التفاعل
10.3K
الجوائز
2.5K
- تاريخ التسجيل
- 8 جانفي 2010
- المشاركات
- 10,646
- آخر نشاط
- الوظيفة
- تاجر

الفصل الثاني
في ذكر الأمور التي يستمد منها الإيمان
وهذا فصل عظيم النفع والحاجة ، بل الضرورة ماسة إلى معرفته، والعناية به ، معرفة واتصافاً- وذلك : أن الإيمان هو كمال العبد ، وبه ترتفع درجاته في الدنيا والآخرة ، وهو السبب والطريق لكل خير عاجل أو آجل . ولا يحصل ، ولا يقوى ، ولا يتم إلا بمعرفة ما منه يستمد و (بالوصول) إلى ينبوعه وأسبابه وطرقه .
والله تعالى قد جعل لكل مطلوب سبباً وطريقاً يوصل إليه ، والإيمان أعظم المطالب وأهمها وأعمها ؛ وقد جعل الله له مواد كبيرة تجلبه وتقويه ، كما كان له أسباب تضعفه وتوهيه .
ومواده التي تجلبه وتقويه أمران : مجمل ومفصل .
أما المجمل فهو : التدبر لآيات الله المتلوة : من الكتاب والسنة ؛ والتأمل لآياته الكونية على اختلاف أنواعها ؛ والحرص على معرفة الحق الذي خلق له العبد ؛ والعمل بالحق ؛ فجميع الأسباب مرجعها إلى هذا الأصل العظيم .
وأما التفصيل : فالإيمان يحصل ويقوى بأمور كثيرة :
1-منها –بل أعظمها- : معرفة أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والسنة ، والحرص على فهم معانيها ، والتعبد لله فيها .
فقد ثبت في الصحيحين عنه ( عليه الصلاة و السلام) أنه قال : ( إن لله تسعة( [1]) وتسعين اسماً –مائة إلا واحداً –من أحصاها ، دخل الجنة) أي من حفظها، وفهم معانيها ، واعتقدها ، وتعبَّد لله بها دخل الجنة . والجنة لا يدخلها إلا المؤمنون .
فعلم : أن ذلك أعظم ينبوع ومادة لحصول الإيمان وقوته وثباته ؛ ومعرفة الأسماء الحسنى هي أصل الإيمان ، والإيمان يرجع إليها.
ومعرفتها تتضمن أنواع التوحيد الثلاثة : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية ، وتوحيد الأسماء والصفات ، وهذه الأنواع هي رُوح الإيمان ورَوحه ، وأصله وغايته . فكلما (عرفها) ازداد إيمانه ، وقوي يقينه ، فينبغي للمؤمن : أن يبذل مقدوره ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات ، وتكون معرفته سالمة من داء التعطيل ، ومن داء التمثيل ؛ اللذين ابتلي بهما كثير من أهل البدع المخالفة لما جاء به الرسول ؛ بل تكون المعرفة متلقاة من الكتاب والسنة ، وما روى عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، فهذه المعرفة النافعة التي لا يزال صاحبها في زيادة في إيمانه وقوة يقينه ، وطمأنينة في أحواله .
2-ومنها : تدبر القرآن على وجه العموم . فإن المتدبر لا يزال يستفيد من علوم القرآن ومعارفه ؛ ما يزداد به إيماناً . كما قال الله تعالى: ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( 8/2) .
وكذلك : إذا نظر على انتظامه وإحكامه ؛ وأنه يصدق بعضه بعضاً ، ويوافق بعضه بعضاً ، ليس فيه تناقض ولا اختلاف- تيقن أنه: (تنزيل من حكيم حميد) ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) ( [2]) ،
وأنه لو كان من عند غير الله ، لوجد فيه –من التناقض والاختلاف- أمور كثيرة . قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ( 4/82) . وهذا من أعظم مقويات الإيمان ، ويقويه من وجوه كثيرة : فالمؤمن بمجرد ما يتلو آيات الله ، ويعرف ما رُكِب عليه من الأخبار الصادقة ، والأحكام الحسنة – يحصل له من أمور الإيمان ، خيرٌ كبير فكيف إذا أحسن تأمله ، وفهم مقاصده وأسراره ؟! ولهذا كان المؤمنون الكمل يقولون: ( رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا ) الآية ( 3/193) .
يتبع بإذنه تعالى...
( [1]) الرواية : ( تسعاً) . وهذا الحديث أخرجه عن طريق أبي هريرة –باختلاف أو زيادة أو اختصار- الشيخان والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم ، والبيهقي في الشعب ، وأبو نعيم في الأسماء الحسنى ، وكل من أبي الشيخ وابن مردوية في التفسير . وأخرج من طريق علي في الحلية . ومن طريق عمر في تاريخ ابن عساكر ، وأخرجه النسائي كما في هداية الباري ( 1/200) والبغوي في المصابيح : ( 1/19) وراجع : صحيح البخاري ( 1/198، و8/97 و9/118) ومسلم ( 8/63) والجامع الصغير ( 1/93، 94) والفتح الكبير ( 1/406-408) .
( [2]) اقتباس بتقديم وتأخير ، من سورة فصلت ( 41/42) .