مُومس من زمن النُور/ الجزء الأخير.

متهجئ الحرف

:: عضو مُشارك ::
إنضم
17 أوت 2016
المشاركات
324
نقاط التفاعل
1,125
النقاط
141
العمر
38
محل الإقامة
الأردن - عمّان
الجنس
ذكر

مومس من زمن النور
(الجزء الأخير)
.
.

لم تكنْ إشارةُ الصباحِ سوى دلالةٍ قويةٍ على أولِ مراحلِ التغييرِ التي أصابتهما لاحقاً، فمُنْذُ تلك اللحظةِ لم يصبرْ "يحيى"؛ عاد بسرعةٍ كبيرةٍ من حيثُ أخذته المومس إلى العاصمة "عمّان"، وتحديداً في المكان الذي التقيا فيه، وكانت تعمل به "بار البيكاديلي"، وصل في وقت الظهيرة ودخل إلى المكان دون هدفٍ واضحٍ، فأخذ يسكر بشراهةٍ بيدَ أنّه لم يثملْ كالمرةِ الأولى حيث التقطته المومس من الوقوع، عاود الرجوع إلى بيته وما إن وصل حتّى دخلَ حوض الاستحمام بكامل ملابسه وفتح صنبور المياهِ على رأسه وبدأ يغرق بالمياه؛ كانت محاولاتُه أشبهَ بغريقٍ في عرض البحر يحاول النجاةَ وحدَه دون مساعدةٍ، فالأفكار تتزاحم داخلَ رأسهِ وتتشعبُ، لماذا يحدث كل ذلك الآن؟، من تكون تلك المومس؟، ما الذي ينقصني حتى أرادتْ إيصاله لي؟، هل عميتُ عن تقبّل الناس لتسديني النصح مُجرّد مومس؟


ظلَّ يواجه نفسه هكذا، فوقف أمام مرآتِه بكل شجاعةٍ واعترف بكل أخطائه؛ بطريقة تفكيره في الخلق وأصحاب الذنوب، فشعر بحاجةٍ مُلحةٍ لمساعدة تلك المومس وبلا مقابل، لأجل إنسانيته التي شعرت بتعاطف كبير نحوها، فظلَّ يذهب للبار كثيراً حتّى وجدها يوماً ما تَهِمُّ بالخروج رفقة زبون في ساعة متأخرة من الليل، فكان أول ما قالته لحظة نظرت إليه: أشعر بتغيير كبير أصابك!، فتعجب كثيراً من إحساسها الصحيح، وعزا ذلك لفطنةٍ بالغةٍ تسكن روحَها وتمكنها من استطلاع الأشياء، لكنها قالت: غداً نلتقي في شقتك ومضت!!
هنا أثارت استغرابه مرةً أخرى لأنها لا تعلم أين يقطن ولا عنوان شقته، في اليوم التالي لم يذهب إلى عمله، وفي الساعة العاشرة صباحاً كانت تدق جرس بيته ففتح الباب، فأشرق وجهها وبدت بِطَلَّةٍ جميلة وبهندام أنيق؛ صافحته بلطف وأخذت تدور في البيت، لاحظت نظافة بيته وحُسن إدارته في اختيار أثاث الشقة الذي لم يكن كثيراً بالمناسبة، حتى تلك اللوحات المعلقة على الجدران كانت توحي برهافة حسه، جلست بجانبه وأخذا ينظران إلى بعضهما، فقطعت صمته وقالت بحزم: قُلْ باختصار ماذا تريد مني؟
أنام معك؟
دُهِش من قولها وأجاب: هذا ما لم أفكر به مُطلقاً.
لم يترك حيرتها تتسع أكثر وأخبرها بِنِيَّتِه مساعدتها وإخراجها من الطريق الذي تسير فيه؛ بيّن لها أن فعله ينبع من تعاطف إنساني بحت وليس شفقةً؛ قال لها صراحةً إنّها تركتْ أثراً كبيراً في روحه وساعدته وغيرتْ كثيراً في حياته.

قاطعته: كلّكم تتحدثون عن الإيثار والتغيير والأديان، لكنها مجرّد ثرثرة فارغة خالية من أي عملٍ صريح، لم أصلْ إلى هذا السقوط إلاّ بسبب أنانية البشر، فمن رجل تزوجني وساهم بتحطيمي وتعذيبي إلى مجتمع يعتبرني نكرةً ولا يقبل مني أي تصرف بنية سليمة؛ أحكام البشر دائماً جاهزة ومُغلفة بالدين؛ الدين الذي يحفظون منه ما يريدونه فقط ويتركون الجانب الأهمَّ الحسَّ الإنسانيَّ والتعاطفَ الحقيقيَّ مع إخواننا البشر، نظر إلى عينيها وطمأنها بأنها لن تعود إلى ممارسة تلك الأعمال، وتعدّى كلامه إلى ما كان يود استكمال قوله، فأخبرها أنّه يحتاج إلى مساعدتها لإنقاذ حالها، فقالت هل ستتحتمل وأنت شخص بسيط بالكاد يكفيك راتبك، فمن أين سأعيش وكيف سأدفع أجرة بيتي؟، قال لها" أول خطوة إن كنتِ على ثقة بي ستعيشين في غرفة معي هنا حتّى أتابعك ولا تقلقي بشأن حريتك واتركي كلام الناس جانباً، كانت في باطنها على ثقة كبيرة به فرأت ذلك في عينيه ورأت تصميمه فلم تُرد تضييع هذه الفرصة.

انتقلت للعيش معه فوفر لها غرفة جيدة وهيَّأ لها كل شيء تحتاجه، كانا يجلسان كل يوم ويتبادلان الكثير من الكلام حتى عُرِض عليها إكمال الدراسة، فلم تستجب، ضغط عليها فوافقت حتّى تخرجت بدرجة جامعية مقبولة في غضون سنوات، لم يحدث بينهما مشادة أو تشاحن ولم يذكرها بماضيها بل نسيه تماماً، ووفر لها وظيفة جيدة في الفندق الذي يعمل فيه ولم تمضِ سنتان حتى ارتقت في منصبها فعرف أن جهوده لم تضع وأنها كانت على قدر المسؤولية والإيمان بنفسها؛ بقدرتها على التغيير.

لقد صرف "يحيى" الكثير من المال عليها، فقد استدان وأخذ قروضاً بنكية من أجل إتمام ما عزم عليه، لكنه لم يشعر يوماً بمنّة له عليها ذاك لأنه كان في حالة اتحاد كامل مع ذاته العّليا العظيمة، هذا الفعل قرَّبه من ذاته فعرف هويته الحقيقية المُحبة لإخوانه البشر؛ للطبيعة؛ للحيوانات؛ للموسيقى؛ للفن، بيد أن تلك المومس التي أصبح اسمها "ليلى" بدأت تفكّر بهذا الإنسان، كيف يمكن لهذا الزمن الدموي أن يحوي هكذا بشراً، يفعل ما فعله دون مقابل وبحُب كبير، شعرَتْ بمشاعر حُب وانجذاب كبيرين، فأين يُمكنها أن تجد مثل يحيى بهذا التخلّق الإلهي الرؤوف، لكنها خافت أن تصارحه بسبب علمه عن خلفية حياتها السابقة ونظرة الرجال لامرأة نامت مع غيرهم، ظلّت أياماً وليالي تُصارع أسئلتها فواجهته بها وترتب عليه: لقد صارحها بأنَّه ومنذ قرر مساعدتها أسقط حياتها السابقة من كل حساباته، بل إنّه تقبّلها كما هي سابقاً وبإنسانها الجديد، فقد سلّم برحيل كل تلك المشاعر السلبية التي كانت تخوض داخله، تقبَّلها بحُب وأخبرها أنه كان يُحبّها لكنه لم يخبرها حتى تواصل التركيز على أهدافها وتُحقق ذاتها لتقف بكامل عنفوانها في وجه هذا العالم الشرير، احتضنته "ليلى" وشعرت كما لو أنها تمتلك العالَم بأسره، حتّى أضحى "يحيى" كل وجودها، ومن هنا انطلق منهما حُب كبير تجاه نفسيهما والعالَم.
شُكراً للإنسان ساعة يتصل بذاته العظيمة فيُكسِب الأشياء من قُدسية روحه الشاسعة، وشُكراً للحُب الإيجابي.
شُكراً لله دائماً.

*الجزء الأول من القصة في التعليق الأول.
____________________
صهيب العوضات
عمّان 9/4/2021.
 
الجزء الأول من القصة.
 
بعض ما جاء في هَدي أبطال القصة.


ليلى: لولا وجود "يحيى" لظللت عالقة في أخطائي، إن الحياة التي منحني إيّاها هي ما كنت أسعى إليه من قبل لكنه الماضي بكل بشاعته التهمني وجاء هذا الإنسان الرؤوف ليترك أثره البالغ في وجداني ويعلمني أن في البشر اختلاف كبير، لقد كان "يحيى" على قدر التحدّي وأقسم أنّه حوى الوجود كلّه داخله.


يحيى: شُكراً للعطاء، كنتُ بحاجة لمن يدفعني قليلاً إلى الأمام، فقد استوطنت عدميتي كل شيء حتّى رأيت "ليلى" أفاقتني من سَكرتي وجعلتني على أوّل السؤال، كيف أتركها بكل خيريتها التي شعرت بها، أنا ممتن للفعل الذي استحق ولادتي، من هنا أستطيع أن أغنّي، وأتحدّث بلغة الإنسان.
 
قلم موهوب ماشاء الله ربي يحفظك اخي
ليتها كانت اطول
ننتظر منكم المزيد
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top