أي عمل أرفع وأي وسيلة أشفع وأي عمل أنفع من الصلاة على من صلى الله عليه وجميع ملائكته، وخصه بالقربة العظيمة منه في دنياه وآخرته، فالصلاة عليه أعظم نور وهي التجارة التي لا تبور، وهي كانت هجيري الصالحين في المساء والبكور، فكن مثابراً على الصلاة على نبيك، فبذلك تطهر نفسك، ويزكو منك العمل، وتبلغ غاية الأمل، ويضيء نور قلبك - وتنال مرضاة ربك وتأمن من الأهوال يوم المخاوف والأوجالﷺتسليما كما كرمه الله برسالته تكريما، وعلمه ما لم يكن يعلم، وكان فضل الله عليه عظيما. عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبيﷺ: قال " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام "، رواه أحمد والنسائي والدرامي وأبو نعيم والبيهقي وابن حبان والحاكم في صحيحهما وقالا: صحيح الإسناد. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ قال : " ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله تعالى إليَّ روحي، حتى أرد عليه السلام "، رواه أحمد وأبو داود والطبراني والبيهقي بإسناد حسن بل صححه النووي في الأذكار.
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : " احضروا المنبر "، فحضرنا، فلما ارتقى درجته قال : " آمين "، ثمارتقى الثانية، فقال " آمين "، ثم ارتقى الثالثة، فقال : " آمين "، فلما نزل قلنا يا رسول الله قد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه،فقال: "إن جبريل عرض لي، فقال بغض من أدرك رمضان فلم يغفر له، قلت: آمين، فلما رقيت الثانية قال: بغض من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت " آمين "، فلما رقيت الثالثة قال: بغض من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت " آمين". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهﷺ : " من نسي الصلاة عليَّ نُسِيَ - وفي رواية خطىء - طريق الجنة "، رواه البيهقي في الشعب والسنن الكبرى والتيمي في الترغيب وإسناده حسن وإنما أراد بالنسيان الترك. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيﷺقال : " ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيه ﷺ إلا كان عليهم من الله ترة ( الترة: الباطل وهو الصَّغار والبعد عن الجادة يوم القيامة)، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم "، رواه أحمد والطيالسي والطبراني في الدعاء وأبو الشيخ وإسماعيل القاضي وأبو داود والترمذي واللفظ له. وقالﷺ : " بحَسْب المَرءِ من البُخل أن أُذكرَ عنده ولا يُصلِّي عَليَّ "، أخرجه النسائي وابن حبان والترمذي وقال حسن صحيح. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهﷺ : "رَغِمَ: أي لصق بالرغام وهو التراب، وهو كناية عن الذل والحقارة)أنف رجُل ذُكرتُ عنده، فلم يُصلِّ علي "، رواه الترمذي وقال حديث حسن.
قال ﷺ : " إذا أراد أحدكم أن يسأل الله شيئاً، فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله، ثم يصلي على النبي ﷺ، ثم ليسأل، فإنه أجدر أن ينجح ". ( أخرجه عبد الرازق والطبراني وابن أبي الدنيا بسند صحيح). وعن فضاله بن عبيد رضي الله عنه أن النبيﷺسمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله، ولم يُصل على النبي ﷺ فقال رسول اللهﷺ : " عجل هذا، ثم دعاهفقال له أو لغيره : " إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه والثناء عليه، ويصلي على النبي ﷺ، ثم يدعو بعد بما شاء ". ( أخرجه أبو داود والترمذي وصححه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: هو على شرط مسلم وفي موضع آخر على شرطهما وأخرجه النسائي بنحوه ). وقال النووي :أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم بالصلاة على رسول الله ﷺ، وكذلك يختم الدعاء بهما
ومما يستفاد هنا شيئان: أحدهماأن الصلاة على النبي ﷺ تجب بالنذر؛ لأنها من أعظم القربات وأفضل العبادات وأجل الطاعات لقوله ﷺ: "من نذر أن يطيع الله فليطعه". الثاني:لو خاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عصره مصلياً لزمه الإجابة في الحال.
الصلاة على النبي ﷺ عند نشر العلم والوعظ وقراءة الحديث ابتداء وانتهاء متأكد لمن وصف بوصف التبليغ عن رسول الله ﷺ، فيفتح كلامه بحمد الله والثناء عليه وتمجيده والاعتراف له بالوحدانية وتعريف حقوقه على العباد، ثم بالصلاة على رسول الله ﷺ وتمجيده والثناء عليه، وأن يختم ذلك أيضاً بالصلاة عليه ﷺ تسليماً . قال ابن الصلاح ينبغي أن يحافظ على الصلاة والتسليم عند ذكره ﷺ، وأن لا يسأم من تكرير ذلك عند تكريره، وكتبته، ومن أغفل ذلك حرم حظاً عظيماً، وما نكتبه من ذلك فهو دعاء نثبته لا كلام نرويه، فلا تتقيد بالرواية، ولا تقتصر فيه على ما في الأصل، وهكذا في الأمر في الثناء على الله عند ذكر اسمه عز وجل. وقال النووي في الأذكار : يستحب لقارىء الحديث وغيره ممن في معناه إذا ذكر رسول الله ﷺ أن يرفع صوته بالصلاة عليه والتسليم ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة .
قال النووي رحمه الله في الروضة من زوائده : يستحب عند إرادة الإفتاء أن يستعيذ من الشيطان، ويسمي الله تعالى ويحمده، ويصلي على النبي ﷺ،ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله،ويقول : {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي}[ طه: 25-28]. ثم قال: إذا كان السائل قد أغفل الدعاء أو الحمد والصلاة على رسول الله ﷺ في آخر الفتوى ألحق المفتي ذلك بخطه، فإن العادة جارية به.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : يضحك الله إلى رجلين : رجل لقي العدو وهو على فرس من أمثل خيل أصحابه، فانهزموا، وثبت، فإن قتل استشهد وإن بقي فذاك الذي يضحك الله إليه،ورجل قام في جوف الليل لا يعلم به أحد، فتوضأ وأسبغ الوضوء ثم حمد الله ومجده وصلى على النبي ﷺ واستفتح القرآن فذاك الذي يضحك الله إليه يقول : انظروا إلى عبدي قائماً لا يراه أحد غيري.( أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة وعبد الرزاق بسند صحيح ) .
ما يراهالإنسان في أثناء نومه إن كان شيئاً يسرَّه فتلك رؤيا صالحة وهي من الله تعالى. قال ﷺ : " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " رواه البخاري . وقال أيضاًﷺ : " إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها وليحدِّث بها"رواه الشيخان وفي رواية : "فلا يحدث بها إلا من يحب" وإن كانت هذه الرؤيا لا تسره فذلك حلم من الشيطان فلينفث عن يسراه ثلاث مرات وليتعوَّذ من شرها فإنها لا تضره ولا يلقي لها بالاً ولا يخبر بها أحداً فهي وسوسة من الشيطان . وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : سألت النبي ﷺ عن هذه الآية : {لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}[يونس: 64] قال: ما سألني عنها أحد قبلك هي الرؤيا الحسنة يراها المرء أو تُرى له " رواه الترمذي وأحمد وحسَّنه الترمذي ورواه الطبراني بإسناد قوي. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولﷺقال: "من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي " رواه الشيخان. وروى الشيخانعن أبي هريرة أيضاً عن النبيﷺقال: " من رآني فسيراني في اليقظة " . هكذا يتبين لنا أن من يرى سيدنا محمد ﷺ في منامه فهذه رؤيا صالحة وبشارة من الله تعالى إما بحُسن الخاتمة والوفاة على الإيمان أو أن الرؤيا قد تكون موعظة لصاحبها وتذكِرة له .وقال العلامة المناويرحمه الله تعالى : يراه رؤية خاصة في الآخرة بصفة القرب والشفاعة.
ينبغي أوَّلاً ملاحظة رسول الله ﷺ بأوصافه الشريفة و أخلاقه المنيفة ليسهل تطبيقه بعد الرؤية في المنام عليها. و حقيقة الرؤيا اعتقادات يخلقها الله في قلب النائم كما يخلقها في قلب اليقظان يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم و لا يقظة . و قوله من رآني في المنام فقد رآني، أي من رآني في حال النوم فقد رآني حقّاً أو فكأنما رآني في اليقظة فهو على التشبيه و التمثيل و ليس المراد رؤية جسمه الشريف و شخصه المنيف بل مثاله على التحقيق. وقوله فإنّ الشيطان لا يتمثَّل بي أي لا يستطيع ذلك لأنه سبحانه و تعالى جعله محفوظاً من الشيطان في الخارج فكذلك في المنام سواء رآه على صفته المعروفة أو غيرها قالالعلامة القرطبي رحمه الله تعالى رؤيا النبي ﷺ في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثاً، بل هي حق في نفسها، ولو رُؤي على غير صورته ﷺ، فَتصَوُّر تلك الصورة ليس من الشيطان، بل هي من قِبَل الله تعالى . ولقد اتفق العلماء أنه من رأى الرسول ﷺ في المنام على الهيئة التي وُصِفَت لنا في كتب الشمائل بسند صحيح فقد رآه قطعاً وأما من رآه على غير الصورة المذكورة في السُنَّة الصحيحة كأن رآه حليقاً أسود اللون هنا وقع الخلاف بين العلماء . فريق منهم قال إنه يكون قد رأى النبي ﷺ في الجملة وإن كان المرئي ليس هو النبي ﷺ بعينه (أي ذاته) ولكن تُؤوَّل هذه الرؤية بحسب اختلاف حال الرائي لأنه صلى الله عليه و سلم كالمرآة الصقيلة ينطبع فيها ما يقابلها وفي ذلك يقول النووي رحمه الله تعالى : والصحيح أنه يراه - ﷺالرائي في المنام - حقيقة، سواء كانت على صورته المعروفة أو غيرها . و يُذكر أنّ رؤية الرسول صلى الله عليه و سلم في صورة حسنة تدل على حُسن دين الرائي بخلاف رؤيته في صورة شين أو نقص في بعض البدن فإنها تدل على خلل في دين الرائي فبها يعرف حال الرائي فلذلك لا يختص برؤيته صلى الله عليه و سلم الصالحون بل تكون لهم ولغيرهم . وقال فريق آخر من المحدثين والعلماء إنه من رآه عليه الصلاة والسلام على غير الصورة أو الأوصاف التي نُقِلَت إلينا فلا يُعتبر أنه رآه، واستدلوا على ذلك بأن بعض التابعين كان إذا رأى النبي ﷺ في المنام أخبر الصحابة فيقولون له صفه لنا فإذا كان رآه على وصفه بشَّروه بأنه رآه وإلا فلا . سؤال :ما حكم من رأى النبي ﷺ في المنام فأمره بطاعة ما وماذا لو أمره بمعصية ؟ الجواب :إذا أمره النبي ﷺ في المنام بما يوافق الشرع كأن أمره بصوم يوم كذا مثلاً ونحو ذلك مما يوافق الشرع، يندب للرائي العمل به هو نفسه بشكل خاص ولا يأمر به الناس ولا يندب لغيره أن يأخذ به. فلقد سُئلَ شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أن رجلاً رأى رسول الله ﷺ في المنام يأمره أن يأمر المسلمين أن يصوموا يوم كذا،فقال : لا يجب علينا صومه ولا نأمر به المسلمين بل يندب صومه للرائي فقط . أما لو أُمِرَ بمعصية ففي ذلك شبهة أوضحها الإمام النووي فقال : أما الرؤية فجاء بها النص فلا يمكن للشيطان أن يتمثل به ﷺ . أما ما وراء الرؤية كالكلام وغيره فلم يأتِ فيه نص يمنع أن يكون الشيطان ألقى في سمع النائم وتلاعب به . وذلك يكون بأن يرى النائم رسول الله ﷺ في المنام فيأتي الشيطان فيأمر النائم بأمور ويسمعها النائم فيظن أنها من النبي ﷺ، وهذا ممكن، ورسول الله ﷺ يقول فيالحديث الصحيح : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في عروقه " . ومن المعلوم أن الشيطان يحاول أن يلقي في روع الأنبياء فيبطل الله سبحانه وتعالى ما يلقيه فكيف لا يمكن له أن يلقي في روع أحدنا وهو نائم ؟ !!! ومن المعلوم أن الشيطان قد يتلاعب بالإنسان في نومه وقد يستعين بعض الفجار بالجن حتى يتلاعب بإنسان و الاحتلام هو باب من تلاعب الشيطان بالإنسان . ثم قال النووي : وإخبار النبي ﷺ في المنام من قبيل الرواية والإخبار، والرواية والإخبار لا يُقبل فيه إلا الضابط، والنائم لا يعتبر ضابطاً، وذلك لأنه قد ينسى ويلقى الشيطان في روعه أشياء أخرى، ومن المعلوم أن أطول منام لا يتجاوز اللحظات القليلة وإنه أحسَّ به الإنسان أن طويل جداً "، بسط هذا الكلام الإمام النووي في تهذيب الأسماء والصفات. 
و رسول الله صلى الله عليه و سلممحمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، و ينتهي نسبه الشريف إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .
ولد عام الفيل صبيحة يوم الاثنين سنة 571 ميلادية في مكة المكرمة و بقي فيها قرابة الثلاث وخمسين سنة ومن ثم هاجر إلى المدينة وتوفي فيها عن ثلاث وستين سنة .
قال رسول الله ﷺ: " أنا محمد، وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو اللهُ به الكفر، وأنا الحاشِرُ الذي يُحشر الناس على قدمي، وأنا العاقِب الذي ليس بعده نبي "، وقد سماه الله رؤوفاً رحيماًمتفق عليه. كان رسول الله ﷺ يُسمي لنا نفسه أسماء فقال :" أنا محمد، وأنا أحمد،وأنا المقفِّي، ونبي التوبة، ونبي الرحمة )، ( المقفِّي: آخر الآنبياء)"، رواه مسلم . قال القاضي عياض : قد حمى الله هذين الاسمين ( يعني محمد وأحمد ) أن يتسمى بهما أحد قبل زمانه، أحمد الذي ذكر في الكتب وبشر به عيسى عليه السلام، فمنع الله بحكمته أن يتسمى به أحد غيره، ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل اللبس ولا الشك فيه على ضعيف القلب، وأما محمد فلم يتسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلا حين شاع قبيل مولده أن نبياً يبعث اسمه محمد، فسمى قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالته . ومن تكريم الله تعالى له ولاسمه الشريف أنه صرف كفار قريش عن شَتم اسمه، فكانوا يدعونه مذمَّماَ وفي ذلكيقولعليه الصلاة والسلام : " ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش، ولعنهم ؟ يشتمون مذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماَ وأنا محمد ".
آمنة بنت وهب: " أمه ولادة "، كانت خير امرأة في قريش نسباً وموضعاً من أسرة تعتبر من أشرف القبائل العربية وأشرفها سلالة . - حليمة السعدية : " أمه رضاعة "، كانت فاضلة طيبة وحاضنة مرضعة، كسبت شرف أمومة رسول الله ﷺ برضاعته . - بَرَكة ثعلبة (أم أيمن) : "أمه حضانة"، كانت من موالي عبد الله بن عبد المطلب، احتضنت النبي ﷺ عندها حتى شب وقد أحسنت حضانته وأخلصت إليه . وقد أعتقها رسول الله ﷺ بعد زواجه من السيدة خديجة وتزوجت وولدت أيمن رضي الله عنه الذي كان له شأن كبير في الإسلام، فقد هاجر و جاهد مع رسول الله ﷺ واستشهد يوم حنين . وأم أيمن كانت قد أعلنت إسلامها من بداية الدعوة وكانت من أوائل النسوة اللاتي هاجرن إلى الحبشة وإلى المدينة وبايعن الرسول ﷺ . ولقد كانت خلال هجرتها إلى المدينة المنورة، صائمة مهاجرة ماشية، ولم يكن معها شيء من الزاد أو الشراب ولما حانت ساعة الإفطار منحها الله تعالى كرامة عظيمة إذ دُّلي عليها من السماء دلو فيه ماء، فأخذته وشربت منه حتى رويت فما عطشت بعدها أبداً . أسلمت روحها الطاهرة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ودُفنت في البقيع . 
في الأربعين من عمره الشريف، نزل عليه أمين الوحي جبريل عليه السلام و هو في غار حراء حيث بلّغه رسالة ربه عز و جل و كان ذلك في رمضان سنة 13 قبل الهجرة الموافق تموز سنة 610 م . فاطمة بنت أسد الهاشمية : " أمه تكريماً "، وهي زوجة عم الرسول ﷺ أبي طالب، وأم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه . وطالب وعقيل وجعفر وأم هانىء وجمانه وريطة بن أبي طالب أولاد عم الرسول عليه الصلاة والسلام . أولت النبي ﷺ رعاية خاصة وبذلت أقصى جهدها حتى لا تجعله يشعر بالغربة أو اليتم، حتى أنها كانت تفضله في بعض الأوقات على أبنائها وبهذا أصبحت فاطمة بنت أسد رضي الله عنها من أقرب المقربات للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ولقد حفظت عن رسول الله ﷺ الكثير من الأحاديث
ست توفاهنَّ الله قبله وهنَّ: 1- خديجة بنت خويلد رضي الله عنها:وهي أول نسائه تزوجها قبل النبوة وعمره خمس وعشرون سنة وهي أم أولاده ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية. لم يتزوج عليها حتى ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وهي أول من آمن من النساء بالله وبرسوله وراحت تدعو إلى الإسلام بجانب زوجها عليه الصلاة والسلام بالقول والعمل ضاربة أروع النماذج وأصدقها في الدعوة إلى الجهاد في سبيله، فكانت بحق الزوجة الحكيمة التي تقدر الأمور حق قدرها وتبذل من العطاء ما فيه إرضاء لله ولرسوله ﷺ، وبذلك استحقت أن يبلغها جبريل من ربها السلام ويبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب ( رواه البخاري) .كانت وفاتها رضي الله عنها، قبل الهجرة بثلاث سنين على الصحيح و دفنها النبي ﷺ بالحجون في مكة. 2- زينب بنت خزيمة الهلالية: لم تلبث عند رسول الله ﷺ إلا يسيراً - شهرين أو ثلاثة - حتى توفيت في حياته. 3-سبا بنت الصَّلت أو سناء بنت الصَّلت:ماتت قبل أن يدخل بها. 4- أساف أو شِراف أخت دحية الكلبي:ماتت قبل أن تصل إليه. 5- خولة بنت الهُذيل:ماتت قبل أن يدخل بها وقد وهبت نفسها له. 6- خولة بنت حكيم السلمية:ماتت قبل أن يدخل بها، وقد وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام وكانت تخدمه وكانت صالحة فاضلة. *نساؤه اللاتي مات عنهن: 1- عائشة بنت الصِدَّيق :تزوجها بعد موت خديجة بسنتين أو ثلاث بمكة وهي بنت ست أو سبع سنين كما ورد في الصحيح. زفَّت إليه وهي بنت تسع سنين ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة و كان وفاتها سنة 57 من الهجرة. ولم يتزوج بكراً غيرها وكانت أَحَبُّ نسائه إليه. ولعائشة بنت الصدّيق الأكبر، حبيبة حبيب رب العالمين من الفضائل مالا يخفى على أحد. 2- سودة بنت زُمعة:تزوجها بعد عائشة وهي أرملة، توفيت في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه. 3- حفصة بنت عمر بن الخطابرضي الله عنهما: تزوجها بالمدينة بعد سودة وكانت من المهاجرات ولدت قبل البعثة بخمسة سنين وماتت يوم بايع الحسن معاوية وكان النبي ﷺ قد طلقها فقال له جبريل عليه السلام: "راجع حفصة فإنها صوَّامة قوَّامة وإنها زوجتك في الجنة "، فراجعها. 4- أم حبيبة بنت أبي سفيانواسمها رملة: هاجرت مع زوجها الأول إلى أرض الحبشة ولكن زوجها افتتن وتنصَّر ومات نصرانياً ولكن الله ثبَّتها على الإسلام. تزوجها النبي ﷺ سنة سبع من الهجرة، ويذكر أن النبي ﷺ أوصى بحضانة ابنه إبراهيم لها . توفيت سنة أربعة وأربعين في خلافة أخيها معاوية بن أبي سفيان. 5- أم سَلَمَة: هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة المخزوميَّة: تزوجها النبي ﷺ في السنة الثانية من الهجرة بعد موقعة بدر. كانت رشيدة الرَّأي فهي التي أشارت على النبي ﷺ يوم الحديبية أن يخرج إلى هَديِهِ لينحره ثم يدعو الحلاّق ليحلُق رأسه فما كان من المسلمين لمَّا رأوه إلاّ أن فعلوا مثلما فعل، بعد أن كان أمَرهم بحلق رؤوسهم ونحر هديِهِم والتَّحلُّلِ من إحرامهم، غير أنهم لم يمتثلوا لأمره في بادىء الأمر لأنهم شعروا بضيق شديد من المعاهدة التي عقدها النبي ﷺ مع كفار قريش والتي عُرفت (بصلح الحُدَيبية) فهم كانوا يُمَنّون أنفسهم بدخول مكة للعمرة بينما نصَّت المعاهدة فيما نصّت ألا يعتمروا في ذاك العام وأن يرجعوا في العام المقبل ليدخلوا مكة بعد أن تخرج قريش منها ويمكثوا فيها ثلاثة أيام فقط ليس معهم من السلاح إلا السيوف في قرابتها. توفيت أم سلمة في أول خلافة يزيد بن معاوية. 6- ميمونة بنت الحارث:بدأ به ﷺ المرض في بيتها، وقد قيل إنها من اللائي وهبن أنفسهن للنبي ﷺ و كانت آخر نسائه موتاً. 7-صفية بنت حُيَيّ بن أخطب:من سبي بني النَّضير، اصطفاها عليه الصلاة والسلام وأعتقها ثم تزوجها وكانت عاقلة حليمة فاضلة توفيت في رمضان سنة خمسين هجرية في زمن معاوية رضي الله عنه. 8- جويرية بنت الحارث من بني المصطلق:كان اسمها برَّة فسمّاها النبي ﷺ جويرية، كانت أبرك امرأة على قومها لأنها عندما تزوجت النبي ﷺ تسامع الناس بذلك فأطلق المسلمون ما في أيديهم من السَّبي وأعتقوهم قائلين : هم أصهار رسول الله ﷺ، فعتق بسببها مائة من بني المصطلق مما دفع العديد منهم للدخول في الإسلام . 9-زينب بنت جحش :كانت ممن أسلم قديماً وهاجرت مع رسول الله ﷺ إلى المدينة، خطبها النبي لزيد بن حارثة فلم ترض به فنزلت الآية من سورة الأحزاب :{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، فرضيت عندها وتزوجت منه. ولكن زيد طلقها ثم تزوجها النبي وكان ذلك لحكمة وهي إزالة آثار التبني، توفيت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب .
وكلهم من خديجةرضي الله تعالى عنها إلا إبراهيم من مارية القبطية . أما بناته عليه الصلاة والسلام فأربع : زينب ورُقِيَّة وأم كلثوم وفاطمةرضي الله تعالى عنهن . وأما أبناؤه عليهالصلاة والسلام فثلاثة : القاسم وعبد الله وإبراهيم، رضي الله تعالى عنهم 1- القاسم:هو أول ولد له عليه الصلاة والسلام قبل النبوة في مكة المكرمة وبه يُكَنَّى وعاش حتى مشى. 2-زينب:هي أكبر بناته وُلِدت سنة ثلاثين من مولدهعليه الصلاة والسلاموأدركت الإسلام . 3-رقـيـة: ولدت سنة ثلاث وثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوفيت والنبي ﷺ ببدر فزوجه أم كلثوم وسمي بذي النورين. 4- فاطمة الزهراء:وُلِدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي ﷺ وسُمِّيت فاطمة لأن الله تعالى قد فطمها وذريتها عن النار. وتزوجت بعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، في السنة الثانية للهجرة ولها من العمر خمس عشرة سنة وخمسة أشهر. وهي أفضل بناته وأحبهنَّ إليه وكانيقولكما في صحيح البخاري:" فاطمة بِضعة مني فمن أغضبها أغضبني"، وقال لهاكما في صحيح مسلم: "أو ما ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين".توفيت بعده عليه الصلاة والسلام بستة أشهر أي وهي في الثالثة والعشرين من عمرها ولم يكن لرسول الله ﷺ عَقِبٌ (أي أحفاد) إلا من ابنته فاطمة. 5- عبد الله: قيل إنه مات صغيراً بمكة واختُلِفَ هل مات قبل النبوة أو بعدها. 6- إبراهيم:من ماريا القبطية، وُلِدَ في ذي الحِجة سنة ثمانٍ من الهجرة وتُوُفيَ صغيراً. 7- أم كلثوم:هي أصغر من فاطمة وليس لها اسم غير هذه الكنية، فاسمها كُنيَتُها. وُلِدَت بعد البعثة وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة ثلاث من الهجرة بعد موت أختها رُقِية و لِذا لُقبَ بذي النورَين، وتُوفِيَت في حياة النبي ﷺ، فقال عليه الصلاة و السلام لعثمان: "لو كان عندنا ثالثة لَزَوجناكها
بعث إليه في الأربعين من عمره في مكة وبقي فيها ثلاث عشرة سنة بعد البعثة ثم هاجر إلى المدينة المنورة فمكث فيها عشر سنوات تقريباً . 
في الثالث والستين من عمره توفاه الله تعالى وانتقل إلى الرفيق الأعلى بعد أن أدّى الأمانة وبلَّغ الرسالة ونصح الأمة وكان ذلك يوم الاثنين سنة 11 هجرية وكان وفاته وقبره الشريف في المدينة المنورة عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان الرسول الله ﷺ يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة، ثم يُخيَّر بين الدنيا والآخرة،قالت عائشة:فلما نُزِل به ورأسه على فخذي، غشي عليه، ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف،ثم قال: "اللهم الرفيق الأعلى. قلتُ إذاً لا يختارنا. قالت:عرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به وهو صحيح.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
- الحرم:جاء في صحيح مسلم: (المدينة حرم)وفي رواية (إنها حرم آمن).
2-دار الأبرار: لأنها دار المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم والمهاجرين والأنصارولأنها تنفي شرارها وهي في الحقيقة ليست داراً لمن أقام بها من الأشرار.
3- الفاضحة : لأنها تفضح من أخفى فيها عقيدة فاسدة وكذلك من أضمر فيها نفاقاً أو أمراً أظهره الله و فضح صاحبه.
- انعقد الإجماع على تفضيل ما ضم أعضاء النبيصلى الله تعالى عليه وسلمالشريفة على جميع بلاد الله حتى الكعبة الشريفة وكذلك انعقد الإجماع أيضاً على أن مكة والمدينة أفضل من سائر البلاد على الإطلاق، وإنما وقع الخلاف في أيهما أفضل من الأخرى مكة أم المدينة؟. فذهب عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما والإمام مالك رحمه الله إلى تفضيل المدينة المنورة على مكة المكرمة، وذهب الجمهور إلى تفضيل مكة على المدينة ماعدا ما ضم الأعضاء الشريفة ولكل دليله وتأويله.
2-ورد في الصحيح من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي ﷺ:"... ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماءِ ".
وإذا كان هذا الوعيد الشديد لمن أرادها بسوء فما بالك بمن فعل بها سوءاً فالوعيد أشد، وهذا الوعيد يشمل الدنيا والآخرة معاً.
3-روى الترمذي وابن حبان في صحيحه وابن ماجه في سننه والبيهقي مرفوعاً إلى النبي ﷺ " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت فيها ".
4-ورد في الصحيحين أنه من دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم:" اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" 
5-وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أسرع براحلته حباً في المدينة وقد دعا لها بالبركة كما ورد في الصحيحينقال: " اللهم اجعل بالمدينة ضعفيّ ما جعلت بمكة من بركة ".
6-قال رسول اللهﷺ(ما بين لابتيها حرام) (واللابتان الحرّتان الشرقية والغربية). ومن انتهك حرمة شيء من ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين إلا أنه ليس عليه قصاص مثل الذي قتل وهذا يدل على عظم ذنبه لأن الذنب إذا وجدت له كفارة في الدنيا كان أمره أهون.
7-خلاصة القول: إنّ المدينة من أحبِّ البقاع إلى الله، وإنها دار الإيمان وإليها يأرِز (أي يجتمع و ينضم) الإيمان في آخر الزمان وعلى مداخلها حراس من الملائكة لا يدخلها الدّجال ولا الطاعون.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللهﷺ: " على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال ". ولم يدخل الطاعون حتى الآن المدينة. وهي آخر مدن الدنيا خراباً وهي مضجع أفضل خلق الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومهبط الوحي فلا يكاد يوجد فيها مكان إلا ونزلت فيه آية أو آيات قرآنية أو ورد فيه حديث نبوي وهي حرم الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم.
وقد أخبر الوحي بالوعد لمن صبر على بلوائها ومن صلى في مسجدها ومن أكل من ثمرها وشرب من مائها وجعل تربتها شفاء فطوبى لمن زارها.
1-إن موضع المسجد النبوي الشريف كان محل تجفيف تمر ليتيمين من بني النجار في حجر أسعد بن زرارة. فلما طلب النبي ﷺ المكان اشتراه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعشرة دنانير ذهباً ونبش ما كان في هذا المكان من قبور المشركين وسويت الخرب وقطع النخل الذي فيه ثم بناه ﷺ أول ما بناه بالجريد وجعل أساسه أربعة أذرع من الحجارة وكانوا ينشدون أثناء بنائه: (اللهم لاّ خير إلا خير الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة). 2- وهو أول مكان نزل فيه صلى الله تعالى عليه وسلم. فعندما وصل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم موضع مسجده بركت الناقة ووضعت جرانها على الأرض في مكان منبره الشريف فجاء زعماء الخزرج يتسابقون إلى الرسول ﷺ وكل واحد منهم يقول يا رسول الله أنا أحق بأن تنزل عندي فيذكر قرابته و خؤولته فانسل أبو أيوب رضي الله عنه وأخذ الرحل من فوق الناقة وأسرع به إلى منزله فلما رآه النبي ﷺ ابتسم وقال: "المرء مع رحله". 3- ولما بنى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسجده الشريف جعل رجالاً على زواياه ليعدِّل القبلة فجاءه جبريل عليه السلام وقال بيده هكذا فأماط كل جبل بينه وبين الكعبة ثم قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة وبعدما وضع القبلة قال جبريل بيده هكذا مرة أخرى فعاد كل جبل إلى مكانه.
ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ كان يمر عليه الشهر والشهران لم يوقد في بيت من بيوته نار للطبخ وإنما الطعام التمر والماء فقط، كما كان فراشه من أدم حشوها ليف وربما نام على الحصير فيؤثر في جنبه الشريف، وكان يخرج في غزواته على قل من الزاد ونقص في الراحلة إلى حد أن يتعاقب ثلاث من أصحابه على راحلة واحدة كما وقع في غزوة بدر، وربما جاءه الضيف فيمر على بيوته فلا يجد له طعاماً فيقول:منْ لهذا الضيف؟فيبادر أحد أصحابه إلى أخذ الضيف إلى منزله فيقدم له القرى الكافي مؤثراً إياه على حاجته وحاجة أولاده للطعام، وكان يأتيه بعض أصحابه الراغبين في الخروج معه للجهاد في سبيل الله فيقول لهم: " لا أجد ما أحملكم عليه "فيرجعون وأعينهم تفيض بالدموع حزناً لعدم وجود ما يقدرون به على الجهاد في سبيل الله. فهل معنى هذا أنه ﷺ كان فقيراً عاجزاً حتى عن الحصول على ضروريات العيش ومتطلبات الجهاد؟ والجواب بالطبع لا بل هو اختيار من النبي ﷺ وإيثار للآخرة على الأولى ، ولهذا قال النبي ﷺ لعمر رضي الله عنه لما بكى حين رأى الحصير أثر في جنبه الشريف وقال: يا رسول الله ألا نصنع لك فراشاً وذكر له ما عند كسرى وقيصر من الأسرة والأرائك. قال النبي ﷺ وهو كالمغضب: (يا عمر أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) وهذه يعني أن النبي ﷺ ترفع عن زخرف الحياة الدنيا ومتاعبها القليل والزائل رغبة فيما عند الله من النعيم المقيم، وظهر هذا الترف السامي في تواضع عيشه وبيوته ومسجده، وحين خُيِّرَ بين البقاء في الدنيا إلى نهايتها وبين لقاء ربه اختار لقاء ربه. ولم يرضَ ﷺ وضع أقل زينة في بيوته، ولهذا لما عاد النبي ﷺ من غزوة دومة الجندل وجد أم المؤمنين ( أم سلمة ) رضي الله عنها بَنَتْ حجرتها - ولا أقول قصرها - باللبن وطينت سقفها بالطين لأنه كان يخر بالماء إذا نزل المطر، فلما رأى النبي صلى اللّه عليه وسلم ذلك قال لأم سلمة لِم فعلتهذا؟ فقالت: يا رسول اللّه أردت أن أكف أبصار الناسفقال لها: (يا أم سلمة إن شر ما ذهب فيه مال المسلم البنيان). وهذا لا يعني أنه حرم على الإنسان أن يتخذ لنفسه داراً لسكناه أو داراً يكتسب بكرائها فالكسب بالتجارة والإجارة حلال لأمته صلى اللّه عليه وسلم وإنما المراد تقبيح التطاول في البنيان والتفاخر بزخرفتها وتجميد الأموال في الحجر والطين حتى لا يستفيد منها قريب أو بعيد، وحتى تقام بهذه الأموال المشاريع الحية التي تفيد الأمة وتساعد في الرخاء. وقد بنى النبي ﷺ مسجده الشريف بالجريد والطين كما بنى حجراته الشريفة بنفس الشيء وترك مساحة كبيرة من المسجد رحبة غير مسقوفة، وكان ارتفاع مسجده في بنائه الأول خمسة أذرع وبعد فتح خيبر بناه ووسعه وجعل ارتفاعه سبعة أذرع كما تقدم.
اعلم أن إجابة الدعاء لا بد لها من شروط، فشرط الداعي أن يكون عالماً بأن لا قادر إلا الله، وأن الوسائط في قبضته، ومسخرة بتسخيره، وأن يدعو بنية صادقة وحضور قلب، فإن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب لاه، وأن يكون متجنباً لأكل الحرام ولا يمل من الدعاء، ومن شروط المدعو فيه أن يكون من الأمور الجائزة الطلب والفعل شرعاً كما قال عليه الصلاة والسلام: ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فيدخل في الإثم كل ما يأثم به من الذنوب، ويدخل في الرحم جميع حقوق المسلمين ومظالمهم. قال ابن عطاء الله: إن الدعاء أركاناً وأجنحة وأسباباً وأوقاتاً، فإن وافق أركانه قوي وإن وافق أجنحته طار إلى السماء وإن وافق مواقيته فاز وإن وافق أسبابه نجح، فأركانه حضور القلب والخشوع وأجنحته الصدق ومواقيته الأسحار وأسبابه الصلاة على النبي ﷺ . صلى الله عليه وعلى اله وصحبه صلاة بعدد ما خلق الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين 
من خلال ما ذكرنا من وضع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لقبلة مسجده الشريف وهو ينظر إلى الكعبة، قد أحسَّ بأن قبلته كانت إلى الكعبة الشريفة عند قدومه المدينة وأنها حوّلت إلى بيت المقدس وعندئذ صار النبي ﷺ يدعو ربه ويقلب وجهه في السماء ليجعل قبلته إلى بيت الله الحرام وقال اليهود بعد تحويلها: {مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا..} [البقرة: 142]. ولقد مكث النبي ﷺ يستقبل بيت المقدس في الصلاة نحو ستة عشر شهراً بعد قدومه المدينة وكان محرابه إلى البيت المقدس في نهاية المسجد آنذاك من الشمال مقابل باب جبريل اليوم عند الاسطوانة الخامسة شمالي أسطوانة عائشة رضي الله عنها بحيث تجعلها خلف ظهرك وتسير إلى الشمال وتعد خمس أسطوانات غربي دكة الاغواث (خدام الحرم).
كان النبي عليه الصلاة والسلام يخطب يوم الجمعة إلى جزع نخلة في المسجد وكان الجزع بين مكان المنبر والمحراب أقرب إلى الأسطوانة المخلقة ولما شق على النبي ﷺ القيام اتخذ منبراً يجلس عليه ويخطب. وفي الصحيح أنه ﷺ أرسل إلى امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار يقول لها: " انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها " فعمل هذه الدرجات الثلاث ثم أمر بها فوضعت في هذا المكان فأصبحت منبره الشريف في مكانه الدائم. فلما تحوّل النبي ﷺ بخطبته عن الجزع إلى المنبر قام الجذع حنين إلى النبي ﷺ مثل حنين الناقة التي فقدت ابنها وارتفع حنينه حتى أحزن الصحابة رضي الله عنهم فنزل إليه النبي ﷺ واحتضنه وسارَّه بحديث: "إن شئت عادت إليك خضرتك ونضرتك و إن شئت دعوت الله أن يجعلك من غراس الجنة " فاختار الجزع أن يكون من غراس الجنة وسكت عن الحنين. ودفن هذا الجزع فيما بعد تحت المنبر من جهة القبلة. وقد ورد في منبره الشريف أحاديث تدل على فضله، فقد روت أم سلمة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: " قوائم منبري رواتب في الجنة " وهذا يعني أن هذا المنبر بذاته يعيده الله يوم القيامة على حاله فينصبه عند حوضه ﷺ كما يعيد الله تعالى الخلائق يوم البعث. وعن أنس رضي عنه أن النبي ﷺ قال: "منبري على ترعة من ترع الجنة " والترعة هي الروضة أو الباب أو الدرجة. وفي سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمه ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار أو وجبت له النار ". وقد عرف الصحابة رضي الله عنهم لهذا المنبر فضله وأنه حظي بوقوف النبي ﷺ. ولما ولي الصديق رضي الله عنه الخلافة قام في خطبته على درجة المنبر الثانية تأدباً مع رسول الله ﷺ حيث كان يجلس على المنبر ويضع قدميه على الدرجة الثانية. ولما ولي عمر رضي الله عنه الخلافة قام في خطبته على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الأرض تأدباً مع رسول الله ﷺ وتأدباً مع الصديق رضي الله عنه. وهكذا يكون الأدب والتعظيم لرسول الله ﷺ و هكذا يكون التأدب أيضاً مع أصحابه رضوان الله عليهم. وفي عهد معاوية رضي الله عنه قام بكسوة المنبر الشريف بقبطية وزاد فيه ست درجات فاصبح تسع درجات ولم يزد فيه أحد قبل معاوية ولا بعده غير أنه جدد عدة مرات.
في صريح السنة للامام الطبري القول في رؤية الله عز وجل قال رحمه الله
حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة ، حدثنا ابن فضيل ، وحدثنا تميم بن المنتصر ، ومجاهد بن موسى ، قال تميم : أنبأنا يزيد ، وقال مجاهد : حدثنا يزيد بن هارون ، وحدثنا ابن الصباح ، حدثنا سفيان ، ومروان بن معاوية ، ويزيد بن هارون ، جميعا عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن جرير بن عبد الله ، قال : كنا جلوسا عند رسول الله ﷺ ، فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال : « إنكم راءون ربكم عز وجل كما ترون هذا القمر ، لا تضامون (1) في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا » ثم تلا رسول الله ﷺ ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب (2) ) . ولفظ الحديث لحديث مجاهد ، قال يزيد : من كذب بهذا الحديث فهو بريء من الله ورسوله . حلف غير مرة ، وأقول أنا : صدق رسول الله ، وصدق يزيد وقال الحق
(1) لا تضامون : لا ينالكم ضيم أي تعب أو ظلم
(2) سورة : ق آية رقم : 39
عرفنا فيما سبق أن النبي ﷺ صلى إلى قبلة بيت المقدس ستة عشر شهراً وأن مكان صلاته كان عند العمود الخامس شمالي أسطوانة عائشة وغربي ما يسمى اليوم (دكة الأغواث) وبعد تحويل القبلة إلى بيت الله الحرام حوله النبي ﷺ من شمالي المسجد إلى جنوبية وصلى عند أسطوانة عائشة مدة شهرين أو أربعة شهور ، ثم تقدم إلى الاسطوانة المخلقة وصلى عندها أياماً وكان ذلك موقفه في الصلاة وفيه بني محرابه الشريف. وفي زيادة عمر رضي الله عنه قدم محراب الإمام إلى نهاية زيادته جنوباً، وفي زيادة عثمان رضي الله عنه وقف في محرابه العثماني الذي يقف فيه الإمام حتى الآن
كانت أعمدة المسجد النبوي الشريف من الخشب في عهد النبي ﷺ وورد أن أبا بكر الصديق رأى بعضها أكلته الأرضة فأبدله بأعمدة أخرى من الخشب، ولكن عمر رضي الله عنه غير أعمدة المسجد النبوي وبناها باللبن لأول مرة ولم يغير مكانها، وكذلك الخلفاء الذين جددوا ووسعوا المسجد النبوي الشريف بعده فلم يغيروا مكان أعمدته على مر الزمان مما ترك للمسلمين فرصة التعرف على مكان هذه الأعمدة وتوخي ما ورد في أمكنتها من فضل وبركة. والصلاة في المسجد النبوي كله مضاعفة بألف صلاة فيما سواه غير أنّها في الروضة الشريفة معنىً وفضلاً زائداً على ذلك، وحيث إن كثيراً من أساطين الروضة الشريفة ارتبط بمناسبات في عهد النبي ﷺ وأطلق عليه اسم خاص يشير إلى تلك المناسبات ، وحيث إن الكثير من الصحابة ومن بعدهم من السلف كان يتحرى الصلاة عند تلك الأساطين التي لا يخلو ما أحاط بها من فراغ وهواء جوٍ من أن يكون لامس بدن النبي ﷺ في مروره بينها وجلوسه عندها ، وبما أن أمكنة جلوسه صلى الله عليه عند هذه الأسطوانات وغيرها من أماكن المسجد النبوي كانت محلاًّ لنزول الكثير من الآيات القرآنية وورود الأحاديث النبوية وارتياد جبريل عليه السلام على النبي ﷺ. لهذه المعاني كلها خصصنا باباً مستقلاً لهذه الأساطين وتركنا ما سواها، ولطالما ظل خلفاء الإسلام وسلاطين المسلمين وملوكهم يحرصون على إبقائها في أمكنتها ويكتبون عليها أسماءها كلما جدد بناء المسجد النبوي الشريف مما جعل هذه الأساطين معروفة في أماكنها وبأسمائها المكتوبة عليها إلى وقتنا هذا وإليك أسماءها مع ذكر ما حدث عندها من مناسبات:
وهي التي تلي أسطوانة التوبة من جهة الغرب وتقع هذه الاسطوانة في وسط الروضة الشريفة وقد اتخذ النبي ﷺ مكانها مصلى بعد تحويل القبلة مدة شهرين أو ثلاثة ثم تحول إلى مكان مصلاه في نهاية جدار المسجد القبلي حيث هو الآن عند الأسطوانة المخلقة (أي المطيبة) فأصبحت هذه الأسطوانة خلفه، وكان عمر والصديق وأفاضل الصحابة رضي الله عنهم يفضلون الصلاة عندها وكان أفاضل أبناء المهاجرين من التابعين يعتادون الجلوس عندها ، حتى قيل لمجلسهم: مجلس القلادة. وسبب تسميتها بأسطوانة عائشة رضي الله عنها أن بعضاً من الصحابة رضي الله عنهم كانوا جلوساً عند عائشة رضي الله عنها ومعهم ابن أختها التابعي الفقيه(عروة بن الزبير) فقالت عائشة رضي الله عنها: إن في المسجد أسطوانة لو عرفها الناس لاستهموا على الصلاة عندها بالأسهم. فسألوها عنها فأبت أن تعينها لهم ثم بعد قيامهم سارَّت ابن الزبير بشيء ثم قام واتجه إلى هذه الأسطوانة وصلى عندها. وكان بعض أولئك الصحابة يرقب ماذا سيفعل فلما صلى عندها جاؤوا وصلوا في مكانه فسميت هذه الأسطوانة بعد ذلك (أسطوانة عائشة) كما هو مكتوب الآن في أعلاها، كما سميت أيضاً بأسطوانة القرعة لرواية (لاقترعوا عليها بالسهام) وروى بعض التابعين عن زيد بن أسلم أنه رأى موضع جبهة رسول الله ﷺ عند هذه الاسطوانة وأنه رأى بعد ذلك موضع جبهة أبي بكر الصديق دونها ثم رأى موضع جبهة عمر دون موضع جبهة أبي بكر رضي الله عنه عن الجميع مما يؤكد أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعرفان فضل الصلاة عند هذه الأسطوانة وقد ورد أيضاً أن الدعاء عندها مستجاب. ومن المعلوم أن موضع جبهة النبي ﷺ ثم جبهة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كان على التراب قبل أن يفرش المسجد بالبلاط.