وجوب العمل بالسنة

إلياس

:: أستاذ ::
أحباب اللمة
إنضم
24 ديسمبر 2011
المشاركات
23,443
نقاط التفاعل
26,839
النقاط
976
محل الإقامة
فار إلى الله
الجنس
ذكر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف المرسلين اما بعد فهذه محاضرة مفرغة للامام ابن باز نسال الله ان ينفعنا واياكم بها

وجوب العمل بالسنة

إن منزلة السنة من الدين عظيمة، ومكانتها في الشريعة رفيعة، كيف لا وهي مصدر التشريع الثاني بعد القرآن، فما ثبت في سنة نبينا عليه الصلاة والسلام لزمنا العمل به امتثالاً لأمر الله القائل: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، ولو تأملنا حال الصحابة والتابعين الكرام لوجدناهم خير من قام بسنة رسول الله حق القيام.

مكانة السنة في التشريع




الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وأصحابه أجمعين.. وبعد: اختير لهذا اللقاء أن تكون المحاضرة عن السنة ومكانتها في الإسلام وأصول التشريع. والسنة من المعلوم عند جميع أهل العلم أنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن مكانتها في الإسلام الصدارة بعد كتاب الله، فهي الأصل المعتمد بعد كتاب الله عز وجل بإجماع أهل العلم قاطبة، وهي حجة قائمة مستقلة على جميع الأمة، من جحدها أو أنكرها، أو زعم أنه يجوز الإعراض عنها والاكتفاء بالقرآن فقط؛ فقد ضل ضلالاً بعيداً، وكفر كفراً أكبر، وارتد عن الإسلام بهذا المقال، فإنه بهذا المقال وبهذا الاعتقاد يكون قد كذب الله ورسوله، وأنكر ما أمر الله به ورسوله، وجحد أصلاً عظيماً، أمر الله بالرجوع إليه والاعتماد عليه والأخذ به، وأنكر إجماع أهل العلم، وكذب به وجحده. وقد أجمع علماء الإسلام على أن الأصول المجمع عليها ثلاثة: الأصل الأول: كتاب الله. والأصل الثاني: سنة رسول الله عليه الصلاة والسلام. والأصل الثالث: إجماع أهل العلم. وتنازع أهل العلم في أصولٍ أخرى أهمها: القياس. والجمهور على أنه أصل رابع إذا استوفى شروطه المعتبرة. أما السنة فلا نزاع ولا خلاف في أنها أصل مستقل، وأنها الأصل الثاني من أصول الإسلام، وأن الواجب على جميع المسلمين بل على جميع الأمة الأخذ بها، والاعتماد عليها، والاحتجاج بها إذا صح السند عن رسول الله عليه الصلاة والسلام. وقد دل على هذا المعنى آيات كثيرات في كتاب الله، وأحاديث صحيحة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، كما دل على هذا المعنى إجماع أهل العلم قاطبة، على وجوب الأخذ بها والإنكار على من أعرض عنها أو خالفها. وقد نبغت نابغة في صدر الإسلام أنكرت السنة؛ بسبب تهمتها للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كـالخوارج ؛ فإن الخوارج كفروا كثيراً من الصحابة، وفسقوا كثيراً، وصاروا لا يعتمدون -بزعمهم- إلا على كتاب الله؛ لسوء ظنهم بأصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وتابعتهم الرافضة فقالوا: لا حجة إلا فيما جاء من طريق أهل البيت فقط، وما سوى ذلك لا حجة فيه.......


القرآنيون وموقفهم من السنة والرد عليهم




ونبغت نابغة بعد ذلك تسمى هذه النابغة الأخيرة القرآنية ويزعمون أنهم أهل القرآن، وأنهم يحتجون بالقرآن فقط، وأن السنة لا يحتج بها؛ لأنها إنما كتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، ولأن الإنسان قد ينسى وقد يغلط، ولأن الكتب قد يقع فيها غلط.. إلى غير هذا مما قالوا من الترهات والخرافات والآراء الفاسدة، وزعموا أنهم بذلك يحتاطون لدينهم، فلا يأخذون إلا بالقرآن فقط، وقد ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا وكفروا بذلك كفراً أكبر بواحاً. فإن الله عز وجل أمر بطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام واتباع ما جاء به، ولو كان رسوله لا يتبع ولا يطاع لم يكن للأوامر قيمة، وقد أمر أن تبلغ سنته، وكان إذا خطب أمر أن تبلغ السنة، فدل ذلك على أن سنته صلى الله عليه وسلم واجبة الاتباع، وعلى أن طاعته واجبة على جميع الأمة، كما تجب طاعة الله تجب طاعة رسوله عليه الصلاة والسلام.......



الرد على القرآنيين من القرآن الكريم



ومن تدبر القرآن العظيم وجد ذلك واضحاً.. قال تعالى في كتابه الكريم في سورة آل عمران: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:131-132] فقُرِنت طاعة الرسول بطاعته وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132] فعلق الرحمة بطاعة الله ورسوله. وقال في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] فأمر بطاعته وطاعة رسوله، وكرر الفعل في ذلك: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] ثم قال: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ولم يكرر الفعل؛ لأن طاعة أولي الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وإنما تجب بالمعروف، حيث كان ما أمروا به من طاعة الله ورسوله، ومما لا يخالف أمر الله ورسوله. ثم بين أن العمدة في طاعة الله ورسوله، فقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] ولم يقل: لأولي الأمر منكم؛ بل قال: إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فدل ذلك على أن الرد في منازل النزاع والخلاف إنما يكون لله ولرسوله، قال العلماء: معنى (إلى الله) أي: إلى كتاب الله، ومعنى (والرسول) أي: إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته عليه الصلاة والسلام. فعلم بذلك أن سنته مستقلة، وأنها أصل متبع، قال جل وعلا: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وقال سبحانه: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف:158] وقبلها قوله جل وعلا: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فجعل الفلاح لمن اتبعه عليه الصلاة والسلام: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف:157] فذكر أن الفلاح لهؤلاء المتبعين لنبي الله عليه الصلاة والسلام دون غيرهم، فدل ذلك على أن من أنكر سنته ولم يتبعه فإنه ليس بمفلح وليس من المفلحين. ثم قال بعدها: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] فعلق الهداية باتباعه عليه الصلاة والسلام؛ فدل ذلك على وجوب طاعته واتباع ما جاء به من الكتاب والسنة عليه الصلاة والسلام. وقال عز وجل في آيات أخرى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النور:54] عليه الصلاة والسلام، ثم قال جل وعلا في هذه السورة سورة النور: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور:56]، وقال في آخرها: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] فذكر جل وعلا أن مخالفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم على خطر عظيم من أن تصيبهم فتنة بالزيغ والشرك والضلال، أو عذاب أليم. نعوذ بالله! وقال عز وجل في سورة الحشر: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر:7]. هذه الآيات وما جاء في معناها كلها دالة على وجوب اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، وأن الهداية والرحمة والسعادة والعاقبة الحميدة كلها في اتباعه وطاعته عليه الصلاة والسلام، فمن أنكر ذلك فقد أنكر كتاب الله، ومن قال: إنه يتبع كتاب الله دون السنة فقد كذب وغلط وكفر؛ فإن القرآن أمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن لم يتبعه فإنه لم يعمل بكتاب الله، ولم يؤمن به، ولم ينقد له؛ إذ أن كتاب الله أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمر باتباعه، وحذر من مخالفته عليه الصلاة والسلام، فمن زعم أنه يأخذ بالقرآن ويتبعه دون السنة فقد كذب؛ لأن السنة جزء من القرآن، طاعة الرسول جزء من القرآن، ودل على الأخذ بها القرآن، وأمر بالأخذ بها القرآن، فلا يمكن أن ينفك هذا عن هذا، ولا يمكن أن يكون الإنسان متبعاً للقرآن بدون اتباع السنة، ولا يمكن أن يكون متبعاً للسنة بدون اتباع القرآن، فهما متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر.

 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top