ابنة الأرض : الفصل I

تونسية ونحبكم برشا

:: عضو مُشارك ::
إنضم
27 أكتوبر 2014
المشاركات
244
نقاط التفاعل
384
النقاط
13
ابنة الأرض هو اسم قصتي التي أنا بصدد كتابتها
وهذا الفصل الأول منها
أردت أن آخذ رأيكم فيه لأعرف هل عليّ المواصلة في الكتابة
أم إلغائها من الأول ؟








********************
الشمس تختفي ليلا وتحجبها الغيوم شتاء لكنّها لا تنطفئ أبدا إلاّ حتّى مجيء ذلك اليوم الأبديّ
كذلك هي شعلة الحقّ في هذه الدنيا تختفي أحيانا بسبب القمع أو تحجبها سحب الظلم والقهر أحيانا أخرى
المشكل أنّ سحاب الظلم شبيه بالسّحاب الذي نعرفه : فهو يتكون تدريجيا بدون أن نعي ذلك أو لنقل أنّنا نراه يتكوّن بدون أن نوليه اهتماما إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تخلع فيه الأرض ثوبها الهادئ لترينا هيجانا أشبه بثورات البراكين أو هي أشد ، وسرعان ما تتحول هذه السحب إلى أمطار تكون دمارا شاملا لبعض المناطق ودمارا جزئيا لأخرى .
لكنّ الأمطار ما تلبث أن تختلط بالبحار والمحيطات وهذا نفسه ما يقوم به الظلم أو الاستعمار الذي يكون بمسمّى نشر السلام غالبا لكنّ وكما يقال "ما خفي كان أعظم" فهو يتغلغل في الشعوب حتى يصبح شيئا عاديا لا يكترثون له، بل يعتبرونه " قضاء وقدر" . هذا لا يعني كفري بالقضاء والقدر ، أنا أؤمن كلّ الإيمان بهما ، لكنّني أؤمن جيدا أنّ الله لم يجبرنا أن نعيش أذلّة صاغرين في أرضنا ننتظر رحمة حكّامنا وقاداتنا وقرارات الأمم المتحدة - هذا إذا كانت متّحدة حقّا- ، أنا أؤمن بأنّ اليوم الأبديّ قادم وبأنّه سيطهّر هذه الأرض من رجس يدنّسها وتختفي هذه الغربان تنسحب
وحتى ذلك اليوم الأبديّ سيكون البشر قد اختفوا أيضا من هذا الكوكب الأزرق
وسيختفي معه الظلم وهكذا ستكون الشمس قد أدّت مهمّتها بنجاح وأكملت وصيّة الله الواحد على هذه الأرض
لكن من يكون هذا الإله القادر الجبّار ؟
أهو إله المسيحيين ؟
أم اليهود ؟
أم المسلمين ؟
لا أعلم ، ربّما كان إله أحدهم
كلّ ما أعرفه أنّه "واحد"
وأنّه ليس إنسيّا مثلنا هو أعظم من كلّ شيء
هذا الإله أشرف من يكون دمويّا وسفّاحا مثل الإنسان
الإنسان ، مصطلح إنسانيّ خال من الإنسانية
هذا الإنسان هو الذي ابتدع الحروب وتفنّن فيها ثمّ حمّل مسؤوليّتها للآلهة ، عفوا أقصد للإله
الجميع يعلمون أنّ هناك إله واحد لكن لماذا هذا الإصرار على ابتداع إله جديدة ، فقط من أجل تقسيم البشرية التي تتخبّط في دمائها منذ الحرب العالمية الثانية ، الأولى ، منذ بداية عهد الاستعماريات ... منذ أن قام الإنسان بتقسيم نفسه
لماذا لا يستطيع المسيحيّ مثلا أن يجلس إلى جوار مسلم ، أو الفرنسيّ إلى جوار مغربيّ ، أو الإسرائيلي إلى جوار فلسطيني ؟ فقط لاحتساء الشاي !
ألا نستطيع أن نجلس على نفس الطاولة دون أن نتحدث عن السياسة أو المشاكل والحروب
ألا نستطيع أن نجلس في نفس المكان دون أن ننجرّ إلى دوامة العنصرية والتعصّب
ألا نستطيع!
***
كانت الشمس قد غابت ، لا لم تغب ، لقد رحلت إلى أرض أخرى لتدغدغ عيون أهاليها وتفيقهم من سباتهم اللّيلي ، علّهم يهتدون ..
أفاقت كلارا من تخيّلاتها على صوت نادل الباخرة يناديهم على العشاء
قررت أن تقوم بخطوة جريئة ، تقدمت وهي غير دارية بما تفعله ، تفحصت مليا في أوجه المسافرين ، فأحبت النغم الشجيّ الذي يعزفه اختلافهم ، أوربيون وعرب وأتراك وأمازيغ وأكراد ومغاربة ويونانيون وآخرون من أمريكا اللاتينية ، ترى المسلمين حاملين قرآنهم والمسيح يحملون إنجيلهم واليهود يحملون توراتهم ، لكن كما تؤدي كلّ الطرق إلى روما فإنّ كلّ الطرق تؤدي إلى الله أيضا
أحست كلارا بالامتنان لهذه الباخرة التي جعلت ركّابها "يتّحدون" اتّحادا مؤقتا ، وقت الأكل . تساءلت : أنحن شعوب تتّحد إلاّ عندما يتعلّق الأمر ببطونها ؟ ألهذا السبب شعوب الخليج العربيّ متّحدة ؟
لكن سرعان ما سخطت على هذا الاتّحاد المؤقت الذي ما هو إلاّ نفاق يتعلّل به أصحابه لملء الوحدة والفراغات ولتمضية الوقت . هي كانت تعلم جيدّا أنّ البعض سيصاحبون أناسا على هذه الباخرة لكن ما إن يعودوا إلى أوطانهم حتى ينقلبوا على أعقابهم ويمّحي كلّ ما قالوه . هذا الأمر نفسه يحدث مع من في الغربة : فعلى سبيل المثال نرى الجزائريّ والمغربيّ في وطنيهما في خصام دائم ، هذا الخصام الذي سبّبته الحكومات وتحمّلت تبعاته الشعوب ، لكن ما إن يجد الجزائري والمغربي نفسيهما في الغربة حتى يشتاقان إلى شيء يشمّان رائحة الوطن فيه فلا يجد الجزائريّ إلا أن يلجأ لأخيه المغربيّ والعكس صحيح ، لأنّه يعلم أنّه من نفس وطنه ، وطنه الذي قسمته السلطات الاستعمارية ونصبت بينه الحدود من قبل فرسّخت في ذهن الشعبين أنّها "بلدين" لكنّ كلمة " بلدين " تاريخيا لا تمت لهما بصلة.
***
حانت من كلارا التفاتة فرأت "زنجيا" يجلس في مكان منزو يراقب القمر وكان الوحيد الذي يجلس منفردا ، عرفت من ملامحه أنّه إفريقيّ ، هذه الملامح الإفريقية التي تكاد تكون الملامح الوحيدة التي تستطيع تمييزها من آلاف الملامح الأخرى المنتشرة في أنحاء المعمورة.
سلّمت وطلبت منه الجلوس فلم تبدو منه أيّة علامة استغراب . دامت مدّة سكوته أكثر من ربع ساعة فبادرت بالقول :
- لماذا تجلس منفردا ؟ ألا ترغب في الاندماج مع الآخرين ؟ أم هي حالة نفسية ؟
سكت قليلا سكوت العظماء من الناس ثمّ أجاب :
- أختي - وهي كلمة تستعمل بكثرة في إفريقيا للدلالة على أنّ الشخص منحك ثقته- إنّ الجلوس الانفرادي ليس اكتئابا كما يراه البعض بل هي لحظة راحة عن تطفلات البشر
- وددت فقط أن أعرف من أنت
- دعيني أعرّفك لنفسي قبل ذلك .. أنت إحدى الأوروبيات اللّواتي يحسبن أن بمقدورهن فعل ما يحلو لهنّ ، ولا تظني أنّي اقتنعت بجلوسك بجانبي، لربّما كانت مراهنة إن أنت فعلت ذلك تفوزين في مسابقة .. هل أنا على حقّ ؟ ... يا ابنة أوروبا ..
- أنا لست ابنة أوروبا .. أنا ابنة هذه الأرض ، أنا ابنة البحار والجبال والمحيطات والسهول والروابي والصحاري .. لقد تبرّأت مني من ظننتها أمّي " أوروبا" وأبت أن تؤويني فرحت أبحث لي عن أمّ لا ترميني بعيدا إذا انتهت حاجتي بها ..
- ومن تكونين يا ابنة الأرض ؟
- اسمي كلارا أنا باريسية ، نشأت في الأحياء الفقيرة لباريس وكبرت هناك ، كنت دائما ما أشاهد أبي وأمي يتخاصمان فقط لأن أمي مسيحية وأبي لاديني ، فكانت أمي تريد أن ترغمه على الدخول في دينها ، وبسبب هذا كرهت الأديان ، كبرت هكذا لا أؤمن بشيء ، وكبرت ناقمة على المجتمع، لا أملك إله أتعلق به كلما احتجت إلى ذلك ، كنت أمر أمام الكنائس والمساجد يوميا فأحسّ أني بلا قيمة ، كنت أغير من صديقاتي المسلمات القادمات من شمال إفريقيا ومن الشرق الأوسط عندما كنّ يناقشن في موضوع يخصّ دينهنّ ، أردت الهروب من واقعي فاتخذت الملاهي والمراقص ملجأ لي ثمّ تطور الأمر إلى أن وصل بي الحدّ إلى بيوت الدعارة ، كنت أستهلك المخدرات بأنواعها إلى أن تسببت لي آخر مرة بجرعة زائدة مكثت على إثرها 10 أيام في المستشفى وعلى إثرها تبيّن أني مريضة بالسرطان .. وأنني أملك 3 سنوات فقط للعيش ، فقررت أن أنطلق في رحلة أكتشف فيها ذاتي ، في رحلة أتصالح بها مع العالم وأغيّرٍ نظرتي إليه ، في رحلة أبعث فيها برسالة سلام بين الناس ، فرأيت أن أفضل مكان هو المتوسط ، هذا البحر الذي نشأت على أطرافه أغلب الحضارات وظهرت فيه كلّ الأديان السماوية.
- وما هو مشروعك إذن ؟
- سأزور مدينة من كلّ بلد متوسطي وسأستقرّ في آخر مدينة لي لأكمل فيها أيامي الباقية . أردت أن أترك رسالة لأحفادي ، رسالة بعثتها ثورات قامت على هذه الأرض لكن قليل من فهم مغزاها ، أنا فهمتها متأخر لذلك أريد أن أسلم هذا المشعل لشخص آخر يحمله عني
- فلتعتبري رسالتك مضمونة الوصول...[FONT=&quot][/FONT]​

 
السلام عليكم
خالية من الاخطاء الاملائية و النحوية
مدخل جميل جدا باسلوب راقي
في المتابعة ان شاء الله
شكرا لك
بالتوفيق لك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top