الشخصيات الأدبية : بين البطولة والإنسانية

لمعانُ الأحداق

:: عضو فعّال ::
صُنّآع آلمُحْتَوَى
السلام عليكم ورحمة الله
عساكم بخير أفاضل اللمة

وددتُ الحديث عن موضوع خطر بالبال وأنا أتذكر بعض ما قرأته من روايات
وأعني بالذكر روايات " رضوى عـاشور " و تحديدا روايتها " الطنطورية "
[ نسبة إلى قرية " الطنطورة " الواقعة في منطقة حيفا بفلسطين،
التي تم تدميرها في نكبة 1948 ]

في رواية " الطنطورية "، تتجلى الشخصية الرئيسية، دُرية، كرمز حي للبطولة والإنسانية في أبهى صورها
درية ليست بطلة خارقة، ولا تحمل صفات الكمال المثالي، بل هي امرأة فلسطينية عادية،
تعيش مأساة شعبها بكل تفاصيلها، وتتحمل ألم النزوح، الفقد، والاغتراب، لكنها في الوقت ذاته تقاوم، تصمد، وتحلم
هذه الشخصية تتقاطع مع جوهر الأدب الإنساني، حيث لا يكمن السحر في القوة الخارقة،
بل في الصمود اليومي أمام قسوة الواقع، وفي الإصرار على الحفاظ على الكرامة والهوية وسط التهديدات
درية تعلمنا أن البطولة ليست بالضرورة في القتال أو في الانتصار الحاسم،
وإنما في المقاومة التي تولد من رحم الألم، في القدرة على التمسك بالإنسانية وسط الخراب
نراها تتألم من الفقد، تحنّ إلى وطنها الذي دمرته آلة الحرب، وتعاني من الظلم والشتات،
لكنها لم تستسلم لليأس، بل تشكل صوتًا ينبض بالأمل والصمود

من حكاية درية
جِئت بفكرة موضوعي هذا
[ الشخصيات الأدبية : بين البطولة والإنسانية ]

===

في عالم الأدب الرحب، حيث تتلاقى الكلمات لتنسج من خيوط الحرف عوالم متشابكة،
تنبثق شخصيات أدبية كأنها أرواحٌ تستقلّ عن سطور النص، تتنفس، تحلم، تتألم، وتنتصر أو تنهار،
تمامًا كما نفعل نحن البشر في محطات حياتنا المتعددة
ليست الشخصيات الأدبية مجرد رموز جامدة أو أدوار تُلعب ضمن مشاهد سردية،
بل هي مرآةٌ صادقة تعكس زوايا النفس الإنسانية بكل ما فيها من تناقضات، ضعف، قوة، وبطولة

===

قد ترتبط في أذهاننا فكرة البطولة بكونها المظاهر العظيمة،
والانتصارات الساطعة التي تُخلّد الأبطال في كتب التاريخ والأساطير،
ولكن في الأدب تتسع دائرة المعنى وتتشعب، فالبطولة ليست دائمًا قهر الأعداء أو إحداث المعجزات،
هي أحيانًا تعبيرٌ عن لحظةٍ هادئة من الصمود في وجه الألم،
أو قرارٌ بسيط يشعّ نورًا وسط عتمة اليأس، أو حتى صمتٌ حكيم في خضم الصراعات الداخلية

شخصيات تجسد البطولة بشفافية عميقة، دون رتوشٍ مزيفة أو ألوانٍ براقة
تظهر لنا ضعفها، هواجسها، شغفها، وانكساراتها، فتقربنا من فهم أنفسنا ونبضات قلوبنا
تسقط وتتعثّر، لكنها تنهض، لا تقدم لنا مثلًا عن الكمال المستحيل، بل عن الكفاح الحقيقي،
عن الإصرار على الاستمرار رغم كل الصعاب

===

في هذا السياق، تكمن روعة الأدب
فهو لا يبتغي أن يصنع منا أبطالًا خارقين بلا عيوب، بل يسعى إلى بناء الإنسان بكل إنسانيته،
ليعلمنا أن العظمة الحقيقية تكمن في القدرة على مواجهة الذات والاعتراف بالخطأ،
وفي تحمل تبعاته بشجاعة
يجعلنا نرى في كل شخصية بطلاً وإنسانًا
فالشخصيات التي تحمل ضعفها علانية وتقبل ذاتها بلا تزييف، تأسرنا أكثر مما يفعل الخيال المطلق

===

والآن
حدثني أخي اللماوي
هل من شخصية أدبية ظلت حية في ذاكرتك، تخاطبك كلماتها العميقة،
كان في ضعفها قصة بطولة، وفي إنسانيتها حكاية ملهمة لا تنسى ؟
وإلا فأخبرنا عن رأيك في الشخصيات في الأدب العربي، هل تجدها جسرا يصل بين نفسية الكاتب والقارئ فعلا ؟
ختامًا هل ترى أن البطولة الحقيقية تكمن في القوة الخارقة أم أنك توافقني في كون الإنسان العادي بطل بكل ما يحمله من ضعف ؟


تحية طيّبة

[ لمعانُ الأحداق ]
 
توقيع لمعانُ الأحداق
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


لا تحضرني الآن شخصية من الأدب العربي، لكن ثلاث شخصيات من الأدب الغربي استقرّت في ذاكرتي.

شخصية جان فالجان في (Victor Hugo) Les Misérables، الذي خاض صراعاً طويلاً بين ماضيه وإنسانيته، ليثبت أن الرحمة أعظم من القانون، وأن الإنسان قادر على إعادة خلق ذاته رغم القيود.

شخصية ميرسو في (l'Etranger (Albert Camus) بطل ببرود خارجي، يُجسّد مواجهة العبث والأحكام المُسبقة بالصمت، فلسفة وجودية بدون تزوير (Les faux semblants). البطولة هنا هي الصدق المتجرد، حتى في وجه الموت.

شخصية غريغور سامسا في La Métamorphose (Franz Kafka). وهذه الشخصية الأكثر بطولية بين الثلاثة التي ذكرت. قد يبدو غريبا أن نرى في غريغور بطلا، وهو الذي استيقظ ذات صباح ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة. لكن إن أمعنّا النظر، سنرى أن هذه الشخصية، في ضعفها الظاهري، وفي محاولتها التمسك بفتات من الحياة والعلاقات، تجسّد بطولة من نوع آخر.

غريغور لم يختر تحوّله، ولم يشن حربا، ولم ينتصر على خصوم، بل عاش مأساة الانفصال التدريجي عن عالم لم يعُد يشبهه. ومع ذلك، واصل بصمت مؤلم، محاولاته لفهم ما يحدث، للتماهي مع محيطه، للتمسك بأثر من إنسانيته وسط التشييء والعزلة. بطولته كامنة في هذه المقاومة الصامتة، في قبوله بالألم دون أن يتحول إلى وحش، في احتفاظه بأثر الحنان رغم الجحود، وفي كونه رمزا لكل من يشعر أنه بات غريبًا في بيته، في مجتمعه، أو حتى في جسده.


البطولة ليست دائمًا في الانتصارات الصاخبة، بل كثيرا ما تكون في الاستمرار وسط العبث، في النهوض رغم فقدان المعنى، في البقاء حيّا رغم ان المحيط يريد رأسك تحت المفصلة.


تحية طيبة أختي الكريمة، وبارك الله فيك على هذا الطرح المُلهِم.
 
سلمت يمناك على الطرح القيم جعلها الله في ميزان حسناتك
 
وهي الشخصية التي لايمكن اغتيالها او اعتقالها او هزمها اذ انها تمثل عمق المقاومة والكفاح والصراع مع أخطار الحياة الحقيقية.

نتحدث عن شخصية عامة او هامشية على رفوف التاريخ والاحداث اليومية لكن الأدب يعيد سحبها و يمنحها الفرصة والنسق المناسب الذي يبرز مدى عظمتها و قيمة مبادئها ولو كانت بسيطة في المصطلحات والوسائل لكنها عميقة في الوجدان و مآلات الحياة.

وللحديث بقية... في هذا الموضوع البطل

يعطيك الصحة
 
بلا شك كانت ولا تزال جسرًا يصل بين نفسية الكاتب والقارئ، لكنها جسور لا تمر دائمًا بسلام أحيانًا تكون هذه الشخصيات صدىً لصراع داخلي وأحيانًا مرآة مشروخة للواقع، وأحيانًا حلمًا مؤجّلًا الشعراء الجاهليون، مثلاً رسموا لنا أنفسهم من خلال حكايات فرسٍ وماء وليل لكنهم كانوا يبوحون لنا عن الوحدة والكرامة والخوف من الفناء وفي الرواية الحديثة تجد الشخصيات تسير على حدود التحليل النفسي متقلبة، متعبة، واقعية وهذا ما يجعلها تمس القلب قبل العقل


شكرا لك على الموضوع الراقي ولي عودة إن شاء الله
 
آخر تعديل:
توقيع Oktavio_hinda
موضوع رائع رائع رائع
ما شاء الله عليك إكرام
لي عودة إن شاء الله
وجزاك الله خيرا
 
توقيع فاتن سيلين
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته


لا تحضرني الآن شخصية من الأدب العربي، لكن ثلاث شخصيات من الأدب الغربي استقرّت في ذاكرتي.

شخصية جان فالجان في (Victor Hugo) Les Misérables، الذي خاض صراعاً طويلاً بين ماضيه وإنسانيته، ليثبت أن الرحمة أعظم من القانون، وأن الإنسان قادر على إعادة خلق ذاته رغم القيود.

شخصية ميرسو في (l'Etranger (Albert Camus) بطل ببرود خارجي، يُجسّد مواجهة العبث والأحكام المُسبقة بالصمت، فلسفة وجودية بدون تزوير (Les faux semblants). البطولة هنا هي الصدق المتجرد، حتى في وجه الموت.

شخصية غريغور سامسا في La Métamorphose (Franz Kafka). وهذه الشخصية الأكثر بطولية بين الثلاثة التي ذكرت. قد يبدو غريبا أن نرى في غريغور بطلا، وهو الذي استيقظ ذات صباح ليجد نفسه قد تحول إلى حشرة. لكن إن أمعنّا النظر، سنرى أن هذه الشخصية، في ضعفها الظاهري، وفي محاولتها التمسك بفتات من الحياة والعلاقات، تجسّد بطولة من نوع آخر.

غريغور لم يختر تحوّله، ولم يشن حربا، ولم ينتصر على خصوم، بل عاش مأساة الانفصال التدريجي عن عالم لم يعُد يشبهه. ومع ذلك، واصل بصمت مؤلم، محاولاته لفهم ما يحدث، للتماهي مع محيطه، للتمسك بأثر من إنسانيته وسط التشييء والعزلة. بطولته كامنة في هذه المقاومة الصامتة، في قبوله بالألم دون أن يتحول إلى وحش، في احتفاظه بأثر الحنان رغم الجحود، وفي كونه رمزا لكل من يشعر أنه بات غريبًا في بيته، في مجتمعه، أو حتى في جسده.


البطولة ليست دائمًا في الانتصارات الصاخبة، بل كثيرا ما تكون في الاستمرار وسط العبث، في النهوض رغم فقدان المعنى، في البقاء حيّا رغم ان المحيط يريد رأسك تحت المفصلة.


تحية طيبة أختي الكريمة، وبارك الله فيك على هذا الطرح المُلهِم.
أهلا بكم أستاذ
قرأت ردّكم أكثر من مرة، وكل مرة وجدت فيه ما يستحق التأمل
اختياراتكم للشخصيات لم تكن عشوائية، بل جاءت كأنها امتدادٌ لما كنت أسعى لطرحه
تنمّ عن ذائقة أدبية وفكرية عالية، بل عن قرب حقيقي من الشخصيات لا كرموز فقط،
بل كمرآة للإنسان بما فيه من صراع وتيه وحنين
وكذا أحيَيتم فيَّ شيئا دفعني لقراءة بعض من الأدب الغربي .. [ وضعه في القائمة TO DO LISTE ]

جان فالجان، ميرسو، وغريغور … ثلاثتهم يعكسون جوانب مختلفة منّا جميعًا،
كما قلتم البطولة ليست في النهايات المنتصرة، بل في الرحلة، حين لا نفقد أنفسنا رغم كل ما نخسره

ممتنة جدًا لهذا التفاعل العميق،
وأتطلع أن أقرأ لكم دومًا

دمتم بخير
 
توقيع لمعانُ الأحداق
توقيع لمعانُ الأحداق
وهي الشخصية التي لايمكن اغتيالها او اعتقالها او هزمها اذ انها تمثل عمق المقاومة والكفاح والصراع مع أخطار الحياة الحقيقية.

نتحدث عن شخصية عامة او هامشية على رفوف التاريخ والاحداث اليومية لكن الأدب يعيد سحبها و يمنحها الفرصة والنسق المناسب الذي يبرز مدى عظمتها و قيمة مبادئها ولو كانت بسيطة في المصطلحات والوسائل لكنها عميقة في الوجدان و مآلات الحياة.

وللحديث بقية... في هذا الموضوع البطل

يعطيك الصحة
هي شخصيات لا تُهزم لأنها لم تُبنَ على وهم القوة،
وإنما على حقيقتها الأشد صلابة : الصبر، التحمل، التمسك بقيم بسيطة ...
لتُثمر في أرواحنا أعظم الأثر
نعم، الأدب يمنحها الفرصة لتُرى كما يجب أن تُرى : لا كظل في زوايا التاريخ،
بل كصوتٍ يشبهنا، يُقاوم بطريقته،
ويذكّرنا أن البطولة الحقيقية ليست في كسر القيود، بل في عدم الانكسار تحتها ..
[ ليست بالضرورة معارك كبرى ]

كل الشكر لكم

تحية طيبة
 
توقيع لمعانُ الأحداق
بلا شك كانت ولا تزال جسرًا يصل بين نفسية الكاتب والقارئ، لكنها جسور لا تمر دائمًا بسلام أحيانًا تكون هذه الشخصيات صدىً لصراع داخلي وأحيانًا مرآة مشروخة للواقع، وأحيانًا حلمًا مؤجّلًا الشعراء الجاهليون، مثلاً رسموا لنا أنفسهم من خلال حكايات فرسٍ وماء وليل لكنهم كانوا يبوحون لنا عن الوحدة والكرامة والخوف من الفناء وفي الرواية الحديثة تجد الشخصيات تسير على حدود التحليل النفسي متقلبة، متعبة، واقعية وهذا ما يجعلها تمس القلب قبل العقل


شكرا لك على الموضوع الراقي ولي عودة إن شاء الله
فعلا، تعكس أعمق ما في النفس الإنسانية من تناقضات وحيرة
ذكرُك للشعراء الجاهليين يذكرنا بأن الأدب عبر العصور كان مرآة صادقة للوجدان،
مشاعر لا تزال تسكن قلوبنا حتى اليوم [ الوحدة والكرامة والخوف من الفناء ]
وفي الرواية الحديثة، حيث الشخصيات تتقلب بين أهوائها وأحزانها،
نجد أن الأدب يلامسنا بصدقٍ أكبر، لأنه يعكس هشاشة الإنسان في زمنه ..

بانتظـــار عودتك هند
شكرا لك ..

دمت بخير أختي
 
توقيع لمعانُ الأحداق
موضوع رائع رائع رائع
ما شاء الله عليك إكرام
لي عودة إن شاء الله
وجزاك الله خيرا
أهلا بك سيلين
سرني كون الموضوع نال اعجابك

بانتظارك عودتك
كوني بالقرب
 
توقيع لمعانُ الأحداق
عدت🤗

Screenshot_20250528-220001_Chrome.webp


نجيب محفوظ لا يحتاج تعريف الحائز على جائزة نوبل للادب تعتبر أفضل رواية في تاريخ الادب العربي ساحكي لكم عن ثلاثية نجيب محفوظ وبطلها

هناك شخصيات أدبية ظلت حيّة في الذاكرة لكن سيد أحمد عبد الجواد في الثلاثية لنجيب محفوظ يظل واحدًا من أكثر الشخصيات التي تخاطبني بصدق لم يكن بطلًا خارقًا بل رجلًا مليئًا بالتناقضات بين الورع والسطوة الحب والخوف التقليد والتغيير في هشاشته الإنسانية رأينا أنفسنا وفي انهياره الرمزي رأينا انهيار عالمٍ بأسره لم يحتاج محفوظ إلى أن يصنع من أبطاله فرسانا بل كشف لنا البطولة الحقيقية في لحظة ضعف في دمعة خفية،وفي صمت طويل

 
توقيع Oktavio_hinda
عدت🤗

مشاهدة المرفق 172726

نجيب محفوظ لا يحتاج تعريف الحائز على جائزة نوبل للادب تعتبر أفضل رواية في تاريخ الادب العربي ساحكي لكم عن ثلاثية نجيب محفوظ وبطلها

هناك شخصيات أدبية ظلت حيّة في الذاكرة لكن سيد أحمد عبد الجواد في الثلاثية لنجيب محفوظ يظل واحدًا من أكثر الشخصيات التي تخاطبني بصدق لم يكن بطلًا خارقًا بل رجلًا مليئًا بالتناقضات بين الورع والسطوة الحب والخوف التقليد والتغيير في هشاشته الإنسانية رأينا أنفسنا وفي انهياره الرمزي رأينا انهيار عالمٍ بأسره لم يحتاج محفوظ إلى أن يصنع من أبطاله فرسانا بل كشف لنا البطولة الحقيقية في لحظة ضعف في دمعة خفية،وفي صمت طويل

أهلا بعودتك هند
أجل، صدقت
لم يكن سيد أحمد عبد الجواد "بطلًا" بالمعنى الكلاسيكي،
لكنه كان تجسيدًا حيًا لصراع الإنسان مع ذاته،
ومع ما ورثه من قيم، ومع ما يفقده في صمته وعجزه

نجيب محفوظ أبدع حين جعل البطولة تقيم في التناقض، في الجدل الخفي بين ما يُقال وما يُخفى،
بين السلطة الأبوية وارتباك الحنين، بين التديّن والعاطفة، بين الجلال والضعف ...

سيد أحمد لم يكن وحده البطل، بل كانت البطولة موزعة
- على خوف كمال، على صمت الأم، على انكسار ياسين -
وهكذا، صنع محفوظ ملحمة إنسانية لا تُنسى،
لأننا - شئنا أم أبينا - نجد جزءًا من ذواتنا فيها

ممتنة لإضافتك هند
شكرا لك

دمتِ بود
 
توقيع لمعانُ الأحداق
أهلا بكم أستاذ
قرأت ردّكم أكثر من مرة، وكل مرة وجدت فيه ما يستحق التأمل
اختياراتكم للشخصيات لم تكن عشوائية، بل جاءت كأنها امتدادٌ لما كنت أسعى لطرحه
تنمّ عن ذائقة أدبية وفكرية عالية، بل عن قرب حقيقي من الشخصيات لا كرموز فقط،
بل كمرآة للإنسان بما فيه من صراع وتيه وحنين
وكذا أحيَيتم فيَّ شيئا دفعني لقراءة بعض من الأدب الغربي .. [ وضعه في القائمة TO DO LISTE ]

جان فالجان، ميرسو، وغريغور … ثلاثتهم يعكسون جوانب مختلفة منّا جميعًا،
كما قلتم البطولة ليست في النهايات المنتصرة، بل في الرحلة، حين لا نفقد أنفسنا رغم كل ما نخسره

ممتنة جدًا لهذا التفاعل العميق،
وأتطلع أن أقرأ لكم دومًا

دمتم بخير


بالفعل، هذه الشخصيات الأدبية ليست رموزا جامدة نتأملها من بعيد، بل هي في كثير من الأحيان مرايا تعكس شيئا من دواخلنا.
نقرأها فنشعر أنها تسلط الضوء على زوايا لم نعرف كيف نعبّر عنها. وهنا يكمن سحر الأدب الراقي، الذي يُجيد محاورة النفس البشرية.

من المؤكد أن هؤلاء الكُتّاب قد عاشوا تلك الشخصيات أو عايشوها عن قرب، فتميّزوا عن غيرهم بصدقهم وشجاعتهم، وبجرأتهم في مواجهة الأسئلة المؤلمة. وهنا تتجلّى قوّة الأدب... بخلاف الكتابة الاستهلاكية التي لا تتجاوز دغدغة مشاعر الجمهور وتهييج حماسهم السطحي.

ومن الطبيعي أيضاً ألا يتفاعل الجميع بالطريقة نفسها، فالأدب كالمِرآة، لا يعكس لكل شخص الشيء نفسه.
كل قارئ يختار بطله الذي يُناسبه، ولكل بطل "حرفته" الخاصة به، وخيوطه التي يُنسَج بها رداءه...
ولا اُخفيكِ أنّني وأنا صبي كنت أحلم أن أكون سوبرمان... لا لإنقاذ الأرملة واليتيم، بل فقط لكي أطير!
ثم سرعان ما تداركت الأمر... مع أبطال الواقع.
وفهمتُ أن من يريد الطيران، عليه أولًا أن يتخلّص من السلاسل التي تُقيّد قدميه.




على هامش الموضوع، أستأذنك في مشاركة ذكرى شخصية للاستئناس:


تذكّرت أستاذا لنا في الثانوية، كان يدرّسنا اللغة الإنجليزية.
كان عادة ما يدخل الفصل ولا يتفوّه بأي كلمة... فقط يكتب على السبّورة موضوع الدرس.
كتب مرّة: "Who is a superhero?". ثم رسم على مُحيّاه ابتسامة ماكرة وكأنه يتصيد عثراتنا.


بينما كنا نفكّر في أبطال مارفل، فاجأنا بجوابه... قال إن البطل، في نظره، هو ذاك الرجل الذي يكدّ ويتعب، ليضمن لأبنائه حياة كريمة...
أن يذهبوا إلى المدرسة، ويصعدوا الحافلة بلباس محترم، دون أن يشعروا بالنقص.


ثمّ عرّج على أغنية "There's a Hero" لماريا كاري، وأصرّ أن نحفظها ونغنّيها في الفصل. كان بالفعل ينادي على أحد التلاميذ ليقف أمام السبورة ويغني. لم يكن يدرّس الإنجليزية فقط، بل يفتح لنا نوافذ على قضايا تتجاوز المنهج، وتتجاوز طابوهات المجتمع.

كان يحثّنا على المبادرة. حدثنا مرة عن النظافة، وكيف أنه وتلاميذه السابقين قاموا بحملة لتنظيف مكان طبيعي عبثت به الأيدي.
وقال جملة لا تزال عالقة في ذهني: "إذا لم تشارك في تنظيف البيئة، فعلى الأقل لا ترمي الاوساخ"


كتب لنا مرة في بداية الفصل: "Do you believe in ghosts?"
موضوع مُشوّق، وجرّيئ في معناه... ثم سرد لنا قصته عن تجربته مع شبح ظهر له بجوار سريره. كان بإمكانه أن يحدّثنا عن كل شيء. البارنورمال، عن قضايا الدين، عن الفن السابع، عن التكنولوجيا...
حتى أنه اصطحبنا ذات مرة إلى مقهى إنترنت سنة 1999.
كانت زيارة عادية بالنسبة لي وقتها، لأنني كنت أملك حاسوبًا مبكرًا (Pentium 386)، وكُنتُ ارتاد على مقاهي الانترت لتحميل البرامج.
لكن العبرة أن هذا الأستاذ أراد أن يفتح لنا آفاقًا جديدة... أن يُخرجنا من محيطنا الضيّق لنفكّر خارج الصندوق.


أستاذ بهذه الروح والانفتاح، أراه شخصيّاً نموذجًا للبطل التربوي... حتى لا أقول: بطلاً قوميًّا.
 
بالفعل، هذه الشخصيات الأدبية ليست رموزا جامدة نتأملها من بعيد، بل هي في كثير من الأحيان مرايا تعكس شيئا من دواخلنا.
نقرأها فنشعر أنها تسلط الضوء على زوايا لم نعرف كيف نعبّر عنها. وهنا يكمن سحر الأدب الراقي، الذي يُجيد محاورة النفس البشرية.

من المؤكد أن هؤلاء الكُتّاب قد عاشوا تلك الشخصيات أو عايشوها عن قرب، فتميّزوا عن غيرهم بصدقهم وشجاعتهم، وبجرأتهم في مواجهة الأسئلة المؤلمة. وهنا تتجلّى قوّة الأدب... بخلاف الكتابة الاستهلاكية التي لا تتجاوز دغدغة مشاعر الجمهور وتهييج حماسهم السطحي.

ومن الطبيعي أيضاً ألا يتفاعل الجميع بالطريقة نفسها، فالأدب كالمِرآة، لا يعكس لكل شخص الشيء نفسه.
كل قارئ يختار بطله الذي يُناسبه، ولكل بطل "حرفته" الخاصة به، وخيوطه التي يُنسَج بها رداءه...
ولا اُخفيكِ أنّني وأنا صبي كنت أحلم أن أكون سوبرمان... لا لإنقاذ الأرملة واليتيم، بل فقط لكي أطير!
ثم سرعان ما تداركت الأمر... مع أبطال الواقع.
وفهمتُ أن من يريد الطيران، عليه أولًا أن يتخلّص من السلاسل التي تُقيّد قدميه.




على هامش الموضوع، أستأذنك في مشاركة ذكرى شخصية للاستئناس:


تذكّرت أستاذا لنا في الثانوية، كان يدرّسنا اللغة الإنجليزية.
كان عادة ما يدخل الفصل ولا يتفوّه بأي كلمة... فقط يكتب على السبّورة موضوع الدرس.
كتب مرّة: "Who is a superhero?". ثم رسم على مُحيّاه ابتسامة ماكرة وكأنه يتصيد عثراتنا.


بينما كنا نفكّر في أبطال مارفل، فاجأنا بجوابه... قال إن البطل، في نظره، هو ذاك الرجل الذي يكدّ ويتعب، ليضمن لأبنائه حياة كريمة...
أن يذهبوا إلى المدرسة، ويصعدوا الحافلة بلباس محترم، دون أن يشعروا بالنقص.


ثمّ عرّج على أغنية "There's a Hero" لماريا كاري، وأصرّ أن نحفظها ونغنّيها في الفصل. كان بالفعل ينادي على أحد التلاميذ ليقف أمام السبورة ويغني. لم يكن يدرّس الإنجليزية فقط، بل يفتح لنا نوافذ على قضايا تتجاوز المنهج، وتتجاوز طابوهات المجتمع.

كان يحثّنا على المبادرة. حدثنا مرة عن النظافة، وكيف أنه وتلاميذه السابقين قاموا بحملة لتنظيف مكان طبيعي عبثت به الأيدي.
وقال جملة لا تزال عالقة في ذهني: "إذا لم تشارك في تنظيف البيئة، فعلى الأقل لا ترمي الاوساخ"


كتب لنا مرة في بداية الفصل: "Do you believe in ghosts?"
موضوع مُشوّق، وجرّيئ في معناه... ثم سرد لنا قصته عن تجربته مع شبح ظهر له بجوار سريره. كان بإمكانه أن يحدّثنا عن كل شيء. البارنورمال، عن قضايا الدين، عن الفن السابع، عن التكنولوجيا...
حتى أنه اصطحبنا ذات مرة إلى مقهى إنترنت سنة 1999.
كانت زيارة عادية بالنسبة لي وقتها، لأنني كنت أملك حاسوبًا مبكرًا (Pentium 386)، وكُنتُ ارتاد على مقاهي الانترت لتحميل البرامج.
لكن العبرة أن هذا الأستاذ أراد أن يفتح لنا آفاقًا جديدة... أن يُخرجنا من محيطنا الضيّق لنفكّر خارج الصندوق.


أستاذ بهذه الروح والانفتاح، أراه شخصيّاً نموذجًا للبطل التربوي... حتى لا أقول: بطلاً قوميًّا.

أهلا بكم من جديد أستاذ

كلامك يوقظ شيئًا فينا يصعب تسميته…
كأنك لا تكتب فقط عن الأدب أو الأبطال، بل عن لحظة إنسانية خالصة،
التقت فيها براءة الطفولة مع وعي النضج،
فصارت الكلمة شُرفة نُطلّ منها على أنفسنا القديمة ..

أما الأستاذ الذي تحدّثت عنه…
فهو ليس مجرد معلم، بل نوع من "الرجال القادرين على ترك أثر دون ضجيج"
رجل يعرف أن التعليم لا يكون عبر اللوح والطباشير فقط،
إنما عبر فتح نوافذ في الجدار، ليطلّ التلميذ على عالمٍ أوسع من المقرر، وأقرب إلى روحه


شكرا على مشاركتنا جزءً من ذكرياتكم ..
جميل حقا


تحية طيبة
 
توقيع لمعانُ الأحداق
العودة
Top Bottom