التفاعل
18
الجوائز
677
- تاريخ التسجيل
- 28 جانفي 2008
- المشاركات
- 3,611
- آخر نشاط
- الجنس
- ذكر
خطبة الحاجة أصلها ومدلولها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
وردت خطبة الحاجة من طريق عدد من الصحابة منهم: ابن مسعود أخرج حديثه
الأمام أحمد ح (3536)، والترمذي ح ( 1023) وصححه، والنسائي ح (1387)، أبو داود ح (1809) قال: ((عَلَّمَنَا النبي صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) (آل عمران : 122). ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)) (النساء : 1). ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) ( الأحزاب : 71،70) .
ثُمَّ تَذْكُرُ حَاجَتَكَ، واللفظ لأحمد.، ويشهد له حديث عبد الله بن عباس، أخرجه مسلم ح (868)، وأحمد في مسنده ح (2613) .
قال: (( إنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ فَقَالَ لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ قَالَ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ فَهَلْ لَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ قَالَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فَقَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ قَالَ فَقَالَ هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ فَبَايَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى قَوْمِكَ قَالَ وَعَلَى قَوْمِي قَالَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيْشِ هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً فَقَالَ رُدُّوهَا فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ . واللفظ لمسلم .
ويشهد لخطبة الحاجة أيضاً ما أخرجه مسلم ح (867)، والنسائي ح (1560) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَخَيْرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ)) .
وهذه الخطبة تسمى خطبة الحاجة لقول عبد الله بن مسعود : ((عَلَّمَنَا النبي صلى الله عليه وسلم خُطْبَةَ الْحَاجَةِ
فيشرع للإنسان أن يأتي بها عند كل حاجة مثل عقد النكاح والموعظة ونحو ذلك، وقد اشتهر عند أهل العلم أنها تقال عند عقد النكاح، ولهذا يذكرون حديث ابن مسعود في كتاب النكاح، وخطبة الحاجة على وجازة ألفاظها تضمنت معاني عظيمة وكلمات جامعة، وفيها إظهار العبودية والافتقار والتذلل لله تبارك وتعالى، وهذا تحليل موجز لمضامين هذه الخطبة الجامعة:
1- تضمنت هذه الخطبة كلمة التوحيد، وهي الشهادة لله بالوحدانية والإقرار له بالألوهية، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وأنه عبد لله ففي قوله صلى الله عليه وسلم: (( أشهد أن لا إله إلا الله )) شهادة بنفي العبادة عما سوى الله، وإثباتها لله سبحانه وتعالى، يعني: إبطال عبادة كل ما سوى الله وإثبات العبادة لله، فعلى هذا معنى لا إله إلا الله: لا معبود – بحق أو لا معبود حقاً – إلا الله سبحانه وتعالى، لأن المعبودات على قسمين: معبود بحق، ومعبود بالباطل، المعبود بحق هو الله، والمعبود بالباطل هو ما سوى الله من كل المعبودات، قال تعالى: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ )) (الحج :62).
وكلمة (لا إلا الله) كلمة عظيمة، جاءت في أكثر من موضع في القرآن الكريم بلفظها وبمعناها، كما في قوله تعالى: ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ )) (محمد:19).
وقوله تعالى: (( إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) (الصافات:35).
وكلمة التوحيد هي أفضل الذكر وهي كلمة التقوى والإخلاص، ودعوة الحق، وهي براءة من الشرك، ولأجلها خُلق الخلق، وأرسلت الرسل، ، وأُنزلت الكتب، وأعدت دار الثواب ودار العقاب في الآخرة، فمن قالها وعمل بمقتضاها كان من أهل الجنة، ومن ردها وعمل بما يناقضها كان من أهل النار، ومن أجلها شرع الجهاد، من قالها عصم ماله ودمه، وهي مفتاح دعوة الرسل، وهي تمحو الذنوب، وتجدد ما درس من الإيمان في القلب . والشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة معناها الإيمان بأنه رسول من الله تجب طاعته واتباعه والاقتداء به وتوقيره ومحبته .
2- الاعتراف بأن الله هو الذي يستحق الحمد دون سواه، والتعبد لله بحمده والثناء عليه، ومعنى الحمد: الثناء على الله تبارك وتعالى لما اتصف به من صفات الكمال والجلال والجمال ، ولنعمه وآلائه على عباده ، فهو المستحق للحمد دون سواه و ((أل)) في الحمد للاستغراق أي جميع أصناف الحمد له سبحانه وتعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((فإن الله سبحانه أخبر أن له الحمد، وأنه حميد مجيد، وأن له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم ونحو ذلك من أنواع المحامد .
والحمد نوعان: حمد على إحسانه إلى عباده، وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله، وهذا الحمد لا يكون إلا على ما هو في نفسه مستحق للحمد، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال)) [1]والشكر مثل الحمد إلا أن الحمد أعم منه، قال القرطبي : ((الحمد ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من الإحسان وهذا قول علماء اللغة))[2].
وقال ابن القيم: ((والفرق بين الحمد والشكر: أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه، وأخص من جهة متعلقاته، والحمد أعم من جهة المتعلقات وأخص من جهة الأسباب، ومعنى هذا أن الشكر يكون بالقلب خضوعاً واستكانة وباللسان ثناءً واعترافاً ، وبالجوارح طاعة وانقياداً، ومتعلقاته: النعم دون الأوصاف الذاتية، فلا يقال: شكرنا الله على حياته وسمعه وبصره وعلمه وهو المحمود على إحسانه وعدله والحمد يكون على الإحسان والنعم، فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس، وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس، فإن الشكر يقع بالجوارح والحمد يقع بالقلب واللسان)) .
3- طلب الاستعانة من الله ، والاستعانة: الثقة بالله والاعتماد عليه، والعبد محتاج للاستعانة بالله على مصالح دينه ودنياه، فهو محتاجٌ إليها في فعل المأمورات وترك المحظورات، وفي الصبر على المقدورات، كما قال يعقوب عليه السلام:
((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )) (يوسف : 18)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( تأملت أنفع الدعاء فإذا هو: سؤال العون على مرضاته، ثم رأيته في الفاتحة في: ((إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)) (الفاتحة: 5).
ومن أسماء الله الحسنى المستعان، وقد ورد في القرآن الكريم مرتان ، في قوله عز وجل: ((فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) (يوسف : 18) .
وفي قوله تعالى: ((قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)) (الأنبياء :112)
والمستعان معناه: الذي يُطْلَبُ منه العون، والعون الظهير على الأمر، وهو سبحانه غني عن الظهير والمعين والشريك، فهو سبحانه يُعين عباده ولا يستعين بأحد منهم لا في الأرض ولا في السماوات قال تعالى: ((قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)) (سبأ : 22) .
قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – عند شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (( وإذا استعنت فاستعن بالله )) قال: الاستعانة بالله وحده منتزع من قوله تعالى: ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )، وهي كلمة عظيمة جامعة يقال: إن سر الكتب الإلهية كلها ترجع إليها وتدور عليها، وفي استعانة الله وحده فائدتان: إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات، والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل ، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز))[3].
وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: ((اللهم أعني على ذكر وشكرك وحسن عبادتك، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : ((يا رب أعني ولا تعن علي))[4].
4-طلب الاستغفار من الله، والاستغفار والمغفرة أصلها الغفر: أي التغطية والستر، وغفر الله له ذنوبه أي سترها، فالاستغفار من الذنوب هو طلب المغفرة، والعبد أحوج ما يكون إليه لأنه يخطئ بالليل والنهار، وقد تكرر في القرآن ذكر التوبة والاستغفار، والأمر بهما، والحث عليهما، وحث النبي صلى الله عليه وسلم على طلب المغفرة واستغفار الله سبحانه وتعالى، أخرج أحمد [5]عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ .... ) ، وأخرج البخاري [6]من حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً)) وأخرج مسلم [7]من حديث الْأَغَرَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)) وأخرج الإمام أحمد [8]من حديث ابن عمر قال: ( إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ يَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ مِائَةَ مَرَّةٍ )) والله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالغفور في إحدى وتسعين آية، وسمى نفسه بالغفار في خمس آيات، فورود الغفور في القرآن أكثر من الغفار، وكلاهما من أبنية المبالغة، قال تعالى: ((أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)) ( الشورى : 5) .
وقال تعالى: ((نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ))( الحجر : 49) .
وقال تعالى: ((وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ )) ( البروج : 14) .
وقوله تعالى: ((أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ)) ( الزمر : 5) . .
وقوله تعالى: (( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ))( ص : 66) .
وقوله تعالى: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً)) ( نوح : 10) . .
وأما الغافر فقد ورد مرة واحدة في القرآن، وذلك في قوله تعالى: ((غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ))( غافر : 3) .
فالله – سبحانه وتعالى – هو الغفور والغفار والغافر الذي يغفر الذنوب جميعاً ويسترها، وفي هذا حث لعباده أن يطلبوا منه المغفرة وستر الذنوب والتجاوز عن السيئات .
5-الاستعاذة بالله . والاستعاذة معناها الالتجاء والاستجارة بالله في دفع كل مكروه، وقد جاء في هذه الخطبة الاستعاذة من شرور الأنفس وسيئات الأعمال، فالنفس أمارة بالسوء، وفيها أخلاق رديئة وطباع غير لائقة تحتاج إلى تزكية وتهذيب، والذنوب والسيئات لها آثار وخيمة على القلب والبدن، ولا يعيذ من شرور الأنفس وسيئات الأعمال وينجي من عواقبها إلا الله عز وجل، فهو الذي يؤتي النفوس تقواها ويزكيها وهو خير من زكاها، وقد ذكرت مادة " التعوذ " أو الاستعاذة في القرآن الكريم نحو خمس عشرة مرة، ودلنا التنزيل الحميد على أن التعوذ أمر مطلوب في كثير من المواقف والأحوال ، وهو أيضاً من صفات الأنبياء والرسل فجاء في سورة هود عن نوح عليه السلام: ((قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) (هود : 47).
وقال موسى عليه السلام: ((أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)).
ويوسف عليه السلام يذكر القرآن الكريم أنه تحلى بفضيلة التعوذ فقال: ((مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)) (يوسف : 23) .
وقال: ((مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ)) (يوسف : 79).
وفي السنة النبوية كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من التعوذ بالله ، وكان من تعوذه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه مسلم [9]من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) .
.. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ))[10].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ))[11].
ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ))[12].
قال ابن القيم رحمه الله: حديث: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن تضمن الاستعاذة من ثمانية أشياء كل اثنين منها قرينان مزدوجان، فالهم والحزن أخوان، والعجز الكسل أخوان، والجبن والبخل أخوان، وضلع الدين وغلبة الرجال أخوان، فأن المكروه المؤلم إذا ورد على القلب فإما أن يكون سببه أمراً ماضياً، فيُوجب له الحزن، وإن كان أمراً متوقعاً في المستقبل، أوجب الهم، وتخلفُ العبد عن مصالحه وتفويتها عليها إما أن يكون من عدم القدرة وهو العجز، أو من عدم الإرادة وهو الكسل، وحبس خيره ونفعه عن نفسه وعن بني جنسه، إما أن يكون منع نفعه ببدنه فهو الجبن، أو بماله فهو البخل، وقهرُ الناس له إما بحق فهو ضَلع الدين أو بباطل فهو غلبة الرجال فقد تضمن الحديث الاستعاذة من كل شر)[13].
هذا وقد طلب الله سبحانه وتعالى أن نتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة القرآن الكريم قال تعالى: ((فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)) (النحل : 98).
قال ابن كثير: (ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطيب له، وهو لتلاوة كلام وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني والذي لا يقدر على منه ودفعه إلا الله الذي خلقه ولا يقبل مصانعة ولا يداري بالإحسان ، بخلاف العدو من نوع الإنسان).