التفاعل
472
الجوائز
73
- تاريخ التسجيل
- 28 مارس 2014
- المشاركات
- 787
- آخر نشاط
- تاريخ الميلاد
- 6 أكتوبر

( 1 ) :
لم يعدم العالم الإسلامي رجالَ دين ، مع التحفظ على مسمّى رجال دين على الصعيد الإسلامي ، يقرّون التطور سنةً للوجود ، وينتصرون للعقل ، وكذا قام في العالم الإسلامي رجال دين آخرون يريدون للدنيا أن تقف عندهم ، بينما هي في صيرورة دائمة عند غيرهم .
وإن بدا للبعض ، في عالمنا الإسلامي ، أن غاية الدين هي هي غاية الفلسفة ؛ فكلاهما يتجه نحو تحقيق السعادة عن طريق الاعتقاد الحق / الصحيح وعمل الخير ، فتكون موضوعات الفلسفة والدين واحدة ، فإن بعض رجال الدين كانوا ، في أكثر الأمر ، " خصوماً للفلسفة ( = العقل ) في غير هوادة ولا رفق " ... وأخذ التشدد يرزداد حتى بلغ درجة قصوى عند ابن الصلاح .
سمّى بعض المفكرين دائرة معارف اليونان ، وكانت تشتمل على الرياضيات والطبيعيات والإلهيات ، بـ " علوم الأوائل " ، وكانت تقابل ، عند المسلمين ، العلوم الشرعية ، ما جعل الأولى محل شك ، رغم أن هذه العلوم لاقت اهتماماً كبيراً من كثير من المسلمين في القرن الثاني الهجري .
كل هذا سهّل على البعض اتهام الرجل بالزندقة حال نحا في كتاباته منحىً فلسفياً !!! كالذي حدث مع علي بن عبيدة الريحاني وأبي يزيد البلخي وغيرهما .
وصار التنفير من كل علمٍ ينتسب للفلسفة ، وبلغ مداه عند أبي حامد الغزالي في " المنقذ " لما زعم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سأل الله ، تعالى ، أن يعيذه من " علم لا ينفع " فتم تأويل ذلك إلى أن الرسول قصد " علوم الأوائل " !!!!!!. وبالغ آخرون في الأمر ، فأكد أن العلم ما كان موروثاً عن نبي ، وكل ما عدى ذلك فهو علم لا ينفع ... هو : " ليس بعلمٍ ولو سُمّي به " .
ثم قرأنا أن علوم الأوائل " حكمة مشوبة بكفر ، لأنها تؤدي إلى التعطيل " !!! . وصار كل مهتم بهذه العلوم ، ناهيك عن المشتغل بها ، مغموزاً في عقيدته متهماً في دينه ، وما كان يفيد الرجل أن يكون ثقة في الشرعيات واصلاً لتعاليم الدين .
في مرحلة لاحقة صار الأمر بتجنب الاتصال بالمشتغلين بعلوم الأوائل ، حتى صار المشتغل بأحد هذه العلوم يخفي اشتغاله بها ، كابن الطيب المتوفَّى العام 436هـ ، وفيه جاء قول القفطي ... : " إنه كان يتقّي أهل زمانه في التظاهر بعلم الأوائل ، فيخرج ما عنده في صورة متكلمي الملة الإسلامية " .
ثم نقرأ للجاحظ تسويته بين الكتاب المتهَم والشراب المحرّم عند كلامه ، في " البخلاء " ، عن الأشياء التي يجب أت تُخفى عن أعين الناس . وطُلب من النسّاخين أن يقسموا ، صادقين ، ألا ينسخوا كتاباً في الفلسفة .
ويرى أحمد أمين في الجزء الأول من " الضحى " أن " الزندقة قد فشتْ في العصر العباسي لأسباب منها أن الزندقة ، بمعنى الشك أو الإلحاد ، كانت فيه أبين وأظهر ، حيث انتشرت مذاهب الكلام والجدال الديني حول المسائل الأساسية في الأديان ، والبحث الفلسفي على النحو الذي بحثه أرسطو وأفلاطون ، وغيرهما ، في المادة والصورة والجزء الذي لا يتجزأ والجوهر والعرَض ، وانساق الخلفاء إلى مطاردة الزنادقة إما استجابة لنزعاتهم الدينية وإما مجاراةً للرأي العام . وكان المهدي أولَ من أمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين وإقامة البراهين على المعاندين وإزالة شبه الملحدين ، مع إنشائه إدارة للبحث عن الزنادقة ومحاكمتهم ، وقد نصح ابنَه الهادي في مطاردة أصحاب ماني ، واستجاب ابنُه لنصيحته ، وكذلك فعل هاورن الرشيد والمأمون والمعتصم ؛ فقُتل الكثيرون أو صُلبوا أو أُحرقوا بالنار " .
وبطبيعة الحال ، فنحن نعلم أنه قد كان من بين هؤلاء " من كان يدعو للشعوبية ويعلن شكه في الأديان ، فكان أن نبذوا الأديان ودعوا إلى الإلحاد " .
وكان من اليسير أن تحرق كتب الأوائل حال عُثر عليها عند المشتغلين بهذه العلوم ، حدث هذا مع ركن الدين محمد بن عبد السلام ، حفيد عبد القادر الجيلاني ، فقد اتُّهم بالزندقة ، ولم يفده أنه قال إنه إنما ينسخها ليرد عليها مفنّداً لما فيها ، وصدر الأمر بإشعال نار عظيمة أمام مسجد الخليفة ... " وصعد لسطحه العلماء والقضاة وجمهور غفير من الناس ، ثم أُلقيتْ الكتب من فوق سطح المسجد في النار ، ونهض أحدهم بتعريف الحاضرين بهذه الكتب كتاباً كتاباً فيقول ، وركن الدين حاضر بينهم ، : العنوا من كَتب هذه الكُتب ومن آمن بها . والعامّة ( !!!!!!!! ) يهتفون باللعنة التي تجاوزت عبد السلام إلى الشيخ عبد القادر نفسه . ونهض الشعراء بهجو الملحد والسخرية من أمثاله . وأُدين عبد السلام بالفسق ، وجُرد من طيلسان العلماء ، وزُجّ به في السجن ، وانتُزعتْ منه مدرسة عبد القادر " .
كانت إلهيات أرسطو محط السخط عند علماء أهل السنة ؛ فقد اعتبروا مقدماتِها ، ونتائجَها ، تتعارض مع مقتضيات الإسلام ، ثم انتقل السخط إلى الرياضيات ، وإنْ استثنوا علم الحساب ، لأن " الاشتغال به من مستلزمات علم الفرائض ، فوق إنه يعين الخبراء في أحوال التوريث " . أما الهندسة فقد كانت مثالاً للشك عند أهل السنة ، وكانت الأشكال الهندسية تثير قلقهم وتدين صاحبها بالزندقة . وتحدث أبو الحسين بن فارس في " الصاحبي في فقه اللغة وسند العرب في كلامها " عن خطر الهندسة على الدين مع قلة نفعها ، وانتهى إلى أن الخوض في الرياضيات " يؤدي إلى الانخلاع عن الدين " .
ولم يسلم علم الفلك من الحملة !!! رغم فائدته في تحديد مواعيد الصلاة والقبلة ، حتى وجدنا الفخر الرازي ، وهو المفسر والمتكلم الكبير ، يعلن شكه في علم الفلك .
وصدرت كتبٌ تهاجم المنطق ، حتى اعتُبر المنطق والطبيعيات كفراً وزندقة ، وصار على الألسنة " من تمنطق فقد تزندق " !!!!! .
وفي العام 366هـ أمر المنصور بن أبي عامر بإحراق الكتب المؤلَّفة في العلوم القديمة ، ولا سيما ما كان منها في المنطق والنجوم ، وأيده في الذي ذهب إليه رجال دين ، رغم وجود آخرين ، كابن حزم ، أيدوا المنطق ودراسته ... وهجا البعض هذا كله بشعرٍ :
قد ظهرتْ في عصرنا فرقةٌ ظهورُها شؤمٌ على العصرْ
لا تقتدي في الدين إلا بما سنَّ ابنُ سينا وأبو نصــــــر
وكان الغزالي ، أبو حامد ، الأكثر ، والأشد ، عداءً للفلسفة والفكر الفلسفي ، وكان قد عمد أن يخفي اسم المنطق من عناوين بعض ما ألّف كـ " معيار العلم " و " محك النظر "و " القسطاس المستقيم " . وقد نعلم أن الرجل قد عرض له بشيء من التلميح في " المستصفى " و " المقاصد " ، كما لا ننكر أنه أشاد ، في بعض المواضع وعلى استحياء ، به ، كما فعل نفس الشيء ابن حزم ، الذي بيّن أهمية المنطق حتى للمباحث الدينية ، إلا أن الغزالي سرعان ما أعلن تحذيره من المنطق إذ جعله سبباً في الوقوع في " الكفر " .
يُتْبع ...
لم يعدم العالم الإسلامي رجالَ دين ، مع التحفظ على مسمّى رجال دين على الصعيد الإسلامي ، يقرّون التطور سنةً للوجود ، وينتصرون للعقل ، وكذا قام في العالم الإسلامي رجال دين آخرون يريدون للدنيا أن تقف عندهم ، بينما هي في صيرورة دائمة عند غيرهم .
وإن بدا للبعض ، في عالمنا الإسلامي ، أن غاية الدين هي هي غاية الفلسفة ؛ فكلاهما يتجه نحو تحقيق السعادة عن طريق الاعتقاد الحق / الصحيح وعمل الخير ، فتكون موضوعات الفلسفة والدين واحدة ، فإن بعض رجال الدين كانوا ، في أكثر الأمر ، " خصوماً للفلسفة ( = العقل ) في غير هوادة ولا رفق " ... وأخذ التشدد يرزداد حتى بلغ درجة قصوى عند ابن الصلاح .
سمّى بعض المفكرين دائرة معارف اليونان ، وكانت تشتمل على الرياضيات والطبيعيات والإلهيات ، بـ " علوم الأوائل " ، وكانت تقابل ، عند المسلمين ، العلوم الشرعية ، ما جعل الأولى محل شك ، رغم أن هذه العلوم لاقت اهتماماً كبيراً من كثير من المسلمين في القرن الثاني الهجري .
كل هذا سهّل على البعض اتهام الرجل بالزندقة حال نحا في كتاباته منحىً فلسفياً !!! كالذي حدث مع علي بن عبيدة الريحاني وأبي يزيد البلخي وغيرهما .
وصار التنفير من كل علمٍ ينتسب للفلسفة ، وبلغ مداه عند أبي حامد الغزالي في " المنقذ " لما زعم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، سأل الله ، تعالى ، أن يعيذه من " علم لا ينفع " فتم تأويل ذلك إلى أن الرسول قصد " علوم الأوائل " !!!!!!. وبالغ آخرون في الأمر ، فأكد أن العلم ما كان موروثاً عن نبي ، وكل ما عدى ذلك فهو علم لا ينفع ... هو : " ليس بعلمٍ ولو سُمّي به " .
ثم قرأنا أن علوم الأوائل " حكمة مشوبة بكفر ، لأنها تؤدي إلى التعطيل " !!! . وصار كل مهتم بهذه العلوم ، ناهيك عن المشتغل بها ، مغموزاً في عقيدته متهماً في دينه ، وما كان يفيد الرجل أن يكون ثقة في الشرعيات واصلاً لتعاليم الدين .
في مرحلة لاحقة صار الأمر بتجنب الاتصال بالمشتغلين بعلوم الأوائل ، حتى صار المشتغل بأحد هذه العلوم يخفي اشتغاله بها ، كابن الطيب المتوفَّى العام 436هـ ، وفيه جاء قول القفطي ... : " إنه كان يتقّي أهل زمانه في التظاهر بعلم الأوائل ، فيخرج ما عنده في صورة متكلمي الملة الإسلامية " .
ثم نقرأ للجاحظ تسويته بين الكتاب المتهَم والشراب المحرّم عند كلامه ، في " البخلاء " ، عن الأشياء التي يجب أت تُخفى عن أعين الناس . وطُلب من النسّاخين أن يقسموا ، صادقين ، ألا ينسخوا كتاباً في الفلسفة .
ويرى أحمد أمين في الجزء الأول من " الضحى " أن " الزندقة قد فشتْ في العصر العباسي لأسباب منها أن الزندقة ، بمعنى الشك أو الإلحاد ، كانت فيه أبين وأظهر ، حيث انتشرت مذاهب الكلام والجدال الديني حول المسائل الأساسية في الأديان ، والبحث الفلسفي على النحو الذي بحثه أرسطو وأفلاطون ، وغيرهما ، في المادة والصورة والجزء الذي لا يتجزأ والجوهر والعرَض ، وانساق الخلفاء إلى مطاردة الزنادقة إما استجابة لنزعاتهم الدينية وإما مجاراةً للرأي العام . وكان المهدي أولَ من أمر الجدليين من أهل البحث من المتكلمين بتصنيف الكتب في الرد على الملحدين وإقامة البراهين على المعاندين وإزالة شبه الملحدين ، مع إنشائه إدارة للبحث عن الزنادقة ومحاكمتهم ، وقد نصح ابنَه الهادي في مطاردة أصحاب ماني ، واستجاب ابنُه لنصيحته ، وكذلك فعل هاورن الرشيد والمأمون والمعتصم ؛ فقُتل الكثيرون أو صُلبوا أو أُحرقوا بالنار " .
وبطبيعة الحال ، فنحن نعلم أنه قد كان من بين هؤلاء " من كان يدعو للشعوبية ويعلن شكه في الأديان ، فكان أن نبذوا الأديان ودعوا إلى الإلحاد " .
وكان من اليسير أن تحرق كتب الأوائل حال عُثر عليها عند المشتغلين بهذه العلوم ، حدث هذا مع ركن الدين محمد بن عبد السلام ، حفيد عبد القادر الجيلاني ، فقد اتُّهم بالزندقة ، ولم يفده أنه قال إنه إنما ينسخها ليرد عليها مفنّداً لما فيها ، وصدر الأمر بإشعال نار عظيمة أمام مسجد الخليفة ... " وصعد لسطحه العلماء والقضاة وجمهور غفير من الناس ، ثم أُلقيتْ الكتب من فوق سطح المسجد في النار ، ونهض أحدهم بتعريف الحاضرين بهذه الكتب كتاباً كتاباً فيقول ، وركن الدين حاضر بينهم ، : العنوا من كَتب هذه الكُتب ومن آمن بها . والعامّة ( !!!!!!!! ) يهتفون باللعنة التي تجاوزت عبد السلام إلى الشيخ عبد القادر نفسه . ونهض الشعراء بهجو الملحد والسخرية من أمثاله . وأُدين عبد السلام بالفسق ، وجُرد من طيلسان العلماء ، وزُجّ به في السجن ، وانتُزعتْ منه مدرسة عبد القادر " .
كانت إلهيات أرسطو محط السخط عند علماء أهل السنة ؛ فقد اعتبروا مقدماتِها ، ونتائجَها ، تتعارض مع مقتضيات الإسلام ، ثم انتقل السخط إلى الرياضيات ، وإنْ استثنوا علم الحساب ، لأن " الاشتغال به من مستلزمات علم الفرائض ، فوق إنه يعين الخبراء في أحوال التوريث " . أما الهندسة فقد كانت مثالاً للشك عند أهل السنة ، وكانت الأشكال الهندسية تثير قلقهم وتدين صاحبها بالزندقة . وتحدث أبو الحسين بن فارس في " الصاحبي في فقه اللغة وسند العرب في كلامها " عن خطر الهندسة على الدين مع قلة نفعها ، وانتهى إلى أن الخوض في الرياضيات " يؤدي إلى الانخلاع عن الدين " .
ولم يسلم علم الفلك من الحملة !!! رغم فائدته في تحديد مواعيد الصلاة والقبلة ، حتى وجدنا الفخر الرازي ، وهو المفسر والمتكلم الكبير ، يعلن شكه في علم الفلك .
وصدرت كتبٌ تهاجم المنطق ، حتى اعتُبر المنطق والطبيعيات كفراً وزندقة ، وصار على الألسنة " من تمنطق فقد تزندق " !!!!! .
وفي العام 366هـ أمر المنصور بن أبي عامر بإحراق الكتب المؤلَّفة في العلوم القديمة ، ولا سيما ما كان منها في المنطق والنجوم ، وأيده في الذي ذهب إليه رجال دين ، رغم وجود آخرين ، كابن حزم ، أيدوا المنطق ودراسته ... وهجا البعض هذا كله بشعرٍ :
قد ظهرتْ في عصرنا فرقةٌ ظهورُها شؤمٌ على العصرْ
لا تقتدي في الدين إلا بما سنَّ ابنُ سينا وأبو نصــــــر
وكان الغزالي ، أبو حامد ، الأكثر ، والأشد ، عداءً للفلسفة والفكر الفلسفي ، وكان قد عمد أن يخفي اسم المنطق من عناوين بعض ما ألّف كـ " معيار العلم " و " محك النظر "و " القسطاس المستقيم " . وقد نعلم أن الرجل قد عرض له بشيء من التلميح في " المستصفى " و " المقاصد " ، كما لا ننكر أنه أشاد ، في بعض المواضع وعلى استحياء ، به ، كما فعل نفس الشيء ابن حزم ، الذي بيّن أهمية المنطق حتى للمباحث الدينية ، إلا أن الغزالي سرعان ما أعلن تحذيره من المنطق إذ جعله سبباً في الوقوع في " الكفر " .
يُتْبع ...
آخر تعديل: