(عن عالم الجن وحقيقته)

رضا الرحمان غايتي

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
13 سبتمبر 2013
المشاركات
2,795
نقاط التفاعل
4,854
النقاط
111
محل الإقامة
الوادي
(عن عالم الجن وحقيقته)
بسم الله الرحمن الرحيم, والصلاة والسلام على النبي الكريم سيدنا محمد وآله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
الجن عالم آخر غير عالم الإنس وعالم الملائكة، وبين الجن والإنس قدر مشترك من حيث الاتصاف بصفة العقل والإرادة، ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر، ومن حيث التكليف بالعبادة لله وحده، لقوله تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ].
وهم يخالفون الإنس في أصل الخلقة.
وحقيقتهم أنهم من الأرواح العاقلة المريدة المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقة، ولهم قدرة على التشكل، يأكلون ويشربون ويتناكحون، ولهم ذرية محاسبون عن أعمالهم في الآخرة.
ولا يمكن رؤيتهم على صورتهم الحقيقة التي خلقوا عليها، قال تعالى: [يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ]. (سورة الأعراف: الآية 27).
(الجن أقل قدرا وأدنى كرامة من الإنسان)
يقول الشيخ أبو بكر الجزائري: (إن الجن حتى الصالحين منهم لأقل وأدنى كرامة من الإنسان وأثبتها في قوله من سورة الإسراء: [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً]. ولم يثبت مثل هذا التكريم للجان لا في كتاب من كتب الله، ولا على لسان رسول من رسله عليهم الصلاة والسلام، فتبين ذلك أن الإنسان أشرف قدراً من الجان، ويدل على ذلك أيضاً شعور الجن أنفسهم بنقصانهم وضعفهم أما الإنس، يدل على ذلك أنهم كانوا إذا استعاذ الإنس بهم تعاظموا وترافعوا لما في استعاذة الإنسان بهم من تعظيمهم وإكبارهم، وهم ليسوا كذلك فيزيدون رهقاً أي طغياناً وكفراً، وقال تعالى في الحديث عنهم في سورة الجن: [وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً]. ويشهد لذلك أيضاً إذا توسل بهم الإنسان أو بأسماء عظمائهم، أو أقسم بأشرافهم أجابوه وقضوا حاجته، كل ذلك شعور منهم بالضعف والحقارة أمام ابن آدم الكريم على الله إذا آمن بالله تعالى وعبده موحداً له في ربوبيته وعبادته وأسمائه وصفاته، أما الإنسان بدون ذلك فالجان وصالحوا الجان أفضل وأكرم من كفار بني آدم ومشركيهم([12]).بل إن الكافرين والمشركين أقل قدراً من البهائم، قال تعالى: [إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً]. (سورة الفرقان: الآية44).
(سبب تسميتهم بالجن)
سموا جنا لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون، فهم يرون الإنس ولا تراهم الإنس، يقول تعالى: [إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ].(سورة الأعراف: الآية27).
والمقصود أن الإنس لا ترى الجن على صورتهم الحقيقة التي خلقوا عليها ولكن قد تراهم بصور أخرى كبعض الحيوانات مثلاً.
متى خلق الجن؟
الجن خلقوا قبل الإنس بنص الكتاب المنزل، يقول تعالى: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ]. (سورة الحجر: الآيتان 26_ 27).
(أصل خلق الجن)
خلق الله الجن من نار، وقد نزل بذلك الوحي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا يزال يتلى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
يقول تعالى: [وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ] (سورة الحجر: الآية 27). ويقول تعالى: [وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ]. (سورة الرحمن: الآية15).
ويقول عليه الصلاة والسلام: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)([13]).
(أصناف الجن)
ثبت في الحديث عنه، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (الجن ثلاثة أصناف: فصنف يطير في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصنف يحلون ويظعنون).
فإذا أريد بذكر الجن خاصة قيل جني، فإن أريد ممن يسكن مع الناس قيل عامر، فإن كان ممن يعرضن للصبيان: قيل أرواح، فإن خبث وتعزم قيل: شيطان، فإذا زاد على ذلك قيل: مارد، فإن قوي على نقل الصخور وتفرعن قيل: عفريت.
قال ابن تيمية: (والجن يتصورون في صور الإنس والبهائم، فيتصورن في صور الحيات والعقارب وغيرها، وفي صور الإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير وفي صور الطير وفي صور بني آدم).
ويقول: (والجن تتصور بصورته كثيراً ـ يعني الكلب الأسود ـ وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة حرارة).
(هل الجن مكلفون باتباع الشرع المطهر)
الدين عند الله الإسلام، ورسالة محمد، صلى الله عليه وسلم، هي الرسالة الخالدة، وهي خاتمة الرسالات، وهي رسالة عامة للإنس والجن، فهم مكلفون كالإنس، منهم المؤمنون ومنهم الفاسقون، يقول تعالى: [وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً].(سورة الجن، الآية11).
وقال تعالى: [هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ] (سورة الرحمن: الآية43، 44).
وقد بلغ النبي، صلى الله عليه وسلم الجن وأنذرهم، وقص الله ذلك في محكم كتابه، قال تعالى: [وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ]. (سورة الأحقاف: الآية29).
بل الغاية من خلق الإنس والجن هي عبادة الله وحده، يقول تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ]. (سورة الذاريات: الآية56).
وبهذا يعلم أن مؤمنهم يدخل الجنة كمؤمن الإنس، وكافرهم يدخل النار ككافر الإنس، وقد دل على ذلك ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الرحمن في قوله تعالى: [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ]. (سورة الرحمن: الآية46). وقد ثبت هذا في واقع من قرأنا عليهم، حيث كان البعض من الجن كافراً فأسلم، وكان بعضهم مسلماً فاسقاً فنصحناه فامتثل.
(إثبات وجود الجن)
ذكرنا فيما مضى أن من أسس العقيدة ومرتكزاتها الأصلية الإيمان بالغيب الثابت في الكتاب والسنة الصحيحة، ومن جملة هذه المغيبات عالم الجن
الثابت ذكرهم في النصوص الشرعية، وإليك الأدلة الدالة على ذلك:
أولاً: من القرآن:
1) قال تعالى: [يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ]. (سورة الأنعام: الآية130).
2) وقال تعالى: [وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ] (سورة السجدة، الآية35).
3) وقال تعالى: [وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ] (سورة الحجر، الآية27).
4) وقال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] (سورة الذاريات، الآية56).
5) وقال تعالى: [يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ] (سورة الرحمن، الآية33).
6) وقال تعالى: [قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً] (سورة الجن، الآية1).
فهذه الآيات وغيرها جاءت بذكر الجن وبعض أحوالهم ولا يتكلم القرآن عن شيء ليس له وجود وإن كنا لا ندركه فلله الحكمة البالغة.
ثانياً من السنة:
1) في صحيح مسلم عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: (كنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا به جاء من قبل حراء، فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات فيها قوم، فقال، صلى الله عليه وسلم: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن، قال ابن مسعود: فانطلق بنا، صلى الله عليه وسلم، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أو فر ما يكون لحماً، وكل بعرة علف لدوابكم، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم).
2) وروى مسلم وأحمد ـ رحمهما الله تعالى ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم كما وصف لكم).
ثالثاً: من العقل:
إن العقل لا يمنع من وجود عوالم غائبة عن حسناء، لأنه ثبت وجود أشياء كثيرة في هذا الكون لا يراها الإنسان ولكنه يحس بوجودها وعدم رؤية الإنسان لشيء من الأشياء لا يستلزم عدم وجوده.
قال محمد رشيد رضا: (ولو كان الاستدلال بعدم رؤية الشيء على عدم وجوده صحيحاً وأصلاً ينبغي للعقلاء الاعتماد عليه لما بحث عاقل في الدنيا عما في الوجود من المواد والقوى المجهولة، ولما كشفت هذه الميكروبات التي ارتقت بها علوم الطب والجراحة إلى الدرجة التي وصلت إليها).
(إن نهاية العقل البشري هي العجز عن إدراك أسرار الكون، وإن من أكبر الجهل أن ننكر ما في الكون من آيات الله وعجائب الخلق بدعوى أنها أشياء فوق العقل والتصور. إن كل ما يتعلق بالعوالم غير المنظورة كالجن والملائكة والأرواح يجب أن تخضع عقولنا حيالها إلى ما جاء به الوحي، لأننا بالعقل وحده نضل في فهم الروحانيات والغيبيات).
لقد أخطأت الحضارة الغربية وغيرها من الحضارات المادية عندما آمنت بالعقل وجحدت ما سواه.
وكم من أناس من المسلمين انحرفوا بعقائدهم عندما حاولوا ليّ أعناق النصوص إلى العقل بزعمهم فوقعوا في مزالق خطيرة كادت تبعدهم من دائرة الإسلام.
(اوقات انتشار الجن)
أخرج مسلم والبخاري عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله لو أن تعرضوا عليها شيئاً وأطفئوا مصابيحكم).
وأخرج مسلم في رواية أخرى عن جابر مرفوعاً: (لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء).
هذه غالب مساكن الجن وأوقات انتشارهم، فينبغي للمسلم إذا دخلها أو مرِّ بها أو جاءت أو قات انتشارهم أن يتحصن بما ورد في الأدعية والأذكار.
ونسأل الله لنا ولكم علماً نافعاً ونوراً ساطعاً وشفاءاً من كل داء.
 
رد: (عن عالم الجن وحقيقته)

ﺟـَﺰﺁﻙ ﺁﻟﻠﻬـُ ﺧـَﻴـﺮ ﺁﻟــﺠـﺰﺁﺀْ ..
ﻭَﺑـﺂﺭﻛـ ﺁﻟﻠﻬـُ ﻟﻜـ ﻋـَ ﺁﻟﻄـَﺮْﺣـ ﺁﻟﻘـَﻴـِﻤـْ ،،
ﻭَﺟـَﻌـَﻠﻬـــُ ﻓـﻴـ ﻣـُﻮﺁﺯﻳـﻨـ ﺣـَﺴـﻨـﺂﺗـُﻜـــْ ..
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top