✍️ التحريم 📔

Bfatiha

:: عضو مُشارك ::
إنضم
26 ماي 2021
المشاركات
149
نقاط التفاعل
351
النقاط
18
محل الإقامة
منتدي الامة الجزائرية
الجنس
أنثى
13544947841.gif

645906hmoluktu9a.gif


يقول الله تعالى ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ....151 و152 من سورة الانعام )

يقول الله تعالى ( وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَظ°ذَا حَلَالٌ وَهَظ°ذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ غڑ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ 116 النحل )

يقول الله تعالى ( أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ 39 القلم )

يقول الله تعالى ( وقد فصل لكم ما حرَّم عليكم)

- من له سلطة التحريم ؟

- ماهي المحرمات المذكورة في كتاب الله ؟ المُحْكم وتفصيله .

- لماذا الله عز وجل ذكر كل المحرمات ؟ ولماذا لم يذكر كل الحلال .

- اريد شرحا للأيات ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين ........)

- لماذا الله عز وجل قال ( انجعل المسلمين كالمجرمين ) ولم يقل بدلا من المجرمين .الكافرين او المشركين ؟

- ماذا تعني كلمة التحريم و النهي والمنع والحلال والطيبات ؟


645906hmoluktu9a.gif
 
بارك الله فيك على الموضوع القيم
انصحك بقراءة كتاب التفسير ابن كثير او تفسير الامام السعدي ستجدين ان شاء الله التفسير المناسب لطلبة العلم
 
سؤال جزاكم الله هل تقرؤون لمحمد شحرور
 
المبحث الأول: الاستِحلال والتحريم:

المقصود بهما لغةً:

الاستِحلال[1]: مصدر من الفِعل السُّداسي (استحلَّ)، وهو أن يجعل الحرام حلالاً، فمَن استحلَّ الخمر رآها حلالاً، ومَن ألحد في مكَّة الحرام فقد استحلَّ حرمتها وانتَهكَها.



واستحلَّ الشيء عدَّه حلالاً، والتحليل ضد التحريم، وقد حلَّله تحليلاً، وبمعناه جاء الخبر: ((مَن باع الخمر فليُشَقِّص الخنازير))[2].

والمعنى: أنَّ مَن استحلَّ بيع الخمر، فليستحلَّ ذبح الخنازير، وبيْع لحومها وأكلها، فإنهما في التحريم سواء.



والتحريم[3]: من الفعل المضعَّف (حرَّم)؛ أي: حظَر ومنَع، وهو جعل الشيء محرَّمًا ممنوعًا.

والتحريم ضد التحليل، والتحريم يأتي بمعنى الإحرام، والاستِثناء منه إباحة؛ كقوله بعد ذكر ما حرَّم مستثنيًا: ﴿ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [الأنعام: 146].



ويُقال: فلان لا يحلِّل ولا يحرِّم إذا كان لا يمتَنِع عن فعل الحرام، ولا يقف عند ما أُبِيح له.

فالاستِحلال والتَّحرِيم يَدُور معناهما على إرادة تغيير حُكم الشيء ممَّا وُضِع عليه في الشَّرْع إلى ما يُرِيده الفاعل بهوى نفسه ورِضاها، فيستحل أن يفعل ما نُهِي عنه، ويمتَنِع عن فعْل ما أُبِيح له فعلُه تديُّنًا في الفعل والامتِناع.



أمَّا المقصود بهما شرعًا فكالآتي:

الاستِحلال: اعتِبار الشيء الحرام حلالاً، وهو مُختَلف في حُكمه من مُستَحِلٍّ للحرام وهو يَعلَم، ومن مُستَحلٍّ مُشتَبِه أو مُجتَهِد في استِحلاله للحرام، وكذلك مختلف فيه بين مُستَحِلِّ الحرام البيِّن، أو مُستَحِلِّ الحرام المشتبَه فيه.



فالاستِحلال: استِنزال الشيء المحرَّم محلَّ الحلال[4].

والتَّحريم: اعتِبار الشيء الحلال حرامًا، وهو لا يختَلِف عن الاستِحلال في الحُكم، خاصَّة لو ارتَبَط الأمر بالاعتِقاد.



وقد يُطلَق الاستِحلال على اتِّخاذ الشيءِ حلالاً كاستِحلال الفُرُوج بالنِّكاح، واستِحلال اللحوم بالذَّبْح، وقد يكون واجبًا إذا اتَّخذ معنى جعل الشخص في حِلٍّ كاستِحلال المُغتَاب والاستِحلال للمَغصُوب منه.



وقد يكون الاستِحلال كفرًا؛ وذلك متى اعتَقَد المستحِلُّ أن المحرَّم المعلوم التحريم حلالٌ، وبذلك يُعلَم أنَّ الفُقَهاء كانوا يستَعمِلون الكلمتَيْن بالمعنى اللُّغوي لهما.



فالحلال والاستِحلال، والحرام والتحريم، يتميَّز معناهما بتَأثِير الاعتِقاد، ففَرْقٌ بين الذنب يرتَكِبه المسلم، وبين ذات الذنب يستحلُّه المسلِم، فبالاستِحلال يَصِير المُستَحِلُّ كافِرًا، بينما فعل الذنب بغير استِحلال يجعل الفاعل عاصِيًا فقط، وليس كافرًا مهما كانتْ عظَمَة هذا الذنب.



يقول ابن تيميَّة - رحمه الله -: "اتَّفق الصحابة مثل عمر بن الخطاب وعليُّ بن أبي طالب وغيرهما على أنَّ (شاربي الخمر) إنْ أَقَرُّوا بالتحريم جُلِدوا، وإن أصرُّوا على الاستِحلال قُتِلوا"[5].

يقول صالح آل الشيخ: "الاستِحلال: أن يعتَقِد أنَّ هذا العمل منه حلالٌ له، وليس بذنب، وأنَّه ليس بمحرَّم"[6].



وقد كان الناس قبلَ الإسلام يَستَحِلُّون أشياءَ بزَعْمِهم، ويُحَرِّمون بهذا الزعم أشياء أخرى، حتى استحلُّوا الميتة في بطون الأمَّهات، وحرَّموا السائبة، فردَّ عليهم القرآن: ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 90]، ﴿ وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116] وقوله جل جلاله: ﴿ مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة: 103]، وقوله جل جلاله: ﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 119].



وقد جعل الإسلام المُستَحِلَّ كافِرًا زائِدًا في الكفر، وكذلك متى قال لغيره: إنَّ الحرام حلالٌ فافعله؛ ﴿ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 37].



ويقول جلَّ جلاله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ [يونس: 59].



وقوله جلَّ جلاله: ﴿ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام: 139].



فالحلال ما أحلَّه الله جل جلاله في كتابه، أو جاء حِلُّه على لسان رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فقد أُوتِي الكتابَ ومثلَه معه، ومثله يُقال: إنَّ الحرام ما حرَّمَه الله في كتابه، أو على لسان نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم[7].



ومُؤدَّى ذلك أنَّه لا مجالَ للعقل فيه، فلا يُقاس على الحلال أو الحرام، يقول الشعبي: "إذا أخذتُم بالقياس أحللتُم الحرام، وحرَّمتم الحلال"[8].



ويقول ابن تيميَّة: "ويَروُون عن أبي حنيفة أنَّه قال: لا تأخذوا بمقاييس زُفَر، فإنَّكم إذا أخذتم بمقاييس زُفَر حرَّمتم الحلال، وحلَّلتم الحرام، وكان يقول: مِن القياس قياسٌ أقبح من البول في المسجد"[9].



فالحلال والحرام تَشرِيعٌ تنزَّل به نصُّ القرآن، أو وحي الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم وعليه سُمِّي القرآن فرقانًا؛ فبَهديِه تقرَّر عند الناس التفريق بين الحلال والحرام، يقول البغوي: "وسُمِّي الكتاب فُرقانًا؛ لأنَّه يُفرِّق بين الحلال والحرام، وآياته بيِّنات لذلك"[10].



واعتَبَر ابن كثيرٍ الحلال والحرام[11] تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39].

واعتَبَر ابن جرير الطبري أنَّ التفريق بين الحلال والحرام تفسيرًا[12] لقوله جل جلاله: ﴿ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185]، والسابق يؤكِّد أنَّه لا يُؤخَذ الحلال والحرام إلا مِن الوحي، سواء كان قرآنًا أم سنَّة.

يقول الزجَّاج: "فليس لأحدٍ أن يُحَرِّم ما أحلَّ الله، ولم يجعل لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُحَرِّم إلا ما حرَّم الله عليه"[13].



وما قد يُسنَد مِن ذلك لأحد الصحابة - رضي الله عنهم - فهو نقل منهم عنه[14] صلَّى الله عليه وسلَّم فقط كانوا يتحرَّجون أن يقولوا على الله بغير علم، أو يقولوا ما ليس حقًّا[15].



وفتاوى الصحابة في الحلال والحرام مِن هذا القَبِيل، فقد اعتَبَر الصحابةُ قولَ عائشة - رضي الله عنها -: "يحلُّ له كلُّ شيء إلا الجِماع"[16].



وقد أخرج البخاريُّ من حديث عائشة - رضي الله عنها – أيضًا: "إنما نزل أوَّل ما نزل سُوَر من المفصَّل فيها ذِكْر الجنَّة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أوَّل شيءٍ "لا تشربوا الخمر"، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: "لا تزنوا"، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا"[17].



فالمسلِمون لم يَبْنُوا أحكامهم إلا على أساس الكتاب والسنَّة، وكانوا يَتَشدَّدون في الأسانيد، خاصَّة إذا ارتبط الأمر بالحلال والحرام، وإن تخفَّفوا ففي غير هذا الباب.



وقد جاء أنَّهم ما كانوا يَحكمون على الراوي في التفسير بأنَّه ضعيفٌ؛ لكونه محكومًا عليه بذلك في باب الحلال والحرام، ودليلُ ذلك وجودُ أصحاب رِوايات في التفسير وغيره، وقد حُكِم عليهم بالضعف في أحاديث الأحكام.



وكما كان السابِقون يَتَشدَّدون في الحُكم على الرُّواة في هذا الباب، فإنهم لا يَقبَلُون القول في هذا المجال إلا مِن الشارع، فليس في الإسلام سُلطة الأمر والنهي إلا مِن الشَّارِع، وقد أخرج الترمذيُّ من حديث عديِّ بن حاتم الطائي قال: "أتيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفي عنقي صليبٌ مِن ذهب، فقال: ((ما هذا يا عدي؟ اطرَح عنك هذا الوَثَن)) وقرأ الآية[18]، ثم قال: ((أمَا إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنَّهم كانوا إذا أحلُّوا لهم شيئًا استحلُّوه، وإذا حرَّموا عليهم شيئًا حرَّموه))"[19].



فحقُّ التحليل والتحريم؛ أي: حق التشريع خالصٌ للوحي بنوعَيْه، بل جعل الوحي في ذلك يحرس اجتهاد مَن ينزل عليه، ولو خالَف اجتهاده الأوليُّ عدَّله الوحي له، فلمَّا امتَنَع عن الانتِفاع بالمباح لتطييبِ خَواطِر أزواجه الطاهرات، فجاء امتِناعُه على هيئة التحريم لم يسكتِ الوحي، بل نزل بالتعديل، فجاء قوله جل جلاله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1].



فالسُّلطان في التحليل والتحريم للوحي وحدَه ليس لغيره، ومَن يحلِّل أو يحرِّم من غير دليلٍ مِن كتاب أو سنَّة، فقد جعل نفسَه لله تعالى نِدًّا، وكذلك مَن أطاعَه فيهنَّ، فمَن أطاع مخلوقًا في التحليل والتحريم فقد اتَّخَذَه إلهًا، يقول الله جل جلاله: ﴿ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121].



وقد كانوا يُجادِلونهم، ويقولون لهم: كيف تأكلون ما قتلتُم، ولا تأكلون ما قَتَل لكم ربُّكم في شأن الميتة؟



الحكم والطاعة فيه:

فالتشريع - التحليل والتحريم خاصَّة - من خصائص الله جلَّ جلاله وذلك حقٌّ خالِص له سبحانه وتعالى لا شريكَ له فيه، فمَن شرع من دون الله، أو ألزَم الناس بغيْر شرْع الله، فقد نازَع الله فيما اختَصَّ به نفسَه، وهو بمُنازَعَتِه هذا مُشرِك بالله جل جلاله ويلزم هذا الحُكم مَن أطاعَه فيما صنع.



فالطاعة في هذا المجال شرْك محرَّم مؤثِّم، وليس أمرًا ممدوحًا، حتى ولو كان المُطَاع أميرًا أو حاكمًا، أو عالِمًا.



والحُكم في الأرض ينبَغِي أن يكون تابِعًا للتحليل والتحريم، والكلُّ لله جل جلاله فكما لا يستحلُّ أحد محرمًا شرعيًّا، فكذلك لا ينبغي أن يستحلَّ أن يحكم بغير ما أنزل الله - جل جلاله.



يقول: جل جلاله: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]، ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67].



وفيه قوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50].

وفيه قوله - تعالى: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].

فالحُكم لله تعالى كلُّه، سواء كان قدريًّا أم شرعيًّا؛ يقول سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ ﴾ [الشورى: 21].



والآية نصٌّ في اعتِبار المخلوقين الذين يشرعون شركاءَ لله جل جلاله فليس لأحدٍ كائنًا مَن كان أن يشرِّع من لدن رأسه، ولا أن يحكمَ إلا بما يأذن به الشارع.



يقول القرطبي: "وما لم يحرِّمه الله فليس لأحدٍ أن يحرِّمه، ولا أن يَصِير بتحريمه حرامًا، ولم يثبت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال لِمَا أحلَّه الله: هو عليَّ حرام، وإنما امتَنَع مِن ماريَّة ليمين"[20].

وإذا لم يثبتْ هذا عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فنفي ثبوته عمَّن هو دونه أَوْلَى مِن وليِّ أمر أو حاكم، أو غير ذلك.



يقول عبدالقادر عودة: "ولا يملك وليُّ الأمر أن يُحِلَّ ما حرَّمه الله جل جلاله أو يُبِيح ما لم يُبِحْه الله، فإذا فعل فعمَلُه باطل، ولا أثر له"[21].



فمَن أَباح يملك أن يحرِّم، ومَن حرَّم يملك أن يُبِيح، وسبحانه رَضِيَ أن يكون هو الفاعل لهذا بغير شريك؛ يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله هو القابض الباسط المسعِّر))[22].



يقول عبدالقادر عودة: "فليس لوليِّ أمرٍ أن يُبِيح ما قد حرَّمتِ الشريعة، فهو لم يحرِّمها حتى يبيحها، ولم تُعطِه الشريعة إلا حقَّ العفو عن الجريمة أو العقوبة، ولا يعفو قبلَ وقوع الجرائم؛ لأنَّ ذلك تحليلٌ لها لا يملكه"[23].



ويقول ابن حزم: "واتِّباع مَن دون النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في التحليل والتحريم عبادةٌ، وكلُّ مَن قلَّد مفتيًا يُخطِئ ويُصيب، فلا بُدَّ له من أن يستحلَّ حرامًا أو يحرِّم حلالاً، وبرهان ذلك تحريم بعضِهم ما يحلُّه سائرهم، ولا بُدَّ أنَّ أحدَهم مُخطِئ"[24].



وإذا أخطأ أو تورَّط وفعَل، فليس حُكمُه مُحِلاًّ ما كان حرامًا، أو مُحَرِّمًا ما كان حلالاً، يقول ابن قُدامة: "وحُكم الحاكم لا يُزِيل الشيء عن صفته في قول جمهور العلماء؛ منهم مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، ومحمد بن الحسن، وقال أبو حنيفة: إذا حَكَم الحاكم بعقد، أو فسخ، أو طلاق، نفذ حُكمه ظاهرًا وباطنًا"[25].



ويقول: "ولأنَّه حكم بشهادة زور، فلا يحلُّ له ما كان محرَّمًا عليه كالمال المطلَق"[26].



وللخِلاف ثمرته، بحيث لو استَشهدَتِ امرأة شاهدي زور بين يدي قاضٍ، فحَكَم لها بشهادتهما بطلاق أو نِكاح، ولأنَّ ذلك قد يحرِّم الحلال على صاحِبِه، وقد يحلُّ الحرام، كما أنَّه قد يُفضِي إلى أنَّ المرأة تجمع بين اثنَيْن على حسب الظاهر والباطن"[27].



وبهذا يكون الإسلام قد أغلَقَ هذا الباب في وجْه كلِّ أحد وجعَلَه خالِصًا لله - جل جلاله.



ولذلك هدفُه الذي لا يخفَى، فلو تُرِك لأحدٍ أن يُحِلَّ أو يُحَرِّم، لأحلَّ لنفسه ما لا يُحِلُّ لغيره؛ إرضاءً لهوًى في نفسه، وفعْل الواحد مع نفسه تفعله الجماعات، فهي أعداد أفراد.



يقول السَّمَرْقَنْدِيُّ: "كانتِ اليَهود يقولون: ليس علينا في مال العرب مَأْثَمٌ، ويُقال: مَن لم يكن على دِيننا فماله لنا حلال، بمنزلة مذهب الخوارج أنَّهم يستحلُّون مال مَن كان على خلاف مذهبهم"[28].



وقد جاء في بعض أوجُه التفسير لاعتِداء جماعة من بني إسرائيل: أنه استِحلال الحِيتان بعد أن كانت مُحرَّمة في سبتهم[29].



فبِرَدِّ الأمر لله تعالى وحدَه يختَفِي الغرَض والميل والهوى، فهو - سبحانه - يُحِلُّ ما يشاء، ويحرِّم ما يشاء بغيْر غرض، ولا مُعَقِّب.



يقول الطبري: "أحلَّ الله الكَنز لِمَن كان قبلنا، وحرَّمه علينا، فالله يحلُّ مِن أمره ما يشاء ويحرِّم، ويحلُّ لأمَّة ويحرِّم على أخرى..."[30].



حكم التحليل والتحريم:

وليس لأحدٍ أن يقول في شيء: حلال وحرام، إلا مِن جِهَةِ العلم، وجِهَةُ العلم في تحديد ذلك نصُّ الكتاب والسنَّة، أو الإجماع، أو القياس على هذه الأصول.

وحُكم معرِفَة الحلال والحرام فرضٌ على الكفاية يلزم علماء الأُمَّة، ولا يلزَم العامَّة فيها.



وتقتَضِي معرفة الحلال والحرام معرفةَ اختِلاف ذلك بين الشرائع، فلا مانع شرعًا أو عقلاً أن تختَلِفَ شرائع الأنبياء فيه، وقد جاء بذلك القرآنُ: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].



فشريعتنا تختَلِف عن شريعة آدَم في حُكم تزوُّج الإنسان بأختِه التي لم تشرْكه في البطن، وتختَلِف عن شريعة يعقوب التي يجوز فيها الجمْع بين الأختين... وهكذا.



وكلُّ مؤمن يعلم أنَّه مُكَلَّف، وهذا العلم يلزمه أن يكون المكلف عالِمًا بالحلال حتى يأتيه، وعالِمًا بالحرام حتى يتجنَّبه، وإلا لا يُعَدُّ مُستَبرِئًا لدينه.

وليس يُنكِر أحدٌ أنَّ الحرام لا يَصِير حلالاً بتغيُّر اسمه، فليس يقرُّ في عقلٍ أنَّ المِلْح يَصِير حلوًا بتسميته (سُكَّرًا).



كما لا يُنكِر أحدٌ خطأَ القول: إنَّ الحلال قد يكون حرامًا بتغيُّر اسمه، وهذا يُؤَدِّي إلى أنَّ الحلال أو الحرام لا يتغيَّران باختِلاط كلٍّ منهما بالآخَر: "سُئِل النخعي عن رجلٍ يأتيه المالُ من الحلال والحرام، فقال: لا يحرُم عليه إلا الحرام بعينه"[31].



وهذا ما تؤيِّده الأدلَّة؛ فقد جاء ذمُّ اليهود في القرآن بأنهم آكِلُون للسُّحت، وأنهم مُستَحِلُّون للرِّبا، ومع ذلك فقد كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يَرْهن دِرْعَه عندهم.



وتابع لهذا السابق أن يعلم أنَّ دائرة الحلال مُتَّسِعة، فالأصل المباح، بينما دائرة الحرام ضيِّقة محصورة.

وليس يخفَى أنَّ التحريم لا يتعلَّق بذات الدرهم أو الدينار، وإنما التعلُّق بجهة الكسْب.

وأمرُ التحليل والتحريم - كما سبق وفصَّلتُ - شرعيٌّ إلهيٌّ ليس من مُدرَكات العُقول، ولا من مهامِّ المخلوقين.



يقول الشاطبي: "... وإلاَّ فلو كان التَّشرِيع من مدركات الخلْق، لم تنزل الشرائع، ولم يبقَ الخلاف بيْن الناس، ولا احتِيج إلى بعْث الرسل - عليهم السلام"[32].



فدَوْرُ العقل كاشِفٌ عن الحُكم الشرعي، وليس خالِقًا له، وكما يكشف الحكم يعرف علَّته، والحِكمة مِن الأمر به، وفي هذا تكلِيفٌ بما يُطاق.



ارتباط الاستِحلال والتحريم بالاعتِقاد، وأثر ذلك في الحكم:

سبَق أن أشَرتُ على صفحات هذه الدراسة أنَّ فرقًا بين تَعاطِي المعصية، وبين استِحلالها؛ فمُتَعاطِي المعصِيَة إذا غلبَتْه نفسُه بغير استِحلال، عاصٍ يُعاقَب على معصيته أيًّا كانت، فلا زال العاصي مسلِمًا ولو بلغت معصيتُه مُوجِب الحد، فالمعلوم أنَّ الصلاة على الميِّت لا تجب إلا على مَن مات مسلمًا، وإذا ثبت أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم صلَّى على مَن أُقِيم عليها حدُّ الزِّنا، فإنَّ فعله هذا يكون دليلاً على أنها لا زالت مُسلمةً رغم عِظَمِ الكبيرة التي فعلت[33]، أمَّا مَن يَتعاطِي المعصية، ويرى أنها حلال لا بأس به، وربما أمَرَ غيرَه بتعاطِيها - فهذا كافِرٌ باستِحلاله لا بفِعْله.



فكلُّ معصِيَة تُفعَل شهوة وغلَبَة للهوى بغيْر استِحلال لا تُخرِج صاحِبَها عن الإسلام، وإن كانت كبيرة، وأمَّا الاستِحلال للفعل فهو مُخرِج عن الملَّة، ومَرَدُّ التفريق بين الحالين الاعتِقادُ.



ففَرْقٌ كبيرٌ يجب مُراعاتُه بين فعْل الحرام مع اعتِقاد حِلِّه، وبين فعْله مع اعتِقاد حرمته، فاعتِقاد الحلِّ مُكَفِّر ولو لم يفعله المُعتَقِد، بينما الفعل مع اعتِقاد عدم الحِلِّ معصِيَة فقط، لا يُحكَم معه بكفْر الفاعل، يقول شيخ الإسلام: "هذا له حُكم أمثالِه من أهل الذنوب؛ لأنَّه ما حرَّم الحلال، ولا أحلَّ الحرام، وإنما فعَل الحرام من جهة العصيان، وجعل الحلال حرامًا مِن جهة العصيان، لا مِن جهة تبديل الدِّين"[34].



ويقول ابن حزم: "فمَن أحلَّ ما حرَّم الله تعالى وهو عالِمٌ بأنه تعالى حرَّمَه، فهو كافِرٌ بذلك الفعْل نفسه، وكلُّ مَن حرَّم ما أحَلَّ الله تعالى فقد أحَلَّ ما حرَّمه - جلَّ جلالُه - لأنَّه تعالى حرَّم على الناس أن يُحَرِّموا ما أحلَّ"[35].



وقد زاد ابن حَزْم في قوله السابق عن مُؤدَّى قول شيخ الإسلام أنَّ الكفر لا يُوصَف به مَن استَحَلَّ الحرام فقط، بل هو لاحِقٌ بِمَن حرَّم الحلال كذلك، وليس يَخْفَى على أحدٍ من المسلمين أن مَن استحلَّ محرَّمًا بالإجماع فقد كفر؛ لحديث معاوية بن قُرَّة أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرسل أباه (قُرَّة) ليَقتُل رجلاً عرَّس بامرأة أبيه[36].



وبهذا يَثبُت أنَّ مَن أنكر آية، أو رَدَّها فهو كافِرٌ، يقول شيخ الإسلام: "ومَن خالَف ما ثبَت بالكتاب والسنَّة، فإنَّه يكون إمَّا كافرًا، وإمَّا فاسِقًا وإمَّا عاصيًا، إلا أن يكون مؤمنًا مجتهدًا مخطِئًا، فيُثاب على اجتهاده، ويُغفَر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلغْه العلم الذي تقوم عليه به الحُجَّة"[37].



فالاستِحلال بغير تأوُّل مُكَفِّر، أمَّا الاستِحلال بالتأويل فليس بِمُكَفِّر، فالخوارج ليسوا كفَّارًا في رأي جمهور العلماء، مع أنهم كانوا يعتَقِدون كفرَ كثيرٍ من الصحابة أو التابعين، وقد كانوا يستحلُّون دماءَهم وأموالَهم بهذا التأويل، ولا يُعتَبر المتأوِّل مرتدًّا[38].



وبعدُ، فالمؤمن مَن يعتَقِد أنَّ الحلال ما أحلَّ الله تعالى وأنَّ الحَرام ما حرَّم الله تعالى وذلك مُرتَبِط بإرادته تعالى وذلك مُطَّرِدٌ ماضٍ حتى فيما لا يعلم المعتَقد له حِكمة للتحريم، فسبحان الله يُرِيد ما يقع في ملكه، وإن لم يرضَه كلَّه، فهو - سبحانه - يُرِيد الإيمان ويرضاه، لكنَّه لا يرضى الكفر، وقد وُجِد الكفر بإرادةٍ منه تعالى بغير رِضًا؛ يقول تعالى: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].



وبعد ذلك يعرف المؤمن أنَّ الحلال والحرام مُرتَبِط بالأمر والنهي، ولا ارتِباط له برِضا أو غيره، يقول البقاعي: "فعُرِف بذلك أنَّ العبرة في الحلال والحرام بأمْره ونهيه لا بإرادته"[39].



فالله تعالى هو الذي يشرِّع الحلال والحرام، وهذا فرْع عن وحدانيَّته تعالى فالذي يخلق ويرزق ينبغي أن يكون هو الذي يُحِلُّ ويحرِّم، وبهذا يرتَبِط التشريع بالعقيدة[40].



يقول سيِّد قطب: "فالذين آمنوا يقتَضِيهم عقد الإيمان أن يتلقَّوا التحريم والتحليل مِن الله وحدَه، ولا يتلقَّوا في هذا شيئًا من غيره - سبحانه"[41].



فلا تحليل ولا تحريم إلا مِن جهة الإله، ولا طاعة لأحدٍ في الأمرَيْن إلا لله، وإلا عُدَّ المطيع مُشركًا بالله تعالى وعُدَّ الآمر نِدًّا له.



يقول القرآن: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].



فالآية صيَّرت الأحبار والرُّهبان بأمرهم ونهيهم أربابًا، وصيَّرت مَن أطاعوهم مشركين، فصِحَّة الاعتِقاد ترتَبِط بالباب إيمانًا وعملاً بغير تبديلٍ لحُكم أو اتِّباع لِمُضِلٍّ.



حلال طيب وحرام خبيث:

الحلال والحرام حُكْمان شرعيَّان، جاء في الأصول أنهما تابعان للأمر والنهي، وهما ليسَا سواء؛ فالحلال مأمور به، بينما الحرام منهي عنه، ولا يأمر الشارع إلا بالطيِّب، ولا ينهى إلا عن الخبيث.

يقول البقاعي: "فعرفت بذلك أنَّ العِبَرَ في الحلال والحرام بأمره ونهيه..."[42].



والقرآن يَنفِي استِواءَهما؛ ففيه: ﴿ قُلْ لاَ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ ﴾ [المائدة: 100]، يقول السَّمَرْقَندِيُّ عند تعرُّضِه لتفسير هذه الآية: "لا يستوي الحلال والحرام..."[43]، وكثرة الحرام ليسَتْ بالأمر المُعجِب حيثُ تنزل الآية



واعتِقاد التسوِيَة بينهما شيءٌ لا يَصِحُّ دينًا، يقول الجويني: "وإثبات التخيير واعتِقاد التسوِيَة بين التحليل والتحريم أمرٌ يُناقِض وضْعَ الشريعة على القطع، وهذا معلومٌ على الضرورة"[44]، وما دامَا ليسَا سواءً، فلا بُدَّ أنْ يُعلَم أنَّ الحلالَ طيِّبٌ كلُّه، وأنَّ الحرام خبيث كلُّه، يقول الغزالي: "اعلم أنَّ الحرامَ كلَّه خبيث، لكن بعضه أخبثُ مِن بعض، والحلال كله طيِّب، ولكن بعضه أطيبُ من بعض"[45].



وربما ارتَبَط الطيِّب بالحلال قبْلَ إحلاله، والخبيث بالحرام قبْل تحريمه، وقد يُفهَم ذلك من قوله جل جلاله: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، يقول ابن قيِّم الجوزيَّة: "فهذا صَرِيحٌ في أنَّ الحلال كان طيبًا قبل حِلِّه، وأنَّ الحرام كان خبيثًا قبْلَ تحريمه، ولم يُستَفد طِيبُ هذا وخُبثُ هذا من نفْس الحل والتحريم"[46].



ولا بُدَّ أن يكون هناك فرْق واضح بين الاستِطابة الناتجة عن تحليل الشَّرْع، والاستِطابة الناتجة عن هوى النفوس، وكذلك الفرْق بين الاستِحباب شرعًا وطبعًا.



فالخبيث ما استَخبَثَه الشرع وإن استطابَتْه النفس؛ لأنَّ نُفُوس العُصَاة تشتَهِي المحرَّم وإلا لم تفعَلْه، ولقد فرَّقَتْ شريعة الإسلام الإلزام لأتباعها بين المُستَخبَث والمُستَطاب؛ فألزمَتْهم بأن يتخبَّثوا ما استَخبَثَتْ، لكنَّها لم تُلزِمهم أن يَستَطِيبوا ما استَطابَتْ هوًى لا شرعًا، فليس أحدٌ يَقُول بتحريم أن يعاف الإنسان الحلال، ولكن الكلَّ يَقُول بحُرمة أن يَستَطِيب الإنسان الحرام ولو بهواه.



فالخمر خبيث حرام، يجب استِقذارها وإن شَرِبها ناسٌ، والضبُّ حلال طيِّب، ولا تجب استِطابَتُه، وقد عافَه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستِطابَةُ الحرام تحليلُه، وهذا غير جائز[47].



يقول الشافعي: "وليس يَحِلُّ بالحاجة محرَّم إلا في الضرورات مِن خوف تلَف النفس، فأمَّا غير ذلك فلا يَحِلُّ لحاجةٍ فيه، فالحاجة فيه وغير الحاجة سواء..."[48].



فميزان الاستِطابة والاستِخباث شرعيٌّ لا نفسي أو بشري، وهو إنْ كان الطيِّب والخبيث وصفًا للمُحَلَّل والمحرَّم شرعًا، غير أنْ إطلاق الحُكم في ذلك لله ربِّ العالمين، خاصَّة فيما لا يستطيع المكلَّف أن يتعرَّف على عِلَّة التحريم أو حِكمته.



فالشرع حرَّم ذبيحة المُشرِك فاستَخبَثَها بذلك التحريم، ولو زكَّى المسلم أو الكتابي ذاتَ البَهِيمة التي كان المُشرِك ذبَحَها، لاستَطابَها الشرع وأحلَّها للمتعبِّدين، فكما يقول الرازي: "والتحليل والتحريم ليسَا بصفات للمُحَلاَّت ولا المحرَّمات، وإنما هي عبارة عن قول الشارع فيما شرع"[49].



وهذا يُبرِز الخلاف الذي كان بيْن مالك والشافعي، حيث يرى الشافعي - خلافًا لمالك - أنَّ التحليل والتحريم في المآكِل والمشارب مُرتَبِط بالاستِطابة والاستِخباث، خاصَّة من العرب الذين نزلتْ فيهم الرِّسالة، وأمَّا الإمام مالك فيرى أنَّ كلَّ حيوان حلال، إلا ما ورد نصٌّ بتحريمه، ولو كانت النُّفوس تستخبثها؛ كحشرات الأرض، والديدان، والهوام، وبُغاث الطير، وجوارحها، والكلب"[50].



والأصل الذي اعتَمَد عليه الإمامُ مالك هو قوله جل جلاله: ﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].



فما حرَّمه الشَّرع خبيثٌ، ولو ظنَّه الناس طيبًا، وما أحلَّه الشرع طيبٌ، ولو ظنَّه الناس خبيثًا، فمالك يرى حلَّ الديدان، وحشرات الأرض والهوامُّ، ولا يستَطِيبها صاحبُ فطرة سَلِيمَة، لكنَّها طيِّبة ما لم يَثبُت الدليل المحرِّم، وكونها طيِّبة بهذا الشرْط لا يُناقِض القول بعَدَمِ استِطابَتِها من أصحاب الفِطَر السليمة؛ لأنَّ فرقًا يجب أن يكون واضحًا بين الاستِطابة الشرعيَّة والاستِطابة النفسيَّة التي قد تَعاف الحلالَ - كما سبق وذكرتُ.



وهذا يُؤكِّد ما قاله الجويني: "التحليل والتحريم لا يتعلَّقان بالأعيان، وإنما يتعلَّقان بأفعال المكلَّفين، فالمحرَّم فعْل المكلَّف في العين"[51]، وبذلك يَثبُت أنَّ العين الواحِدة لا تحلُّ ولا تحرُم بذاتها، وإنما حلُّها وحرمتها مُرتَبِطان بالحُكم على فعْل المكلَّف فيها.



وهذا ما أبَان عنه أهلُ العلم في تفسيرهم ارتِباطَ التحليل والتحريم بالأعيان، فقد جاء: "فليس في المقدور أن نعلِّق التحريم بالأعيان المذكورة[52]، فأَوْجَبَ ذلك أنَّ التحريم متعلِّق بفعْل من الأفعال التي تتَّصل بهذه الأعيان، وذلك كتحريم الاستِمتاع بالمحرَّمات في النِّكاح، وتحريم الأكْل في المحرَّمات في الأطعمة"[53].



وإذا حُرِّم الشيء شرعًا، فقد وجب على الناس السمع والطاعة، سواء علموا سببَ التحريم أو لم يعلموا، وإنما وجَب عليهم أن يردُّوا العلمَ لله فيما لم يَقِفُوا فيه على سرٍّ، وليس لهم أن يُطالِبوا بالتخيير بين حلال وحرام، فليس يستوي الخبيث والطيِّب، يقول الجويني: "من المُستَحِيل التخيير بيْن التحليل والتحريم... وكذلك لا يُتَصوَّر التخيير بين مُحَرَّمَيْن"[54].



فإذا تردَّد الأمرُ عند الناس بين التحليل والتحريم، فالأَخْذُ بالقول المحرِّم أَوْلَى؛ احتِياطًا للحرمة، فالمأثم لاحقٌ بمُرتَكِب المحرَّم، ولا مأثم في ترك المباح - كما مضى - أمَّا إذا تعارَض دليل الحِلِّ والحُرْمة، فإنهما يَتَدافَعان، وعندها يجب العلم بالأصل.

ولا يَخفَى على المتمرِّس أنَّ الشرع - كما قعَّد الفقهاء وبرهنوا عليه - قد جعل الإباحةَ هي الأصل[55].



ولم يجعلِ التحريم هو الأصل إلا في الأبْضاع، وهذا أقرَبُ للاحتِياط وأَوْلَى[56]؛ لأنَّ هذه الحال لا يَصلُح فيها أرْشٌ أو عِوَض، فلا يحرم شيء غيرها إلا تيقنَّا أنَّه حرام، بينما لا يحلُّ بُضعٌ إلا إذا تيقنَّا من دليل الحلِّ، والفرق لا يخفَى.



يقول الكاساني: "فالأصل في الأبضاع والنُّفوس هو الحُرْمة، والإباحة تَثبُت بهذا الشَّرْط، فعند عدم الشَّرْط تَبقَى الحُرْمة على الأصل"[57].

ويقول النووي: "فمَن ورث مالاً، ولم يعلم من أين كسبه مورثُه أمِن حلال أم من حرام، ولم تكن علامة - فهو حلالٌ بإجماع العلماء، فإن علم أنَّ فيه حرامًا وشكَّ في قدره، أخرج قدرَ الحرام بالاجتهاد..."[58].

وهذان القولان السابقان فيهما التفريق.



والتحليل والتحريم مُرتَبِطٌ بالمصلحة والمفسدة، فالأمر حلال ما غلبَتْ مَصلَحتُه على مَفسَدتِه، وهو حرامٌ غير مشروع متى غلبَتْ مفسدته على مصلحته[59].



وليس يُفيد طريق التحليل ما علم أنه حرام، أو غلب ذلك على الظن، فنِكاح المرأة المتزوِّجة حرامٌ، ولا يحلُّه تمام أرْكان العقد عليها؛ وعليه فإنَّ النذر أو القسَم، أو الصُّلح، أو غيرها، لا يجعل الحرام حلالاً، كما لم يجعل العقْد المكتَمِل الأركان المتزوِّجة حلالاً، وهذا ما سيكون له تفصيل في الدِّراسة.

فالدِّراسة تُرِيد أن تُؤكِّد أن الحلَّ والحرمة بالشرع فقط، ولا طريقَ لذلك إلا النص[60].



فقد أخرج البزَّار والطبراني من حديث أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما أحلَّ الله فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سَكَت عنه فهو عفوٌ، فاقبَلُوا مِن الله، فإن الله لم يكن لينسى))[61].


رابط الموضوع:
https://www.alukah.net/sharia/0/25312/#ixzz6wFAo8j9Q
 
Screenshot_٢٠٢١-٠٥-٢٩-١٠-٢٠-١٧-١٦٦_com.google.android.apps.docs.jpgScreenshot_٢٠٢١-٠٥-٢٩-١٠-٢٠-٢٣-٦١٩_com.google.android.apps.docs.jpgScreenshot_٢٠٢١-٠٥-٢٩-١٠-٢٠-٢٩-٩٩٩_com.google.android.apps.docs.jpgScreenshot_٢٠٢١-٠٥-٢٩-١٠-٢٠-٣٥-٨٧١_com.google.android.apps.docs.jpgScreenshot_٢٠٢١-٠٥-٢٩-١٠-٢٠-٤٥-٧٢٥_com.google.android.apps.docs.jpg
 

المرفقات

  • 12.pdf
    306.5 KB · المشاهدات: 0
﴿إِنَّ لِلۡمُتَّقِینَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ (٣٤) أَفَنَجۡعَلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ كَٱلۡمُجۡرِمِینَ (٣٥) مَا لَكُمۡ كَیۡفَ تَحۡكُمُونَ (٣٦) أَمۡ لَكُمۡ كِتَـٰبࣱ فِیهِ تَدۡرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمۡ فِیهِ لَمَا تَخَیَّرُونَ (٣٨) أَمۡ لَكُمۡ أَیۡمَـٰنٌ عَلَیۡنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ (٣٩) سَلۡهُمۡ أَیُّهُم بِذَ ٰ⁠لِكَ زَعِیمٌ (٤٠) أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَاۤءُ فَلۡیَأۡتُوا۟ بِشُرَكَاۤىِٕهِمۡ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِینَ (٤١)﴾ [القلم ٣٤-٤١]

لَمَّا ذَكَرَ [اللَّهُ](١) تَعَالَى حَالَ أَهْلِ الْجَنَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَمَا أَصَابَهُمْ فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ حِينَ عَصَوُا اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، بَيَّنَ أَنَّ لِمَنِ اتَّقَاهُ وَأَطَاعَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ جَنَّاتِ النَّعِيمِ الَّتِي لَا تَبيد وَلَا تَفْرَغُ وَلَا يَنْقَضِي نَعِيمُهَا.ثُمَّ قَالَ: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ ؟ أَيْ: أَفَنُسَاوِي بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ فِي الْجَزَاءِ؟ كَلَّا وَرَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ! أَيْ: كَيْفَ تَظُنُّونَ ذَلِكَ؟.ثُمَّ قَالَ: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ يَقُولُ: أَفَبِأَيْدِيكُمْ كِتَابٌ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ تَدْرُسُونَهُ وَتَحْفَظُونَهُ وَتَتَدَاوَلُونَهُ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنِ السَّلَفِ، مُتضمن حُكْمًا مُؤَكَّدًا كَمَا تَدَّعُونَهُ؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ: أَمَعَكُمْ عُهُودٌ مِنَّا وَمَوَاثِيقُ مُؤَكَّدَةٌ، ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ: إِنَّهُ سَيَحْصُلُ لَكُمْ مَا تُرِيدُونَ وَتَشْتَهُونَ، ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ ؟ أَيْ: قُلْ لَهُمْ: مَنْ هُوَ الْمُتَضَمِّنُ الْمُتَكَفِّلُ بِهَذَا؟﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ أَيْ: مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾

(١) زياده من م.

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمجرمون في القرآن الكريم: هم المرتكبون للجرائم ـ وهي الذنوب والآثام ـ والأغلب أن تكون كفراً يخلد صاحبه في النار - والعياذ بالله - وسنذكر مثالاً على ذلك.

وأما المنافقون: فهم الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، والمتتبع لآيات النفاق في القرآن الكريم يلاحظ أن جلها - إن لم نقل كلها - في هذا النوع من النفاق المخرج من الملة، كما سيأتي.

وأما الكافرون: فهم الجاحدون الذين لا يؤمنون بالله ورسله، فالكفر ـ في القرآن الكريم نقيض ـ الإيمان إلا ما روي عن ابن عباس وغيره: أن كفر وظلم وفسق من لم يحكم بما أنزل الله الوارد في سورة المائدة قد يكون كفراً دون كفر، وظلماً دون ظلم، وفسقاً دون فسق.

وأما المشركون: فهم الذين يعبدون غير الله تعالى أو يعبدون معه غيره.

وأما الفاسقون: فهم المتمردون على الله تعالى الخارجون عن طاعته تعالى. قال الراغب الأصفهاني في المفردات: والفسق أعم من الكفر، ويقع بالقليل من الذنوب وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيراً، وأكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به، ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضها، وإذا قيل للكافر الأصلي: فاسق، فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل واقتضته الفطرة، وكثيراً ما يطلق في القرآن الكريم على الكفر المقابل للإيمان، كما في قوله: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقاً.

والعامل المشترك بين هؤلاء جميعاً: هو مخالفة أمر الله تعالى، وإذا كانت من الكفر الأكبر المخرج من الملة مخلد في النار ـ والعياذ بالله تعالى ـ ففي شأن المجرمين يقول الله تعالى: إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون.

وفي الكفار والمنافقين والفاسقين يقول الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {67-68}.

وفي المشركين يقول الله تعالى: وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا {البينة:6}.

وبهذا نرجو أن تكون قد عرفت الفرق بين هذه الألفاظ والعامل المشترك بينها.

وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين رقم: 129080، ورقم: 108425.

والله أعلم.
 
سؤال آخر

- هل عدد المحرمات هو 14 محرما؟

المحرمات أربعة عشر، وقد يحصل أن نعد بنداً مع بند آخر، ولك أن تحصيها:
1-الشرك بالله {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً —} (الأنعام 151)
2-عقوق الوالدين { —وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً—} (الأنعام 151)
3-قتل الأولاد من إملاق أو خشية إملاق {—- وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ—} (الأنعام 151)
4-اقتراب الفواحش {—- وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ—} (الأنعام 151)
5- قتل النفس {—- وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ—} (الأنعام 151)
6-أكل مال اليتيم {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ—} (الأنعام 152)
7- الغش بالكيل والميزان {—–َأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا–} (الأنعام 152)
8-شهادة الزور {— وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى—} (الأنعام 152)
9-نقض العهد {—وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ –} (الأنعام 152)
10-أكل الميتة والدم ولخم الخنزير والاستقسام بالأزلام {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ —} (المائدة 3)
11- الإثم والبغي بغير حق {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ —} (الأعراف 33)
12-نكاح المحارم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء 23 – 24)
13- الربا {— وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا —} (البقرة 275)
14- التقول على الله {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ —— وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 33)

هل هذا صحيح 🙏
 
الأحكام الشرعية (التكليفية)
الفوائد الثرية في مختصر الأصول الفقهية (4)


الأحكام:

جمع حُكْم، معناها لغةً: القضاء؛ لذا يُسمى الحاكمُ بين الناس قاضيًا.



اصطلاحًا هو: "ما اقتَضاه خطاب الشرع المتعلِّق بأفعال المكلَّفين من طلب أو تخيير أو وضع"[1].



يَنقسِم الحكم الشرعيُّ إلى قسمَين:

الأول: الحكم التكليفي،
الثاني: الحكم الوضعي.

الأحكام التكليفية:
أي ما وضعه الشارع على وجه التعبُّد، وكان مَقصودًا لذاته، وفي مقدور العبد الإتيان بها، مثل عقد البيع وانتقال الملكية.

الأحكام التكليفية تَنقسِم إلى خمسة أقسام، وهي:
"الواجب، الحرام، المُباح، المندوب، والمكروه"؛

أولا: الواجب
لغةً: الساقط واللازم، ويُسمَّى الفرض والواجب والحَتم واللازم.

اصطلاحًا هو: "ما أمَرَ به الشارع على وجه الإلزام"؛ مثل الصلوات الخمس.

حكم الواجب:
يلزم الإتيان به، ويُثاب فاعله، ويُعاقَب تاركه، زاد بعض العلماء امتثالاً.

أقسام الواجب:
يَنقسِم الواجب إلى عدَّة أقسام باعتبار بعض الأشياء؛ مثل:
1 - باعتبار ذاته:
يَنقسِم إلى قسمَين:
أ - واجب مُعيَّن، وهو الذي كلَّفه الشارع للعبد دون تخيير؛ كالصلاة والصوم.

ب - واجب مُبهَم، وهو الذي كلَّفه الشارع على التخيير مثل كَفارة اليمين.

2 - باعتبار فاعله:
ينقسِم
إلى قسمَين:
أ - واجب عَينيٌّ: وهو الذي يجب على كل مكلَّف أن يأتي به؛ كالصلاة والصيام، وهو ما طلَب الشارع فعله من كل المكلَّفين ولا يَسقُط عنه بفعل البعض.

ب - واجب كفائي: وهو ما طلب تخصيصه من مجموع المكلَّفين؛ مثل الجنائز (من تغسيل وتكفين والصلاة على الميت ودفنه)؛ أي: إذا فعله مَن تُسدُّ بهم الحاجة سقط عن الجميع.

3 - باعتبار وقت أدائه
ينقسِم إلى قسمين:

أ - واجب مُطلَق أو موسَّع، وهو: "ما أمر الشارع بفعله دون تقييد بزمن محدَّد"، مثل كفارة اليمين والنفقة على الزوجة.

ب - واجب مضيَّق أو مقيد: وهو: "ما حدَّد الشارع وقتًا محددًا لفعله"؛ مثل وقت الصلاة، وصيام رمضان، والوقوف بعرفة.

4 - باعتبار تقديره:
يَنقسِم إلى قسمَين:
أ - واجب مقدَّر، وهو: "ما حدَّده الشارع بقدر محدَّد"؛ مثل: عدد ركعات الصلاة، ومثل أيام صيام رمضان.

ب - واجب غير محدَّد، وهو: "ما أمر به الشارع ولم يحدِّد له قدرًا معينًا"؛ مثل: النفقة على الزوجة، والإحسان إلى الناس.

مسائل تتعلق بالواجب:
المسألة الأولى: إذا أخَّر المكلَّف الواجب الموسَّع فمات قبل أدائه، مثل: من مات قبل أن يُصلي الظهر في أول وقته، هل يكون عاصيًا؟

إذا كان في نيته أن يُصليه في الوقت المحدَّد قبل خروج وقت الظهر لا يكون عاصيًا، أما إذا غلَب على ظنه أنه سيموت قبل خروج الوقت وأخَّرها يكون عاصيًا، مثل من حكم عليه بالإعدام في الساعة الثالثة عصرًا مثلاً فأخَّر الظُّهر إلى وقت التنفيذ، يكون عاصيًا.

المسألة الثانية: الواجب الكفائي قد يتعيَّن في بعض الأحيان:
نعم: مثل الجهاد فرض كفاية، ولكن إذا دخَل المعركة تعيَّن عليه أن يُتمَّ القتال، كذلك إذا غزا العدو البلد، وكمَن حضر شخصًا يَغرق ولا يوجد أحد يُنقِذه إلا هو، وجب عليه أن يُنقِذه.

المسألة الثالثة: ذهب جمهور العلماء إلى أن الفرض والواجب بمعنى واحد، بخلاف الأحناف، فهم يُفرِّقون.

المسألة الرابعة: ما لم يتمَّ الواجب إلا به فهو واجب:
مثاله: إحضار الماء من أجل الطهارة حتى لو كان بثمن.

الأشياء التي يتمُّ بها الواجب
تَنقسِم إلى:
أ- لا يَدخُل تحت قدرة العبد، مثل غروب الشمس.
ب- ما كان تحت قدرة العبد؛ لكنه غير مطالَب بتحصيله، مثل النصاب للزكاة.
ج- ما كان تحت قدرة العبد وهو مأمور بتحصيله؛ كالطهارة للصلاة، والسعي للجُمعة.

المسألة الخامسة: ما لا يتمُّ ترك الحرام إلا بتركه، فتركُه واجب:
إذا اختلط الحلال بالحرام، ولا يُمكن تمييزه، فتركه واجب، مثاله: سؤال الصحابة عن اصطياد الكِلاب المعلَّمة صيدًا، ووُجد كلبٌ آخَر بجوار الصيد.

المسألة السادسة: الفِعل النبوي إذا كان تفسيرًا لمجمَل، هل يكون الفعل واجبًا؛ مثل: "أقيموا الصلاة..."، فهل كل أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة واجبة؟

لا تَكون كل أفعاله - صلى الله عليه وسلم - دليلاً على الوجوب، ولكن يُعرَف الوجوب وغيره من أدلة أخرى.

ثانيًا: المندوب:
لغةً: المدعو.
اصطلاحًا: "ما أمَر به الشارع لا على وجه الإلزام"؛ كالسُّنَن الرواتب.

حكم المندوب:
يُثاب فاعله امتثالاً، ولا يُعاقَب تارِكه.
ويُسمَّى: سُنَّة، ومسنونًا، ومستحبًّا، ونَفلاً، وقربة، ومرغوبًا فيه، وإحسانًا.

مسائل تتعلَّق بالمندوب:

المسألة الأولى: فضيلة المندوب:
أ- يُرفَع العبد إلى درجة عالية عند الله، والدليل قول الله - تعالى - في الحديث القدسي: ((وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبَّه........))[2].

ب- أن يُكمِل التقصير الحاصل للواجب، والدليل حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن وجدت تامَّةً كُتبَت تامَّةً، وإن كان انتقص منها شيء، قال: انظُروا هل تَجدون له مِن تطوُّع يُكمِل له ما ضيع من فريضة من تطوعه، ثم سائر الأعمال تجري على حسب ذلك))[3].

المسألة الثانية: هل يجب إتمام النفل إذا شرَع فيه؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لا يجب الإتمام؛ لأن النفل شُرِع على هذا الوجه: يثاب فاعله ولا يعاقَب تاركه، سواء كان ترك أصلاً أو ترك أثناء الفعل، والدليل قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -:((الصائم المُتطوِّع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر))[4].
القول الثاني: قالوا: يَجب الإتمام إذا شرع فيه، وهو مذهب أبي حنيفة، وأدلتُهم:
• قول الله - تعالى -: ﴿ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].
قالوا: إن الله نَهاهُم عن إبطال العمل.
• قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للرجل الذي جاءه، قال وهو يسأل عن الصلاة قال: هل عليَّ غيرها؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا إلا أن تتطوَّع))[5].
ففهموا من الحديث أن الاستثناء متَّصل؛ أي: إنه فُرضت عليك النافلة إن شرعتَ فيها.
• من حيث النظر إن النفل يَصير فرضًا بالنذر، قالوا: كذلك شَرعُه في النافلة كأنه نذرَها، وكان النذر بفعلِه لا بقوله.

والراجح: هو قول الجمهور، وأما أدلة الأحناف فأجابوا عنها، قالوا:
• أن الآية لا تدلُّ على إتمام النفل؛ إنما تدلُّ على عدم إبطال الحسنات؛ كقوله - تعالى -: ﴿ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ﴾ [البقرة: 264].
• أما الحديث فصحيح؛ ولكن الاستِثناء منقطع، وليس متَّصلاً؛ أي المعنى: لكن لك أن تتطوَّع.

• أما القياس: فقياس مع الفارق؛ لأن النذر لا يَثبُت إلا باللفظ، ويُعارِضه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الصائم المُتطوِّع أمير نفسه؛ إن شاء صام، وإن شاء أفطر))[6].

المسألة الثالثة: المستحَبُّ وإن كان تاركه لا يعاقب في تركه جزءًا، فإنه قد يعاقب إذا تركه جملة:
مثاله: من واظَبَ على تركِ الوتر، فلا يُتصوَّر في مؤمن يَترُك كل المستحبات، قال الشاطبي وقَعَّدَ بذلك قاعدة وهي: "أن الفعل إذا كان مندوبًا بالجزء، فهو واجب بالكل"، وعلى هذا يُحمَل كلام الإمام أحمد وهو: "مَن ترَك الوتر، فهو رجلٌ سُوءٌ، ولا تُقبَل شهادته".



المسألة الرابعة: المستحب مُتفاوِت الرتبة:
فأعلاه ما واظب عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يتركه إلا نادرًا، كالسُّنَن الرواتب.

والثانية: ما فعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحيانًا وترَكَه أحيانًا؛ كصلاة الضُّحى.
والثالثة: ما كان فيه الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من المشروبات والملابس، وتُسمى بالسُّنَن الزوائد.

المسألة الخامسة: المُستحَبُّ مقدِّمة للواجب:
لأن من حافظ على المستحبات، فهو للواجِبات أحفَظ، ومن ضيع المُستحَبات يوشِك أن يَتهاون في الواجبات.

المسألة السادسة: السنَّة في لسان الشارع أعمُّ من السنَّة في لسان الاصطلاح؛ لأن السنَّة في الشرع بمعنى الطريقة والمنهج، فتشمَل الواجب والسنَّة، وفي ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سُنةً حسنةً، فله أجرُها وأجرُ مَن عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومَن سنَّ في الإسلام سُنةً سيئةً، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده، من غير أن يَنقُص من أوزارهم شيء))[7]، وقول ابن عباس عندما صلى الجنازة وجهَر بالفاتحة قال: إنها السنَّة.

المسألة السابعة: فرَّق بعض الفقهاء بين المسنون والمُستحَبِّ، فذكَروا أن المسنون ما ثبَت بدليل من الشرع، والمستحَب ما ثبَت باجتهاد الفقهاء، والراجح ما عليه الجمهور في عدم التفريق.


ثالثًا: الحرام:

لغة: الممنوع.
اصطلاحًا: ما نَهى عنه الشارع على وجه الإلزام بالترك؛ كعقوق الوالدَين.

حُكمه: يُثاب تاركه امتثالاً، ويَستحِقُّ العقابَ فاعلُه.
ويُسمى محظورًا، أو ممنوعًا، أو معصيًة، أو ذَنْبًا.

ألفاظ التحريم:
قال ابن القيم: "ويُستفاد التحريم من: النهي، والتصريح بالتحريم، والحظر، والوعيد على الفعل، وذم الفاعل، وإيجاب الكفارة بالفعل، ولفظة ما كان لهم كذا، ولم يكن لهم، وترتيب الحد على الفعل، ولفظة لا يحل، ولا يصلح، ووصف الفعل بأنه فساد، وأنه من تزيين الشيطان وعمله، وأن الله لا يحبه، وأنه لا يرضاه لعباده، ولا يُزكي فاعله، ولا يكلمه، ولا ينظر إليه، ونحو ذلك"[8].

أقسام الحرام:
يَنقسِم إلى قسمين:
الأول: حرام لذاته:
وهو ما حكَم الشارع بتحريمِه ابتداءً.
إذا فعل المكلَّفُ الحرامَ لذاته، لا يترتَّب عليه آثاره الشرعية، فمَن زنا لا يترتَّب عليه حكم النكاح، ولا يثبت الولد بالزنا، ولا يَثبُت الإرثُ ولا النفقة.

الثاني: الحرام لغيره:
وهو ما كان مَشروعًا في الأصل، واقترن به عارض أو قرينة أو محرم فأدى إلى تحريمه؛ كالنظر للمرأة الأجنبية حرام؛ لأنه قد يؤدي إلى الزنا، وكالبيع والشراء فهو حلال، ولكنه إذا كان عند نداء الجمعة أصبح حرامًا، ومثل بَيع النجش، واختلف العُلماء هل يثبت آثارها أم لا؟

قال البعض بعدم ثُبوت الأثر، وذهَب الآخَرون إلى ثُبوت الأثر مع الإثم ومع الخيار إذا كان مُتعلِّقًا بحق العبد.

مسألة: تتعلق بالحرام:
فرَّق الأحناف إذا كان الحرام ثبَت من نهي قطعي، مثل القرآن والسنَّة المُتواتِرة فهو حرام، وأما إذا ثبت بنهي ظنِّيٍّ فيكون هذا مكروهًا، أما الجمهور فلا يُفرِّقون.


رابعًا: المكروه:
لغة: المُبغَض.
اصطِلاحًا: ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام بالتركِ، كأكل البصل والأكل مُتكئًا، والنوم قبل العِشاء والحديث بعدها.

حكم المَكروه: يُثاب تاركه امتثالاً، ولا يُعاقب فاعله.

مسائل تتعلق بالمَكروه:

المسألة الأولى: قد يأتي لفظ المكروه ولم يُقصَد به إثابة تاركه امتثالاً، فقد يأتي بمعنى الحرام؛ كما في قوله - تعالى -: ﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ﴾ [الحجرات: 7]، وكقوله - تعالى -: ﴿ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴾ [الإسراء: 38].

المسألة الثانية: قسَّم الأحنافُ المَكروه إلى:
1 - المَكروه كراهة تنزيهيَّة.
2 - المكروه كراهة تحريميَّة.

لأن عندهم المكروه بالدليل القطعي هو التحريم، وبالدليل الظني هو التنزيه.

المسألة الثالثة: المكروه مُتفاوت في الدرجات:

فمنه ما هو أدنى درجات الكراهة، وما هو في أعلى درجات الكراهة، ويتعيَّن ذلك بالقرائن، فأعلى درجات الكراهة المُتشابهات؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث النعمان بن بَشير عند مسلم:((إن الحلال بيِّنٌ، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثير من الناس، فمَن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرْضه، ومَن وقع في الشبُهات وقع في الحرام؛ كالراعي يَرعى حول الحمى يوشِك أن يرتعَ فيه، ألا وإن لكل ملك حمًى، ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله،وإذا فسَدت فسَد الجسد كله، ألا وهي القلب))[9].

فهي أعلى درجات الكراهة؛ لأنها حاجز بين الحلال والحرام.

المسألة الرابعة: المَكروه بالجزء يَحرُم بالكل، وليس للعبد أن يَتهاون بالمكروهات، فالإصرار على الصغيرة قد يَسير كبيرة.

المسألة الخامسة: كما أن المستحَب مقدِّمة للواجب، فإن المَكروه مقدمة للحرام؛ لأن من اعتاد المكروه هان عليه فعل الحرام.


خامسًا: المباح:
لغة: المُعلَن والمأذون فيه.
اصطلاحًا: ما خُيِّر المُكلَّف بين فعله وتركه، أو ما لا يتعلق به أمر ولا نهي لذاته، كالأكل في رمضان ليلاً.

حكمه: ما دام على وصف الإباحة، فإنه لا يترتَّب عليه ثواب ولا عقاب.
ويُسمى: حلالاً وجائزًا.

تستفاد ألفاظ الإباحة من لفظ: الإحلال، ورفع الجُناح، والإذن، والعفو، والتخيير.



مسائل تتعلق بالمُباح:

المسألة الأولى: اختلف العلماء هل المباح له تَعلُّق بالأحكام التكليفية أم لا؟

حيث إنه لا يظهر فيه الأمر، فذكَر بعضهم أنه ذكر من باب المسامحة ولتكميل القِسمة، وذلك بناءً على أن التكليف هو: (الخطاب بأمر أو نهي)، ويرى بعضهم أن المُباح يُراد به التكليف، وهو وجوب اعتِقاد إباحته.



المسألة الثانية: المباح بالجزء مُستحَبٌّ بالكل:

كالتمتُّع بالطيبات، وقد يكون المباح بالكل واجبًا بالجزء، مثل ترك الطعام بالكل وإن كان مباحًا، ولكنه يجب عليه أن يأكل إذا كاد أن يهلِكَ.

المسألة الثالثة: المباح قد يكون وسيلة للمنهي عنه أو المأمور به:

وهو ما قال عنها الفقهاء: الوسائل لها حكم المقاصد، مثل شراء السلاح فهو مباح، أما إن كان هناك فتنة بين المسلمين أصبح حرامًا، وإن كان للجهاد ضد العدو فهو واجب، وهكذا.

المسألة الرابعة: تنقسم الإباحة إلى قسمَين:

1 - إباحة شرعية: هي التي عُرفت عن طريق الشرك؛ كقوله - تعالى -: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

2 - إباحة عقلية: وهي تُسمى الإباحة الأصلية؛ كقول الفقهاء: الأصل في الأشياء الإباحة، كقول الله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29].

• الفرق بينهما أن رفع الإباحة الشرعية يُسمى نَسخًا؛ لأنها حُكم شرعي، أما رفع الإباحة العقلية لا يُعدُّ نَسخًا.


[1] انظر: الأصول من علم الأصول (24).
[2] البخاري (6502).
[3] أبو داود (864)، والترمذي (413)، والنسائي (465)، ابن ماجه (1425)، وصحَّحه الألباني.
[4] الترمذي (723)، وقال: حديث حسن، وأحمد (26893)، وهو مذهب الشافعي وأحمد.
[5] جزء من حديث عند البخاري (6)، والسائل هو ضمام بن ثَعلبة.
[6] وقالوا في الحج والعمرة: يجب إجماعًا؛ لقوله - تعالى -: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]، وبعضُهم يُفرِّق بين الصيام والصلاة؛ لأن النص ورد في الصيام، فقالوا: الصلاة يجب إتمامها، أما الصيام فلا.
تنبيه: هذا في العمل المرتبِط أوله بآخره، كصلاة والصيام، أما العمل غير المرتبط أوله بآخره، فلا يجب إتمامه؛ كقراءة القرآن والذِّكر.
[7] مسلم (2398).
[8] بدائع الفوائد (4: 3 - 4).
[9] مسلم (4178).

رابط الموضوع: الأحكام الشرعية ( التكليفية )
 
سؤال آخر

- هل عدد المحرمات هو 14 محرما؟

المحرمات أربعة عشر، وقد يحصل أن نعد بنداً مع بند آخر، ولك أن تحصيها:
1-الشرك بالله {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً —} (الأنعام 151)
2-عقوق الوالدين { —وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً—} (الأنعام 151)
3-قتل الأولاد من إملاق أو خشية إملاق {—- وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ—} (الأنعام 151)
4-اقتراب الفواحش {—- وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ—} (الأنعام 151)
5- قتل النفس {—- وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ—} (الأنعام 151)
6-أكل مال اليتيم {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ—} (الأنعام 152)
7- الغش بالكيل والميزان {—–َأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا–} (الأنعام 152)
8-شهادة الزور {— وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى—} (الأنعام 152)
9-نقض العهد {—وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ –} (الأنعام 152)
10-أكل الميتة والدم ولخم الخنزير والاستقسام بالأزلام {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ —} (المائدة 3)
11- الإثم والبغي بغير حق {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ —} (الأعراف 33)
12-نكاح المحارم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} (النساء 23 – 24)
13- الربا {— وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا —} (البقرة 275)
14- التقول على الله {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ —— وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 33)

هل هذا صحيح 🙏
اعتقد ان هذه الكبائر والله أعلم
 
لا يوجد عدد معين للمحرمات، لكن توجد الكبائر وتوجد الأمور التي تخرج صاحبها عن الإسلام
والله اعلم
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top