في حكم بناء مسجدٍ على أرضٍ متنازَعٍ عليها

الطيب الجزائري84

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
14 جوان 2011
المشاركات
4,033
نقاط التفاعل
4,409
النقاط
191
العمر
39
الجنس
ذكر
السؤال:
شرعت مجموعةٌ مِن المواطنين في البناء على أرضيةٍ صالحةٍ للبناء تسلَّمَتْها بموجب قرار استفادةٍ، غير أنَّ البلدية عطَّلتْ استفادتَهم وأصدرت قرارَ هدمٍ للبنايات التي شيَّدتها هذه المجموعة فوق ذلك الوعاء العَقَاريِّ، وانتهت المنازعة بحكمٍ قضائيٍّ مِن الجهة الإدارية يقضي بإبطال قرار الهدم وتعويضِ الأضرار المادِّيَّة الناجمة عنه.
وفي أثناء المنازعة مع البلدية قامت جمعيةٌ دينيةٌ بتسييج القطعة الأرضية بُغْيَةَ إقامة مسجدٍ عليها مدَّعين حصولَهم على رخصةِ تسييجٍ مِن طرف مصالح البلدية، الأمرُ الذي دَفَع المجموعةَ المستفيدة لرفعِ دعوى قضائيةٍ أخرى لإلغاء المبادرة الخيرية للجمعية الدينية.
فالسؤال المطروح هو: هل فعلُ اللجنة الدينية صحيحٌ؟ وهل يجوز بناءُ مسجدٍ على أرضٍ لا تُعَدُّ شاغرةً بل هي مِلْكٌ لأصحابها بموجَب قرار الاستفادة؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فبادئَ ذي بدءٍ ينبغي -لثبوت الملكية الخاصَّة بموجَب قرارِ الاستفادة- التأكُّدُ مِن كون القرار صحيحًا منتِجًا لآثاره، وذلك بتوفُّر الشروط، منها:
- أن يكون قرارُ الاستفادة غيرَ واقعٍ على مستثمَرةٍ فلاحيةٍ.
- أن يكون القرارُ صادرًا مِن الجهة الرسمية الموكولِ إليها منحُ مثل هذه القرارات بالطرق الإدارية المعهودة.
- أن لا يكون قرارُ الاستفادةِ الذي تمنحه البلديةُ ملغًى مِن قِبَلِ مديريةِ أملاكِ الدولة، باعتبار القطعة الأرضية مستثمَرةً فلاحيةً غيرَ صالحةٍ للبناء، ونحو ذلك ممَّا هو مشترَطٌ في قرارات الاستفادة.
وعليه، فإذا توفَّرت هذه الشروطُ وغيرُها ممَّا تثبت بها الملكيةُ التامَّة على القطعة الأرضية الممنوحةِ بموجَب قرارٍ صحيحٍ غيرِ ملغًى فإنَّ موضوع القضيَّة تتعلَّق به الأحكامُ التالية:
لا يجوز بناء بيتٍ لله تعالى على مِلْك الغير مع إمكان إقامة بنائه في أرضٍ شاغرةٍ تابعةٍ للبلدية أو لأملاك الدولة، كما لا يجوز نزعُ ملكية الغير لمصلحة بناء مسجدٍ في منطقةٍ سكنيةٍ تتوفَّر فيها العديدُ مِن المساجد التي تقام فيها العمارةُ الإيمانية.
هذا، ولوليِّ الأمر [الحاكم] أو لنائبه السلطةُ التقديرية الكاملة مع مستشاريه في تعيينِ أيِّ أرضٍ أو عَقَارٍ مناسبٍ لإقامة أيِّ مشروعٍ مناسبٍ للمنفعة العامَّة، سواءٌ في شقِّ طريقٍ عامٍّ، أو تمريرِ أنبوبِ غازٍ طبيعيٍّ، أو إقامةِ جسرٍ، أو بناءِ مستشفًى عامٍّ، أو وضعِ سكَّةِ قطارٍ حديديةٍ، أو توسيعِ مقبرةٍ، أو بناءِ مسجدٍ حالَ خلوِّ المنطقة السكنية منه أو انعدامِ أرضٍ تابعةٍ للدولة صالحةٍ لإقامة مسجد فيها، وليس بالضرورة واللزوم أن تكون القطعةُ الأرضية المملوكةُ محلاًّ لنزع الملكية دون غيرِها مِن الممتلكات.
وممَّا يجدر التنبيهُ له والإشارة إليه أنَّ أَمْرَ نزعِ الملكية للمصلحة العامَّة ليس موكولاً إلى الجمعية الدينية -أصلاً-، وإنما الحقُّ قائمٌ للدولة ممثَّلةً بوليِّ الأمر [الحاكم] أو نائبه في أن يُجْرِيَ -ضرورةً- عقدًا جبريًّا ينزع فيه ملكيةَ عَقَارٍ أو دارٍ مِن صاحبها للنفع العامِّ إذا رأى أنْ لا سبيل له إلاَّ ذلك، ولا يُشترط رضا المالك في العقود الجبرية تقديمًا للمصلحة العامَّة على الخاصَّة.
غيرَ أنَّ مِن اللازم معرفتُه أنَّ الحاكم أو نائبَه إذا ما قدَّر نَزْعَ الملكية للمصلحة العامَّة فلا يجوز له أن يعجِّل نَزْعَ ملكية الغير إلاَّ بعد تعويضِ مالكِ العَقَار تعويضًا فوريًّا وعادلاً أي: مناسبًا للقطعة المنتزَعة مِن صاحبها، سواءٌ بتعويض عَقَارٍ آخَرَ مماثلٍ للعَقَار الأوَّل، أو تعويضِه بقيمةٍ ماليةٍ عادلةٍ تجنُّبًا لأيِّ ضررٍ.
هذا، فإذا ما رُوعِيَتْ هذه الشروطُ جاز على ضوئها نزعُ الملكية للمصلحة العامَّة. والإخلالُ بأيِّ شرطٍ يُعَدُّ اعتداءً على مِلك الغير وظلمًا محرَّمًا شرعًا: كالإخلال بشرط التعويض الفوريِّ والعادل قبل نزع الملكية، أو تغييرِ المَقْصِد مِن نزعِ الملكية مِن أجل المصلحة العامَّة بتوظيفها في الاستثمار العامِّ أو الخاصِّ دون المصلحة العامَّة.
وأخيرًا، فإنَّ المعلوم مِن الدين بالضرورة أنَّ الشريعة الإسلامية تحترم الملكيةَ الخاصَّة وترعاها وتصونها مِن أيِّ اعتداءٍ مِن غير مُحِقٍّ، غير أنه في حالة التعارض بين المصلحة الخاصَّة والعامَّة فإنه تُقَدَّم المصلحةُ العامَّةُ عملاً بالقواعد الشرعية والمقاصد المرعيَّة للمصالح، وتنزيلاً للحاجة العامَّة منزلةَ الضرورة، فيُدفع الضررُ الأعمُّ بارتكاب الأخصِّ، مع مراعاة الشروط السالفة البيان، الواجبِ توافرُها للعمل بمقتضى القواعد الشرعية العامَّة السابقة.
هذا، وإذا تخلَّفت شروطُ الملكية الصحيحة أو فَسَدت بقرارِ إلغاءٍ مِن قِبَل مديرية أملاك الدولة فإنَّ صاحب قرار الاستفادة المُلغى لا صفةَ له على القطعة الأرضية ولا يدَ شرعيةَ له فيها ولا سلطانَ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: ٢٤ جـوان ١٤٣٥ﻫ
الموافق ﻟ: ٢٦ شعبان ٢٠١٤م

المصدر..موقع الشيخ فركوس حفظه الله
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top