رسالة إلى كل من يُكفِّر حكّام المسلمين

محب السلف

:: عضو منتسِب ::
إنضم
4 جويلية 2016
المشاركات
31
نقاط التفاعل
29
النقاط
3
محل الإقامة
وهران
الجنس
ذكر
رسالة إلى كل من يُكفِّر حكّام المسلمين

سبب نزول ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( الآية ، وأنها في الكفار ، وأن الكفرَ
العملي غير الاعتقادي .

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [وَ ]أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [وَ ]أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنْزَلَهَا اللَّهُ فِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنَ الْيَهُودِ ، وَكَانَتْ إِحْدَاهُمَا قَدْ قَهَرَتِ الأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى ارْتَضَوْا وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ "الْعَزِيزَةُ" مِنَ "الذَّلِيلَةِ" فَدِيَتُهُ خَمْسُونَ وَسْقاً ، وَكُلَّ قَتِيلٍ قَتَلَتْهُ "الذَّلِيلَةُ" مِنَ "الْعَزِيزَةِ" فَدِيَتُهُ مِائَةُ وَسْقٍ ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، فَذَلَّتِ الطَّائِفَتَانِ كِلْتَاهُمَا لِمَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَوْمَئِذٍ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُوطِئْهُمَا عَلَيْهِ - لفظ الطبراني : "وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يُوطِئْهُمَا وَهُوَ الصُّلْحُ"- وَهُوَ فِي الصُّلْحِ ، فَقَتَلَتِ "الذَّلِيلَةُ" مِنَ "الْعَزِيزَةِ" قَتِيلاً ، فَأَرْسَلَتِ "الْعَزِيزَةُ" إِلَى "الذَّلِيلَةِ" أَنِ ابْعَثُوا إِلَيْنَا بِمَائَةِ وَسْقٍ ، فَقَالَتِ "الذَّلِيلَةُ" : وَهَلْ كَانَ هَذَا فِي حَيَّيْنِ قَطُّ دِينُهُمَا وَاحِدٌ ، وَنَسَبُهُمَا وَاحِدٌ وَبَلَدُهُمَا وَاحِدٌ ، دِيَةُ بَعْضِهِمْ نِصْفُ دِيَةِ بَعْضٍ ؟! إِنَّا إِنَّمَا أَعْطَيْنَاكُمْ هَذَا ضَيْماً مِنْكُمْ لَنَا ، وَفَرَقاً([1]) مِنْكُمْ ، فَأَمَّا إِذْ قَدِمَ مُحَمَّدٌ فَلاَ نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ ، فَكَادَتِ الْحَرْبُ تَهِيجُ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ ارْتَضَوْا عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ . ثُمَّ ذَكَرَتِ "الْعَزِيزَةُ" ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ مَا مُحَمَّدٌ بِمُعْطِيكُمْ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْكُمْ ، وَلَقَدْ صَدَقُوا ، مَا أَعْطَوْنَا هَذَا إِلاَّ ضَيْماً مِنَّا ، وَقَهْراً لَهُمْ ، فَدُسُّوا إِلَى مُحَمَّدٍ مَنْ يَخْبُرُ لَكُمْ رَأْيَهُ ؛ إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ حَكَّمْتُمُوهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ ، فَدَسُّوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاساً مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِيَخْبُرُوا لَهُمْ رَأْىَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَمْرِهِمْ كُلِّهِ وَمَا أَرَادُوا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا[ إِلَى قَوْلِهِ ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ ، ثُمَّ قَالَ : فِيهِمَا وَاللَّهِ نَزَلَتْ ، وَإِيَّاهُمَا عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) .
"الصحيحة" (2552) .

{ قَالَ شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (6/الأول/111-116) } :
( فائدة هامـة ) :
إذا علمت أن الآيات الثلاث : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ، ]فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ ، ]فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ نزلت في اليهود وقولهم في حكمه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ أَعْطَاكُمْ مَا تُرِيدُونَ ؛ حَكَّمْتُمُوهُ ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ ؛ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ) ، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال : ]يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا[ ، إذا عرفت هذا ، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكُمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية ، أقول : لا يجوز تكفيرهم بذلك ، وإخراجهم من الملة ، إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله ، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله ، لا يجوز ذلك ، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور ، فهم مخالفون لهم من جهة أخرى ، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله ، بخلاف اليهود الكفار ، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم : (. . . وَإِنْ لَمْ يُعْطِكُمْ حَذِرْتُمْ ؛ فَلَمْ تُحَكِّمُوهُ) ، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلاً ، وسرّ هذا أن الكفر قسمان :
اعتقادي وعملي . فالاعتقادي مقرّه القلب . والعملي محلّه الجوارح .
فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع ، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به ، فهو الكفر الاعتقادي ، وهو الكفر الذي لا يغفره الله ، ويخلد صاحبه في النار أبداً . وأما إذا كان مخالفاً لما وقر في قلبه ، فهو مؤمن بحكم ربه ، ولكنه يخالفه بعمله ، فكفره كفرٌ عملي فقط ، وليس كفراً اعتقادياً ، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذّبه ، وإن شاء غفر له ، وعلى هذا النوع من الكفر تُحمَلُ الأحاديثُ التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئاً من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها :
1- (اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ ، الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ) .
2- (الْجِدَالُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ) .
3- (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) .
4- (كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ) .
5- (التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ) .
6- (لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) .
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها . فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي ، فكفرُه كفر عملي ، أي إنه يعمل عمل الكفار ، إلا أن يستحلّها ، ولا يرى كونَها معصية فهو حينئذ كافرٌ حلال الدم ، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضاً ، والحكم بغير ما أنزل الله ، لا يخرج عن هذه القاعدة أبداً ، وقد جاء عن السلف ما يدعمها ، وهو قولهم في تفسير الآية : "كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ" ، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم ، ولا بد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضلّ اليوم في هذه المسألة الخطيرة ، ونحا نحو الخوارج الذين يكفِّرون المسلمين بارتكابهم المعاصي ، وإن كانوا يصلون ويصومون !
1- روى ابن جرير الطبري ( 10/ 355/ 12053 ) {(6 / 596/ 12058)} بإسناد صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :
]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ قَالَ : "هِيَ بِهِ كُفْرٌ , وَلَيْسَ كُفْراً بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ" .
2- وفي رواية عنه في هذه الآية : "إِنَّهُ لَيْسَ بِالْكُفْرِ الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ ، إِنَّهُ لَيْسَ كُفْراً يَنْقِلُ عَنِ الْمِلَّةِ ، كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ" .
(يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ) ؛ كأنه يشير إلى الخوارج الذي خرجوا على علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
أخرجه الحاكم (2 / 313 ) ، وقال : "صحيح الإسناد" . ووافقه الذهبي ، وحقهما أن يقولا : على شرط الشيخين . فإن إسناده كذلك .
ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره" (6 /163) {(6 /112) تح. غنيم وصاحبيه} عن الحاكم أنه قال :
"صحيح على شرط الشيخين" ، فالظاهر أن في نسخة "المستدرك" المطبوعة سقطاً ، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضاً ببعض اختصار .
3- وفي أخرى عنه من رواية عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : "مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ كَفَرَ , وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ" . أخرجه ابن جرير (12063) {(12068)} .
قلت : وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس ، لكنّه جيد في الشواهد .
4- ثم روى (12047 - 12051) {(12052 - 12056)} عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَوْلُهُ : (وذكر الآيات الثلاث) : "كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ , وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ , وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٌ" . وإسناده صحيح .
5- ثم روى (12052) {(12057)} عَنْ سَعِيدٍ الْمَكِّيِّ , عَنْ
طَاوُسٍ (وذكر الآية) ، قَالَ : "لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ" .
وإسناده صحيح .
6- وروى (12025 و 12026) {(12030 -12031)} من طريقين عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُدَيْرٍ قَالَ : أَتَى أَبَا مِجْلَزِ - [من كبار ثقات التابعين واسمه لاحق بن حميد البصري] - نَاسٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ سَدُوسٍ , "وفِي الطَّريقِ الآخر : نَفَرٌ مِنَ الْإِبَاضِيَّةِ" - [طائفة من الخوارج] - ، فَقَالُوا : أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ -{المائدة: 44}- أَحَقٌّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ -{المائدة: 45}- أَحَقٌّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ -{المائدة: 47}- أَحَقٌّ هُوَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَقَالُوا : يَا أَبَا مِجْلَزٍ ! فَيَحْكُمُ هَؤُلَاءِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ؟ قَالَ : هُوَ دِينُهُمُ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ , وَبِهِ يَقُولُونَ , وَإِلَيْهِ يَدْعُونَ - [يعني الأمراء] - , فَإِنْ هُمْ تَرَكُوا شَيْئاً مِنْهُ عَرَفُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا ذَنْباً . فَقَالُوا : لَا وَاللَّهِ , وَلَكِنَّكَ تَفْرَقُ .
قَالَ : أَنْتُمْ أَوْلَى بِهَذَا مِنِّي ! لَا أَرَى ، وَإِنَّكُمْ تَرَوْنَ هَذَا وَلَا تَحَرَّجُونَ , وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَأَهْلِ الشِّرْكِ , أَوْ نَحْواً مِنْ هَذَا" . وإسناده صحيح .
وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10 /346-357) {(6 /592-597)} بأسانيده إلى قائليها ، ثم ختم ذلك بقوله (10 - 358) {(6 /597) بعد آخر أثر (12068) في المسألة} :
"وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ , قَوْلُ مَنْ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ , لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْآيَاتِ فَفِيهِمْ نَزَلَتْ ، وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ بِهَا , وَهَذِهِ الْآيَاتُ سِيَاقُ الْخَبَرِ عَنْهُمْ ، , فَكَوْنُهَا خَبَراً عَنْهُمْ أَوْلَى .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ عَمَّ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ , فَكَيْفَ جَعَلْتَهُ خَاصّاً ؟
قِيلَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَمَّمَ بِالْخَبَرِ بِذَلِكَ عَنْ قَوْمٍ كَانُوا بِحُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ فِي كِتَابِهِ جَاحِدِينَ ، فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ بِتَرْكِهِمُ الْحُكْمَ - عَلَى سَبِيلِ مَا تَرَكُوهُ – كَافِرُونَ . وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِداً بِهِ ؛ هُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ , كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ؛ لِأَنَّهُ بِجُحُودِهِ حُكْمَ اللَّهُ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ ؛ نَظِيرَ جُحُودِهِ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهُ نَبِيُّ" .
وجملة القول : أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لِما أنزل الله ، فمن شاركهم في الجحد ؛ فهو كافر كفراً اعتقادياً ، ومن لم يشاركهم في الجحد ؛ فكفره عملي لأنه عمل عملهم ، فهو بذلك مجرم آثم ، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وقد شرح هذا وزاده بياناً الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في "كتاب الإيمان" "باب الخروج من الإيمان بالمعـاصي" (ص 84-97 بتحقيقي) ، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق .
وبعد كتابه ما سبق ، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في "مجموع الفتاوى" (3 /268) :
"أَيْ هُوَ الْمُسْتَحِلُّ لِلْحُكْمِ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ" .
ثم ذكر (7 /254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها ؟ فَقَالَ :
"كُفْرٌ لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ([2]) ، مِثْلَ الْإِيمَانِ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ ، فَكَذَلِكَ الْكُفْرُ حَتَّى يَجِيءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ" .
وقال (7 / 312 ) :
"وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ أنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ أنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ ؛ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ، قَالُوا : كُفْراً لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ . وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ" .

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قوله: ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ ، ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ ، ]وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[ ، قَالَ : هِيَ فِي الْكُفَّارِ كُلُّهَا ) .
"الصحيحة" (2704) .

{ قَالَ شيخُنا الألباني في "الصحيحة" (6 /الأول/457-458) } :
قلتُ : والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث ؛ الكفار من اليهود والنصارى ؛ وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها ، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ؛ ولو كان يتظاهر بالإسلام ، حتى ولو أنكر حكماً واحداً منها .
ولكن مما ينبغي التنبه له ، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك ، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة لأنه مؤمن ، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفراً عملياً .
وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام ، ولذلك فهم في كثير من الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام ، فتقع فتن كثيرة ، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تُعَد له عدته ، والواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة ، والأحكام العاطلة ، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة ، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى . والله المستعان .
وقد مضى الكلام على هذه المسألة الهامة بشيء من التفصيل المفيد إن شاء الله تعالى تحت الحديث المتقدم ( 2552 ) .

انتهى الجمع من "الصحيحة" .


اختاره ونقله /
أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي.
18 / 10 / 1424هـ


[1] قَولُه في الحديث : ( فَرَقاً ) : "الفَرَق بِالتَّحْرِيكِ : الخَوْف والفَزَع . يُقَالُ : فَرِقَ يَفْرَقُ فَرَقاً . وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ : "أبِاللهِ تُفَرِّقُنِي ؟" ؛ أَيْ : تُخَوِّفُني" . "النهاية" (3/438) .

[2] في الأصل في "الصحيحة" : "الإيمان" مكان "الْمِلَّة" والتصويب من "الفتاوى" .
 
رد: رسالة إلى كل من يُكفِّر حكّام المسلمين

شكرا لك وبارك الله فيك
لكن أخ الكريم لو أنك فصلت في مسألة الكفر العملي
لأن الكفر العملي منه ماهو مخرج من الملة ومنه ماهو غير مخرج من الملة
وأترك لك التفصيل
أما إذا لم تكن ملما بالمسألة فسوف أتكلم فيها إن شاء الله
 
رد: رسالة إلى كل من يُكفِّر حكّام المسلمين

بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top