البلاء

أم أُنٌَيسة

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
27 جويلية 2013
المشاركات
12,470
نقاط التفاعل
34,361
النقاط
2,256
الجنس
أنثى
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعد الله اوقاتكم وملاها يمنا وبركة



أسباب نزول البلاء على المؤمن

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن من سنة الله الكونية وقوع البلاء على المؤمن لحكمة عظيمة حتى لا يكاد يخلو أحد منه قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ). ولذلك ابتلي أشرف الخلق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وكثر عليه البلاء فازداد يقينا وصبرا ورضا وضاعف الله أجره ورفع منزلته في الدنيا والآخرة.


والمؤمن يبتلى بأنواع وصور من البلاء تارة يفقد حبيبه وتارة يخسر مالا عظيما وتارة لا يوفق في أبواب الدنيا ومع ذلك قد يبتلى بكثرة العيال ويركبه هم وغم لأجل القيام على مصالحهم وفي المقابل قد يحرم الولد فيتجرع مرارة الحرمان ومنهم من لا يرزق دارا فيعيش تحت رحمة ملاك الدور الذين في الغالب لا يعرفون السماحة ومن البلاء المستطير أن يركب المؤمن دين عظيم لا يستطيع الوفاء به فيحمله ذلك على المآثم ومن أعظم البلاء أن يتسلط على المؤمن بعض الأراذل في مصلحة أو عمل أو سلطة فيظلمونه ويقهرونه ولا يعرفون قدره ومن البلاء العام أن يبتلى المؤمن بحاكم جائر لا يوفيه حقوقه الدنيوية من مسكن وصحة وغيرها ولا يجد طريقا لإيصال صوته لتمكن بطانة السوء وغير ذلك كثير.

وقد يتساءل كثير من الناس عن حقيقة البلاء والأسباب الموجبة لنزوله وكثرته على بعض المؤمنين ويختلفون في هذه المسألة والمتأمل في النصوص الشرعية يجد أن الناس في البلاء صنفان لكل صنف حكم يختص به:

الصنف الأول: من كان من الكمل من أهل الإيمان ممن وافق عمله قوله وسريرته لم تخالف علانيته وظهر صبره وشكره وإحسانه على جوارحه ولم يظهر تقصير على دينه وهذا حال الأنبياء والصديقين فهذا نزول البلاء عليه من باب الرفعة والكرامة له في الآخرة لتعلو منزلته في الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة). رواه البخاري. والأنبياء يبتلون لرفع منزلتهم والتأسي بهم وعدم اعتقاد الألوهية فيهم. وهذا الصنف قليل في المؤمنين يعز وجودهم في كل زمان.

ولا ينبغي للمؤمن من أهل السلامة أن يتكل على هذا المعنى ويترك الاعتبار بالبلاء ولا يفتش في حاله ويقع في الغرور لأنه قد يكون مبتلى بجرائم خفية تتعلق بقلبه ومقصده فيهلك.

الصنف الثاني: من كان من أهل التقصير والزلات في القول والعمل والخائضين في الشبهات والشهوات والمتهاونين في الفرائض والمتساهلين في الأمانات والمطلقين ألسنتهم في أعراض الغافلين كحال عامة المسلمين من العصاة والفساق المجاهرين فهذا نزول البلاء عليه من باب تكفير سيئاته وجبر كسره وغسل ذنوبه لقول النبي الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من هم ولا حزن ولا وصب ولا نصب ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه). رواه مسلم. أو تعجيل عقوبته في الدنيا وتنبيهه للتوبة والرجوع إلى الله كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ). قال ابن عباس: (يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد العمر إلا البر). رواه أحمد. وهذا الصنف كثير في المسلمين ما بين مقل ومستكثر والغالب في نزول البلاء أنه عقوبة وتكفير وعامة النصوص تدل على هذا المعنى. قال العباس رضي الله عنه: (اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة).

وثمة أسباب عظيمة لنزول البلاء على هذا الصنف:
الأول: كثرة الذنوب والاستخفاف بها.
الثاني: المجاهرة بالمعاصي وإظهار الفواحش.
الثالث: ظلم العباد والتسلط على حقوقهم.
الرابع: تعيير المسلم والازدراء منه والشماتة به.
الخامس: العقوق والقطيعة.
السادس: الركون للظلمة ونصرة أهل الفساد.
السابع: أكل الحرام والتحايل على المحرمات.


ونزول البلاء على المؤمن المقصر وكثرة وقوعه عليه وتنوعه والله إنه من أعظم النعم عليه لأنه تعجيل للعقوبة عليه في الدنيا قبل الآخرة كما روي في مسند أحمد: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة). وليعلم أن بلاء الدنيا أهون من بلاء الآخرة كما قال تعالى: (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). فليستحضر هذا وليصبر وليحتسب وليحمد الله على البلاء.

وينبغي على المؤمن إذا نزل به البلاء كذلك أن يكثر من التوبة والاستغفار وتصحيح العمل والقصد وليفتش حاله وليتخلص من جميع المظالم الحسية والمعنوية وليطهر ماله من الشبهات وليتهم دينه ويمقت نفسه ويلومها في ذات الله وليوقن أنه مقصر في حق الله وليعتبر في حال الدنيا الزائلة ويعظم رغبته في الآخرة.

ومع هذا فقد يؤخر الله البلاء والعقوبة على الظالم ليبتلي عباده في دينهم ويختبرهم ثم يأخذه أخذة شديدة على حين غفلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). متفق عليه. فلا ينبغي للمؤمن أن يغتر ببقاء الظالم واستبداده وتمكنه من رقاب العباد وأموالهم ومن أعظم الشواهد في زماننا هلاك معمر القذافي على أسوء ميتة بعد جبروته وتسلطه على رقاب المسلمين لعقود طويلة وتحريفه للقرآن واستهزائه بالرسول صلى الله عليه وسلم ومعاداته لأولياء الله وفي هلاكه عبرة وعظة لكل طاغية.

ومن المؤكد شرعا أن البلاء إذا اجتمع على العبد مع صبره ولزومه الطاعة ويقينه بوعد الله كان ذلك علامة ظاهرة على محبة الله لذلك العبد واختياره واستعماله في طاعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط). رواه الترمذي وحسنه.

أما من يظن ويزعم أن نزول البلاء والمصائب على المؤمن أمر قدري لا علاقة له بأفعال العباد وارتكابهم المظالم والذنوب ولا يرتبط بالسبب الشرعي فهذا مخطئ ومخالف للحقائق الشرعية الواردة في الكتاب والسنة ومخالف لفهم السلف المأمورين بإتباعهم وقد تواردوا على الاعتراف بهذه الحقيقة ولم ينازعوا فيها فيما أعلم.

أما الإنسان الذي لا يكاد يبتلى في أحواله وأموره مع كثرة رزقه وتيسر أموره وفرحه وغفلته وبعده عن الطاعة وإغراقة في المعاصي والذنوب فهذا دليل بين على بعده عن الله واستدراج الله له ليزيده في الغي والضلال فكلما أحدث ذنبا أحدث له نعمة ليزداد شرا كما نبه السلف الصالح على ذلك في قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ). فلا تغتر أيها المؤمن برؤية أهل الدنيا من أهل المعاصي والغفلة ممن غرقوا في بحر الشهوات وسخر لهم الناس وتيقن أن ما هم فيه بلاء عظيم بالنسبة لعقوبة الاخرة وعاقبتهم سيئة إن لم يتداركوا أنفسهم بتوبة وإصلاح.

والحاصل ينبغي على كل مؤمن أن يبادر بالتوبة وإصلاح الأعمال والبعد عن أسباب الفتن والتمسك بالتوحيد والسنة والمشاركة في أبواب الخير على حسب الاستطاعة ومصاحبة الصالحين ليختم له بخير وينجو في الآخرة.

خالد سعود البليهد

المصدر: http://www.saaid.net/Doat/binbulihed/280.htm

تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
 
مما جاء في المثل: "البلاءُ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ".
وقيل: "البلاء مُوَكَّلٌ بالقول".
ومعناه: ألَّا يعجلَ المرءُ على نفسه بالكلام فيكونَ فيه هلاكُه، أو يوافق ساعةَ استجابة فيصادف قولُه قدَرًا سبق في عِلم الله عز وجل؛ كما جاء في الحديث: ((لا تدعوا على أنفسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا تُوافقوا من اللهِ تعالى ساعةَ نَيلٍ فيها عطاءٌ، فيستجيبَ لكم))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وذكر المناوي في "فيض القدير" (3/ 222) أن المراد به: التحذير من سرعة النطق بغير تثبُّتٍ؛ خوفَ بلاءٍ لا يُطيق دفعه.
وقال المناوي أيضًا: إن العبدَ في سلامةٍ من أمره ما سكت، فإذا نطق عُرف ما عنده بمحنة النطق، فيتطرَّق للخطر أو الظرف.

• وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64]؛ أي: طُردوا وأُبعدوا عن رحمة الله عز وجل؛ لأن "البلاء موكل بالمنطق"، فهُمْ لمَّا وصفوا اللهَ بالإمساك، طُردوا وأُبعدوا عن رحمته؛ قيل لهم: إذا كان الله عز وجل كما قلتم لا يُنفق، فليمنعْكم رحمتَه حتى لا يعطيكم من جُودِه، فعُوقبوا بأمرين:
1- بتحويل الوصف الذي عابوا به الله سبحانه إليهم بقوله: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [المائدة: 64].
2- وبإلزامهم بمقتضى قولهم بإبعادهم عن رحمة الله؛ حتى لا يجدوا جُودَ الله وكرمه وفضله. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (8/ 248)].

وفيه الحذر من عاقبة اللسان، وأنه ربما نطق الإنسان بما يكون فيه بلاء؛ فإن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه في يوسف: ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13]، جاؤوا إليه عِشاءً وقالوا: أكله الذئب، فابُتليَ من ناحية هذا القول، ولمَّا قال لهم في أخيهم بنيامين عند سفرهم إلى مصر: ﴿ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [يوسف: 66]، أُحيط بهم وغُلبوا عليه، ورجعوا إليه من غيره، ويوسف عليه السلام لما قال في محنة امرأة العزيز: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، سُجِن ولبِث في حبسه بضع سنين.

• وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجلٍ يعُودُه، فقال: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله))، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنعم إذًا)).
وعند الطبراني وغيره، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا إذا أبيتَ، فهي كما تقول، وقضاءُ الله كائن))، فأصبح الأعرابي ميتًا.

وأنشد ابن بهلول في معناه:
لا تنطقنَّ بما كرهتَ فربما ♦♦♦ نطَق اللسانُ بحادثٍ فيكونُ

وأنشد غيره:
لا تمزحنَّ بما كرهتَ فربما ♦♦♦ ضرب المُزَاح عليك بالتحقيقِ

وحُكي أن المؤمل بن أميل الشاعر لمَّا قال يوم الحيرة:
شفَّ المؤمل يومَ الحيرة النَّظرُ ♦♦♦ ليتَ المؤملَ لم يُخلَقْ له بصرُ
عمِيَ، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: "هذا ما طلبتَ"؛ [معجم الأدباء؛ لياقوت الحموي (2/ 626)].

• وقال مجنون بني عامر في ليلى:
فلو كنتُ أعمى أخبِط الأرضَ بالعصا ♦♦♦ أصمَّ فنادتني أجبتُ المناديا

فعمي وصَمَّ، وذهب بصره وسمعه. [الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء؛ لمحمد بن عمران بن موسى المرزباني (ص: 266)].
قال ابن القيم: "رأيتُ أخبارَ كثيرٍ من المُتمنِّين، أصابتهم أمانيُّهم أو بعضها". [تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 124)].
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخَعي أنه قال: "إني لأجد نفسي تُحدِّثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلَّمَ به إلا مخافةَ أن أُبتلى به".

• وذكر الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت العِشاء، فقدَّموا الكسائي، فارتجَّ عليه في قراءة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، فقال اليزيدي: قراءةُ هذه السورة يُرتجُّ فيها على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت الصلاة فقدَّموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد (أي: الفاتحة)، فلما سلَّم قال:
احفظ لسانَك لا تقول فتُبتلى ♦♦♦ إن البلاء موكَّل بالمنطقِ
[مسالك الأبصار في ممالك الأمصار؛ لشهاب الدين العمري (5/ 240)].

• ولما نزل الحسينُ وأصحابُه بكربلاء، سأل عن اسمها فقيل: كربلاء، فقال: "كربٌ وبلاء".
• ولما وقفت حليمةُ السعدية على عبدالمطلب تسأله رَضاعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها: "من أنت؟"، قالت: "امرأة من بني سعد"، قال: "فما اسمك؟"، قالت: "حليمة"، فقال: "بخٍ بخٍ؛ سعدٌ وحِلْمٌ؛ هاتان خُلَّتان فيهما غَناء الدهر". [تحفة المودود بأحكام المولود؛ لابن القيم (ص: 124)].

• ورُوي أن رجلًا من النصارى - وكان بالمدينة - إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: "حُرِق الكاذب"، فسقطت في بيته شرارةٌ من نار وهو نائم، فتعلَّقت النارُ بالبيت فأحرقته، وأحرقت ذلك الكافرَ معه؛ فكانت عبرة للخلق، "والبلاء موكل بالمنطق". [أحكام القرآن؛ لابن العربي، ط العلمية (2/ 139)].

• وولَّى ابن حفصون - أحد أشهر معارضي سلطة الدولة الأموية في الأندلس - قائدَه (عيشون) المُلقَّب بالخير على مدينة "رية"، فسار إليه الأمير المنذر بن محمد ليقاتله، فقال عيشون لأصحابه: "إذا المنذرُ ظفر بي، فليصلبْني بين خِنزيرٍ وكلب"؛ دلالةً على استهانته به، ويقينه من الانتصار عليه، فحاصره المنذر حتى عجز أهل "رية" مما حلَّ بهم، فسلموا إلى الأمير المنذر "عيشون"، فوجه به إلى قرطبة، وصلبه وعن يمينه خنزير وعن يساره كلب كما قال. [مطلع الأنوار ونزهة البصائر والأبصار؛ لأبي عبدالله بن عسكر، أبي بكر بن خميس (ص: 330)].

وروى ابن أبي شيبة في الأدب المفرد عن ابن مسعود أنه قال: "البلاء موكل بالمنطق لو سخِرتُ من كلب، لخشيتُ أن أُحَوَّلَ كلبًا". [كشف الخفاء؛ للعجلوني، ط القدسي (1/ 290)].
وعن ابن مسعود أيضًا قال: "ولا تستشرفوا البليَّة؛ فإنها مُولعةٌ بمَن يُشرِف لها، إن البلاء مولع بالكَلِم".
• وضاق الصحفي اللبناني (فرح أنطون) بكثرة التضييقات الصحفية في مقالاته، فكتب في مقالٍ له يومًا:
فيا موتُ زُرْ إن الحياةَ ذميمةٌ ♦♦♦ ويا نفسُ جِدِّي إن دهرَك هازلُ
فمات في اليوم التالي.

• ويروي الكاتب (مصطفى أمين) أن الممثل المصري (أنور وجدي) قال يومًا للممثلة (زينب صدقي) في إحدى الحفلات - وكان ساعتها ممثلًا صغيرًا لم يشتهر بعد -: "كم أتمنى أن يكونَ معي مليون جنيه! وإن أُصبت بأي مرض"، فقالت له زينب صدقي: "وماذا يفيدك المال وأنت حينها تكون مريضًا؟"، فأجابها: "سأنفق بعضَ هذا المال على المرض، ثم أتمتع بباقي المال".
تقول زوجته في مذكراتها: (فكان معه المليون جنيه وأكثر؛ ولكن الله ابتلاه بمرض السرطان في الكبد، فأنفق كل ماله، ولم يذهب المرض؛ بل بقي في تعاسة).

• وللباحثة د. هيفاء بنت ناصر الرشيد بحث منشور بمجلة العلوم الشرعية واللغة العربية بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، يتعلق بالمعاني المقبولة والمردودة للمقولة المشهورة (البلاء موكل بالمنطق) من منظور عقدي، وذلك تحت عنوان "البلاء موكل بالمنطق: دراسة عقدية".
 
عزاءٌ لأهلِ البلاء

الابتلاء لأهل الإسلام والإيمان، ليس كالابتلاء لغيرهم! فأهل الإسلام الذين يصبرون على الضراء، ويشكرون على السراء، يكون بلاؤهم دليلًا على قوة إيمانهم، وتكفيرًا لسيئاتهم، ورفعًا لدرجاتهم، وليس ذلك إلا لهم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].


الحمد للهِ ربِّ العالمين، الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيُّكم أحسن عملًا، مُدبِّر الأمور ومقدر الأقدار، سبحانه {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8]..
الحمد لله القائل: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]" أي: أنه سبحانه يسأله من في السموات والأرض، سؤال المحتاج إلى رزقه وفضله وستره وعافيته، وهو عز وجل في كل وقت من الأوقات، وفي كل لحظة من اللحظات في شأن عظيم وأمر جليل، حيث يُحدِث ما يحدث من أحوال في هذا الكون، فيُحيى ويُميت، ويُعز ويُذل، ويُغنى ويُفقر، ويُشفي ويُمرض.. دون أن يشغله شأن عن شأن..


عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية: «مِن شأنه: أن يغفر ذنبًا، ويُفرِج كربًا، ويرفع قومًا ويخفض آخرين» (رواه ابن ماجة: [202]، وحسَّنه الألباني)[1].
وسأل بعضُهم أحد الحكماء عن كيفية الجمع بين هذه الآية، وبين ما صح من أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة؟ فقال: "شئون يبديها لا شئون يبتديها"...
سبحانَه مِن خالقِ قديرِ *** وعالِمٍ بِخلْقه بَصير
وأوّلٌ ليس له ابتداءُ *** وآخِرٌ ليس له انتهاءُ
ومَن عَنت لوجهه الوُجوهُ *** فما له نِد ولا شَبيهُ


أما بعد.. أيها الإخوة الكرام:
هكذا خلق الله هذه الدنيا، وهذه أرادة الله في الحياة: {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2]، فهذه هي إرادة الله في خلقه، وحكمته في إنشائه، وإرادته في صنعه، أن خلق هذه الدنيا لاختبار هذا الإنسان، وجعل سبحانه سنته في هذا الإنسان أن يخلق في كبد: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]..


قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "قال الحسن رحمه الله: يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة. وعنه أيضًا: يكابد الشكر على السراء، ويكابد الصبر على الضراء، لأنه لا يخلو من أحدهما.

قال علماؤنا: أول ما يكابد قطع سرته، ثم إذا قمط قماطًا، وشد رباطًا، يكابد الضيق والتعب، ثم يكابد الارتضاع، ولو فاته لضاع، ثم يكابد نبت أسنانه، وتَحرُّك لسانه، ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام، ثم يكابد الختان، والأوجاع والأحزان، ثم يكابد المعلم وصولته، والمؤدب وسياسته، والأستاذ وهيبته، ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه، ثم يكابد شغل الأولاد، والخدم والأجناد، ثم يكابد شغل الدور، وبناء القصور، ثم الكِبَر والهرم، وضعف الركبة والقدم، في مصائب يكثر تعدادها، ونوائب يطول إيرادها، من صداع الرأس، ووجع الأضراس، ورمد العين، وغم الدَّين، ووجع السن، وألم الأذن.

ويكابد محنًا في المال والنفس، مثل الضرب والحبس، ولا يمضِ عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة، أو يكابد مشقة، ثم الموت بعد ذلك كله، ثم مسألة الملك، وضغطة القبر وظلمته، ثم البعث والعرض على الله، إلى أن يستقر به القرار، إما في الجنة وإما في النار" (تفسير القرطبي: [20/63]).

قال أحد الشعراء عن كثرة تكالب المصائب عليه:
رماني الدهر بالأرزاء حتى *** فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابتني سهامٌ *** تكسرت النصال على النصال
يقول: إن سهام الدهر من المصائب والبلايا، لم تدع في قلبي موضعًا إلا وفيه سهم، حتى كأنه إذا رماني بسهامه وقع سهم على سهمٍ آخر، ولم يجد في فؤادي مكانًا خاليًا، فتكسرت السهام على السهام، ثم يقول:
وهان فما أبالي بالرّزايا *** لأنّي ما انتفعت بأن أبالي
يقول: من كثرة المصائب هان علي ما ألقاه منها، فلا أُشغِل بالي في التفكُّر فيها، والقلق منها؛ لأني لا أستفيد شيئًا من ذلك غير الهم والحزن.
فالابتلاء سُنّة من سنن الله جارية منذ فجر التاريخ، وقد يكون صعبًا على النفوس، ثقيلًا على القلوب، مؤلمًا للأرواح لكن يرفع الله به درجة الأنبياء، ويمحو به خطايا الصالحين.


قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إنما جُعِلت العِلل ليُؤدب بها العباد، ليس كل من مرض مات"، نعم ليس كل من مرض مات، فكم من أناس نزل بهم البلاء، ومستهم البأساء والضراء، وبلغت منهم القلوبُ الحناجر، ويأس الجميع من الحياة، وقنط الكل من السلامة، فنزل الفرج في غمضة عين، ولمحة بصر.. لأن الغرض أصلًا هو التمحيص والاختبار {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك من الآية:2].

"سأل رجلٌ الشافعي رحمه الله فقال: يا أبا عبد الله، أيَّما أفضل للرجل أن يُمَكَّن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي رحمه الله: لا يُمَكَّن حتى يُبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فلما صبروا مكَّنهم، فلا يظن أحد أنه يَخلُص من الألم البتة، وهذا أصل عظيم فينبغي للعاقل أن يعرفه".

واعلموا عباد الله أن الابتلاء ليس فقط بالشر، بل قد يكون بالخير والأموال والصحة والقوة والجمال، قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء من الآية:35]. وقال تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15] أي: "{فَيَقُولُ} على سبيل التباهي والتفاخر.. {ربي أَكْرَمَنِ} أي: ربي أعطاني ذلك، لأني مستحق لهذه النِّعم...

- ثم قال: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16].
- أي: وأما إذا ما امتحنا هذا الإِنسان بسلب بعض النِّعم عنه، وبضيق الرزق.. {فَيَقُولُ} على سبيل التضجُّر والتأفُّف وعدم الرضا بقضائه سبحانه: {ربي أَهَانَنِ} أي: ربي أذلني بالفقر، وأنزل بي الهوان والشرور" (الوسيط لسيد طنطاوي: [1/4502])..


فقال سبحانه ردا على هذا الظن: {كَلَّا} أي ليس الأمر كذلك، وإنما الله تعالى يبتلي عباده بالغنى والفقر، فينظر من هو المجاهد الشاكر الصابر على ما ابتلاه به، كما يبتلي عباده بالمصائب والأسقام تطهيرًا لهم من الذنوب والآثام. وقال بعض السلف: "البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر ولا يصبر على العافية إلا صديق"، وقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: "ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر".

وقال ابن القيم رحمه الله: "فلا خلاص لأحد مما يؤذيه البتة، ولهذا ذكر الله تعالى في غير موضع أنه لا بُد أن يبتلي الناس، والابتلاء يكون بالسراء والضراء، ولا بُد أن يُبتلى الإنسان بما يسرُّه وبما يسوؤه، فهو محتاج إلى أن يكون صابرًا شكورًا، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7]..

وقال تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف من الآية:168]، وقال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:123-124]..

وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، هذا في آل عمران، وقد قال قبل ذلك في البقرة -التي- نزل أكثرها قبل آل عمران: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]، وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تُمحَّص بالبلاء، كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتن في كير الامتحان؛ إذ كانت النفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شر يحصل للعبد، فلا يحصل له شر إلا منها قال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} [النساء:79]..

وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران من الآية:165]، وقال: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]..

وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53]..

وقد ذكر عقوبات الأمم من آدم إلى آخر وقت وفي كل ذلك يقول إنهم ظلموا أنفسهم فهم الظالمون لا المظلومون، وأول من اعترف بذلك أبواهم: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]" (الفوائد: [1/210]).

واعلم أيها الأخ المسلم والأخت المسلمة:
أن الابتلاء لأهل الإسلام والإيمان، ليس كالابتلاء لغيرهم! فأهل الإسلام الذين يصبرون على الضراء، ويشكرون على السراء، يكون بلاؤهم دليلًا على قوة إيمانهم، وتكفيرًا لسيئاتهم، ورفعًا لدرجاتهم، وليس ذلك إلا لهم {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:4].


أخي المسلم أختي المسلمة:
إن البلاء لا يخلو منه بيت، والمصائب لا تترك دارًا إلا زارته، والنكبات لا تنام ولا تُنيم، فهذا صُدم أبوه وهذا قُتل أخوه وهذا غرقت أمه وهذا احترق بيتُه، وهذا سُجن ابنه، وهذه فقدت زوجَها، وهذه أصابها سحر أو عين كدّرت عيشتها وأحزنت أهلها وأفقرت أسرتها، وهذا كان من أغنى الناس فصار في لمحة بصر فقيرًا مدقعًا يتكفَّف الناس، وهذا مهموم وهذا مغموم وهذا فُصِل من عمله، وهذا يأنُّ على فراشه من شدة المرض وهذا.. وهذه.. وهكذا.. أخي المسلم، وفي كل بيت أنةٌ وزفير.


لكن الذي يجب أن نتعلَّمه جميعًا، وأن يكون حاضرًا في أذهاننا، أولًا أن لا ندعو على أنفسنا بالبلاء والشر ولا نتمناه، بل ندعوه سبحانه أن يعافينا منه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت من ضُرٍ أصابه، فإن كان لا بُد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي» (رواه البخاري، برقم: [5671]، ومسلم، برقم: [6990]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء" (رواه البخاري، برقم: [6347]).

هذا قبل المصيبة، لكن إن قدَّر الله ووقعت المصيبة فهنا يأتي الدور الثاني الذي يجب أيضًا أن نتعلَّمه ونُعوِّد أنفسنا عليه وهو: الرضا والتسليم، والصبر الجميل، وأن نلتجئ إلى الله الواحد الأحد أن يكشفه عنا، ويوفقنا للصبر عليه. قال الحق سبحانه مبشرا للصابرين: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِيْنَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة من الآية:155-157] أي تسلّوا بقولهم هذا عمَّا أصابهم وعلِموا أنهم ملك لله يتصرّف في عبيده بما يشاء، وعلِموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ} والصلاة من الله قال المفسِّرون: "معناها الثناء والمغفرة، الله سبحانه الكبير العزيز الملك، الذي خلق السماوات والأرض يثني عليك عند ملائكته"..

وتأمَّل قوله تعالى: {صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ}، ولم يقل صلاة فقط؛ ليدل على كثرة ثنائه سبحانه على الصابرين، وعظيم مغفرته لهم، لكن: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].

"عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته وخلف له خيرًا منها» قالت: فلما توفي أبو سلمة، قلت: من خير من أبي سلمة! صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! قالت: ثم عزم الله عز وجل لي فقلتها: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم، برقم: [2167]).

قال ابن القيم رحمه الله: "والدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه، أو يُخفِّفه إذا نزل وهو سلاح المؤمن" (تهذيب الداء والدواء، الشيخ محمد الهبدان: [1/4]).

وقال رحمه الله: "فإن الله يدفع بها أنواعًا من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض مقرون به لأنهم جربوه" (الوابل الصيب: [1/49]).

أيها المسلمون: يقول الله سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، لكن بعض المسلمين يقرءون الفاتحة في اليوم الواحد عِدَّة مرات ويُكرِّرون في كل ركعة قول الله: {إيَّاكّ نّعًبٍدٍ} أي: لك نذل وإياك نطيع ونتبع ونستسلم..

ولكن واقعهم يقول غير ذلك: إنهم يذلون للبشر، إنهم يتخذون غير الله آلهة يخضعون لها ويخافون منها وينقادون لها، ويقولون {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بألسنتهم: ولكن الواقع يقول غير ذلك؛ لأنهم إذا أصابهم البلاء اتجهوا للمخلوق قبل الخالق، واعتقدوا أن للمخلوق قدرة النفع أو الضر، فيدعون الأولياء والصالحين من دون الله ربّ العالمين، أو يدعونهم مع الله تعالى، يا جيلاني! يا ابن علوان! يا خمسة! مع أنهم يقولون: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فيهملون تمامًا الالتجاء إلى الله؛ ليدعوا المخلوقين، وقد قال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن:18]..

ومن الناس كذلك من يبكون بين أيدي المخلوقين في المساجد وغيرها، ويشكون الخالق إلى المخلوق، ووالله الذي لا يُحلف إلا به لو أنهم وقفوا في الثلث الأخير من الليل بين يدي الملك العزيز، بذل وخضوع ورجاء، وبكوا بين يديه مثلما يبكون بين يدي المخلوقين، لجعل الله لهم فرجًا ومخرجًا من حيث لا يحتسبون، لأن الله لا يُخلِف الميعاد: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر من الآية:60]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق من الآية:2]، {إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران من الآية:9].

وهنا أقول لك أيها المسلم، وأيتها المسلمة: إذا رأيتم صاحب بلاء أو مصيبة أن تدعو الله أيضًا بما علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه لنا عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، إلا عوفي من ذلك البلاء كائنًا ما كان ما عاش» (رواه الترمذي، برقم: [3431]، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم: [3392]).

وعلى أهل البلاء أيضًا أن يعلموا أن هذا البلاء وإن كان شديد الوقع على النفوس، إلا أنه رحمة من الله وفيه من الخير لنا ما لا يعلمه إلا الله، وأن هذا البلاء كدواء الأطباء، طعمه مُرٌ لا يطاق إلا بمشقة، لكن عاقبته الشفاء العاجل، والسعادة الآجلة بإذن الله تعالى.
والصبر مثل اسمه مُرٌ مذاقته *** لكن عواقبه أحلا من العسل
وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم، برقم: [7692]).


وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبةٍ تُصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه؛ حتى الشوكة يُشاكها» (رواه البخاري، برقم: [5640]، ومسلم، برقم: [6730]).

وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجعك، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه بيت الحمد» (رواه الترمذي، برقم: [1021]، وحسَّنه الألباني).

وقال صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: من أذهبت حبيبتيه -أي عينيه- فصبر واحتسب لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة» (رواه أحمد، برقم: [7597]، وصحَّحه الألباني في صحيح سنن الترمذي، برقم: [2401]).

وقال صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (رواه الترمذي، برقم: [2399]، وقال الألباني: "حسنٌ صحيح").

وليعلم أهل البلاء، وأصحاب المصائب والنكبات والفقر، أن ذلك البلاء من الله -إن كانوا من أهل الطاعة والعبادة- فالبلاء ذلك دليل صريح على أن الله سبحانه يحبهم، ويُقرِّبهم ويريد أن يرفع درجتهم عنده سبحانه.

واسمعوا يا أهل البلاء إلى هذا الحديث العظيم: قال صلى الله عليه وسلم: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (رواه الترمذي، برقم: [2396]، وحسَّنه الألباني).

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يُوَافِي به يوم القيامة» (رواه الحاكم في المستدرك، برقم: [8799]، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع، برقم: [308]).

وليعلم أهل البلاء أن الله ينزل البلاء والمصائب على العبد بقدر إيمانه وتقواه وطاعته. عن عبد الرحمن بن شيبة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجَعٌ، فجعل يشتكي ويتقلَّب على فراشه، فقالت عائشة: لو صنع هذا بعضُنا لوجدتُ عليه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الصالحين يُشدَّد عليهم، وإنه لا يُصيب مؤمنًا نكبة من شوكةٍ فما فوق ذلك، إلا حطّت به عنه خطيئة ورفع بها درجة» (رواه أحمد، برقم: [25303]، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده صحيح")..

وهو رسول الله أعظم مخلوق خلقه الله، ويُشدَّد عليه هكذا، هل لأن الله يُبغضه؟ حاشا لله، بل لأنه يُحبِّه ويريد أن يرفع درجته..
وعن مصعب بن سعد بن مالك: عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتُلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (رواه أحمد، برقم: [1555]، وحسَّنه الأرناؤوط في تعليقه على أحمد)..


فهذا يدل على أن الابتلاء دليل على قوة الإيمان ورسوخه في قلب صاحبه، هذا إن كان من أهل الإيمان والصلاح، أما إن كان مُفرِّطًا في طاعة ربه، فقد يكون البلاء مُكفِّرًا لسيئاته، أو واعظًا له حتى يرجع إلى ربه، أو تعجيلًا لعقوبته في الدنيا.

أما في الآخرة.. فأبشروا يا أهل البلاء بالأجر العظيم الجليل، الذي لا يعلم حدّه وقدره إلا الله تعالى، وما أظن مسلمًا يسمع هذا الفضل إلا رضي وصبر، بل وفرح بذلك البلاء إن لم يكن في دينه.

قال الحق سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر من الآية:10]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِّضت في الدنيا بالمقاريض» (رواه الترمذي، برقم: [2402]، وحسَّنه الألباني).

بل لقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام قوله: «يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب، ثم يؤتى بالمتصدِّق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينصب لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صبًا، حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قُرِّضت بالمقاريض من حسن ثواب الله» (رواه الطبراني في الكبير: [12861]، وأبو نعيم في حلية الأولياء: [3/91]، وحسَّنه الألباني في الصحيحة، برقم: [2206]).
فطوبى لأهل البلاء الصابرين المحتسبين، طوبى لهم، وهنيئًا لهم هذه الأجور العظيمة والدرجات العالية الرفيعة.


قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وجدنا خير عيشنا بالصبر".
"وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا أنه لا إيمان لمن لا صبر له" (تسلية أهل المصائب لأبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد المنبجي الحنبلي: [1/141]).


وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن آبائه، حين مات ابنه فلم يُر منه جزع، فسئل عن ذلك، فقال: "أمر كنا نتوقعه، فلما وقع لم ننكره".
"قال عبد المؤمن بن عبد الله القيسي: ضربت أمَ إبراهيم العابدة دابةٌ، فكسرت رجلها فأتاها قوم يُعزُّونها، فقالت: لولا مصائب الدنيا وردنا الآخرة مفاليس" (عدة الصابرين: [1/73]).
"وقال الحسن: الصبر كنز من كنوز الخير لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده. وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.. وقال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال: كالماء المنهمر. وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل وقت ينظر فيها وفيها واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا" (عدة الصابرين: [1/77]).


"ومرض أبو بكر الصديق رضي الله عنه فعادوه فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب، فقال: قد رآني الطبيب، قالوا: فأي شيء قال لك؟ فقال: قال: إني فعَّال ما أُريد" (عدة الصابرين: [1/76]).
وروُي أن سعيد بن جبير رحمه الله قال: "الصبر: اعتراف العبد لله بما أصابه منه واحتسابه عند الله، ورجاء ثوابه، وقد يجزع العبد وهو يتجلد لا يرى منه إلا الصبر" (عدة الصابرين: [1/79]).
"قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟! قلت: بلى! قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرَع وإني أتكشف، فادع الله لي قال: «إن شئتِ صبرتِ ولك الجنة، وإن شئتِ دعوتُ الله أن يعافيك» فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها" (رواه البخاري، برقم: [5328]، ومسلم، برقم: [2576]).


ولقد كان الصبر جلبابًا يرتدونه عند نزول البلايا، وشعارًا عند حلول المصائب، قال بعض السلف: "إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله! إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد الله إذ لم تكن أعظم مما هي، وأحمد الله إذ وفقني للاسترجاع، وأحمد الله إذ لم يجعلها في ديني!".

فالصبر الصبر يا من يعاني الآلام، ويعيش الغصص، ويتجرَّع الأمراض؛ فإن الفرج قريب، فسوف يُشفى المريض، ويعود الغائب، ويُفك الأسير، وينتصِر المظلوم، وتنقشع الهموم، وتُزال الغموم، وتُقضى الديون، أو يجعل الله ذلك عليك بردًا وسلامًا، ويُثيبك عليه الأجور التي لا تُحصى في يوم الدين، فالحق سبحانه كل يوم هو في شأن..

فاعلم أيها المُصاب أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العُسر يُسرَين، فلا تظن بربك إلا خيرًا، فالخير كله بيده سبحانه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: «أنا عند ظن عبدي بي إن ظن بي خيرًا فله، وإن ظن شرًا فله» (رواه أحمد، برقم: [9065]، وصحَّحه الألباني في الصحيحة، برقم: [1663]).


اللهم فرج الهمّ، واكشف الغمّ، واغفر الذنب واستر العيب، وارزقنا الصبر في الضراء، والشكر في السراء، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء...
والحمد للهِ ربِّ العالمين. ــــــــــــــــــــــ
[1]- (الوسيط لسيد طنطاوي: [1/4047]).
المصدر: موقع إمام مسجد

المصدر: عزاءٌ لأهلِ البلاء - طريق الإسلام



 

ان شاء الله نكون من اصحاب النفوس المطمئنة وكل امة محمد صلى الله عليه وسلم
اهلا والف مرحبا بك نورت الموضوع بمرورك الجميل المميز وانتظر اضافاتك دائما ان شاء الله يارب
بارك الله فيك وجزاك كل خير وجعل كل حرف في ميزان حسناتك ان شاء الله يارب
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه​
 
مما جاء في المثل: "البلاءُ مُوَكَّلٌ بالمَنْطِقِ".
وقيل: "البلاء مُوَكَّلٌ بالقول".
ومعناه: ألَّا يعجلَ المرءُ على نفسه بالكلام فيكونَ فيه هلاكُه، أو يوافق ساعةَ استجابة فيصادف قولُه قدَرًا سبق في عِلم الله عز وجل؛ كما جاء في الحديث: ((لا تدعوا على أنفسِكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا تُوافقوا من اللهِ تعالى ساعةَ نَيلٍ فيها عطاءٌ، فيستجيبَ لكم))؛ رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وذكر المناوي في "فيض القدير" (3/ 222) أن المراد به: التحذير من سرعة النطق بغير تثبُّتٍ؛ خوفَ بلاءٍ لا يُطيق دفعه.
وقال المناوي أيضًا: إن العبدَ في سلامةٍ من أمره ما سكت، فإذا نطق عُرف ما عنده بمحنة النطق، فيتطرَّق للخطر أو الظرف.

• وقد جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾ [المائدة: 64]؛ أي: طُردوا وأُبعدوا عن رحمة الله عز وجل؛ لأن "البلاء موكل بالمنطق"، فهُمْ لمَّا وصفوا اللهَ بالإمساك، طُردوا وأُبعدوا عن رحمته؛ قيل لهم: إذا كان الله عز وجل كما قلتم لا يُنفق، فليمنعْكم رحمتَه حتى لا يعطيكم من جُودِه، فعُوقبوا بأمرين:
1- بتحويل الوصف الذي عابوا به الله سبحانه إليهم بقوله: ﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [المائدة: 64].
2- وبإلزامهم بمقتضى قولهم بإبعادهم عن رحمة الله؛ حتى لا يجدوا جُودَ الله وكرمه وفضله. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (8/ 248)].

وفيه الحذر من عاقبة اللسان، وأنه ربما نطق الإنسان بما يكون فيه بلاء؛ فإن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه في يوسف: ﴿ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ [يوسف: 13]، جاؤوا إليه عِشاءً وقالوا: أكله الذئب، فابُتليَ من ناحية هذا القول، ولمَّا قال لهم في أخيهم بنيامين عند سفرهم إلى مصر: ﴿ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [يوسف: 66]، أُحيط بهم وغُلبوا عليه، ورجعوا إليه من غيره، ويوسف عليه السلام لما قال في محنة امرأة العزيز: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، سُجِن ولبِث في حبسه بضع سنين.

• وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجلٍ يعُودُه، فقال: ((لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله))، فقال: "كلا، بل حُمَّى تفور، على شيخٍ كبيرٍ، كيما تُزِيرَه القبورَ"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنعم إذًا)).
وعند الطبراني وغيره، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أمَّا إذا أبيتَ، فهي كما تقول، وقضاءُ الله كائن))، فأصبح الأعرابي ميتًا.

وأنشد ابن بهلول في معناه:
لا تنطقنَّ بما كرهتَ فربما ♦♦♦ نطَق اللسانُ بحادثٍ فيكونُ

وأنشد غيره:
لا تمزحنَّ بما كرهتَ فربما ♦♦♦ ضرب المُزَاح عليك بالتحقيقِ

وحُكي أن المؤمل بن أميل الشاعر لمَّا قال يوم الحيرة:
شفَّ المؤمل يومَ الحيرة النَّظرُ ♦♦♦ ليتَ المؤملَ لم يُخلَقْ له بصرُ
عمِيَ، فأتاه آتٍ في منامه، فقال له: "هذا ما طلبتَ"؛ [معجم الأدباء؛ لياقوت الحموي (2/ 626)].

• وقال مجنون بني عامر في ليلى:
فلو كنتُ أعمى أخبِط الأرضَ بالعصا ♦♦♦ أصمَّ فنادتني أجبتُ المناديا

فعمي وصَمَّ، وذهب بصره وسمعه. [الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء؛ لمحمد بن عمران بن موسى المرزباني (ص: 266)].
قال ابن القيم: "رأيتُ أخبارَ كثيرٍ من المُتمنِّين، أصابتهم أمانيُّهم أو بعضها". [تحفة المودود بأحكام المولود (ص: 124)].
وأخرج ابن أبي الدنيا عن إبراهيم النخَعي أنه قال: "إني لأجد نفسي تُحدِّثني بالشيء، فما يمنعني أن أتكلَّمَ به إلا مخافةَ أن أُبتلى به".

• وذكر الدورقي قال: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت العِشاء، فقدَّموا الكسائي، فارتجَّ عليه في قراءة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، فقال اليزيدي: قراءةُ هذه السورة يُرتجُّ فيها على قارئ أهل الكوفة! قال: فحضرت الصلاة فقدَّموا اليزيدي فارتج عليه في الحمد (أي: الفاتحة)، فلما سلَّم قال:
احفظ لسانَك لا تقول فتُبتلى ♦♦♦ إن البلاء موكَّل بالمنطقِ
[مسالك الأبصار في ممالك الأمصار؛ لشهاب الدين العمري (5/ 240)].

• ولما نزل الحسينُ وأصحابُه بكربلاء، سأل عن اسمها فقيل: كربلاء، فقال: "كربٌ وبلاء".
• ولما وقفت حليمةُ السعدية على عبدالمطلب تسأله رَضاعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها: "من أنت؟"، قالت: "امرأة من بني سعد"، قال: "فما اسمك؟"، قالت: "حليمة"، فقال: "بخٍ بخٍ؛ سعدٌ وحِلْمٌ؛ هاتان خُلَّتان فيهما غَناء الدهر". [تحفة المودود بأحكام المولود؛ لابن القيم (ص: 124)].

• ورُوي أن رجلًا من النصارى - وكان بالمدينة - إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: "حُرِق الكاذب"، فسقطت في بيته شرارةٌ من نار وهو نائم، فتعلَّقت النارُ بالبيت فأحرقته، وأحرقت ذلك الكافرَ معه؛ فكانت عبرة للخلق، "والبلاء موكل بالمنطق". [أحكام القرآن؛ لابن العربي، ط العلمية (2/ 139)].

• وولَّى ابن حفصون - أحد أشهر معارضي سلطة الدولة الأموية في الأندلس - قائدَه (عيشون) المُلقَّب بالخير على مدينة "رية"، فسار إليه الأمير المنذر بن محمد ليقاتله، فقال عيشون لأصحابه: "إذا المنذرُ ظفر بي، فليصلبْني بين خِنزيرٍ وكلب"؛ دلالةً على استهانته به، ويقينه من الانتصار عليه، فحاصره المنذر حتى عجز أهل "رية" مما حلَّ بهم، فسلموا إلى الأمير المنذر "عيشون"، فوجه به إلى قرطبة، وصلبه وعن يمينه خنزير وعن يساره كلب كما قال. [مطلع الأنوار ونزهة البصائر والأبصار؛ لأبي عبدالله بن عسكر، أبي بكر بن خميس (ص: 330)].

وروى ابن أبي شيبة في الأدب المفرد عن ابن مسعود أنه قال: "البلاء موكل بالمنطق لو سخِرتُ من كلب، لخشيتُ أن أُحَوَّلَ كلبًا". [كشف الخفاء؛ للعجلوني، ط القدسي (1/ 290)].
وعن ابن مسعود أيضًا قال: "ولا تستشرفوا البليَّة؛ فإنها مُولعةٌ بمَن يُشرِف لها، إن البلاء مولع بالكَلِم".
• وضاق الصحفي اللبناني (فرح أنطون) بكثرة التضييقات الصحفية في مقالاته، فكتب في مقالٍ له يومًا:
فيا موتُ زُرْ إن الحياةَ ذميمةٌ ♦♦♦ ويا نفسُ جِدِّي إن دهرَك هازلُ
فمات في اليوم التالي.

• ويروي الكاتب (مصطفى أمين) أن الممثل المصري (أنور وجدي) قال يومًا للممثلة (زينب صدقي) في إحدى الحفلات - وكان ساعتها ممثلًا صغيرًا لم يشتهر بعد -: "كم أتمنى أن يكونَ معي مليون جنيه! وإن أُصبت بأي مرض"، فقالت له زينب صدقي: "وماذا يفيدك المال وأنت حينها تكون مريضًا؟"، فأجابها: "سأنفق بعضَ هذا المال على المرض، ثم أتمتع بباقي المال".
تقول زوجته في مذكراتها: (فكان معه المليون جنيه وأكثر؛ ولكن الله ابتلاه بمرض السرطان في الكبد، فأنفق كل ماله، ولم يذهب المرض؛ بل بقي في تعاسة).

• وللباحثة د. هيفاء بنت ناصر الرشيد بحث منشور بمجلة العلوم الشرعية واللغة العربية بجامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز، يتعلق بالمعاني المقبولة والمردودة للمقولة المشهورة (البلاء موكل بالمنطق) من منظور عقدي، وذلك تحت عنوان "البلاء موكل بالمنطق: دراسة عقدية".


تماما، بارك الله فيك وبارك لك في دينك وعرضك ومالك ودنياك وجعل كل حرف خطته يمناك في موازين حسناتك ان شاء الله يارب
اتمنى منكم المزيد والمزيد باذن الله
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب​
 
السؤال
كيف يصبر المبتلى إذا كان البلاء البعد عن الله؟!!
أجاب عنها:
د. خالد رُوشه​

الجواب
الأخ السائل: لا يمكننا أن نقول إن هناك ابتلاء من الله سبحانه بالبعد عنه، بل هي قد تكون عقوبة منه سبحانه، وقد ذكر سبحانه في آياته مثال ذلك بقوله سبحانه: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}، {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}.. وغيرها
ومفهوم الابتلاء في الإسلام قائم على الاختبار منه سبحانه لعبده، ليظهر منه مقام العبد وجهده وعمله وصبره ويقينه وغير ذلك، قال سبحانه:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}.
والله سبحانه يبتلي عباده المؤمنين فإن للإيمان قيمة عظمى يجب أن تختبر ويجب أن ينقى العبد المؤمن، فالابتلاء كالنار للذهب تفتنه وتنقيه وتخرج منه الشوائب، قال سبحانه:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}..
وقد يبتلى المرء في نفسه أو ماله أو عياله أو غيره، قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ..الآيات}.
والابتلاء منق للعبد المؤمن ومقوم له وفي الحديث "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة"، أخرجه الترمذي وابن حبان.
أما ما تصفه فما أحسبه إلا حالة تشعر بها بعد الوقوع في الإثم، ولتعلم أن الوقوع في الإثم له أسباب مهمة فعليك قطعها فوراً.
ومن أهم ذلك عدم تعظيم الله سبحانه وتوقيره عز وجل، قال سبحانه: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}، {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، والمرء الذي يغفل عن توقير الله سبحانه وتعظيمه يقع في الآثام ويغرق في مستنقعها، وأول خطوات توقير الله سبحانه وتعظيمه هو توحيده عز وجل وتنقية ذلك التوحيد وعدم الشرك به سبحانه طرفة عين ولا مثقال ذرة، وكذلك الإيمان بأركان الإيمان الستة كما أمر سبحانه وكما بين رسوله صلى الله عليه وسلم.
كذلك من أسباب الوقوع في الآثام الغفلة عن أداء فرائضه، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والصدقة تطهر القلب وتزكيه والصوم يجلب التقوى وهكذا.
ومن أسباب ذلك أيضا الغفلة عن ذكره عز وجل، فذكره سبحانه سواء بالقرآن الكريم أو بالأذكار الأخرى أو بتعلم العلم يحيي القلب بعد موته وينشئ الحياة الطيبة.
فإن كنت قد غفلت عما سبق فلا تسلني عن سبب الوقوع في الآثام.. كيف وقد فتحت أبوابها؟!..
ونصيحتي لك، أن تتطهر، وتتوب إليه سبحانه، وتجدد عهدك معه عز وجل، وتنتظم في صلاتك، وذكرك في الصباح والمساء، وأن تربط نفسك بعلم تتعلمه بين يدي علماء صالحين، وتربط نفسك بالمساجد سواء في صلاة الجماعة، أو حضور دروس العلم، وتربط نفسك بصحبة صالحة يدعونك إلى الخير ويباعدونك عن السوء، وأن تحفظ الله في خلوتك، وأن تكثر من دعائك "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وفقك الله لكل خير.

المصدر: هل أنا مبتلى؟!.. كيف أبعد الآثام عن نفسي؟! | موقع المسلم
 
إن المصائب والبلاء امتحانٌ للعبد ، وهي علامة حب من الله له ؛ إذ هي كالدواء ، فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب - ولله المثل الأعلى - ففي الحديث الصحيح : ( إنَّ عِظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) رواه الترمذي ( 2396 ) وابن ماجه ( 4031 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة ، وكيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة ) رواه الترمذي ( 2396 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقال الحسن البصري رحمه الله : لا تكرهوا البلايا الواقعة ، والنقمات الحادثة ، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك ، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطبك – أي : هلاكك - .
وقال الفضل بن سهل : إن في العلل لنعَماً لا ينبغي للعاقل أن يجهلها ، فهي تمحيص للذنوب ، وتعرّض لثواب الصبر ، وإيقاظ من الغفلة ، وتذكير بالنعمة في حال الصحة ، واستدعاء للتوبة ، وحضّ على الصدقة .
والمؤمن يبحث في البلاء عن الأجر ، ولا سبيل إليه إلاَّ بالصبر ، ولا سبيل إلى الصبر إلاَّ بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ قوية .
وليتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
وعلى المسلم إذا أصابته مصيبة أن يسترجع ويدعو بما ورد .
فما أجمل تلك اللحظات التي يفر فيها العبد إلى ربه ويعلم أنه وحده هو مفرج الكرب ، وما أعظم الفرحة إذا نزل الفرج بعد الشدة ، قال الله تعالى : ( وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ) .
وروى مسلم (918) عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله " إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها " إلا أخلف الله له خيراً منها ) . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم إني قلتها فأخلف اللهُ لي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً :
وهناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت .
وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم " زاد المعاد " (4/189–195) أموراً منها :
1- " أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه ، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
2- أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب ، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة ؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة ؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى ، إما بفوات محبوب ، أو حصول مكروه ، وأن شرور الدنيا أحلام نوم ، أو كظل زائل ، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً ، وإن سرَّت يوماً ساءت دهراً ، وإن متَّعت قليلاً منعت طويلاً ، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : لكل فرحة ترحة ، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً . وقال ابن سيرين : ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء .
3- أن يعلم أن الجزع لا يردها – أي : المصيبة - بل يضاعفها ، وهو في الحقيقة من تزايد المرض .
4- أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة .
5- أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه ، ويسر شيطانه ، ويحبط أجره ، ويضعف نفسه ، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه ، وسر صديقه ، وساء عدوه ، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه ، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم ، لا لطم الخدود ، وشق الجيوب ، والدعاء بالويل والثبور ، والسخط على المقدور .
6- أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك " بيت الحمد " الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه ، فلينظر أي المصيبتين أعظم : مصيبة العاجلة ، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد ، وفي الترمذي مرفوعاً : ( يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء ) ، وقال بعض السلف : لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس .
7- أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به ، ولا ليعذبه به ، ولا ليجتاحه ، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله ، وليراه طريحا ببابه ، لائذاً بجنابه ، مكسور القلب بين يديه ، رافعا قصص الشكوى إليه .
8- أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا ، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء ، وحفظا لصحة عبوديته ، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه ، فسبحان من يرحم ببلائه ، ويبتلي بنعمائه ، كما قيل :
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
9- أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، يقلبها الله سبحانه ، كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة ، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك ، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ( حُفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) " انتهى باختصار .
ثالثاً :
كثير من الناس إذا أحسن تلقي البلاء علم أنه نعمة عليه ومنحة لا محنة
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " مصيبة تقبل بها على الله خير لك من نعمة تنسيك ذكر الله " .
وقال سفيان : " ما يكره العبد خير له مما يحب ، لأن ما يكرهه يهيجه للدعاء ، وما يحبه يلهيه " .
وكان ابن تيمية رحمه الله يعد سجنه نعمة عليه تسبب فيها أعداؤه .
قال ابن القيم : " وقال لي مرة – يعني شيخ الإسلام - ما يصنع أعدائي بي !! أنا جنتي وبستاني في صدري ، أنى رحت فهي معي لا تفارقني ، إنّ حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .
وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا .
وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله ، وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه ، ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط ، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش ، وخلاف الرفاهية والنعيم ، بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً ، وأشرحهم صدراً ، وأقواهم قلباً ، وأسرهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه ، وكنا إذا اشتد بنا الخوف ، وساءت منا الظنون ، وضاقت بنا الأرض ، أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " انتهى .
 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط "
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا :
" أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه
فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه
فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " ( أخرجه الإمام أحمد )
بارك الله فيك أختي شيماء على الموضوع القيم والشامل
جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله
وفقك الله
ننتظر جديدك بـــ فارغ الصبر



 


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط "
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا :
" أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه
فإن كان في دينه صلباً اشتد به بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه
فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة " ( أخرجه الإمام أحمد )
بارك الله فيك أختي شيماء على الموضوع القيم والشامل
جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله
وفقك الله
ننتظر جديدك بـــ فارغ الصبر




وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عليه افضل صلاة وازكى سلام
وفيك بركة اخي حليم وهو قيم باستفاطتكم منه ان شاء الله تعالى
نحن واياكم لكل خير ان شاء الله يارب
ان شاء الله اخي الكريم حليم
هلا والف مرحبا بك نورت الموضوع بمرورك الجميل اخي حليم
بارك الله فيك للمرور الجميل وجزاك كل خير للكلام الطيب
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
 
السلام عليكم ....
ان الله عز وجل لايبتلى الا عباده المؤمنين فيتمسك المبتلى بربه بدينه بدربه المستقيم فيكون من الصابرين الأوفياء لدينهم الإسلام ولربهم الواحد الأحد يخفف عنهم الله وينزل عليهم رحمته وسكينته ومن يرفض ويقنط فيكون من الخاسرين في دنياه وفي آخرته نسأل الله ان يثبتنا على دين الحق ويقوى عزيمتنا وايماننا به وينزل علينا رحمته اجميعين إن شاء الله
جعل الله كل ما كتب في هذا الموضوع في ميزان حسناتكم


بوركتم وبورك فيكم
تحياتي لك:geek::geek:









ان رأى خاص بي لا يعني توافقه معك او ضرورة اعجابك به
 
السلام عليكم ....
ان الله عز وجل لايبتلى الا عباده المؤمنين فيتمسك المبتلى بربه بدينه بدربه المستقيم فيكون من الصابرين الأوفياء لدينهم الإسلام ولربهم الواحد الأحد يخفف عنهم الله وينزل عليهم رحمته وسكينته ومن يرفض ويقنط فيكون من الخاسرين في دنياه وفي آخرته نسأل الله ان يثبتنا على دين الحق ويقوى عزيمتنا وايماننا به وينزل علينا رحمته اجميعين إن شاء الله
جعل الله كل ما كتب في هذا الموضوع في ميزان حسناتكم


بوركتم وبورك فيكم
تحياتي لك:geek::geek:









ان رأى خاص بي لا يعني توافقه معك او ضرورة اعجابك به
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم امين يارب نحن وكل المسلمين ان شاء الله يارب
وفيك بركة غاليتي
هلا والف مرحبا بك نورت الموضوع بمرورك الجميل غاليتي
بارك الله فيك للمرور الجميلو جزاك كل خير للكلام الطيب
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
 
جزاكم الله خيرا
واياكم خير الجزاء ان شاء الله يارب
هلا والف مرحبا بك نورت الموضوع بمرورك اخي الكريم
بارك الله فيك للمرور الجميلو جزاك كل خير للكلام الطيب
تحياتي احترامي وتقديري لشخصكم الكريم الطيب
في امان الله وحفظه
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top