مقالات فلسفية حول الحقوق والواجبات والعدل

البحر الهادي

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
27 ماي 2016
المشاركات
5,786
نقاط التفاعل
12,803
النقاط
1,716
محل الإقامة
أرض الوطن
الجنس
ذكر


المقالة الاولى

هل تؤسس العدالة على مبدأ المساواة أم التفاوت؟
مقدمة:
من الحقائق الفلسفية نجد لها سندا في الواقع أن الإنسان هو الكائنالوحيد القادر على إحاطة نفسه بمجموعة من القيم ومن هذا المنطق يختلف الناس في علمالتقدم والتخلف تبعا لمضمون القيم التي يؤمنون بها ويدافعون عنها وعن البيان أنالعدل هو أشرف وأرفع هذه القيم فإذا علمنا أن المساواة مطلب إنساني وتفاوت حقيقةواقعية.
- هل يؤسس العدل على مبدأ المساواة أم تفاوت ؟

الرأي الأول:

تجسيدالعدالة الاجتماعية وتتجلى في مفهوم العدل في احترام التفاوت بين الناس وهذا ما ذهبإليه أنصار الطرح شاع هذا الطرح في الفلسفة اليونانية حيث رسم أفلاطون صورة المجتمعالعادل وفي نظره أنه يتألف من طباق أن القوة العاقلة هي التي يجب أن تتحكم وتسيطرعلى قوى الغضبية والشهوانية وكذلك العدل أن نحترم تفاوت الطبقات فالفلاسفة أولا ثمالجنود والعمال وأخيرا طبقة العبيد وتحدث تلميذ أرسطو على أن العدل هو عبد مؤهلاتهالطبيعية لا يمكن أن يرتقي إلى مرتبة السيد قال في كتابه السياسة الاسترقات ضرورةطبيعية ومن أشهر الأنظمة الاقتصادية التي دافعت عن التفاوت الليبرالية وهي نظامطبقي طبقة تملك وسائل الإنتاج ولا تستعملها بنفسها وطبقة تملك هذه الوسائلوتستعملها وطبقة تملك الجهد فقط هذا التفاوت الطبقي هو بمثابة الحافز فمن العدل أنيدافع عن التفاوت لأن الكل سيسعى حسب ظروفه الاقتصادية واجتماعية وأكد طبيب بيولوجيتاريل أن الطبيعة جعل الكائنات الحية طبقات بعضها أفضل من البعض وإنه إذا أردناتحقيق العدالة الاجتماعية يجب أن نشجع بقاء طبقات قال في كتابه الإنسان ذاك المجهوللا مفر من أن تصبح الطبقات الاجتماعية مرادفة للطباع البيولوجية يجب أن نساعد أولئكالذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول على ارتفاع اجتماعي فكل فرد ينبغي أن يحصل علىمكانه الطبيعي والحقيقة أن أنصار هذا الرأي اعتمدوا على حجج العقلية ومنه قولهتعالى:<<ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات>> هذا التفاوت هو قيمة العدل لأنالأفراد في حاجة إلى بعضهم البعض وملخص هذه الأطروحة أن تفاوت ظاهرة اجتماعيةوطبيعية يجب الدفاع عنها.
النقد:
لكن التفاوت إذا كان باسم العرف أو الدينسيتحول إلى عنصرته وهذه الصفة تعاكس العادة الاجتماعية.
الرأي الثاني:
عندأنصار هذه الأطروحة حقيقة العدل تتجلى في احترام مبدأ المساواة بين الناس شاع هذاالطرح في الفكر الإسلامي قال محمود يعقوبي: الناس سواء أن ليس هناك شيء أشبهبالإنسان من الإنسان لنا جميعا عقل وحواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوون فيالقدرة على التعلم ومن الذين دافعوا عن الفكرة المساواة أنصار الفلسفة الماركسيةوفي هذا قال لينينا الشيوعية هي نظام اجتماعي لا طبقي له شكل واحد للملكية العامةلوسائل الإنتاج والمساواة الاجتماعية الكاملة بين جميع أفراد المجتمع والاشتراكيةالإيديولوجية عرفت بدفاعها عن العدالة الاجتماعية من منطلق الروح تدل على النزعةالفردية ودرب يردون التفاوت في الحقوق باسم التركيبية العضوية والعقلية فقال هناكتفاوت جسمي وعقلي لا يمكن للمجتمع ولا للتعمير المذهب لكن لهذا التفاوت الحتمي أنيتحول إلى عنوان للنبل بالنسبة للبعض وذكاءه بالنسبة للبعض الآخر وطالب باكونينبالمساواة في حرية التعبير أي الحرية السياسية فقال لست في الحقيقة حرا إلا يومتكون كل الكائنات حرة نساء ورجال...فأن لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين والخلاصة أنالمساواة شرط أساسي لقيام العدالة الاجتماعية.
نقد:

ما يعاب على هذا الرأي هوتركيزه على المساواة في الحقوق بينما الواقع يثبت وجودا التفاوت في العمال ومنه لايمكنه الأخذ دائما بالمساواة .
التركيب:
إن المقاربة الفلسفية السليمةلإشكالية العدل ترفعنا للوقوف أمام أسباب الظلم لفهمه وتجاوزه قال أرسطو تنجمالخصومات والاعتراضات عندما لا يحصل أناس متساوون على حصص متساوية أو عندما يحصلأناس غير متساوين على حصص متساوية ومنه يؤسس العدل على ضرورة التناسب بين الحقوقوالواجبات والمقصود هنا حسب العفوية هو إتاحة الفرصة أمام جميع المواطنين لكي ينفيكل أسباب المواطنة الطبيعية وعندئذ تكون الكفاءة هي معيار الاستحقاق الفعالية هيمقياس التكلف بالمسؤوليات أي للمساواة مجالها وللتفاوت المكانة الخاصةبه.
الخاتمة:
الدارس لموضوع العدالة الاجتماعية يلمس حقيقة في غاية الوضوح هيأن العدالة من المواضيع الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي طرحت أكثر من سؤالوكانت لا تزال بحق فحسب التقييم الفلسفي سواء من حيث ضبط المفهوم الماهية أو البحثعن أساليب تطبيق العدالة الاجتماعية في أرض الواقع وفي مقالنا هذا تعممنا في فكرةالتفاوت من خلال بعدها الفلسفي مع أفلاطون وأرسطو وبعدها الإيديولوجي مع نزعةالليبرالية حملة مصطلح المساواة في فكرة شيشرون ومرودون والمذهب الاشتراكي ومنهنستنتج أن العدل يرتكز على المساواة في الفرض وتفاوت في امتيازات النتائج.
 



المقالة الثانية


قيل : " قبل أن نطالب الناس بواجباتهم علينا أن نمكنهم قبل كل شيء من حقوقهم " حلل وناقش

الطريقة: جدلية

طرح المشكلة : كانت الحياة البدائية للإنسان تسير وفق قانون الغاب حيث البقاء يكون للأقوى، فالقوي يكون له الحق بأن يأخذ أي شيء مادام يستطيع، إلا أن هذا القانون زرع الفوضى وحصدت منه المجتمعات قديما الاضطرابات والاصطدامات المختلفة إلى أن شرعت القوانين وضبطت العلاقات بقواعد تنظيمية خاصة، ومن هنا انطلق كنتيجة حتمية من ذلك مصطلحين أساسيان من القانون هما الحقوق والواجبات، فإذا كانت الحقوق تعني كل ما يسمح به القانون وما لا يمكن إنكاره من الأمور الثابتة، فإن الواجب هو كل ما يطالب به القانون وما لا يمكن الاتفاق على تركه من الأمور، وانطلاقا من المصطلحين تثار المشكلة: هل يجب أن نمكن الفرد من حقوقه الكاملة وبعدها نطالبه بواجباته ؟ أم ينبغي أن يقوم بواجباته حتى يحصل على حقوقه ؟


محاولة حل المشكلة :


عرض الموقف الأول :


يرى هذا الموقف أننا قبل أن نطالب الناس بواجباتهم علينا أن نمكنهم من حقوقهم، ولهذا ينبغي أن نسهل للأفراد طرق الحصول على حقوقهم ومعرفتها والتمكن منها، وبعدها نكلفهم بواجباتهم، لأن أي فرد قبل أن نحاسبه عن التزاماته علينا أن نحاسب أنفسنا ماذا قدمنا له من حقوق ؟ وهذا ما أدى بالفيلسوف " سقراط " إلى تعريف العدل على انه " إعطاء كل ذي حق حقه " ن كما ذهب فلاسفة القانون الطبيعي إلى أن العدالة تقتضي أن تتقدم فيها الحقوق على الواجبات، حيث قال " وولف " : " كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا بل بالأحرى الحق الذي يتمتع به الإنسان بفضل ذلك القانون أي طبيعيا "، كما ذهب الفيلسوف " جون لوك " إلى القول : " لما كان الإنسان قد ولد فله حق كامل في الحرية وفي التمتع بلا قيود بجميع حقوق ومزايا قانون الطبيعة على قدم المساواة مع أي شخص آخر أو أي عدد من الأشخاص في العالم " ، وقد تأثرت الثورة الفرنسية بأفكار هؤلاء الفلاسفة وظهر ذلك جليا في إعلان حقوق الإنسان، وهذه الحقوق تتمثل في الحرية والملكية والأمن ومقاومة الاضطهاد.


المناقشة:


إن هذا الموقف عندما أكد على أولوية الحقوق وتقديسها فهو قد تجاهل الواجبات، وفي ذلك اختلال بتوازن الحياة، لأن جميع التشريعات الوضعية على مر التاريخ لم تخول موادها حقوقا للأفراد دون مطالبتهم بأداء واجبات، فالحق دائما يلازمه واجب، لأن طغيان الحقوق على الواجبات في مجتمع ما يؤدي إلى تناقضات واضطرابات وينعكس ذلك انعكاسا سلبيا على الدولة بمختلف وظائفها السياسية والاقتصادية والثقافية.


عرض الموقف الثاني:


يرىهذا الموقف أنه ينبغي على الأفراد أن يقوموا بواجباتهم قبل أن يطالبوا بحقوقهم، فالواجبات لها أولوية على الحقوق، لأن واجبات كل فرد تساهم بشكل كبير في تسيير عجلة تطور وتقدم الأمة، هذا التطور يؤدي بدوره إلى توفير الحياة التي تكون فيها الحقوق المختلفة مصونة وثابتة، وكلما ضعفت الواجبات نقصت الأعمال واضطربت الحياة وانتشرت الفوضى، وبانتشار الفوضى تتلاشى الحقوق وتتدهور قيمتها، وقد ذهب قديما الفيلسوف "أفلاطون" إلى تعريف العدل على أنه :"أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه " كما ذهب الفيلسوف " كانط " إلى إقامة الأخلاق على فكرة الواجب لذاته، وبمقتضى هذا الواجب يكون السلوك الإنساني بدافع الإلزام من غير الالتفات لما يتحقق من جزاء ذلك السلوك، وإلى نفس المذهب يذهب الفيلسوف " أوجست كونت " إذ ينطلق من قبول فكرة الواجب دون إخضاعها لأي نقد خاص، فالواجب حسبه هو القاعدة التي يعمل بمقتضاها الفرد وتفرضها العاطفة والعقل معا، وهذا يعني أن تحديد الواجب سابق لإقرار الحق، الأمر الذي يبرر أولوية الواجبات على الحقوق.


المناقشة:


إن هذا الموقف يهدم العدالة من أساسها كونه يبترها من مقوم أساسي تقوم عليه ألا وهو الحق فكيف يمكن واقعيا تقبل عدالة تغيب فيها حقوق الناس؟ لان أي عدالة تتأسس على الواجب فقط فهي تشرع للظلم والاستغلال، لأن عمل الفرد والواجب الذي يؤديه ينتظر من ورائه مقابلا (حقا)، كما لا يوجد قانون وضعي يفرض الواجبات على الأفراد دون أن يقر لهم حقوقا.

التركيب:

إن التناسب بين الحقوق والواجبات هو الذي يحقق العدل، لأن أي طغيان لطرف على حساب آخر ينتج الظلم والجور والاستغلال، وهذا التكافؤ بين الحقوق والواجبات هو العدل بعينه، ولكن في البداية يجب أن نحدد بكل دقة واجبات وحقوق كل فرد بحيث تقترن الواجبات اللازمة لبناء الدولة مع ضمان لكل فرد يؤدي واجباته على أكمل وجه حقوقه اللازمة، أما الذين لا يؤدون واجباتهم ليس لهم الحق أن يطالبوا بحقوقهم، فالحقوق في الدول الحديثة تعتبر أسمى الوسائل التي تشجع الأفراد في أدائهم لأعمالهم وواجباتهم، لأن توفير للمواطن حقوقه المختلفة وصيانتها تجعله يقوم بأداء واجباته على أكمل وجه، وهذا يؤدي إلى استقرار المجتمع وتطوره.


حل المشكلة : في الأخير يمكن أن نؤكد أنه كلما قام الفرد بأداء واجباته كان له الحق بأن يطالب بحقوقه، وكان لزاما علينا أن نمكنه منها، كما أن عدم القيام بالواجبات يبعد حق المطالبة بالحقوق، ولا يسمح لمن لا يؤدي واجباته أن يحصل على حقوقه، لذا فتوفر الحقوق لدى الأفراد يعني أداء الأفراد لواجباتهم.
 



المقالة الثالثة :


هل تتأسس العدالة الاجتماعية على المساواة أم على التفاوت ؟ جدلية


طرح المشكلة :


كل مجتمع من المجتمعات يسعى إلى تحقيق العدل بين أفراده ، وذلك بإعطاء كلذي حق حقه ، ومن هنا ينشأ التناقض بين العدالة التي تقتضي المساواة ، وبينالفروق الفردية التي تقتضي مراعاتها ، إذ إن تأسيس العدالة على المساواةيوقع الظلم بحكم وجود تفاوت طبيعي بين الإفراد ، وتأسيسها على التفاوت فيهتكريس للطبقية والعنصرية ؛ مما يجعلنا نطرح المشكلة التالية : ماهوالمبدأ الأمثل الذي يحقق عدالة موضوعية : هل هو مبدأ المساواة أم مبدأالتفاوت ؟


محاولة حل المشكلة :


عرض الأطروحة:


يرىالبعض أن العدالة تتأسس على المساواة ، على اعتبار أن العدالة الحقيقيةتعني المساواة بين الجميع الأفراد في الحقوق والواجبات وأمام القانون ،وأي تفاوت بينهم يعد ظلم ، ويدافع عن هذا الرأي فلاسفة القانون الطبيعيوفلاسفة العقد الاجتماعي وكذا أنصار المذهب الاشتراكي .


الحجة :


- ويؤكد ذلك ، أن الأفراد – حسب فلاسفة القانون الطبيعي - الذين كانوايعيشون في حالة الفطرة كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة فيما بينهم ،ومارسوا حقوقهم الطبيعية على قدم المساواة ، لذلك فالأفراد سواسية ،" فليس هناك شيء أشبه بشيء من الإنسان بالإنسان » ، وعليه فالعدالة تقتضيالمساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات بحكم بطبيعتهم المشتركة ،ومادام الناس متساوون في كل شيء فما على العدالة إلا أن تحترم هذهالمساواة .


- أما فلاسفة العقد الاجتماعي ، فيؤكدون أن انتقال الإنسان من المجتمعالطبيعي إلى المجتمع السياسي تـمّ بناءً على تعاقد ، وبما أن الأفراد فيالمجتمع الطبيعي كانوا يتمتعون بمساواة تامة وكاملة ، لم يكونوا ليقبلواالتعاقد مالم يعتبرهم المتعاقدون معهم مساوين لهم ، فالمساواة شرط قيامالعقد ، وبالتالي فالعقد قائم على عدالة أساسها المساواة بين الجميع فيالحقوق والواجبات .


- في حين أن الاشتراكيين يرون أن لا عدالة حقيقية دون مساواة فعلية بينالأفراد في الحقوق والواجبات ، ولا تتحقق المساواة دون الإقرار بمبدأالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ، التي تتيح للجميع التمتع بهذا الحق ،لأن الملكية الخاصة تكرّس الطبقية والاستغلال وهي بذلك تقضي على روحالمساواة التي هي أساس العدالة .


النقد :


إن أنصار المساواة مثاليون في دعواهم إلى إقامة مساواة مطلقة ، ويناقضونالواقع ، لأن التفاوت الطبيعي أمر مؤكد ، فالناس ليسوا نسخا متطابقة ولامتجانسين في كل شيء ، والفروق الفردية تؤكد ذلك ، ومن ثـمّ ففي المساواةظلم لعدم احترام الفروق الفردية الطبيعية .


عرض نقيض الأطروحة :


وبخلاف ما سبق ، يرى البعض الآخر أن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة ،بل أن في المساواة ظلم لعدم احترام الاختلافات بين الناس ، ومن هذاالمنطلق فإن العدالة الحقيقة تعني تكريس مبدأ التفاوت ، إذ ليس من العدلأن نساوي بين أناس متفاوتين طبيعيا . ويذهب إلى هذه الوجهة من النظرفلاسفة قدامى ومحدثين وأيضا بعض العلماء في ميدان علم النفس والبيولوجيا .


الحجة :


- فأفلاطون قديما قسم المجتمع إلى ثلاث طبقات : طبقة الحكماء وطبقة الجنودوطبقة العبيد ، وهي طبقات تقابل مستويات النفس الإنسانية : النفس العاقلةوالغضبية والشهوانية ، وهذا التقسيم يرجع إلى الاختلاف بين الأفراد فيالقدرات والمعرفة والفضيلة ، وعلى العدالة أن تحترم هذا التمايز الطبقي ،ومن واجب الدولة أن تراعي هذه الفوارق أيضا وتوزع الحقوق وفق مكانة كل فرد .


- أما أرسطو فاعتبر التفاوت قانون الطبيعة ، حيث أن الناس متفاوتين بطبيعتهمومختلفين في قدراتهم وفي إرادة العمل وقيمة الجهد المبذول ، وهذا كلهيستلزم التفاوت في الاستحقاق ؛ فلا يجب أن يحصل أناس متساوون على حصص غيرمتساوية ، أو يحصل أناس غير متساويين على حصص متساوية .


- وحديثا يؤكد ( هيجل 1770 – 1831 ) على مبدأ التفاوت بين الأمم ، وان الأمة القوية هي التي يحق لها امتلاككل الحقوق وتسيطر على العالم ، على أساس أنها أفضل الأمم ، وعلى الأممالأخرى واجب ، هو الخضوع للأمة القوية.


- وفي نفس الاتجاه ، يذهب ( نيتشه 1844 – 1900 ) إن التفاوت بين الأفراد قائم ولا يمكن إنكاره ، فيقسم المجتمع إلىطبقتين : طبقة الأسياد وطبقة العبيد ، وان للسادة أخلاقهم وحقوقهم ،وللعبيد أخلاقهم وواجباتهم .


- أما أنصار المذهب الرأسمالي فيقيمون العدل على أساس التفاوت ، فالمساواةالمطلقة مستحيلة وفيها ظلم ، إذ لا يجب مساواة الفرد العبقري المبدعبالفرد العادي الساذج ، ولا العامل المجد البارع بالعامل الكسول الخامل ،بل لابد من الاعتراف بهذا التفاوت وتشجيعه ، لأن ذلك يبعث على الجهدوالعمل وخلق جو من المنافسة بين المتفاوتين .


- ويؤكد بعض العلماء إن كل حق يقابله واجب ، غير إن قدرة الأفراد في ردالواجب المقابل للحق متفاوتة في مجالات عدة : فمن الناحية البيولوجية ،هناك اختلاف بين الناس في بنياتهم البيولوجية والجسمانية ، مما ينتج عنهاختلاف قدرتهم على العمل ورد الواجب ، لذلك فليس من العدل مساواتهم فيالحقوق ، بل يجب أن نساعد أولئك الذين يملكون أفضل الأعضاء والعقول علىالارتقاء اجتماعيا ، يقول الطبيب الفيزيولوجي الفرنسي ( ألكسيس كاريل 1873 –1944 ) : «بدلا من ان نحاول تحقيق المساواة بين اللامساواة العضوية والعقلية ،يجب توسيع دائرة هذه الاختلافات وننشئ رجالا عظماء » . ومن الناحيةالنفسية ، نجد تمايز بين الأفراد من حيث مواهبهم وذكائهم وكل القدراتالعقلية الأخرى ، ومن العبث أن نحاول مساواة هؤلاء المتفاوتون طبيعيا .


وأخيراومن الناحية الاجتماعية ، فالناس ليسوا سواء ، فهناك الغني الذي يملكوالفقير الذي لا يملك ، والملكية حق طبيعي للفرد ، وليس من العدل نزع هذهالملكية ليشاركه فيها آخرين بدعوى المساواة .


النقد :


ان التفاوت الطبيعي بين الأفراد أمر مؤكد ولا جدال فيه ، غير انه لا ينبغيأن يكون مبررا لتفاوت طبقي أو اجتماعي أو عرقي عنصري . كما قد يكونالاختلاف في الاستحقاق مبنيا على فوارق اصطناعية لا طبيعية فيظهر تفاوت لاتحترم فيه الفروق الفردية .


التركيب :


إن المساواة المطلقة مستحيلة ، والتفاوت الاجتماعي لا شك انه ظلم ، وعلىالمجتمع أن يحارب هذا التفاوت ليقترب ولو نسبيا من العدالة ، ولا يكون ذلكألا بتوفير شروط ذلك ، ولعل من أهمها إقرار مبدأ تكافؤ الفرص والتناسب بينالكفاءة والاستحقاق ومحاربة الاستغلال .


حل المشكلة :


وهكذا يتضح ان العدالة هي ما تسعى المجتمعات قديمها وحديثها إلى تجسيدها ،ويبقى التناقض قائما حول الأساس الذي تبنى عليه العدالة ، غير أن المساواة – رغم صعوبة تحقيقها واقعا – تبقى هي السبيل إلى تحقيق هذه العدالة كقيمةأخلاقية عليا .
 
ا
هل العدالة الحقيقية هي تلك التي تقدم الحق على الواجب؟ أم هي تلك التي يسبق فيها الواجب الحق؟


طرح المشكلة :


اهتم الفلاسفة منذ فجر التاريخ بمشكلة العدالة،حيث كان تطبيقها على أرض الواقع مطلبا أساسيا للفلاسفة و علماء القانون والأخلاق.وإذا اقتضت العدالة جهاز حقوق و واجبات فقد اختلف المفكرون حول أسبقية كل منهما على الأخر. حيث ظهر الى الوجود عناد فكري تمثل في أن طائفة من المفكرين ترى أن الحق أولى من الواجب في حين رأت طائفة أخرى أن الواجب أسبق، و هذا ما طرح مشروعية التساؤل حول تطبيق العدالة بربطها بجهاز الحقوق و الواجبات.فهل يمكن اعتبار العدالة الحقة هي تلك التي يسبق فيها الحق الواجب أم هي تلك التي يتقدم فيها الواجب على الحق؟؟


محاولة حل المشكلة


عرض منطق الأطروحة يرى كثير من الفلاسفة و من بينهمسقراط، جون لوك، وولفأن العدالة الحقيقية هي تلك التي تقتضي تقدم الحق على الواجب.حيث أن سقراط عندما سؤل عن العدالة قال" العدالة هي إعطاء كل ذي حق حقه" و قد فهم من هذا التعريف أن سقراط يربط العدالة بالحقوق دون الحديث عن الواجبات، أما فلاسفة "القانون الطبيعي" فإنهم يعتقدون أن العدالة تقتضي تقدم الحقوق على الواجبات و ذلك أن الحق هو معطى طبيعي (مثل حق الغذاء، التناسل،حق الحرية........) فهي حقوق معطاة بالطبيعة اذ أن كل مولود يتمتع بها بمجرد أن يولد، دون ان يطالب بها.يقول 'وولف' " كلما تكلمنا عن القانون الطبيعي لا نبغي مطلقا قانونا طبيعيا، بل بالأحرى الحقوق التي يتمتع بها بمجرد ان يولد من غير أن يطالب بها" حق الفرد سابق لواجب الدولة و هذا من منطلق أن القانون الطبيعي سابق لنشأة الدولة. العدالة المطلقة تقتضي احترام الطبيعة البشرية في إقرارها بالحقوق الملازمة لكينونتها البشرية التي تضمنها القوانين الطبيعية.كما أن الحقوق الطبيعية ملازمة للوجود الإنساني فهي سابقة لكل واجب لأن الوجود يتوقف عليها (كالحق في الحرية و الملكية و حق محاكمة المعتدي وحق معاقبته.


_ان القوانين الطبيعية تتضمن حقوقا طبيعية بينما الواجبات ميزة القوانين الوضعية.و بما أن القوانين الطبيعية سبقت القوانين الوضعية باعتبار المجتمعالطبيعي يسبق المجتمع السياسي (الدولة) إذا فالحقوق تسبق الواجبات ويقول 'جون لوك' " لما كان الإنسان قد ولد وله الحق الكامل في الحرية و التمتع بجميع حقوق قانون الطبيعة فان له بالطبيعة الحق لا في المحافظة على ما يخصه أي حياته و حريته و ممتلكاته فحسب بل في أن يحاكم الآخرين في خرقهم لهذا القانون".


الحجج و البراهين


_ان حقوق الإنسان أولى في القانون الوضعي، بدليل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان التي استمدت فلسفتها القانونية من فلاسفة القانون الطبيعي،إذ أن المادة (3) من إعلان حقوق الإنسان الصادر سنة 1789 تنص على :


_هدف كل جماعة سياسية(دولة) هو المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية و هي الحرية، و الملكية،و الأمن، و مقاومة الاضطهاد,


كما أن أول إعلان أمريكي في الحقوق يؤكد على الحق في الحياة و الحرية و التملك و الأمن وقد ورد هذا في كتاب "ضمانات الحرية في الدستور الأمريكي ".


_جاء في المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان : "لكل شخص الحق في حرية التفكير و الدين و الضمير و يشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنها بالتعليم و الممارسة و إقامة الشعائر و مراعاتها سواء كان ذلك سرا أو جهرا، منفردا او جماعة."


النقد:


ان مجتمع القانون مجتمع كسول، فالحق يجب أن يقابله واجب كما أن الاقرار بحق الملكية هو تكريس لهيمنة الأقوياء على الضعفاء ، وهذا يتنافى مع العدالة. فطغيان الحقوق على الواجبات يؤدي إلى تناقضات و اضطرابات، كما أنه ينهك مقدرات الدولة (الخيرات


عرض نقيض الأطروحة:


العدالة الحقيقية هي التي تسبق الواجب على الحق، ونجد هذا مثلا في الفكر الفلسفي اليوناني القديم على يد ' أفلاطون' عندما سؤل عن العدالة فقال: "العدل هو أداء الفرد لواجبه و امتلاكه لما يخصه" و بذلك فهم بأن أفلاطون يربط العدل بتقديم أداء الواجبات على امتلاك الحقوق. وفي الفلسفة الحديثة و خصوصا المثالية نجد 'كانط' خير ممثل لهذا الاتجاه حيث يعتقد أن الأولوية للواجب على حساب الحق، لأن الأخلاق تقوم على فكرة الواجب لذاته.


_الواجب يقتضي القيام بالعمل لذات الواجب و ليس لما يترتب عليه من حقوق.


_الواجب أمر مطلق صوري منزه عن الأغراض و النتائج و المنافع و لذلك فأولوية الواجب تعد مقتضى عقليا .


'أوجست كونت': أولوية الواجب مقتضى وضعي، فالواجب قاعدة تفرضها العاطفة و العقل و بذلك فان فكرة الحق يجب أن تختفي من القاموس السياسي.وان الأخلاق عند علماء الاجتماع ذات طابع اجتماعي فهي نابعة من الواجب كإلزام خارجي 'دوركايم'.المجتمع بعاداته و تقاليده يغرسها في الأفراد و يفرضها عليهم.وان حق الفرد هو نتيجة لواجبات الآخرين نحوه، و لو أن كل فرد قام بواجبه لما وجدنا من يطالب بحقه 'أوجست كونت' و لذلك فالمطلوب هو القيام بالواجب و ليس المطالبة بالحق.


_لا يجوز المطالبة بالحق دون القيام بالواجب، فالواجب سابق لاقرار الحق، وهذا يبرز أولوية الواجبات على الحقوق.


_القوانين الوضعية تطلب من الناس القيام بأعمال (واجبات)مقابل أجور(حقوق) فالواجبات أسبق.


النقد:


ان هذه الأطروحة التي تقدم الواجب على الحق تؤدي في النهاية الى تسلط المجتمعات، فمن غير المعقول اقامة عدالة على الواجبات دون الحقوق، فلا يتقبل الناس عدالة تغيب فيها الحقوق، اذ يرهق المجتمع كاهل أفراده بجملة من الواجبات و هذا يؤدي الى حصول التذمر و قد تحدث اضطرابات و ثورات من أجل الحصول على الحقوق (الاستغلال).

التركيب:

العدالة تقوم على التوفيق بين الواجبات والحقوق.ان العبرة ليست بأسبقية أحدهما على الأخر و إنما بإحداث اتزان و توازن بينهما، فبقدر ما يقوم الفرد بواجبات بقدر ما ينال حقوقا في مقابلها تتماشى مع طبيعة هذه الواجبات.


_كما أن القوانين الوضعية الحالية بواجبات مقابل حقوق معينة، واذا كان الحق ادعاءا تم تبريره بواسطة المجتمع فالواجب يعد بمثابة الالتزام ،يلزم الفرد ذاته به في مقابل التمتع بالحق الذي يحدده المجتمع، وكل هذا يهدف الى الصالح العام و من ثم تحقيق العدالة الاجتماعية.


حل الإشكالية
نخلص إلى أن العبرة في العدالة ليست بأسبقية الحق أو العكس و إنما بإحداث نوع من الاتزان المعقول بين ما يقوم به الفرد منواجبات و بين ما يتمتع به من حقوق، سواءا حدد الحق قبل الواجب أم حدد الواجب أولا ثم في مقابله حدد الحق ، فالعبرة في إحداث نوع من المساواة دون تغليب أحدهما على الأخر.
 
شكرا لك على المقالات
تفكرت نهار رح نفوت الباك وحفظت مقالة من هاذو ورحت وانا متاكدة بلي رح تجي لقيت الموضوع في جيهة وانا في جيهة
جعلها الله في ميزان حسناتك
 
شكرا لك على المقالات
تفكرت نهار رح نفوت الباك وحفظت مقالة من هاذو ورحت وانا متاكدة بلي رح تجي لقيت الموضوع في جيهة وانا في جيهة
جعلها الله في ميزان حسناتك
العفو
اللهم أمين
ههههههههههه
علابالك أنا كي دخلت للباك لي راجعته لقيته موجود
هذه المقالات تساعد الطالب على كيفية تحليل مقال فلسفي وليس حفظه
رب يوفقك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top