-*- الأحاديث الأربعون النووية -*-مع الشرح-*- (نرجوا التثبيت)

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
الحديث الحادى والعشرون

الايمان والاستقامة:
عن ابى عمرو وقيل:ابى عمرة سفيان بن عبد الله رضى الله عنه قال:قلت يا رسول الله قل لى فى الاسلام قولا لا اسال عنه احداغيرك قال:"قل آمنت بالله ثم استقم" رواه مسلم.

الشرح:
معنى"قل آمنت بالله ثم استقم"يعنى قولا يكون جامعا واضحا بيناوآمنت بالله هذا بالقلب والاستقامة تكون بالعمل فاعطاه النبى صلى الله عليه وسلم كلمتين تتضمنان الدين كله ف"آمنت بالله"يشمل ايمانا بكل ما اخبر الله به عز وجل عن نفسه وعن اليوم الاخر وعن رسلهوتتضمن ايضا الانقياد ولهذا قال"ثم استقم" وهو مبنى على الايمان ومن ثم اتى ب"ثم"الدالة على الترتيب والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومتى بنى الانسان حياته على هاتين الكلمتين فهو سعيد فى الدنيا والاخره
فهذا الحديث من فوائد حرص الصحابه رضى الله عنهم على السؤال عما ينفعهم فى دينهم ودنياهم
ومنها عقل ابى عمرو او ابى عمرة حيث سأل هذا السؤال العظيم الذى فيه النهايه ويستغنى عن سؤال اى احد حيث قال:قل لى فى الاسلام قولا لا اسأل عنه احدا غيرك
ومنها انه اجمع وصيه وانفع وصيه ما تضمنه هذا الحديث الايمان بالله ثم الاستقامه على ذلك بقوله \منت بالله ثم استقم) ومن فوائد هذا الحديث : ان الايمان بالله لا يكفى عن الاستقامه بل لابد من ايمان بالله واستقامه على دينه. ومنها : ان الدين الاسلامى مبنى على هذين الامرين, الايمان ومحله القلب,والاستقامه ومحلها الجوارح,وان كان للقلب منها نصيب لكن الاصل انها فى الجوارح والله اعلم.
 
الحديث الثانى والعشرون
الطريق الى الجنه:
عن ابى عبد الله بن الجابر بن عبد الله النصارى رضى الله عنهما ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال:ارايت اذا صليت المكتوبات وصمت رمضان واحللت الحلال وحرمت الحرام ولم ازد على ذللك شيئا أأدخل الجنه, قال :نعم
قال النووى :ومعنى حرمت الحرام:اجتنبته,ومعنى أحللت الحلال :فعلته معتقدا حله.

الشرح: الحديث الثانى و العشرون عن ابى عبد الله جابر بن عبد الله الانصارى رضى الله عنهما ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالأرأيت) بمعنى : اخبرنى (ارايت اذ صليت المكتوبات ) بمعنى الفرائض وهى الفرائض الخمس والجمعه وصمت رمضان وهو الشهر الذى بين شعبان وشوال,(واحللت الحلال) اى فعلته معتقدا حله (وحرمت الحرام)اى اجتنبته معتقدا تحريمه(ولم ازد على ذلك اادخل الجنه؟ قال :نعم؟)
وهذا الحديث لم يذكر فيه الزكاه ولم يذكر فيه الحج فاما ان يقال :ان ذلك داخلا فى قوله (حرمت الحرام) لان ترك الحج حرام وترك الزكاه حرام .
ويمكن ان يقال :اما بالنسبة للحج فربما يكون هذا الحديث قبل فرضه واما بالنسبة للزكاة فلعل النبى صلى الله عليه وسلم علم من حال هذا الرجل انه فقير وليس من اهل الزكاة فخاطبه على قدر حاله
وفى هذا الحديث من الفوائد:حرص الصحابة على سؤال النبى صلى الله عليه وسلم
وفيه ان الغاية من هذه الحياة هى دخول الجنة
وفيه ايضا:اهمية الصلوات المكتوبات وانها سبب لدخول الجنة مع باقى ما ذكر فى الحديث
وفيه ايضا:اهمية الصيام
وفيه:وجوب احلال وتحريم الحرام اى ان يفعل الانسان الحلال معتقدا حله وان يتجنب الحرام معتقدا تحريمه ولكن الحلال يخير فيه الانسان ان شاء فعله وان شاء لم يفعله اما الحرام فلابد ان يتجنبه ولابد ان يصطحب هذا اعتقادا اى ان تفعل الحلال معتقدا حله والحرام تجتنبه معتقدا تحريمه
ومن فوائد هذا الحديث:ان السؤال معاد فى الجواب فان قوله:"نعم" يعنى تدخل الجنة
 
الحديث الثالث والعشرون

وسائل الخير:
عن ابن مالك الحارث بن عاصم الاشعرى رضى الله عنه قال قال النبى صلى الله عليه وسلم:"الطهور شطر الايمان والحمد لله تملا الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والارض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك او عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها" رواه مسلم.

الشرح:
"شطر الايمان " اى نصفه وذلك ان الايمان تخلى وتحلى اما التخلى فهو التخلى عن الاشراك لان الشرك بالله نجاسة
فلهذا كان الطهور شطر الايمان وقيل ان معناه ان الطهور للصلاة شطر الايمان لان الصلاة ايمان ولا تتم الا بطهور
"والحمد لله تملا الميزان"اى وصف الله تعالى بالمحامد والكمالات الذاتية والفعلية تملا الميزان اى ميزان الاعمال لانها عظيمة عند الله عز وجل
والجمع بين سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والارض وذلك لعظمهما لاشتمالهما على تنزيه الله تعالى عن كل نقص وعلى اثبات الكمال لله
وان الصلاة هى نور فى القلب واذا استنار القلب استنار الوجه وهى كذلك نور يوم القيامة
والصدقة دليل على صدق صاحبها وانه يحب التقرب الى الله وذلك لان المال محبوب الى النفس ولكنه يضحى به من اجل التقرب الى الله ومن اجل الثواب
والصبر بانواعه الثلاثة :صبر على طاعة وصبر عن معصية وصبر على اقدار الله هو ضياء اى يعنى نور مع حرارة وهو كذلك لانه شاق على النفس
والقرآن ان عملت به كان حجة لك وان اعرضت عنه كان حجة عليك
وان الانسان اذا عمل بطاعة واستقام فقد اعتق نفسه اى حررها من رق الشيطان والهوى وان كان الع** فقد اهلكها
ففى هذا الحديث من فوائد:
الحث على الطهور
الحث على حمد الله وتسبيحه
الحث على الصلاة
الحث على الصدقة
الحث على الصبر
ان القرآن حجة للانسان او عليه
 
الحديث الرابع والعشرون

حرمة الظلم:
عن ابى ذر الغفارى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل انه قال:"يا عبادى انى حرمت الظلم على نفسى وجعلته بينكم محرما فلا تظلموا يا عبادى كلكم ضال الا من هديته فاستهدونى اهدكم يا عبادى كلكم جائع الا من اطعمته فاستطعمونى اطعمكم يا عبادى كلكم عار الا من **وته فاست**ونى ا**كم يا عبادى انكم تخطئون باليل والنهار وانا اغفر الذنوب جميعا فاستغفرونى اغفر لكم يا عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى يا عبادى لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على اتقى قلب رجل واحد منكم ما ذاد ذلك فى ملكى شيئا يا عبادى لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم كانوا على افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكى شيئا يا عبادى لو ان اولكم واخركم وانسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسالونى فاعطيت كل واحد مسالته ما نقص ذلك مما عندى الا كما ينقص المخيط اذا ادخل البحر يا عبادى انما هى اعمالكم احصيها لكم ثم اوفيكم اياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه" رواه مسلم.

الشرح:
هذا الحديث من الاحاديث القدسية لان النبى يرويه عن الله تعالى وقد بين الله تعالى انه حرم الظلم على نفسه فلا يظلم احدا
وانه جعل الظلم محرما بيننا وان العباد كلهم ضال الا من هداه الله وانه يجب طلب الهداية من الله وان العباد كلهم جياع الا من اطعمه الله ولذلك طلب من العباد ان يستطعموه ليطعمهم وذلك لان الذى يخرج الزرع ويدر الضرع هو الله
وان الناس يخطئون باليل والنهار ولكن هذا الخطاء له دواء-ولله الحمد-وهو ان يطلبوا المغفرة والمغفرة هى ستر الذنب مع التجاوز عنه
وان الله تعالى غنى عن العالمين ولو كفر كل اهل الارض فلن يضروا الله شئ ولو آمن كل اهل الارض لن ينفعوا الله شيئا
وان لو كل العالمين اتقوا الله ما زاد ذلك فى ملك الله شيئا ولو ان كل العالمين عصوا الله ما نقص ذلك من ملكه شيئا وانه لو اعطى كل انسان مسالته ما نقص ذلك من ملكه شيئا
وان الاعمال تكتب على الانسان ويجازيه الله عليها
ومن فوائد هذا الحديث:ان الله حرم الظلم على نفسه لكمال عدله
وان الظلم بيننا محرم والظلم يكون فى الدماء والاموال والاعراض
وان الاصل فى الانسان الضلال والجهل والغى والظلم
ومن فوائده: وجوب طلب الهداية من الله
ومن فوائد هذا الحديث:ان كل العباد جائعون الى الطعام الا من اطعمه الله ويترتب على هذه الفائدة سؤال الانسان ربه واستغناؤه عن سؤال العباد
 
الحديث الخامس والعشرون
فضل الذكر:
عن ابى ذر رضى الله عنه ايضا ان اناسا من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله ذهب اهل الدثور بالاجور يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول اموالهم قال:"اوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ان بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة وامر بالمعروف صدقة ونهى عن منكر صدقة وفى بضع احدكم صدقة" قالوا: يا رسول الله اياتى احدنا شهوته ويكون له فيها اجر؟قال:"ارايتم لو وضعها فى حرام اكان عليه وزر فكذلك اذا وضعها فى الحلال كان له اجر" رواه مسلم.

الشرح:
هؤلاء الاناس من اصحاب الرسول كانوا فقراء واهل الدثور هم اهل الاموال
لما اشتكى الفقراء الى الرسول انه ذهب اهل الدثور بالاجور يصلون كما يصلون ويصومون كما يصومون ويتصدقون بفضول اموالهم يعنى والفقراء لا يتصدقون فبين لهم النبى الصدقة التى يطيقونها فقال:ان يقول الانسان سبحان الله صدقة والله اكبر صدقة والحمد لله صدقة ولا اله الا الله صدقة واذا امر شخصا ان يفعل طاعة فهذه صدقة واذا نهى شخصا عن منكر فان ذلك صدقة واذا اتى الرجل زوجته فان ذلك صدقة وكل هذا يطيقه الفقراء
وفى هذا الحديث من فوائد:
حرص الصحابة الى السبق فى الخيرات
ان كل قول يقرب الى الله فهو صدقة
الترغيب فى الاكثار من هذه الاذكار
ان الاكتفاء بالحلال عن الحرام يجعل الحلال قربة وصدقة
حسن تعليم الرسول بايراد كلامه على سبيل الاستفهام حتى يقنع المخاطب بذلك ويطمئن قلبه
 
الحديث السادس والعشرون

من طرق الخير:
عن ابى هريرة رضى الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة وتعين الرجل فى دابته فتحمله عليها او ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها الى الصلاة صدقة وتميط الاذى عن الطريق صدقة" رواه البخارى ومسلم.

الشرح:
كل سلامى اى كل عضو ومفصل من الناس عليه صدقة وذلك فى كل يوم تطلع فيه الشمس
والمعنى انه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الانسان صدقة يؤديها شكرا لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء ولكن هذه من افضل الصدقات
ومن الصدقات ان تعين اخاك المسلم فى دابته وايضا الكلمة الطيبة والخروج الى الصلاة وازالة الاذى عن الطريق من ماء او حجر او زجاج
وفى هذا الحديث فوائد منها:
ان كل انسان عليه صدقة كل يوم
ان كل ما يقرب الى الله من عبادة واحسان الى خلقه فانه صدقة

 
الحديث السابع والعشرون

البر والاثم:
عن النواس بن سمعان رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال"البر حسن الخلق والاثم ما حاك فى نفسك وكرهت ان يطلع عليه الناس" رواه مسلم.

الشرح:
البر كلمة تدل على الخير وكثرة الخير وحسن الخلق يعنى ان يكون الانسان واسع البال منشرح الصدر مطمئن القلب فاذا كان الانسان حسن الخلق مع الله ومع عباد الله حصل له الخير الكثير وانشرح صدره للاسلام
واما الاثم فبينه النبى بانه ما حاك فى نفسك وهو يخاطب النواس وهو صحابى جليل فلا يحيك فى نفسه
واما اهل الفسوق والفجور فان الاثام لا تحيك فى صدورهم ولا يكرهون ان يطلع عليها الناس
ولكن الكلام مع الرجل المستقيم فانه اذا هم بسيئة حاك ذلك فى نفسه وكره ان يطلع الناس على ذلك وهذا الميزان الذى ذكره النبى عليه الصلاة والسلام انما يكون مع اهل الخير
ومن فوائد هذا الحديث:
فضيلة حسن الخلق وان حسن الخلق من البر
ان ميزان الاثم ان يحيك بالنفس ولا يطمئن اليه القلب
ان المؤمن يكره ان يطلع الناس على عيوبه بخلاف المستهتر الذى لا يبالى
ان الانسان ينبغى له ان ينظر الى ما يكون فى نفسه دون ما يفتيه الناس به
 
الحديث الثامن والعشرون

وجوب لزوم السنة:
عن ابى نجيح العرباص بن سارية رضى الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا:يا رسول الله كانها موعظة مودع فاوصنا قال"اوصيكم بتقوى الله عز وجل والسمع والطاعة وان تأمر عليكم عبد فانه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة" رواه ابو داود والترمذى.

الشرح:
الوعظ هو التذكير المقرون بالترغيب او الترهيب وقالوا انها موعظة مودع لان موعظة المودع تكون موعظة بالغة قوية
وتقوى الله هى اتخاذ وقاية من عقابه بفعل اوامره واجتناب نواهيه وهذا حق الله عز وجل والسمع والطاعة يعنى لولاة الامور اى اسمعوا ما يقولون وما به يامرون واجتنبوا ما عنه ينهون
ومن فوائد هذا الحديث:حرص النبى صلى الله عليه وسلم على موعظة اصحابه كما انه حريص على ان يعظهم احيانا بتبليغهم الشرع
ومنها انه ينبغى للواعظ ان ياتى بموعظة مؤثرة فى الاسلوب وكيفية الالقاء ولكن بشرط الا ياتى باحاديث ضعيفة او موضوعة
ومن فوائد هذا الحديث:
ان العادة اذا اراد الانسان ان يفارق اصحابه واخوانه فانه يعظهم موعظة بليغة لقوله: كانها موعظة مودع
طلب الوصية من اصحاب العلم
انه لا وصية افضل من الوصية بتقوى الله عز وجل ...
 
الحديث التاسع والعشرون

طرق الجنة:
عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال:قلت يا رسول الله اخبرنى بعمل يدخلنى الجنة ويباعدنى عن النار قال"لقد سألت عن عظيم وانه ليسير على من يسره الله تعالى عليه تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت" ثم قال" الا ادلك على ابواب الخير:الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل فى جوف الليل" ثم تلا(تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون،فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين جزاء بما كانوا يعملون) السجدة
ثم قال"الا اخبرك برأس الامر وعموده وذروة سنامه الجهاد" ثم قال"الا اخبرك بملاك ذلك كله"قلت بلى يا رسول الله فاخذ بلسانه وقال"كف عليك هذا" قلت يا نبى الله وانا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال"ثكلتك امك وهل يكب الناس فى النار على وجوههم-او قال-على مناخرهم الا حصائد السنتهم؟! رواه الترمذى.

الشرح:
الجنة هى الدار التى اعدها الله عز وجل لعباده المتقين فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر
والنار هى الدار التى اعدها للكافرين وفيها من العذاب الشديد ما هو معلوم فى الكتاب والسنة وينبغى لكل مؤمن ان يكون هذا اهم شئ عنده ان يدخل الجنة ويباعد عن النار
وقول النبى صلى الله عليه وسلم"لقد سألت عن عظيم"اى شئ ذى عظمة وهو الفوز بالجنة والنجاة من النار
وعبادة الله هى القيام بطاعته امتثالا لامره واجتنابا لنهيه مخلصا له ولا نشرك به شيئا لانه من شرط العبادة الاخلاص له عز وجل
ومن العمل الذى يدخل الجنة ويباعد عن النار اقامة الصلاة ومعنى اقامتها ان تاتى بها مستقيمة تامة الاركان والواجبات والشروط وتكميلها بمكملاتها
وايتاء الزكاة وهى المال الذى اوجبه الله عز وجل يخرجه الانسان من اموال معينة بشروط معينة
وصوم رمضان وهو ايضا معلوم والصوم هو التعبد لله بالامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الى غروب الشمس
وحج البت الحرام وهو الكعبة لاداء المناسك
وهذه هى اركان الاسلام الخمسة ..
 
الحديث الثلاثون

حقوق الله و حدوده

عن أبى ثعلبة الخشنى جرثوم بن ناشر رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "ان الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، و حد حدودا فلا تعتدوها، و حرم أشياء فلا تنتهكوها، و سكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان، فلا تبحثوا عنها" حديث حسن، رواه الدارقطنى و غيره.

الشرح

قوله صلى الله عليه و سلم: "ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها" أى: أوجب ايجابا حتميا على عباده فرائض معلومة و لله الحمد، كالصلوات الخمس، و الزكاة، و الصيام، و الحج، و بر الوالدين، و صلة الأرحام، و غير ذلك.
"فلا تضيعوها" أى: لا تهملوها اما بترك، أو بالتهاون، أو ببخسها، أو نقصها.
"و حد حدودا" أى: أوجب واجبات و حددها بشروط و قيود. "فلا تعتدوها" أى: لا تتجاوزوها.
"و حرم أشياء فلا تنتهكوها" حرم أشياء مثل الشرك، و عقوق الوالدين، و قتل النفس التى حرمها الله الا بالحق، و الخمر، و السرقة، و أشياء كثيرة.
ى هذا الحديث من الفوائد:
- حسن بيان الرسول صلى الله عليه و سلم، حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين.
و من فوائده: أن الله تعالى فرض على عباده فرائض أوجبها عليهم على الحتم و اليقين.
و الفرائض قال أهل العلم: أنها تنقسم الى قسمين: فرض كفاية، و فرض عين.
فأما فرض الكفاية: فانه ما قصد فعله بقطع النظر عن فاعله، و حكمه أنه اذا قام به من يكفى سقط عن الباقين.

و فرض العين هو: ما قصد به الفعل و الفاعل، وو جب على كل أحد بعينه.
فأما الأول: فمثله الأذان و الاقامة و صلاة الجنازة و غيرها.
و أما الثانى: فمثل الصلوات الخمس و الزكاة و الصوم و الحج.
و قوله: "و حد حدودا" أى: أوجب واجبات محددة و معينة بشروطها.
 
الحديث الحادى و الثلاثون

فضل الزهد

عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال: جاء رجل الى النبى صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، دلنى على عمل اذا عملته أحبنى الله و أحبنى الناس، فقال: "ازهد فى الدنيا يحبك الله، و ازهد فيما عند الناس يحبك الناس" حديث حسن. رواه ابن ماجه و غيره بأسانيد حسنة.

الشرح

عن أبى العباس سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه- قال: جاء رجل الى النبى صلى الله عليه و سلم و لم يبين اسم الرجل، لأنه ليس هناك ضرورة الى معرفته اذ أن المقصود معرفة الحكم و معرفة القضية. فقال: "يا رسول الله، دلنى على عمل اذا عملته أحبنى الله، و أحبنى الناس" و هذا الطلب لا شك أنه مطلب عالى يطلب فيه هذا السائل ما يجلب محبة الله له و ما يجلب محبة الناس له، فقال له النبى صلى الله عليه و سلم: "ازهد فى الدنيا" يعنى: اترك فى الدنيا ما لا ينفعك فى الآخرة، و هذا يتضمن أنه يرغب فى الآخرة، لأن الدنيا و الآخرة ضرتان اذا زهد فى احداهما فهو راغب فى الأخرى بل هذا يتضمن أن الانسان يحرص على القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر و ترك النواهى و يدع ما لا ينفعه فى الآخرة من الأمور التى تضيع وقته و لا ينتفع بها أما ما يكون سببا لمحبة الناس، فقال: "ازهد فيما عند الناس يحبك الناس" فلا يطلب من الناس شيئا و لا يتشوق اليه، و لا يستشرف له و يكون أبعد الناس عن ذلك حتى يحبه الناس، لأن الناس اذا سأل الانسان ما فى أيديهم استثقلوه و كرهوه، و اذا كان بعيدا عن ذلك فانهم يحبونه.

و من فوائد الحديث: حرص الصحابة رضى الله عنهم- على سؤال النبى صلى الله عليه و سلم فيما ينفعهم.
و من فوائده: أن الانسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله و أن يحبه الناس، و يكره أن يمقته الله و يمقته الناس فبين النبى عليه الصلاة و السلام ما يكون به ذلك.
 
الحديث الثانى و الثلاثون

لا ضرر و لا ضرار

عن أبى سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى رضى الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "لا ضرر، و لا ضرار" حديث حسن. رواه ابن ماجه و الدارقطنى و غيرهما مسندا. و رواه مالك فى الموطأ مرسلا عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم، فأسقط أبا سعيد، و له طرق يقوى بعضها بعضا.

الشرح

عن أبى سعيد سعد بن سنان الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا ضرر و لا ضرار" ثم تكلم المؤلف رحمه الله على طرق هذا الحديث.
قوله: "لا ضرار" أى: أن الضرر منفى شرعا، "و لا ضرار" أى: مضاره.
و الفرق بينهما أن الضرر يحصل بلا قصد، و الضرار يحصل بقصد.
فنفى النبى صلى الله عليه و سلم الأمرين، و الضرار أشد من الضرر، لأن الضرار يحصل قصدا كما قلنا.
مثال ذلك: لو أن انسانا له جار و هذا الجار يسقى شجرته فيتسرب الماء من الشجرة الى بيت الجار، لكن بلا قصد، و ربما لم يعلم به، فالواجب أن يزال هذا الضرر، اذا علم به حتى لو قال صاحب الشجرة: أنا ما أقصد المضارة، نقول له: و ان لم تقصد، لأن الضرر منفى شرعا.
و أما الضرار، فان الجار يتعمد الاضرار بجاره فيتسرب الماء الى بيته و ما أشبه ذلك، و كل هذا منفى شرعا، و قد أخذ العلماء من هذا الحديث مسائل كثيرة فى باب الجوار و غيره، و ما أحسن أن يراجع الانسان عليها ما ذكره العلماء فى باب الصلح و حكم الجوار.
 
الحديث الثالث و الثلاثون

البينة و اليمين

عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم و دماءهم، لكن البينة على المدعى، و اليمين على من أنكر" حديث حسن، رواه البيهقى و غيره هكذا، و بعضه فى الصحيحين.

الشرح

قوله: "لو يعطى الناس بدعواهم" أى: بما يدعونه على غيرهم، و ليعلم أن اضافة الشىء تكون على أوجه:
الأول: أن يضيف لنفسه شيئا لغيره، مثل أن يقول: "لفلان على كذا" فهذا اقرار.
و الثانى: أن يضيف شيئا لنفسه على غيره، مثل أن يقول: "لى على فلان كذا و كذا" فهذه دعوى.
و الثالث: أن يضيف شيئا لغيره على غيره، مثل أن يقول: "لفلان على فلان كذا و كذا" فهذه شهادة.

و الحديث الآن فى الدعوى، فلو أدعى شخص على آخر قال: "أنا أطلبك مائة درهم مثلا" فانه لو قبلت دعواه لادعى رجال أموال قوم و دماءهم، و كذلك لو قال لآخر: "أنت قتلت أبى" بدون بينة لكان ادعى دمه، و هذا يعنى أنها لا تقبل دعوى الا ببينة، و لهذا قال: "لكن البينة على المدعى" فاذا ادعى انسان على آخر شيئا قلنا: أحضر البينة، و البينة كل ما بان به الحق سواء كانت شهودا أو قرائن حسية أو غير ذلك.
"و اليمين على من أنكر" أى: من أنكر دعوى خصمه اذا لم يكن لخصمه بينة.
فاذا قال زيد لعمرو: "أنا أطلبك مائة درهم" قال عمرو: لا، قلنا لزيد: ائت ببينة، فان لم يأتى بالبينة، قلنا لعمرو: احلف على نفى ما ادعاه، فاذا حلف برىء.
و هذا الحديث فيه فوائد: منها أن الشريعة الاسلامية حريصة على حفظ أموال الناس و دمائهم، لقوله: "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم و دماءهم".
و من فوائد هذا الحديث: أن المدعى اذا أقام بينة على دعواه حكم له بما ادعاه، لقوله عليه الصلاة و السلام: "لكن البينة على المدعى".
 
الحديث الرابع و الثلاثون

تغيير المنكر

عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فان لم يستطع فبلسانه، فان لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الايمان" رواه مسلم.

الشرح:
قوله: "من رأى" من هذه شرطية و هى للعموم، و قوله: "رأى" يحتمل أن يكون المراد رؤية البصر، أو أن المراد رؤية القلب، و هى العلم، و الثانى أشمل و أعم، و قوله: "منكرا" المنكر هو: ما أنكره الشرع و هو ما حرمه الله عز و جل أو رسوله، قوله: "فليغيره بيده" اللام هذه للأمر، أى: يغير هذا المنكر بأن يحوله الى معروف، اما بمنعه مطلقا أى: بتحويله الى شىء مباح، "بيده" ان كان له قدرة اليد، قوله: "فان لم يستطع" أى: أن يغيره بيده، "فبلسانه" بأن يقول لفاعله: اتقى الله، اتركه، و ما أشبه ذلك، "فان لم يستطع" باللسان، بأن خاف على نفسه أو كان أخرس لا يستطيع الكلام "فبقلبه" أى: يغيره بقلبه و ذلك بكراهته اياه، و قال: "و ذلك أضعف الايمان" أى: أن كونه لا يستطيع أن يغيره الا بقلبه هو أضعف الايمان.

ففى هذا الحديث فوائد:
أولا: وجوب تغيير المنكر على هذه الدرجات و المراتب باليد أولا، و هذا لا يكون الا للسلطان، و ان لم يستطع فبلسانه و هذا يكون لدعاة الخير الذين يبينون للناس المنكرات.
و من فوائده: أن من لا يستطيع لا بيده و لا بلسانه فليغير بقلبه.
و من فوائد هذا الحديث: تيسير الشرع و تسهيله حيث رتب هذه الواجبات على الاستطاعة لقوله: "فان لم تستطع"، "فان لم يستطع".
 
الحديث الخامس و الثلاثون

الحديث الخامس و الثلاثون
أخوة الاسلام

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "لا تحاسدوا، و لا تناجشوا، و لا تباغضوا, و لا تدابروا, و لا يبع بعضكم على بيع بعض, و كونوا عباد الله اخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، و لا يخذله, و لا يكذبه, و لا يحقره، التقوى هاهنا – و يشير الى صدره ثلاث مرات – بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه و ماله و عرضه" رواه مسلم.
الشرح

قوله: "تحاسدوا" هذا نهى عن الحسد، و الحسد هو كراهة ما أنعم الله على أخيك من نعمة دينية أو دنيوية سواء تمنيت زوالها أم لم تتمن, فمتى كرهت ما أعطى الله أخاك من النعم فهذا هو الحسد.
"و لا تناجشوا" قال العلماء: المناجشة أن يزيد فى السلعة، أى: فى ثمنها فى المناداة و هو لا يريد شراءها، و انما يريد نفع البائع أو الاضرار بالمشترى.
"و لا تباغضوا" البغضاء هى الكراهة، أى: لا يكره بعضكم بعضا.
"و لا تدابروا" أن يولى كل واحد الآخر دبره بحيث لا يتفق الاتجاه.
"و لا يبع بعضكم على بيع بعض" يعنى: لا يبيع أحد على بيع أخيه, مثل أن يشترى انسان سلعة بعشرة فيذهب آخر الى المشترى و يقول: أنا أبيع عليك بأقل، لأن هذا يفضى الى العداوة و البغضاء.
"و كونوا عباد الله اخوانا" كونوا يا عباد الله اخوانا، أى: مثل الاخوان فى المودة و المحبة و الألفة و عدم الاعتداء ثم أكد هذه الأخوة بقوله: "المسلم أخو المسلم" للجامع بينهما و هو الاسلام و هو أقوى صلة تكون بين المسلمين.
فوائد الحديث:
أولا: النهى عن الحسد، و النهى للتحريم, و الحسد له مضار كثيرة منها:
أنه كره لقضاء الله و قدره, و منها أنه عدوان على أخيه, و منها أن يوجب فى قلب الحاسد حسرة, كلما ازدادت النعم ازدادت هذه الحسرة فيتنكد عليه عيشه.
و من الفوائد: تحريم المناجشة لما فيها من العدوان على الغير, و كونها سببا للتباغض و أسبابه, فلا يجوز للانسان أن يبغض أخاه أو أن يفعل سببا جالبا للبغض.
و من فوائد الحديث: تحريم التدابر, و هو أن يولى أخاه ظهره, و لا يأخذ منه, و لا يستمع اليه, لأن هذا ضد الأخوة الايمانية.
 
الحديث السادس و الثلاثون

أعمال البر و جزاؤها

عن أبى هريرة رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه و آله و سلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، و من يسر على معسر يسر الله عليه فى الدنيا و الآخرة، و من ستر مسلما ستره الله فى الدنيا و الآخرة، و الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه، و من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة، و ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم الا نزلت عليهم السكينة، و غشيتهم الرحمة، و حفتهم الملائكة، و ذكرهم الله فيمن عنده، و من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" رواه مسلم بهذا اللفظ.

الشرح

قال النووى رحمه الله تعالى فى الأربعين النووية: الحديث السادس و الثلاثون، عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" و الكرب يعنى: الشدة و الضيق و الضنك، و التنفيس معناه: ازالة الكربة و رفعها، و قوله: "من كرب الدنيا" يعم المالية و البدنية و الأهلية و الفردية و الجماعية، "نفس الله عنه" أى: كشف الله عنه و أزال "كربة من كرب يوم القيامة" و لا شك أن كرب يوم القيامة أعظم و أشد من كرب الدنيا، فاذا نفس عن المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، "و من يسر على معسر" أى: سهل عليه و أزال عسرته،
فى هذا الحديث فوائد:
أولا: الترغيب فى تنفيس الكرب عن المؤمنين, لقوله صلى الله عليه و سلم: :من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة".

و من فوائده: الاشارة الى القيامة، و أنها ذات كرب، و قد بين ذلك الله تعالى فى قوله: (يا أيها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شىء عظيم(1)يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد)(الحج:1،2).

و من فوائد هذا الحديث: تسمية ذلك اليوم بيوم القيامة؛ لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين, و يقام فيه العدل و يقوم الأشهاد.
 
الحديث السابع و الثلاثون

كرم الله

عن ابن عباس رضى الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال: "ان الله كتب الحسنات و السيئات، ثم يبين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، و ان هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة، و ان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، و ان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة" رواه البخارى و مسلم فى صحيحيهما بهذه الحروف.

الشرح

الحديث السابع و الثلاثون عن ابن عباس رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى قال: "ان الله كتب الحسنات و السيئات" اذا عبر الصحابى بمثل هذا التعبير أى عن النبى صلى الله عليه و سلم فيما يرويه أو فيما رواه عن ربه فانه يسمى عند أهل العلم حديثا قدسيا، قوله: "ان الله كتب الحسنات و السيئات" أى: كتب ثوابهما و كتب فعلهما فهو الذى كتب السيئات و كتب الحسنات؛ لأن الله تعالى حين خلق القلم قال له: "اكتب" قال: رب، و ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن الى يوم القيامة، فجرى فى تلك الساعة بما هو كائن الى يوم القيامة"، و ظاهر سياق الحديث أن المراد بهذه الكتابة، الكتابة الثانية، و هى كتابة الثواب، لقوله: "ثم بين ذلك" أى: وضحه بالتفصيل، فقال: "فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة" الهم يعنى: الارادة، أراد الانسان أن يعمل حسنة و لكنه لم يعملها.
من فوائده: أن الله سبحانه و تعالى كتب للحسنات جزاء و للسيئات جزاء، و هذا من تمام عدله و احكامه جل و علا للأمور.
و من فوائد هذا الحديث: أن رحمة الله سبقت غضبه حيث جعل الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيرة، و أما السيئة فواحدة.
و من فوائد هذا الحديث: الفرق بين الهم بالحسنة و الهم بالسيئة، فالحسنة اذا هم بها الانسان و لم يعملها كتب الله عنده حسنة كاملة، و هذا مما اذا تركها لغير عذر فانه يكتب له الاجر كاملا أجر النية، و اذا كان من عادته أن يعملها و لكن تركها لعذر فانه يكتب له الأجر كاملا أجر النية و العمل؛ لحديث: "من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما".
 
الحديث الثامن و الثلاثون

غضب الله و رضاه

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "ان الله تعالى قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، و ما تقرب الى عبدى بشىء أحب الى مما افترضته عليه، و لا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه، فاذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به, و بصره الذى يبصر به, و يده التى يبطش بها, و رجله التى يمشى بها, و لئن سألنى لأعطينه, و لئن استعاذنى لأعيذنه" رواه البخارى.

الشرح:

قوله: "ان الله تعالى قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب" هذا الحديث حديث قدسى لأن النبى صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه وكل حديث رواه النبى صلى الله عليه و سلم عن ربه يسمى عند العلماء حديثا قدسي.

المعاداة ضد الموالاة, و الولى ضد العدو، و أولياؤه سبحانه و تعالى هم المؤمنون المتقون و دليله قوله تعالى: (ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون(62) الذين آمنوا و كانوا يتقون) (يونس:62،63).
ى هذا الحديث فوائد:
أولا: و أعنى به الحديث الثامن و الثلاثين فيه فوائد، أولا: اثبات الولاية لله عز و جل، أى: أن لله تعالى أولياء, و هذا قد دل عليه القرآن الكريم, قال الله تعالى: (ألا ان أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون(62) الذين آمنوا و كانوا يتقون).

و من فوائده: كرامة الأولياء على الله حيث كان الذى يعاديهم قد آذن الله بالحرب.

و من فوائده: أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب؛ لأن الله جعل ذلك ايذانا بالحرب.

و من فوائد هذا الحديث: أن الفريضة أحب الى الله من النافلة لقوله: "و ما تقرب الى عبدى بشىء أحب الى مما افترضته عليه".

و من فوائد هذا الحديث: الاشارة الى أن أوامر الله عز و جل نوعان: فرائض و نوافل.

و من فوائد هذا الحديث: اثبات المحبة لله عز و جل لقوله: "أحب الى مما افترضته عليه" و المحبة صفة قائمة بذات الله سبحانه و تعالى, و من ثمراتها الاحسان الى المحبوب و ثوابه و قربه من الله عز و جل.
 
الحديث التاسع و الثلاثون
ما لا اثم فيه

عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: "ان الله تجاوز لى عن أمتى الخطأ و النسيان، و ما استكرهوا عليه" حديث حسن، رواه ابن ماجه و البيهقى و غيرهما.

الشرح

قوله: "تجاوز" بمعنى: عفا، "الخطأ" فعل الشىء عن غير قصد. "النسيان" ذهول القلب عن شىء معلوم، و الاستكراه الجاء الانسان، و هذه ثلاثة أشياء بين فيها النبى صلى الله عليه و سلم أن الله تجاوز عن أمته هذه الأشياء الثلاثة، و قد دل على ذلك القرآن، قال الله تعالى: (ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا) (البقرة:286)، فقال الله: قد فعلت، و قال الله تعالى: (و ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به و لكن ما تعمدت قلوبكم) (الأحزاب:5)،
و قال تعالى: (من كفر بالله من بعد ايمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله و لهم عذاب عظيم) (النحل:106).

فيستفاد من هذا الحديث فوائد: منها سعة رحمة الله عز و جل، و أن رحمته سبقت غضبه.
و منها: أن الانسان اذا فعل الشىء خطأ فانه لا يؤاخذ عليه، و لكن ان كان محرما فانه لا يترتب عليه اثم و لا كفارة و لا فساد عبادة وقع فيها، و أما ان كان ترك واجب فانه يرتفع عنه الاثم و لكن لابد من تدارك الواجب.

و من فوائد هذا الحديث: أن من أكره على شىء قولى أو فعلى فانه لا يؤاخذ به لقوله: "و ما استكرهوا" و هذا عام سواء كان الاكراه على فعل أو على قول.
و لا دليل لمن فرق بين الاكراه على الفعل و الاكراه على القول، لكن اذا كان الاكراه فى حق آدمى فانه يعامل بما تقتضيه الأدلة الشرعية، مثل: أن يكره شخصا على قتل شخص آخر فانه يقتل المكره و المكره، لأن الاكراه لا يبيح قتل الغير، و لا يمكن و لا يجوز للانسان أن يستبقى حياته باتلاف غيره.
 
الحديث الأربعون

قصر الأمل

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بمنكبى فقال: "كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" و كان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، و اذا أصبحت فلا تنتظر المساء، و خذ من صحتك لمرضك, و من حياتك لموتك. رواه البخارى.

الشرح

الحديث الأربعون, عن ابن عمر - رضى الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبى" يعنى: أمسك بهما لأجل أن يسترعى انتباهه ليحفظ ما يقول، فقال له: "كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" الغريب هو: المقيم فى البلد و ليس من أهلها أو عابر سبيل, هو الذى مر بالبلد، و هو ماشى مسافر, و مثل هؤلاء أعنى الغريب أو عابر السبيل لا يتخذ هذا البلد موطنا و مستقرا؛ لأنه مسافر فأخذت هذه الموعظة من عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ما أخذت من قلبه.

و لهذا كان يقول: "اذا أمسيت فلا تنتظر الصباح, و اذا أصبحت فلا تنتظر المساء" يعنى: اذا أمسيت فلا تقول: سوف أبقى الى الصباح، كم من انسان أمسى و لم يصبح, و كذلك قوله: "و اذا أصبحت فلا تنتظر المساء" فكم من انسان أصبح و لم يمسى, و مراد ابن عمر فى ذلك: أن ينتهز الانسان الفرصة للعمل الصالح حتى لا تضيع عليه الدنيا و هو لا يشعر.
قال: "و خذ من صحتك لمرضك" يعنى: بادر فى الصحة قبل المرض، فان الانسان ما دام صحيحا يسهل عليه العمل؛ لأنه صحيح منشرح الصدر، منبسط النفس، و المريض يضيق صدره، و لا تنبسط نفسه، فلا يسهل عليه العمل.
"و من حياتك لموتك" أى: انتهز الحياة ما دمت حيا قبل أن تموت لأن الانسان اذا مات انقطع صح ذلك عن النبى صلى الله عليه و سلم حيث قال: "اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث: صدقة جارية, أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

و من فوائد هذا الحديث: أنه ينبغى للانسان ألا يجعل الدنيا مقر اقامة، لقوله: "كن فى الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل".
و من فوائده: أنه ينبغى للعاقل ما دام باقيا، و الصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.
و منها: أنه ينبغى للمعلم أن يفعل الأسباب التى يكون فيها انتباه المخاطب؛ لأن النبى صلى الله عليه و سلم أخذ بمنكبى عبد الله بن عمر رضى الله عنهما - .
و من فوائد الحديث: فضيلة عبد الله بن عمر رضى الله عنه حيث تأثر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه و سلم.
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
العودة
Top Bottom