الدِّينُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ وَحْدَهُ

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,283
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
المؤلف:
مصطفى قالية
الدِّينُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ وَحْدَهُ
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَ أشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:


((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ))[آل عمران: 102].


((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))[النساء: 1].


((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))[الأحزاب: 70-71].


أمَّا بعد:


فإنَّ اللهَ تعالى قد خَلَقَ الخلقَ لعبادتِه، وكلَّفهم بطاعتِه، وحذَّرهم من الإشراكِ به ومن معصيتِه، وأوضح لهم طريق الفلاحِ والرَّشاد، وعرَّف لهم طُرق الضَّلال والغواية، فأتمَّ عليهم النِّعمة، وأزاح عنهم النِّقمة، وممَّا بيَّنه لهم سبحانه وتعالى أنَّه لا قدرةَ لهم على سلوكِ طريقِ الحقّ -مع وضوحه-، ولا قوَّة لهم على مُلازمته-مع ظهوره- إلَّا إذا أعانَهم مولاهم على ذلك، لذا أمرَهم سبحانَه بعبادتِه وحدَه، وأمرَهم كذلك بأن يستَعِينُوا به وحدَه لتحقيق ذلك.


وفي سبيل بيانِ هذا الأصلِ العظيم جاء هذا المقال، والذي هُو في أصلِه محاضرةٌ ألقيتُها في إحدى الدَّورات العلميّة، شرحت فيها قاعدةً عظيمةً من قواعدِ الإسلام من كتابٍ[1] للعَلمِ الهُمام أبي عبدِ الله عبدِ الرَّحمنِ بنِ ناصرِ السِّعدي -رحمه الله- والَّتي كانت بعنوان:


الدِّينُ كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ وَحْدَهُ


وهذا أوان الشُّروع في المقصود، فأقول مستعينا بالله العظيم:


أوَّلا/قوله: (الدِّين) يدخل تحتَه دينُ الله الذي جاءت به الرُّسل جميعًا، من أوَّلهم إلى آخرِهم، وهذا هو الإسلام بالمعنى العام، فدين الله الذي بعث به الرُّسل كلُّه مبني على هذين الأصلين العظيمين.


ثانيا/قوله: (كلَّه) لفظةٌ (كلّ) من أقوى ألفاظ العموم[2]،وهذا الإطلاق إنَّما استفاده أهل العلم بالاستقراء والتَّتَبُّعِ للوحيِ بنوعيهِ: الكتابِ والسُّنَّة، ومن أهل الاستقراء التَّامِّ في هذا المجال وغيرِه شيخا الإسلام بحقّ الإمامان العظيمان والعالمان الكبيران ابنُ تيمية وتلميذُه ابنُ القيِّم-رحمهما الله- فإنَّهما نصَّا على ذلك في عدَّة مواضعَ من كتُبهما النَّافعة وسيأتي ذكرُ كلامِهما قريبا -بإذن الله-.


ثالثا/ العبادة: في اللّغة معناها: الذلّ والخضوع، يُقَال: (بعيرٌ معبَّد) أَي: مذلّل، وَ(طَرِيق معبّد): إِذا كَانَ مذلَّلا قد وطئته الْأَقْدَام.


قال الأزهري: (معنى الْعِبَادَة فِي اللُّغَة: الطَّاعَة مَعَ الخضوع، وَيُقَال طريقٌ مُعَبَّدٌ إِذا كَانَ مذلَّلاً بِكَثْرَة الْوَطْء)[3].


وقال ابن سيده: (أصل الْعِبَادَة فِي اللُّغَة التّذليل من قَوْلهم: طَرِيق مُعَبَّد: أَي مُذّلَّل، بِكَثْرَة الْوَطْء عَلَيْهِ، وَمِنْه أُخذ العَبْد لذلته لمَوْلَاهُ وَالْعِبَادَة والخضوع والتّذلل والاستكانة قرائب فِي الْمعَانِي)[4].


وقال الزَّبيدي: (وَقَالَ بعضُ أَئِمَّةِ الِاشْتِقَاق: أَصْلُ العُبُودِيّةِ: الذُّلُّ والخُضُوعُ)[5].


أمّا في الاصطلاح[6] فالعبادة قد عُرِّفت بتعاريفَ كثيرةٍ ومتنوعةٍ، ومن أحسن هذه التَّعاريفِ وأجمعِها تعريفُ شيخِ الإسلام ابنِ تيميَّة-رحمه الله- لها حيث قالَ:


(الْعِبَادَةُ هِيَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ)[7].


وقد بيَّن تلميذُه ابنُ القيِّم-رحمه الله- حقيقةَ هذا التَّعريفِ، فذكر أنَّه لا بدّ في العبوديَّة من:
(التَّحَقُّقُ بِمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَيَرْضَاهُ، مِنْ قَوْلِ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَعَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، فَالْعُبُودِيَّةُ: اسْمٌ جَامِعٌ لِهَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْأَرْبَعِ،... ثم قال:


فَقَوْلُ الْقَلْبِ: هُوَ اعْتِقَادُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَعَنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَلِقَائِهِ عَلَى لِسَانِ رُسُلِهِ.


وَقَوْلُ اللِّسَانِ: الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَالْدَعْوَةُ إِلَيْهِ، وَالْذَبُّ عَنْهُ، وَتَبْيِينُ بُطْلَانِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ، وَالْقِيَامُ بِذِكْرِهِ، وَتَبْلِيغُ أَوَامِرِهِ.


وَعَمَلُ الْقَلْبِ: كَالْمَحَبَّةِ لَهُ، وَالْتَوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَالْخَوْفِ مِنْهُ وَالْرَجَاءِ لَهُ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ، وَالْصَبْرِ عَلَى أَوَامِرِهِ، وَعَنْ نَوَاهِيهِ، وَعَلَى أَقْدَارِهِ، وَالْرِضَى بِهِ وَعَنْهُ، وَالْمُوَالَاةِ فِيهِ، وَالْمُعَادَاةِ فِيهِ، وَالْذُلِّ لَهُ وَالْخُضُوعِ، وَالْإِخْبَاتِ إِلَيْهِ، وَالْطُمَأْنِينَةِ بِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي فَرْضُهَا أَفْرَضُ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ، وَمُسْتَحِبُّهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ مُسْتَحِبِّهَا، وَعَمَلُ الْجَوَارِحِ بِدُونِهَا إِمَّا عَدِيمُ الْمَنْفَعَةِ أَوْ قَلِيلُ الْمَنْفَعَةِ.


وَأَعْمَالُ الْجَوَارِحِ: كَالْصَلَاةِ وَالْجِهَادِ، وَنَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَمُسَاعَدَةِ الْعَاجِزِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ)اهـ.


و[العبادةُ[8] مبنَاهَا على أصلَيْن عظيمَيْنِ، ولا تُقبل إلا بشرطيْنِ مُهِميَّن].


أما الأصلان اللَّذان مبنى العبادة عليهما فهما: كمال الْحُبِّ مع كمالِ الذُّل.


قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-: (وَالْعِبَادَةُ: اسْمٌ يَجْمَعُ غَايَةَ الْحُبِّ لَهُ وَغَايَةَ الذُّلِّ لَهُ فَمَنْ ذَلَّ لِغَيْرِهِ مَعَ بُغْضِهِ لَمْ يَكُنْ عَابِدًا، وَمَنْ أَحَبَّهُ مِنْ غَيْرِ ذُلٍّ لَهُ لَمْ يَكُنْ عَابِدًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحَبَّ غَايَةَ الْمَحَبَّةِ؛ بَلْ يَكُونُ هُوَ الْمَحْبُوبَ الْمُطْلَقَ الَّذِي لَا يُحَبُّ شَيْءٌ إلَّا لَهُ، وَأَنْ يُعَظَّمَ وَيُذَلَّ لَهُ غَايَةَ الذُّلِّ؛ بَلْ لَا يُذَلُّ لِشَيْءِ إلَّا مِنْ أَجْلِهِ...)[9].


قال ابنُ القيِّم-رحمه الله- في نونيَّته[10]:
وَعِبَادَةُ الرَّحْمَنِ غَايَةُ حُبِّهِ... مَعْ ذُلِّ عَابِدِهِ هُمَا قُطْبَانِ


وَعَلْيهِمَا فُلْكُ العِبَادَةِ دَائِرٌ ... مَا دَارَ حَتَّى قَامَتِ القُطْبَانِ


و أما شرطا قبول العبادة فهما: الإخلاص والمتابعة.


قال شيخُ الإسلام-رحمه الله-: (الدِّينَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ لَا يُعْبَدَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا يُعْبَدَ إلَّا بِمَا شَرَعَ، لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ فِيهِ لِأَحَدِ شَيْئًا"، وَقَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قَالَ: "أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ"، قِيلَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: "إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ"، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} وَالْمَقْصُودُ بِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ)[11].


رابعاً/ الاستعانة:في اللّغة معناها: طلب العون مطلقًا[12].


وفي الاصطلاح هي: طلب العون من الله لدفعِ الضّرِ، أو جلبِ المنفعةِ، أو تثبيتِ الدِّين مع الثِّقةِ به.


وطلب العون من الله يكون إمَّا[13]:


1. بلسانِ المقال: كقولك: (اللهم أعني)، أو: (لا حول ولا قوة إلا بالله)[14] عند شروعك بالفعل.


2. أو بلسانِ الحال: وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى ربِّك -عزَّ وجل- أن يعينك على هذا الفعل، وأنَّه إن وكَّلك إلى نفسك وكَّلك إلى ضعف وعجز.


3. أو طلبِ العون بهما جميعا: والغالب أن من استعان بلسان المقال، يكون قد استعان بلسان الحال.

 
و[الاسْتِعَانَةُ مبنَاهَا على أصلَيْن عظيمَيْنِ].


وهذان الأصلان هما: الثِّقةُ بالله، والاعتمادُ عليه.


يقول ابنُ القيِّم-رحمه الله-: (وَالِاسْتِعَانَةُ تَجْمَعُ أَصْلَيْنِ: الثِّقَةُ بِاللَّهِ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَثِقُ بِالْوَاحِدِ مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِهِ مَعَ ثِقَتِهِ بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ، وَقَدْ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ ثِقَتِهِ بِهِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَلِعَدَمِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهَ، فَيَحْتَاجُ إِلَى اعْتِمَادِهِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاثِقٍ بِهِ).


فإذن لا بدَّ في الاستعانة من الثِّقة بالله والاعتماد عليه وهذا هو حقيقة التَّوكل على الله، وهو اعتماد القلب على الله وثقته به مع اتَّخاذِ الأسباب الشَّرعية، فإذا عَبَدَ الْمُسْلِمُ ربَّهُ واستعانَ به وتوكَّلَ عليه فقد وُفِّق لخيرٍ عظيم.


وقد جاءت النُّصوص الكثيرة من الكتاب والسنَّة تجمع بين هذين الأصلين العظيمين[15]، أي: بين العبادة من جهة وبين الاستعانة أو التَّوكل من جهة أخرى، لِأَنَّ هذَيْن يجمعان الدّين كُله[16]، و من الآيات الواردة في ذلك:


- قَول الله -عز وجل-: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود: 88].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}[هود: 123].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الرّعد: 30].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ}[الفرقان: 58].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[الممتحنة: 4].


- وقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}[المزمل: 8].


قال شيخ الإسلام-رحمه الله- بعد ذكره هذه الآيات: (فَهَذِهِ سَبْعَةُ مَوَاضِعَ تَنْتَظِمُ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ الْجَامِعَيْنِ)[17].


ومن الأحاديث الواردة في ذلك:


قوله –صلى الله عليه وسلم--: ((...احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ...))[18].


وقوله- صلى الله عليه وسلم - لابن عباس-رضي الله عنه--: ((...إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ،...))[19].


وقوله- صلى الله عليه وسلم - وهو يرشد أمراء جيوشه إلى ما يفعلونه إن أبى الأقوام الدُّخول في الإسلام ودفع الجزية: ((...فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَقَاتِلْهُمْ...))[20].


فالله سبحانه فرض على العباد أن يعبدوه وحدَه، وأن يستعينوا به وحدَه.


وأعظم الآيات الواردة في الجمع بين العبادة والاستعانة هي قوله سبحانه في سورة الفاتحة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5].


وفي بيان فضلها وعظيم منزلتها يقول ابنُ القيِّم-رحمه الله-: (وَسِرُّ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ، وَالْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ انْتَهَى إِلَى هَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالتَّوْحِيدِ، حَتَّى قِيلَ[21]: أَنْزَلَ اللَّهُ مِائَةَ كِتَابٍ وَأَرْبَعَةَ كُتُبٍ، جَمَعَ مَعَانِيَهَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ هَذِهِ الْكُتُبِ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ فِي الْمُفَصَّلِ[22]، وَجَمَعَ مَعَانِيَ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَاتِحَةِ، وَمَعَانِيَ الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.


وَهُمَا الْكَلِمَتَانِ الْمَقْسُومَتَانِ بَيْنَ الرَّبِّ وَبَيْنَ عَبْدِهِ نِصْفَيْنِ، فَنَصِفُهُمَا لَهُ تَعَالَى، وَهُوَ "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" وَنِصْفُهُمَا لِعَبْدِهِ وَهُوَ "إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ")[23].


وقد جمعت هذه الآية على وجازتها من الفوائد دررا، ومن البلاغة كنوزا، وسنشير إلى شيء من ذلك:


أولا/ السرُّ في تقديم ما حقُّه التَّأخير


فقد قُدِّم المفعول على الفعل في الآية وهذا فيه ثلاث فوائد[24]:


الأولى: فيه أَدَبُ العِبَادِ مَعَ اللَّهِ بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ عَلَى فِعْلِهِمْ.


الثَّانية: فِيهِ الِاهْتِمَامُ وَشِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِهِ.


الثَّالثة: فِيهِ الْإِيذَانُ بِالِاخْتِصَاصِ، الْمُسَمَّى بِالْحَصْرِ، فَهُوَ فِي قُوَّةٍ: لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَلَا نَسْتَعِينُ إِلَّا بِكَ.


ثانيا/ السرُّ في تقديم العبادة على الاستعانة


ذكر أهل العلم عدَّة حكم منها[25]:


1. تَقْدِيمُ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الْغَايَاتِ عَلَى الْوَسَائِلِ، إِذِ الْعِبَادَةُ غَايَةُ الْعِبَادِ الَّتِي خُلِقُوا لَهَا، وَ الِاسْتِعَانَةُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا.


2. وَلِأَنَّ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} مُتَعَلِّقٌ بِأُلُوهِيَّتِهِ وَاسْمِهِ (اللَّهِ)، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مُتَعَلِّقٌ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَاسْمِهِ (الرَّبِّ)، فَقَدَّمَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} عَلَى إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، كَمَا قَدَّمَ اسْمَ (اللَّهِ) عَلَى (الرَّبِّ) فِي أَوَّلِ الْسُورَةِ.


3. وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمُطْلَقَةَ تَتَضَمَّنُ الِاسْتِعَانَةُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَكُلُّ عَابِدٍ لِلَّهِ عُبُودِيَّةً تَامَّةً مُسْتَعِينٌ بِهِ وَلَا يَنْعَكِسُ، لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَغْرَاضِ وَالشَّهَوَاتِ قَدْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى شَهَوَاتِهِ، فَكَانَتِ الْعِبَادَةُ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ.


4. وَلِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ جُزْءٌ مِنِ الْعِبَادَةِ مِنْ غَيْرٍ عَكْسٍ[26].


5. وَلِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ طَلَبٌ مِنْهُ، وَالْعِبَادَةَ طَلَبٌ لَهُ.


6. وَلِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ مُخْلِصٍ، وَالِاسْتِعَانَةَ تَكُونُ مِنْ مُخْلِصٍ وَمِنْ غَيْرِ مُخْلِصٍ.


ثالثا/ السرُّ في إعادة العامل (إيَّاك) وعدمِ الاكتفاء بالعطف


التَّكرارُ يفيد التَّنْصيصَ على حصرِ الاستعانة به كذلك مثلَ العبادة، فلو اقتصرنا على ضمير واحد (إيَّاك نعبدونستعين) لم يفهم حصر المستعان إنَّما حصْرُ المعبود فقط.


ففِي إِعَادَةِ (إِيَّاكَ) مَرَّةً أُخْرَى دَلَالَةٌ عَلَى تَعَلُّقِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفِعْلَيْنِ، فَفِي إِعَادَةِ الضَّمِيرِ مِنْ قُوَّةِ الِاقْتِضَاءِ لِذَلِكَ مَا لَيْسَ فِي حَذْفِهِ، فَإِذَا قُلْتَ لِمَلِكٍ مَثَلًا: (إِيَّاكَ أُحِبُّ، وَإِيَّاكَ أَخَافُ)، كَانَ فِيهِ مِنَ اخْتِصَاصِ الْحُبِّ وَالْخَوْفِ بِذَاتِهِ وَالِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ، مَا لَيْسَ فِي قَوْلِكِ: (إِيَّاكَ أُحِبُّ وَأَخَافُ)[27].


رابعا/ السرُّ في إطلاق الاستعانة وعدمِ تقييدها بالمفعول


أطلق سبحانه فعل الاستعانة ولم يحدد نستعين على شيء أو نستعين على طاعة أو غيره، إنما أطلقها لتشمل كل شيء وليست محددة بأمر واحد من أمور الدّنيا أو الآخرة، والمعنى: إيّاك نستعين يا الله على عبادتنا، وعلى أعمالنا، وعلى دراستنا، وعلى تربية أبنائنا،وعلى خدمة ديننا، وعلى نصرة شريعتنا، وعلى كلّ صغيرة وكبيرة في أمور دنيانا وأخرانا، لأنَّ حذف المعمول يؤذن بالعموم[28].


إذا علم هذا فلا بدَّ أن يُعلم بأنَّ النَّاسَ في هذين الأصلين-وهما العبادة والاستعانة- أربعةُ أقسام[29]:


القسم الأوَّل/ المؤمنون المتَّقون الذين جمعوا بين الأمرين فهم يعبدونَ الله ويستعينُون به، وهؤلاء قامت جوارحُهم بالأسباب واعتمد قلبُهم على مسبِّبِ الأسباب -سبحانه وتعالى- (فَعِبَادَةُ اللَّهِ غَايَةُ مُرَادِهِمْ، وَطَلَبُهُمْ مِنْهُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهَا، وَيُوَفِّقَهُمْ لِلْقِيَامِ بِهَا، وَلِهَذَا كَانَ مِنْ أَفْضَلِ مَا يُسْأَلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْإِعَانَةُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَهُوَ الَّذِي عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحِبِّهِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ –رضي الله عنه-، فَقَالَ «يَا مُعَاذُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ، فَلَا تَنْسَ أَنْ تَقُولَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ»[30] .


فَأَنْفَعُ الدُّعَاءِ طَلَبُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، وَأَفْضَلُ الْمَوَاهِبِ إِسْعَافُهُ بِهَذَا الْمَطْلُوبِ، وَجَمِيعُ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ مَدَارُهَا عَلَى هَذَا، وَعَلَى دَفْعِ مَا يُضَادُّهُ، وَعَلَى تَكْمِيلِهِ وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ، فَتَأَمَّلْهَا.


وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ-: تَأَمَّلْتُ أَنْفَعَ الدُّعَاءِ فَإِذَا هُوَ سُؤَالُ الْعَوْنِ عَلَى مَرْضَاتِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِي الْفَاتِحَةِ فِي {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: 5])[31].


(وحالة المتوكِّل على الله تشبه حَالَةَ الطِّفْلِ مَعَ أَبَوَيْهِ فِيمَا يَنْوِيهِ مِنْ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ...، فَانْظُرْ فِي تَجَرُّدِ قَلْبِهِ عَنِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ أَبَوَيْهِ، وَحَبْسِ هَمِّهِ عَلَى إِنْزَالِ مَا يَنْوِيهِ بِهِمَا، فَهَذِهِ حَالُ الْمُتَوَكِّلِ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا مَعَ اللَّهِ فَاللَّهُ كَافِيهِ وَلَا بُدَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}[الطلاق: 3] أَيْ كَافِيهِ)[32].


تنبيه: قال الشَّيخ ابنُ عثيمين-رحمه الله-:(وأعلى المراتب: الأولى، أن تجمع بين العبادة والاستعانة. ولننظر في حالنا الآن -وأنا أتكلَّمُ عن حالي- دائما نغلِّب جانب العبادة، فتجد الإنسان يتوضّأ وليس في نفسه شعورٌ أنْ يستعينَ اللهَ على وضوئِه، ويصلِّي وليس في نفسه شعورٌ أنْ يستعينَ اللهَ على الصَّلاة وأنَّه إنْ لَمْ يُعِنْهُ ما صلَّى؛ ... فإذا صلَّيتَ - مثلاً - وشعرتَ أنَّك تصلِّي لكن بمعونةِ الله وأنَّه لولا معونةُ الله ما صلَّيتَ، وأنَّك مفتقرٌ إلى اللهِ أن يعينَكَ حتَّى تصلِّيَ وتتمَّ الصَّلاةَ، حَصَّلْتَ عبادتين: الصَّلاةَ والاستعانةَ...)[33].


القسم الثَّاني/ من لا عبادةَ ولا استعانةَ لهم: وهؤلاء هم الملحدون من المادِّيين والعقلانيِّين -والعياذُ بالله-[34]، وهؤلاء وقعوا في الشِّرك لأنَّهم أثبتُوا مُوجدًا مع الله مستقلاً بالضّر والنّفع، وهذا باطل مخالف للكتاب والسّنّة والإجماع، كما أنّ الأسباب قد تتخلَّف عن مسبِّباتها بإذن الله كما يشهد لذلك الحسُّ؛ والواحدُ من هؤلاء إن استعان بالله وسأله، فعلى حظوظه وشهواته، لا على مرضاة ربِّه وحقوقه، واللهُ (سُبْحَانَهُ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَسْأَلُهُ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَعْدَاؤُهُ وَيَمُدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، وَأَبْغَضُ خَلْقِهِ عَدُّوُهُ إِبْلِيسُ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ سَأَلَهُ حَاجَةً فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَمَتَّعَهُ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَرْضَاتِهِ، كَانَتْ زِيَادَةً لَهُ فِي شِقْوَتِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ اللَّهِ وَطَرْدِهِ عَنْهُ[35]، وَهَكَذَا كُلُّ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى أَمْرٍ وَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَوْنًا عَلَى طَاعَتِهِ كَانَ مُبْعِدًا لَهُ عَنْ مَرْضَاتِهِ، قَاطِعًا لَهُ عَنْهُ وَلَا بُدَّ)[36].


القسم الثَّالث/ من لهم نوعُ عبادةٍ بلاَ استعانةٍ: فحظُّهم ناقصٌ من التَّوكلِ والاستعانةِ به، ولهؤلاء من الخُذلانِ والضّعفِ والعجزِ بحسَبِ قلَّةِ استعانتِهم وتوكُّلهم، وَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ:


أَحَدُهُمَا: من نفى تأثير الأسباب بالكليَّة: وهم القدريَّة الجبْرية، الذين جعلوا العبد مجبورا على أفعاله، وأنَّ حركاته جميعا حركات اضطراريَّة كالورقة في مهبِّ الرِّيح، وهؤلاء يرون أنَّ الأسباب لا تأثير لها في مسبِّباتها، فالله لم يجعل في الأسباب قُوًى وطبائعَ تؤثِّر، وهذا الموقف فاسد باطل مخالف للكتاب والسنَّة والإجماع. وقد وصف العلماء هذا القول بأنّه (قدح في العقل).
النَّوْعُ الثَّانِي: من أعرض عن الأسباب بالكليِّة: كحال غالب الصُّوفيَّة، فهم لا يرون تحقيق التَّوكُّلِ إلَّا في ترك الأسباب بالكليَّة، فتركوا التَّكسُّب والعمل والاحتراز والاحتياط والتَّزوُّد في السَّفر والطَّعام، ويرون ذلك كلَّه منافياً للتَّوكُّل، ولهم شبه ضعيفة أجاب عنها العلماء. وقد وصف العلماء هذا القول بأنّه (قدح في الشَّرع).


(فَهَؤُلَاءِ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالنُّفُوذِ وَالتَّأْثِيرِ، بِحَسَبِ اسْتِعَانَتِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ، وَلَهُمْ مِنَ الْخُذْلَانِ وَالضَّعْفِ وَالْمَهَانَةِ وَالْعَجْزِ بِحَسَبِ قِلَّةِ اسْتِعَانَتِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ)[37].


القسم الرَّابع/ من عندهم استعانةٌ بلا عبادة: وهؤلاء استعانوا بربِّهم، لكن ما استعانوا به على العبادة، وإنما استعانوا به على الدِّرهم والدِّينار، واستعانوا به على الدُّنيا، والواحد منهم قد (شَهِدَ تَفَرُّدَ اللَّهِ بِالنَّفْعِ وَالضُّرِّ، وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَدُرْ مَعَ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ، فَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حُظُوظِهِ وَشَهَوَاتِهِ وَأَغْرَاضِهِ، وَطَلَبَهَا مِنْهُ، وَأَنْزَلَهَا بِهِ، فَقُضِيَتْ لَهُ، وَأُسْعِفَ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ أمْوَالًا أَوْ رِيَاسَةً أَوْ جَاهًا عِنْدَ الْخَلْقِ، أَوْ أَحْوَالًا مِنْ كَشْفٍ وَتَأْثِيرٍ وَقُوَّةٍ وَتَمْكِينٍ، وَلَكِنْ لَا عَاقِبَةَ لَهُ، فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمُلْكِ الظَّاهِرِ، وَالْأَمْوَالُ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِسْلَامَ، فَضْلًا عَنِ الْوِلَايَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّه)[38].


((فإنَّ الله يُعْطِي الدُّنيا من يحبُّ ومن لا يحبُّ وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ))[39].


والحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِين

 
هامش المراجع.
الموضوع نقلا عن مركز التصفية و التربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


[1] اسم الكتاب هو: أصولٌ عظيمةٌ من قواعدِ الإسلام، وهو كتابٌ عظيم لم ير النُّور إلا قريبا، وهو عبارة عن خمسِ قواعدَ من قواعدِ الإسلام اختارها المصنِّف لعظمِها وأهميَّتِها ونبَّه على أنَّها من الأصول التي ينبغي على كل مسلم ضبطُها والاعتناءُ بها.
[2] انظر الفروق للقرافي(1/98)، والبحر المحيط للزركشي(4/84)، وإرشاد الفحول(1/297).
[3] تهذيب اللغة(2/138).
[4] المخصص(4/62).
[5]تاج العروس(8/330).
[6] المراد هنا تعريف عبادة الطّاعة، وهي العبادة الخاصّة، أما العبادة العامّة فهي عبودية القهر والذّل، وهي عبادة أهل السماء وأهل الأرض كلِّهم. انظر مدارج السَّالكين(1/125).
[7]العبودية(44)، ومجموع الفتاوى(10/149).
[8]يقول ابنُ القيِّم-رحمه الله- وهو يبيِّن فضلَ الوصفِ بالعبوديَّة: (اللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْعُبُودِيَّةَ وَصْفَ أَكْمَلِ خَلْقِهِ، وَأَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ فقال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا}[النساء: 172]... وَوَصَفَ أَكْرَمَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، وَأَعْلَاهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً بِالْعُبُودِيَّةِ فِي أَشْرَفِ مَقَامَاتِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: 23]، وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}[الفرقان: 1]، وَقَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ}[الكهف: 1]، فَذَكَرَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي مَقَامِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ، وَفِي مَقَامِ التَّحَدِّي بِأَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، وَقَالَ: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن: 19] فَذَكَرَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي مَقَامِ الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَقَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}[الإسراء: 1] فَذَكَرَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ فِي مَقَامِ الْإِسْرَاءِ...). انظر مدارج السَّالكين(1/121-122).
[9]مجموع الفتاوى(15/162).
[10]ص(35).
[11]مجموع الفتاوى(26/151).
[12]مجموع الفتاوى(1/103).
[13]انظر كتاب: القول المفيد على كتاب التّوحيد لابن عثيمين-رحمه الله-(2/369).
[14]فائدة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-: (هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَلِمَةُ اسْتِعَانَةٍ؛ لَا كَلِمَةُ اسْتِرْجَاعٍ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُهَا عِنْدَ الْمَصَائِبِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ وَيَقُولُهَا جَزَعًا لَا صَبْرًا). انظر مجموع الفتاوى(10/686)، والشّرح الممتع(2/84-85).
[15]انظر تفسير ابن كثير (4/288و8/255).
[16]انظر مجموع الفتاوى(10/18).
[17]انظر مجموع الفتاوى(1/22).
تنبيه: لم يذكر ابنُ القيِّم-رحمه الله- في مدارج السَّالكين(1/97) الآية التي في سورة الفرقان ثم قال: (فَهَذِهِ سِتَّةُ مَوَاضِعَ يُجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ)
[18] رواه مسلم(2664) من حديث أبي هريرة.
[19]رواه أحمد(2669) والترمذي(2516)، من حديث ابن عباس. وصحّحه الألباني في مشكاة المصابيح(5302).
[20] رواه مسلم(1731) من حديث بريدة بن الحصيب.
[21] جاء هذا القول منسوبا للحسن البصري في عدّة كتب، انظر: مفاتيح الغيب للرازي(1/160)، واللباب في علوم الكتاب للنعماني(1/164)، ومجموع الفتاوى(14/7)، وجاء في المرجع الأخير عزوه لابن ماجه وغيره، ولم أجده.
[22]وهو ما يلي المثاني من قصار السُّور إلى آخر القرآن، وَهو: مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وسمِّي بالمفصَّل لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، وقيل: لقلّة المنسوخ منه، ولهذا يسمّى بالمحكم أيضًا، كما روى أحمد في المسند (2283) بسند صحيح عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍﭬ، قَالَ: (إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُفَصَّلَ هُوَ الْمُحْكَمُ)، ورواه البخاري في صحيحه (5035) ولكن جعله من كلامِ ابنِ جبير-رحمه الله-.
[23]انظر: مدارج السَّالكين(1/95).
[24]انظر: مدارج السَّالكين(1/98).
[25]انظر: مدارج السَّالكين(1/97).
[26]قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: (والتَّوَكُّل هُوَ الِاسْتِعَانَة وَهِي من عبَادَة الله لَكِن خصّت بِالذكر ليقصدها المتعبد بخصوصها فَإِنَّهَا هِيَ العون على سَائِر أَنْوَاع الْعِبَادَة إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ لَا يُعبد إِلَّا بمعونته). العبودية(75).
[27]انظر: مدارج السَّالكين(1/99).
[28] انظر البحر المحيط للزركشي(4/221)، ومناهل العرفان للزرقاني(1/133)، وجواهر البلاغة للهاشمي(156).
[29]انظر: التّدمرية(234-235)، ومجموع الفتاوى(3/124) وما بعدها، ومدارج السَّالكين(1/99) وما بعدها، وأعلام الموقعين(2/123).
[30] رواه أحمد (22117)، وأبو داود (1522)، والنسائي(1303) من حديث معاذ بن جبل. وصححه الألباني في مشكاة المصابيح(949).
[31]انظر: مدارج السَّالكين(1/100).
[32]انظر: مدارج السَّالكين(1/103).
[33] شرح الأصول من علم الأصول(190-191).
[34] انظر: شرح الأصول من علم الأصول(191).
[35]يقول الله سبحانه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 18-20].
[36]انظر: مدارج السَّالكين(1/100).
[37]انظر: مدارج السَّالكين(1/102-103).
[38]انظر: مدارج السَّالكين(1/103).
[39]أخرجه أحمد (3672)، والحاكم (94)، وغيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعا، والصّحيح أنّه موقوف ولكن له حكم الرفع. انظر العلل للدارقطني(5/269)(872)، والسّلسلة الصّحيحة(6/482)(2714).


 
بارك الله فيك و احسن اليك

و الله اخونا ابو ليث طريقة عرض مواضيعك لها ميزاتها الخاصة بمعنى انه لو عرضت موضوعا في منتدى اخر لادركت انه لحضرتكم

تقبلوا مني كل الاحترام و التقدير
 
جزاك الله خيىرا على الموصوع و دائما اقول التبسيط يوصل الرسالة بمعنى اوسع واعمق
 
بارك الله فيك و احسن اليك

و الله اخونا ابو ليث طريقة عرض مواضيعك لها ميزاتها الخاصة بمعنى انه لو عرضت موضوعا في منتدى اخر لادركت انه لحضرتكم

تقبلوا مني كل الاحترام و التقدير
نسأل الله التوفيق و القبول.
بارك الله فيك و احسن اليك
و فيك بارك.
جزاك الله خيىرا على الموصوع و دائما اقول التبسيط يوصل الرسالة بمعنى اوسع واعمق
أحسن الله إليك.
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top