أهل الفتوى الذين يجب على عامة المسلمين الأخذ بفتواهم، ولنا أخٌ في الله مؤمن مسلم وسلوكه جيد في الدين وفي الحياة العامة، ولكنه ليس متفقهاً في الدين لدرجة أن يفتي، وفي بعض المسائل يفتينا ويقول: هذا على مسؤوليتي، فهل نأخذ بفتواه أم لا؟ وهل من حقه أن يفتي أم
أهل الفتوى هم الذين قد تفقهوا في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وحصلت لهم معرفة جيدة بما أحل الله وبما حرم الله وما أوجب الله وشهد لهم أهل العلم والفقه والخير بالمعرفة وأنهم أهل لأن يفتوا، ولا ينبغي أن يستفتى كل أحد، ولو انتسب إلى الدين أو إلى العبادة أو إلى العلم حتى يسأل عنه أهل العلم ويتبصر السائل بواسطة العارفين به والذين يطمئن إليهم أنهم أهل علم حتى يذكروا له أنه أهل للفتوى وأهل لأن يفتي في الحلال والحرام ونحو ذلك. المقصود أن هذا يحتاج إلى تثبت في الأمر وعدم تساهل فليس كل من انتسب إلى الدين أو إلى العبادة أو إلى العلم يصلح لذلك بل لا بد من فقه في الدين وتبصر ولا بد من ورع وتقوى لله ولا بد من حذر من تسارع في الفتوى والجرأة عليها بغير علم وبغير حق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الواقع سماحة الشيخ تعددت الفتاوى وتعدد المفتون في كثير من المجلات والصحف في الداخل والخارج، ولا بد لسماحة الشيخ من كلمة توجيهية حول هذا الموضوع بالنسبة للقرّاء وبالنسبة لأولئك الذين يتعاطون الفتوى ؟
نصيحتي للقراء أن لا ينجرفوا مع كل مفتي وأن يعرضوا فتاوى الناس على كلام الله وكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وأن يعظموا ما عظمه الله ورسوله، وأن ينتهوا عما نهى الله عنه ورسوله، وأن يسألوا أهل العلم المعروفين بالاستقامة والغيرة الإسلامية والعلم الشرعي، وأن لا ينجرفوا مع كل فتوى، فعليهم أن يتثبتوا وأن يحذروا حتى لا يقعوا في الباطل. أما وصيتي ونصيحتي للمفتين فعلينا جميعاً تقوى الله وأن لا نفتي إلا بما يوافق الحق، وأن نحذر التساهل أو الميل إلى أهواء الناس وما يرضيهم، فإن الناس أكثرهم لا يرضيه إلا الباطل، فالواجب على المفتي أن يتقي الله وأن يخاف الله وأن يراقب الله، وأن لا يفتي إلا بما يظهر له من كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- بعد التثبت وبعد النظر والعناية، وبعد مراجعة أهل العلم والاستعانة بما ذكروه في كتبهم حتى تكون الفتوى على بينه، وعلى بصيرة، نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق.
سئل فضيلة الشيخ: انتشرت الفتوى حتى صار الصغير يفتي، فما تعليقكم ـ غفر الله لكم ـ ؟ فأجاب قائلاً: كان السلف ـ رحمهم الله ـ يتدافعون الفتوى لعظم أمرها ومسئوليتها وخوفاً من القول على الله بلا علم؛ لأن المفتي مخبر عن الله مبين لشرعه، فإن قال على الله بلا علم فقد وقع فيما هو صنو للشرك، واستمع إلى قول الله تعالى ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33) فقرن الله ـ سبحانه ـ القول عليه بلا علم بالشرك، وقال سبحانه)وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36) . فلا ينبغي أن يتسرع الإنسان في الفتوى ، بل ينتظر ويتدبر ويراجع ، فإن ضاق الوقت فيحول المسألة إلى من هو أعلم منه ليسلم من القول على الله بلا علم . وإذا علم الله من نيته الإخلاص وإرادة الصلاح فسوف يصل إلى المرتبة التي يريدها بفتواه ، فمن اتقى الله فسيوفقه الله ويرفعه . والذي يفتي بلا علم أضل من الجاهل ، فالجاهل يقول : لا أدري ويعرف قدر نفسه ، ويلتزم الصدق ، أما الذي يقارن نفسه بأعلام العلماء بل ربما فضل نفسه عليهم فيَضل ويُضل ويخطئ في مسائل يعرفها أصغر طالب علم فهذا شره عظيم وخطره كبير