أقسام العباد في دوام التوبة والإستقامة

نضال ابن فوزي

:: عضو منتسِب ::
إنضم
20 أكتوبر 2017
المشاركات
71
نقاط التفاعل
84
النقاط
3
العمر
26
محل الإقامة
الجزائر
الجنس
ذكر
أَقْسَامُ الْعِبَادِ فِي دَوَامِ التَّوْبَةِ


اعْلَمْ أَنَّ التَّائِبِينَ فِي التَّوْبَةِ عَلَى أَرْبَعِ طَبَقَاتٍ :

الطَّبَقَةُ الْأُولَى : أَنْ يَتُوبَ الْعَاصِي وَيَسْتَقِيمَ عَلَى التَّوْبَةِ إِلَى آخِرِ عُمْرِهِ فَيَتَدَارَكُ مَا فَرَطَ مِنْ أَمْرِهِ وَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِالْعَوْدِ إِلَى ذُنُوبِهِ ، إِلَّا الزَّلَّاتِ الَّتِي لَا يَنْفَكُّ الْبَشَرُ عَنْهَا فِي الْعَادَاتِ ، فَهَذَا هُوَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوْبَةِ ، وَصَاحِبُهُ هُوَ "السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ " الْمُسْتَبْدِلُ بِالسَّيِّئَاتِ حَسَنَاتٍ ، وَاسْمُ هَذِهِ التَّوْبَةِ : "التَّوْبَةُ النَّصُوحُ " وَاسْمُ هَذِهِ النَّفْسُ السَّاكِنَةُ : "النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ " الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى رَبِّهَا رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً .


الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ : تَائِبٌ سَلَكَ طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ فِي أُمَّهَاتِ الطَّاعَاتِ وَتَرَكَ كَبَائِرَ الْفَوَاحِشِ كُلَّهَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ يَنْفَكُّ عَنْ ذُنُوبٍ تَعْتَرِيهِ لَا عَنْ عَمْدٍ وَلَكِنْ يُبْتَلَى بِهَا فِي مَجَارِي أَحْوَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَدِّمَ عَزْمًا عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّهُ كُلَّمَا أَقْدَمَ عَلَيْهَا لَامَ نَفْسَهُ وَنَدِمَ وَتَأَسَّفَ وَجَدَّدَ عَزْمَهُ عَلَى أَنْ يَتَشَمَّرَ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ أَسْبَابِهَا الَّتِي تُعَرِّضُهُ لَهَا ، وَهَذِهِ النَّفْسُ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ " النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ " إِذْ تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى مَا يَسْتَهْدِفُ لَهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الذَّمِيمَةِ لَا عَنْ تَصْمِيمِ عَزْمٍ وَقَصْدٍ ، وَهَذِهِ أَيْضًا رُتْبَةٌ عَالِيَةٌ وَإِنْ كَانَتْ نَازِلَةً عَنِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى ، وَهِيَ أَغْلَبُ أَحْوَالِ التَّائِبِينَ ، لِأَنَّ الشَّرَّ مَعْجُونٌ بِطِينَةِ الْآدَمِيِّ قَلَّمَا يَنْفَكُّ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا غَايَةُ سَعْيِهِ أَنْ يَغْلِبَ خَيْرُهُ شَرَّهُ حَتَّى يَثْقُلَ مِيزَانُهُ فَتَرْجَحُ كِفَّةُ الْحَسَنَاتِ ، فَأَمَّا أَنْ تَخْلُوَ بِالْكُلِّيَّةِ كِفَّةُ السَّيِّئَاتِ فَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ ، وَهَؤُلَاءِ لَهُمْ حُسْنُ الْوَعْدِ مِنَ اللَّهِ إِذْ قَالَ - تَعَالَى - : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) [ النَّجْمِ : 32 ] فَكُلُّ إِلْمَامٍ يَقَعُ بِصَغِيرَةٍ لَا عَنْ تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ مِنَ اللَّمَمِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ، قَالَ - تَعَالَى - : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 135 ] فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ مَعَ ظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ لِتَنَدُّمِهِمْ وَلَوْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِ ، وَفِي الْخَبَرِ : " لَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ ذَنْبٍ يَأْتِيهِ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ " أَيْ بَعْدَ الْحِينِ ، وَفِي الْخَبَرِ : " كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاؤُونَ ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ " فَكُلُّ ذَلِكَ أَدِلَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُنْقِصُ التَّوْبَةَ وَلَا يُلْحِقُ صَاحِبَهَا بِدَرَجَةِ الْمُصِرِّينَ .


الطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَمِرَّ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ مُدَّةً ثُمَّ تَغْلِبُهُ الشَّهْوَةُ فِي بَعْضِ الذُّنُوبِ فَيُقْدِمُ عَلَيْهَا عَنْ قَصْدٍ لِعَجْزِهِ عَنْ قَهْرِ الشَّهْوَةِ ، إِلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ مُوَاظِبٌ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَارِكٌ جُمْلَةً مِنَ الذُّنُوبِ وَهُوَ يَوَدُّ لَوْ كُفِيَ شَرَّهَا فِي حَالِ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ ، وَعِنْدَ الْفَرَاغِ يَتَنَدَّمُ وَيَقُولُ : "لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْهُ ، وَسَأَتُوبُ عَنْهُ وَأُجَاهِدُ نَفْسِي فِي قَهْرِهَا " ، لَكِنَّهُ يُسَوِّلُ نَفْسَهُ وَيُسَوِّفُ تَوْبَتَهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ ، فَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى ( النَّفْسُ الْمُسَوِّلَةُ ) وَصَاحِبُهَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِيهِمْ : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ) [ التَّوْبَةِ : 102 ] فَأَمْرُهُ مِنْ حَيْثُ مُوَاظَبَتِهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَكَرَاهَتُهُ لِمَا تَعَاطَاهُ مَرْجُوٌّ ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ

وَعَاقِبَتُهُ مَخَطَّرَةٌ مِنْ حَيْثُ تَسْوِيفُهُ وَتَأْخِيرُهُ ، فَرُبَّمَا يُخْتَطَفُ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَيَقَعُ أَمْرُهُ فِي الْمَشِيئَةِ ، إِنْ تَدَارَكَهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ أَلْحَقَهُ بِالسَّابِقِينَ وَإِلَّا فَيُخْشَى عَلَيْهِ .


الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْ يَتُوبَ وَيَجْرِيَ مُدَّةً عَلَى الِاسْتِقَامَةِ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُقَارَفَةِ الذَّنْبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَسَّفَ عَلَى فِعْلِهِ ، بَلْ يَنْهَمِكُ انْهِمَاكَ الْغَافِلِ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصِرِّينَ ، وَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ ( النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ الْفَرَّارَةُ مِنَ الْخَيْرِ ) ، وَيُخَافُ عَلَى هَذَا سُوءُ الْخَاتِمَةِ ، وَانْتِظَارُهُ مَعَ هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - غُرُورٌ ، فَإِنَّ الْمُقَصِّرَ عَنِ الطَّاعَةِ الْمُصِرَّ عَلَى الذُّنُوبِ الْغَيْرَ السَّالِكِ سَبِيلَ الْمَغْفِرَةِ الْمُنْتَظِرَ لِلْغُفْرَانِ ، يُعَدُّ عِنْدَ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ مِنَ الْمَعْتُوهِينَ كَمَا أَنَّ مَنْ خَرَّبَ بَيْتَهُ وَضَيَّعَ مَالَهُ وَتَرَكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ جِيَاعًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ فَضْلَ اللَّهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُ كَنْزًا يَجِدُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ فِي بَيْتِهِ الْخَرِبِ - يُعَدُّ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَائِرِ مِنَ الْحَمْقَى الْمَغْرُورِينَ ، فَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالطَّاعَاتِ كَطَلَبِ الْعِلْمِ بِالْجُهْدِ وَالتَّكْرَارِ وَطَلَبِ الْمَالِ بِالتِّجَارَةِ . وَالْعَجَبُ مِنْ عَقْلِ هَذَا الْمَعْتُوهِ وَتَرْوِيجِهِ حَمَاقَتَهُ إِذْ يَقُولُ : "إِنَّ اللَّهَ كِرِيمٌ وَجَنَّتُهُ لَيْسَتْ تَضِيقُ عَلَى مِثْلِي ، وَمَعْصِيَتِي لَيْسَتْ تَضُرُّهُ " ثُمَّ تَرَاهُ يَرْكَبُ الْبِحَارَ وَيَقْتَحِمُ الْأَوْعَارَ فِي طَلَبِ الدِّينَارِ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ : "إِنَّ اللَّهَ كِرِيمٌ وَدَنَانِيرُ خِزَانَتِهِ لَيْسَتْ تَقْصُرُ عَلَى فَقْرِكَ ، وَكَسَلُكَ بِتَرْكِ التِّجَارَةِ لَيْسَ يَضُرُّكَ ، فَاجْلِسْ فِي بَيْتِكَ فَعَسَاهُ يَرْزُقُكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ " فَيَسْتَحْمِقُ قَائِلَ هَذَا الْكَلَامَ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ وَيَقُولُ : "مَا هَذَا الْهَوَسُ ؟ السَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً ، وَإِنَّمَا يُنَالُ ذَلِكَ بِالْكَسْبِ ، وَهَكَذَا قَدَّرَهُ مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ وَأَجْرَى بِهِ سُنَّتَهُ وَلَا تَبْدِيلَ لِسُنَّةِ اللَّهِ " . وَلَا يَعْلَمُ الْمَغْرُورُ أَنَّ رَبَّ الْآخِرَةِ وَرَبَّ الدُّنْيَا وَاحِدٌ ، وَأَنَّ سُنَنَهُ لَا تَبْدِيلَ لَهَا فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ إِذْ قَالَ : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) [ النَّجْمِ : 39 ] فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالِ .

___________________________
من كتاب "موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين" وهو كتاب نفيس جدا في تزكية النفوس، من أراد المطالعة عليه، فليضغط على عنوانه لتحميله.
 
بارك الله فيك ونسال الله الهداية والثبات والعفو والعافية
 
شكرا اخي الغالي على الموضوع القيم
في انتظار المزيد من المواضيع المشابهة
تقبل مروري ،،،
 
سجلني في الطّبقة الثالثة ، أسئّل الله حسنَ الخِتام
نفع الله بك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top