العلم حاكم والمال محكوم عليه

ابو عمر البلدي

:: عضو مُشارك ::
إنضم
15 أكتوبر 2015
المشاركات
323
نقاط التفاعل
385
النقاط
13
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا وفتح علينا من خزائن علمه فتحا مبينا ومن علينا بالتحلي بشرعه الشريف ظاهرا وباطنا عملا ويقيناوأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها ما زال عليما حكيما ، وأن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله نبيا ما برح بالمؤمنين رءوفا رحيما. وبعد
الموضوع في فضيلة العلم
رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ الْحِكْمَةَ تَزِيدُ الشَّرِيفَ شَرَفًا ، وَتَرْفَعُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ حَتَّى تُجْلِسَهُ مَجَالِسَ الْمُلُوكِ } .
وروي عن الشَّافِعِيُّ رحمه الله انه قَالَ : مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ عَظُمَتْ قِيمَتُهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْفِقْهَ نَبُلَ مِقْدَارُهُ ، وَمَنْ كَتَبَ الْحَدِيثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْحِسَابَ جَزَلَ رَأْيُهُ ، وَمَنْ تَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ رَقَّ طَبْعُهُ ، وَمَنْ لَمْ يَصُنْ نَفْسَهُ لَمْ يَنْفَعْهُ عَمَلُهُ
قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : كُلُّ عِزٍّ لَا يُوَطِّدُهُ عِلْمٌ مَذَلَّةٌ ، وَكُلُّ عِلْمٍ لَا يُؤَيِّدُهُ عَقْلٌ مَضَلَّةٌ .
وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ : إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا جَعَلَ الْعِلْمَ فِي مُلُوكِهِمْ ، وَالْمُلْكَ فِي عُلَمَائِهِمْ .
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : الْعِلْمُ عِصْمَةُ الْمُلُوكِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ ، وَيَرُدُّهُمْ إلَى الْحِلْمِ ، وَيَصُدُّهُمْ عَنْ الْأَذِيَّةِ ، وَيُعَطِّفُهُمْ عَلَى الرَّعِيَّةِ .
فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَعْرِفُوا حَقَّهُ ، وَيَسْتَبْطِنُوا أَهْلَهُ .
فَأَمَّا الْمَالُ فَظِلٌّ زَائِلٌ وَعَارِيَّةٌ مُسْتَرْجَعَةٌ وَلَيْسَ فِي كَثْرَتِهِ فَضِيلَةٌ ، وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ فَضِيلَةٌ لَخَصَّ اللَّهُ بِهِ مَنْ اصْطَفَاهُ لِرِسَالَتِهِ ، وَاجْتَبَاهُ لِنُبُوَّتِهِ .
وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا خَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَفَضَّلَهُمْ عَلَى سَائِرِ خَلْقِهِ ، فُقَرَاءَ لَا يَجِدُونَ بُلْغَةً وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى صَارُوا فِي الْفَقْرِ مَثَلًا ، فَقَالَ الْبُحْتُرِيُّ : فَقْرٌ كَفَقْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَغُرْبَةٌ وَصَبَابَةٌ لَيْسَ الْبَلَاءُ بِوَاحِدِ وَلِعَدَمِ الْفَضِيلَةِ فِي الْمَالِ مَنَحَهُ اللَّهُ الْكَافِرَ وَحَرَمَهُ الْمُؤْمِنَ .
قَالَ الشَّاعِرُ : كَمْ كَافِرٍ بِاَللَّهِ أَمْوَالُهُ تَزْدَادُ أَضْعَافًا عَلَى كُفْرِهِ وَمُؤْمِنٍ لَيْسَ لَهُ دِرْهَمٌ يَزْدَادُ إيمَانًا عَلَى فَقْرِهِ يَا لَائِمَ الدَّهْرِ وَأَفْعَالِهِ مُشْتَغِلًا يَزْرِي عَلَى دَهْرِهِ الدَّهْرُ مَأْمُورٌ لَهُ آمِرٌ يَنْصَرِفُ الدَّهْرُ عَلَى أَمْرِهِ
وَقَدْ بَيَّنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضْلَ مَا بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمَالِ فَقَالَ :
الْعِلْمُ خَيْرٌ مِنْ الْمَالِ .
الْعِلْمُ يَحْرُسُك ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالِ .
الْعِلْمُ حَاكِمٌ وَالْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ .
مَاتَ خَزَّانُ الْأَمْوَالِ وَبَقِيَ خَزَّانُ الْعِلْمِ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ ، وَأَشْخَاصُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ .
وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : أَيُّمَا أَفْضَلُ الْمَالُ أَمْ الْعِلْمُ ؟ فَقَالَ : الْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَيُّمَا أَفْضَلُ الْمَالُ أَمْ الْعَقْلُ .
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ : لَا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ خَيْرُ ثَنَائِهِ فِي النَّاسِ قَوْلَهُمْ غَنِيٌّ وَاجِدُ
وَرُبَّمَا امْتَنَعَ الْإِنْسَانُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَاسْتِحْيَائِهِ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي صِغَرِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فِي كِبْرِهِ ، فَرَضِيَ بِالْجَهْلِ أَنْ يَكُونَ مَوْسُومًا بِهِ وَآثَرَهُ عَلَى الْعِلْمِ أَنْ يَصِيرَ مُبْتَدِئًا بِهِ .
وَهَذَا مِنْ خِدَعِ الْجَهْلِ وَغُرُورِ الْكَسَلِ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ إذَا كَانَ فَضِيلَةً فَرَغْبَةُ ذَوِي الْأَسْنَانِ فِيهِ أَوْلَى .
وَالِابْتِدَاءُ بِالْفَضِيلَةِ فَضِيلَةٌ .
وَلَأَنْ يَكُونَ شَيْخًا مُتَعَلِّمًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ شَيْخًا جَاهِلًا .
حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحُكَمَاءِ رَأَى شَيْخًا كَبِيرًا يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْعِلْمِ وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ : يَا هَذَا أَتَسْتَحِي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عُمُرِك أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ ، وَذُكِرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ : يَا عَمِّ مَا عِنْدَك فِيمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ : فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَغَلُونَا فِي الصِّغَرِ وَاشْتَغَلْنَا فِي الْكِبَرِ .
فَقَالَ : لِمَ لَا نَتَعَلَّمُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : أَوْ يَحْسُنُ بِمِثْلِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
وَاَللَّهِ لَأَنْ تَمُوتَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا بِالْجَهْلِ .
قَالَ : وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ بِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ : مَا حَسُنَتْ بِك الْحَيَاةُ ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَعَذْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَهْلِ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ بِهِ مُدَّةُ التَّفْرِيطِ وَلَا اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْإِهْمَالِ .
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ : جَهْلُ الصَّغِيرِ مَعْذُورٌ ، وَعِلْمُهُ مَحْقُورٌ ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَالْجَهْلُ بِهِ أَقْبَحُ ، وَنَقْصُهُ عَلَيْهِ أَفْضَحُ ؛ لِأَنَّ عُلُوَّ السِّنِّ إذَا لَمْ يُكْسِبْهُ فَضْلًا وَلَمْ يُفِدْهُ عِلْمًا وَكَانَتْ أَيَّامُهُ فِي الْجَهْلِ مَاضِيَةً ، وَمِنْ الْفَضْلِ خَالِيَةً ، كَانَ الصَّغِيرُ أَفْضَلَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ لَهُ أَكْثَرُ ، وَالْأَمَلَ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَحَسْبُك نَقْصًا فِي رَجُلٍ يَكُونُ الصَّغِيرُ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الْجَهْلِ أَفْضَلَ مِنْهُ .
وَأَنْشَدْت لِبَعْضِ أَهْلِ الْأَدَبِ :
إذَا لَمْ يَكُنْ مَرُّ السِّنِينَ مُتَرْجِمًا * عَنْ الْفَضْلِ فِي الْإِنْسَانِ سَمَّيْته طِفْلَا
وَمَا تَنْفَعُ الْأَيَّامُ حِينَ يَعُدُّهَا * وَلَمْ يَسْتَفِدْ فِيهِنَّ عِلْمًا وَلَا فَضْلَا
أَرَى الدَّهْرَ مِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ مَائِلًا* إلَى كُلِّ ذِي جَهْلٍ كَأَنَّ بِهِ جَهْلَا
 
رد: العلم حاكم والمال محكوم عليه

السلام عليكم
والله جد رائع ما قدمت لنا
مشكور سيدي
تحياتي لك
 
رد: العلم حاكم والمال محكوم عليه

بارك الله فيك وجزاك كل خير
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top