إن القرآن الكريم يا سادة قد علمنا الإنصاف والموضوعية ، فعندما يتحدث القرآن عن أهل الكتاب - ولا أقول المسلمين فضلا عن داعية مسلم - يتكلم بصيغة التبعيض ، فيمدح فريقاً منهم ويذم فريقاً ، فتجد الله عز وجل يقول{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً .. } [آل عمران:75] .
ويقول أيضا :{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ }[آل عمران : 78 ].
ويقول الله عز وجل عن الخمر وهي أمُّ الكبائر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة :219 ] .
وفي السنة النبوية مئات الأحاديث التي تشير إلي الإنصاف ولعل أكثرهم وضوحاً هذا الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَكُنْتُ أَحْفَظُهَا فَأَتَانِي آتٍ مِنَ اللَّيْلِ ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِطْلَاقِهِ وَعَوْدِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَى أَنْ قَالَ : قُلْتُ – أي لهذا السارق - : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " دَعْنِي، فَإِنِّي لَا أَعُودُ ، وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ فِرَاشَكَ فَاقْرَأْ بِهَذِهِ الْآيَةِ { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255] حَتَّى تَخْتِمَهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ - : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، أَتَدْرِي مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ثم نعود بعد هذا كله فنجد أن بعض الدعاة من هذه الأمة لا ينصفون أحدا من بني دينهم وجلدتهم أثناء حديثهم عنهم، فتجد أحدهم ينتقد أخوه في ميدان الدعوة ولا يذكر ميزة واحدة له ، وكأنه كله سيئات وسوءات ، وقد تعجب الشاعر من مثل من صنع صنيعه فقال :
فلا أدرى ما الذي يمنع الناقد البنّاء أن يقوم بإظهار محاسن من ينتقده ، وما أنجزه للدعوة الإسلامية في وقت يسير ، فكلنا بنو آدم ، وكل بني آدم خطاء ، ومَنْ مِن العلماء - فضلا عن الدعاة - ليس له أخطاء ؟!
بل أن تتصدر للرد على فلان ، أو تقول نصيحة لفلان إسأل نفسك هذه الأسئلة ، فهي بمثابة كشف على قلبك لتعرف من خلال إجاباتك الدوافع التي جعلتك تبذل النصيحة ومن ثمَ ستعرف إن كنت مخلصاً فيها أم لا .. يا أيها الحبيب يا من تريد بذل نصيحة ما لأحد العلماء أو الدعاة وتريد بها الخير استصحب معك هذه المعاني وأنت مقدم على نصيحة أو نقد أي إنسان :
1- ذكر أحد العلماء عند الإمام أحمد بن حنبل وكان متكئاً من علة فاستوى جالساً وقال : لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ !! .
2- قال الترمذي : لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم " فكيف بعلماء زماننا ودعاتنا، وكيف بي أنا وأنت أيها الناصح الكريم ؟
أقول لك ما قاله شيخ الإسلام : فأما الصديقون والشهداء والصالحون ، فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يُصيبون وتارة يخطئون ، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم ، وخطؤهم مغفور لهم ، وأهل الضلال يجعلونالخطأ والإثم متلازمين ، فتارة يغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون ، وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ ، وأهل العلم والإيمان : لا يعصمون ولا يؤثمون " .
ولأن الغيورين علي الدعاة والعلماء كثيرون جداً ، وقد أحزنتهم الحملة الشرسة الموجهة ضد بعض الدعاة في عصرنا هذا ؛ اشتكوا إلى الله أولاً ثم إلي الشيخ بن جبرين(1) فقالوا له :
ماذا تقول لهؤلاء الذين ينتقصون وينتقدون الدعاة وطلبة العلم ويشهرون بهم ويعلنون زلاتهم ، ولا يذكرون لهم حسناتهم ؟
فأجاب رحمه الله قائلاً : إن هؤلاء قد ضلوا كثيرا ، وقد أخطئوا في فعلهم هذا ، حيث إنهم لا يذكرون الحسنات ؛ بل يقتصرون على السيئات ، ثم أيضا إذا نظرنا في تلك السيئات لم نجدها سيئات كما يزعمون ؛ بل هي حسنات واضحة فهم في الحقيقة يحمّلون الكلام ما لا يحتمله ، ويحمِلون الجملة على محمل بعيد جدا، ويتكلفون في الطعن على تلك الجملة ، ولو كانت بعيدة عما يقصدونه ، وقد ثبت عن بعض السلف أنه قال: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا ، فإذا كانت تلك الجملة محتملة لعشرة احتمالات منها احتمال واحد حق ، وباقي الاحتمالات خاطئة ، حملناها على الاحتمال الذي هو حق ، وتركنا الباقي لإحساننا الظن بقائلها ، ولمعرفتنا بأنه لا يقصد إلا نصح الأمة ، والتحذير من الأضرار التي تفتك بالأمة ، والتي إذا تمكن أهلها أضروا بالعالم الإسلامي عامة .
ثم أنتم أيضا تخطئون خطأ آخر وهو كونكم تكتمون الحق ، وتكتمون المحاسن ، وتكتمون الحقائق ، ولا تنشرون حسنة من الحسنات ، وتقتصرون على المساوئ التي تظنون أنها مساوئ وهي بعيدة عما ظننتم ؛
فالواجب على العاقل المنصف أن يذكر الحسن والسيء ، فيذكر هذا إلى جانب هذا ، حتى لو قدر أن هذا سيء ، وأنه كما يقول : إنه خطأ وبعيد عن الصواب ، فعليه أن يذكر الأمرين جميعا ، فيقول : هذه محاسنه ، وهذه مساوئه ، فيبين ما له وما عليه ؛ فأهل الإنصاف وأهل السنة يذكرون ما لهم وما عليهم ، وأما أهل الضلال وأهل الباطل ، فإنهم يقتصرون على ما لهم ويذكرونه ويوضحونه ويبينونه ويشرحونه ، وأما الذي عليهم فإنهم يكتمونه: كمثل اليهود الذين عابهم الله بقوله وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
ويجب أن نعلم أيضا أن الإنسان ليس بمعصوم من الخطأ وأنه عرضة له ، ولكن يجب إذا لوحظ عليه خطأ أن يبحث معه ، فيقول : إنك أخطأت في كذا وكذا ، فيبين له ، ونحن نعرف أن كثيرا من المشايخ والدعاة إذا أوقفوا على خطأ وتحقق لهم أنه خطأ فإنهم يرجعون عنه إن شاء الله ، لأن هدفهم الحق وقصدهم الذي قصدوه مقصد صالح حسن إن شاء الله .
ثم يجب علينا أن نعرف أيضا أن العالم أو الداعية مجتهد له أجر على اجتهاده ، وإذا قدر أنه أخطأ فإنه مغفور له بجانب حسناتهم التي اشتهرت، والتي ظهرت للعالم عموما في أرجاء البلاد ، فتغفر الزلات بجانب تلك الحسنات ، فإن الحسنات يذهبن السيئات ، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم – قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران -يعني على اجتهاده وإصابته- وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر .
فهم مجتهدون فإن أصابوا فأجر الإصابة وأجر الاجتهاد موفر لهم إن شاء الله ، وإن أخطئوا فخطؤهم مغفور ولهم أجر على اجتهادهم ، ونعتقد أنهم إذا بين لهم أن هذا خطأ فلا بد وأن يظهروا الاعتراف والرجوع إلى الحق(1) )) . انتهى
ويقول أيضا :{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ }[آل عمران : 78 ].
ويقول الله عز وجل عن الخمر وهي أمُّ الكبائر {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة :219 ] .
وفي السنة النبوية مئات الأحاديث التي تشير إلي الإنصاف ولعل أكثرهم وضوحاً هذا الحديث:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَكُنْتُ أَحْفَظُهَا فَأَتَانِي آتٍ مِنَ اللَّيْلِ ، فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي إِطْلَاقِهِ وَعَوْدِهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَى أَنْ قَالَ : قُلْتُ – أي لهذا السارق - : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " دَعْنِي، فَإِنِّي لَا أَعُودُ ، وَأُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا، قَالَ : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ فِرَاشَكَ فَاقْرَأْ بِهَذِهِ الْآيَةِ { اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [البقرة: 255] حَتَّى تَخْتِمَهَا فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ - : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، أَتَدْرِي مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " ذَاكَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
ثم نعود بعد هذا كله فنجد أن بعض الدعاة من هذه الأمة لا ينصفون أحدا من بني دينهم وجلدتهم أثناء حديثهم عنهم، فتجد أحدهم ينتقد أخوه في ميدان الدعوة ولا يذكر ميزة واحدة له ، وكأنه كله سيئات وسوءات ، وقد تعجب الشاعر من مثل من صنع صنيعه فقال :
إذا مَحَاسِنِي اللاتي أُدِلُّ بها كانت ذنوبًا فـبـالله قـل لي: كـيف أعتذر؟!! .
بل أن تتصدر للرد على فلان ، أو تقول نصيحة لفلان إسأل نفسك هذه الأسئلة ، فهي بمثابة كشف على قلبك لتعرف من خلال إجاباتك الدوافع التي جعلتك تبذل النصيحة ومن ثمَ ستعرف إن كنت مخلصاً فيها أم لا ..
س1- هل أنت محب (لفلان) الذي تنصحه؟!.
فإن كنت تحبه فبشارة خير ، وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي :
س2- هلتمنيت أن يكفيك غيرك بذل هذه النصيحة ؟!!.
إن قلت : نعم فبشارة خير ، وإن كان غيرذلك فأجب على ما يلي:
س3- هل أحزنك صدور هذا الخطأ من (فلان) أم سررت بذلك ووجدتها فرصة لنصحه؟!.
إن قلت : نعم قد حزنت فبشارة خير ، وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س4- هل كنت تتمنى أن تكون نصيحتك في السر بينك وبينه ، ولكنك لم تجد إلىذلك سبيلا؟!!.
إن قلت : نعم فبشارة خير ، وإن كان غير ذلك فأجب على ما يلي:
س5- هل لو فعلها أحب الناس إليك كنت ستنصحه بنفس الكيفية والأسلوب الذي تريد به نصح (فلان)؟!
.
.
إن قلت : نعم فبشارة خير ، وإن كان غير ذلك فأقول لك :
1- ذكر أحد العلماء عند الإمام أحمد بن حنبل وكان متكئاً من علة فاستوى جالساً وقال : لا ينبغي أن يذكر الصالحون فنتكئ !! .
2- قال الترمذي : لم يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم " فكيف بعلماء زماننا ودعاتنا، وكيف بي أنا وأنت أيها الناصح الكريم ؟
أقول لك ما قاله شيخ الإسلام : فأما الصديقون والشهداء والصالحون ، فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه: فتارة يُصيبون وتارة يخطئون ، فإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجران ، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم ، وخطؤهم مغفور لهم ، وأهل الضلال يجعلونالخطأ والإثم متلازمين ، فتارة يغلون فيهم ويقولون: إنهم معصومون ، وتارة يجفون عنهم ويقولون : إنهم باغون بالخطأ ، وأهل العلم والإيمان : لا يعصمون ولا يؤثمون " .
والمرء يعجب من صغيرة غيره أي امرئ إلا وفيه مقـال
لسنا نرى منليس فيه غميزة أي الرجال القائل الفعّال
ماذا تقول لهؤلاء الذين ينتقصون وينتقدون الدعاة وطلبة العلم ويشهرون بهم ويعلنون زلاتهم ، ولا يذكرون لهم حسناتهم ؟
فأجاب رحمه الله قائلاً : إن هؤلاء قد ضلوا كثيرا ، وقد أخطئوا في فعلهم هذا ، حيث إنهم لا يذكرون الحسنات ؛ بل يقتصرون على السيئات ، ثم أيضا إذا نظرنا في تلك السيئات لم نجدها سيئات كما يزعمون ؛ بل هي حسنات واضحة فهم في الحقيقة يحمّلون الكلام ما لا يحتمله ، ويحمِلون الجملة على محمل بعيد جدا، ويتكلفون في الطعن على تلك الجملة ، ولو كانت بعيدة عما يقصدونه ، وقد ثبت عن بعض السلف أنه قال: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا ، فإذا كانت تلك الجملة محتملة لعشرة احتمالات منها احتمال واحد حق ، وباقي الاحتمالات خاطئة ، حملناها على الاحتمال الذي هو حق ، وتركنا الباقي لإحساننا الظن بقائلها ، ولمعرفتنا بأنه لا يقصد إلا نصح الأمة ، والتحذير من الأضرار التي تفتك بالأمة ، والتي إذا تمكن أهلها أضروا بالعالم الإسلامي عامة .
ثم أنتم أيضا تخطئون خطأ آخر وهو كونكم تكتمون الحق ، وتكتمون المحاسن ، وتكتمون الحقائق ، ولا تنشرون حسنة من الحسنات ، وتقتصرون على المساوئ التي تظنون أنها مساوئ وهي بعيدة عما ظننتم ؛
فالواجب على العاقل المنصف أن يذكر الحسن والسيء ، فيذكر هذا إلى جانب هذا ، حتى لو قدر أن هذا سيء ، وأنه كما يقول : إنه خطأ وبعيد عن الصواب ، فعليه أن يذكر الأمرين جميعا ، فيقول : هذه محاسنه ، وهذه مساوئه ، فيبين ما له وما عليه ؛ فأهل الإنصاف وأهل السنة يذكرون ما لهم وما عليهم ، وأما أهل الضلال وأهل الباطل ، فإنهم يقتصرون على ما لهم ويذكرونه ويوضحونه ويبينونه ويشرحونه ، وأما الذي عليهم فإنهم يكتمونه: كمثل اليهود الذين عابهم الله بقوله وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ .
ويجب أن نعلم أيضا أن الإنسان ليس بمعصوم من الخطأ وأنه عرضة له ، ولكن يجب إذا لوحظ عليه خطأ أن يبحث معه ، فيقول : إنك أخطأت في كذا وكذا ، فيبين له ، ونحن نعرف أن كثيرا من المشايخ والدعاة إذا أوقفوا على خطأ وتحقق لهم أنه خطأ فإنهم يرجعون عنه إن شاء الله ، لأن هدفهم الحق وقصدهم الذي قصدوه مقصد صالح حسن إن شاء الله .
ثم يجب علينا أن نعرف أيضا أن العالم أو الداعية مجتهد له أجر على اجتهاده ، وإذا قدر أنه أخطأ فإنه مغفور له بجانب حسناتهم التي اشتهرت، والتي ظهرت للعالم عموما في أرجاء البلاد ، فتغفر الزلات بجانب تلك الحسنات ، فإن الحسنات يذهبن السيئات ، وقد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم – قال : إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران -يعني على اجتهاده وإصابته- وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر .
فهم مجتهدون فإن أصابوا فأجر الإصابة وأجر الاجتهاد موفر لهم إن شاء الله ، وإن أخطئوا فخطؤهم مغفور ولهم أجر على اجتهادهم ، ونعتقد أنهم إذا بين لهم أن هذا خطأ فلا بد وأن يظهروا الاعتراف والرجوع إلى الحق(1) )) . انتهى
اخوكم حامل اللواء *م كمال*
آخر تعديل: