حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

][`~*¤!| الَحًلَقُة الَسِابعة|!¤*~`][
حًلَقُة سِيِر أعٌلَامً الَنِبًلَاء الَتٌيِ تٌعٌنِى بًسِيِرة أصّحًابً الَنِبًيِ(عٌلَيِهّ الَصّلَاة وٌ الَسِلَامً) وٌ الَتٌابًعٌيِنِ وٌ تٌابًيِعٌهّمً بًإحًسِانِ الَى يِوٌمً الَدٍيِنِ.
 
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

تتمة السرد في سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

اسمه ونسبه:
هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن لؤي بن غالب بن كعب، القرشي، العدوي، رضي الله عنه.


كنيته:
كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص.


لقبه:
والفاروق لقبه؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل.


مولده:
بعد الفيل بثلاث عشرة سنة كما قيل، وكان من أشراف قريش.


إسلامه:
أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة بعد دخول دار الأرقم، وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن المهاجرين الأولين، ومن أهل بيعة الشجرة (بيعة الرضوان).

لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم، وشهد المشاهد كلها، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راضٍ، وكان لأبي بكر وزيراً، ونعم الوزير.

ولي الخلافة بعهد من أبي بكر، وهو أول خليفة دعي بأمير المؤمنين، ولم يتخلف عن مبايعته أحد من الصحابة ممن كان بالمدينة ومن كان غائباً عنها.


صفاته الخلقية:
أخرج ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن أبي رجاء العطاردي، قال: ((كان عمر رضي الله عنه طويلاً، جسيماً، أصلع الشعر، شديد الحمرة؛ ولطوله يبدو من بين الناس كأنه راكب)).


صفاته الخلقية:
فقد تعلم من سيرته، كان رضي الله عنه شديداً في الحق، ذكياً، ثاقب الرأي، متحمساً لدينه، وفياً لنبيه، قوي الهيبة، عظيم الورع والخوف، وافر العدل، دقيق المحاسبة لنفسه.

فتح الله به الفتوحات، ومصر الله به الأمصار، واتسعت به الممالك الإسلامية، ودون الدواوين، ورتب الأعطيات حسب السوابق، وأرخ التاريخ من الهجرة النبوية، وكان نقش خاتمه: ((كفى بالموت واعظاً يا عمر)).

ذكر شيء من خبر إسلام عمر واستبشار رسول الله بإسلامه والمسلمين
وهذه قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه نسوقها باختصار:
ذكر أهل السير (أنه رضي الله عنه خرج يوماً متحاملاً غضباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه، فلقيه رجل من بني زهرة، فقال له: أين تريد يا عمر؟ قال: أريد أن أقتل محمداً. فقال له الزهري: تقتله؟! وكيف تأمن من بني هاشم وأخواله بني زهرة؟ فقال له عمر: ما أراك إلا قد صبئت وتركت دينك الذي أنت عليه. قال له الزهري: أفلا أدلك على العجب، هذه أختك وختنك (يعني: زوجها) قد أسلما وتركا دينك الذي أنت عليه.

فعند ذلك استشاط غضباً ومضى إلى بيت أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد، فدخل عليهما متحاملاً من الغضب؛ فإذا عندهما خباب بن الأرت يعلمها آيات من القرآن الكريم من سورة طه، فلما أحس به خباب داخلاً؛ اختفى في زاوية من البيت، وسمع عمر وهو داخل هينمة (يعني: صوت قراءة)، فقال: ما هذه الهينمة بينكم؟ فقالا: حديث نتحدث به بيننا. قال: فلعلكما قد صبأتما؟ قال له سعيد زوج أخته: أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك! فعند ذلك قام عمر عليه، فضربه ضرباً شديداً، فجاءت زوجته لتحجزه عنه، فضربها في وجهها حتى أدماها، فقالت: إن كان الحق في غير دينك يا عمر، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فلما رأى عمر الدم في وجه أخته، تراجع وندم على ما جرى منه، وظهر على وجهه بشائر الهدى، فقال: أعطوني شيئاً من هذا الكتاب أنظر إليه، وكان عمر يقرأ، قالت له أخته: أنت نجس وهذا الكتاب لا يمسه إلا طاهر، فقم فتطهر، فقام فتطهر، ثم أخذ ما معهما من القرآن، ثم قرأ ((طه)) وعدد آيات من السورة، فقال: ما أحلى هذا الكلام! فلما سمعه خباب، خرج إليه، فقال له: أبشر يا عمر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخميس قال: ((اللهم! أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك، بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام)).

فانطلق عمر من ساعته يتساءل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين هو؟ فلما علم به في دار الأرقم ابن أبي الأرقم، استأذن عليه، فدخل عليه ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وأعلن إسلامه، واستبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه، حتى قال رضي الله عنه: يا رسول الله! ففيم الاختفاء؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: فخرج المسلمون إلى المسجد في صفين، عمر في صف، وحمزة في صف، فلما نظرت قريش إلى المسلمين ومعهما عمر وحمزة أصابتهم كآبة لم يصبهم كآبة مثلها، وسقط في أيديهم)). فالحمد لله رب العالمين.

ذكر شيء من فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فضائل أمير المؤمنين عمر هي أشهر من أن تذكر، لكن نذكر منها على سبيل الإيجاز ما أطلعنا عليه منها.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بينا أنا نائم رأيت الناس يُعرضون علي وعليهم قُمص؛ منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومرَّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره)). قالوا: يا رسول الله! ماذا أولته؟ قال: ((الدين)). متفق عليه.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((بينا أنا؛ إذ أتيت بقدح فيه لبن، فشربت منه، حتى إني لأرى الري يجري في أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب)). قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: ((العلم)). متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((بينما أن نائم رأيتني دخلت، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته؛ فوليت مدبراً)). فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!)). رواه البخاري في صحيحه.

وروى البخاري في صحيحه عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب، فجاء أبو بكر، فنزع ذنوباً أو ذنوبين نزعاً ضعيفاً، والله يغفر له، ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غرباً؛ فلم أر عبقرياً يفري فريه حتى روي الناس وضربوا بعطن)).

وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول: ((كان فيمن كان قبلكم من الأمم محدثون، فإن يكون في أمتي محدثون، فإنه عمر بن الخطاب)). متفق عليه.

وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكاً فجاً قط، إلا سلك فجاً غير فجك)) رواه البخاري في صحيحه.

وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: ((ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه)).

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ((ما كان نُبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه)).

وقد تواتر عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، أنه قال: ((خير هذا الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، رضي الله عنهما)).

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كثير الإعجاب بما منح الله عمر من الفكر، وسداد الرأي، ورجاحة العقل، والفقه، والقوة في دين الله.

وقد قال بعض سلف صالح هذه الأمة: ((حُب أبي بكر وعمر إيمان، وبغضهما نفاق وزندقة، فيا ويح من أبغضهما أو سبهما، كيف ظنه بربه حين يلقاه؟!)).

وعن أبي مليكة، أنه سمع ابن عباس يقول: ((وقد وضع عمر على سريره، فتكنفه الناس يدعون ويترحمون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل آخذ بمنكبي، فإذا هو علي بن أبي طالب، فترحم على عمر، وقال: ما خلفت أحداً أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله، إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، فإني كثير ما أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر)). رواه البخاري في صحيحه.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو لم أبعث فيكم؛ لبُعثَ عمر)). رواه الترمذي وغيره.

ففضائل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه تستوعب أسفاراً ومجلدات، لكن الغرض الإشارة إلى بعضها.


ذكر شيء من آي القرآن الكريم نزل بموافقة رأي عمر
1- لما كانت وقعة بدر الكبرى، وقُتل من المشركين سبعون، وأسر منهم سبعون؛ استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وبعض الصحابة في الأسارى، أما أبو بكر، فأشار بأخذ الفدية منهم، وأما عمر، فأشار بأن تضرب أعناقهم دون أخذ الفدية، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أشار به أبو بكر على ما أشار به عمر، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الفدية، لكن نزل القرآن بموافقة رأي عمر رضي الله عنه، قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ... ﴾ [الأنفال: 67][1]. رواه أحمد والترمذي وابن أبي حاتم.

2- ورأى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن يحتجبن، فنزل القرآن بموافقته.

روى البخاري عن أنس بن مالك، أن عمر قال: ((يا رسول الله! لو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب! فأنزل الله آية الحجاب)).

3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال عمر رضي الله عنه: ((بلغني شيء كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أمهات المؤمنين، فاستقريتهن أقول: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجاً خيراً منكن. فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ.... ﴾ [التحريم: 5][2].

4- ورأى أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، فنزل: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً ﴾ [البقرة: 125][3].

5- ولما مات رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقال عمر: يا رسول الله! تصلي عليه وهو منافق! فأنزل الله تعالى قرآناً يتلى بموافقته: ﴿ وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84][4].

وأما آية الحجاب التي نزلت، فهي قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ... ﴾ [الأحزاب: 59][5]


ذكر شيء من غيرة عمر وقوته وهيبته وشجاعته
وعن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ((أستأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساؤه يكلمنه ويستكثرنه، عالية عليه أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم له، فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله! قال: ((عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك، ابتدرن الحجاب خوفاً منك)). ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن! تهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم)).

ولما أسلم ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، قال: ((يا رسول الله! ففيم الاختفاء؟)). فظهر في أندية قريش معلناً إسلامه، ثم قال: ((يا رسول الله! والذي بعثك بالحق، لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه إعلاني بالإسلام)). ثم خرج فطاف بالبيت جهاراً.

وثبت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن حاطب بن أبي بلتعة (رضي الله عنه): ((دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق...)). الحديث بطوله.(و كان في تتمة الحديث في حق حاطب الصحابي
(رضي الله عنه) (يا عمر، وما يدريك، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة). قال: فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم))

وثبت فيما ساقه البخاري في صحيحه من خبر حديث الحديبية وما جرى فيها من الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش، وما فيه من الهضم في جانب المسلمين، فثار عمر غضباً، ولم يملك نفسه، فقال: ((يا رسول الله! لِم نعطي الدنية في ديننا ونحن على الحق وهم على الباطل؟!)). حتى أقنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فظل متغيظاً رضي الله عنه.

وثبت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن رأس المنافقين عبد الله بن سلول: ((دعني أضرب عنقه)). حتى نهاه الرسول عن ذلك.

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: ((من لقي منكم العباس بن عبد المطلب، فلا يقتله، فإنه إنما خرج مكرهاً)). فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: ((والله؛ لئن لقيته لأقتلنه، نقتل آباءنا وإخواننا ونترك عباساً؟!)). فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لعمر: ((يا أبا حفص! أيضرب عنق عم رسول الله؟!)). فقال عمر: ((دعني أضرب عنق هذا القائل؛ فإنه منافق)). لكن أبا حذيفة ندم وخاف من كلمته هذه، فلا يزال خائفاً طيلة حياته منها حتى كتب الله له الشهادة، فقُتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه.

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: ((ما علمت أحداً من المهاجرين هاجر إلا سراً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما أراد الهجرة، تقلد سيفه وقوسه، ومضى قبل الكعبة، فطاف بها سبعاً متمكناً مطمئناً، ثم وقف على أندية كفار قريش، فقال لهم: شاهت الوجوه، لا يرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن يثكل أمه، أو يوتم ولده، أو يرمل زوجته، فليحلقني وراء هذا الوادي)).

وقد ورد: أن عمر رضي الله عنه أحرق حانوتاً يُباع فيه الخمر ويُضع فيه لرجل يقال له: رويشد الثقفي، فقال: ((أنت لست رويشد، بل أنت فويسق)).

وقد أرسل عمر رضي الله عنه محمد بن مسلمة وأمره أن يحرق بيت سعد بن أبي وقاص لما سمع أنه بناه ليحتجب فيه عن الرعية.

وله أخبار في قوته يطول ذكرها.

وفي غزوة أحد لما انتهت بقتل من قُتل من المسلمين ورئيس المشركين هو أبو سفيان بن حرب، قال: ((أفي القوم محمد؟)). -قالها ثلاثاً- ((أفي القوم ابن أبي قحافة؟)). ((أفي القوم ابن الخطاب؟)). يكرره ثلاثاً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تجيبوه)). لكن عمر لقوته لم يملك نفسه حينما قال أبو سفيان: ((إن هؤلاء لو كانوا أحياء لأجابوا)). قال عمر: ((كذبت يا عدو الله! لقد أبقى الله لك ما يسؤك فرضي الله عنه)).

ولما دخل عمر رضي الله عنه المسجد النبوي وسمع صوت رجلين قد ارتفعت أصواتهما، دعا بهما، فقال: ((أتدريان أين أنتما؟)). ثم قال: ((من أين أنتما؟)). قالا: من أهل الطائف. فقال: ((لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً)).

وروى الأوزاعي قال فيما رواه عن عمر رضي الله عنه: ((أنه سمع صوت بكاء داخل بيت، فإذا هي نائحة على ميت، فضربها حتى سقط خمارها، فقال: إنها نائحة ولا حرمة لها، إنها تؤذي موتاكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم، وتنهى عن الصبر، وتأمر بالجزع)). رضي الله عنك يا عمر.


ذكر شيء من غزارة معلومات عمر رضي الله عنه
روي أن عمر رضي الله عنه لما أفتتح بيت المقدس وأراد أن يصلي فيه، قال لكعب الأحبار: ((أين تريد أن أصلي؟)). قال كعب: إن أخذت عني، فصل خلف الصخرة، فكانت القدس كلها بين يديك. قال عمر رضي الله عنه: ((أضاهيت اليهودية؟! لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)). فتقدم إلى القبلة، فصلى. فلذا روي أنه قال: ((لست بخب ولا يخدعني الخب)).

وقد روى سعيد بن منصور في سننه: ((إن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لما رجع من حجة رأى الناس ابتدروا مكاناً يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعاً، إذا عرضت لأحدكم صلاة، فليصل حيث كان)).

وقد روي: ((أن عمر رضي الله عنه قطع الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسماً لوسائل الشرك وذرائعه)).

قال النخعي: ((أول من ولي شيئاً من أمور المسلمين عمر، ولاه أبو بكر قضاء المدينة، فكان أول قاضٍ في الإسلام)).

يروي أن أمير المؤمنين عمر يقول: ((عليك بالصدق، وإن توهمت أنه يضرك، فإنه ينفعك، وإياك والكذب، وإن توهمت أنه ينفعك، فإنه يضرك)).

روي أنه رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، قال: ((لا تستقضي إلا ذا حسب أو مال، فإنّ ذا الحسب يخاف العواقب، وذا المال لا يرغب في مال غيره)).

رأى عمر رضي الله عنه رجلاً عزباً يقال له أبو الزوائد، فقال له: ((يا أبا الزوائد! أنت ما منعك من الزواج إلا عجزاً أو فجوراً)).

وروي أن أمير المؤمنين عمر لما قيل له: ((ألا تستخلف ابنك عبد الله، فإنه خليق بالإمارة؟ فقال: معاذ الله أن استخلفه، استخلف رجلاً لا يحسن أن يطلق امرأته)).

وروي أنه رضي الله عنه قال: ((ما كانت نعمة الله على عبد إلا ولها حساد)).

وقال عبد الحميد: ((لم أسمع أعجب من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: لو كان الصبر والشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت)).

ويروى أنه رضي الله عنه قال: ((إني لا أحمل همّ الإجابة، وإنما أحمل همّ الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء، فإن الإجابة معه)).

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: ((ما ابتليت ببلاءٍ إلا كان لله تعالى علي فيها أربع نعم، أولا أنها لم تكن في ديني ولم تكن أعظم منها، وأني أنظر ثوابها والرضى بها)).

كتب لعمر كاتب، فقال: ((هذا ما أرى الله عمر فقال: امحه، فقل: هذا ما رأى عمر)).

وقد روي عنه رضي الله عنه أنه قال: ((اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل في الحديبية ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددته)).

وثبت أنه رضي الله عنه اجتاز مع طريق، فصب عليه ماء من ميزاب، فقال صاحبه الذي يسير معه: ((يا صاحب الميزاب! ماؤك طاهر أم نجس؟ فقال عمر: لا تخبرنا يا صاحب الميزاب)).

وصلى رضي الله عنه حين طُعن وجرحه يثعب دماً.

وفي الموطأ عن عمر أنه قال: ((اتجروا في أموال اليتامى، لئلا تفنيها الصدقة)).

وروي أن عمر رضي الله عنه كان في أحد أسفاره ومعه أصحابه، فوردوا ماءً كان في حوض، فقال عمرو بن العاص: ((يا صاحب الحوض! هل ماؤك طاهر أم نجس؟ وهل ترد عليه السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض! لا تخبرنا، فإن السباع ترد علينا ونرد عليها)).

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة: ((أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بطريق مكة، وكان عمر قد استعمله على مكة، فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي (يعني: مكة)؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى، رجلاً من موالينا. قال عمر: استخلفت عليهم مولى. قال: يا أمير المؤمنين! إنه قارئ لكتاب الله، عالم بالفرائض. فقال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين)).

وعن سعيد بن جبير رحمه الله عن ابن عباس، قال: ((سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: عائشة وحفصة بنت عمر)).

وروي: ((أن عمر رضي الله عنه لما سمع عن غيلان الثقفي أنه طلق زوجاته وقسم ماله بين بنيه، قال عمر: يا غيلان! إني لأظن أن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك، فقذفه في نفسك، وايم الله، لتراجعن نساءك، ولترجعن مالك أو لأورثهن منك، ثم لأمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر ابن رغال)).

وروي أن ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ((إني لأحسب أن عمر ذهب بتسعة أعشار العلم)).

وعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: سمعت عمر وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمن أن يقولوا: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه، فإن الرجم من كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الحبَل أو الاعتراف...)). الحديث بطوله متفق عليه.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: ((لو أن الدنيا من أولها إلى آخرها أوتيها رجل، ثم جاءه الموت لكان بمنزلة من رأى في منامه ما يسره ثم استيقظ، فإذا ليس في يده شيء)).

يروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: ((ما أعلم أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر بن الخطاب)).

وقال مجاهد: ((إذا اختلف الناس في شيء، فانظروا ما صنع عمر، فخذوا به)).

وقال الشعبي: ((من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضاء، فيأخذ بقول عمر)).

[1] الأنفال:67.

[2] التحريم: 5.

[3] البقرة: 125.

[4] التوبة: 84.

[5] الأحزاب: 59.


 
آخر تعديل:
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

ذكر شيء من محاسبة عمر لنفسه ووقوفه عند همومها
ورد عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه؛ أنه قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحُاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله، يومئذ تعرضون لا يخفى على الله منكم خافية)).

وورد عنه رضي الله عنه، أنه كتب لبعض عماله، قال: ((حاسب نفسك أيام الرخاء قبل حساب الشدة، فمن حاسب نفسه أيام الرخاء، عاد أمره إلى الرضا والغبطة)).

كان عمر رضي الله عنه قد اتخذ مح((مد بن مسلمة لتفقد أحوال الولاة، ومعرفة أحوالهم وأحوال الرعية معهم، ومحاسبتهم، ورفع نتيجة ذلك إليه.

وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما فرض للمهاجرين الأولين كل رجل منهم أربعة آلاف، وأما ابنه عبد الله، فلم يفرض له إلا ثلاثة آلاف وخمس مئة، فقيل له: ((يا أمير المؤمنين! ابنك عبد الله من المهاجرين الأولين، فلم نقصته؟ قال: لم يهاجر هو بنفسه، إنما هاجر به أبوه)). فرضي الله عن عمر وأرضاه.

روي أن أمير المؤمنين عمر كتب إلى واليه بمصر عمرو بن العاص، فقال: ((إنه قد بلغني أنه قد فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر، وعهدي بك قبل ذلك لا مال، فمن أين أصل هذا المال؟)). قال عمرو بن العاص: ((يا أمير المؤمنين! كنا بأرض مزدرع ومتجر، فنصيب فضلاً عن حاجتنا)). وذلك أنه رضي الله عنه قد دقق المحاسبة على نفسه قبل محاسبته لرعيته، فبدأ بنفسه قبل رعيته، فلم يجد أحد عليه مدخلاً فيما يناقشهم رضي الله عنه وأرضاه.


ذكر شيء من عبادة عمر وخوفه من الله
عن زيد بن أسلم: أن عمر رضي الله عنه كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي، حتى إذا كان آخر الليل، أيقظ أهله وهو يقول: ((الصلاة، الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].

وروي أنه رضي الله عنه قال: ((لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات بالعراق ضيعة، لخشيت أن أسأل عنها)).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كنت مع عمر فدخل حائطاً لحاجة، فسمعته من وراء الحائط يقول في نفسه: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخٍ بخٍ، والله، لتتقين بني الخطاب أو ليعذبنك)).

روي: ((أن عمر رضي الله عنه اجتاز برجل وهو يقرأ: ﴿ والطور.. وكتاب مسطور... ﴾ [الطور: 1، 2] حتى بلغ: ﴿ إن عذاب ربك لواقع. ما له من دافع ﴾ [الطور: 7، 8]. فبكى بكاءً شديداً حتى مرض أياماً، وعاده بعض إخوانه رضي الله عنه، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء)).

وكان رضي الله عنه شديد الخوف من الله، كان يقول: ((بئس الوالي أنا إن شبعت والناس جياع)).

وكان رضي الله عنه يسأل حذيفة بن اليمان، يقول: ((أسألك بالله: هل عدني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين؟)).

وكان رضي الله عنه عام الرمادة (أي: عام القحط والمجاعة) لا يأتدم إلا بالزيت لا بالسمن. ويقول لبطنه: ((تقرقر أو لا تقرقر، والله، لا أتدم بالسمن والناس جياع)).

وروي أن عمر رضي الله عنه قال: ((لولا ثلاث لما أحببت البقاء: لولا أن أحمل على جياد الخيل في سبيل الله، ومكابدة الليل (يعني: في العبادة)، ومجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقي أطايب التمر)).

وقد روي: ((أنه رضي الله عنه خرج إلى حائط له ثم رجع وقد صلى الناس العصر، فقال: حائطي صدقة على المساكين)). قال الليث: إنما فاتته الصلاة في الجماعة.

وقد روي: ((أنه رضي الله عنه شغله أمر عن صلاة المغرب حتى طلع نجمان، فلما صلاها، أعتق رقبتين)).

وكان رضي الله عنه إذا رأى كثرة الفتوح وكثرة الغنائم يبكي ويشتد بكاؤه، ويقول: ((ما حبس هذا عن نبيه صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر، لشر أراده بهما، وأعطاه عمر إرادة الخير له)).

وروي عنه رضي الله عنه، أنه قال: ((إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة رجل من المسلمين وبمنزلة والي اليتيم، إذا احتاج، أكل بالمعروف، وإن استغنى، تعفف)).

روي: ((أنه رضي الله عنه إذا صلى العشاء، دخل بيته، فما زال يصلي حتى يطلع الفجر)).

روي: ((أن عمر رضي الله عنه خرج ذات ليلة بعدما دخل رمضان، فدخل المسجد، فرأى الناس أوزاعاً؛ يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل ليصلي بصلاته الرهط، فقال: إني أرى لو جمعتهم على قارئ واحد لكان أمثل، فجمعهم رضي الله عنه على أبي بن كعب سيد القراء يصلي بهم عشرين ركعة، ثم إنه خرج ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل)).


اهتمام أمير المؤمنين عمر بالصلاة
كان عمر رضي الله عنه يكتب إلى العمال والولات في الآفاق والأقاليم في شأن الصلاة واهتمامه بها، فيقول: ((إن أهم أموركم عندي الصلاة، من حفظها وحافظ عليها، حفظ دينه، ومن ضيعها، كان لما سواها أشد إضاعة)).

وكان كلما وجه قائد جيش أول ما يوصيه في نفسه ومن معه بالصلاة والمحافظة عليها، ومحاربة الأخلاق الرذيلة.

وروي بسند صحيح، إنه قال: ((ما بال أقوام يتخلفون عن الصلاة في الجماعة، فيتخلف لتخلفهم آخرون؟! ليحضروا الصلاة أو لأبعثن عليهم من يجافي رقابهم)). فهذا يدل على عظم شأن الصلاة التي تهاون بها من قل حظه من الله والدار الآخرة.

وقد روي عن عمر رضي الله عنه بعد ما أصيب لما ذكر الصلاة، قال: ((أما أنه لا حظ لأحدٍ في الإسلام لمن ضيعها)).

وروى مالك عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان ابن أبي حثمة: ((أن عمر فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، فطرق على أمه، فقال لها: إن سليمان لم يشهد معنا صلاة الصبح! قالت: إنه بات يصلي ثم غلبته عيناه. فقال رضي الله عنه: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلي من قيام ليلة)).


ذكر شيء من سيرته وعدله رضي الله عنه
وعن محمد بن علي، أن عمر رضي الله عنه لما دون الدواوين قال: ((بمن ترون أبدأ؟ فقيل له: ابدأ بالأقرب منك يا أمير المؤمنين! قال: بل أبدأ بالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم)). رواه الشافعي.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أنه قال قبل موته بأربعة أيام: ((لئن سلمني الله تعالى، لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحدٍ بعدي أبداً)). رواه البخاري في صحيحه.

والنكتة في اختصاصه بأهل العراق دون غيرهم، لبيان أن عدله يشمل البعيد النائي والقريب رضي الله عنه.

وقد روى محمد بن سيرين رحمه الله قال: ((قدم على عمر صهر له، فطلب منه أن يعطيه من بيت المال، فانتهره عمر وقال له: أردت أن ألقى الله تعالى خائناً؟! ثم أعطاه من صلب ماله)).

وقد روي: ((أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه اشترى إبلاً، فجعلها ترعى في حمى إبل الصدقة، فَنَمَت وازداد ثمنها، فلما علم عمر رضي الله عنه، قال لابنه: ليس لك إلا رأس مالك، وما زاد، فيدخل في بيت مال المسلمين)). رضي الله عنه.

وفي حديث أخرجه البخاري، أن عمر رضي الله عنه قال: ((اللهم! إني أشهدك على أمراء الأمصار أني إنما بعثتهم ليعدلوا وليعلموا الناس دينهم وسنة نبيهم، ويقسموا فيهم فيأهم، ويرفعوا إلي ما أشكل من أمرهم)).

وروي: ((إنه لما أصاب الناس المجاعة والقحط في عهده رضي الله عنه، كان لا ينام الليل إلا قليلاً، ولا يجد راحة، همه أن يدفع خطر المجاعة والشدة عن رعيته، وما زال به الهمّ حتى تغير لونه وهزل جسمه)).

وروي: ((أنه جاءته يوماً قافلة تحمل اللحم والسمن والطعام والكساء، فوزعها على الناس بنفسه ولم يأكل منها شيئاً، كل ذلك يريد أن يخفف عن ظهره ثقل الحساب يوم القيامة)).

روي أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه قال: ((من رأى منكم فيَّ اعوجاجاً، فليقومه)).

وروي أن رجلاً قال لعمر: ((اتق الله يا عمر! فأجابه أحد الحاضرين بقوله: أتقول هذا لأمير المؤمنين! ولكن عمر نهر القائل الذي قال أتقول هذا لأمير المؤمنين بقوله: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها)).

وأخبار أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في عدله ومحاسبته الدقيقة لنفسه لو تتبعناها واستقصينا عليها، لبلغت أسفاراً، ولربما لا يصدق بها الغبي من الناس. فرضي الله عن عمر وأرضاه.

فيا أيها المسلم من راعٍ ومرعي! خذ من سيرة القوم لنفسك درساً وأخلاقاً وعملاً، فإن مورد الجميع واحد، فهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من سار على منهاجهم وأقتفى آثارهم، رجي له النجاح والفلاح والسعادة بدار السلام.


حرص أمير المؤمنين عمر على تعليم الناس القرآن ونشر العلم
كان عمر رضي الله عنه حريصاً على نشر العلم وتعليم الناس القرآن الكريم في جميع الأقاليم والممالك الإسلامية التي دانت تحت ولاية المسلمين، فأرسل عبد الله بن مسعود إلى الكوفة، وأرسل معاذ بن جبل إلى دمشق، وأرسل أبا موسى الأشعري إلى البصرة ومعه عمران بن الحصين.

وكان رضي الله عنه يرسل بعض الصحابة إلى البلدان ليعلموا الناس القرآن والفقه، وكان غاية مقصوده نصر هذا الدين، ونشره في سائر المعمورة، ورفع راية الجهاد، فقد بذل رضي الله عنه هو وصحابة محمد صلى الله عليه وسلم النفس والنفيس والمهج والأرواح والأموال لنشر هذا الدين والدفاع عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نشروا على ربوع العالم رايات الإسلام الخفاقة، رضي الله عنهم.


ذكر شيء من عطف عمر رضي الله عنه على الضعفة والأرامل
وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: ((غدوت مع أمير المؤمنين عمر إلى السوق، فلحقته امرأة شابة، فقالت: يا أمير المؤمنين! هلك زوجي وترك صبية صغاراً، والله، ما ينضجون كراعاً ولا زرع لهم ولا ضرع، وإني خشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر، وقال: مرحباً بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير كان مربوطاً في الدار، فحمل عليه عدلين طعام ونفقة وثياب، فقال لها: اقتادي البعير، فلن يفنى هذا حتى يأتيكم الله بخير إن شاء الله...)). الحديث بطوله رواه البخاري في صحيحه.

روي أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قال: ((خرج عمر ليلة في سواد الليل، فدخل بيتاً، فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت، فإذا فيه عجوز عمياء مقعدة، فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ قالت: إنه يتعاهدني مدة كذا وكذا ويقضي حاجتي، فقلت في نفسي: ثكلتك أمك يا طلحة! تتبع عورات عمر)).

وروي: ((أن عمر رضي الله عنه التقى بامرأة صحابية، يقال لها: خوله بنت ثعلبة، وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف معها ودنا منها وأصغى إليها سمعه حتى أنهت حاجتها وانصرفت، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! حبست رجالات قريش على هذه العجوز! فقال: ويحك، أتدري من هذه؟ قال: لا. قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، والله، لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها)). رضي الله عنه.

وروي: ((أن عمر رضي الله عنه بينما هو يدور بالليل يعس في نواحي المدينة ويتفقد أحوال الرعية؛ إذ هو يسمع صوت امرأة داخل منزلها ترفع صوتها بأبيات شعر تتحنن على غربة زوجها وتشتكي وحدتها، وهي تقول:

تطاول هذا الليل واسود جانبه
space.gif

وارقني أن لا خليل ألاعبه
space.gif

ألاعبه طوراً وطوراً كأنما
space.gif

بدا قمراً في ظلمة الليل حاجبه
space.gif

فو الله لولا الله لا رب غيره
space.gif

لحرك من هذا السرير جوانبه
space.gif



فلما سمع عمر رضي الله عنه مقالتها؛ هزت قلبه عواطف الرحمة، فرجع إلى حفصة ابنته، فناشدها الله، وقال: اصدقيني، ما أقصى ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت رضي الله عنها: هي المدة التي ضربها الله للمتوفي عنها زوجها)).

وعن الحسن البصري قال: ((بينا عمر رضي الله عنه يعس بالمدينة ليلاً لقيته امرأة تحمل قربة، فسألها، فذكرت له أن لها عيالاً وليس لها خادم، وأنها تخرج ليلاً فتسقى لهم الماء، وتكره أن تخرج نهاراً، فحمل عمر عنها القربة حتى بلغ منزلها، ثم قال لها: أتي عمر غدوة يخدمك خادماً)). فرضي الله عنه عمر.

وروي: ((أنه إذا قدمت الرسائل من الغزاة المجاهدين إلى أهليهم بالمدينة هو الذي بنفسه يأخذها ويوصلها إلى بيوت العزاب)). رضي الله عنه.

وروي أن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: ((خرجت ليلة مع عمر إلى ظاهر المدينة، فلاح لنا بيت شعر، فقصدناه؛ فإذا فيه امرأة تتمخض بالولادة وإذا هي تبكي، فسألها عمر عن حالها؟ فقالت: أنا امرأة عربية وليس عندي شيء من الطعام، فبكى عمر وأسرع راجعاً إلى المدينة، فقال لزوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب: هل لك في خير ساقه الله لك؟ ثم أخبرها الخبر، فقالت: نعم. فحمل على ظهره الدقيق والشحم، وحملت هي معها ما يصلح شأن المرأة، فولجت المرأة على المرأة وعمر جالس مع زوجها وهو لا يعرفه، حتى جاءت أم كلثوم، فقالت: يا أمير المؤمنين! بشر صاحبك بغلام)). فرضي الله عن عمر وأهله.

وله قصة أخرى تشبه هذه، قال أسلم مولى عمر: ((خرجت مع عمر ليلة من الليالي خارج المدينة، فلاحت لنا نار من بعيد، فقال عمر: يا أسلم! هؤلاء ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم، فإذا امرأة معها صبيان لها، وإذا الصبية على النار يتضاغون حولها، قال لها عمر: ما هذه النار؟ وما هذا القدر؟ قالت: أريد أن أعلل الصبية حتى يناموا؛ لأن الجوع والبرد أقلقهم عن النوم، فالله بيننا وبين عمر. فبكى عمر، ورجع من ساعته إلى دار الدقيق، فأخرج عدلاً فيه دقيق وجراباً فيه شحم، فحملهما على ظهره، ثم أعطاها نفقة، والمرأة لا تعرفه)). فرضي الله عن عمر.

فهذا قليل من كثير من سيرة عمر وعدله وخوفه وتواضعه رضي الله عنه.

وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنما تُنصرون وترُزقون بضعفائكم)).

وورد في الحديث الصحيح: ((ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)).
 
آخر تعديل:
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة



ذكر بعض من خطب أمير المؤمنين عمر ووصاياه
كان عمر رضي الله عنه أول كلام تكلم لما تولى الخلافة، صعد المنبر، ثم قال: ((اللهم! إني شديد؛ فليني، وإني ضعيف؛ فقوني، وإني بخيل؛ فسخني، أيها الناس! القوي منكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له، وإني قد ابتليت بكم وابتليتم بي)).

ومما روي من خطبته بالجابية رضي الله عنه، قال: ((أيها الناس! أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لأخراكم تكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن رجلاً ليس بينه وبين آدم أب حي ولا بينه وبين الله هوادة المعنى لا حسب ولا نسب، فمن أراد طريق الجنة؛ فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد، ولا يخلون أحدكم بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته، فهو مؤمن..)). وهي خطبة طويلة هذا بعضها، رضي الله عنه.

ومما أوصى به أبا عبيدة بن الجراح حينما ولاه على جيوش الشام بعد عزل خالد، قال: ((أوصيك بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه، الذي هدانا من الضلالة وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وقد استعملتك على جند خالد بن الوليد، فقم بأمر الله الذي يحق عليك، لا تقدم المسلمين هلكة رجاء غنيمة، ولا تنزلهم منزلاً قبل أن تستريده لهم، ولا تبعث سرية إلا في كنف من الناس، وإياك وإلقاء المسلمين في الهلكة، وقد أبلاك الله بي وأبلاني بك، وغُض بصرك عن الدنيا ولا تُشغل قلبك بها)).

وقد روى علي بن محمد المدائني: ((أن عمر رضي الله عنه كتب لعتبة بن غزوان حينما وجهه إلى البصرة، قال له: يا عتبة! اتق الله فيما وليت، وإياك أن تنازعك نفسك على كبر، فتفسد عليك آخرتك، وقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعززت بعد الذلة، وقويت بعد الضعف، حتى صرت أميراً مسلطاً وملكاً مطاعاً، تقول فُيسمع لقولك، وتأمر فيطاع أمرك، فيا لها نعمة إن لم ترق فوق قدرك وتبطر على من دونك! احتفظ من النعمة احتفاظك من المعصية، وهي أخوفهما عندي عليك من أن يستدرجك ويخدعك فتسقط سقطة تصير بها إلى جنهم، أعيذك بالله من ذلك)).

وقد كتب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كتباً يوجهها مع قادة الجيوش، ومنهم: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فيقول: ((أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراساً من المعاصي منكم ومن عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم، ولولا ذلك، لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عدونا ليس كعدوهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية؛ كان لهم الفضل علينا في القوة، وأن لا ننصر عليهم بفضلنا؛ لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون؛ فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا: إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله، كفار المجوس، ﴿ فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ﴾ [الإسراء: 5].

وروي أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص في غزوة القادسية، قال: (( يا سعد! إن الله تعالى إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه، فاعرف منزلتك من الله بمنزلتك من الناس، واعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك)).

وفي مسند الإمام أحمد: عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، قال: ((جاءنا كتاب عمر ونحن بأذربيجان، قال فيه: يا عتبة بن فرقد! إياكم والتنعم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك)).

وقد روي أن عمر بلغه أن الفرس قد جمعوا للمسلمين بنهاوند ليستردوا ممالكهم من المسلمين، فجمع عمر الجيوش الإسلامية، وأمر عليهم النعمان بن مقرن، وأمره أن يسير بمن معه إلى نهاوند؛ فالتقى المسلمون بجموع جيوش الفرس بنهاوند، فاقتتلوا قتالاً عظيماً، فانتصر المسلمون انتصاراً لم يعهد مثله، وغنموا غنائم كثيرة، فالحمد لله على عز الإسلام.


تواضع أمير المؤمنين عمر وبعده عن الكبرياء
قد ورد أن رسول كسرى بن هرمز قدم المدينة المنورة على عهد خلافة الفاروق أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فأخذ يتساءل عن أمير المؤمنين عمر الذي اتسعت ممالكه أنحاء المعمورة شرقاً وغرباً، ومتى يصل إليه؟ فقيل له: تجده في المسجد أو تحت ظل شجرة، وفعلاً وجده في المسجد نائماً (وقيل: تحت ظل شجرة) رضي الله عنه، فقال رسول كسرى مقالته المشهورة: (لقد عدلت، فأمنت، فنمت).

وروي: ((أنه رضي الله عنه لما قدم الشام في أحد جولاته التي ذهب فيها يتفقد أحوال الرعية عرضت له في طريقه مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع خفيه وأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة بن الجراح - وهو أمير المؤمنين بالشام - وهو يسايره في الطريق: يا أمير المؤمنين! يتلقاك الأمراء وبطارقة الشام وأنت هكذا! فأجابه قائلاً: ثابت الجأش، مطمئناً، معظماً لربه: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما طلبنا العز بغيره، أذلنا الله)).

ومن تواضعه رضي الله عنه ما أسلفناه من قضاء حوائج الضعفة والمساكين، وقيامه بخدمتهم هو بنفسه رضي الله عنه.


ذكر بعض ما روي لعمر رضي الله عنه من الكرامات
ساق المؤرخون لعمر رضي الله عنه أشياء من الكرامات التي أعطيها في هذه الدنيا قبل كرامات الآخرة، منها:

أنه أرسل نحو العراق سرية عليها قائدها سارية بن زنيم، فلما التقى جيشه بالمشركين كاد جيش سارية أن ينهزم، فبينما عمر يخطب على منبر المسجد النبوي دار في خلده وإلهام من الله له أن قال -يرفع بها صوته-: ((الجبل الجبل يا سارية)). فسمعها سارية على بُعد المسافة، فأسندوا ظهورهم إلى الجبل، فانتصروا.

ومن كرامات عمر: عبور أميره سعد بن أبي وقاص بجيشه على ظهر ماء البحر بجيوشهم ومراكبهم البرية حتى قطعوا البحر، فدخلوا المدائن سالمين غانمين.

ومن كراماته التي أعطيها: أنه ما قال في شيء ليته كذا؛ إلا نزل في القرآن بموافقته، وقد أسلفنا بعضاً من ذلك في موضوعه.

وفيما روي: ((أن نيل مصر لما قلص ماؤه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أميره على مصر عمرو بن العاص، فجاء وجهاء مصر إلى عمرو بن العاص، فقالوا: إن لنا عادة لهذا النيل، حينما يقف نعمد إلى جارية حسناء، فنرضي وليها بما يسمح به، ثم نجعل عليها من الحلي واللباس الحسن، ثم نقذفها فيه، ثم يجري. فقال عمرو بن العاص: هذه عادة سيئة لا تتوافق مع الإسلام أبداً. ثم كتب إلى عمر بن الخطاب وأخبره بما قالوا، وبما قال لهم، وبتوقف النيل عن الجري، فقال عمر رضي الله عنه: أصبت بما قلت لهم. ثم إن عمر كتب خطاباً إلى عمرو بن العاص، وكتب معه ورقة قال فيها: بسم الله، من عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى نيل مصر، وبعد:

إن كنت تجري من قبلك، فلا تجري، وإن كنت تجري بإذن الله وأمره وقدرته، فاسأل الله تعالى أن يجريك.

فأمر عمرو بن العاص أن يقذف هذه البطاقة في النيل، فمنذ ألقاها جرى النيل من ساعته، فهو يجري إلى يومنا هذا)).

فالحمد لله على نعمه وعلى قطع العادات السيئة، ورضي الله عنه عمر، فقد نقل المؤرخون هذه القصة ونقلناها كما نقلوها، فالله أعلم بالصواب.


ذكر بعض ما روي لعمر من الثناء الحسن رضي الله عنه
دخل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على أمير المؤمنين عمر بعد ما طُعن وحمل إلى بيته، وبعد ما أفاق من غشيته، فقال: ((أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، أليس قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله الإسلام والمسلمين بك إذ يخافون بمكة، فلما أسلمت؛ كان إسلامك عزاً، وظهر بك الإسلام، وهاجرت؛ فكانت هجرتك فتحاً، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله من قتال المشركين، ثم توفي وهو عنك راضٍ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فضربت من أدبر بمن أقبل، ثم قُبض الخليفة وهو عنك راضٍ، ثم وليت بخير ما ولي الناس، مصَّر الله بك الأمصار، وجبَّن بك الأموال، ونفى الله بك الأعداء، ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئاً لك. فقال عمر: والله، إن المغرور من غررتموه.

ثم دخلت عليه ابنته حفصة، فمكثت عنده ما شاء الله أن تمكث، فقالت: يا صاحب رسول الله! يا صهر رسول الله! يا أمير المؤمنين! فقال عمر رضي الله عنه: لا صبر لي على ما أسمع، أحرج عليك بما لي عليك من الحق أن تندبين بعد مجلسك هذا، فأما عيناك، فلن أملكهما.

ودخل على أمير المؤمنين عمر بعد ما طُعن وحمل إلى بيته رجل شاب، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين! قد كان لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم في الإسلام، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. فقال عمر رضي الله عنه: وددت أن ذلك كفافاً لا علي ولا لي. فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض، فقال له عمر رضي الله عنه: يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك)).

وروي أن معاوية بن أبي سفيان قال: ((أبو بكر الصديق لم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر، فأرادته الدنيا ولم يردها)).

قال ابن حجر في فتح الباري: ((وفي جعل عمر الشورى في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في انتخاب خليفة بعده على المسلمين: أنه يؤخذ من ذلك شفقة عمر على المسلمين، ونصحه لهم، وإقامة السنة فيهم، وشدة خوفه من ربه، واهتمامه بأمر الدين أكثر من اهتمامه بأمر نفسه)).

روي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لابن صوحان: ((صف لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال: كان عالماً برعيته، عادلاً في قضيته، عارياً من الكبر، قبولاً للعذر، سهل الحجاب، مصون الباب، رفيقاً بالضعيف، غير محابٍ للقريب ولا جافياً للغريب، عظيم الورع والخوف من الله، زاهداً في الدنيا، عظيم الرغبة في الآخرة))
 
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

ذكر بعض الفتوحات في عهد الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه



وبعد أن تولى أمير المؤمنين عمر الخلافة أراد أن يتابع الفتوحات الإسلامية بالعراق والشام، والتي مبدؤها من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة مؤتة وغيرها من الغزوات، وآخرها في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما وجه أسامة بن زيد، ثم تابع ذلك خليفته الصديق، حيث فتح في عهده أقاليمَ كثيرة من بلاد العراق والشام؛ غير أنه بقي مدن كثيرة لم تخضع تحت ولاية الإسلام في العراق والشام من الفرس والروم، فأراد الفاروق - رضي الله عنه- أن يقتلع جذور هذه الدولتين؛ فتم بحمد الله اكتساح ممالكهما، ودخلت تحت ولاية الإسلام والمسلمين في عهد عمر - رضي الله عنه -بعد أن أبلى المسلمون بلاءً حسنًا.

ذكر شيء من قصص بعض الفتوحات في عهد عمر رضي الله عنه:
قال ابن كثير: "لما فتح سعد بن أبي وقاص نهرشير واستقر بها ومعه الجيوش الإسلامية المجاهدة في سبيل الله، تناول سعد خبراً بأن كسرى يزدجرد عازم على أخذ الأموال وجميع الأمتعة من المدائن ونقلها إلى حلوان لما رأى المسلمين ألحفوا به؛ فرأى سعد أن يتدارك فتح المدائن قبل أن يتم ما أراده يزدجرد، فقام سعد رضي الله عنه في الجيش خطيبًا قائلًا:
إن عدوكم اعتصم منكم بهذا البحر، فلن نخلص إليهم إلا معه، وحيث تعذرت علينا السفن وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه، وقد رأيت أن تبادروا جهاد عدوكم بنياتكم، وإني قد عزمت إن شاء الله على قطع هذا البحر إليهم.

فقال المسلمون جميعهم: عزم الله لنا ولك على الرشد؛ فافعل. فعند ذلك ندب سعد الناس إلى العبور وقطع البحر على مراكبهم البرية على ظهور الخيل، وقد قال لهم عند البحر: نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثم اقتحم سعد بفرسه دجلة، واقتحم الناس معه، ولم يتخلف عنه أحد، فساروا على ظاهر البحر كأنهم يسيرون على ظاهر الأرض، واثقين بربهم وبنصره لهم تبارك وتعالى، كيف لا؟ والأمير سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ومستجاب الدعوة، وهم في سبيل الله وفي جهاد عدوهم؟! فرضي الله عنهم، فخرجوا من البحر إلى الضفة المقابلة لهم سالمين، لم يفقدوا شيئًا؛ لا من أنفس ولا من أمتعة، فجعلت الخيول تنفض أعرافها صاهلة، وكان الذي يساير سعد سلمان الفارسي وهم في البحر؛ فجعل سعد يقول: والله، لينصرن الله وليه، وليظهرن الله دينه، وليهزمن الله عدوه؛ إن لم يكن في الجيش بغي أو فسق أو فساد.

فدخلوا المدائن، فحصل النصر والفتح والغنائم الوافرة، ونزل سعد القصر الأبيض وهو يتلو هذه الآية الكريمة: ﴿ كم تركوا من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * ونعمة كانوا فيها فاكهين ﴾ [الدخان: 25-27].

ذكر بعض من المدن والأقاليم التي فتحت في عهد عمر رضي الله عنه:
منها دمشق، فتحت صلحًا، أو البعض صلحًا، والجانب الآخر عنوة كما قيل.

ومن بلاد الروم: طبرية، وقيسارية، وفلسطين، وعسقلان، وبيت المقدس فتحه عمر بنفسه صلحاً، وبعلبك، وحمص، وحلب، وقنسرين، وأنطاكية، وجلولاء، والرقة، وحران.

ومن بلاد العراق: الموصل، والجزيرة، ونصيبين، وآمد، والرها، والقادسية، والمدائن، حتى ذل ملك الفرس بالكلية وانهزم يزدجرد.

وفتحت كور الأهواز، والجابية، ونهاوند، وأذربيجان، وبعض أقاليم خراسان.

وفُتحت مصر على يد عمرو بن العاص، وفتح عمرو بن العاص أيضاً الإسكندرية، وطرابلس الغرب وما يليها من الساحل، وعد مما فتح رأس العين، والخابور، وبيسان، واليرموك.

ومصرت البصرة والكوفة؛ فصارتا معقلاً لجيوش المسلمين.

والخلاصة أنه قيل: إن عدد ما فُتح في عهد الخليفة عمر - رضي الله عنه - من المدن والمناطق والأقاليم والقرى الصغار والكبار ما يزيد على ألفين، وهدم من الكنائس والبيع عدد كثير، وبني من المساجد ما يزيد على ألفي مسجد.

وربما يقول قائل: ما هي الأسباب التي أدت لهذا النصر المؤزر المطرد؟


فالإجابة واضحة جلية، نتناولها من النصائح والتوجيهات والإرشادات الصادرة من القائد الأعظم والرجل الملهم، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.

مقالة هرقل لقواد جيوشه:
يروى أن هرقل عظيم الروم قال لما جمع قواد جيوشه:
"ويحكم! أخبروني عن هؤلاء القوم الذين يقاتلوكم، أليسوا بشرًا مثلكم؟

قالوا: بلى.

قال: فأنتم أكثر أم هم؟ قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافاً في كل موطن من مواطن الحرب.

قال: فما بالكم تنهزمون؟

فقام شيخ من عظمائهم، فقال: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصحون ويتناصفون فيما بينهم، ومن أجل أننا نشرب الخمر، ونزني، ونرتكب الحرام، وننقض العهد، ونظلم، ونأمر بالسخط...(إلى آخر مقالته).

قال هرقل: أنت صدقتني".

ذكر مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:
كان عمر رضي الله تعالى عنه ملازمًا للحج في سنين خلافته، وكان يصدر أمره على عماله عندما يريد الحج ليلتقي بهم في موسم الحج من قريب.

يروي لنا سعيد بن المسيب رحمه الله قال: "لما صدر عمر من منى أناخ راحلته بالأبطح، ثم كوم كومة من البطحاء، ثم طرح عليها رداءه واستلقى، ثم رفع يده إلى السماء، ثم دعا، فقال: اللهم! كبُر سني، وضعُفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مُضيع ولا مفرط، ثم قدم المدينة فخطب".

ذكر أهل السير: "إنه خرج ذات يوم يطوف بالسوق، فعرض له أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة، فقال يا أمير المؤمنين! كلم المغيرة يخفف من خراجي. فسأله عمر رضي الله عنه عن عمله، فأخبره أنه نجار، حداد، نقاش. فقال عمر: ما أرى خراجك الذي ضُرب عليك بكثير - وكان مئة درهم كل شهر - فانصرف عن أمير المؤمنين وهو عليه حاقد، وقال لأمير المؤمنين كلمة جرحت شعور عمر، حتى قال رضي الله عنه: لقد توعدني العلج آنفًا. فلما تمت مدة الأجل؛ نفذ العلج حقده في أمير المؤمنين وهو قائم يصلي صلاة الفجر بالمسلمين، فطعنه وقد أصاب العلج ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما علم أنه غير منفلت، نحر نفسه.

أما أمير المؤمنين، فقد حُمل إلى بيته وهو تارة يُغمى عليه وتارة يفيق، ثم قال: يا ابن عباس! انظر من قتلني. فجال ابن عباس في الناس، ثم رجع، فقال: يا أمير المؤمنين! هو غلام المغيرة بن شعبة. قال: الصنع! ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل منيتي عند رجل مسلم. ثم قال لما أفاق: يا عبد الله بن عمر! انظر ما علي من الدين. فوجد ما عليه من الدين ستة وثمانين ألفًا، فأوصى ابنه عبد الله بسدادها من مال آل عمر، ثم أرسل إلى أم المؤمنين عائشة يستأذن عليها؛ أتسمح أن يدفن بجوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبيبه أبي بكر؟ فأذنت له بذلك رضي الله عنها، غير أنها قالت: كنت أريده لنفسي، وأنا أوثره اليوم على نفسي، ثم قضى رضي الله عنه لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة سنة ثلاثة وعشرين من الهجرة، وكانت خلافة عشر سنين وستة أشهر وأيامًا، وسنه فيما قيل ثلاث وستين سنة".
 
آخر تعديل:
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

استـآذي سؤال لو تـكرمتم طبعـآ
ف قنـآة البصيرة يعني قلتـ المصدر اولا لتفـآدي الشبهـآتـ قالو ان الاسمواتـ المتعرف بهـآ الان خـآطئة وهم يعدلونهـآ وفق المنهج الصحيح
بحثتـ عنهـآ ولم اجده ف النتـ الان تحتوي ع الاسمواتـ المتعارفة سابقا وليستـ المعدلة
هل نطمع ان تكون لديكـ النسخة الجديدة لهـآ ( قصدي الـ99 اسم )
سلامي واحترامي
أسماء الله الحسنى الثابتة
فى الكتاب والسنة

هو اللهُ الذى لا إله إلا هو
الرَّحمنُ-الرَّحيمُ-الملكُ-القدُّوس-السَّلامُ-المُؤمنُ-المُهيمنُ-العزيزُ-الجبَّارُ-المتكبّرُ-الخالقُ-الباريءُ-المصوّرُ-الأوَّلُ-الآخرُ-الظَّاهرُ-الباطنُ-السَّميعُ-البصيرُ-المولى- النَّصيرُ-العفوُّ-القديرُ-اللَّطيفُ-الخبيرُ-الوترُ-الجميلُ-الحيىُّ-الستّيرُ-الكبيرُ-المُتعالُ-الواحدُ-القهَّارُ-الحقُّ-المُبينُ-القوىُّ-المتينُ-الحىُّ-القيُّومُ-العلىُّ-العظيمُ-الشَّكورُ-الحليمُ-الواسعُ-العليمُ-التَّوابُ-الحكيمُ-الغنىُّ-الكريمُ-الأحدُ-الصَّمدُ-القريبُ-المُجيبُ-الغفورُ-الودودُ-الولىُّ-الحميدُ-الحفيظُ-المجيدُ-الفتَّاحُ-الشَّهيدُ-المُقدّمُ-المُؤخرُ-المليكُ-المُقتدرُ-المُسعّرُ-القابضُ-الباسطُ-الرَّازقُ- القاهرُ-الدَّيَّانُ-الشَّاكرُ-المنَّانُ-القادرُ-الخلاَّقُ-المالكُ-الرَّزَّاقُ-الوكيلُ-الرَّقيبُ-المُحسنُ-الحسيبُ-الشَّافى-الرّفيقُ-المُعطى-المُقيتُ-السَّيّدُ-الطَّيّبُ-الحكمُ-الأكرمُ-البرُّ-الغفَّارُ-الرَّءوفُ-الوهَّابُ-الجوادُ-السبُّوحُ-الوارثُ-الرَّبُّ-الأعلى-الإلهُ.
 
رد: حًلَقُة الََلََمًًة الََجّّزٍٍائريِِة

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
عذرا للانقطاع

ارجو ان تكونوا بخير
تحياتي
سلام الله عليكم
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top