: الخطبة : 0588 - الأعراف والتقاليد. - موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية


ارجو تقبل مروري اختي الغالية
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب

 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top