التفاعل
777
الجوائز
695
- تاريخ التسجيل
- 31 أكتوبر 2008
- المشاركات
- 3,595
- آخر نشاط
- الوظيفة
- استاذ
- الأوسمة
- 12
تمر الأمة الإسلامية بمحنة كبيرة تتلخص أبعادها في الصراعات الداخلية بمعظم الدول والخارجية بين الأقطار بعضها البعض؛ وفي محاول لقراءة الوضع الراهن ووضع تصور للمستقبل ألقى المفكر الإسلامي المستشار طارق البشري محاضرة بعنوان "محنة الأمة" في منتدى "محمد عودة" بنقابة الصحفيين المصرية بالقاهرة مساء الأربعاء الماضي 4 مارس 2009.
رصد خلالها ثلاثة أسباب رئيسية لمحنة الأمة وهي: الهيمنة الغربية والانقسامات الداخلية والتفكك في قوى الأمة، مؤكدا أن أي إنسان مدرك للواقع الذي نعيشه لا بد أن يعي أن الأمة تمر بمحنة كبيرة وعلينا أن نعمل جاهدين بكل طاقاتنا على الخروج من هذه المحنة.
الهيمنة وكيمياء التفكك
حول السبب الأول من أسباب محنة الأمة وهو "الهيمنة الغربية"، أوضح المستشار البشري أن أوروبا تسمى العصر الذي نعيش فيه "عصر النهضة والصناعة والتنوير"، ولكننا يجب أن نسميه عصر الاستعمار والمقاومة، وذلك بسبب محاولات الهيمنة الغربية المستمرة ضدنا منذ نحو قرنين وما زالت ممتدة حتى الآن.يقول البشري: "وتظل الهيمنة الأمريكية برأيه هي الأبرز في هذا الإطار، حتى أصبحت الإرادة الرسمية لدينا تقوم في إطار المشيئة الأمريكية؛ غير أن هذا الأمر يجب ألا يشكل عامل تشاؤم لدينا؛ لأننا قادرون على مواجهة هذه الهيمنة التي جربناها بصور متعددة واستطعنا التعامل معها حينما عرفنا الاحتلال العسكري والحصار الاقتصادي والسياسي والاحتلال الحضاري والاستيطاني، وقد قاومنا كل هذه الأنواع من الهيمنة، سواء بالعمل العسكري أو العمل السلمي والعصيان بما يتلاءم مع ظروف كل قطر من أقطار الأمة تعرض لهذه الأنواع من الاحتلال".
ويرى أن "مراحل الصراع الكثيرة التي خضناها وخبراتنا وتجاربنا التاريخية من الممكن أن نستعيدها في التعامل مع واقعنا الحاضر، فبما أن أسباب الهيمنة الغربية هي الطمع والرغبة في السيطرة على مصادر ثرواتنا وهي ذات الأسباب الاستعمارية التي تعاملنا معها في الوقت السابق، فهذا دليل على أننا نستطيع مقاومة الهيمنة الغربية باختلاف أشكالها".
وحذر البشري من نوع جديد من الاستعمار، وهو الاحتلال من خارج الحدود، حيث إن كل بلد يرتبط أمنه القومي بالحدود القطرية، ويضيف "ما نراه هو أن الاستعمار يحاول اللعب على هذا الوتر الحساس، فأوجد إسرائيل في المنطقة العربية كي تهدد الأمن القومي لبلدانها، والسودان كما نراه يفكك اليوم، والبحر الأحمر وخليج عدن أصبحا بسبب القرصنة بعيدين عن السيطرة العربية.. وهكذا الحال في الكثير من بلدان الأمة.
ويرى أن "الخطر الأكبر الذي يواجهنا ويهدد مصائرنا، هو الصراعات الفكرية بين القومية والإسلامية، فمنذ الثمانينيات حين رأينا حرب إيران والعراق ثم العراق والكويت، نجد أننا استبدلنا البأس بيننا وبين الآخرين ليكون بيننا وبين أنفسنا، وهذه معادلة يمكن أن نطلق عليها "كيمياء التفكك"، وإذا استمرت الأمور تسير على هذا النحو فلنعلم أن هذه الأمة المفككة لن تقدر على الصمود أمام التكتلات الكبرى التي تدخل فيها دول العالم حتى تصبح أكثر قوة".
الانقسامات والصراعات الداخلية
السبب الثاني الذي تطرق إليه المستشار البشري في أسباب محنة الأمة، هو الانقسامات الداخلية في الأقطار المختلفة على المستويات الشعبية والتيارات السياسية والثقافية المتباينة، قائلا: "كما نرى على سبيل المثال: يوجد في العراق صراعات بين السنة والشيعة والأكراد، وفي السودان صراعات بين الشمال والجنوب، وفي سوريا ولبنان صراعات بين الطوائف، وفي المملكة العربية السعودية صراعات بين القبائل.. وهكذا نجد أن في كل بلد عربي وإسلامي مشاكل داخلية تؤدي إلى الانقسامات في صفوف أبناء الوطن الواحد".غير أن هذه الخلافات برأي البشري ينبغي ألا تكون سببا في المحنة التي نمر بها، وعلينا توحيد صفوفنا في مواجهة عدو مشترك، وتجاربنا السابقة تثبت أننا قادرون على تجاوز الخلافات الداخلية حتى نستطيع إعلاء الانتماء الأعم لشعوبنا.
ويقدم لبنان نموذجا على سبيل المثال، فقد خاض هذا البلد حرب طوائف وقتل على الهوية، ولكنه استطاع –وباقتدار- أن يفرغ خلافاته من المعنى السياسي بجهد مشترك يحيا عليه الشعب اللبناني، وكما نرى الآن فإن الاختلافات الطائفية لم يعد لها التأثير الأكبر على المستقبل السياسي لهذا البلد.
العراق أيضا من الممكن أن يتغلب على الصراعات الطائفية التي تدور به، والدليل على ذلك أن السنة والشيعة قد تعايشوا في هذا البلد لفترات طويلة دون وجود تأثيرات لتلك التعددية الطائفية، وفي الأوقات السابقة كان هناك أعداد كبيرة من الوزراء الشيعة في الحكومات العراقية المتعاقبة، كما كان الكثير من الرجال المقربين للرئيس السابق صدام حسين من الشيعة أيضا، ولو زال المحتل الأجنبي عن العراق فإنه سيكون قادرا على تجاوز هذه الخلافات، وسيعمل الشعب على حل مشاكله بعيدا دون تدخل الاحتلال الذي يجب أن نعرف أن مصلحته في تأجيج هذه الصراعات.
ويرى المفكر البشري أن مصر لا توجد بها خلافات طائفية تصل إلى حد الصراعات والانقسامات، وإنما يلاحظ أن المجتمع المصري قد طرأ عليه عدد من التغيرات بفعل تأثير اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت عام 1979 مع الكيان الإسرائيلي.
فقبل توقيع هذه الاتفاقية كانت المشاكل التي تطغى على الساحة المصرية هي مسألة الحرب والسلم وقانون الأحزاب ومحكمة القيم ومسألة الحريات بصفة عامة، أما بعد توقيع الاتفاقية فقد اتخذت المشاكل التي تواجهنا الطابع الأيدلوجي، وأصبحت الطبقة المثقفة لا تركز على المستقبل السياسي للبلد بقدر ما ركزت في قضايا فرقت جهود أبناء الوطن، وصنفت كل مجموعة حسب أفكارها الأيدلوجية، فنشأ صراع بين هذه المجموعات بعضها البعض بدلا من أن يكون صراعا مع المتربصين بالمستقبل السياسي للوطن.
التفكك وغياب التنظيم
أما السبب الثالث من أسباب محنة الأمة فهو التفكك في مجالين، الأول يتعلق بجهاز الدولة ونظام الحكم، والثاني يتعلق بالتنظيمات الأهلية، ويوضح طارق البشري أن ما يحدث في مصر هو نموذج للتفكك وغياب التنظيم في العديد من البلدان العربية والإسلامية، فالشعب المصري قام خلال السنوات الثلاث الماضية بمئات الاحتجاجات التي لو قام بها متواصلة في ثلاثة أشهر فقط لأحدثت تغييرا شاملا في البلد.والمشكلة كما يقول البشري هي أن المجتمع المصري قد عايش الإدارة التقليدية والحديثة، ولكنه برغم ذلك لم يتمكن من إصلاح حال الإدارة، فقبل قرنين كانت الإدارة التقليدية قادرة على إدارة المجتمع بشكل يكفل الضروريات والخدمات المختلفة حتى عصر جمال عبد الناصر، وبعده كان هناك تناقض بين الإرادة السياسية وتكوين الدولة.
فخلال حكم جمال عبد الناصر كان الأساس هو المشروع القومي والذي شارك فيه المجتمع بكافة طوائفه، ولكن بعد وفاة عبد الناصر فقد المجتمع المصري الدافع على بناء مشروعات جديدة للنهضة، خاصة أن السلطة لم تسعََ لدعم أجهزة الإدارة المختلفة، وزاد الأمر سوءا منذ فترة التسعينيات الماضية، والتي بدأت الدولة فيها إشاعة اللامركزية في أجهزة الإدارة المختلفة مما أدى إلى المزيد من التفكك.
الخروج من المحنة
ولم يشأ المفكر الإسلامي طارق البشري أن يُنهي حديثه دون أن ينير نقاطًا من الضوء تمثل رؤيته في كيفية خروج الأمة من محنتها، فيقول: "كي تتحرر الأمة من الهيمنة الغربية يجب أن نسترد القدرة على أن يكون القرار الرسمي لدينا نابعا منذ الذات، وألا نقبل أي ضغوط خارجية تسعى للتدخل في شئوننا وقراراتنا السياسية، أما إذا استمررنا نقبل الهيمنة الغربية خلال الفترة المقبلة أيضا فإننا سنفقد كل عزيز لدينا ولن نستطيع تعويض هذه الخسارة".ويرى أيضا أن "الخروج من محنة الأمة يستلزم أيضا العمل المنظم من خلال الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، وأن نعيد صياغة خلافاتنا من جديد على نحو يعكس إعادة ترتيب الأوراق بشكل منظم، وأن نجعل معايير قياسنا للقضايا المختلفة على أساس المصلحة الوطنية بعيدا عن الأيدلوجيات، علينا أيضا أن نبتعد عن مناقشة القضايا التي تعمق هوة الخلافات بيننا، وأن نركز على تنظيم عملية البناء البشري بما يحقق نهضة الأمة حتى تتجاوز محنتها".