فلماذا هذا يا شباب أمتي ؟

CHAMEKH

:: في ذمة الله ::
أحباب اللمة

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

ها هو ذا كعادته في ليلة احتلكها الظلام وخيم فيها الصمت، متكئا على جدع الشجرة في أعلى الهضبة، عيناه شاخصتان تتأملان الأفق البعيد، وفكره شارذ يسبح مع أمواج البحر المدوية ينظر إلى الضفة المقابلة حيث تكمن جزيرة أحلامه البعيدة،إنه على هذا الحال منذ أيام،

إنه محمد شاب في مقتبل العمر، تخلى عن حنان الأب والأم، ودفء الإخوة والخلان، وودع تراب أرضه، مستسلما لظروف الحياة المريرة التي يعاني منها، فيلحق بركب من الشبان مثله، مختبئا في أغوارغابة كثيفة، حيث لا تتربص بهم الأعين أو تتمكن منهم الأيادي فيعودوا إلى نقطة البداية من جديد،

لقد باتت الجزيرة البعيدة الأمل المنشود لمحمد وغيره،فهو يسعى باحثا عن هذا السراب الذي يتغنى به ذوو النفوس الواهنة والهمم الضعيفة، حيث يكمن الكنز المفقود والمصباح السحري الذي يغير حياتهم من بؤس وفقر وشقاء، إلى نعيم وغنى وهناء،

نعم غدا، سأعود، سأعود كما عاد فلان جارنا، غنيا، رفقة زوجة وأبناء، سيارة وأموال طائلة وغيرها الكثير، سأحقق ما لم أستطع تحقيقه في بلدي...
هذا ما كان يتمتم به محمد، وهو يسبح في وابل من الأسئلة الكثيرة والأماني البعيدة، لكنه اليوم ليس كغيره من الأحوال،فمحياه تعتليه مشاعر متناقضة، مشاعر ممزوجة بين الخوف من المجهول، وبين التحدي لمواجهة الصعاب في سبيل أن تطأ قدماه جزيرة أحلامه،،،

نعم، هو كذلك، فاللحظة التي كان يترقبها منذ ابتعاده عن أهله وقريته أصبحت وشيكة، فغدا سيقلع القارب الذي سيقله وغيره من الشباب إلى هناك، غدا ستبدأ المغامرة فإما وصول إلى بر الأمان، أو عودة أحياءا أو أمواتا إلى الشطآن،،،
s720081917941.jpg


ها هو ذا القارب يتحرك ينثر عباب البحر وقد تكدس عليه الكثير من الشبان،فبدأ الدعاء والصلاة للوصول بأمن وأمان،وأن ينجيهم الله من أهوال البحر ومراقبة العيان،فلبثوا والأمواج تتأرجح بهم، والبرد يلفح وجوههم،وصوت الريح يبدد لحظات صمتهم،
وما هي إلا لحظات حتى سُمعت الصرخات والاستنجادات، فقد تصدع القارب المملوء بالثقب والاهتراءات، وعلته موجات عاليات، فانقلب القارب واستنجد كل واحد بما يعرفه عن السباحة من مهارات، ومن جهلها فأصبح للأسماك لقمات سائغات،
4e085043f2.jpg


ها هو ذا يوم جديد يشرق على البحر، لكنه هذه المرة كغيره من مرات عديدة، فضفافه مملوءة بقواقع بشرية، أشلاء جاثية قد رمى بها البحر لتصير جثتا هامدة،

_38172188_bodies_ap300.jpg


أما محمد فتسمع له صوتا خافتا يردد بعد أن استعاد وعيه:
الحمد لله الحمد لله الحمد لله لقد نجوت
لقد نجى محمد كما نجى آخرون، لكن هل استفاقوا من هذا الوهم،أم أن هذه المحاولة بداية لمحاولات جديدة حتى يتحقق حلم الوصول إلى الجزيرة البعيدة...
*******
هذه هي الجزيرة البعيدة التي يلهث وراءها الكثير من شباب وطني، بل شباب أمتي ،ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، شبانا وشيبا، من قتلوا نور الطموح والأمل والعزيمة واستسلموا لقسوة الحياة وصدودها، فوهنوا وتشبتوا بأحلام وهمية وباتوا يبحثون عن السراب، متفننين في الطرق والوسائل والمغامرات،فبين قوارب للموت، وبين اختباء في شاحنات لحمل البضائع، أو في السفن أوأجزاء السيارت وغيرها الكثير مما يثير العجب والاستغراب،
إنها الجزيرة التي باتت سوسا ينخر بيوت أمتنا، وجرحا تنزف له القلوب والدموع، فكل يوم يموت المئات بل الآلاف للوصول إليها، وحتى إن وصلوها فإنهم يموتون هناك من آهات الغربة والحرمان والعنصرية،
فلماذا هذا يا شباب أمتي ؟
ألم تسمعوا قول الخالق عز وجل ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة))
[سورة البقرة الآية 195]



 
تنبيه: نظرًا لتوقف النقاش في هذا الموضوع منذ 365 يومًا.
قد يكون المحتوى قديمًا أو لم يعد مناسبًا، لذا يُنصح بإشاء موضوع جديد.
العودة
Top Bottom