سلسلة {قصص الأنبياء} اليوم الواحد و العشرون 21 ( اليسع وشمويل) عليهما السلام

HAMZA USMA

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 أكتوبر 2012
المشاركات
10,641
نقاط التفاعل
21,488
النقاط
1,071
محل الإقامة
غاردية
الجنس
ذكر
do.php


1279994231.gif



الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا ،ونصب لنا الدلائل على صحته برهانا مبينا ، وأوضح السبيل الى معرفته وإعتقاده حقا يقينا .
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ولا ضد ولا ند له تعالى عن إفك المبطلين وخرص الكاذبين وأشهد انا محمدا عبده ورسوله وصفوته من خلقه وخيرته من بريته وأمينه على وحيه
فان اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
408603nvxty3s2e6.gif

ركن نفحات رمضانية (من هدي القرآن والسنة )
408603nvxty3s2e6.gif

1abu115.gif
1abu115.gif
سلسلة قصص الأنبياء
1abu110.gif
1abu110.gif

العدد الماضي زكريا ويحي عليه السلام

do.php

باب ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام

ذكر جماعة من أنبياء بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام ثم نتبعهم بذكر داود وسليمان عليهما السلام:
قال ابن جرير في تاريخه: لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الماضين وأمور السالفين من أمتنا وغيرهم أن القائم
بأمور بني إسرائيل بعد يوشع كالب بن يوفنا، يعني أحد أصحاب موسى عليه السلام وهو زوج أخته مريم،
وهو أحد الرجلين اللذين ممن يخافون الله، وهما يوشع وكالب، وهما القائلان لبني إسرائيل حين نكلوا عن الجهاد:
{ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
قال ابن جرير: ثم من بعده كان القائم بأمور بني إسرائيل حزقيل بن بوذى وهو الذي دعا الله فأحيا الذين
أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت.
قصة حزقيل
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ
لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ}.
قال محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه إن كالب بن يوفنا لما قبضه الله إليه بعد يوشع خلف في بني إسرائيل
حزقيل بن بوذى وهو ابن العجوز وهو الذي دعا للقوم الذين ذكرهم الله في كتابه فيما بلغنا.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}
قال ابن إسحاق: فروا من الوباء فنزلوا بصعيد من الأرض فقال لهم الله موتوا فماتوا جميعاً فحظروا عليهم
حظيرة دون السباع، فمضت عليهم دهور طويلة فمر بهم حزقيل عليه السلام فوقف عليهم متفكراً فقيل له: أتحب
أن يبعثهم الله وأنت تنظر؟ فقال: نعم. فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحماً وأن يتصل العصب بعضه
ببعض فإذا هم عن أمر الله له بذلك، فقام القوم أجمعون وكبروا تكبيرة رجل واحد.
وقال أسباط عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن أناس من
الصحابة في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمْ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ}. قالوا:
كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، وقع بها الطاعون، فهرب عامة أهلها، فنزلوا ناحية منها، فهلك من بقي في
القرية، وسلم الآخرون فلم يمت منهم كثير، فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين، فقال الذين بقوا: أصحابنا هؤلاء
كانوا أحزم منا، لو صنعنا كما صنعوا بقينا، ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع في قابل، فهربوا وهم
بضعة وثلاثون ألفاً، حتى نزلوا ذلك المكان، وهو واد أفيح، فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: أن موتوا
فماتوا حتى إذا هلكوا وبقيت أجسادهم مرّ بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم، ويلوي
شدقيه وأصابعه، فأوحى الله إليه: تريد أن أريك كيف أحييهم؟ قال: نعم. وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله
عليهم، فقيل له: ناد. فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك أن تكتسي لحماً فاكتست لحماً ودماً وثيابها التي ماتت فيها.
ثم قيل له: ناد. فنادى: أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا.
قال أسباط: فزعم منصور عن مجاهد أنهم قالوا حين أحيوا "سبحانك الله وبحمدك لا إله إلا أنت" فرجعوا إلى قومهم
أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى، سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوباً إلا عاد رسماً، حتى ماتوا لآجالهم
التي كتبت لهم.
وعن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه ثمانية آلاف، وعن أبي صالح تسعة آلاف، وعن ابن عباس أيضاً
كانوا أربعين ألفاً.
وعن سعيد بن عبد العزيز كانوا من أهل أذرعات.
وقال ابن جريج عن عطاء: هذا مثل. يعني أنه سيق مثلاً مبيناً أنه لن يغني حذر من قدر! وقول الجمهور أقوى
أن هذا وقع.

وقد روى الإمام أحمد وصاحبا الصحيح من طريق الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب،
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن عبد الله بن عباس، أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ
لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء وقع بالشام. فذكر الحديث. يعني في
مشاورته المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه، فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيباً ببعض حاجته فقال:
إن عندي من هذا علماً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه،
وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج ويزيد المفتى قالا حدثنا ابن أبي ذؤيب عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن
عامر بن ربيعة، أن عبد الرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا السقم
عذب به الأمم قبلكم، فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. قال:
فرجع عمر من الشام. وأخرجاه من حديث مالك عن الزهري بنحوه.
قال محمد بن إسحاق ولم يذكر لنا مدة لبث حزقيل في بني إسرائيل ثم إن الله قبضه إليه، فلما قبض نسي بنو إسرائيل
عهد الله إليهم وعظُمت فيهم الأحداث وعبدوا الأوثان وكان من جملة ما يعبدونه من الأصنام صنم يقال له بعل،
فبعث الله إليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

قلت: وقد قدمنا قصة إلياس تبعاً لقصة الخضر لأنهما يُقرنان في الذكر غالباً، ولأجل أنها بعد قصة موسى في سورة
الصافات فتعجلنا قصته لذلك والله أعلم.
قال محمد بن إسحاق فيما ذكر له عن وهب بن منبه قال: ثم تنبأ فيهم إلياس وصية اليسع بن أخطوب عليه السلام.

do.php

قصة اليسع عليه السلام
وقد ذكره الله تعالى مع الأنبياء في سورة الأنعام في قوله {وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}. وقال تعالى في سورة ص:
{وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنْ الأَخْيَارِ}.
قال ابن إسحاق: حدثنا بشر أبو حذيفة، أنبأنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: كان بعد إلياس اليسع عليه السلام، فمكث ما شاء الله أن يمكث
يدعوهم إلى الله مستمسكاً بمنهاج إلياس وشريعته حتى قبضه الله عز وجل إليه ثم خلف فيهم الخلوف وعظُمت فيهم الأحداث والخطايا وكثرت
الجبابرة وقتلوا الأنبياء، وكان فيهم ملك عنيد طاغ، ويقال إنه الذي تكفل له ذو الكفل إن هو تاب ورجع دخل الجنة فسمي ذا الكفل. قال محمد بن
إسحاق هو اليسع بن أخطوب.
وقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في حرف الياء من تاريخه: اليسع وهو الأسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن
إبراهيم الخليل. ويقال هو ابن عم إلياس النبي عليهما السلام ويقال كان مستخفياً معه بجبل قاسيون من ملك بعلبك ثم ذهب معه إليها، فلما رفع
إلياس خلفه اليسع في قومه ونبأه الله بعده. ذكر ذلك عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه، عن وهب بن منبه. قال وقال غيره وكان الأسباط ببانياش.
ثم ذكر ابن عساكر قراءة من قرأ اليسع بالتخفيف والتشديد ومن قرأ واليَّسع وهو اسم واحد لنبي من الأنبياء.
قلت: قد قدمنا قصة ذا الكفل بعد قصة أيوب عليه السلام لأنه قد قيل إنه ابن أيوب فالله تعالى أعلم.
فصل
قال ابن جرير وغيره: ثم مرج أمر بني إسرائيل، وعظمت منهم الخطوب والخطايا، وقتلوا من قتلوا من الأنبياء، سلط الله عليهم بدل الأنبياء
ملوكاً جبارين، يظلمونهم ويسفكون دماءهم، وسلط الله عليهم الأعداء من غيرهم أيضاً، وكانوا إذا قاتلوا أحداً من الأعداء يكون معهم تابوت الميثاق
الذي كان في قبة الزمان، كما تقدم ذكره، فكانوا يُنصرون ببركته، وبما جعل الله فيه من السكينة والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون.
فلما كان في بعض حروبهم مع أهل غزة وعسقلان غلبوهم وقهروهم على أخذه فانتزعوه من أيديهم، فلما علم بذلك ملك بني إسرائيل في ذلك الزمان
مالت عنقه فمات كمداً.
وبقي بنو إسرائيل كالغنم بلا راع حتى بعث الله فيهم نبياً من الأنبياء يقال له شمويل، فطلبوا منه أن يقيم لهم ملكاً ليقاتلوا معه الأعداء، فكان من
أمرهم ما سنذكره مما قص الله في كتابه.
قال ابن جرير: فكان من وفاة يوشع بن نون إلى أن بعث الله عز وجل شمويل بن بالي أربعمائة سنة وستون سنة. ثم ذكر تفصيلها وعدد الملوك
الذين ملكوا عليهم وسماهم واحداً واحداً تركنا ذكرهم قصداً.

قصة شمويل عليه السلام وفيها بدء أمر داود عليه السلام
هو شمويل ويقال أشمويل بن بالي بن علقمة بن يرخام بن اليهو بن تهو بن صوف بن علقمة بن ماحث بن عموصا بن عزريا.
قال مقاتل: وهو من ورثة هارون. وقال مجاهد هو أشمويل بن هلفاقا ولم يرفع في نسبه أكثر من هذا، فالله أعلم.
حكى السدي بإسناده عن ابن عباس وابن مسعود وأناس من الصحابة والثعلبي وغيرهم أنه لما غلبت العمالقة من أرض غزة وعسقلان على
بني إسرائيل وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وسبوا من أبنائهم جمعاً كثيراً، وانقطعت النبوة من سبط لاوى، ولم يبق فيهم إلا امرأة حبلى، فجعلت تدعو
الله عز وجل أن يرزقها ولداً ذكراً، فولدت غلاماً فسمته أشمويل، ومعناه بالعبرانية إسماعيل، أي سمع الله دعائي.
فلما ترعرع بعثته إلى المسجد، وأسلمته عند رجل صالح فيه يكون عنده ليتعلم من خيره وعبادته، فكان عنده، فلما بلغ أشده بينما هو ذات ليلة نائم
إذا صوت يأتيه من ناحية المسجد، فانتبه مذعوراً، فظنه الشيخ يدعوه فسأله: أدعوتني؟ فكره أن يفزعه فقال: نعم نم فنام.
ثم ناداه الثانية فكذلك ثم الثالثة فإذا جبريل يدعوه، فجاءه فقال إن ربك قد بعثك إلى قومك. فكان من أمره معهم ما قص الله في كتابه.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إسرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمْ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ، وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ
قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ، وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ
فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ
مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ
قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين، وَلَمَّا بَرَزُوا
لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}.
قال أكثر المفسرين: كان نبي هؤلاء القوم المذكورين في هذه القصة هو شمويل. وقيل شمعون وقيل هما واحد. وقيل يوشع، وهذا بعيد لما ذكره الإمامذ
أبو جعفر بن جرير في تاريخه أن بين موت يوشع وبعثة شمويل أربعمائة سنة وستين سنة فالله أعلم.
والمقصود أن هؤلاء القوم لما أنهكتهم الحروب وقهرهم الأعداء سألوا نبي الله في ذلك الزمان وطلبوا منه أن ينصب لهم ملكاً يكونون تحت طاعته
ليقاتلوا من ورائه ومعه وبين يديه الأعداء. فقال لهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّه} أي وأي شيء
يمنعنا من القتال {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا} يقولون نحن محروبون موتورون، فحقيق لنا أن نقاتل عن أبنائنا المنهورين المستضعفين فيهم
المأسورين في قبضتهم.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}. كما ذكر في آخر القصة أنه لم يجاوز النهر مع الملك إلا القليل
والباقون رجعوا ونكلوا عن القتال.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً} قال الثعلبي وهو طالوت بن قيش بن أفيل بن صارو بن تحورت بن أفيح بن أنيس بن بنيامين بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.
قال عكرمة والسدي: كان سقاء! وقال وهب بن منبه: كان دباغاً وقيل غير ذلك. والله أعلم.

ولهذا {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنْ الْمَالِ} وقد ذكروا أن النبوة كانت في سبط لاوى وأن الملك كان في
سبط يهوذا، فلما كان هذا من سبط بنيامين نفروا منه وطعنوا في إمارته عليهم وقالوا نحن أحق بالملك منه وقد ذكروا أنه فقير لا سعة من المال معه
فكيف يكون مثل هذا ملكاً.
{قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ}. وقيل: كان الله أوحى إلى شمويل أن أي بني إسرائيل كان طوله على طول هذه العصا
وإذا حضر عندك يفور هذا القرن الذي فيه من دهن القدس فهو ملكهم. فجعلوا يدخلون ويقيسون أنفسهم بتلك العصا فلم يكن أحد منهم على طولها
سوى طالوت ولما حضر عند شمويل فار ذلك القرن فدهنه منه وعينه للملك عليهم وقال لهم {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ} قيل في أمر
الحروب وقيل بل مطلقاً {وَالْجِسْمِ} قيل الطول وقيل الجمال، والظاهر من السياق أنه كان أجملهم وأعلمهم بعد نبيهم عليه السلام {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ}
فله الحكم وله الخلق والأمر {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ
كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} وهذا أيضاً من بركة ولاية هذا الرجل الصالح عليهم ويمنه عليهم أن يرد الله عليهم التابوت الذي كان سُلب منهم وقهرهم الأعداء عليه
وقد كانوا يُنصرون على أعدائهم بسببه {فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} قيل طست من ذهب كان يغسل فيه صدور الأنبياء، وقيل السكينة مثل الريح الخجُوح.
وقيل صورتها مثل الهرّة إذا صرخت في حال الحرب أيقن بنو إسرائيل بالنصر {وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ} قيل كان فيه رضاض الألواح
وشيء من المن الذي كان نزل عليهم بالتيه {تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ} أي تأتيكم به الملائكة يحملونه وأنتم ترون ذلك عياناً ليكون آية لله عليكم وحجة باهرة على
صدق ما أقوله لكم وعلى صحة ولاية هذا الملك الصالح عليكم. ولهذا قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وقيل إنه لما غلب العمالقة على هذا التابوت وكان فيه ما ذكر من السكينة والبقية المباركة وقيل كان فيه التوراة أيضاً فلما استقر في أيديهم وضعوه
تحت صنم لهم بأر ضهم فلما أصبحوا إذا التابوت على رأس الصنم فوضعوه تحته فلما كان اليوم الثاني إذا التابوت على رأس الصنم. فلما تكرر هذا
علموا أن هذا أمر من الله تعالى فأخرجوه من بلدهم وجعلوه في قرية من قراهم، فأخذهم داء في رقابهم فلما طال عليهم هذا جعلوه في عجلة وربطوها
في بقرتين وأرسلوهما، فيقال إن الملائكة ساقتها حتى جاءوا بهما ملأ بني إسرائيل وهم ينظرون كما أخبرهم نبيهم بذلك، فالله أعلم على أي صفة
جاءت به الملائكة، والظاهر أن الملائكة كانت تحمله بأنفسهم كما هو المفهوم من الآية والله أعلم، وإن كان الأول قد ذكره كثير من المفسرين أو أكثرهم
{فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}.
قال ابن عباس وكثير من المفسرين: هذا النهر هو نهر الأردن، وهو المسمى بالشريعة فكان من أمر طالوت بجنوده عند هذا النهر عن أمر نبي الله
له عن أمر الله له اختباراً وامتحاناً: أن من شرب من هذا النهر فلا يصحبني في هذه الغزوة، ولا يصحبني إلا من لم يطعمه إلا غرفة بيده.
قال الله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ}.
قال السدي: كان الجيش ثمانين ألفاً فشرب منه ستة وسبعون ألفاً، فبقي معه أربعة آلاف. كذا قال.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث إسرائيل وزهير والثوري، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب. قال: كنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا بضعة عشر وثلاثمائة مؤمن. وقول السدي أن عدة
الجيش كانوا ثمانين ألفاً فيه نظر، لأن أرض بيت المقدس لا تحتمل أن يجتمع فيها جيش مقاتلة يبلغون ثمانين ألفاً والله أعلم.
قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ} أي استقلوا أنفسهم واستضعفوها عن مقاومة أعدائهم بالنسبة إلى
قلتهم وكثرة عدد عدوهم {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين، } يعني ثبتهم الفرسان منهم
والفرسان أهل الإيمان والإيقان الصابرون على الجلاد والجدال والطعان. { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. طلبوا من الله أن يفرغ عليهم

الصبر أي يغمرهم به من فوقهم فتستقر قلوبهم ولا تقلق، وأن يثبت أقدامهم في مجال الحرب ومعترك الأبطال وحومة الوغى والدعاء إلى النزال فسألوا
التثبيت الظاهر والباطن وأن ينزل عليهم النصر على أعدائهم وأعدائه من الكافرين الجاحدين بآياته وآلائه، فأجابهم العظيم القدير السميع البصير
الحكيم الخبير إلى ما سألوا وأنالهم ما إليه فيه رغبوا.
ولهذا قال {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه} أي بحول الله لا بحولهم، وبقوة الله ونصره لا بقوتهم وعددهم، مع كثرة أعدائهم وكمال عُددهم، كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
وقوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}. فيه دلالة على شجاعة داود عليه السلام وأنه قتله قتلاً أذل به جنده وكسر
جيشه، ولا أعظم من غزوة يقتل فيها ملك عدوَّه فيغنم بسبب ذلك الأموال الجزيلة ويأسر الأبطال والشجعان والأقران، وتعلو كلمة الإيمان على الأوثان،
ويُدال لأولياء الله على أعدائه، ويظهر الدين الحق على الباطل وأوليائه.
وقد ذكر السدي فيما يرونه أن داود عليه السلام كان أصغر أولاد أبيه وكانوا ثلاثة عشر ذكراً، كان سمع طالوت ملك بني إسرائيل وهو يحرض بني
إسرائيل على قتل جالوت وجنوده وهو يقول من قتل جالوت زوجته بابنتي وأشركته في ملكي، وكان داود عليه السلام يرمي بالقذَّافة وهو المقلاع رمياً
عظيماً، فبينما هو سائر مع بني إسرائيل إذ ناداه حجر أن خذني فإن بي تقتل جالوت، فأخذه ثم حجر آخر كذلك ثم آخر كذلك؛ فأخذ الثلاثة في مخلاته
فلما تواجه الصفان برز جالوت ودعا إلى نفسه فتقدم داود فقال له: ارجع فإني أكره قتلك. فقال: لكني أحب قتلك. وأخذ تلك الأحجار الثلاثة فوضعها
في القذافة ثم أدارها فصارت الثلاثة حجراً واحداً. ثم رمى بها جالوت ففلق رأسه وفر جيشه منهزماً، فوفى له طالوت بما وعده فزوجه ابنته وأجرى
حُكمه في ملكه، وعظم داود عليه السلام عند بني إسرائيل، وأحبوه ومالوا إليه أكثر من طالوت، فذكروا أن طالوت حسده، وأراد قتله، واحتال على
ذلك فلم يصل إليه، وجعل العلماء ينهون طالوت عن قتل داود فتسلط عليهم فقتلهم، حتى لم يبق منهم إلا القليل. ثم حصل له توبة وندم وإقلاع عما
سلف منه، وجعل يكثر من البكاء، ويخرج إلى الجبانة فيبكي، حتى يبل الثرى بدموعه، فنودي ذات يوم من الجبانة: أن يا طالوت قتلتنا ونحن أحياء،
وآذيتنا ونحن أموات. فازداد بكاؤه وخوفه، واشتد وجله، ثم جعل يسأل عن عالم يسأل عن أمره، وهل له من توبة؟ فقيل له: وهل أبقيت عالماً؟
حتى دُل على امرأة من العابدات فأخذته فذهبت به إلى قبر يوشع عليه السلام. قالوا: فدعت الله فقام يوشع من قبره فقال: أقامت القيامة؟ فقالت:
لا، ولكن هذا طالوت يسألك: هل له من توبة؟ فقال: نعم ينخلع من الملك، ويذهب فيقاتل في سبيل الله، حتى يقتل، ثم عاد ميتاً. فترك الملك لداود
عليه السلام، وذهب ومعه ثلاثة عشر من أولاده، فقاتلوا في سبيل الله حتى قتلوا. قالوا: فذلك قوله {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ}.
وهكذا ذكره ابن جرير في تاريخه من طريق السدي بإسناده. وفي بعض هذا نظر ونكارة. والله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق: النبي الذي بعث فأخبر طالوت بتوبته هو اليسع بن أخطوب. حكاه ابن جرير أيضاً.
وذكر الثعلبي أنها أتت به إلى قبر شمويل فعاتبه على ما صنع بعده من الأمور، وهذا أنسب. ولعله إنما رآه في النوم، لا أنه قام من القبر حياً،
فإن هذا إنما يكون معجزة لنبي، وتلك المرأة لم تكن نبية والله أعلم.
قال ابن جرير: وزعم أهل التوراة أن مدة ملك طالوت إلى أن قُتل مع أولاده أربعون سنة. فالله أعلم.




 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا
 
بارك الله فيك ونفع بك وجعلها في ميزان حسناتك
 
جزاك الله خير الجزاء الحسن على الموضوع القيَّم أخي الفاضل
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top