عن اسم الله " الرّؤوف "
وجدتُ وبالله التوفيق..
قال الإمام الغزالي في المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى: الرؤوف ذو الرأفة، والرأفة شدّة الرحمة، فهو بمعنى الرّحيم مع المبالغة فيه..
انتهى قول الغزالي..
ومن القواميس نجد أن الفرق بين الرحمة والرأفة هو الآتي:
الرّحمة أعم ويدخل في مضمونها إعطاء الخير.. ودفع الشرّ.. فنِعم الله على عباده من مظاهر رحمته سبحانه.. وكشف الضُرّ أيضا من رحمة الله بعباده..
أمّا الرأفة فهي أخصّ.. وأدقّ.. تختصُّ بدفع المكروه وإزالة الصُرّ..
لذلك نجد ذكر الرأفة في مقام تطبيق الحدود والأحكام... ولا تُذكر الرحمة..
وقد وردت كلمة ( رأفة ) في موضعين فقط من القرآن الكريم وهما:
الموضع الأول في الآية 2 من سورة النور.. وذلك في معرض الحديث عن إقامة الحد على الزّانية والزاني.. فقال تعالى: " ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" ولم يقُل رحمة.. والقرآن دقيق جدا في توظيف الألفاظ..
الموضع الثاني في معرض الحديث عن أتباع عيسى بن مريم لكن مقرونة مع كلمة " رحمة " فقال تعالى: " وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة... " فجمع بين صفتي الرأفة والرحمة... وليس ذلك بالتكرار لأن المعنى مختلف..
ولم يرِد اسم " الرّؤوف " في القرآن بهذا الشكل المُعرّف..
ووردت كلمة " رؤوف" إحدى عشرة مرة.. منها واحدة في وصف محمد صلى الله عليه و سلم بقوله في الآية 128 من سورة التوبة:
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
والعشر مواضع الباقية هي في وصف الله سبحانه وتعالى منها ثمانية مواضع جاءت فيها كلمة " رؤوف " مقترنة مع كلمة " رحيم " .. وسبحان الله.. الرقم ثمانية يذكرنا بعدد أبواب الجنّة..
وتلك المواضع الثّمانية هي:
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / البقرة - آية 143
ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ / التوبة - آية 117
وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / النّحل - آية 7
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَىٰ تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / النّحل - آية 47
إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / الحجّ - آية 65
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ / النّور - آية 20
وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ / الحديد - آية 9
وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ / الحشر - آية 10
...
ووردت كلمة " رؤوف" منفردة مرتين فقط في موضعين يقتضيان معناها المُشار إليه أعلاه.. والموضعان هما:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ / البقرة - آية 207
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ / آل عمران - الآية 30
...
وأقترح لمن يأتي بعدي اسم الله " الشّكُور "
وأجدد شكري على الموضوع النافع..
دمتم وسلمتم..
شكرا اخي بارك الله فيك
تحياتي
ما أوسع رحمة الشكور!
اللهُ الذي لا يضيعُ على عبده خطوةَ خيرٍ ولا همسةَ ذكر، بل يُجزل له الثواب على العمل اليسير، ويجعل من النية صدقة، ومن الكلمة البيضاء نورًا، ومن السجدة الواحدة بابًا لا يُغلق من الرحمة.
الشكور هو الذي يُظهر أثر الطاعة على صاحبها، فيرزقه سكينةً لا تُشترى، وبركةً لا تُقاس، ويضاعف له حسناته حتى يُخجل الفضلُ العبدَ من فرط ما يُعطيه مولاه.
ومن عرف الشكور أحبّ أن يكون شكورًا، يجازي الجميل بالجميل، ويحتفظ بنور الامتنان في قلبه، لأن القلب الذي أضاءه معنى “الشكور” لا يعود يعرف البُخل ولا الجفاء
أولًا: المعنى الشرعي لاسم الله الشكور
الشكور هو من أسمائه الحسنى، ومعناه أنّ الله تعالى:
يقبل من عبده العمل القليل ويجازيه عليه بالثواب العظيم.
يفتح للعبد أبواب الرحمة بسبب طاعة يسيرة ربما نسيها العبد، ولم ينسها الله.
يشكر لعباده إخلاصهم وتقواهم، فيشكرهم بمعنى: يثيبهم، ويرفع درجتهم، ويوسّع عليهم في الدنيا والآخرة.
فالله سبحانه لا يضيع عمل عامل، ولا يهمل حسنة مهما صغرت، بل قد يجعل بها نجاة العبد وسعادته.
ومن شكره لعباده أنه يضاعف الأجور إلى سبعمئة ضعف وأكثر، ويكتب للعبد نية الخير ولو لم يعملها.
ثانيًا: المعنى اللغوي لاسم الشكور
الجذر اللغوي:
(شَكَرَ) يدل على ظهور أثر النعمة.
يقال: ناقةٌ شكور أي يظهر عليها أثر العلف اليسير، فتدرّ لبنًا كثيرًا.
والشكور: كثير الشكر، عظيم المجازاة، مُظهِر للفضل.
ومعنى ذلك في حق الله تعالى:
أن الله يُظهر أثر طاعة عبده، ويُنمّيها، ويزيدها، ويبارك فيها، ويجعل لها نتائج لا يتوقعها العبد.
ثالثًا: كيف يشكر الله عباده؟
يقبل العمل مهما كان صغيرًا:
كلمة طيبة، تسبيحة، صدقة قليلة… كلها عند الشكور تُرفع ويُضاعف أجرها.
يكتب نية الخير ثوابًا ولو لم تُنجز.
يمحو السيئات ويبدّلها حسنات إذا تاب العبد.
يبارك في العمر والرزق بسبب أعمال قد لا ينتبه لها العبد.
يجزي بالباقيات الصالحات أضعاف ما يقدّمه الإنسان.
فالشكور يعامل عبده بفضلٍ لا بعدل فقط، وبرحمةٍ لا بمحاسبة دقيقة.
رابعًا: عدد مرات ذكر اسم الشكور في القرآن
ذُكر اسم الشكور في القرآن الكريم أربع مرات، في السور:
فاطر – 30
فاطر – 34
الشورى – 23
التغابن – 17
وكل موضع منها يأتي مرتبطًا بالعمل، والتوبة، والصبر، والإنفاق… مما يدل على علاقة اسمه الشكور بالأعمال الصالحة.
خامسًا: أثر معرفة اسم الله الشكور على القلب
يغرس في القلب الطمأنينة بأن الله لا يترك عبده دون جزاء.
يشجع على المداومة على الأعمال الصغيرة؛ فالقليل عند الشكور كثير.
يعلّم العبد أن يقدّر النعم وأن يشكر بدوره، لأن من عرف الشكور أصبح شكورًا.
اقترح للعضو الذي بعدي اسم الله «الرحمان و الرحيم» لتشابه المعنيين و الفرق بينهما