التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله


التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}
[آل عمران].
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي يتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} [النساء].
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً} [الأحزاب].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعـد:
فقد تكفل الله بحفظ دينه فقال جل في علاه :{إنا نحن نزلنا الذكر وإناله لحافظون} وإن من حفظ الله لهذا الدين أن أوجد علماء راسخين يذبون عن هذا الدين ما علق به من شوائب أيا كان نوعها ، وصدق رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث قال : ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) ففي هذا العصر انتشرت دعوة أهل السنة والجماعة في العالم عموماً وفي اليمن خصوصاً ، والفضل في هذا لله عز وجل ، ثم لجهود علماء أهل السنة والجماعة ، نسأل الله أن يجزل لهم المثوبة ويعظم لهم الأجر إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.
فقد قيض الله لأهل اليمن في هذا العصر والدنا وشيخنا الإمام المحدث العلامة/أبا عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي ـ يرحمه الله ـ الذي بذل نفسه وماله ووقته وعرضه في خدمة الإسلام والمسلمين ، فأحيا به الله معالم الدين وقمع به الباطل والمبطلين، فاشتغل بالتأليف والتحقيق والتعليم والدعوة إلى الله على بصيرة ، فاستفاد الناس منه في مشارق الأرض ومغاربها ، ورُحل إليه من الداخل والخارج بل لا أعلم عالماً رُحـل إليه مثل ما رُحـل إلى هذا الإمام في هذا العصر ، وقد انتشرت مؤلفاته في شتى بقاع الأرض ، وكذا طلبته، وكان هو وأمثاله باباً مغلقاً دون الفتن فرحمه الله رحمة واسعة ، وأسكنه فسيح جناته ، فلما توفي ـ رحمه الله ـ حصلت بعض الفتن بين بعض طلبة العلم ، فقمت بكتابة رسالة مختصرة مشاركة مني في بيان بعض الأمور التي لا ينبغي جهلها أو تجاهلها ولا أعتبر ما كتبته خاصا بهذه الفتنة بل هو علاج لجميع الفتن في كل زمان ومكان .فالله أسأل أن ينفع بما كتبته الإسلام والمسلمين .
والحمد لله رب العالمين.
وكتب/ محمد بن عبد الله الإمام .

الإقبال على عبادة الله كفيل بالنجاة من الفتن

روى الإمام مسلم (18/392) عن معقل بن يسار ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( العبادة في الهرج كهجرة إليّ)) والهرج : القتل والقتال ، وماله من مقدمات من عصبية وحزبية ، وغير ذلك ، ولفظ العبادة هنا يشمل جميع أنواع العبادة من صدق وإخلاص ، ومراقبة لله وتقوى ، وورع وصبر وثبات على الحق ، ومحافظة على تعلم العلم النافع ، وتعليمه ، والعمل الصالح من صلاة وصيام ، وحسن معاملة ، وحسن خلق ، كل هذه وأمثالها من العبادات . فلو أقبل المسلم على العبادة كما أراد الله لم يبق معه وقت لضياعه مع الفتن والمراء والجدال ، وصدق النبي صلى الله عليه و سلم إذ يقول : ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) من حديث ابن عباس عند البخاري.

وقال صلى الله عليه و سلم : ((بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا )) عن أبي هريرة عند مسلم (2/300).

الفضل لله وحده في النجاة من جميع الفتن

الفتن كثيرة ومتنوعة ومستجدة ما بين الحين والآخر ، وكل واحد من المسلمين المتمسكين بدين الله معرض في كل وقت للفتن ، فمن نجا من الفتن فذلك بشيئين عظيمين: فضل الله عليه ، واستمرارية توفيق الله له. قال تعالى مخاطبا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد حادثة الإفك :{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء} [النور]، ولما حصلت الشائعة بين الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم طلق نساءه جرى للصحابة ما جرى فذهب عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى النبي صلى الله عليه و سلم وقال : ((أطلقت نساءك ؟ قال : لا ، قال عمر : فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم نساءه ونزلت هذه الآية {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} قال عمر : فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر ، وأنزل الله عز وجل آية التخيير)) رواه مسلم رقم (1479) بهذا اللفظ .
فهنيئا لمن وفقه الله لتجنب الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الفرار من الفتن ولزوم كل امرئ عمله

روى الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)).
وروى مسلم برقم (2887) عن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إنها ستكون فتن ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من الماشي فيها والماشي فيها خير من الساعي إليها ألا فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله ، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه ، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل يا رسول الله : أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض ؟ قال : يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينج إن استطاع النجاء ، اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ فقال رجل يا رسول الله : أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين أو إحدى الفئتين ، فضربني رجل بسيفه ، أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار)) .
فهذا من العلاج العظيم وتعريف الناس ما ينفعهم فلو انصرف الناس إلى أعمالهم ما قامت فتنة كالمظاهرات والانقلابات ، فكل هذه من الفتن ، فما أعظم العلاج في الشرع ، وما أقل المنتفعين به.
موقف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من الفتن

لقد كانت مواقف الصحابة عند الفتن مسدَّدة ، ومن أبرز ذلك عدم القبول للفتن والمشاركة فيها.
ولو جئنا إلى تفاصيل مواقف الصحابة في الاعتزال للفتنة لطال الكلام وخرجنا عن المقصود.
وانظر إلى موقف الصحابة في قتال الخوارج فقد اتفقوا على قتال الخوارج وقاموا بذلك حق قيام ، لأن الأحاديث واضحة جدا في الحث والأمر بقتالهم فلا شبهة في قتالهم.
وانظر إلى تنازلهم عن أمور عظيمة من أجل سلامتهم من الفتن وسلامة مجتمعاتهم ، فهذا الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ يتنازل عن الخلافة وهو أهل لها ، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم : ((إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) رواه البخاري (5/307) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
وانظر إلى هذا التفاني في الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ، وانظر إلى هذا التواضع الجم فقد تنازل الحسن وليس عن قلة ولا عن ذلة ولكن فرارا من الفتن.

تنبيه:
عقيدة أهل السنة الكف عما نشب بين الصحابة لأنهم ما بين مجتهد مصيب فله أجران ، وما بين مجتهد مخطىء فله أجر ، فلا يجوز الطعن في أحد منهم.

تنبيه آخر
الذي عليه أهل السنة أن الصحابة الذين وقعوا في الفتنة هم أفضل ممن جاء بعدهم وخطؤهم مغمور في فضائلهم.

فائدة:
لقد ندم الصحابة الذين دخلوا في الفتن بما فيهم علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعائشة رضي الله عنها .

أهل السنة أعظم الناس بعدا عن الخلاف
إن أهل السنة قد وجدوا برد اليقين في قلوبهم بسبب جلاء الحق عندهم واستقراره في قلوبهم ، وقبوله للعمل به ، وهذا لازم منهج أهل السنة والجماعة ، فإن لفظ (السنة) يعني العمل بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم وهو القرآن والسنة ، ولفظ (الجماعة) معناه الاجتماع على الحق والعمل به والسير على ما سار عليه السلف ، فلن يدخل الخلاف على أهل السنة من جهة منهجهم وإنما قد يحصل من جهة أنفسهم بحصول البغي والظلم والعدوان أو التعجل فيما يحتاج إلى تأني أو الجهل بحقيقة الشيء وما يؤول إليه ، بخلاف غيرهم من أهل البدع والضلالات فإنهم بسبب الخلل في منهجهم مهما أرادوا الوصول إلى الحق فلن يصلوا إليه عن طريق مناهجهم المنحرفة ، فقد يجتمعون ويتفقون ولكن على غير الحق ، ولا يصلون إلى الحق إلا إذا رجعوا إلى الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة.

الفتن تنسف المتطلعين لها
قال تعالى :{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال]، فتأمل كيف أمر الله باتقاء كل فتنة فمن لم يخضع لأمره سبحانه فالجزاء كما قال الله :{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور].
والله ثم والله إننا لا نطيق فتنة ولا العذاب الأليم ، فواعجبا لعاقل يقدم نفسه لما لا تحمد عقباه ، وقد جاء من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم...)) متفق عليه.
وكم رأينا ممن يستعجلون الفتن قد تغيروا عن الحق فبعد أن كانوا أهل صدق أُثر عنهم الكذب ، وبعد أن كانوا من أجل الإسلام فقد صاروا من أجل الأغراض النفسية ، وبعد أن كانوا يتحاشون مؤاذاة الناس والسب والشتم فقد صاروا يخوضون في أعراضهم.
فالله الله في دينك يا مسلم إذا جاءت الفتن فصن لسانك وحافظ على سلامة قلبك ، ونزه سمعك فلا تتصدى للجدال فيما لا تحسن ولا تتكلم في ما لا تعلم ، ولا تشغف بسماع كل ما يدور ويقال فتصير في اضطراب وحيرة وشكوك ، والله المستعان.

تحريم تتبع عورات الناس عامة والعلماء خاصة

جاء عند أحمد (4/420-421) عن أبي برزة الأسلمي ، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عند الترمذي (1/365) أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان إلى قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته))
وجاء من حديث معاوية ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((أعرضوا عن الناس ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)) رواه أبو داود رقم (4888) وابن حبان رقم (1495) ومن حديث جبير بن نفير وأبي أمامة وكثير بن مرة عند أحمد (6/4) وأبي داود رقم (4889) قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)).
قال المناوي في قول الرسول صلى الله عليه و سلم : ((إن الأمير...)) أي: طلب الريبة أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم فسدهم وما أمهلهم وجاهرهم بسوء الظن فيهم فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ـ إلى أن قال : ـ ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام ...بل يستر عيوبهم ويتغافل ويصفح ولا يتتبع عوراتهم ولا يتجسس اهـ من "فيض القدير" (2/323) فإذا كان الأمير مطالبا بالكف عن تتبع عورات رعيته فما بالك بمن يذهب ويتتبع عورات العلماء لغرض الطعن فيهم والتشويه بهم؟!.

الذنوب داء الأخوة في الدين

روى البخاري في "الأدب المفرد" من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما)) وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم .
فانظر حفظك الله كيف يجلب الذنب الواحد الفرقة بين المتحابين ، فيكف إذا كثرت الذنوب ؟!، وسواء كان الذنب في حق أخيه أو كان في حق أخ آخر ، أو كان بين العبد وربه.
فيا لله ما أخطر الذنوب علينا ، فيا علام الغيوب جنبنا الذنوب وسهل لنا أن نتوب ، وقنا شر أنفسنا والقلوب.
فاحذر أخي أن تتعامل مع أخيك المسلم بالظلم أو الغيبة والنميمة ، أو سوء الظن أو الكذب عليه أو الغش له.
ومما يجلب العداوة بين الأخ وأخيه التداخل في أمور الدنيا ، فكم من إخوة كانوا أحبابا فلما دخلوا في الشركة صاروا أعداء. قال تعالى :{وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ماهم} [ص]

عدم الإخلاص من أسباب السقوط في الطريق

قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ : (إنما يتعثر في الطريق من لم يخلص عمله لله ) فلله در ابن الجوزي كيف كان خبيرا بالداء والدواء . والتعثر هذا قد يختم به للإنسان ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((إن العبد ليعمل عمل أهل النار وهو من أهل الجنة ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار وإنما الأعمال بالخواتيم)) رواه البخاري عن سهل بن سعد رقم (6607) وهو عند مسلم بنحوه رقم (112)
قال ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ : (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت ـ إلى أن قال: ـ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر) اهـ من كتاب "قال ابن رجب" (151-152) .
قلت : الله الله في إخلاص العمل لله في قلبك وقالَبك.

التفقه في الدين
إن من فوائد التفقه في دين الله سلوك طريقة النجاة من الفتن ، وهي منحة إلاهية يتفضل الله بها على من يشاء من العباد ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) متفق عليه من حديث معاوية.
فإياك إياك واحتقار الفقه في الدين ، فقد قال بعض العلماء : (إن الله يرفع عن هذه الأمة العذاب برحلة أصحاب الحديث) نعم إن عظمة دين الإسلام تكمن في كل آية من كتاب الله وفي كل حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فالأمة الإسلامية قد تتجرع أنواعا من المصائب ، والحل موجود في أكثر من آية أو حديث ، والآية الواحدة والحديث الواحد فيه حل برأسه ، ولقد جاء الإسلام لكل فتنة بدواء ولكن قلَّ المداوون ، ولنضرب لذلك مثلا لما مات الرسول صلى الله عليه و سلم اختلف الصحابة في تجريده من الثياب فسمعوا قائلا يقول: لا تجردوا رسول الله صلى الله عليه و سلم . فتركوا تجريده ، واختلفوا فيمن يكون الخليفة بعده فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ((قريش ولاة هذا الأمر )) رواه أحمد (1/5) ، فسلم الصحابة الإمامة لأبي بكر لأنه قرشي ، فانظر كيف حُسِم الاختلاف بسبب التفقه في الدين والتسليم للدليل ، وكم جرت من خلافات في الصحابة وكانت تزول وتنتهي إذا جاء الدليل والبرهان الشرعي ، فالتفقه في الدين أساس كل خير ولكن على يد من صح معتقده وسلم منهجه وحسن مقصده ، فاختيار الكتاب القيم والعالم الفطن للتفقه في الدين مطلب كل باحث عن الحق.

الاعتصام بحبل الله
وحبل الله هو اتباع القرآن الكريم والسنة المطهرة على فهم السلف الصالح ، والاعتصام بهما أمان من الزيغ والضلال ، قال تعالى :{فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى}.
والاعتصام بكتاب الله كما أراد الله يكون بثلاثة أمور:
1- قبول آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم الصحيحة قبولا صادقا ظاهرا وباطنا فلا تردد في قبول شيء من ذلك ، وهذا القبول لا بد أن يكون قائما على الاعتقاد الجازم أن القرآن الكريم والسنة المطهرة محفوظان بحفظ علام الغيوب ، قال تعالى :{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر].
2- فهم القرآن والسنة على فهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان إذ لا عصمة من الانحراف في فهم القرآن والسنة إلا بهذا ، وأكثر الفرق التي ضلت عن سبيل الله كان من أسباب ذلك عدم اعتمادها على فهم السلف الصالح ، وأهل السنة أسعد الناس بفهم الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
3- العمل بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ظاهرا وباطنا على ما كان عليه عمل الصحابة ومن تبعهم بإحسان.
والقيام بهذا أصعب من القيام بالذي قبله ، والمفرطون في هذا أكثر من المفرطين بالذي قبله ، ولم ينج من هذا التفريط إلا أفراد من عباد الله الصالحين ، والرجوع إلى ما كان عليه السلف من العمل عند الفتن أمر مهم ، وبالالتزام بهذه الأمور في جميع شؤون الحياة يتحقيق الاعتصام الحق بكتاب الله عز وجل .

جمع كلمة أهل السنة أصل من أصول الإسلام

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (إن الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين ، والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع) "مجموع الفتاوى" (22/254).
وقال أيضا : (فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطنا وظاهرا ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه ، ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول صلى الله عليه و سلم منه) "مجموع الفتاوى" (1/17).
وقال أيضا : (والاجتماع والائتلاف من أعظم الأمور التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه و سلم ، قال تعالى :{واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ـ إلى قوله تعالى ـ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم} [آل عمران] ، وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعا وأن لا نتفرق هو من أعظم أصول الإسلام).
وقال أيضا: (البدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة ، فيقال: أهل السنة والجماعة كما يقال: أهل البدعة والفرقة) كتاب "الاستقامة" (1/42).

وقال السعدي في "تفسيره" (352) : (إن كل حالة يحصل بها جمع المؤمنين وأتلافهم ينبغي اتباعها والأمر بها والحث عليها).
قلت: وشرط ذلك أن لا تخرج عما كان عليه السلف ، وبالمقابل كل حالة يحصل بها التفريق للمؤمنين ، فلا يجوز سلوكها.
الله ، الله يا أهل السنة في جمع كلمتكم على الحق.

مكانة علماء الحديث
إن مما ينبغي أن يدرك أن مكانة علماء أهل الحديث في مرتبة عظيمة من الاحترام والتقدير والتلقي عنهم ، فمن شهد له علماء الحديث بأنه من أهل السنة فقد حاز مرتبة عظيمة ، ولا يعني كلامنا هذا أن أفراد علماء السنة لا يتفاضلون بخصائص تخص كل واحد منهم بل هذا هو الحاصل ولكن لا يجوز أن نجعل الخصائص غرضا للطعن في بعضهم ، فمن المعلوم أن الصحابة كلهم في مرتبة واحدة وهي أن الله قد زكاهم بل رضي عنهم مع العلم أن مناقبهم وخصائصهم تتفاوت ، فالخلفاء الأربعة أفضل من كل من عداهم من الصحابة ولكن لا يجوز أن يستغل هذا للطعن في الصحابة الذين لم ينالوا المناقب التي نالها الخلفاء الأربعة ، ولهذا فالصحابة عند أهل السنة هم في مرتبة واحدة وهي الاحترام والتقدير ولم يعرف الطعن في بعضهم أو كلهم إلا من قبل دعاة البدع والضلالات.
أهمية الرجوع إلى علماء الأمة عند الفتن

إن علماء السنة والجماعة هم أعظم من يقف ضد الفتن قديما وحديثا ، وكم من فتن ظهرت في عصرنا فتصدى لها العلماء وكشفوا عوارها وأوضحوا أضرارها.
فهم الذين وقفوا ضد الدعوات البدعية والأفكار المنحرفة بالمرصاد ينافحون في الليل والنهار عن الحق الذي جاء في القرآن والسنة المطهرة وسار عليه السلف الصالح ، فالذي لا يرجع إليهم إما أن يقول الكل على خير وحق . وهو يعني بالكل أهل السنة ودعاة البدع والتحزب وهو في الحقيقة يسوي بين الحق والباطل ، وإما أن ينحاز إلى فئة من فئات البدع والحزبيات ويحارب دعوة الحق ودعوة الله ورسوله صلى الله عليه و سلم وهو سائر في ذلك كما تريد الفرقة التي ارتمى بين أحضانها ، أما من رجع إلى علماء الحديث فإنه ينجو بحمد الله رب العالمين ، قال تعالى :{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء].
قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : العالم يرى الفتنة وهي مقبلة والناس لا يرونها إلا وهي مدبرة .قال تعالى مخبرا عن موقف عامة الناس في قارون :{فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم} [القصص].
وقال في موقف أهل العلم من قارون : (وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} [القصص].
ثم تغير موقف عامة الناس ولكن بعد أن أهلك الله قارون ، قال تعالى :{وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منّ الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون} [القصص].
ومواقف العلماء المعاصرين في إدراك الفتن والتحذير من الوقوع فيها كثيرة
واعتبر بفتنة جهيمان وفتنة جبهة الإنقاذ في الجزائر ، وفتنة الانتخابات والتحزبات ، وغير ذلك كثير مما حذَّر منه العلماء فلم يقبل نصحهم فكان ما كان من المصائب العظام ، والغالب على المحبين للخير أنهم يستعجلون كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم لبعض أصحابه : ((والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلى الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري (7/209) من حديث خباب.
طلبة العلم واسطة بين العلماء والمجتمع

من المعلوم أن طلاب العلم يتلقون عن العلماء العلم والتوجيهات وينطلقون إلى قومهم دعاة ومدرسين فمن شهد له أهل العلم أنه على خير وأنه يُتلقى عنه ، فالمطلوب المناصرة له وحسن الظن به.
والخطأ الملاحظ أن بعض المسلمين يقف منفرا ومحذرا من هؤلاء بحجة أنهم ليسوا علماء وأنهم يرفعون أنفسهم إلى مقام العلماء وأنهم يتصدرون للفتاوى ولا يحسنون ذلك ، فهذا الكلام يحتاج إلى تمحيص فقد يكون منه الحق وقد يكون منه الباطل ، فينصحون بقدر ما يتأكد من حصوله منهم ويذكرون بخير بقدر ما يدفع عنهم من التهم والانتقاص فلهذا على طلبة العلم أن يكون ارتباطهم بأهل العلم قوياً قدر المستطاع خصوصا عند الفتن المستجدة فثباتهم على الحق من ثبات أهل العلم ، وسدادهم من سداد أهل العلم ، وسلامتهم من الفتن من سلامة أهل العلم ، فليس من صالح العلماء أن يفرطوا في هؤلاء وليس من صالح طلبة العلم أن يشذوا عن أهل العلم.

التمحيص للأخبار الشائعة خصوصا عند الفتن

يجب على المسلم أن يتثبت من الأخبار الشائعة وأن لا يحدث بكل ما سمع وأن يردها إلى أهل العلم ، قال تعالى :{ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} ولهذا قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((كيف بكم بزمان يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم فاختلفوا وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قالوا كيف بنا يا رسول الله ؟ قال تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون)) رواه ابن ماجه (2/3956) من حديث عبد الله بن عمرو .
فالأخبار التي تنقل عبر كثير من الصحف والمجلات لايعتمد عليها لأن هذه المصادر ليست محل ثقة، وأيضا الكُّّتاب عندهم أفكار دخيلة واتجاهات في الغالب .
فالأخطاء التي يتحدث بها الثقات عن فلان المعروف بعدم الوقوع فيما ينسبونه إليه يطالبون بالمصادر والنظر فيها ، وإذا لم يكن عندهم مصدر إلا الشخص يسأل عما نسب إليه فهذه الضوابط تقصم ظهور المروجين للفتن والساعين في الفرقة، فتسد عليهم الطرق وتغلق دونهم الأبواب وتفوت عليهم الفرص التي ينتظرونها ، والالتزام بهذه الضوابط شاق جدا لا يوفق لذلك إلا من وفقه الله ، ولا يستمر على ذلك إلا من ثبته الله رب العالمين جعلنا الله منهم.

التحلي بالصبر
روى أبو داود (4/99) من حديث المقداد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((إن السعيد لمن جنب الفتن ، إن السعيد لمن جنب الفتن ، إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها)) أي: عجباً لأمره كيف يبتلى فيصبر. فما أكثر الذين يختل صبرهم ويعظم جزعهم وتنهار قواهم عند نزول الفتن.
أخي المسلم ، يقول الله تعالى :{وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} [فصلت].
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الفوائد" (ص144) ترتيب الأخ الفاضل/ علي بن حسن الحلبي : (ثم أمر نبيه بالتأسي به سبحانه في الصبر على ما يقوله أعداؤه فيه كما أنه سبحانه صبر على قول اليهود إنه استراح ) اهـ .
فقد جاء في مسلم (17/284) عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم)).
والصبر من أعظم الأسباب التي يدفع بها حسد الحاسدين كما ذكر ذلك ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" ، ولله در من قال :

اصبر على كيد الحسود فإن صـبرك قاتله
فالنار تأكــل بعضها إن لم تجد ما تأكلـه
فما استعان العبد المسلم على دفع حسد الحاسدين عنه بشيء ما ، كاستعانته بملازمة الصبر والتقوى.
فمن الدعاة من إذا أوذي أقام الدنيا ولم يقعدها ، وربما سخَّر كل ما عنده من طاقة وكل ما في وسعه في الدفاع عن نفسه، والأمر لا يحتاج إلى هذا كله فالدفاع عن النفس مطلوب بحدوده وضوابطه الشرعية مع المراعاة للمصالح الشرعية والنظر للحال والمآل.
الحلم
إن الحلم محمود في الأوقات كلها وهو أكثر محمدة عند الفتن إذا كان حلما مقرونا بالعلم الشرعي ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم مادحا الأشج : ((إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة)) رواه مسلم (1/156-158) عن ابن عباس رضي الله عنهما .
والحلم من صفات خواص خلق الله ، قال تعالى :{إن إبراهيم لأواه حليم} [التوبة].
وقد وصف بالحلم هنا لأنه ـ عليه السلام ـ كان مع الحق ، قال تعالى :{إن إبراهيم لحليم أواه منيب} [هود].
وقد وصف هنا بالحلم لأنه لم يستعجل نزول العقوبة على قوم لوط .
وقال سبحانه في إسماعيل عليه السلام :{فبشرناه بغلام حليم} وقد وصف بالحلم هنا لما قام به من التسليم لحكم الله مع الصبر وسعة الصدر وحسن الخلق ، قال تعالى :{فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات].
وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الفوائد" (ص405) : (والحلم لقاح العلم فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا والآخرة وحصل الانتفاع بعلم العالم وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والانتفاع).

يا معشر الدعاة إلى الله ما الفرق بينكم وبين عامة الناس إن لم تتصفوا بالحلم والتأني وسعة التحمل ؟ ألم يقل الله لنبيه صلى الله عليه و سلم : {خذ العفو و أمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف].
ألم يقل الله :{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فالحلم والأناة من أوصاف العلماء.

التأني في إصدار الأحكام عند نزول الفتن

التعجل غريزة جبل عليها الإنسان ، قال تعالى :{خلق الإنسان من عجل} [الأنبياء]، وقال تعالى :{وكان الإنسان عجولا} وكم خسرنا من خسارات بسبب عدم التأني في الأمور ، وقد قال صلى الله عليه و سلم لأشج عبد القيس : ((إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة)) رواه مسلم (1/156) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أفلا يرضى الدعاة إلى الله أن يكونوا محبوبين عند الله وعند خلقه؟.

تنبيه : هناك فرق بين المبادرة والعجلة:
فالمبادرة: انتهاز الفرصة في وقتها ولا يتركها حتى إذا فاتت طلبها فهو لا يطلب الأمور في إدبارها ولا قبل وقتها بل إذا حضر وقتها بادر بانتهازها.
والعجلة: طلب الشيء قبل وقته ، فهي خفة وطيش وهي من وضع الشيء في غير موضعه وتعقبها الندامة.

العدل في التعامل والأحكام

العدل هو : وضع الشيء في موضعه . كما جاءت به الشريعة المحمدية.
اعلم أيها المسلم أن العدل نزر في أوساط المسلمين فإن وجدت عادلا فهذا أعز من الكبريت الأحمر ، قال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء].
وقال تعالى :{وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى} [الأنعام] ، وقد أمر الله بالعدل مع الأعداء .
وقال تعالى :{ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة].
فهذه القاعدة فرض على كل مسلم ومسلمة وإلا وقع في الجور والظلم وهو يتنافى مع شريعتنا.

التعرف على من يذكي الفتن
من المعلوم أنه ما من فتنة تقوم بين مسلم وأخيه إلا ودخل فيها من ليس من أهلها بحسن قصد أو بسوء قصد ، والمطلوب هو البحث عن المتسببين في تهييجها ، وجعل الحواجز التي تحول بين المصلحين وبين المتخاصمين.
إن الساعين من وراء الفتنة هم:
1- من شياطين الجن.
2- من شياطين الإنس.
والكلام على شياطين الجن سيأتي . أما شياطين الإنس فمنهم السحرة والمنجمون والمنافقون ودعاة الضلال والجواسيس وغيرهم.
3- السماعون لشياطين الإنس الذين سبق ذكرهم ، وهذا الذي صرح به القرآن ، قال تعالى :{لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} أي: فسادا. {ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم} [التوبة].
وسماعون اسم فاعل من صيغ المبالغة ، وإذا كان الصحابة يعانون ممن هوسمَّاع لصنف المنافقين فما بالك بحال المسلمين اليوم؟! ولهذا نشاهد عند حدوث الفتنة وظهورها أناسا يتحمسون لنشرها ويظهرون غيرة على الدين منقطعة النظير مع أنهم لا يعرفون بسوابق حميدة بل يكونون بالتخبط والإقبال على الدنيا ، وما ندري إلا وهم يتكلمون مع الدعاة والعلماء ، ويواصلونهم بالأخبار ويحاولون أن يكونوا مقبولين عندهم ، وهمزه وصل بين العالم والمجتمع ، وبعد هذا يتفرغون للجدال في الساحة والإقناع لمن وقع في أيديهم.
فهذا الصنف لا تقدر على معرفته وتمييزه إلا عند الفتن ، فإذا تأملنا ذلك عرفنا من وراء الفتن ، وكون العلماء لا يعرفون كل الأعداء ليس مذمة لهم . قال تعالى :{والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وكيلا}[النساء]، وقال تعالى :{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم}. وسورة التوبة قد سماها بعض السلف الفاضحة لأنها فضحت المنافقين ، ولا نذهب بعيدا أبدا فالفتن التي قامت بين الصحابة الكرام كان وراءها حزب عبد الله بن سبأ ، ومن أحسن الظن بهم . فمن أجل هذا كله طُلب من العقلاء التأني والتبصر والتدقيق في معرفة كيف نشبت الفتنة ومن وراءها؟.
أيها الدعاة: الله ، الله في الدعوة ، واجعلوا هذه الضوابط نصب أعينكم ، فزنوا الرجال بمواقفهم السابقة واللاحقة ، في السراء والضراء ، في الاتفاق والاختلاف ، والله الهادي إلى سواء السبيل.
شياطين الجن وما لهم من سعي في إفساد أهل الإيمان

إن الذي نشاهده من أخطاء في المسلمين فإن لشياطين الجن الحظ الأكبر في ذلك ، وقد أشبعت هذا الموضوع في كتابي "موسوعة عالم شياطين الجن في مؤاذاة المؤمنين" يسر الله إتمامه ، ونذكر هنا ما تحصل به الفائدة.
فقد بين النبي صلى الله عليه و سلم ما يفعله الشيطان بأهل الإيمان ، روى مسلم من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم (17/291-292) فالتحريش باب واسع له أساليب وطرق متشعبة ، وأساسها الوسوسة الشيطانية ، ومنها قوله تعالى :{الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس] ، ومنها النـزغ ، قال تعالى :{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم} [الإسراء]، ومنها القذف ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم للإنصاريين : ((إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شراً)) متفق عليه من حديث صفية.
ومنها التغرير بالمسلم ، قال تعالى :{فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما} [الأعراف].
ومنها التخذيل والتثبيط والتنفير والإغواء والوعود الكاذبة ، فلو تصور أهل الإيمان هذه الأفاعيل بهم من قبل عدو الله لكانوا على حذر واحتراز من هذا العدو ، ولكن غفلة كثير من الناس سببت التسلط من قبل هذا العدو على بعضهم.
فالله المسئول أن يقينا شر أنفسنا وشر الشيطان وشركه.
فلنلازم أذكار الصباح والمساء والنوم واليقضة وغيرها ، ولنحافظ على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه و سلم كما أراد الله.
ولنتعرف على مداخل الشيطان الرجيم ، ونسعى في سد الثغور ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
 
آخر تعديل:
رد: التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله

الانتقام للنفس
من الأمراض الخطيرة المنتشرة عند الفتن الانتقام للنفس تحت مبررات واهية ، وقد ذكر غير واحد من المؤرخين (أن رجلا من الخوارج قيل له كم طعنت عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه؟ ـ قال : تسع ،ثلاث لله وست لما في نفسي).
قلت: ولو حوقق هذا الفاعل لوجد أن الكل لما في نفسه.
وقد جاء في "ترتيب المدارك" (1/295) في ترجمة القاضي سعيد بن سليمان المالكي قال ابن الماجشون شهد سعيد بن سليمان عند ابن عمران الطلحي وهو قاض فرد شهادته فلما ولى سعيد شهد عنده ابن عمران فنظر في شهادته ففكر قليلا ثم قال لكاتبه أجز شهادته يا ابن دينار فإن المؤمن لا يشفي غيظه) اهـ أي: من أخيه المؤمن.
نعم المؤمن لا يشفي غيظه من أخيه المؤمن . فالانتقام للنفس قبر الأخوة ، وإذا انتقم الشخص لنفسه جرَّد أخاه من الخير والصلاح والعلم النافع ، فتجده يعادي أخاه على أتفه الأسباب .
ولا يخفى عليك أيها المسلم الكريم الفرق بين الانتصار والانتقام ، فالانتصار يكون عند البغي على الشخص ، قال تعالى :{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى]، وقال تعالى :{والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} [الشورى]، ويكون بالعدل ومعه الدعوة إلى العفو والصبر على المعتدي ، بل الأفضل للمسلم أن يصبر إذا كان الانتصار سيؤدي إلى فتنة أو زيادة الفتن ، أما الانتقام للنفس فهو ظلم وبغي أجارنا الله من ذلك.

حب الظهور قاصم للظهور
من الناس من يريد أن يظهر فيستغل وجود فتنة فيثيرها ويخوض فيها من أجل أن يصل إلى مراده ، وهذا فيه من المفاسد مالا يعلم ذلك إلا الله ، من بغي وحسد وظلم وانتقام للنفس ، قال تعالى :{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص].
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (احذروا الشهوة الخفية فقيل له وما الشهوة الخفية؟ قال : حب الرياسة)
فالشخص يكون على خير عظيم وربما قد تحقق على يديه خير كثير فتبقى هذه الغريزة في نفسه تنازعه ذلك ، ولهذا قال بعض العلماء : (طغيان العلم أشد من طغيان المال) فتتفجر هذه الغريزة عليه ، فإذا به يصول ويجول في التطلع إلى الرياسة ، والذي ندعو أنفسنا إليه هو كيف نكون أئمة في هذا الدين ، قال الله :{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) فبالصبر تدفع الشهوات وباليقين تدفع الشبهات.
وقال سبحانه واصفاً عباده المؤمنين بعد أن وصفهم بأوصاف كثيرة عظيمة :{والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما} [الفرقان].
فما أجل هذا السؤال ،كيف لا وهم يسألون الله أن يهديهم ويوفقهم ويمن عليهم بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة ظاهرا وباطنا التي لا تتم الإمامة في الدين إلا بها.


إصلاح ذات البين
لقد أمر الله في كتابه ورسوله صلى الله عليه و سلم في سنته على من له قدرة أن يقوم بالإصلاح ، قال تعالى :{فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} [الأنفال].
وقال تعالى :{إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} [الحجرات].
وإذا كان يطلب أن يصلح بين رجل وآخر إذا اختصما على أمر من أمور الدنيا ، وبين الرجل وزوجته فكيف لا يكون أولى وأحرى أن يصلح بين الدعاة إلى الله وطلاب العلم . إي وربي إن الإصلاح في هذا الأمر لمهم جدا فندعو العلماء والعقلاء والحكماء والأمناء حملة حب الإصلاح ، والمتجردين عن التعصب والتحزب والانتصارات للنفس أن يهتموا اهتماما بالغا بالإصلاح فيما ينشب بين إخوانهم ، ولولا هؤلاء وما يقومون به من إصلاح لهاجت الفتن وعمت وطمت وانتشر الشر والفساد . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصيام ؟ قالوا بلى قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة)) رواه أبوداود (5/138) والترمذي (4/572) وأحمد (18/571) عن أبي الدرداء رضي الله عنه .

سلامة الصدر وصدق اللسان من أفضل الأعمال

روى ابن ماجه رقم (4216) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم أي الناس أفضل ؟ قال : ((كل مخموم القلب صدوق اللسان ، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخمول القلب؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) قال في "الزوائد" : (هذا إسناد صحيح رجاله ثقات) وهو في "الصحيحة" برقم (948).
قال بعض السلف : (أفضل الأعمال سلامة الصدر وسخاوة النفوس والنصيحة لله).
قال ابن رجب : (وبهذه الخصال الأربع بلغ من بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة) اهـ.
وقال تعالى :{والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} [الحشر].
فالخير كله في إصلاح القلوب بتصفيتها من شوائب البغي والغل والحقد والحسد .


النظر إلى عواقب الأمور
قال تعالى :{وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة].
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الفوائد" (ص170) : (فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها).
وقال أيضا : (فمن صحت له معرفة ربه والفقه في أسمائه وصفاته علم يقينيا أن المكروهات التي تصيبه والمحن التي تنـزل به فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب).
وقال أيضا (ص174) : (لا أنفع للعبد من امتثال الأمر وإن شق عليه في الابتداء لأن عواقبه كلها خيرات ومسرات ولذات وأفراح ، وإن كرهته نفسه فهو خير لها وأنفع ، وكذلك لا شيء أضر عليه من ارتكاب النهي وإن هويته نفسه ومالت إليه ، فإن عواقبه كلها آلام وأحزان وشرور ومصائب وخاصية العقل تحمل الألم اليسير لما يعقبه من اللذة العظيمة والخير الكثير ... إلى أن قال: فنظر الجاهل لا يجاوز المبادئ إلى غاياتها والعاقل الكيس دائما ينظر إلى الغايات من وراء ستور مباديها فيرى ما وراء تلك الستور من الغايات المحمودة والمذمومة ...إلى أن قال: ولكن هذا يحتاج إلى فضل علم تدرك به الغايات من مباديها وقوة صبر يوطن به نفسه على تحمل مشقة الطريق لما يؤمل عند الغاية ، فإذا فقد اليقين والصبر تعذر عليه ذلك ، وإذا قوي يقينه وصبره هان عليه كل مشقة يتحملها في طلب الخير الدائم واللذة الدائمة)اهـ
أيها المسلم عليك بالنظر إلى عواقب الأمور عند أن تتكلم في كل أمر ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) متفق عليه من حديث أبي هريرة.

الرفق في الأمور كلها
روى البخاري (10/551) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله))
وفي البخاري (10/555) عنها أيضا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش))
وعند مسلم (16/112) أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينـزع من شيء إلا شانه)).
وأحاديث الحث على الرفق كثيرة ، وفيما ذكرنا الكفاية ، ومن هذه الأحاديث تعلم أن أصل ديننا مبني على الرفق ، فالرفق يُحسِّن الشيء ويجمله ،والعنف يقبح الشيء ويشوهه ، فالرفق يقوم على الشفقة والرحمة والتلطف بالمرفق به ، ولا يخفى على اللبيب أن استعمال الشدة في مواضعها بضوابطها الشرعية أمر مطلوب بل قد تكون من الرفق.

الشجاعة في الاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الحق

الرجوع إلى الحق فضيلة ، والاستمرار على الخطأ رذيلة، فكثيرا ما يقوم الاختلاف بين أخ وآخر ، من أجل حصول خطأ ، وقد يكون هذا الخطأ حصل من الجهتين أو من جهة واحدة ، فالمطلوب هو قبول الحق والرجوع إليه ، فتجد كثيرا من الناس يصعب عليهم الرجوع إلى الحق والسر في ذلك ما قاله ابن القيم : (والنفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز وجل وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل فلا بد أن ينتهي إليه ، ولكن منهم من هو شاق عليه ، ومنهم من هو سهل عليه وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، وفي ذلك الجبل أودية وشعوب وعقبات ووهود وشوك وعوسج وعليق وشبرق ولصوص يقطعون الطريق على السائرين ، ولا سيما أهل الليل المدلجين ، فإذا لم يكن معهم عُـدد الإيمان ومصابيح اليقين تَتَّـقد بزيت الإخبات ، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع وتشبثت بهم تلك القواطع وحالت بينهم وبين السير فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته ، والشيطان على قُلَّة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قُلَّته وضعف عزيمة السائر ونيته ، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع ، والمعصوم من عصمه الله ، وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه فإذا قطعه وبلغ قلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا وحينئذ يسهل السير وتزول عنه عوارض الطريق ومشقة عقباتها ويرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل والمناهل فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة عزيمة وصبر ساعة وشجاعة نفس وثبات قلب) اهـ بواسطة كتاب "إحسان سلوك العبد المملوك إلى ملك الملوك" (ص226-227).
وبسبب عدم انقياد النفوس انقيادا كاملا لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم صعب عليهم الرجوع إلى الحق ، قال سبحانه :{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء]، وقال تعالى :{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} [الأحزاب].

الوقوف عند الحدود والضوابط الشرعية
وبيانه كالآتي:
حب المسلم
حب المسلم فرض فرضه الله فليس تفضلا من أحد على أحد ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم (2/227) من حديث أبي هريرة.
وقال صلى الله عليه و سلم : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه من حديث أنس .
والمحبة للمسلم لا بد أن تكون من أجل الله ، فإن أحبه لغير وجه الله فتلك محبة خاسرة ، ولا بد أن تكون بقدر الخير الذي فيه ، فمن الظلم أن يحب المبتدع مثل السني ، فلا تحب المسلم متى أردت وكيفما أردت بل أحببه كما أراد الله ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )) رواه ابن أبي شيبة (7/229) من حديث ابن مسعود.
فكلما كثر خير الرجل كانت محبتك له أكثر ، وهكذا لا تزال محبتك للمسلم تزيد وتنقص بحسب تمسك العبد بدينه.

رحمة المسلم
قال تعالى :{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} [الفتح].
وقد دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ربه الناس كافة فقال : ((والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم قالوا كلنا يرحم يا رسول الله قال : ليس برحمة أحدكم صاحبه يرحم الناس كافة)) رواه أبو يعلى (7/250) من حديث أنس.
انظر إلى هذه الدعوة العظيمة إلى رحمة الناس كافة ولا يقصر الشخص الرحمة بأشخاص بل ولا بشعب من الشعوب ، والرحمة الإسلامية أعظم حقوق الأخوة.
والرحمة بالمسلمين لا بد أن تكون مضبوطة بضوابط شرعية فلا تكون على حساب ترك حقوق أوجبها الإسلام.
ومن الخطأ أن بعض الناس قد يرحم شخصا ويظلم مجتمعا أو شعبا ، قال الله في شأن الزناة :{فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النور].
فلا يضح بأعراض مجموعة من أجل سلامة عرض الجاني فلنحذر من الابتعاد عن الرحمة.
فالعاصي أعظم رحمة يرحم بها أن ينقذ مما هو عليه من العصيان ، ومن كمال الرحمة الرفق به في نصحه وتوجيهه بحسب الحاجة.

بغض المسلم
الأصل في المسلم أن يحب أخاه المسلم حبا لا بغض فيه لوجود الإسلام فيه ولكن متى غَشِيَت المسلم المخالفات لشرع الله وعرف منه ذلك فهنا يتحول جزء من الحب إلى بغض بحسب الحاجة الشرعية التي تقتضي ذلك ، وأن يكون هذا كله من أجل الله وبحسب الضوابط الشرعية ، والرسول صلى الله عليه و سلم يقول : ((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله )) رواه ابن أبي شيبة (7/229) من حديث ابن مسعود.
ولا ينتهي الحب للمسلم إلا بانتهاء الإسلام منه ، فاحذر أن تبغض المسلم من عندك فلست مفوضا في ذلك بل يكون بقدر ما أذن الله لك. وما أكثر الذي تمتلئ قلوبهم بغضا على بعضهم بعضا ، وهذا من التعدي والظلم ، وأكثر ما يحصل هذا بسبب حصول أمر قد يكون من أمور الدنيا ، وقد يكون من أمور الدين ولكن المتجاوز في البغض في قلبه غل على فلان فجاءت له فرصة ليشفي غيظه .

الغضب على المسلم
الأصل الرضى عن المسلم من قبل أخيه المسلم ولكن قد يحصل الغضب عليه من أجل الله وبالضوابط الشرعية . قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينتقم لنفسه فإذا انتهكت حرمات الله انتقم)) متفق عليه.
وفي مسلم (14/56) من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم نزع خاتم رجل فطرحه فقال : ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم خذ خاتمك انتفع به قال : لا والله لا آخذه أبدا وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه و سلم )) فلا غضب إلا من أجل الله .
ولا يخفى عليك أنك إذا انتهكت حرماتك التي أعطاك الله فغضبت وصلت وجلت مطالبا بحقك الشرعي فأنت غضبت من أجل الله ، وبحدود شرعية فلا تتجاوز.

النصرة للمسلم والدفاع عنه
لقد بين الرسول صلى الله عليه و سلم كيف ينصر المسلم أخاه ، فقد جاء في البخاري (5/387) من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما قال يا رسول الله أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن ظلمه))
وما أكثر الذين يوجهون نصرهم للمظلوم في نظرهم ويتركون نصرهم للظالم ، مع العلم أن نصره لا يقل عن نصرة المظلوم بل بعضهم يجادل عن الظالم ، ويظن أن هذا نصر له وهو في الحقيقة مشارك له في ظلمه ، قال الله :{ولا تكن للخائنين خصيما} [النساء]، وقال تعالى :{ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما} [النساء].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في نسخة "الجماعة والفرقة" (ص74) : (فالمظلوم المحق الذي لا يقصِّر في علمه يُؤمر بالصبر فإذا لم يصبر فقد ترك المأمور)
وقال في (ص76) : (وذلك أن المظلوم وإن كان مأذونا له في دفع الظلم عنه بقوله تعالى :{ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} [الشورى] فذلك مشروط بشرطين:
أحدهما : القدرة على ذلك.
والثاني : ألا يعتدي ) اهـ .



الثناء على المسلم
المدح والثناء على المسلم ملئ القرآن بهما وكذا السنة ، فيمدح المسلم بسبب صدقه مع الله وخشيته لله ، وزهده في الدنيا ، وثباته على الحق ، إلى غير ذلك ، إلا أن هذا الثناء لا بد له من ضوابط شرعية:
1- أن يكون المثني قائلا ذلك تدينا لا تزلفا.
2- أن يكون الثناء للرجل بما فيه مع التأكد من ذلك فإنْ مَدَحه بما ليس فيه فهو كذب.
3- أن يكون عند الحاجة لا بالإستمرار.
4- أن يكون مراعيا لمصلحة المُثْنَى عليه ، فلو كان يتوقع من المُثْنَى عليه الوقوع في العجب والغرور فلا يمدحه بحضوره ، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه و سلم لرجل مدح رجلا : ((ويحك قطعت عنق صاحبك)) متفق عليه من حديث أبي بكرة.
فعلى المداحين أن يتقوا الله ولا يكونوا باب فتنة يغلون في مدحهم للشخص إن وافق مرادهم ويجفونه إن خالف ذلك ، ولو كان محقا فهذا ميزان الهوى لا ميزان الهدى.

التعصب ضد المسلم
إن التعصب ضد المسلم من كبائر الذنوب ، ومن مخلفات الجاهلية ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للمهاجرين والأنصار : ((أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم دعوها فإنها منتنة)) رواه البخاري (9/648) ومسلم (16/106) عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما.
فالنداء بالعصبية للأشخاص ولو كان بالكلمات الطيبة أمر مرفوض في شرع الله . وقد يقع في الدعوة إلى العصبية من لهم معرفة بحكمها ويظهر عليهم الخير ، وقد ينادون بها من على المنابر ، فالعصبية الجاهلية هي حمية من أجل حظوظ النفس ، ولا يغيب عنك الفرق بين الحمية لله والحمية للنفس.
فالحمية للنفس تقدم الكلام عليها ، والحمية لله في المسلم تعظيم الأمر وهو الشرع والآمر وهو الله ورسوله صلى الله عليه و سلم .

سوء الظن بالمسلم
سوء الظن منهي عنه شرعا . قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )) رواه البخاري (10/593) ومسلم (16/92) بل قال الله : ((يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم} [الحجرات].
وسوء الظن بالمسلم هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على لسانه وجوارحه بالغمز واللمز والطعن والتنقص والبغض ضد أخيه المسلم ، مع أن المشروع هو إحسان الظن بالمسلم مادام الظاهر منه الخير والصلاح ، ومجرد الكلام فيه لا يقبل إلا بعد التروي.
وهناك فرق بين سوء الظن والاحتراز ، فسوء الظن قد عرف ، والاحتراز هو الحذر من وقوع مكروه من قبل فلان أو فلان مع أن الأصل عدم وجود ذلك.

تخوف الإمام العلامة الوادعي ـ رحمه الله ـ على الدعوة

لقد سمعت شيخنا الشيخ المحدث العلامة أبا عبد الرحمن الوادعي ـ رحمه الله ـ أكثر من مرة يقول : والله لا نخاف على دعوتنا إلا من أنفسنا.
قلت: والله لقد تفرس الشيخ ـ رحمه الله ـ تفرسا دقيقا ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر عند افتتاح خطبته من قوله : ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا)) فنفوسنا مهما كان فيها من خير إلا أنها معرضة للشر.
فهذا والله هو الوقت الذي آن أن نفتش فيه عن عيوبنا وذنوبنا إن كنا ممن يسعى لحماية هذا الدين العظيم ، والشيخ ـ رحمه الله ـ يعلم كم للدعوة من خصوم في الداخل والخارج ،ولكن لن يكون ضررهم كضرر انحراف القائمين عليها.
فليتهم كل منا نفسه ، وليزن أقواله وأفعاله ، وظاهره وباطنه بميزان الشرع ، والله المستعان.

خطر الجواسيس على الدعوة قطع الله دابرهم

لقد حرم الله التجسس على المسلمين بقوله تعالى :{ولا تجسسوا} [الحجرات] وقال صلى الله عليه و سلم : ((ولا تجسسوا ولا تحسسوا)) متفق عليه ، عن أبي هريرة.
ولقد كان الشيخ مقبل ـ رحمه الله ـ يخبرنا ما بين الحين والآخر قائلا : أخاف على دعوتنا من الجواسيس . وهذا التخوف من الشيخ ـ أكرمه الله بالفردوس ـ يدل على الذكاء الذي كان يتمتع به ، ويدل على فراسته ، فالجاسوس عدو لديننا ، ودعوتنا ، لا يتفقان ولا يلتقيان ، وليس معنى كلامي أننا نتهم الناس بتهمة الجاسوسية بدون قرائن واضحة ولكن دعوة إلى اليقضة والانتباه.
 
رد: التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله


من ضوابط الجرح والتعديل
الذي ينظر إلى واقع المسلمين يرى أن كثيرا منهم يجرحون ويعدلون ، مع تفاوت فيما يجرحون ويعدلون ، ويحصل بسبب ذلك الطعن في أعراض الناس والولوغ فيها ، وهذا من الظلم العظيم ، قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم )) رواه أبوداود (5/123) وقد قيض الله علماء الحديث الذين أرسوا قواعد هذا الفن ، فأهل الحديث هم الذين أرسوا قواعد الجرح والتعديل بضوابطه ، فهم أهل هذا الميدان وفرسانه ، فلا تكاد تجد جرحا وتعديلا سديدا من قبل غيرهم ، ولا يزال في كل عصر علماء حديث عندهم أهلية للجرح والتعديل كأمثال والدنا وشيخنا مقبل بن هادي الوادعي والعلامة/ الألباني ، وابن باز رحمة الله عليهم جميعا.

ومن القواعد والضوابط التي وضعها علماء الحديث :
1- التحري والتصور لجميع حال ذلك الإنسان . قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ : (إن الذي يتصدى لضبط الوقائع من الأقوال والأفعال والرجال يلزمه التحري في النقل فلا يجزم إلا بما يتحققه ولا يكتفي بالقول الشائع ولا سيما إن ترتب على ذلك مفسدة من الطعن في حق أحد من أهل العلم والصلاح ... ولذلك يحتاج المسلم أن يكون عارفا بمقادير الناس وبأحوالهم ومنازلهم فلا يرفع الوضيع ولا يضع الرفيع) اهـ بواسطة "نفائس الحلة في التآخي والخلة" (ص93-94).
2- لا بد أن يكون المجرح والمعدل سليما من التعصب لأهل الأحزاب وأهل البدع لأن التعصب يدفعه إلى تجريح المعدل وتعديل المجروح ، فنعوذ بالله من التعصب والهوى.
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : (جمهور العلماء على أن الجرح لا يثبت إلا مفسرا مبين السبب لئلا يجرح بما يتوهمه جارحا وليس جارحا) المصدر السابق (ص94).
3- كلام الأقران بعضهم في بعض مقبول ما لم يظهر أنه ناشئ عن حقد أو حسد أو تعجل . والحكم على كلام العالم الفلاني بأنه ناشئ عما ذكرنا إنما هو لأهل العلم الثقات العدول وإلا أمكن الكثير أن يدعي أن كلام العالم الفلاني من باب الحق بل لو علم أن العالم الفلاني بينه وبين فلان عداوة وقد جاء بحق في انتقاده لخصمه قبل الحق منه.

التفريق بين العلماء والمتشبهين بهم

وهذا التفريق مهم من أجل إنزال الناس منازلهم ، ومن أجل الرجوع إلى العلماء عند الفتن ، ومن يتشبه بالعلماء قد يسعى لقطع الطريق الموصل إلى العلماء ، ولا تجد عصرا من العصور إلا وهم يشتكون من الصنف المتعالم ، وإليك بعض النقولات عن بعض أهل العلم:
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ في "البدر الطالع" (1/472) في ترجمة علي بن قاسم حنش : (ومن محاسن كلامه الذي سمعته منه : الناس على طبقات ثلاث:
فالطبقة العليا ، العلماء الأكابر وهم يعرفون الحق والباطل وإن اختلفوا لم ينشأ عن اختلافهم الفتن ، لعلمهم بما عند بعضهم بعضا.
والطبقة السافلة : عاملة على الفطرة لا ينفرون عن الحق وهم أتباع من يقتدون به إن كان محقا كانوا مثله ، وإن كان مبطلا كانوا كذلك.
والطبقة المتوسطة: هي منشأ الشر وأصل الفتن الناشئة في الدين ، وهم الذين لم يمعنوا في العلم حتى يرتقوا إلى رتبة الطبقة الأولى ، ولا تركوه حتى يكونوا من أهل الطبقة السافلة ، فإنهم إذا رأوا أحدا من أهل الطبقة العليا يقول ما لا يعرفونه مما يخالف عقائدهم التي أوقعهم فيها القصور فَـوّقُـوا إليه سهام التقريع ونسبوه إلى كل قول شنيع وغيروا فطر أهل الطبقة السفلى عن قبول الحق بتمويهات باطلة ، فعند ذلك تقوم الفتن الدينية على ساق ، هذا معنى كلامه الذي سمعناه منه. وقد صدق فإن من تأمل ذلك وجده كذلك) اهـ
وقال ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "السير والأخلاق" (ص91) تحقيق إيفاء رياض : (لا آفة أضر على العلوم وأهلها من الدخلاء فيها وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون ، ويفسدون ويقَدِّرون أنهم يصلحون).
وقال بعض العلماء : (العلم ثلاثة أشبار، من دخل في الشبر الأول تكبر ، ومن دخل في الشبر الثاني تواضع ، ومن دخل في الشبر الثالث علم أنه ما يعلم ) اهـ من"حلية طالب العلم" (ص198) ضمن "المجموعة العلمية" .
وقال بعض العلماء : (لو سكت من لا يعلم حتى يتكلم من يعلم لانتهى الخلاف) وراجع الرسالة الماتعة "المتعالم" للشيخ الفاضل / بكر بن عبد الله أبو زيد .

فمن المتشبهين بالعلماء
1- المفكرون والمثقفون ، ابتليت الأمة الإسلامية في هذا العصر بالمفكرين والمثقفين ، ونحن لا نوافق على التسمية فضلا عن الموافقة على مضمونها ، والمفكرون الغالب عليهم أنهم عاطلون من علوم الشريعة الإسلامية ، فليرجعوا إلى علماء الإسلام ، والمثقفون يحملون غالبا معلومات عن الإسلام مجملة ، وقد غشيتها أفكار ونظريات دخيلة على الإسلام ، فالحذر من الاغترار بهم ، فإن أحسن أحدهم في شيء فيكون قد أساء في أشياء.
2- الخطباء والوعاظ ، والخطباء والوعاظ قد يؤَثِّرون على الناس تأثيرا بالغا ويشكرون على ذلك ، فهم على ثغرة من ثغور الإسلام لو اقتصروا على ما يحسنون لكن الكثير منهم ينصب نفسه منصب العلماء ، أفما آن الأوان أن يعرفوا قدر أنفسهم.
3- الكُتّاب : لقد ابتليت أمة الإسلام بكُتَّاب كثير في عصرنا يكتبون في الجرائد والمجلات ، ويكتبون مؤلفات ، ويناطحون الجبال في نظرهم ، وكلما جاءت قضية ولو كانت من القضايا العويصة تجدهم قد سبقوا إلى التحرير والتنظير في نظرهم ، وقد صدق الرسول صلى الله عليه و سلم إذ يقول : ((ستأتي سنوات خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق...)) من حديث أنس رضي الله عنه .
فهذه الأصناف التي ذكرتها يوجد فيهم من يسابق العلماء بل يحتقرهم ويرى أنهم لا شيء بجانبه مع أننا نحب لهم أن يأتوا البيوت من أبوابها، والله المستعان.


الفرق بين ما يقال لخواص الناس
وبين ما يقال لعامتهم


إن من جملة ما يحتاج أن يدركه القائمون على الدعوة إلى الله هو التفريق بين ما يقال لخواص الناس وبين ما يقال لعامتهم ، فإن المطلوب أن يحدث الناس بما يسهل عليهم فهمه ، ولهذا قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : (حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله) رواه البخاري (1/272) معلقا .
ولما قيل لعمر: (يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلته فتمت . فغضب عمر ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم . فقال له عبدالرحمن بن عوف : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها على مواضعها فأمهل حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت متمكنا فيعي أهل العلم مقالتك ويضعونها على مواضعها ،فقال عمر : أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة) والقصة في "صحيح البخاري" برقم (6830).
فالجماهير من الناس ليس من الحكمة إطلاعهم على المسائل والقضايا التي تخص طلاب العلم والدعاة إلى الله .
فما أحوجنا إلى التعقل فيما يطرح ويقال للناس ، والله المستعان.
 
رد: التنبيه الحسن في موقف المسلم من الفتن ـ فضيلة الشيخ محمد الإمام ـ حفظه الله


الفرق بين الهجر المشروع والهجر الممنوع

هذه مسألة عظيمة النفع متى طبقت على وجهها ، وخطيرة العواقب إذا طبقت على غير الضوابط الشرعية ، والهجر في حد ذاته مشروع لدلالة القرآن الكريم على ذلك ، قال تعالى :{فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم} [النساء]، وقال تعالى :{فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} [الأنعام].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه و سلم : ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص .
والهجر على قسمين :
1- هجر لحق الله تعالى .
2- هجر لحق العبد.
أما الهجر لحق الله فهو هجر السيئات وهجر فاعلها سواء كان مبتدعا أو عاصيا.
وأما الهجر لحق العبد فقد أذن الله به كقول النبي صلى الله عليه و سلم : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا)).
ويجوز للرجل أن يهجر زوجته وولده أكثر من ثلاث .
وكلامنا عن الأول الذي هو الهجر لحق الله ، وهو عبادة وقربة لله عز وجل . ومن أعظم مقومات الولاء والبراء ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.


1- الإخلاص ، وهو ميزان الأعمال في باطنها وبدونه يصير الهجر لهوى النفس .
2- المتابعة للبرهان الشرعي وهو ميزان الأعمال في ظاهرها وبدونه يصير الهجر خلاف شرع الله ، والأصل في هجر المسلم أنه ممنوع شرعا لما يترتب على ذلك من تعطيل حقوق المسلم كالنصح له والتعاون معه والدعاء له ، والدفاع عنه ، ولما يترتب على ذلك من مفاسد كالتقاطع والتدابر والفرح بما يصاب به المهجور ولا يعوده إذا مرض ولا يتبع جنازته إذا مات وغير ذلك.
وقد رخص الإسلام في هجر المسلم ولكن بصورة ضيقة ، ولهذا لم يهجر النبي صلى الله عليه و سلم في حياته إلا القليل كهجره للثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك ، ولهذا لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه تدينا إلا بعد الرجوع إلى أهل العلم ، وقد عُلِّق جواز الهجر بالمصلحة.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الزاد" (3/578) : (ويكون هجرانه دواء له بحيث لا يضعف عن حصول الشفاء له ولا يزيد في الكمية والكيفية عليه فيهلكه إن أراد تأديبه لا إتلافه).
وقال غيره : (فالهجر يستخدمه المسلم على أنه دواء فينبغي مراعاة وقته ونوعه وكيفيته ومقداره وإلا كان حظا لهوى النفس وانتصارها له).

الفرق بين الجدال المشروع والجدال الممنوع

لقد خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه و سلم بقوله :{وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل].
وخاطب الله المؤمنين بقوله :{ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم} [العنكبوت].
فقيد ربنا المجادلة بالتي هي أحسن ولم يطلقها كما أطلق الحكمة في آية النحل .
قال ابن القيم وهو يتكلم عن مراتب الدعوة : (والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن هذا هو الصحيح في معنى الآية...) اهـ من كتابه "مفتاح دار السعادة" (ص167).
فضوابط الجدال بالتي هي أحسن كالآتي:
1- أن يكون مراد المجادِل ـ بكسر الدال ـ نصرة الحق ، وهداية المجادَل ـ بفتح الدال ـ.
2- أن يكون المجادل على علم بالحق وفهم له.
3- أن يلتزم المجادل بالآداب الشرعية من حسن خلق وصبر وتلطف وغير ذلك.
ولننظر في مجادلة نوح ـ عليه السلام ـ لقومه الكفار ، وإبراهيم ـ عليه السلام ـ وبقية الأنبياء والمرسلين فجدالهم هو الذي يمثل الجدال بالتي هي أحسن .

والجدال الممنوع هو بعكس ما سبق ذكره فهو بالبغي والعدوان وبالجهل والبهتان وبالسب واللعان ، وللمغالبة وقطع الإحسان ، وقد قال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) فالجدال بالطرق المخالفة للشرع غريزة في البشرية . قال تعالى :{وكان الإنسان أكثر شيء جدلا} ولم ينج من هذا إلا من نجاه الله.

الفرق بين الخلاف الجائز والخلاف الممنوع

والتفريق هذا مهم جدا أن يدرك ويلتزم به ، فالفِرَقُ التي حكم عليها أهل السنة قديما وحديثا بالابتداع والتحزب خلاف مذموم لمناقضته لأصل من أصول أهل السنة والجماعة فأكثر ، فهذه الفرق لا تعود إلى السنة إلا بترك ما أخرجها منهم.
وأنواع الخلاف المشهور ثلاثة:
1- اختلاف تضاد وهو : مصادمة النصوص ومنه الموجود عند الفرق التي خرجت عن أهل السنة.
2- اختلاف تنوع ، وهذا من الشرع.
3- اختلاف أفهام وهذا جائز بضوابطه الشرعية ، ومنها:
أ ـ أن يكون المخالف سائراً على طريقة أهل السنة والجماعة علما وتعليما وعملا.
ب ـ لا تكثر المخالفة منه لما عليه أهل السنة .
ج ـ الرجوع إلى الحق عند ظهور أخطائه.
د ـ أن يكون من أهل الاجتهاد.
وتكون هذه الضوابط تحت نظر علماء أهل السنة والجماعة.

المنهج النبوي يدعو إلى القضاء
على الخلاف عند بدء ظهوره

لقد علمنا نبينا صلى الله عليه و سلم كيف نسد أبواب الخلاف ونقضي عليه ، ومن ذلك ما جاء في البخاري (1/281) ومسلم (11/256) من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو في اشتداد وجعه الذي توفي فيه : ((ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده)) فتنازع الصحابة فقال : ((قوموا عني لا ينبغي عند نبي تنازع)).
وروى البخاري عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه و سلمقال : ((اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه)).
ومتى تُرِك الخلاف بدون معالجة استفحل شره وعظم ضرره ودخل في الخلاف من لا يحسن ، ومن لا يصلح بل يفسد.

طريقة المناظرة الصحيحة
ذكر الإمام العلامة/ محمد بن إبراهيم الوزير اليماني ـ رحمه الله ـ في كتابه "العواصم" (1/236) وهو يجيب شيخه (وقد أخل السيد ـ أيده الله ـ بقاعدة كبيرة ، هي أساس المناظرة وأصل المراسلة ، وهي إيراد كلام الخصم بلفظه أولاً، ثم التعرض لنقضه ثانيا ، وهذا شيء لا يغفل عنه أحد من أهل الدراية بالعلوم والخوض في الحقائق والممارسة للدقائق ، وإنما تختلف مذاهب النقاد في ذلك ولهم مذهبان:
المذهب الأول: أن يورد كلام الخصم بنصه ويتخلص من التهمة بتغييره ونقصه ، وهذا هو المذهب المرتضى عند أمراء الفنون النظرية وأئمة الأساليب الجدلية ...واعلم أن ترك كلام الخصم ظلم له ظاهر وحيف عليه واضح لأنه إنما تكلم ليكون كلامه موازنا لكلام خصمه في كفة الميزان الذهني ، وموازيا له في جولة الميدان الجدلي لأن المنفرد يرجح في الميزان وإن كان خفيفا ويسبق في الميدان وإن كان ضعيفا ، وهذا كله إذا كان للخصم كلام يحفظ واختيار يصح أن ينقض ، فمن العدل بيان قوله وحكاية لفظه ، وأما إذا لم يكن له مذهب البته وإنما وهم عليه في مذهبه ورمي بما لم يقل به فهذا ظلم على ظلم ، وظلمات بعضها فوق بعض.
المذهب الثاني : من مذاهب النقاد في نقض كلام الخصوم أن يحكوا مذاهبهم بالمعنى ، وفي هذا المذهب شوب من الظلم ، لأن الخصم قد اختارله لفظا وحرر لدليله عبارة ارتضاها لبيان مقصده ، وانتقاها لكيفية استدلاله ، وتراكيب الكلام متفاوتة ومراتب الصيغ متباينة ، والألفاظ معاني المعاني ، والتراكيب مراكيب المتناظرين ، وما يرضى المبارز للطراد بغير جواده ، ولا يرضى الرافع للبناء بغير أساسه مع أن قطع الأعذار من أعظم مقاصد النظار) اهـ .
والنقل لكلام الخصم يكون من مصدر معتمد عند أهل العلم.

الفرق بين النصيحة والتأنيب

قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الروح" (ص257) : (النصيحة إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه والغيرة له وعليه ، فهو إحسان محض ...ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه ، والإحسان إلى خلقه فيتلطف في بذلها غاية التلطف ، ويحتمل أذى المنصوح ولآمته ...
وأما المؤنب : فهو رجل قَصْدُه التعيير والإهانة وذم من أنبه وشتمه في صورة النصح فهو يقول له: يا فاعل كذا وكذا ... إلى أن قال: ومن الفروق بين الناصح والمؤنب أن الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته ...ويدعو لك بظهر الغيب ولا يذكر عيوبك ولا يبينها للناس ، والمؤنب بعكس ذلك).
قلت: لا يخفى على المسلم أن أساس إصلاح المخاطبين هو النصح لهم بدليل قوله صلى الله عليه و سلم : ((الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله؟ قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم))

الفرق بين المنافسة والحسد
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الروح" (ص251) : (المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر ، قال تعالى :{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} وأصلها من الشيء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلبا ورغبة...إلى أن قال : والحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها
حرص على الخير فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها) اهـ .
فالحاسدون لك استعن على رد حسدهم بتقوى الله ، قال تعالى :{وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط} [آل عمران].
وقال الرسول صلى الله عليه و سلم : ((إحفظ الله يحفظك...))



الفرق بين شرف النفس وتيهها
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في "الروح" (ص233) : (وأما شرف النفس فهو صيانتها عن الدنايا والرذائل والمطامع التي تقطع أعناق الرجال ، فيربأ بنفسه عن أن يلقيها في ذلك ، بخلاف التيه فإنه خلق متولد بين أمرين إعجابه بنفسه وازدرائه بغيره ، فيتولد من بين هذين التيه ، والأول يتولد من بين خلقين كريمين إعزاز النفس وإكرامها وتعظيم مالكها وسيدها.
أن يكون عبده دنيا وضيعا خسيسا ، وأصل هذا كله استعداد النفس وتهيؤها وإمداد وليها ومولاها لها فإذا فقد الاستعداد والإمداد فقد الخير كله).

لقاحات الخير
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفوائد" (405) : (الطلب لقاح الإيمان فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح ، وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والإضطرار إليه فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء ، والخشية لقاح المحبة فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين ، قال تعالى :{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} [السجدة].
وصحة الاقتداء بالرسول صلى الله عليه و سلم لقاح الإخلاص فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل والاعتداد به ، والعمل لقاح العلم فإذا اجتمعا كان الفلاح والسعادة ، وإن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئاً ، والحلم لقاح العلم فإذا اجتمعا حصل سيادة الدنيا والآخرة ، وحصل الانتفاع بعلم العالم ، وإن انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع والانتفاع ، والعزيمة لقاح البصيرة فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة وبلغت به همته من العليا كل مكان ، فتخلف الكمالات إما من عدم البصيرة وإما من عدم العزيمة ، وحسن القصد لقاح لصحة الذهن فإذا فقد ، فقد الخير كله ، وإذا اجتمعا كان النصر والظفر ، وإن فقدا فالخذلان والخيبة ، وإن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن والعجز ، وإن حصلت الشجاعة بلا رأي فالتهور والعطب ، والصبر لقاح البصيرة ، فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما ) اهـ .
قال الحسن البصري : (إذا شئت أن ترى بصيرا لا صبرله رأيته ، وإذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته ، فإذا رأيت صابرا بصيرا فذاك).
والنصيحة لقاح العقل فكلما قويت النصيحة قوي العقل والاستنار ، والتذكر والتفكر كل منهما لقاح الآخر إذا اجتمعا انتجا الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة ، والتقوى لقاح التوكل ، فإذا اجتمعا استقام القلب ، ولقاح أخذ أهبة الاستعداد للقاء قصر الأمل ، فإذا اجتمعا فالخير كله في اجتماعهما ، والشر في فرقتهما ، ولقاح الهمة العالية النية الصحيحة ، فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد).
كلمة شيخنا العلامة المحدث
أبي عبد الرحمن الوادعي
حول علاج الاختلاف

قال رحمه الله :
علاج الاختلاف الناشىء بين أهل السنة المعاصرين
إن الاختلاف الناشىء بين أهل السنة يزول بإذن الله بأمور:
منها : تحكيم الكتاب والسنة ، قال الله سبحانه وتعالى :{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.
وقال تعالى :{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}.
وقال سبحانه وتعالى :{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.
ومنها : سؤال أهل العلم من أهل السنة ، قال الله سبحانه وتعالى :{فاسألوا أهل الذكر عن كنتم لا تعلمون}.
ولكن بعض طلبة العلم رَضِي بما عنده من العلم ، وأصبح يجادل به كل من يخالفه ، وهذا سبب من أسباب الفرقة والاختلاف [1] ، روى الإمام الترمذي في "جامعه" عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم قرأ {ماضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون}.
قلت : فتأمل أيها القارئ الكريم إلى قول الشيخ ـ رحمه الله ـ : (ولكن بعض طلبة العلم رَضِيَ... إلى آخر ما قاله ـ رحمه الله ـ وطبقها على واقع أهل السنة.
ومنها : الإقبال على طلب العلم ، فإذا نظرت إلى قصورك ، بل إلى أنك لست بشيء إلى جانب العلماء المتقدمين كالحافظ ابن كثير ومن تقدمه من الحفاظ المبرزين في فنون شتى ، إذا نظرت إلى هؤلاء الحفاظ شغلت بنفسك عن الانتقاد على الآخرين.
ومنها : النظر في اختلاف الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فمن بعدهم من العلماء المبرزين ، إذا نظرت إلى اختلافهم حملت مخالفك على السلامة ، ولم تطالبه بالخضوع لرأيك ، وعلمت أنك بمطالبته للخضوع لرأيك تدعوه إلى تعطيل فهمه وعقله ، وتدعوه إلى تقليدك ، والتقليد في الدين حرام ، قال الله سبحانه وتعالى :{ولا تقف ما ليس لك به علم} إلى غير ذلك من الأدلة المبسوطة في كتاب الشوكاني "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد".
ومنها : النظر إلى أحوال المجتمع الإسلامي وما تحيط به من الأخطار ، وجهل كثير من أهله به ، فإنك إذا نظرت إلى المجتمع الإسلامي شغلت عن أخيك الذي يخالفك في فهمك وقدمت الأهم فالأهم ، فإن النبي صلى الله عليه و سلم عندما أرسل معاذا إلى اليمن قال له : ((أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه و سلم )) متفق عليه من حديث ابن عباس . اهـ من كتابه "الترجمة) (ص201-202).


الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد:
فقد يسر الله إتمام هذه النسخة الصغيرة في مبناها ، الكبيرة في معناها ، ومن خلال قراءتك لها تدرك مدى أهمية الحفاظ على دعوة أهل السنة والجماعة ، وتجنب الفتن ، وذلك بسد أبوابها ، وقطع الطرق الموصلة إليها ، وكيف لا وقد تضمنت الرسالة بعض القواعد والضوابط التي من عرفها وعمل بها كان في منأى عن الفتن .
فالله أسأل أن ينفع بها الإسلام والمسلمين إنه على كل شيء قدير.


وكتب/ محمد بن عبد الله الإمام
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top