كــمــال الـشـريـعــة

Abù Hafes

:: عضو منتسِب ::
إنضم
23 ديسمبر 2011
المشاركات
36
نقاط التفاعل
8
النقاط
3
كــمــال الـشـريـعــة


قال الإمام ابن القيم رحمه الله في بيان كمال الشريعة:
وهذا الأصل من أهمِّ الأصول وأنفعها، وهو مبنيٌّ على حرف واحد، وهو عمومُ رسالته صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى كلِّ ما يحتاج إليه العبادُ في معارفهم وعلومهم وأعمالهم، وأنَّه لَم يُحْوِج أمَّتَه إلى أحد بعده، وإنَّما حاجتهم إلى مَن يبلِّغهم عنه ما جاء به، فلرسالته عمومان محفوظان لا يتطرَّق إليهما تخصيصٌ؛ عمومٌ بالنسبة إلى المرسَل إليهم، وعمومٌ بالنسبة إلى كلِّ ما يَحتاج إليه مَن بُعث إليه في أصول الدِّين وفروعه، فرسالتُه كافيةٌ شافيةٌ عامَّة، لا تحوج إلى سواها، ولا يتمُّ الإيمانُ به إلاَّ بإثبات عمومِ رسالته في هذا وهذا، فلا يَخرج أحدٌ من المكلَّفين عن رسالته، ولا يخرج نوع من أنواع الحقِّ الذي تحتاج إليه الأمَّة في علومها وأعمالها عمَّا جاء به، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائرٌ يقلِّب جناحيه في السَّماء إلاَّ ذكَر للأمَّة منه علماً وعلَّمهم كلَّ شيء حتى آداب التخلِّي وآدابَ الجِماع والنوم، والقيام والقعود، والأكل والشرب، والركوب والنزول، والسَّفر والإقامة، والصَّمت والكلام، والعُزلة والخلطة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، وجميع أحكام الحياة والموت، ووَصَفَ لهم العرشَ والكرسيَّ، والملائكة والجنَّ، والنار والجنة، ويوم القيامة وما فيه حتى كأنَّه رأيُ عَين، وعرَّفهم معبودَهم وإلَههم أتمَّ تعريف، حتى كأنَّهم يرونه ويشاهدونه بأوصاف كماله ونعوت جلاله، وعرَّفهم الأنبياء وأمَمَهم وما جرى لهم وما جرى عليهم معهم، حتى كأنَّهم كانوا بينهم، وعرَّفهم مِن طُرق الخير والشرِّ دقيقَها وجليلَها ما لَم يعرِّفه نبيٌّ لأمَّته قبله، وعرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النَّعيم والعذاب للروح والبدن، ما لَم يعرِّف به نبيٌّ غيرَه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم من أدلَّةَ التوحيد والنبوة والمعاد، والردَّ على جميع فرق أهل الكفر والضلال، ما ليس لِمَن عرفه حاجة مِن بعده، اللهمَّ إلاَّ إلى مَن يبلِّغه إياه ويبيِّنه ويوضح منه ما خفي عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مَكايد الحروب ولقاء العدوِّ وطرُق النَّصر والظَّفَر ما لو عَلِموه وعقِلُوه ورعَوْه حقَّ رعايَتِه لَم يقم لَهم عدوٌّ أبداً، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن مكايد إبليس وطرُقِه التي يأتيهم منها، وما يتحرَّزون به مِن كيده ومَكرِه، وما يدفعون به شرَّه ما لا مَزيد عليه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أحوال نفوسِهم وأوصافِها ودسائسِها وكمائِنها ما لا حاجة لهم مَعه إلى سِواه، وكذلك عرَّفهم صلى الله عليه وسلم مِن أمور مَعايشِهم ما لو عَلِموه وعمِلُوه لاستقامت لهم دنياهم أعظمَ استقامة.
وبالجملة فجاءهم بخير الدنيا والآخرة برُمَّته، ولَم يُحْوِجْهُم الله إلى أحد سواه، فكيف يُظَنُّ أنَّ شريعتَه الكاملةَ التي ما طرق العالَم شريعةٌ أكملَ منها ناقصةٌ، تحتاج إلى سياسة خارجة عنها تكمِّلها، أو إلى قياس أو حقيقة أو معقول خارجٍ عنها، ومَن ظنَّ ذلك فهو كمَن ظنَّ أنَّ بالناس حاجةً إلى رسول آخَر بعده، وسبَبُ هذا كله خفاءُ ما جاء به على مَن ظنَّ ذلك، وقلَّةُ نصيبه مِن الفَهم الذي وفَّق الله له أصحابَ نبيِّه الذين اكتفوا بما جاء به، واستغنوا به عمَّا سواه، وفتحوا به القلوبَ والبلادَ، وقالوا: هذا عهدُ نبيِّنا إلينا، وهو عهدُنا إليكم.

_________________


من كتاب أعلام الموقعين (4/375 ـ 376)
 
بارك الله فيك أخي و على الدرر التي نقلها العلامة إبن القيم
ودتت لو مثل هذه المواضيع تأتي على شرح وجيز أو مبسط و مفهوم فالبعض قد لا يفهم لغة الشيخ فتغيب عنه فوائد جليلة و كثيرة
فالهدف من الموضوع عموما هو تبليغ الدعوة إلى الجميع و بلغة بسيطة و مفهومة و شكرا
 
و فيك بارك أخي الحبيب ، أسعدني مرورك الكريم
 
رد: كــمــال الـشـريـعــة

اللهم امين اخي الطيب
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top