التفاعل
7
الجوائز
167
- تاريخ التسجيل
- 7 أوت 2006
- المشاركات
- 1,356
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 27 ماي 1986
أساليـب الدعايـة المعاصـرة..
(الغاية تبرر الوسيلة !)
أحمد دعدوش
مع تطور وتوسع دور وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال التي تجتاح عالمنا اليوم، تتماهى باطراد تلك الحدود التي كانت تفصل في الماضي بين دور كل من الإعلامي والمعلِن، إذ يضطر كل منهما للتحايل على ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي، مستفيدَين من تطور مهارات الاتصال وتقنيات الإبهار، مما دفعهما للانتقال إلى مستويات أعلى من الإسفاف في نقل الصور المؤدلجة عن الواقع، أو الإمعان في ترسيخ صور أخرى في ذهن المتلقي. وتلعب الفلسفة العملية البراغماتية دوراً رئيساً في تشكيل العقل الجمعي المُجبر على الانصياع للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد في العالم الغربي، وبما يصب أساساً في مصلحة النخبة المتنفذة، الأمر الذي يتم تعميمه في مجتمعات العالم كافة مع تزايد وطأة العولمة وفق صياغة "عالم القطب الواحد".
يعتمد الإعلاميون والمعلنون - على حد سواء- على التطور الملفت في تقنيات الإعلام والتسويق، حيث تستفيد معظم الجامعات المختصة بهذين الفرعين من دراسات تقنيات التأثير والاتصال، والتي تتركز في معظمها على النفوذ إلى العقل الباطن والتأثير اللاواعي على اهتمامات المتلقي ورغباته، ثم توجيهها وفق مصالح النخبة. ويمكن تلخيص أكثر الأساليب الدعائية شيوعاً في النقاط التالية:
1- القولبة والتنميط: لعل هذا الأسلوب من أكثر أساليب الدعاية شيوعاً ووضوحاً، إذ تقدم لنا وسائل الإعلام وجهات نظر أصحابها الخاصة في كل شيء، كأن يُحرص على تقديم المسلم في صورة رجل طويل اللحية غريب الملبس أو في صورة امرأة تتشح بالسواد وتجلس في مقعد السيارة الخلفي، حيث يعمل تكرار هذه الصورة على الربط التلقائي لكل ما تستدعيه من توابع قد لا يُصرح بها، فيغدو الإسلام مرتبطا في ذهن الغربي بكل الصفات السلبية التي تستطبنها تلك الصورة دون البحث عما يمكن أن يخفيه المظهر الخارجي من قيم ومبادئ تُقصى عمداً عن الطرح والمناقشة.
2- تسمية الأشياء بغير مسمياتها: بما أن وسائل الإعلام تمسك اليوم بزمام الرأي العام وتعمل على توجيهه وصياغته على النحو الذي تريد، فإن ذلك يستتبع بالبداهة تحكمها في المفاهيم والمصطلحات التي تتداولها وتسعى لتدويلها بين الناس، إذ تتجنب غالباً التعرض المباشر للقضايا التي ترغب في تحويرها أو تغييرها، وإنما تعمل على إعادة صياغتها بلغة جديدة تتناسب مع سياساتها وبثها بين الناس الذي يتقبلونها لا شعورياً على المدى الطويل. ومن ذلك مثلاً إطلاق كلمة الدين على كافة الأديان دون تمييز، تمهيداً لتقبل النقد العلماني للإسلام على أنه دين لا يختلف في شيء عن ذلك الدين الذي وقف عائقاً في وجه النهضة الأوربية لعشرة قرون، أو تعميم كلمة الأصولية على كل من يعدّ الأصول (النصوص) مرجعية له، للوصول إلى حتمية الربط بين الدين والعنف، وينطبق الأمر على مسميات كثيرة يتم العبث بها كتعدد الزوجات وحقوق المرأة وحجابها وحقوق الإنسان، إلى غير ذلك.
3- إطلاق الشعارات: وهو أسلوب شائع في الدعايات التجارية والسياسية على السواء كما هو معروف، إذ غالبا ما يتم تعميم أحد الشعارات المنتقاة بعناية كعنوان عريض لكل حملة إعلانية، ومن ذلك مثلا تأكيد أحد أشهر معاجين الأسنان في أمريكا على شعار (النفس المنعش) أكثر من التذكير بالهدف الرئيس من تنظيف الأسنان وهو حمايتها من التسوس، إذ دلت الدراسات التي قام بها المنتجون على أن اهتمام المستهلك ينصب عادة على رائحة الفم الطيبة أكثر من صحة الأسنان. وهكذا يعتمد المعلنون على ربط أهدافهم الإعلانية بأكثر الشعارات جاذبية، وبغض النظر عن مصداقيتها، وصولاً إلى الربط اللاشعوري بين الشعار والمعلن عنه حتى يغدو مجرد تذكر المستهلك لرائحة الفم الطيبة محرضاً تلقائياً على استحضار صورة ذلك المعجون بالرغم من أن كل المعاجين تشاركه في هذه الخاصية!
4- التكرار: لا يكتفي المعلنون عادة بمجرد التنميط والكذب، بل يعمدون كثيراً إلى التكرار المستمر لشعاراتهم وحملاتهم الإعلانية التي تلاحق الناس أينما ذهبوا، وقد يلجأ البعض إلى التكرار في عرض إعلاناتهم غير المباشرة ليحصدوا نتائج أكثر فعالية من الإعلان المباشر عندما يكون التصريح مثيراً للحساسية أو الرفض، إذ دلت إحدى الدراسات على أن تكرار ظهور أحد نجوم السينما وهو يدخن خلال الفيلم لأربع مرات، قد يؤدي إلى زرع صورة إيجابية للتدخين عند المراهقين المعجبين بهذا النجم، مما يعطي دلالة واضحة على أثر الإعلان غير المباشر في بث الرسائل الإعلانية مع التكرار المستمر، وهو أمر يزداد خطورة عندما يقترن بالتصريح المباشر والموجه.
يقول غوستاف لوبون: "إن التوكيد والتكرار عاملان قويان في تكوين الآراء وانتشارها، وإليهما تستند التربية في كثير من المسائل، وبهما يستعين رجال السياسة والزعماء في خطبهم كل يوم، ولا يحتاج التوكيد إلى دليل عقلي يدعمه، وإنما يجب أن يكون التوكيد حماسياً وجيزاً ذا وقع في النفس… والتوكيد لا يلبث بعد أن يُكرَّر تكراراً كافياً أن يُحدِث رأياً ثم معتقداً، والتكرار تتمة التوكيد الضرورية، ومن يُكرر لفظاً أو فكرة أو صيغة تكراراً متتابعاً يحوّله إلى معتقد" [غوستاف لوبون، الآراء والمعتقدات، ص 115- 116].
5- الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء: وهذا الأسلوب يضفي الكثير من المصداقية على الخبر المراد ترويجه، إذ تعمد وسائل الإعلام – الأمريكية منها على وجه الخصوص- إلى دعم الكثير من الأخبار والإعلانات باستفتاءات وإحصائيات تنسب عادة إلى بعض الجهات المتخصصة ذائعة الصيت، وبالرغم من شيوع القول بأن هذه المؤسسات البحثية والإحصائية قد اكتسبت شهرتها بسبب مصداقيتها ونزاهتها، إلا أنه من غير الممكن أيضاً التأكد من ذلك بأي وسيلة كانت.
6- الاستفادة من الشخصيات اللامعة: وهو أسلوب شائع وشديد الخطورة، ولا نقصد به هنا الاقتصار على جذب مشاهير الفن والرياضة للإعلان التجاري، مع ما في ذلك من تبعات سيئة على الجيل الناشئ الذي يتخذ من هؤلاء قدوة في السلوك، ولكن الأمر قد يصل إلى حد الخداع بالاستفادة من بعض الانتهازيين من المفكرين والعلماء الذين لا يتورعون عن الممالأة وتقديم بعض الآراء في قوالب فكرية مصطنعة، مع التأكيد على إبرازها تحت أسماء هؤلاء المشاهير بما يحملونه من ألقاب قد تصاغ خصيصاً لإضفاء المزيد من التأثير. وهنا نشير إلى أسلوب انتهازي يسرف الإعلام الغربي -أو العربي المستغرب- في تطبيقه عبر تمرير الكثير من الأفكار والتوجهات تحت أسماء عربية وإسلامية يراد لها أن تتبوأ مركز الريادة والتوجيه، ويتم تقديمها تحت مسميات من قبيل: "الباحث الاستراتيجي"، "الخبير في شؤون كذا"، "المفكر الإسلامي المستنير"، وتكمن الخطورة هنا في بث الأفكار المستوردة بألسنة محلية وأسماء مقبولة ومعروفة، بدلاً من الاستعانة بأسماء وألقاب أجنبية قد تثير بعض الحساسية.
7
(الغاية تبرر الوسيلة !)
أحمد دعدوش
مع تطور وتوسع دور وسائل الإعلام وتقنيات الاتصال التي تجتاح عالمنا اليوم، تتماهى باطراد تلك الحدود التي كانت تفصل في الماضي بين دور كل من الإعلامي والمعلِن، إذ يضطر كل منهما للتحايل على ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي، مستفيدَين من تطور مهارات الاتصال وتقنيات الإبهار، مما دفعهما للانتقال إلى مستويات أعلى من الإسفاف في نقل الصور المؤدلجة عن الواقع، أو الإمعان في ترسيخ صور أخرى في ذهن المتلقي. وتلعب الفلسفة العملية البراغماتية دوراً رئيساً في تشكيل العقل الجمعي المُجبر على الانصياع للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد في العالم الغربي، وبما يصب أساساً في مصلحة النخبة المتنفذة، الأمر الذي يتم تعميمه في مجتمعات العالم كافة مع تزايد وطأة العولمة وفق صياغة "عالم القطب الواحد".
يعتمد الإعلاميون والمعلنون - على حد سواء- على التطور الملفت في تقنيات الإعلام والتسويق، حيث تستفيد معظم الجامعات المختصة بهذين الفرعين من دراسات تقنيات التأثير والاتصال، والتي تتركز في معظمها على النفوذ إلى العقل الباطن والتأثير اللاواعي على اهتمامات المتلقي ورغباته، ثم توجيهها وفق مصالح النخبة. ويمكن تلخيص أكثر الأساليب الدعائية شيوعاً في النقاط التالية:
1- القولبة والتنميط: لعل هذا الأسلوب من أكثر أساليب الدعاية شيوعاً ووضوحاً، إذ تقدم لنا وسائل الإعلام وجهات نظر أصحابها الخاصة في كل شيء، كأن يُحرص على تقديم المسلم في صورة رجل طويل اللحية غريب الملبس أو في صورة امرأة تتشح بالسواد وتجلس في مقعد السيارة الخلفي، حيث يعمل تكرار هذه الصورة على الربط التلقائي لكل ما تستدعيه من توابع قد لا يُصرح بها، فيغدو الإسلام مرتبطا في ذهن الغربي بكل الصفات السلبية التي تستطبنها تلك الصورة دون البحث عما يمكن أن يخفيه المظهر الخارجي من قيم ومبادئ تُقصى عمداً عن الطرح والمناقشة.
2- تسمية الأشياء بغير مسمياتها: بما أن وسائل الإعلام تمسك اليوم بزمام الرأي العام وتعمل على توجيهه وصياغته على النحو الذي تريد، فإن ذلك يستتبع بالبداهة تحكمها في المفاهيم والمصطلحات التي تتداولها وتسعى لتدويلها بين الناس، إذ تتجنب غالباً التعرض المباشر للقضايا التي ترغب في تحويرها أو تغييرها، وإنما تعمل على إعادة صياغتها بلغة جديدة تتناسب مع سياساتها وبثها بين الناس الذي يتقبلونها لا شعورياً على المدى الطويل. ومن ذلك مثلاً إطلاق كلمة الدين على كافة الأديان دون تمييز، تمهيداً لتقبل النقد العلماني للإسلام على أنه دين لا يختلف في شيء عن ذلك الدين الذي وقف عائقاً في وجه النهضة الأوربية لعشرة قرون، أو تعميم كلمة الأصولية على كل من يعدّ الأصول (النصوص) مرجعية له، للوصول إلى حتمية الربط بين الدين والعنف، وينطبق الأمر على مسميات كثيرة يتم العبث بها كتعدد الزوجات وحقوق المرأة وحجابها وحقوق الإنسان، إلى غير ذلك.
3- إطلاق الشعارات: وهو أسلوب شائع في الدعايات التجارية والسياسية على السواء كما هو معروف، إذ غالبا ما يتم تعميم أحد الشعارات المنتقاة بعناية كعنوان عريض لكل حملة إعلانية، ومن ذلك مثلا تأكيد أحد أشهر معاجين الأسنان في أمريكا على شعار (النفس المنعش) أكثر من التذكير بالهدف الرئيس من تنظيف الأسنان وهو حمايتها من التسوس، إذ دلت الدراسات التي قام بها المنتجون على أن اهتمام المستهلك ينصب عادة على رائحة الفم الطيبة أكثر من صحة الأسنان. وهكذا يعتمد المعلنون على ربط أهدافهم الإعلانية بأكثر الشعارات جاذبية، وبغض النظر عن مصداقيتها، وصولاً إلى الربط اللاشعوري بين الشعار والمعلن عنه حتى يغدو مجرد تذكر المستهلك لرائحة الفم الطيبة محرضاً تلقائياً على استحضار صورة ذلك المعجون بالرغم من أن كل المعاجين تشاركه في هذه الخاصية!
4- التكرار: لا يكتفي المعلنون عادة بمجرد التنميط والكذب، بل يعمدون كثيراً إلى التكرار المستمر لشعاراتهم وحملاتهم الإعلانية التي تلاحق الناس أينما ذهبوا، وقد يلجأ البعض إلى التكرار في عرض إعلاناتهم غير المباشرة ليحصدوا نتائج أكثر فعالية من الإعلان المباشر عندما يكون التصريح مثيراً للحساسية أو الرفض، إذ دلت إحدى الدراسات على أن تكرار ظهور أحد نجوم السينما وهو يدخن خلال الفيلم لأربع مرات، قد يؤدي إلى زرع صورة إيجابية للتدخين عند المراهقين المعجبين بهذا النجم، مما يعطي دلالة واضحة على أثر الإعلان غير المباشر في بث الرسائل الإعلانية مع التكرار المستمر، وهو أمر يزداد خطورة عندما يقترن بالتصريح المباشر والموجه.
يقول غوستاف لوبون: "إن التوكيد والتكرار عاملان قويان في تكوين الآراء وانتشارها، وإليهما تستند التربية في كثير من المسائل، وبهما يستعين رجال السياسة والزعماء في خطبهم كل يوم، ولا يحتاج التوكيد إلى دليل عقلي يدعمه، وإنما يجب أن يكون التوكيد حماسياً وجيزاً ذا وقع في النفس… والتوكيد لا يلبث بعد أن يُكرَّر تكراراً كافياً أن يُحدِث رأياً ثم معتقداً، والتكرار تتمة التوكيد الضرورية، ومن يُكرر لفظاً أو فكرة أو صيغة تكراراً متتابعاً يحوّله إلى معتقد" [غوستاف لوبون، الآراء والمعتقدات، ص 115- 116].
5- الاعتماد على الأرقام والإحصائيات ونتائج الاستفتاء: وهذا الأسلوب يضفي الكثير من المصداقية على الخبر المراد ترويجه، إذ تعمد وسائل الإعلام – الأمريكية منها على وجه الخصوص- إلى دعم الكثير من الأخبار والإعلانات باستفتاءات وإحصائيات تنسب عادة إلى بعض الجهات المتخصصة ذائعة الصيت، وبالرغم من شيوع القول بأن هذه المؤسسات البحثية والإحصائية قد اكتسبت شهرتها بسبب مصداقيتها ونزاهتها، إلا أنه من غير الممكن أيضاً التأكد من ذلك بأي وسيلة كانت.
6- الاستفادة من الشخصيات اللامعة: وهو أسلوب شائع وشديد الخطورة، ولا نقصد به هنا الاقتصار على جذب مشاهير الفن والرياضة للإعلان التجاري، مع ما في ذلك من تبعات سيئة على الجيل الناشئ الذي يتخذ من هؤلاء قدوة في السلوك، ولكن الأمر قد يصل إلى حد الخداع بالاستفادة من بعض الانتهازيين من المفكرين والعلماء الذين لا يتورعون عن الممالأة وتقديم بعض الآراء في قوالب فكرية مصطنعة، مع التأكيد على إبرازها تحت أسماء هؤلاء المشاهير بما يحملونه من ألقاب قد تصاغ خصيصاً لإضفاء المزيد من التأثير. وهنا نشير إلى أسلوب انتهازي يسرف الإعلام الغربي -أو العربي المستغرب- في تطبيقه عبر تمرير الكثير من الأفكار والتوجهات تحت أسماء عربية وإسلامية يراد لها أن تتبوأ مركز الريادة والتوجيه، ويتم تقديمها تحت مسميات من قبيل: "الباحث الاستراتيجي"، "الخبير في شؤون كذا"، "المفكر الإسلامي المستنير"، وتكمن الخطورة هنا في بث الأفكار المستوردة بألسنة محلية وأسماء مقبولة ومعروفة، بدلاً من الاستعانة بأسماء وألقاب أجنبية قد تثير بعض الحساسية.
7