مرحباً بك في فضاءٍ غير مُصنَّف...
لا يدخل في خانة الواقع، ولا يعترف بقوانين الجاذبية.
إنه مكانٌ عالق بين مجرّة نائية... ووسادة قديمة.
في هذه المُذكّرة، أدوّن ما يخرج من رأسي حين أُغلق عيني... أو حين أتركها مفتوحةً، سارحةً في نقطةٍ غير مرئية.
هنا، ستجد أحلاماً مفروشةً ببساط العبث،
وخواطر هائمةً في مداراتِ التّيه الشاردة،
وانفلاتاتٍ فكريةٍ تُولَد بين يقظة ونعاس،
وأحياناً… شيئاً لا يُشبه شيئاً، لكنه يُلحّ أن يُكتَب.
هي ليست يوميات نُضج، ولا مذكرات حكمة...
بل فُتات من عقلٍ يُشاغب، وقلبٍ يتوق إلى السفر دون تأشيرة.
ستمرّ من هنا مائدة زمنية، شقراء موبوءة، وسبعٌ يُساوَمُ على ثمنه،
وربما... فكرةٌ يتيمة، توقظ فيك حلماً كنتَ قد نسيته.
فإن مررت من هنا... اقرأ، اسرح، ابتسم،
أو اكتفِ بالصمت... كما يفعل نجم Capella
في أحد احلام ما بعد الشبع، اكتشفت أن غرفة منسية في الشقة - تلك التي نالها الإهمال والزمن - قد تحوّلت إلى براري سافانا صغيرة، تسكنها ثلاثة نمور... وسبع واحد.
ارتبكت في أول لحظة، فأغلقت الباب. لكني لم أصرخ. لم أهرب.
فكّرت في التخلص منهم… وفتحت الباب ثم نظرت إلى السبع، وتأملت:
هل أربيه؟ أتبرّع به لحديقة حيوانات؟
أم أبيعه وأخرج من بابٍ واسع؟ كم قد يكون ثمنه؟ 3000 أورو؟ ربما أكثر!
كان المنطق غائبًا، لكن قلبي يُجري حسابات.
أحيانًا قراراتك لا تأتي من العقل الواعي،
بل من ذاكرة طفلك القديم.
ولعلّ النمر "سَمُّور"، صاحب "النمر المقنع"،
الذي كنت أحلم أن يكون رفيقي يوماً ما، هو من حرّك فيّ هذا الـ"business plan" الغريب.
لم أرَ في الحلم وحوشًا…
بل رأيت فرصًا متنكرة.
الدرس؟
بعض المخاطر ليست تهديدات، بل فرص بأنياب في قناع مفترس.
في حلمٍ من أحلام ما بعد الشبع، وجدت نفسي مع شقراء في مقاومة للبقاء وسط مشهدٍ من الخراب الكوني… طريقٌ متهالك، ترابٌ كثيف، بنايات مهدّمة، أشبه بعالم Mad Max بعد أن يئست البشرية.
لم نتبادل الكثير من الكلام، فقط خطواتنا تئن تحت الركام. وفجأة، توقفت هي، التفتت نحوي وقالت بنبرة فيها قلق:
— أشعر بشيء يتحرك في شعري…هل بإمكانك أن تلقي نظرة؟
أجبتها فورًا، دون تفكير:
— هل أنتِ مجنونة؟ لن ألمسك… لا أريد أن ألتقط عدوى كونية من رأسك.
ثم تنفسْتُ قليلاً وقلت:
— طيّب… هاتِ لنرَ.
اقتربت، وفي أعماقي شيء ينكمش، وما إن نظرت إلى فروة رأسها حتى رأيت كائنات سوداء صغيرة تتحرك. مددت يدي، التقطت اثنتين لأتأكد أنني لا أحلم.
— فعلاً ! إنها تتحرك. ليست قملاً... لا اعرف ما هذه الحشرة بالضبط. لكن لا تقلقي, الصيدلي سيمنحك شامبو مناسب, لكن خذي دوش... ربما يساعد أيضاً
كنت أعلم - حتى وأنا نائم - أن "الاستحمام" لن يُغيّر شيئًا… لم يكن له علاقة بالحشرات… هي فقط بدأت تُقرفني..
الدرس؟
حتى في عالم ما بعد النهاية، وسط الغبار والخراب…
الاشمئزاز يبقى بوصلة سليمة.
فتدلّك على النجاة…
قبل أن تتورّط في شعرٍ موبوء… بقصةٍ لا تَسْتحِقُّ أن تُكتَب.
المكان: المغرب، سنة 1984. الزمن: منحرف عن مساره الطبيعي. الجو: جلابيب، حايك، وغبار ناعم… وحنينٌ يتسلل من نوافذ الروح.
رأيت نفسي – في حلم مفروح كعادتي – أتنقّل عبر الزمن.
ركبت كبسولة غامضة، لا أدري إن كانت من صنع "ناسا" أو من عند "سيدي بوعثمان"،
وإذا بي أجد نفسي وسط المغرب القديم…
الناس بلباسهم التقليدي، جلابيب وطرابيش, ورائحة الزهر والكسكسو تملأ المكان.
حضرت وليمة كبيرة، فيها طبّاخٌ ماهر، يُحضّر أنواعًا غريبة من الكسكسو: كسكسو بالعنزي، كسكسو بالأرزّ ! كسكسو مُلوّن ! كسكسو يُؤكل قبل أن يُطهى اللحم ! ذكّرني بأيام عندما كُنت صغيراً, حين كانت أمي تشتري 250 غرامًا من اللّحم. لا يُوزّع إلا في المرحلة النهائية من وجبة الغذاء او العشاء. لأن اللحم كان عزيزاً تلك الأيّام.
قال الطباخ وهو يبتسم:
— الألوان تفتح النفس.
وأنا مستمتع، حتى وجدت نفسي فجأة في مصر المحروسة.
أخرجت هاتفي الذكي، فرأى المصريون شيئًا من المستقبل. انبهروا.
— ما دمتم متحمسين… أتريدون أن أخبركم من سيكون رئيسكم القادم؟
فقالوا جميعًا:
— يا باشا… حَضْرِتَك حَيِبْئَى مِينْ رَئِيسْنَا الئَادِمْ؟
أنا نفخت صدري وجيت نجاوب...
تكاكيت.
رأسي فاضي، ما عرفتش الجواب، ما قاريش التاريخ،
هربت بصوابي… أي بما بقي لي من كرامة الحالم، وخلّيتهم بلا حقّ لا باطل.
فقط اخفيت جهلي, ابستمت, ثم انسحبت بصمتي.
طبعا كنت اعرف انه حسني مبارك, لكن ثقافتك العامّة تخونك احيانا, خصوصاً في احلامك !
الدرس؟
أن تأتي من المستقبل لا يعني أنك تعرف كل شيء…
وأحيانا، الصمت أنفع من الثرثرة المتسرعة.
(والسمارتفون؟ زينة، ماشي عِلم)
في أحد فصول الابتدائي، كان الأستاذ غائبًا. ودخل علينا حارس المدرسة يحمل قطعة خشبية صغيرة، تشبه تذكرة، كانت تُمنَح من طرف مطعم المدرسة للأطفال المنحدرين من عائلات ذات دخل محدود. كان معه "توكن" إضافي يُريد ان يتخلصّ منه بشكل نبيل، بإسعاد احد المحرومين.
وقف أمامنا، وقال بصوتٍ عابر:
— شي حد باغي هادي؟
جميع التلاميذ رفعوا اصابعهم... إلا أنا.
نظرتُ إليه وهو يُحدّق في الفصل، يمرّ بعينيه على الوجوه المتحمّسة، الأصابع الممدودة، الأشواق التي تطلب اللقمة. كانت عيناه ترتجف وملامح الحيرة على وجهه.
تردّد لثانية... ثم اقترب منّي، أنا، الوحيد الذي لم يطلب شيئًا. مدّ يده في صمت وأعطاني التذكرة.
ما زلت أذكر ملمس الخشب،
وأتساءل…
هل رأى فيّ شيئًا؟ أم أنّ الجوع، أحيانًا، لا يُقاس بالصوت، بل بالصمت؟
الدرس؟
أحيانًا… العطايا تُعطى دون طلب،
بل إن قلّ طلبك من دون الناس، زادك ذلك هيبة.
وإن قُدّر لك شيء،
فلن يمنعه كثرة الطلب من حولك،
ولا تَوَاريكَ عن الصفوف.
كان عمري ثمانِ سنوات. زميلة في القسم - جميلة كاسمها - كُنت اُشاركها أحيانًا الطريق إلى المدرسة. كانت تسكن على بُعد بضعة شوارع. ومن غرائب الصُدّف - وما هي صدفة - : اسمها العائلي كان شبيهًا باسمي العائلي، يختلفان فقط بحرفٍ واحد. بعد سنوات طويلة، اكتشفت أننا من نفس السلالة. خلاف قديم دفع جدّها الأكبر إلى الهجرة إلى كافيمور... الدّم يحنّ.
كيف وقعتُ في حُبّها؟ حُلم... مجرد حُلم. هناك بدأ كل شيء. في ذلك الحلم، وجدت نفسي أقارن الحب الذي أُكِنّهُ لأمي... بذلك الشعور الجديد الذي خالجني لتلك الفتاة. شعور مفاجئ، غريب، عميق. وعند الاستيقاظ، كان الأمر واضحًا وجليًا: أنا واقع في الحب. فَفَعلتُ ما يفعله أي طفل جادّ في مشاعره: كتبت رسالة. لم أكن متأكدًا أني سأجرؤ على إعطائها لها... هي لم تبدِ لي أي إشارة إعجاب. في الحقيقة، كانت تبدو وكأنها مُغرمةٌ أكثر بضفيرتها الناعمة والطويلة.
وذات ظهيرة، كنت أتناول الغداء بهدوء في المطبخ، لا شغل لي سوى لقمتي، وإذا بمَلاكِ الحقيقة يطرق الباب... أختي الكبرى، بنظرة ماكرة، واقفة عند باب المطبخ، تنظر إليّ بنظرة تقول "انكشف امرك"، تمامًا كأنها شرطي في لعبة GTA... لكن على المستوى العاطفي.
وفي يدها: ورقة مطوية. فتحتها ببطء، كما تُفتح مخطوطة قديمة ملعونة. أمالت رأسها قليلًا بخشوع، أخذت نفسًا عميقًا، وبدأت تقرأ بصوت عالٍ:
"بسم الله الرحمن الرحيم
حبيبتي سهام..."
في تلك اللحظة... تمنّيت لو انشقّت الأرض وابتلعتني.
الدرس؟
إذا كتبتَ رسالة حُبّ، فابدأها دائمًا بـ"بسم الله".
فإن وقعت في ايدي المُتطفّلين، لم يلوموك كثيراً على الحُب… بل قالوا:
هو عاشقٌ، لكنّه ذكر ربّه… قبل أن يذكر حبيبته،
فعذروك، واحترموا ترتيب القلب.
تعلّمها من طفلٍ في الثامنة،
لم يعرف لغة العشّاق،
لكنّه كان يعرف معنى "بسم الله"… ومعنى "حبيبتي".
تحدّثتُ مع صديقٍ عن حالتي… عن ذلك الحبّ المتأخّر الذي انفجَرَ في قلبي فجأةً كوميض برقٍ في ليلةٍ راكدة…فإذا بي أكتشف القصة الكاملة لبيرنار تابي، واقتصاد الكلاب الأصيلة، وديموغرافيا بنات العمّ اللواتي ما زلن في سوق الزواج، وسعر كرسيّ رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي.
أنا… لم أُرِد سوى أن أُفرغ قلبي.
وهو… أفرغ ويكيبيديا في رأسي.
في زمنٍ ما، كان في قلبي نارٌ لامرأةٍ واحدة. دعنا نُسمِّها X. كان شيئًا حارقًا، عميقًا، أشبه بما لا يُقال. تعرف ذاك النوع من اللحظات التي لا تحتاج فيها إلا إلى صديقٍ يلتقط شرارة ما تحمله، فينفخ فيها، يدفعك، يشجّعك على أن تُقدِم.
أما أنا، فقد نلت كل شيء… إلا ذلك.
أُحَدِّثهُ عن X، عن هذه النار التي تأكلني، عن حاجتي لدُفعة، لصَدمة تُعيد ترتيب الفوضى بداخلي.
فيجيبني بالكلام عن مستقبل الكوكب، والعالم الذي سنتركه لأحفادنا. فأقول له:
— يا أخي، بدون X، لا أبناء سيكونون، ولا أحفاد.
يعترف أنّه خرج عن الموضوع… ثم يُواصل كأن شيئًا لم يكن.
وحسود من الجيل الجديد، لا يرضى حتى لظلّك بالسَّكينِة.
أما الثالث... فصوته كالراديو، يُطلق الإشاعة قبل أن يحدّ السِّكِّينة.
لم يعد النفاق هواية... بل صار صناعة ثقيلة.
فإن كان منافقو الأمس حرفيين يتقنون الطعن بأناقة،
فمنافقو اليوم صناعيّون... يلوّثون الهواء والماء والأرض والسماء، ولا يكتفون.
لكنني، رغم كل هذا الإرث المشترك، وجدتُني أُصلّي بثالوث آخر… ثالوث النجاة :
اعبد ربك.
أحبب امرأتك.
احمِ أرضك... واغْفِرْ لهم،
بكرامة،
أو بإشارة مُهينة،
على مقاس الجُرح.
الدرس؟
المدفعُ ينسخُ السنتور.
وجزاء الخرافة... عامُ البون.
وإن خذلتك قبيلتك، فَكُنْ أنتَ نَسَبُك.
وإن ضلّتِ الرّواية، فصحّحها بعَقْلِكَ... قَبْلَ دَمِكْ.
مرّ الزمن، واشتريتُ عصفورا.
سافرت، فأودعته عند جار.
وعند عودتي، قال: "العصفور مات"
ثم جاء أخي الأوسط بعصفورين: Pistache و Nouga.
سافر، وحين عاد… وجد Nouga قد مات.
تطيّر أخي، كما تطيّرت أنا... وأبي من قبلي.
وأعطى العصفور الآخر، Pistache، لأخي الأصغر.
أخي الأصغر اشترى كناريًا جديدًا اسماه Noisette ليؤنس Pistache.
ثم سافر في عطلة، وترك لي مفتاح الشقة لأتفقد العصفورين، والأرنبين Milky و Cookie
تفقدت الأرنبين والعصفورين على مرّ الأيّام حتى التقيت بشخص لا ارتاح لمجالسته. قصدي :"عينه شينة"
دخلت شقة أخي… فوجدت Pistache ممدّدة تحت القفص، ميّتة.
وصديقتها Noisette بجانبها، كأنها تُناجيها.
إن كان التطيّر منبوذا، فالعين حقّ.
ضاق صدري، وشعرت أنني خذلت أمانة روح.
لففت Pistache بكيس أبيض، وكأنّه كفن.
أخذتها معي، ووضعتها في مجمّد ثلاجتي،
حتى يعود أصحابها ويقرّروا مصيرها.
عاد أخي وزوجته.
ذهبت لأصطحبهما من مطار شارل دوغول.
كنت أقود السيارة، والنبأ يحرق صدري.
أخي بجانبي، وزوجته خلفي. أتحسّس رقبتي…
وأنا أعلم جيدًا أن دموعها تنهمر لأهون سبب،
فما بالك بحيوان كانت تلاعبه وتكلّمه كأنه من فلذات كبدها؟
تماسكت حتى وصلنا للبيت.
وقبل أن تسبقهم الأبصار إلى القفص، أخبرتهم بالأمر الجلل...
تقبّلوا الخبر بصمتٍ جميل. صمت…ثم دموع زوجة أخي دون نحيب. بكاءٌ نبيل.
أمّا أخي، فقال إن Pistache لم تكن في صحة جيدة على كلّ حال،
وأنها كانت تحتضر منذ فترة. وكأنّه يُواسيني في خذلان الأمانة.
الغريب؟
أخي لم يتطيّر هذه المرة. بل عاد واشترى عصفورة سمّاها Pistache 2
وبعدها ادرك أن Noisette كانت انثى وليس ذكر كما كُنّا نعتقد.فأضاف ذكرا...
لا اعرف ما اسمه. ربّما Noisette 2؟الله أعلم... كثُرت الأسماء والموت جفّف ينابيع الإلهام.
سافر من جديد، وترك لي مفتاح الشقة.
هذه المرّة لم يذكر شيئا عن العصافير. لكنني فهمت التلميح، بدل نبش "تروما موت الكناري".
لأنه حتى لو نبذنا النّحس والتطيّر، يبقى شُؤمُ الذّكرى.
ذهبت، وتفقّدتهم. جدّدت زادهم من الماء والحبوب.
وحين سألتني أمي: "كيف وجدتهم؟"
أجبتها: "وجدتهم… أحياء"
الدرس؟
العصافير لا تموت لأن القفص ضيّق،
ولا تحيا فقط لتوّفر الماء والزاد.
لكنها تعرف أرواح أصحابها... تحيا بها... وتموت حين تغيب.
وَمَنْ نبذَ التطيّر، جَمُل له العطاء.
في فصلٍ من فصول الإعدادي، كنا ندرس مادة تُدعى "التكنولوجيا"
لا هي إعلاميات، لا هي رسم صناعي، لا هي إحصاء…
بل فقاعة منهجية، اسمها أكبر من معناها.
ما علق في ذهني منها ليس درساً، بل عبارتان طريفتان:
أعضاء الدخلة input، وأعضاء الخرجة output.
بلكنة مشوّشة من أستاذ يُزَوْزِطْ - ينطق بعض الحروف زايا - وهذا ليس بعيب.
حتى نبيّ الله موسى عليه السلام كان يتلعثم في الكلام.
لكنّ المشكلة لم تكن في نُطقه…
بل في أن بعض الكلمات كانت تخرج من فمه هي أقرب إلى "العيب" منها إلى العِلم.
ثم جاء الامتحان عن "حساب الكُلفة".
لم أكن أعرف شيئًا عن الدرس… أو لِنَقُل، لم أرى فيه ما يستدعي الحِفظ.
لكنّي استخرجت النتيجة بحسّي الرياضي، ونلت العلامة الكاملة.
فرح الأستاذ؟ ربّما. أو لعله أراد أن يُحرجني.
ناداني إلى السبورة.
طلب الشرح… وأنا كُنتُ مُسترجلًا في تحرير الإمتحان، لا حافظاً،
فصَمَتّ. تَجَمَّدت. لا طريقة، لا خارطة طريق، لا "مولاي بِّيهْ".
فقال أمام الفصل:
"زبع... ارزع لبلاصتك."
(ضبع... ارجع لبلاصتك)
لم يحترمني.
الدرس؟
المعرفة ليست ما يُلقَى عليك، بل ما ينبض فيك.
وإن أوصلتك طرق الفطرة إلى النتيجة، فلا تُلزمني بطُرُق ملتوية باسم "التكنولوجيا".
وإن رأيت أحدًا يقتات من مادتك بأدب الضباع، فربما لأن المنظومة اختارت لك مادة هي... بقايا مادّة.
وليس عيبًا أن يتلعثم لسانك… لكن كلّ العيب أن يتلعثم أدبك.
أومأتُ بالإيجاب،
انتظَر حتى خرج التلاميذ،
اقترب مني، وهمس وهو يترقّب يمينًا وشمالًا، كأنه سيبيعُني كبسولة كوكايين:
—النقطة ديالك فالإختبار كانت سيئة… وما بغيتش نحسبهالك.
لم يكن الأستاذ متدينًا،
ورائحته "تُعَطْعِطُ" من الخمر كل صباح،
لكنّ الله أودع في قلبه حياء ورحمة،
ذاك الذي يتعامل به أهل المروءة،
يحتويك بقلبه،
قبل أن يُحاسبك بعقله.
الدرس؟
الناس صنفان:
منهم من يرى فيك مرآةً لغروره…
ومنهم من عرفَ لك مقامًا فكان أحرص عليه منك على أمانته.
وإن كبوتَ يومًا، تغاضى عن سقطتك.
ليس مُحاباة…
بل شكلٌ راقٍ من الوفاء الخفيّ في حفظ المقامات.