الطبيب المحقق : قراءة الجسد الصامت .. [ تجربتي ]

لمعانُ الأحداق

:: عضو متألق ::
صُنّآع آلمُحْتَوَى
السلام عليكم و رحمة الله

عساكم بخير أفاضل لمتنا
سأطلبُ منك أخي اللماوي أن تأخذ نفسا عميقا مرة أخرى
لأنك على وشك أن تغوص في تجربة ثانية سأصفها هذه المرة بكونها علمية
أقول " مرة أخرى و ثانية "
لأن الأولى كانت في موضوعي :

بعد عالم الطب العقلي ،
حيث النفس البشرية متاهة بلا خرائط ،
فُتح أمامي عالم آخر ،
مذهل في دقّته ،
قاسٍ في صدقه ،
صامت .. لكنه لا يكفّ عن الكلام ..

سآخذك اليوم .. في جولة - طبية - فيه

ما كنتُ لأدخله بإرادتي

ألا و هو

" الطب الشرعي - Médecine légale "


===

لم أدخل مصلحة الطب الشرعي بدافع الفضول ، و لا بروح المغامرة
و لهذا قلتُ بادئ الأمر ما كنتُ لأدخلها بإرادتي
دخلتها بصفتي طالبة [ مُجبر لا بطل ]
دخلتها بحذرٍ داخلي ،
كمن يطرق بابًا يعرف أن خلفه شيئًا سيغيّره ..
و لا يعرف إن كان مستعدًا لذلك التغيير

أظنّ أنني بدأت أعتاد مواجهة القسوة بعد سنوات من دراسة المرض ، و الاضطراب النفسي ، و الألم الإنساني
لكنني اكتشفت سريعًا أن الطب الشرعي لا يشبه شيئًا سبق أن عرفته ..
عالمٌ آخر ،
عالمٌ لا يشبه الحياة ،
و لا يشبه المرض ،
و لا يشبه الجنون

هو عالم يبدأ حيث تتوقف كل الحكايات ، و يُطلب منك فيه أن تُنصت إلى الجسد بعد أن يفقد صوته
العالم الذي يبدأ بعد أن ينتهي كل شيء

e5cc8ae81b08a2c03086440f97a2a569.jpg


===

في هذا المكان ، لا علاج و لا وعود بالشفاء
هناك حقيقة فقط ،
مجرّدة، دقيقة، لا تقبل التأويل العاطفي
و مع ذلك ، فإنها تمسّ الداخل بعمق
غير متوقّع ..

لا أحد يطلب المساعدة ،
و لا أحد يشتكي ،
و لا أحد يتألم أمامك
لكن ..

كل شيء يقول شيئًا

===

الموت
ليس لحظة واحدة كما نتصوّره ،
ليس فكرة فلسفية ،
و لا صورة ذهنية ،
و لا كلمة نرددها
الموت علم ،
له قوانينه ، وله علاماته
وله توقيت دقيق لا يرحم الخطأ
سلسلة من التحوّلات ، لكل منها توقيتها و معناها
الجسد لا ينهار فجأة ، بل يغادر الحياة تدريجيًا ، تاركًا وراءه علامات واضحة لمن يعرف قراءتها

===

عرفتُ كيف يمكن التمييز بين الحي و الميت
ليس بالإحساس أو الانطباع
بل بالعلامات العلمية القاطعة

علامات غياب الحياة ، حيث تختفي الوظائف الأساسية
دون أن يرافقها بالضرورة تغيّر شكلي مباشر : غياب النبض ، توقف التنفس ، حدقات لا تستجيب
حضور جسدي كامل ، يقابله فراغ وظيفي تام

في المقابل
هناك ما يُعرف
بعلامات الموت الإيجابية
التي لا يظهر معها أي شك
التيبّس على سبيل المثال ، حين تتصلّب العضلات لأن الجهاز العصبي لم يعد يوجّهها
علامة لا تأتي فورًا ، بل بعد مرور ساعات ، و تخبرنا أن الوفاة حدثت بالفعل ولم تعد لحظة راهنة

أما اللطخ lividités cadavériques
- لا أعلم إن كان هذا اسمها بالعربية تماما -
هي تغيّر لون الجلد نتيجة تجمع الدم في الأجزاء المنخفضة من الجسد بعد توقف القلب
التلوّن البنفسجي المزرق ،
حين ينصاع الدم أخيرًا لقانون الجاذبية ،
فيتجمع في الأجزاء المنخفضة من الجسد ،
كأن الجسد يرسم خريطته الأخيرة
هذه العلامة لا تؤكد الموت فقط
بل تكشف أيضًا عن وضعية الجثة بعد الوفاة
و تمنحنا فكرة دقيقة عن الزمن الذي انقضى
[ حتى بعد الصمت الكامل، لا يزال الجسد يروي قصته ]

ثم جاء الحديث عن تعفّن الجثة ، وهو من أكثر الدروس ثقلًا على النفس
التعفّن ليس مشهدًا واحدًا
عملية تدريجية يعود فيها الجسد إلى الطبيعة
وتتقدّم فيها البكتيريا حيث توقفت الحياة [ كيف تنتصر البكتيريا حين نسقط نحن ]
تغيّر اللون ، الانتفاخ ، الروائح ، كلها مظاهر علمية دقيقة ، لكنها تترك أثرًا نفسيًا لا يمكن تجاهله

في هذا السياق، فهمتُ
معنى الكفن و الدفن - بطريقة مختلفة -
لم أعد أراهما طقسًا دينيًا فقط
بل فعلًا إنسانيًا يحفظ كرامة الجسد بعد الموت - فعلُ رحمة -
و يمنح النهاية شكلًا من الاحترام و النظام
بدل الفوضى التي قد يفرضها التحلل الطبيعي

===

عن حالات الشنق و الاختناق ، حيث لا تكفي النظرة السطحية للحكم
فليس كل شنق انتحارًا
و ليس كل اختناق واضح الأسباب
هناك تفاصيل دقيقة تُفرّق بين من أنهى حياته بنفسه ، و من تعرّض للقتل ،
و بين من مات معلقًا و من عُلّق بعد وفاته لتُضلّل الحقيقة
آثار على الرقبة ، وضعية العقدة ، الاحتقان ، النزوف الدقيقة ، حالة العظم
زرقة الوجه ،
لسانٌ متدلٍّ ،
عيونٌ جاحظة ..
كل تفصيلة تهمس بالحقيقة لمن يعرف لغتها
عناصر تُستخدم لإعادة بناء ما حدث ، بهدوء و دقّة

===

كما تعرّفتُ على كيفية التمييز بين من مات حرقًا و من قُتل ثم أُحرق
وجود الدخان في المجاري التنفسية ، نسبة أول أكسيد الكربون في الدم ،
و وضعية الجسد ،
كلها مؤشرات علمية تكشف إن كان الإنسان حيًا وقت اشتعال النار
حتى الحريق ، رغم قسوته ، لا يُخفي الحقيقة تمامًا

- الاختناق لا يكون حبلًا فقط ،

قد يكون يدًا ،
وسادة ،
دخانًا ،
ماءً ..

و أن الرئتين تحفظان السر حتى بعد الموت -

===

أما الجروح والإصابات .. ذاكرة الجسد
لون الكدمة يتغير مع الزمن ، ويمنحنا فكرة عن عمر الإصابة
عرفتُ الفرق بين الجرح الحيوي و الجرح بعد الوفاة
النزف يُفرّق بين جرح حدث أثناء الحياة و آخر وقع بعد الوفاة
و حتى الإصابات بالأسلحة النارية ليست مجرد ثقوب في الجسد ،
بل رسائل تحمل معلومات عن المسافة ، و نوع السلاح ، و اتجاه الطلقة
شكل المدخل و المخرج ،
الوشم البارودي ..

===

و في قلب كل ذلك، يظل القانون حاضرًا بقوة
الطبيب الشرعي ليس مراقبًا محايدًا فقط
بل مسؤول قانونيًا و أخلاقيًا
تقرير واحد قد يغيّر مصير شخص ، و قد يُنصف بريئًا أو يُدين مذنبًا
الخطأ هنا لا يُعدّ زلّة ، بل قد يكون جريمة بحد ذاته
[ الحقيقة .. مصير ]

أستاذنا شاركنا بعضًا من تجاربه في المصلحة ،
قصصًا غريبة، قاسية ، لا يمكن روايتها خارج إطار التعليم ،
لأنها تدخل ضمن السر الطبي البحت
كنت أستمع و أشعر أن بعض الوقائع أثقل من أن تُروى كاملة
قضايا غريبة ،
عن جثث تكلمت بعد صمت

===

يصبح الطبيب محققًا
أشبه بشخصية كونان

19fef0cf0b848e1f5fe54d9b641af4ce.jpg


يقف أمام الجسد كأنه يقرأ كتابًا مغلقًا بأسراره
يلاحظ كل تفصيلة ، يصوّر كل أثر ، يفحص كل خدش وكل كدمة ،
كما لو كانت كلمات مكتوبة على الجلد
يتمعّن في وضعية الجثة ، في تغير لون البشرة ، في آثار الزمن ،
في كل ما يبدو للبعض عابرًا
لكنه يعرف أنه مفتاح الحقيقة
و من خلال هذه المراقبة الدقيقة
و التفكير - الصبور - ،
تبدأ الخيوط بالتشابك ، و تتكشف القصة المخفية في الصمت
يصبح الجسد شاهدا صامتا ، يروي أحداثه لأولئك القادرين على الإصغاء
ويكشف عن الأسرار التي قد تغيّر مجرى العدالة

===

رغم كل هذا الفهم ، و كل هذه المعرفة ،
اصطدمتُ بحدودي الإنسانية
الصور التي عُرضت علينا كانت قاسية على قلبي

لم أستطع النظر إليها
في كل مرة تُعرض صورة لجثة أو جرح عميق أو تشريح حقيقي
أجدني أخفض رأسي
و أنتظر تغيير العَرض للكتابة ..
لم أحتمل المواجهة المباشرة
و حين قُسّمنا إلى أفواج لدخول - تشريح الجثة -
( autopsie )
لم أمتلك الشجاعة للدخول
تراجعتُ بصمت
من حسن حظي أن التشريح كان اختياريًا
فشخص مثلي يستطيع أن يدرس الموت ، أن يفهمه ، و أن يكتب عنه ،
لكنه لا يستطيع مواجهته مباشرة بهذه الطريقة
[ لم أشعر بالخجل من ذلك .. شعرت أنني تعرّفت إلى حدٍّ إنساني في داخلي لا أريد تجاوزه ]

===

خرجتُ من مادة الطب الشرعي أكثر وعيًا
و أكثر احترامًا للجسد الإنساني
و أقل اندفاعًا في الأحكام
تعلّمتُ أن الطب ليس دائمًا إنقاذًا
أحيانًا شهادة صامتة لصالح الحقيقة
و أن بعض الأطباء لا يعالجون الأحياء

هم ينصفون الموتى

( أكيد هناك تفاصيل أخرى لم أروِها تَحَفُّظا )


===
تحيّة طيبة
[
لمعانُ الأحداق ]


عُــــذرا على الإطـــــــــالة ..
 
آخر تعديل:
توقيع لمعانُ الأحداق
قائمة تنبيهات [2025]
@rycerz @Fethi.dz @الامين محمد @Soumia hadj mohammed @saddek06000 @الطيب الجزائري84 @سعد نايلي
@afnene @الصقر الأبيض @الديباج الرقيق @MESSI23000 @abdouker
@أبو عاتكة @barca.moha @طمطومة مصطفى @lotfi12
@العَنْقَاءُ @امبارك جميلة @amar hattab @dahman kz
@ناي . . @ALGERIA DZ @سجينة الصمت @فادي محمد
@Hakan @المصممة حنان @ريحان @زاد الرحيل
@أحمدوا @Tama Aliche @sami120 @Moha le sage
@احمدوا @Oktavio_hinda @elmaalii @أم أُنٌَيسة
@شجـ الروح ـون @زهور الشوق @الرومنسي الجاد @*amani*
@maryou1980 @النجم البعيد @EL Aìd Nh @إلياس
@Amoona @Eay98 @أم أنس جنيد @adam 05_27
@ت.أحمد @سـارة @lewaw11274 @space-cowboy
@Hocine 27 @la lune rose @momoam @عاشق اللمة.
@الروسي @CreativePs @secret de coeur @بوعزة عامر 77
@أحلامي @أنفاس الإيمان @الصراحة راحة @♡كارينا♡
@بسمة القلوب @Mehdidaoud @سكون الفجر @Needforspeede
@سعيد2 @ala3eddine @زهيرة تلمسان @Ma$Ter
@جيهان جوجو @angeblue @باتنية و نص @smiley daily
@Amine7N @سعد606 @Zili Na @جمــآنــة
@لمعانُ الأحداق @وۣۗهۣۗہۣۗم @doaausef3li @mbcsat @الامين محمد
@النورس @Amine ouar @faith8 @hich86
@karim4algeria @mohalia @جليلوس @وائل المنزلاوي
@بلبالي اسماعيل @YOUSRAyousra @4LI_4LGERI4 @ADLANE44
@sidalibns @yafod @dridi @Iamdetector
@NOUR.DZ @Bouchra zarat @يوسےفے @أفنانوه
@{هِشام} @mounaim05 @abdellahtlemcen @chayat
@HAMZA USMA @saied @Martech @ENG.MARWA
@عبد العليم عثماني @tamadhhor @hassibakhe @Maria bnr
@SINMAR44 @أشرقت @السلطانة @abdoulee20
@rasha holwa @رياض تت @تشلسي4 @زاهية بنت البحر
@skynssine @Abdelghani03 @nadjibdz12 @raawan
@bouziddz @ديكتاتــــــور @Yacine info @afrah djm
@Mohamed elshemy @ch zaki @hassane1987 @نورالدين19
@Bilal Manou @لاريمان @Madjid Farid @Alaa_Eldin
@موناليزا @nobledz @Eradiate @Mohamedzri
@Karim megrous @أم عبد الله @midou@1 @Qusay Legend
@عمار اعمر @safouan @Rahal Oualid @طموحة
@w@hab_39 @أم عبد الواحد @ali_elmilia @Imed703
@elhadi98 @اسلام 25 @aljentel @bijou071
@المعلمة النشطة @xyzwth @ديسق @Oussama.GF
@rezamine @MARYTA @ouafi @الحلم الوردي
@kaka44 @missoum31 @rafid2 @nebbati
@أم أنيسة @BAHMD @زيــن @wadoud3113
@sofiane55 @إعصار @Abde jalil20 @Rochdi.dz
@اميرة اميرة 89 @امورة المنتدى @Mokhito @md amine
@أم الصبيان @الحازم @هدوء المطر @Silent Hill
@Adam120 @ZICO_40 @الورد الأحمر @عزيز1982
@MiRInGI ALGeRia @Ezoemy @خديجة ph @rachid-egle
@Clioess @4algeria @okbadz @MOHA 66 @هواري بومدين.
@المقنع @★Dαяĸ-Sтαя★ @bilal berkane @connecter08000
@جزائرية توب @Tarek midou @tunisien93 @امحمد خوجة
@رزان منال @Yousra sa @ليليا مرام @maissa gh @حفياد آدم
@مباركي أسامة @Adem4dz @اريج عباس @FAY CAL
@osama305 @البشير البشير @فاتن سيلين @bousaid
@أمير جزائري حر @الامين محمد
@جمال عبدلي @نجـود @ذات الشيم
@أبو خديجة @الديباج الرقيق
 
توقيع لمعانُ الأحداق
شكرا لكِ موضوع جميل جدا
جعلتنا نعرف التفاصيل التي تجمع بين العلم و الدقة و أوضحتِ لنا أن الطب الشرعي ليس مجرد دراسة للجسد بعد الموت بل هو بحث عن الحقيقة و خدمة للعدالة كما جعلتِ التجربة أقرب إلينا و أعمق أثرًا ....
 
توقيع ام أمينة
موضوع في القمة درسته من كل الجوانب بورك فيك على طرحك القيم
 
الطب الشرعي (Forensic Medicine) هو فرع طبي يدمج العلوم الطبية مع القانون، يهدف إلى التحقيق في الوفيات غير الطبيعية أو المشبوهة والإصابات، وتحديد أسبابها وحقائقها باستخدام الفحوصات الطبية مثل التشريح وتحديد الهوية، لتقديم أدلة دقيقة للمحاكم والتحقيقات الجنائية والمدنية وتطبيق العدالة. يقوم به "طبيب شرعي" متخصص يدرس حالات العنف، الحوادث، التسمم، أو الوفيات الغامضة، ويقدم تقارير تساعد في فهم كيفية وقوع الجريمة أو الحادث وإثبات الحقيقة، ويعتبر جزءاً من العلوم الجنائية الأوسع.


أهم مهام الطب الشرعي:
  • تشريح الجثث: لفحص الإصابات وتحديد سبب الوفاة (قتل، حادث، انتحار، طبيعي).
  • تحديد هوية الجثث: التعرف على هوية المجهولين والمفقودين.
  • فحص المصابين: في حالات الاعتداءات الجسدية وإصابات الحوادث لتقييم الضرر وتحديد العجز.
  • التحقيق في مسرح الجريمة: تحليل الأدلة الجنائية (بصمات، آثار) بالتعاون مع المحققين.
  • إعداد تقارير قانونية: تقديم شهادة الخبراء للمحاكم بخصوص الحالات التي تم فحصها.

الفروع الرئيسية:
  • الطب الشرعي المرضي (Forensic Pathology): يركز على فحص المتوفين لتحديد سبب الوفاة.
  • الطب الشرعي السريري (Clinical Forensic Medicine): يركز على فحص المصابين الأحياء (مثل ضحايا الاعتداء).
  • علوم جنائية أخرى: تشمل علم السموم الشرعي، طب الأسنان الشرعي، الطب النفسي الشرعي، وعلم الأشعة الشرعي.

أهميته:
يساعد الطب الشرعي في كشف الحقائق وتقديم الأدلة العلمية الموضوعية التي لا تقدر بثمن في القضايا القانونية، ويضمن احترام حقوق المتوفين والمصابين، ويحقق العدالة بتحديد المسؤوليات بدقة، ويُعد حلقة وصل أساسية بين الطب والقانون.
 
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ما جدت به يا مكارم ليس سردا لتجربة دراسية فحسب، بل شهادة علمية وإنسانية عميقة نابعة من موقع طالبة طب وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام أكثر فروع الطب صمتا وقسوة.
وما لفتني — كطالبة قانون — أن الطب الشرعي الذي وصفته بهذه الدقة هو في جوهره حلقة الوصل الأصدق بين الطب والقانون
فهو العلم الذي يتكلم حين يعجز الجميع.. ويمنح العدالة أدواتها عندما لا يبقى سوى الجسد شاهدا.
كل تفصيل من التفصيلات التي ذكرتها ليس معطى طبيًا معزولًا، بل دليل قانوني تُبنى عليه التكييفات الجنائية، وتُحسم به قضايا مصيرية بين انتحار وقتل، وبين حادث وجريمة مدبرة.
وهنا تتجلى قيمة الشرطة العلمية، التي لا تحاكم بالعاطفة، بل بالقرينة، ولا تعتمد الانطباع، بل الأثر.
نصّكِ يذكّرنا بأن العدالة لا تقوم وحدها،
وأن القانون — مهما بلغ من دقة — يحتاج إلى هذا العلم الصامت ليحمي الحقيقة من التزييف، ويحفظ كرامة الإنسان حتى بعد موته.
شكرا لك أختي على هذا النص العميق،
الذي لم يكتفِ بشرح العلم، بل أعاد إليه بُعده الإنساني،
وجعلنا — نحن دارسي القانون — نُدرك أن وراء كل ملف، جسدًا، وحكاية، وحقيقة لا تحتمل الخطأ.
 
توقيع أم إسراء
متابع..
ولي عودة...💐
 
توقيع أمير جزائري حر
برافو إكرام 👏🏻👏🏻

أحيّيك على طريقة سردك الشيّقة لدروس علمِ الجُثث ، ودعيني أخبرك أن شرحكِ هذا من أمتعِ ما قرأت ، حتّى أنّني أعدت النصّ مرات ومرّات ، هَذا العِلم الذي يظهر جامِدا لمن هو غريبٌ عنه ، حيّ لمن سبر أغوارَه ..

وصفكِ الدّقيق للموت ، الجُثّة ، العفن ، التحلّل .. كلّها معطيات لنفهم شيئًا واحِدا : أن الموت علمٌ قائم بذاتِه لا يرضَى أن يكون على الهامِش ، وأن خُروج الرّوح وحدهُ ليس كافيًا لنُعلن " النّهاية "، طالما أن الجسد باقٍ فالتّحقيقُ باقٍ ، ووحدهُ للمحقّق كونان قادِرٌ على وضعِ النّهاية - هذا إن وُجدت- ، فبعضُ البداياتِ لا يُمكن فهم نهايتِها ..

هنُا المُفارقاتُ عجيبةٌ جدّا ، فليس من مات حرقًا كمن أُحرق بعد الموت ولا من شنق نفسهُ كمن علّقوه على المشنقة ،و عندما يتعلّق الأمر بلغة الجسد فحتّى لون الجلد له معنًى و كلّ شيء يحكي السرّ الدّفين الذي لم يُسعف الوقتُ صاحبَهُ للإفصاحِ عنه ..

أمّا المسؤوليّة فلا أظنها تقتصِر على أطباء علم الجثث فقط ، فكلّ من ولج عالم الطبّ مسؤول ، وكل من اقتحمَ هذا العلمَ مُراقب من اللّه قبل القَانون ، فأينما وُجدت الإنسانية وجدت معها الأمانَة ، ولا مكَان للخطأ هُنا ..

ربّما لم أعطِ النصّ حقّه ، ولكنّني أبهرت به فعلا ، وصلت إليّ المعاني قبل الأحرف ، والمشاعِر قبل كلّ شيء ..

أبدعتِ بحقّ إكرام ..
في انتظار تجاربك مع طب الجلد والعيون..

تقبّلي مروري .. تحيّة عطرة ..
 
برافو إكرام 👏🏻👏🏻

أحيّيك على طريقة سردك الشيّقة لدروس علمِ الجُثث ، ودعيني أخبرك أن شرحكِ هذا من أمتعِ ما قرأت ، حتّى أنّني أعدت النصّ مرات ومرّات ، هَذا العِلم الذي يظهر جامِدا لمن هو غريبٌ عنه ، حيّ لمن سبر أغوارَه ..

وصفكِ الدّقيق للموت ، الجُثّة ، العفن ، التحلّل .. كلّها معطيات لنفهم شيئًا واحِدا : أن الموت علمٌ قائم بذاتِه لا يرضَى أن يكون على الهامِش ، وأن خُروج الرّوح وحدهُ ليس كافيًا لنُعلن " النّهاية "، طالما أن الجسد باقٍ فالتّحقيقُ باقٍ ، ووحدهُ للمحقّق كونان قادِرٌ على وضعِ النّهاية - هذا إن وُجدت- ، فبعضُ البداياتِ لا يُمكن فهم نهايتِها ..

هنُا المُفارقاتُ عجيبةٌ جدّا ، فليس من مات حرقًا كمن أُحرق بعد الموت ولا من شنق نفسهُ كمن علّقوه على المشنقة ،و عندما يتعلّق الأمر بلغة الجسد فحتّى لون الجلد له معنًى و كلّ شيء يحكي السرّ الدّفين الذي لم يُسعف الوقتُ صاحبَهُ للإفصاحِ عنه ..

أمّا المسؤوليّة فلا أظنها تقتصِر على أطباء علم الجثث فقط ، فكلّ من ولج عالم الطبّ مسؤول ، وكل من اقتحمَ هذا العلمَ مُراقب من اللّه قبل القَانون ، فأينما وُجدت الإنسانية وجدت معها الأمانَة ، ولا مكَان للخطأ هُنا ..

ربّما لم أعطِ النصّ حقّه ، ولكنّني أبهرت به فعلا ، وصلت إليّ المعاني قبل الأحرف ، والمشاعِر قبل كلّ شيء ..

أبدعتِ بحقّ إكرام ..
في انتظار تجاربك مع طب الجلد والعيون..

تقبّلي مروري .. تحيّة عطرة ..
جميل ردك دكتورة و يا ليت أنت أيضا تشاركينا بتجاربك كما تفعل @لمعانُ الأحداق ..
فحقا الطب بحر لا نهاية له..
و أشكر مجددا الاخت على مشاركتها التجارب و الأسلوب المشوق..
 
توقيع أم إسراء
جميل ردك دكتورة و يا ليت أنت أيضا تشاركينا بتجاربك كما تفعل @لمعانُ الأحداق ..
فحقا الطب بحر لا نهاية له..
و أشكر مجددا الاخت على مشاركتها التجارب و الأسلوب المشوق..
يعني اكرام لازم ديرلنا الدّودة هههه
لكنها صراحة تُحمّس ..
راني خايفة نتحمس وندير ملخص خمس سنوات هنا ، حتى صفحات المنتدى لا تسعها 😂

طيب بإذن الله لعيونكم .. أبشري
 
شكرا لكِ موضوع جميل جدا
جعلتنا نعرف التفاصيل التي تجمع بين العلم و الدقة و أوضحتِ لنا أن الطب الشرعي ليس مجرد دراسة للجسد بعد الموت بل هو بحث عن الحقيقة و خدمة للعدالة كما جعلتِ التجربة أقرب إلينا و أعمق أثرًا ....
مجالات الطب الشرعي لا تقتصر فقط على التحقيق و إنصاف الجثث ..
حتى الأحياء لهم من عدالتها نصيبها ..
( Le certificat médical descriptif مثلا )
لم أتطرّق لكل التفاصيل في الموضوع و إلا كان ليطول أكثر
متشعّبة جدا ..


شكرا لمرورك أم أمينة ..
 
توقيع لمعانُ الأحداق
توقيع لمعانُ الأحداق
نصّك ليس مجرد حكاية تُروى، بل تجربة تُعاش بكل ثقلها....وأنا أقرأه شعرتُ أنني لا أقف أمام كلمات... بل أمام بابٍ فُتح ببطء على عالمٍ لا يسمح بالدخول إلا لمن يملك شجاعة الإصغاء....أعجبني أولًا هذا الهدوء الواثق في السرد... لا صراخ.. لا استعراض.. بل صدقٌ عارٍ يجعل القسوة أكثر حضورًا.... انتقالك من الطب العقلي إلى الطب الشرعي لم يكن انتقال تخصص... بل انتقال رؤية... من محاولة فهم النفس وهي تتكلم... إلى محاولة فهم الجسد بعد أن يصمت.... وهذه فكرة عميقة جدًا... صادمة في بساطتها.....
قولك إن الطب الشرعي «عالم يبدأ حيث تتوقف كل الحكايات» جملة تختصر فلسفة كاملة... هناك لا كذب لا أقنعة لا تبريرات… فقط حقيقة مكتوبة على الجسد... وعلى من يقرأها أن يكون أمينًا وقاسيًا بالقدر الكافي.... وهذا ما نجحتِ في نقله....قسوة الصدق.. وصمتٍ يصرخ...
كما أن وصفك لنفسك بـ«طالبة مجبر لا بطل» أضفى إنسانية عالية على النص.... لم تدّعي القوة... بل اعترفتِ بالرهبة..وهذا ما يجعل التجربة أصدق وأقرب. القارئ لا يشعر أنكِ فوق الحدث، بل داخله، تتغيرين معه، وتتركينه يترك أثره عليك....نصّك يطرح سؤالًا خفيًا لكنه ثقيل.......
كيف نواصل العيش بعد أن نرى النهاية عن قرب؟
وكيف نحافظ على إنسانيتنا ونحن نتعامل يوميًا مع ما بعد الإنسانية؟
وأخيرا أضيف تخوفي الكبير والعميق من اكثر جزء أساسي من الطب الشرعي...وهو التشريح المخيف،
ليس فقط لمواجهة الجسد المكشوف،
بل لمواجهة الحقيقة بلا وسائط أو أقنعة.
هو درس صامت عن الحياة والموت،
ويذكّرك بأن كل شيء يزول، ويبقى فقط ما نتركه من أثر ..تقبلي مروري
بانتظار الغوص معك في بقية الرحلة.
 
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
ما جدت به يا مكارم ليس سردا لتجربة دراسية فحسب، بل شهادة علمية وإنسانية عميقة نابعة من موقع طالبة طب وجدت نفسها وجهًا لوجه أمام أكثر فروع الطب صمتا وقسوة.
وما لفتني — كطالبة قانون — أن الطب الشرعي الذي وصفته بهذه الدقة هو في جوهره حلقة الوصل الأصدق بين الطب والقانون
فهو العلم الذي يتكلم حين يعجز الجميع.. ويمنح العدالة أدواتها عندما لا يبقى سوى الجسد شاهدا.
كل تفصيل من التفصيلات التي ذكرتها ليس معطى طبيًا معزولًا، بل دليل قانوني تُبنى عليه التكييفات الجنائية، وتُحسم به قضايا مصيرية بين انتحار وقتل، وبين حادث وجريمة مدبرة.
وهنا تتجلى قيمة الشرطة العلمية، التي لا تحاكم بالعاطفة، بل بالقرينة، ولا تعتمد الانطباع، بل الأثر.
نصّكِ يذكّرنا بأن العدالة لا تقوم وحدها،
وأن القانون — مهما بلغ من دقة — يحتاج إلى هذا العلم الصامت ليحمي الحقيقة من التزييف، ويحفظ كرامة الإنسان حتى بعد موته.
شكرا لك أختي على هذا النص العميق،
الذي لم يكتفِ بشرح العلم، بل أعاد إليه بُعده الإنساني،
وجعلنا — نحن دارسي القانون — نُدرك أن وراء كل ملف، جسدًا، وحكاية، وحقيقة لا تحتمل الخطأ.
و هذا ما شدّ انتباهي أيضًا
أود أن أضيف نقطة مهمة
من وجهة نظر قانونية : القانون يُلزم الطبيب بالاستجابة للتسخيرة المقدمة من طرف العدالة - La réquisition -
سواء من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ، و لا يحق له رفضها [ رفضها يعرضه لعقوبات كالسجن و غرامات مالية ]
هذه التسخيرة لا تقتصر على الجرائم فقط ، بل تشمل مختلف الاعتداءات و الإصابات التي تُرفع على شكل قضايا
و هو ما يمنح الطبيب الشرعي دور الفصل العلمي بين الحدث و الأثر
فالطبيب يحدد ما إذا كانت الإصابة حديثة أم قديمة ،
و ما إذا كانت الشكوى قد رفعت متأخرة أو أن الآثار لا تتناسب و القصة
و ما إذا كانت الإصابة المحددة هي التي أدت إلى وفاة الضحية أم أن سبب الوفاة آخر
بما يضمن توجيه العدالة بشكل صحيح و دقيق
هذا الدور هو ما يجعل الطب الشرعي سندًا حقيقيًا للعدالة
إذ يُترجم العلم إلى أداة قضائية تمنع التزييف و تحمي حقوق الإنسان
كما قلتِ "
دليل قانوني تُبنى عليه التكييفات الجنائية، وتُحسم به قضايا مصيرية "
و أنتِ أدرى بالقانون مني ..
لهذا شبهته بكونان .. حل القضايا و كشف خباياها اعتمادا على علم و دلائل

detective conan japan GIF


شكرا لك للمرور الجميل أماني ..

أسعدني 🌸
 
توقيع لمعانُ الأحداق
برافو إكرام 👏🏻👏🏻

أحيّيك على طريقة سردك الشيّقة لدروس علمِ الجُثث ، ودعيني أخبرك أن شرحكِ هذا من أمتعِ ما قرأت ، حتّى أنّني أعدت النصّ مرات ومرّات ، هَذا العِلم الذي يظهر جامِدا لمن هو غريبٌ عنه ، حيّ لمن سبر أغوارَه ..

وصفكِ الدّقيق للموت ، الجُثّة ، العفن ، التحلّل .. كلّها معطيات لنفهم شيئًا واحِدا : أن الموت علمٌ قائم بذاتِه لا يرضَى أن يكون على الهامِش ، وأن خُروج الرّوح وحدهُ ليس كافيًا لنُعلن " النّهاية "، طالما أن الجسد باقٍ فالتّحقيقُ باقٍ ، ووحدهُ للمحقّق كونان قادِرٌ على وضعِ النّهاية - هذا إن وُجدت- ، فبعضُ البداياتِ لا يُمكن فهم نهايتِها ..

هنُا المُفارقاتُ عجيبةٌ جدّا ، فليس من مات حرقًا كمن أُحرق بعد الموت ولا من شنق نفسهُ كمن علّقوه على المشنقة ،و عندما يتعلّق الأمر بلغة الجسد فحتّى لون الجلد له معنًى و كلّ شيء يحكي السرّ الدّفين الذي لم يُسعف الوقتُ صاحبَهُ للإفصاحِ عنه ..

أمّا المسؤوليّة فلا أظنها تقتصِر على أطباء علم الجثث فقط ، فكلّ من ولج عالم الطبّ مسؤول ، وكل من اقتحمَ هذا العلمَ مُراقب من اللّه قبل القَانون ، فأينما وُجدت الإنسانية وجدت معها الأمانَة ، ولا مكَان للخطأ هُنا ..

ربّما لم أعطِ النصّ حقّه ، ولكنّني أبهرت به فعلا ، وصلت إليّ المعاني قبل الأحرف ، والمشاعِر قبل كلّ شيء ..

أبدعتِ بحقّ إكرام ..
في انتظار تجاربك مع طب الجلد والعيون..

تقبّلي مروري .. تحيّة عطرة ..
سرني أنك شعرت بعمق ما حاولت نقله من بين ثنايا هذه المادة
و أن النص تجاوب مع مشاعرك و فهمك لأبعاد الموت و عالم التحقيقات الطبية
بالفعل ، لكل علم روحٌ تنبض خلف مفرداته .. لكل مهنة أبعادها الخفية

كما تفضلتِ
أؤمن أن مسؤولية الطبيب لا تقتصر على المهنة وحدها
بل تمتد لتشمل أمانة الحقيقة و مراقبة الضمير
هو شاهد على قصص لم تُروَ بعد ، ويحمل مسؤولية إنصاف الحقيقة مهما كانت صعبة

بالنسبة لطب العيون و الأمراض الجلدية
للأسف
سيطول انتظارك ربما للأبد
لن تكون لي تجربة حية فيهما لأرويها هنا
لا وجود لمصلحة أمراض الجلد في مستشفانا الجامعي
أما العيون أظنها تخضع لترميمات - بنائية - لذا تم نقل المصلحة جزئيا لمكان آخر
( خيرتي زوج لي موديل لي مافيهمش سطاج تنتظري تجربتي فيهم :( )

[ غير إذا درت وحدة فيهم كتخصص .. :unsure: ]

أشكر لك تواجدك غاليتي ..
أتحفينا بتجاربك أنتِ الأخرى كما اقترحت الأخت @أم إسراء
حتى نعيش معك بعضها

تحية طيبة
 
توقيع لمعانُ الأحداق
نصّك ليس مجرد حكاية تُروى، بل تجربة تُعاش بكل ثقلها....وأنا أقرأه شعرتُ أنني لا أقف أمام كلمات... بل أمام بابٍ فُتح ببطء على عالمٍ لا يسمح بالدخول إلا لمن يملك شجاعة الإصغاء....أعجبني أولًا هذا الهدوء الواثق في السرد... لا صراخ.. لا استعراض.. بل صدقٌ عارٍ يجعل القسوة أكثر حضورًا.... انتقالك من الطب العقلي إلى الطب الشرعي لم يكن انتقال تخصص... بل انتقال رؤية... من محاولة فهم النفس وهي تتكلم... إلى محاولة فهم الجسد بعد أن يصمت.... وهذه فكرة عميقة جدًا... صادمة في بساطتها.....
قولك إن الطب الشرعي «عالم يبدأ حيث تتوقف كل الحكايات» جملة تختصر فلسفة كاملة... هناك لا كذب لا أقنعة لا تبريرات… فقط حقيقة مكتوبة على الجسد... وعلى من يقرأها أن يكون أمينًا وقاسيًا بالقدر الكافي.... وهذا ما نجحتِ في نقله....قسوة الصدق.. وصمتٍ يصرخ...
كما أن وصفك لنفسك بـ«طالبة مجبر لا بطل» أضفى إنسانية عالية على النص.... لم تدّعي القوة... بل اعترفتِ بالرهبة..وهذا ما يجعل التجربة أصدق وأقرب. القارئ لا يشعر أنكِ فوق الحدث، بل داخله، تتغيرين معه، وتتركينه يترك أثره عليك....نصّك يطرح سؤالًا خفيًا لكنه ثقيل.......
كيف نواصل العيش بعد أن نرى النهاية عن قرب؟
وكيف نحافظ على إنسانيتنا ونحن نتعامل يوميًا مع ما بعد الإنسانية؟
وأخيرا أضيف تخوفي الكبير والعميق من اكثر جزء أساسي من الطب الشرعي...وهو التشريح المخيف،
ليس فقط لمواجهة الجسد المكشوف،
بل لمواجهة الحقيقة بلا وسائط أو أقنعة.
هو درس صامت عن الحياة والموت،
ويذكّرك بأن كل شيء يزول، ويبقى فقط ما نتركه من أثر ..تقبلي مروري
بانتظار الغوص معك في بقية الرحلة.

بالضبط
انتقالنا من محاولة فهم ما ينبض داخل النفس إلى مواجهة ما يسكت عنه الجسد
يحمل طبقات من المعنى
بعضها ثقيل لكنه ضروري
ما ذكرته عن مواجهة النهاية و الحفاظ على إنسانيتنا بعد الاحتكاك بما يفوق قدرة الخيال
هو جوهر التجربة نفسها
[ الطبيب الشرعي يعتاد .. لا أحد يستعصي على ترويض الزمان كما قالت رضوى ]

سرني وجودك كــــاري

شكرا لمداخلتك 🌸
 
توقيع لمعانُ الأحداق
السلام عليكم و رحمة الله

عساكم بخير أفاضل لمتنا
سأطلبُ منك أخي اللماوي أن تأخذ نفسا عميقا مرة أخرى
لأنك على وشك أن تغوص في تجربة ثانية سأصفها هذه المرة بكونها علمية
أقول " مرة أخرى و ثانية "
لأن الأولى كانت في موضوعي :

بعد عالم الطب العقلي ،
حيث النفس البشرية متاهة بلا خرائط ،
فُتح أمامي عالم آخر ،
مذهل في دقّته ،
قاسٍ في صدقه ،
صامت .. لكنه لا يكفّ عن الكلام ..

سآخذك اليوم .. في جولة - طبية - فيه

ما كنتُ لأدخله بإرادتي

ألا و هو

" الطب الشرعي - Médecine légale "


===

لم أدخل مصلحة الطب الشرعي بدافع الفضول ، و لا بروح المغامرة
و لهذا قلتُ بادئ الأمر ما كنتُ لأدخلها بإرادتي
دخلتها بصفتي طالبة [ مُجبر لا بطل ]
دخلتها بحذرٍ داخلي ،
كمن يطرق بابًا يعرف أن خلفه شيئًا سيغيّره ..
و لا يعرف إن كان مستعدًا لذلك التغيير

أظنّ أنني بدأت أعتاد مواجهة القسوة بعد سنوات من دراسة المرض ، و الاضطراب النفسي ، و الألم الإنساني
لكنني اكتشفت سريعًا أن الطب الشرعي لا يشبه شيئًا سبق أن عرفته ..
عالمٌ آخر ،
عالمٌ لا يشبه الحياة ،
و لا يشبه المرض ،
و لا يشبه الجنون

هو عالم يبدأ حيث تتوقف كل الحكايات ، و يُطلب منك فيه أن تُنصت إلى الجسد بعد أن يفقد صوته
العالم الذي يبدأ بعد أن ينتهي كل شيء

e5cc8ae81b08a2c03086440f97a2a569.jpg


===

في هذا المكان ، لا علاج و لا وعود بالشفاء
هناك حقيقة فقط ،
مجرّدة، دقيقة، لا تقبل التأويل العاطفي
و مع ذلك ، فإنها تمسّ الداخل بعمق
غير متوقّع ..

لا أحد يطلب المساعدة ،
و لا أحد يشتكي ،
و لا أحد يتألم أمامك
لكن ..

كل شيء يقول شيئًا

===

الموت
ليس لحظة واحدة كما نتصوّره ،
ليس فكرة فلسفية ،
و لا صورة ذهنية ،
و لا كلمة نرددها
الموت علم ،
له قوانينه ، وله علاماته
وله توقيت دقيق لا يرحم الخطأ
سلسلة من التحوّلات ، لكل منها توقيتها و معناها
الجسد لا ينهار فجأة ، بل يغادر الحياة تدريجيًا ، تاركًا وراءه علامات واضحة لمن يعرف قراءتها

===

عرفتُ كيف يمكن التمييز بين الحي و الميت
ليس بالإحساس أو الانطباع
بل بالعلامات العلمية القاطعة

علامات غياب الحياة ، حيث تختفي الوظائف الأساسية
دون أن يرافقها بالضرورة تغيّر شكلي مباشر : غياب النبض ، توقف التنفس ، حدقات لا تستجيب
حضور جسدي كامل ، يقابله فراغ وظيفي تام

في المقابل
هناك ما يُعرف
بعلامات الموت الإيجابية
التي لا يظهر معها أي شك
التيبّس على سبيل المثال ، حين تتصلّب العضلات لأن الجهاز العصبي لم يعد يوجّهها
علامة لا تأتي فورًا ، بل بعد مرور ساعات ، و تخبرنا أن الوفاة حدثت بالفعل ولم تعد لحظة راهنة

أما اللطخ lividités cadavériques
- لا أعلم إن كان هذا اسمها بالعربية تماما -
هي تغيّر لون الجلد نتيجة تجمع الدم في الأجزاء المنخفضة من الجسد بعد توقف القلب
التلوّن البنفسجي المزرق ،
حين ينصاع الدم أخيرًا لقانون الجاذبية ،
فيتجمع في الأجزاء المنخفضة من الجسد ،
كأن الجسد يرسم خريطته الأخيرة
هذه العلامة لا تؤكد الموت فقط
بل تكشف أيضًا عن وضعية الجثة بعد الوفاة
و تمنحنا فكرة دقيقة عن الزمن الذي انقضى
[ حتى بعد الصمت الكامل، لا يزال الجسد يروي قصته ]

ثم جاء الحديث عن تعفّن الجثة ، وهو من أكثر الدروس ثقلًا على النفس
التعفّن ليس مشهدًا واحدًا
عملية تدريجية يعود فيها الجسد إلى الطبيعة
وتتقدّم فيها البكتيريا حيث توقفت الحياة [ كيف تنتصر البكتيريا حين نسقط نحن ]
تغيّر اللون ، الانتفاخ ، الروائح ، كلها مظاهر علمية دقيقة ، لكنها تترك أثرًا نفسيًا لا يمكن تجاهله

في هذا السياق، فهمتُ
معنى الكفن و الدفن - بطريقة مختلفة -
لم أعد أراهما طقسًا دينيًا فقط
بل فعلًا إنسانيًا يحفظ كرامة الجسد بعد الموت - فعلُ رحمة -
و يمنح النهاية شكلًا من الاحترام و النظام
بدل الفوضى التي قد يفرضها التحلل الطبيعي

===

عن حالات الشنق و الاختناق ، حيث لا تكفي النظرة السطحية للحكم
فليس كل شنق انتحارًا
و ليس كل اختناق واضح الأسباب
هناك تفاصيل دقيقة تُفرّق بين من أنهى حياته بنفسه ، و من تعرّض للقتل ،
و بين من مات معلقًا و من عُلّق بعد وفاته لتُضلّل الحقيقة
آثار على الرقبة ، وضعية العقدة ، الاحتقان ، النزوف الدقيقة ، حالة العظم
زرقة الوجه ،
لسانٌ متدلٍّ ،
عيونٌ جاحظة ..
كل تفصيلة تهمس بالحقيقة لمن يعرف لغتها
عناصر تُستخدم لإعادة بناء ما حدث ، بهدوء و دقّة

===

كما تعرّفتُ على كيفية التمييز بين من مات حرقًا و من قُتل ثم أُحرق
وجود الدخان في المجاري التنفسية ، نسبة أول أكسيد الكربون في الدم ،
و وضعية الجسد ،
كلها مؤشرات علمية تكشف إن كان الإنسان حيًا وقت اشتعال النار
حتى الحريق ، رغم قسوته ، لا يُخفي الحقيقة تمامًا

- الاختناق لا يكون حبلًا فقط ،

قد يكون يدًا ،
وسادة ،
دخانًا ،
ماءً ..

و أن الرئتين تحفظان السر حتى بعد الموت -

===

أما الجروح والإصابات .. ذاكرة الجسد
لون الكدمة يتغير مع الزمن ، ويمنحنا فكرة عن عمر الإصابة
عرفتُ الفرق بين الجرح الحيوي و الجرح بعد الوفاة
النزف يُفرّق بين جرح حدث أثناء الحياة و آخر وقع بعد الوفاة
و حتى الإصابات بالأسلحة النارية ليست مجرد ثقوب في الجسد ،
بل رسائل تحمل معلومات عن المسافة ، و نوع السلاح ، و اتجاه الطلقة
شكل المدخل و المخرج ،
الوشم البارودي ..

===

و في قلب كل ذلك، يظل القانون حاضرًا بقوة
الطبيب الشرعي ليس مراقبًا محايدًا فقط
بل مسؤول قانونيًا و أخلاقيًا
تقرير واحد قد يغيّر مصير شخص ، و قد يُنصف بريئًا أو يُدين مذنبًا
الخطأ هنا لا يُعدّ زلّة ، بل قد يكون جريمة بحد ذاته
[ الحقيقة .. مصير ]

أستاذنا شاركنا بعضًا من تجاربه في المصلحة ،
قصصًا غريبة، قاسية ، لا يمكن روايتها خارج إطار التعليم ،
لأنها تدخل ضمن السر الطبي البحت
كنت أستمع و أشعر أن بعض الوقائع أثقل من أن تُروى كاملة
قضايا غريبة ،
عن جثث تكلمت بعد صمت

===

يصبح الطبيب محققًا
أشبه بشخصية كونان

19fef0cf0b848e1f5fe54d9b641af4ce.jpg


يقف أمام الجسد كأنه يقرأ كتابًا مغلقًا بأسراره
يلاحظ كل تفصيلة ، يصوّر كل أثر ، يفحص كل خدش وكل كدمة ،
كما لو كانت كلمات مكتوبة على الجلد
يتمعّن في وضعية الجثة ، في تغير لون البشرة ، في آثار الزمن ،
في كل ما يبدو للبعض عابرًا
لكنه يعرف أنه مفتاح الحقيقة
و من خلال هذه المراقبة الدقيقة
و التفكير - الصبور - ،
تبدأ الخيوط بالتشابك ، و تتكشف القصة المخفية في الصمت
يصبح الجسد شاهدا صامتا ، يروي أحداثه لأولئك القادرين على الإصغاء
ويكشف عن الأسرار التي قد تغيّر مجرى العدالة

===

رغم كل هذا الفهم ، و كل هذه المعرفة ،
اصطدمتُ بحدودي الإنسانية
الصور التي عُرضت علينا كانت قاسية على قلبي

لم أستطع النظر إليها
في كل مرة تُعرض صورة لجثة أو جرح عميق أو تشريح حقيقي
أجدني أخفض رأسي
و أنتظر تغيير العَرض للكتابة ..
لم أحتمل المواجهة المباشرة
و حين قُسّمنا إلى أفواج لدخول - تشريح الجثة -
( autopsie )
لم أمتلك الشجاعة للدخول
تراجعتُ بصمت
من حسن حظي أن التشريح كان اختياريًا
فشخص مثلي يستطيع أن يدرس الموت ، أن يفهمه ، و أن يكتب عنه ،
لكنه لا يستطيع مواجهته مباشرة بهذه الطريقة
[ لم أشعر بالخجل من ذلك .. شعرت أنني تعرّفت إلى حدٍّ إنساني في داخلي لا أريد تجاوزه ]

===

خرجتُ من مادة الطب الشرعي أكثر وعيًا
و أكثر احترامًا للجسد الإنساني
و أقل اندفاعًا في الأحكام
تعلّمتُ أن الطب ليس دائمًا إنقاذًا
أحيانًا شهادة صامتة لصالح الحقيقة
و أن بعض الأطباء لا يعالجون الأحياء

هم ينصفون الموتى

( أكيد هناك تفاصيل أخرى لم أروِها تَحَفُّظا )


===
تحيّة طيبة
[
لمعانُ الأحداق ]


عُــــذرا على الإطـــــــــالة ..
كم انتِ رائعه يا دكتوره …
هذا الموضوع يجب ان يحفظ في سجل الأطباء وأرشيف مراجعاتهم لأهميته ولتشمل فوائده كل المهتمين انه طرح قل نظيره فهو يفوق بحث الباحثين واجتهاد المجتهدين انه علم قائم بحد ذاته ..
شكرا لمعان الأحداق …
 
توقيع aljentel
سرني أنك شعرت بعمق ما حاولت نقله من بين ثنايا هذه المادة
و أن النص تجاوب مع مشاعرك و فهمك لأبعاد الموت و عالم التحقيقات الطبية
بالفعل ، لكل علم روحٌ تنبض خلف مفرداته .. لكل مهنة أبعادها الخفية

كما تفضلتِ
أؤمن أن مسؤولية الطبيب لا تقتصر على المهنة وحدها
بل تمتد لتشمل أمانة الحقيقة و مراقبة الضمير
هو شاهد على قصص لم تُروَ بعد ، ويحمل مسؤولية إنصاف الحقيقة مهما كانت صعبة

بالنسبة لطب العيون و الأمراض الجلدية
للأسف
سيطول انتظارك ربما للأبد
لن تكون لي تجربة حية فيهما لأرويها هنا
لا وجود لمصلحة أمراض الجلد في مستشفانا الجامعي
أما العيون أظنها تخضع لترميمات - بنائية - لذا تم نقل المصلحة جزئيا لمكان آخر
( خيرتي زوج لي موديل لي مافيهمش سطاج تنتظري تجربتي فيهم :( )

[ غير إذا درت وحدة فيهم كتخصص .. :unsure: ]

أشكر لك تواجدك غاليتي ..
أتحفينا بتجاربك أنتِ الأخرى كما اقترحت الأخت @أم إسراء
حتى نعيش معك بعضها

تحية طيبة
نعم شعرتُ بعمقها رغم أنني لم أدرسها بعد ، ورغم معلوماتي البسيطة جدّا عنها إلا أنني أُغرمتُ بها من خلال وصفكِ ..

نجحت في نقل الصّورة من المشفى إلى القلب ، ومن الأوراق إلى العقول ..

اااه الانصاف.. كم هُو صعب ، عندما تجد نفسك بين حمايةِ المريض وحماية نفسِك ثمّ تفضّل ذلك الكائن الضّعيف وهنا تكمن الإنسانية ..

اخترت العيون والجلدية لأن المواد الحية الوحيدة في السنة السادسة ( طب العمل و ال épidémio لا تربّص فيهما )

لكن من يدري .. ربّما سنراكِ متخصصة ذات يوم في كلّ العيون أو الجلدية.. وإن طال الانتظار حتما سينتهي ☺️

طيّب بإذن الله ، سأصدقك القول ، حفزتني لكتابة البعض من تجاربي لأملأ هذا البياض نفعًا ..

إن شاء الله 🌸
 
كم انتِ رائعه يا دكتوره …
هذا الموضوع يجب ان يحفظ في سجل الأطباء وأرشيف مراجعاتهم لأهميته ولتشمل فوائده كل المهتمين انه طرح قل نظيره فهو يفوق بحث الباحثين واجتهاد المجتهدين انه علم قائم بحد ذاته ..
شكرا لمعان الأحداق …

أشكر لك إطــراءك ..
ما كانت سوى تجربة متواضعة
علوم سبقونا إليها و ندرسها نحن الآن ..

أهلا بك .. شكرا لمرورك و تواجدك

تحية طيبة
 
توقيع لمعانُ الأحداق
نعم شعرتُ بعمقها رغم أنني لم أدرسها بعد ، ورغم معلوماتي البسيطة جدّا عنها إلا أنني أُغرمتُ بها من خلال وصفكِ ..

نجحت في نقل الصّورة من المشفى إلى القلب ، ومن الأوراق إلى العقول ..

اااه الانصاف.. كم هُو صعب ، عندما تجد نفسك بين حمايةِ المريض وحماية نفسِك ثمّ تفضّل ذلك الكائن الضّعيف وهنا تكمن الإنسانية ..

اخترت العيون والجلدية لأن المواد الحية الوحيدة في السنة السادسة ( طب العمل و ال épidémio لا تربّص فيهما )

لكن من يدري .. ربّما سنراكِ متخصصة ذات يوم في كلّ العيون أو الجلدية.. وإن طال الانتظار حتما سينتهي ☺️

طيّب بإذن الله ، سأصدقك القول ، حفزتني لكتابة البعض من تجاربي لأملأ هذا البياض نفعًا ..

إن شاء الله 🌸

يُعجبون به
لما فيه من علم و تفسيرات " كونانية "
لكن قليلون من يحلمون به كتخصص
نظرا للتعامل المباشر فيه مع العدالة و القانون
و العقوبات الصارمة ..
و بُعده نوعا ما عن العلاج و الفحص

[ تحسي لي موديل لي مالقاولهمش بلاصة حطوهم فالسيزيام
مازال كاين الخير راه فيها 9 مقاييس .. سيستام و جيرياتري و مازال مازال .. ]

في المتابعة ..

بانتظارك
 
آخر تعديل:
توقيع لمعانُ الأحداق
العودة
Top Bottom