إنّه يومُ الجُمعة المُنتَظر ..
العائِلةُ كُلّها مجتمعة في منزِلِهم الصّغير ، فهُو يومُ راحةٍ وإجازَةٍ من الدّراسةِ و العمل..
منهم من يجعَلُ هذا اليومَ استِثنائيّا فيبقَى في مُصلّاهُ بعد صلَاةِ الفجر مُباشرةً يُسبِّحُ تارةً ويُصلّي على النبيّ تارةً أخرَى حتّى شروقِ الشّمسِ فيكسبُ أجر حجّة مع النبيّ صلى الله عليه وسلّم ، ومنهُم من يرى أنّه عليهِ أن يستريح بعدَ أسبُوع عملٍ شاقّ فيؤجّل موعِد استيقاظِه وتِلاوتهِ لسُورة الكهفِ إلى ما بعدَ العاشِرةِ صباحًا ..
إنّهُ يومٌ مميّزٌ جدّا .. السّماءُ زرقاءُ مُشرقةٌ تتوسّطُها صُفرة الشّمسِ بحرارةٍ معتدِلة على غيرِ العَادَة ..
تستيقظُ الأمّهاتُ باكِرا لتنظِيف المنزل تحت أنغَام تسجِيل سُورة الكهف بصوتِ الشّيخ " ماهِر المعِيقلِي" ، فلا ترَى إلّا المياهَ والرّغوةَ هُنا وهُناك مع رائحةِ موادّ التنظيفِ التي تُنعِشُ القلبَ ، ثم تتجهُ إلى المطبخِ لإعداد الغدَاءِ لعائلتِها الذي هُو عبارَةٌ عن الكُسكُس بالمرقِ الأحمرِ ولا يكادُ بيتٌ جزائريٌ يوم الجمعةِ يخلُو من هذه الثُّنائيّة ..
يتسابقُ الشّبابُ لغُسل صلاة الجمعة والتطيّب وارتداءِ الأقمصةِ البيضَاء التي كوتهَا البناتُ والزّوجاتُ والأمّهاتُ فلا ترى إلّا البياضَ في هذَا اليوم السَّعِيد ..
وعند العودةِ من صلَاةِ الجمعة يلتفُّ الجمِيع حولَ مائِدة الغداء ففي العادة لا يتسنّى لهم الاجتماع كلّهم سائر أيّام الأسبُوع من كثرةِ الانشِغالِ ، ويبدؤون الحدِيث عن قَضايا ومواضِيع متنوّعة ، الجدّات يحكِين قصص الماضِي الجميل أينَ كانت العفويّةُ والبساطَة ، والآباءُ يتناولن مواضيعَ السّياسَة وغلَاء المعيشَة ..
انتهَى الغداءُ وحانَ وقتُ القيلُولة ، فلا تسمعُ همسًا ولا رِكزَا .. الجميعُ مُنهكٌ يودّ أن ينامَ حتى العصر ، إلّا المُشاغِبونَ الصّغار يقضون قيلولتهم في اللّعبِ مع بعض داخِل " الحَوشِ"
أو يُشاهِدون التّلفاز..
حلّ المسَاءُ ، والبعضُ قد قرّر جعلهُ وقتا ليصِلَ رحِمهُ ويكسب الأجر ، والبعضُ فضّل أخذ ابناءِه إلى المُنتزَهِ القريبِ للاستمتاعِ بآخِر ما تبقّى من اليومِ المُبارك وأخذ صور مع العائلةِ للذِّكرى، وثالثٌ عزمَ أن لا يُفوّت عصر الجُمعة فأخذ يدعُو لنفسِه وأهلِه وأمّته الجريحَة ويتضرّع الى الله القدِير علّها تكُون ساعَةَ استِجابَة لإلحاحهِ على ربِّه ..
انتهَى يومُ الجمُعة.. والجمِيع سُعداءُ كأنّه يومُ عيد.. كأنّه تجديدٌ للقُلوب المنهكة ، والطّاقاتِ المُستنزَفة ، فننامُ باكِرًا وقد أخذنا من القوَّةِ ما يكفِينا أسبُوعًا آخَر من السّعيِ والجدّ ..
تفاصِيلٌ جميلَةٌ تُنعشُني وتجعلنُي أحمد الله على كوني مُسلِمة ..
يشاهد حاليًا هذا الموضوع:
ذات الشيم
المجموع: 2 (الأعضاء: 1, الزوار: 1)
أيّها الزّائرُ الجَميل ، سُعدت جدّا بكَ ضيفًا عزيزًا في مدوّنتي ، رغم أنّي لا أعرف من أنتَ ولا من أيّ مكانٍ تزورُنا ، ولكن إعطاؤكَ مدوّنتي من وقتك لتقرأ خربشاتِها وحدهُ كافٍ لِجعلِي أُقدّرُك ..
لا أعلم إن كانت هذه الكلماتُ ترقَى لِتُقرأ ، ولكن ما أعلمُه حَقّا أنّها نابعةٌ من القلب ، من القلبِ تمَامًا ..
ويحدُثُ أحيانًا أن تُحبّ أرواحاً خلف الشّاشاتِ فقط ، لا تجمَعُكُم صلةٌ ولا قرابَةٌ ولا نَسب فقط لأنّكم تتشاركُون الأفكَار وخِفّة الرّوح كما تتشاكُون الأفراحَ والأحزَان ..
أحبّكم أهل لمّتي وأكنّ لكم الاحترامَ الشَّديد ، فلا داعِي للغِيرةِ من مدحِ الضّيف فضلًا
فجأة ..
شعرتُ بالحنين إلى أيّام الثّانوية أو بالأحرى إلى أيّام البكالوريا..
إلى طريقِ الثانويّة التي كانت شاهدةً على خُطوات الجدّ والاجتهاد ، على صُحبةٍ طالما ترافقنَا معا من بيوتنا إلى مدارسنا..
إلى معلمة الشّريعة الفاضلة بهندامها الإسلاميّ الذي يجسّد صورة المرأة المُسلمة وبنصائحِها التي كانت تنوّرُنا كلّ مرّة فتنقلنا من قسمنا الصّغير إلى عصر الصّحابة والصّالحين ، فجعلت تلك السّاعة يوم الأحد مميّزة جدّا بالنّسبة لنا نتتظرها كلّ أسبُوع
إلى معلّم اللغة العربية الهادِئ الحنون المُربّي ، ويكأنّه كان أبًا لا معلّما وأخا صادقا لا مُحاضِرا ، وإلى نصوص الشّعر والنّثر وإلى المتنبّي ومفدِي زكريّا ..
إلى مُدير ثانويتنا المُتواضِع الذي كان يحبّني كابنتهِ تماما ، كان يسأل عن حالي كلّ صباح ولا ينسَى أن يسألني عن صحّة والدي كلّ مرّة ..
إلى تلك اللحظاتِ التي جمعتنِي برفِيقاتِ الرّحلة ، إلى تنافُسنا حول المراتبِ الأولَى ، إلى مشاغبتنا مع بعضنا ، إلى مُعاهدتنا كُلّ مرة بأن نبقَى على العهدِ أنقياء طاهرينَ من كلّ حقد وضغينة وحسد ..
أحنّ إلى كلّ الأماكن التي كانت شاهدةً على ضحكاتنِا ، مُزاحِنا ، بُكائنا و نقاشاتنَا اللّامُتناهية..
أشتاقُ إلى رفيقةِ المشوار " وِصال" التي طالما حلمنَا معًا ، تمنّينا معًا ، رسمنا أهدافنا معًا ، تنافسنَا مرارًا أيُّنا تكون الأولى ، ثُمّ استعجلت الرّحيل من هذه الدُّنيا تاركة خلفها أحلامًا ضخمة كالجبال الرّواسي وتركتني أكمِلُ الرّحلة بمفردي ..
أيّام الثانوية حقًّا من أجمل الأيام التي مرّت عليّ ، نقشت بذاكِرتي أحداثا لا تُنسى أبدا وحنينا دائما لتلك الأيّام التي مرّت سريعا.. تُرى ما السبيل إلى العودة إليها ؟
كُلّما رفعتُ قلمي لأكتُب شيئا عن هُمومي ، أحزانِي ومخاوفِي تذكّرتُ ذلِك الطفل الذي فقد أباهُ إثر قصف عنيفٍ على منزلهم ، وتلك التي انطفأت ملامِحُها بعد موتِ كلّ أفراد عائلتها قالت عنهم بأنهم كلّ ما تملك ، وذلِك الأبُ الذي عاد إلى فلذات كبده الجوعَى منهزمًا مقهورا بعدمَا فشل في الحُصول على كيس طحينٍ يملؤ بهِ بُطونهم الخَاوية ... أحزاننا وإن عظُمَت لا تساوي شيئا أمام دمعةِ طفلٍ غزّاويّ قهرهُ الخذلانُ أكثر من العدوّ..
وآلامُنا وإن كثُرت ليست كآلام أمّ تبكي أولادها الصّغار في اليوم الواحد ألف مرّة ..
يا الله ضاقتِ السُّبل إلّا منك وانقطع الرجاءُ إلّا إليك فانصرهم نصرا قريبا تشفي به صُدورنا وصدورهم ..
فجأة ..
شعرتُ بالحنين إلى أيّام الثّانوية أو بالأحرى إلى أيّام البكالوريا..
إلى طريقِ الثانويّة التي كانت شاهدةً على خُطوات الجدّ والاجتهاد ، على صُحبةٍ طالما ترافقنَا معا من بيوتنا إلى مدارسنا..
إلى معلمة الشّريعة الفاضلة بهندامها الإسلاميّ الذي يجسّد صورة المرأة المُسلمة وبنصائحِها التي كانت تنوّرُنا كلّ مرّة فتنقلنا من قسمنا الصّغير إلى عصر الصّحابة والصّالحين ، فجعلت تلك السّاعة يوم الأحد مميّزة جدّا بالنّسبة لنا نتتظرها كلّ أسبُوع
إلى معلّم اللغة العربية الهادِئ الحنون المُربّي ، ويكأنّه كان أبًا لا معلّما وأخا صادقا لا مُحاضِرا ، وإلى نصوص الشّعر والنّثر وإلى المتنبّي ومفدِي زكريّا ..
إلى مُدير ثانويتنا المُتواضِع الذي كان يحبّني كابنتهِ تماما ، كان يسأل عن حالي كلّ صباح ولا ينسَى أن يسألني عن صحّة والدي كلّ مرّة ..
إلى تلك اللحظاتِ التي جمعتنِي برفِيقاتِ الرّحلة ، إلى تنافُسنا حول المراتبِ الأولَى ، إلى مشاغبتنا مع بعضنا ، إلى مُعاهدتنا كُلّ مرة بأن نبقَى على العهدِ أنقياء طاهرينَ من كلّ حقد وضغينة وحسد ..
أحنّ إلى كلّ الأماكن التي كانت شاهدةً على ضحكاتنِا ، مُزاحِنا ، بُكائنا و نقاشاتنَا اللّامُتناهية..
أشتاقُ إلى رفيقةِ المشوار " وِصال" التي طالما حلمنَا معًا ، تمنّينا معًا ، رسمنا أهدافنا معًا ، تنافسنَا مرارًا أيُّنا تكون الأولى ، ثُمّ استعجلت الرّحيل من هذه الدُّنيا تاركة خلفها أحلامًا ضخمة كالجبال الرّواسي وتركتني أكمِلُ الرّحلة بمفردي ..
أيّام الثانوية حقًّا من أجمل الأيام التي مرّت عليّ ، نقشت بذاكِرتي أحداثا لا تُنسى أبدا وحنينا دائما لتلك الأيّام التي مرّت سريعا.. تُرى ما السبيل إلى العودة إليها ؟
أتذكر جيداً يوم خروج النتائج وكأن ذلك حدث بالأمس .. سأشارك تجربةً ، ربما هي الفرصة التي سمحت لي بذلك ..
في آخر شهر كان يفصِلنا عن شهادة البكالوريا واجهَتنِي بعض الظّروف ولولا توفِيق من الله وحده لما وصلتُ إلى ما انا فيهِ الآن ولما استطعتُ الدراسة وسطها ، أذكُر منها مرض عائلتي بفايروس كورونا وكانتِ الإصابةُ خطيرة على أمي ، تعلمُون جيدا من دون شرح كيفَ سيكون حال البيتِ بغيابِ الأم و أثناء الامتحانات أصبت بصداع نصفي أو ما نسميه، " الشقيقة " وفي أول يوم أضعتُ بطاقة التعريف الوطنية ..
ولأنني لم أزد وتيرة دراستي خلال فترة مرض أمي لم أكن جاهزة بالشكل الذي أريده
ورُغم ذلك ولله الحمد والمنة واصلتُ المجاهدة إلى آخر امتحانٍ لي ..
كُنت كبقية الطلبة خائفة مِن التصحيح ومن النتيجة ، وبعد أن نشرت وزارة التربية خبر المعدل الموزون ازددتُ ذعرا وأنا التِي كنت خائفة من مادة العلوم منذُ البداية ولم يسعنِي الوقت في الامتحانِ لإنهاء السؤال الاخير ولم أكن متأكدة من بقية الاجوبةِ أهي صحيحة أم لا ..
كُنت أسمع أخبارا في مواقع التواصل عما يحدث في مراكز التصحيح فسمعت أن نقاط العلوم كانت كارثية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وعِند ذلك فقدتُ الأمل قليلاً في الوصول فمصيرِي تحدده نقطة واحدة ، بكيت قليلاً ودعوت الله كثيراً وكنت أردد " اللهم أرني عجائب قدرتك في تحقيق ما أتمنى " ..
الى أن أتى يوم ظهورِ النتائج ، العائلةُ كلها تنتظر وكلها تضعُ عليّ آمالاً كالجبال أما أنا فكان موقفي موقف الخائف القلِق ، كان الوقت يمر ببطئٍ شديد؛ الثانية كأنها ساعة ، لم أستطع فعل شيء ذلك اليوم سوى الإنتظار وعدّ الدقائق والساعات وهي تمرّ كسلحفاةٍ عجوز ، وعِندما اقترب الموعد اجتمعت العائلة كلّها لرؤية النتيجة ، أبي في غرفتِه ، وانا وأمي وإخوتي في غرفة أخرى ، كانت الساعة تشير إلى الرابعة الا عشر دقائق ، الصمت يعمّ البيت وكل واحد منّا يحمل جهازاً في يده ينتظر فتح الموقع وما هي إلا دقائق معدودة حتى أتى أبي بسرعةِ البرقِ يُبشّرني : ماشاء الله ديتي 18.05 " شعرتُ بصدمةٍ حقيقية حينها " يا الله كيف حدث ذلك ، نظرتُ إلى الساعة وجدتها الرابعة إلى خمس دقائق : " مزالو خمس دقايق بصح ؟ فرد ابي : "راني شفتها في فضاء الأولياء بعثوهم بخمس دقايق قبل راني من قبيل نشوف ثم " أواه زيدو تأكدوا مليح شوفو الموقع بلاك يكونو غلطو " ، لالا كيفاه يغلطو مكانش منها " ، وأصررت إصراراً شديدا على رؤية الموقع فرأيت نفس النتيجة وكانت أمي بجوارِي ، كانت ردة فعلي الوحيدة أنني شكرت ربي أولا ثم قمت من مكاني وعانقتُ والديّ عناقا شديداً فإذا بعيناي تذرفان من شدّة الفرح , يا الله لم تحرِمنِي من تحقِيقِ ما أتمنّاه ولم تخيّب ظنّي فيك رغم أن ظني في كثير من المرات كان أشبه بالمستحيل" مشاعر كثيرةٌ اختلجتني آنذاك : مشاعِر افتقار ، ومشاعر فرح ، ومشاعر فخر واعتزاز ، ما أخرجني من ذلك الجو قليلا الاتصالات التي كانت تتهافتُ علينا الواحدة تلو الأخرى ، وكما رأيت جدي يبكي لأول مرّة وكذلك جدّتي وسمعتُ صوت أخوالِي من وراء الهاتف " الله أكبر ، الله اكبر "
وددت لتلك اللحظات عدم الانتِهاء والإستمرار ، فقد كان هذا الحدث اكبر فرح بعد سلسلة من الظروف المُحزنة فهو مُكافأة من الله وهدية منه فله الحمد والشكر ..
واخترتُ الطبّ في أول اختيار لي ، فقد كانَ حلمي وحلم عائلتي قديما وحديثا..
وبدأتُ رحلة أخرى هي الأخرى الأكثر صعوبة وهي دراسة الطب..
وفي الاخير أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى..